آثار الرهن الرسمي
166- آثار الرهن الرسمي فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير : عقد الرهن الرسمي يكسب الدائن المرتهن حقاً على العقار المرهون هو حق الرهن ، وهذا الحق يقيم علاقة فيما بينه وبين الراهن . وبموجب هذا الحق يستطيع الدائن المرتهن ، إذا حل أجل دينه ، أن يستعمل دعوى الرهن على العقار المرهون ، فيكون له حق تقدم على جميع الدائنين العاديين لمدينه وكذلك على الدائنين المقيدين إذا كانوا متأخرين في المرتبة . ويكون له كذلك حق تتبع ، فيتتبع العقار المرهون ، فيما إذا انتقلت ملكيته من الراهن ، في يد من انتقلت إليه الملكية وهو الحائز للعقار .
وعلى ذلك نقسم هذا الفصل الثاني إلى فرعين : ( 1 ) آثار الرهن الرسمي فيما بين المتعاقدين . ( 2 ) آثار الرهن الرسمي بالنسبة إلى الغير .
الفرع الأول
آثار الرهن الرسمي فيما بين المتعاقدين
167- آثار الرهن الرسمي فيما يتعلق بالراهن وفيما يتعلق بالدائن المرتهن : عقد الرهن الرسمي يلزم الراهن دون أن يلزم الدائن المرتهن ، وحق الرهن الرسمي لا يحرم الراهن من ملكيته للعقار المرهون إلا إذا نزعت ملكيته تنفيذاً عليه . ويرتب الرهن الرسمي للدائن المرتهن في مواجهة الراهن .
-383 المبحث الأول
آثار الرهن الرسمي فيما يتعلق بالراهن
§ 1 – التزام الراهن
168- التزامان : يلزم عقد الرهن الرسمي الراهن ، سواء كان هو المدين أو كان كفيلا عينياً ، بالتزامين : ( 1 ) إنشاء الراهن لحق عيني على العقار المرهون هو حق الرهن . ( 2 ) ضمان الراهن لسلامة حق الرهن .
169- إنشاء الراهن لحق الرهن : يلتزم الراهن بإنشاء حق الرهن للدائن المرتهن على العقار المرهون ، كما يلتزم البائع بنقل ملكية العين المبيعة إلى المشتري( [238] ) . فإذا كان الراهن مالكاً للعقار المرهون ، أنشئ حق الرهن الرسمي من تلقاء نفسه . وفي هذا تقول المادة 204 مدني : “الالتزام ينقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق ، إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم ، وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل” . وهذا النصي شمل الالتزام بإنشاء حق عيني والالتزام بنقل حق عيني ، فينشأ الحق العيني إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم . فإذا كان الراهن يملك العقار المرهون ، كان العقار شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم ، فينشأ حق الرسمي من تلقاء نفسه بمجرد انعقاد عقد -384 الرهن الرسمي صحيحاً . ولا شأن لنا هنا بالقواعد المتعلقة بالتسجيل لأن قواعد التسجيل لا يخضع لها الرهن وإنما يخضع لقواعد القيد كما سنرى . وعلى ذل يتم تنفيذ هذا الالتزام الأول بإنشاء حق الرهن الرسمي بمجرد انعقاد البيع الصحيح قبل قانون التسجيل الصادر في سنة 1923 إذ كان عقد البيع نفسه دون تسجيل ينشئ التزاماً بنقل ملكية المبيع . وهذا هو الرأي السائد في هذا الخصوص ، وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : “ويستخلص من مجموع هذا الأحكام أن عقد الرهن يرتب حقاً عينياً على العقار المرهون ، ويترتب هذا الحق دون حاجة إلى القيد فيما بين المتعاقدين ، ولا ينفذ في حق الغير إلا بالقيد”( [239] ) .
وهناك رأي يذهب إلى أن “المصدر الحقيقي للرهن الرسمي هو واقعة القيد . . . أما العقد فلا يمكن أن يتولد عنه التأمين العيني بما يستوجبه من حق التقدم وحق التتبع ، ذلك أن العقد يقتصر أثره في الأصل على المتعاقدين ولا يتعداهما ، في حين أن التأمين العيني يظهر أثره ابتداء في حق الغير . ولذلك فهو لا ينشأ إلا عن تلك الواقعة القانونية التي جعلها القانون مصدراً للتأمين العيني . . . فالواقع أن حق الرهن لا وجود له فيما بين المتعاقدين ولا ينشأ عن عقد الرهن ، وهو إذا نشأ كان حتماً نافذاً في حق الغير ، وإلا لما كانت هناك فائدة من وجوده”( [240] ) . وينضم إلى هذا الرأي -385 فقيه آخر أن حق الرهن لا ينشأ إلا ابتداء من وقت القيد ، ولكنه لا يرى لهذا الخلاف أثراً علمياً( [241] ) .
والخلاف ليس له اثر عملي كبير ، وهو أقرب إلى الفقه منه إلى العمل . والذي يجعل المسألة قريبة من العمل هو ، كما يقول أحد الفقهاء ، هل إذا بيع العقار المرهون قبل القيد يباع بموجب حق الرهن أو بموجب الحق في الضمان العام؟ ويجيب الفقيه على ذلك بحق أن المرتهن يستطيع أن ينفذ على العقار المرهون قبل القيد باعتباره دائناً مرتهناً لا باعتباره دائناً عادياً ، “ويظهر هذا بصفة خاصة في الحالات التي لا يكون فيها للمرتهن أي حق في الضمان العام في مواجهة الراهن ، كما لو كان الراهن شخصاً آخر غير المدين وهو الكفل العيني ، وفي شأنه يقرر المشروع في المادة 1050 مدني أنه لا يجوز التنفيذ على ماله إلا ما رهن من هذا المال . . ولا يعتبر هذا مباشرة للضمان العام للدائن إذا ليس للدائن ضمان عام أصلا على ذمة الكفيل العيني ، فحقه قاصر فقط على الرهن الوارد على عقار مملوك للراهن غير المدين”( [242] ) .
-386 170- ضمان الراهن لسلامة حق الرهن – نص قانوني : تنص المادة 1047 مدني على ما يأتي :
“يلتزم الراهن بضمان سلامة الرهن ، وللدائن المرتهن أن يعترض على كل عمل أو تقصير يكون من شأنه إنقاص ضمانه إنقاصاً كبيراً ، وله في حالة الاستعجال أن يتخذ ما يلزم من الوسائل التحفظية وأن يرجع على الراهن بما ينفق في ذلك”( [243] ) .
وقد عرض المشرع في هذا النص لضمان الراهن لسلامة حق الرهن ، وعرض في النص التالي ( م 1048 مدني ) تطبيقاً لذلك لهلاك العقار المرهون أو تلفه ، وعرض في النص الذي بعده ( م 1049 مدني ) لحلول الحق الذي يترتب على هلاك العقار المرهون أو تلفه محل العقار المرهون حلولا عينياً . وتعالج هذه المسائل الثلاث بهذا الترتيب .
ففيما يتعلق بضمان الراهن لسلامة حق الرهن ، يكون هذا الضمان في عقد الرهن الرسمي كضمان البائع للتعرض والاستحقاق في عقد البيع . فلا يجوز ، فيما يتعلق بضمان التعرض الشخصي ، أن يقوم الراهن بترتيب أي حق على -387 العقار المرهون يشهر قبل قيد الرهن ، أو أن يقوم بأي عمل يترتب عليه إنقاص العقار المرهون إنقاصاً كبيراً أو تخريبه . وإذا نزع الراهن شيئاً من العقار المرهون أو من ملحقاته ، كأن يبيع المواشي التي تخدم الأرض أو يبيع الأنقاض بعد هدم جزء من المباني ، فتقع في يد مشتر حسن النية فيملكها بالحيازة خالصة من الرهن ، كان للدائن المرتهن الرجوع على الراهن بضمان التعرض الشخصي( [244] ) . فيعيد الراهن إلى الأرض مواشي أخرى تساوي في القيمة المواشي التي بيعت ، أو يرمم المباني فيعيدها سيرتها الأولى . وإذا لم يتسلم المشتري المواشي أو الأنقاض ، أو تسلمها وهو سيء النية ، فإنها تبقى مثقلة بحق الرهن . ويجوز للدائن المرتهن أيضاً أن يتخذ ما يلزم من الوسائل التحفظية ، كأن يطلب إقامة حارس وقد يقيم الراهن نفسه حارساً ، وكأن يطلب ترميم ما تخرب من العقار المرهون ، وله أن يرجع على الراهن بما أنفق من المصروفات في كل ذلك( [245] ) .
-388 وفيما يتعلق بضمان الراهن لتعرض الغير ، يكون الراهن ملتزماً بدفع كل ادعاء للغير بحق على العين المرهونة من شأنه أن يمس بحق الدائن المرتهن . فإذا ادعي الغير أنه هو المالك للعقار وأن الرهن الصادر من الراهن لم ينقل إلى المرتهن حق الرهن لأنه صادر من غير مالك ، أو ادعي الغير أنه دائن مرتهن قدي حق رهنه على العقار المرهون قبل أن يقيد الدائن المرتهن حقه ، أو ادعي أن له حق ارتفاق على العقار المرهون وكان الدائن المرتهن قد رتب حق رهنه على أن حق الارتفاق هذا لا يوجد ، فعلى الراهن أن يدفع هذا الادعاء من الغير . فإن لم يستطع ، كان للدائن المرتهن أن يطالب بتقديم تأمين كافٍ أو بتكملة التأمين المقدم ، أو بسقوط أجل الدين ودفعه فوراً .
ونرى من ذلك أن ضمان الراهن لتعرضه الشخصي ولتعرض الغير هو في الواقع من الأمر الجزاء الكافي على التزام الراهن بضمان سلامة الرهن ، فالراهن ملتزم بأن يكون الرهن مستجيباً للأغراض التي عقده من أجلها ، فإن اختل غرض من هذه الأغراض ، سواء بخطأ الراهن أو بغير خطأه ، وجب على الراهن الضمان على النحو الذي أسلفناه فيما تقدم .
171- هلاك العقار المرهون أو تلفه – نص قانوني : تنص المادة 1048 مدني على ما يأتي :
“1- إذا تسبب الراهن بخطأه في هلاك العقار أو تلفه ، كان الدائن المرتهن مخبراً بين أن يقتضي تأميناً كافياً أو يستوفي حقه فوراً” .
“2- فإذا كان الهلاك أو التف قد نشأ عن سبب أجنبي ولم يقبل الدائن بقاء المدين بلا تأمين ، كان المدين مخيراً بين أن يقدم تأميناً كافياً أو أن يوفي الدين فوراً قبل حلول الأجل . وفي الحالة الأخيرة إذا لم يكن للدين فوائد ، فلا يكون للدائن حق إلا في استيفاء مبلغ يعادل قيمة الدين منقوصاً منها الفوائد بالسعر القانوني عن المدة ما بين تاريخ الوفاء وتاريخ حلول أجل الدين” .
-389 “3- وفي جميع الأحوال إذا وقعت أعمال من شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو التلف أو تجعله غير كافٍ للضمان كان للدائن أن يطلب إلى القاضي وقف هذه الأعمال واتخاذ الوسائل التي تمنع وقوع الضرر”( [246] ) .
وليس هذا النص إلا تطبقاً لما قدمناه من التزام الراهن بسلامة حق الرهن ، وهو في الوقت ذاته تطبيق خاص بعقد الرهن الرسمي لقاعدة عامة في الدين المؤجل إذا كان ضعف التأمين الخاص بهذا الدين راجعاً إلى خطأ المدين أو إلى سبب لا دخل لإرادة المدين فيه ذلك أن المادة 273/2 مدني تنص على ما يأتي : “يسقط حق المدين في الأجل” ( 1 ) . . . . . . . . . ( 2 ) إذا أضعف بفعله إلى حد كبير ما أعطي الدائن من تأمين خاص ، ولو كان هذا التأمين قد أعطي بعقد لاحق أو بمقتضى القانون ، هذا ما لم يؤثر الدائن أن يطالب بتكملة التأمين . أما إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة المدين فيه . فإن الأجل يسقط ما لم يقدم المدين للدائن ضماناً كافياً . ( 3 ) . . . ” . وعلى ذلك إذا هلك العقار المرهون أو تلف كأن احترق أو تهدم ، فقد يكون السبب في هلاك العقار أو تلفه خطأ المدين الراهن أو خطأ الدائن المرتهن ، أو سبباً أجنبياً لا دخل لإرادة الاثنين فيه كما لو وقع الهلاك أو التلف بفعل الغير أو قضاء وقدراً .
-390 فإن كان الهلاك أو التلف بخطأ المدين الراهن ، كان للدائن المرتهن الخيار بين أن يقتضي تأميناً كافياً بدلا من التأمين الهالك أو التالف ، أو أن يسقط أجل الدين حالا فيتقاضاه فوراً . وهذه الرعاية لجانب الدائن المرتهن سببها أن الهلاك أو التلف قد قع بخطأ المدين الراهن ، فوجب أن يكون الخيار للدائن المرتهن( [247] ) .
وإن كان الهلاك أو التلف بخطأ الدائن المرتهن ، وهذا نادر لأن حيازة العقار في الرهن الرسمي لا تنتقل إلى الدائن المرتهن فيبقى هذا بعيداً عنه ، لم يطلب الدائن المرتهن شيئاً لأن الهلاك بخطأه هو . بل يجب عليه أن يدفع تعويضاً عما أتلفه بخطأه بناء على قواعد المسئولية التقصيرية ، وهذا التعويض يحل محل ما هلك من العقار أو تلف ، ويصبح مرهوناً مثله في دين الدائن المرتهن( [248] ) . وهذا مثل من أمثلة الحلول العيني سيأتي بيانه .
وإن كان الهلاك أو التلف بسبب أجنبي ، كان المدين الراهن بالخيار بين إسقاط أجل الدين ودفع الدين فوراً للدائن المرتهن أو تقديم تأمين كافٍ بدلا من التأمين الهالك أو التالف . فإذا اختار المدين الراهن الأمر الأول وكان الدين بفوائد اتفاقية ، لم يدفع المدين الراهن من هذه الفوائد إلا ما سرى منها وقت إسقاط أجل الدين . أما إذا كان الدين بغير فوائد اتفاقية ، فإن المدين الراهن يستنزل م الدين قبل دفعه فوائد بالسعر القانوني ( 4% في المسائل المدنية و 5% في المسائل التجارية ) عن المدة ما بين وفاء الدين للدائن -391 المرتهن وحلول أجل الدين في ميعاده الأصلي ، لأن المدين الراهن لم يستفد من الدين في هذه المدة( [249] ) . وهذه الرعاية لجانب المدين الراهن سببها أن الهلاك أو التلف لم يكن بخطأه بل كان بسبب أجنبي ، فوجب أن يون الخيار له( [250] ) .
وإذا لم يهلك العقار أو يتلف ، ولكن وقعت أعمال من شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو التلف ولو لم يكن للراهن يد في هذه الأعمال ، كما إذا سمح الراهن لشخص بسكنى العقار المرهون وأخذ الساكن ما تهيأ له من الوسائل للقيام بأعمال من شأنها أن تنقص قيمة العقار أو تجعله غير كاف لضمان الدين ، أو كما إذا أزمع الجار أن يقيم بناء لو تم كان فيه اعتداء على العقار المرهون أو على حقوق ارتفاق لهذا العقار ، جاز للدائن المرتهن -392 أن يتخذ من الوسائل ما يمنع ذلك . فيجوز له ، دون وساطة الراهن( [251] ) ، أن يطلب من القاضي أن يحكم بوقف هذه الأعمال ، فيمنع الساكن من القيام بما كان في عزمه أن يقوم به ، أو يمنع الجار من أن يقيم البناء ، في وضع يكون فيه اعتداء على العقار المرهون . وللدائن المرتهن أن يتخذ من الوسائل التي تمنع وقوع الضرر ما يكفي لذلك ، ولو بوضع العقار المرهون تحت الحراسة . وتقول الفقرة الثالثة من المادة 1048 مدني سالفة الذكر في هذا الخصوص : “وفي جميع الأحوال إذا وقعت أ‘مال من شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو التلف أو تجعله غير كافٍ للضمان ، كان للدائن أن يطلب إلى القاضي وقف هذه الأعمال واتخاذ الوسائل التي تمنع وقوع الضرر” .
172- حول الحق الذي يترتب على هلاك العقار المرهون أو تلفه محل العقار المرهون حلولا عينيا – نص قانوني : تنص المادة 1049 مدني على ما يأتي :
“إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان ، انتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك ، كالتعويض أو مبلغ التأمين أو الثمن الذي يقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة”( [252] ) .
-393 وظاهر من هذا النص أن فيه تطبيقاً الحلول العيني ، فهو يفرض أن العقار المرهون قد هلك أو تلف لأي سبب كان ، سواء كان ذلك بخطأ الراهن أو بغير خطأه ، ولكن ترتب على الهلاك أو التلف أن استحق حق آخر ، فإن هذا الحق الآخر ينتقل الرهن إليه . والسبب في ذلك أن الحق قد حل محل العقار المرهون الهالك أو التالف حلولا عينياً ، فأصبح مرهوناً مثله .
ويورد النص أمثلة ثلاثة لاستحقاق حق بسبب هلاك العقار المرهون أو تلفه . فقد يكون هذا الحق هو حق تعويض في ذمة الغير الذي تسبب بخطأه في هلاك العقار أو تلفه ، وقد يكون مبلغ تأمين يجب أن تدفعه شركة التأمين بسبب هلاك العقار المؤمن عليه أو تلفه ، وقد يكون ثمناً تقرر في مقابل نزع ملكية العقار المرهون للمنفعة العامة . وهناك أمثلة أخرى ، فقد ينزع الراهن بعض العقارات بالتخصيص ويبيعها منقولا لمشتر حسن النية فيتسلمها هذا المشتري ويبقى الثمن في ذمته ، فيحل الثمن حلولا عينياً محل هذه العقارات بالتخصيص . وقد يكون هلاك العقار المرهون نتيجة لحرب أو غارة جوية أو زلال وتقدم الدولة تعويضاً للمنكوبين على سبيل المساعدة ، فيحل هذا التعويض حلولا عينياً محل العقار المرهون . وقد يهدم الراهن المبنى المرهون ويبيعه أنقاضاً للمشتري ، ويبقى الثمن في ذمة المشتري ، فيحل الثمن محل المبنى المرهون ( في بعض قيمته ) حلولا عينياً . هذه الأمثلة وغيرها تدل على أنه يحل محل العقار المرهون حق آخر يستحق بسبب هلاك العقار أو تلفه ، فيقرر النص أن هذا الحق يحل محل العقار المرهون حلولا عينياً ويصبح مرهوناً مثله . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الخصوص : “في جميع الأحوال التي يحل فيها محل العقار المرهون أو محل جزء منه شيء آخر ، كتعويض أو مبلغ تأمين أو ثمن يرسو به المواد أو ثمن -394 ملحقات يتم تسليمها ، فإن الرهن ينتقل إلى هذا الشيء الآخر ، وستوفي الدائن منه الدين بحسب مرتبته ، وهذا مثل آخر للحلول العيني”( [253] ) .
وهذا هو الرأي السائد في الفقه المصري ، فما دام الحق قد استحق في مقابل هلاك العقار المرهون أو تلفه ، فإنه يحل حلولا عينياً محل هذا العقار .وينتقل حق الدائن المرتهن ، بحكم هذا الحلول العيني ، من العقار الهالك أو التالف إلى الحق الذي حل محله . فإذا كان الحق منقولا ، كما في التعويض ومبلغ التأمين ومقابل نزع الملكية ، فإن الدائن المرتهن يختص به ويستوفي دينه منه ، وينقلب الرهن في هذه الحالة إلى رهن حيازي للنقود . وهذا هو صريح النص ، فهو يقول كما رأينا : “إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان ، انتقل الرهن برتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك ، كالتعويض أو مبلغ التأمين أو الثمن الذي يقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة”( [254] ) .
وعلى ذلك إذا تسبب الراهن بخطأه في هلاك العقار المرهون أو تلفه ، -395 وكان الدائن المرتهن مخيراً بين أن يقتضي تأميناً كافياً أو أن يستوفي حقه فوراً ( م 1048/1 مدني ) فقد يكون العقار المرهون مؤمناً عليه فتدفع شركة التأمين كل قيمته ، وفي هذه الحالة تحل هذه القيمة التي تدفعها شركة التأمين محل العقار حلولا عينياً ، ويكون الدائن المرتهن مخيراً بين استيفاء ما دفعته شركة التأمين مرهوناً في حقه أو استيفاء حقه فوراً بعد إسقاط الأجل .
وإذا كان هلاك العقار المرهون أو تلفه قد نشأ من سبب أجنبي ولم يقبل الدائن بقاء المدين بلا تأمين ، كان المدين الراهن هو المخير بين أن يقدم تأميناً كافياً أو أن يوفي الدين قبل حلول الأجل بعد استنزال الفوائد بالسعر القانوني على النحو الذي قدمناه ( م 1048/2 مدني ) . وقد يكون هلاك العقار أو تلفه بفعل الغير وهذا سبب أجنبي ، فيدفع الغير تعويضاً يحل محل العقار المرهون ، ويستطيع المدين الراهن في هذه الحالة أن يقدم هذا التعويض تأميناً كافياً للدائن المرتهن بدلا م وفاء الدين قبل حلول الأجل . وقد يكون العقار المرهون مؤمناً عليه ، فتدفع شركة التأمين مبلغ التأمين ، فيقدمه المدين الراهن تأميناً كافياً للدائن المرتهن . وقد يكون هلاك العقار المرهون هو عبارة عن نزع ملكيته للمنفعة العامة ، فالمبلغ الذي يدفع في مقابل ذلك يكون تأميناً كافياً يقدمه المدين الراهن .
فيمكن إذن المواءمة بين أحكام المادتين 1048 و 1049 مدني على الوجه الذي قدمناه ، الاستفادة من حلول الحق محل العقار المرهون حلولا عينياً عندما يراد تقديم تأمين كافٍ يحل محل العقار المرهون ، وذلك بتقديم الحق الذي يحل محل العقار المرهون تأميناً كافاً لا يستطيع الدائن المرتهن الاعتراض عليه في شيء .
§ 2- سلطة الراهن عن العقار المرهون
173- عدم تجديد الراهن لا من ملكية العقار المرهون ولا من حيازته في الرهن الرسمي : يبقى الراهن مالكاً للعقار المرهون ، بل ويبقى حائزاً له ، -396 لأنه لا يتجرد لا من الملية ولا من الحيازة بالرهن الرسمي .بخلاف الرهن الحيازي ، فإنه إذا كان لا يجرد الراهن من الملكية فهو يجرده من الحيازة . وهذه هي ميزة الرهن الرسمي ، فهو يترك العقار المرهون في ملكية الراهن وفي حيازته ، وكأن شيئاً لم يتغير لولا ذلك الحق الخفي الذي شهدنا بعض آثاره وسنشهد بعضاً آخر فيما يلي .
وما دام الراهن يبقى مالكاً للعقار المرهون وحائزاً له ، فإنه يحتفظ بسلطته عليه كمالك وكحائز . فيبقى له حق التصرف في العقار المرهون ، كما يبقى له حق استعماله وحق استغلاله . ولا تتقيد سلطته في كل ذلك إلا بما يجب أن تتقيد به من اعتبار حق الدائن المرتهن ، فإن هذا الحق يبقى قائماً لضمان الوفاء بالدين ، وقد ينتهي إذا لم يف المدين بالدين إلى التنفيذ على العقار المرهون واستيفاء الدين من ثمنه بحسب مرتبة الدائن المرتهن .
174- حق الراهن في التصرف في العقار المرهون – نص قانوني : تنص المادة 1043 مدني على ما يأتي :
“يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون ، وأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن”( [255] ) .
وظاهر من هذا النص أن الراهن يحتفظ بحق تصرفه في العقار المرهون -397 كما كان قبل الرهن ، ولكن التصرف الذي يصدر منه بعد الرهن لا يمس بحق الدائن المرتهن ولا يؤثر فيه ، وذلك إذا قيد الدائن المرتهن حق رهنه قبل أن يشهر المتصرف إليه التصرف الذي صدر من الرهن . فإذا رهن الراهن العقار مرة ثانية أو أخذ عليه فيه حق اختصاص أو رهنه رهناً حيازياً أو ثبت على العقار المرهون حق امتياز كحق امتياز المتقاسم فيما إذا كمان العقار المرهون شائعاً ، فإن الدائن المرتهن ، إذا قيد حق رهنه قبل قيد الرهن الثاني أو حق الاختصاص أو حق الرهن الحيازي أو حق الامتياز ، لا تسري في مواجهته هذه الحقوق . ويتقدم عليها جميعاً بحق رهنه الذي قيد قبل ذلك ، ويستوفي الدين الذي له من ثمن العقار المرهون مقدماً على جميع هؤلاء الدائنين( [256] ) . وإذا قرر الراهن على العقار المرهون حق ارتفاق أو حق انتفاع أو حق حكر ، ولكن هذه الحقوق لم تسجل إلا بعد قيد حق الدائن المرتهن ، فإن الدائن المرتهن ينفذ على العقار المرهون خالياً من حق الارتفاق أو حق الانتفاع أو حق الحكر . بل إن الراهن إذا باع العقار المرهون ولم يسجل المشتري البيع إلا بعد قيد الدائن المرتهن لحقه ، فإن هذا الدائن المرتهن يسري حقه في مواجهة المشتري ، ولهذا الدائن أن يتتبع العقار في يد المشتري وينفذ عليه بدينه ، وليس للمشتري إلا أن يفي بالدين أو يخلي العقار أو يطهره( [257] ) كما سيأتي .
-398 فالراهن إذن يحتفظ بحقه في التصرف في العقار المرهون ، ولا يتقيد في ذلك إلا بعدم الإضرار بحق الدائن المرتهن على النحو الذي سبق بيانه . ويستوي في يذلك أن يتصرف الراهن في كل العقار المرهون أو في جزء منه فقط ، فإذا كان تصرفه في جزء من العقار المرهون لم يسر هذا التصرف في حق الدائن المرتهن إذا كان قد قيد حقه قبل شهر تصرف الراهن( [258] ) .
كذلك إذا باع الراهن العقار المرهون أجزاء متفرقة إلى عدد من المشترين ، فإن الدائن المرتهن له أن يتتبع كل جزء من العقار في يد من اشتراه كما يتتبع كل العقار في يد المشتري قيما قدمناه . وهنا رأي يذهب إلى أن بيع العقار المرهون أجزاء متفرقة إلى عدد من المشترين من شأنه أن يرهن الدائن المرتهن ، إذ يتتبع كل جزء في يد من اشتراه وفي هذا إعنات له ، فله أن يتمسك بإضعاف التأمين وبسقوط أجل الدين تبعاً لذلك ، وتقاضى الدين فوراً قبل حلول الأجل الأصلي( [259] ) . ولكن هذا الرأي ليس هو الرأي السائد ، فالرأي السائد هو ما قدمناه من أن الدائن المرتهن يتتبع كل جزء من العقار في يد من اشتراه( [260] ) .
ويبدو أنه لا يجوز للدائن المرتهن أن يشترط على الراهن عدم جواز التصرف في العقار المرهون ، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الخصوص : “وحرية الراهن في أن يتصرف في العقار المرهون على النحو المتقدم لا يجوز أن يقيدها اتفاق مع الدائن المرتهن ، ويكون باطلا تعهد الراهن للدائن المرتهن بألا يتصرف في العقار المرهون : انظر م 1136 من التقنين الألماني”( [261] ) .
-399 175- التصرف في العقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المال : وقد يتصرف الراهن في العقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المآل ، كأن يبيع أشجاراً مغروسة في العقار بقصد قطعها ، أو يبيع العقار المرهون نفسه ويكون منزلا مثلا بقصد هدمه وتسليمه للمشتري أنقاضاً . ويذهب القضاء الفرنسي في هذا الصدد إلى أن بيع العقار باعتباره منقولا بحسب المآل يعتبر بيع منقول فيما بين البائع ( الراهن ) والمشتري ، أما بالنسبة إلى الغير في هذا البيع ويدخل في ذلك الدائن المرتهن فإنه يعتبر بيع عقار لا بيع منقول . وعلى ذلك يلزم لسريان هذا البيع في حق الدائن المرتهن أن يكن البيع مسجلا قبل قيد الرهن فيسري البيع في حق هذا الدائن ، أما إذا كان حق الرهن مقيداً قبل تسجيل البيع فإن البيع لا يسري في حق الدائن المرتهن( [262] ) .
ورأي القضاء الفرنسي في هذا الخصوص رأي مقبول ، وإن كان بعض الفقهاء ينتقده لأنه يعطي للشيء الواحد وصفين مختلفين ، فيجعل المنزل مثلا منقولا فيما بين البائع والمشتري وعقاراً بالنسبة إلى الدائن المرتهن . ويمكن تأصيل رأي القضاء الفرنسي على الوجه الآتي :
إذا باع الراهن العقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المآل ، فإن هذا التصرف يضر بحق الدائن المرتهن ، ومن حقه أن يمنعه وأن يقف من أعمال الهدم في العقار المرهون لأن حق الرهن قد تعلق به . وله أن يطلب تعيين حارس على العقار ، ويعتبر هذا المن الوسائل التحفظية التي لها أن -400 يتخذها للمحافظة على حقه . فإذا تمكن الراهن من هدم المنزل ، فإن هذا لا يفيد المشتري ، إذ كان واجباً عليه قبل الشراء أن يكشف عما يثقل المنزل من حقوق . ولو فعل ، ولجد أن المنزل مرهون ، وأن حق الدائن المرتهن قد تعلق به . فلو تسلم المشتري أنقاض المنزل لم يتملكها بالحيازة لأنه يمكن أن يعلم ما يقل المنزل من حق الرهن ، ويجوز للدائن المرتهن أن يسترد هذه الأنقاض منه . وإذا تمكن المشتري من بيع الأنقاض وسلمها لمن اشتراها وكان هذا حسن النية تملكها بالحيازة ، ولكن الدائن المرتهن يمكنه أن يحجز على الثمن تحت يد هذا الحائز ، ويكون له حق التقدم بما له من حق الرهن . ويستطيع الدائن المرتهن في جميع الأحوال أن يعتبر أن تأمينه قد ضعف بهدم المنزل ، وأن أجل الدين قد سقط فيطالب بالدين فوراً ، كما أن له أن يطلب تقديم تأمين آخر يضمن الوفاء بالدين .
وإذا باع المرتهن النزل قبل رهنه باعتباره منقولا بحسب المآل ، ثم رهنه بعد ذلك ، فإن الدائن المرتهن يعتبر خلفاً خاصاً للراهن . وعلى ذلك إذا كان يجهل وقت الرهن بيع المنزل أنقاضاً ، فإن هذا البيع لا يسري في حقه ، وله أن يمنع المشتري من هدم المنزل على النحو الذي قررناه فيما تقدم . أما إذا كان يعلم بسبق بيع المنزل أنقاضاً ، فإن البيع يسري في حقه ، ويجوز للمشتري هدم المنزل وتسلم أنقاضه . ولكن يجوز للدائن المرتهن ، إذا كان الثمن لا يزال في ذمة المشتري ، أن يحجز عل الثمن تحت يد المشتري ، ويكون له عليه حق التقدم باعتباره دائناً مرتهناً( [263] ) .
176- التصرف في العقارات بالتخصيص : قدمنا( [264] ) أنه إذا نزع الراهن شيئاً من ملحقات العقار ، كأن يبيع المواشي التي تخدم الأرض فتقع في يد مشتر حسن النية فيملكها بالحيازة خالصة من الرهن ، كان -401 الدائن المرتهن الرجوع على الراهن بضمان التعرض الشخصي . وظاهر أنه إذا تصرف الراهن في العقارات بالتخصيص الملحقة بالعقار المرهون والتي تعتبر مرهونة مثله ، كان هذا تصرفاً في بعض العقار المرهون يستوجب مسئولية الراهن ، لأن الراهن ضامن لسلامة الرهن .
ويجب إذن التمييز بين فرضين :
( الفرض الأول ) أن يكون العقار بالتخصيص لا يزال في حيازة الراهن ، وقد باعه لمشتر ولكن هذا المشتري لم يتسلمه . ونفرض هنا أن الراهن قد انتقص من قيمة العقار المرهون ببيعه العقار بالتخصيص ، ولم يحل محل هذا العقار بالتخصيص شيئاً آخر أصلح أو مماثلا في الصلاحية . لأنه في هذه الحالة لا يكون قد انتقص من قيمة العقار المرهون ، ويكون البيع صحيحا ، ويستطيع الراهن أن يسلم العقار بالتخصيص الذي باعه للمشتري( [265] ) . أما إذا لم يحل الراهن محل العقار بالتخصيص الذي باعه شيئاً آخر مماثلا له في الصلاحية ، فإنه يكون قد انتقص من قيمة العقار المرهون . وما دام المشتري لم يتسلم العقار بالتخصيص ، فإنه يبقى في العقار المرهون مرهوناً مثله ، ويستطيع الدائم المرتهن أن يمنع نقله ، وله أن يطلب تعيين حارس عند الاقتضاء لمنع هذا النقل . وكذلك إذا كان المتري سيء النية ، أي يعلم أن ما اشتراه هو عقار بالتخصيص مرهون ضمن العقار الأصلي ، فإن تسلم المشتري إياه لا يكسبه ملكيته ، ويستطيع الدائن المرتهن أن يسترده منه لأنه سيء النية .
( الفرض الثاني ) أن ينتقل العقار بالتخصيص إلى حيازة شخص حن النية – والمفروض هنا أن الراهن باع العقار بالتخصيص وسلمه لمشتر حسن النية ، فملكه هذا بالحيازة خالصاً من الرهن . وفي هذه الحالة لا يستطيع الدائن المرتهن أن يتمسك بحق الرهن في مواجهة المشتري حسن -402 النية( [266] ) ، ولكنه يستطيع أن يحجز على الثمن في يد هذا المشتري ، ويستعمل حقه في التقدم باعتباره دائناً مرتهناً( [267] ) . وله على كل حال ، إذا كان العقار المرهون قد نقصت قيمته بعد هذا البيع بحيث أصبح لا يكفي لضمان الدين ، أن يطلب تقديم تأمين آخر أو استكمال التأمين الأول حتى يفي بضمان الدين ، أو أن يطلب إسقاط أجل الدين وتقاضي الدين فوراً باعتباره ديناً حالا( [268] ) .
177- حق الراهن في استغلال العقار المرهون – نص قانون : تنص المادة 1044 مدني على ما يأتي :
“للراهن الحق في إدارة العقار المرهون ، وفي قبض ثماره إلى وقت التحاقها بالعقار”( [269] ) .
ويفهم من هذا النص أن للراهن الحق في إدارة العقار حتى يستطيع -403 أن يستغله وأن يقبض ثماره ، طبيعية كانت أو مستحدثة أو مدنية ، فالثمار إذن للرهن ، لأن له الحق في استغلال العقار المرهون . وهذا الحق يرجع إلى أن الراهن لا يزال مالكاً للعقار المرهون وحائزاً له ، حتى بعد الرهن ، فمن حقه إذن أن يستولي على ثماره إذ الثمار تكون أصلا للمالك .
ويستطيع الراهن ، في إدارته للعقار المرهون ، أن يوجه استغلاله الوجهة التي يراها . فإذا كان العقار المرهون أرضاً زراعية ، وكانت المحصولات التي تنتجها الأرض محصولات عادية ، جاز للراهن أن يزرع في الأرض أشجاراً للفاكهة أو للورود والأزهار . فيحول الأرض بذلك إلى حدائق مثمرة ، سواء للفاكهة أو للأزهار . بل يجوز له أن يحول الأرض الزراعية إلى أرض للصناعة ، فيقيم عليها مصنعاً بما يحتاجه المصنع من أجهزة وأدوا وغيرها . وله أن يحول الأرض الزراعية إلى مبان للسكنى ، فيقيم فوق الأرض منازل ومنشآت سكنية وما إلى ذلك . ويجوز العكس ، فيحول المصنع إلى أرض زراعية ، والمبني إلى مصنع ، والمصنع إلى مبنى ، وما إلى ذلك . ولا يحد م سلطة الراهن ، سوا كان هو المدين أو كان كفيلا عينياً ، في ذلك إلا حق الدائن المرتهن . فلا يجوز للراهن مثلا ، في تحويله العقار المرهون إلى أغراض أخرى ، أن ينقص من تأمين الدائن المرتهن . فإن فعل ، جاز للدائن المرتهن أن يعارض في ذلك ، وأن يطلب وقف الأعمال الضارة بحقه . وله أن يتخذ في حالة الاستعجال وسائل تحفظية يرجع بمصروفاتها على الراهن ، بل له أن يطلب تعيين حارس يحرس العقار المرهون حتى لا تنقص قيمته . على أن الدائن المرتهن لا يجوز له أن يتخذ من المحافظة على حقه لكنه يستند إليها للحد من نشاط الراهن دون مبرر . فإذا كانت الأرض لا تجود لزراعة الفاكهة مثلا ، وأراد الراهن أن يحولها إلى ارض زراعية للمحصولات العادية ، لم يجز للدائن المرتهن أن يمنعه من ذلك . وإذا كانت العادة أن تزرع الأرض قطناً مرة كل ثلاث سنوات ، وأراد -404 الراهن أن يزرعها قطناً كل سنتين مرة دون أن يعود ذلك بضرر على الأرض ، لم يستطع الدائن المرتهن أن يحول دون ذلك ، وبخاصة إذا كانت قيم الأرض تغطي قيمة الدين إلى مدى بعيد( [270] ) . والفيصل في كل ذلك هو قاضي الموضوع ، فهو الذي يبت دون معقب عليه من محكمة النقض فيما إذا كان استغلال الراهن للعقار المرهون يضر بهذا العقار ، فيمنعه من ذلك ، وإلا أباح له أن يسير فيما هو فيه( [271] ) .
ويبقى للراهن الحق في قبض ثمار العقار المرهون ، فلا يتعلق بها حق الدائن المرتهن . ولكن ذلك يتقيد أيضاً بحق الدائن المرتهن ، فلا يجوز أن يعود عليه بضرر قبض الراهن للثمار . وقد حدد المشرع لذلك تاريخاً معيناً ، إذا أتى امتنع على الراهن قبض ثمار العقار المرهون ، لأن هذه الثمار تصبح ملحقة العقار المرهون ، ويكون للدائن المرتهن أن ينفذ عليها بما له من حق الرهن . وهذا التاريخ هو تسجيل تنبيه نزع الملكية ، فإذا حل الدين المضمون ولم يدفعه المدين ، وأراد الدائن المرتهن التنفيذ على العقار المرهون ، فإنه ينبه على المدين الراهن بنزع ملكية العقار ، ثم يسجل هذا التنبيه . وقد رأينا( [272] ) أن المادة 1037 مدني تنص على أنه “يترتب على تسجيل تنبيه نزع الملكية أن يلحق بالعقار ما يغله من ثمار وإيراد عن المدة التي أعقبت التسجيل ، ويجري في توزيع هذه الغلة ما يجري في توزيع ثمن العقار” . وأعاد المشرع ذلك في المادة 1044 مدني ، إذ تنص كما رأينا على أن “للراهن الحق في إدارة العقار المرهون وفي قبض ثماره إلى وقت التحاقها بالعقار” .
وأهم ما يعرض للراهن في إدارة العقار المرهون واستغلاله أمور ثلاثة : ( 1 ) إيجار العقار المرهون ، ونفاذ ذلك في حق الدائن المرتهن . ( 2 ) قبض -405 الأجرة مقدماً أو الحوالة بها ، ونفاذ ذلك في حق الدائن المرتهن . ( 3 ) بيع الراهن للثمار المستحدثة قبل حينها .
178- إيجار العقار المرهون ونفاذ ذلك في حق الدائن المرتهن – نص قانوني : تنص المادة 1045 مدني على ما يأتي :
“1- الإيجار الصادر من الراهن لا ينفذ في حق الدائن المرتهن ، إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه الملكية . أما إذا لم يكن الإيجار ثابت التاريخ على هذا الوجه ، أو كان قد عقد بعد تسجيل التنبيه ولم تعجل فيه الأجرة فلا يكون نافذاً إلا إذا أمكن اعتباره داخلا في أعمال الإدارة الحسنة” .
“2- وإذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبيه تزيد مدته على تسع سنوات ، فلا يكون نافذاً في حق الدائن المرتهن إلا لمدة تسع سنوات ، ما لم يكن قد سجل قبل قيد الرهن”( [273] ) .
-406 وفيما يتعلق بوجوب تسجيل عقد الإيجار إذا زادت مدته على تسع سنوات ، نصت المادة 11 من قانون الشهر العقاري على أنه “يجب تسجيل الإيجارات والسندات التي ترد على منفعة العقار إذا زادت مدتها على تسع سنوات والمخالصات والحوالات بأكثر من أجرة ثلاث سنوات مقدماً ، وكلك الأحكام النهائي المثبتة لشيء من ذلك . ويترتب على عدم تسجيلها أنها لا تكون نافذة في حق الغير فيما زاد على مدة تسع سنوات بالنسبة إلى الإيجارات والسندات ، وفيما زاد على أجرة ثلاث سنوات بالنسبة إلى المخالصات والحوالة” . وقد رأى المشرع أن الإيجار الذي تزيد مدته على تسع سنوات يكون أقرب إلى أعمال التصرف ، فأوجب تسجيله كأعمال التصرف حتى يعلم به من يقدم على أخذ حق على العقار ، فإن لم يكن مسجلا أنقصت مدته إلى تسع سنوات( [274] ) . فينبغي إذن التمييز بين إيجار تزيد مدته على تسع سنوات وإيجار لا تزيد مدته على ذلك .
فإذا زادت مدة الإيجار الصادر من الراهن بالنسبة إلى العقار المرهون على تسع سنوات ، فإن هذا الإيجار لا يسري بكامل مدته على الدائن المرتهن إلا إذا كان مسجلا قبل قيد الرهن . فإذا أجر الراهن العقار المرهون لمدة اثنتي عشرة سنة مثلا ، وجب عليه أن يكون قد سجل هذا الإيجار قبل أن يقيد الدائن المرتهن حق الرهن . فإن فعل ، سري الإيجار بالنسبة إلى الدائن المرتهن لمدة اثنتي عشرة سنة تبدأ م وقت بدء سريان عقد الإيجار . أما إذا لم يكن الإيجار مسجلا ، ولكن له تاريخ ثابت سابق على تسجيل تنبيه نزع -407 الملكية أي التاريخ الذي تلتحق من وقته أجرة العقار المرهون بالعقار نفسه ، فإنه يسري لمدة تسع سنوات من وقت بدء سريانه . فإذا كان الرهن قد آجر العقار المرهون لمدة اثنتي عشرة سنة دون أن يسجل عقد الإيجار ، ولكن هذا العقد كان له تاريخ ثابت سابق على تسجيل تنبيه نزع ملكية العقار المرهون بخمس سنوات مثلا ، سري الإيجار في حق الدائن المرتهن لمدة تسع سنوات فقط . وتبدأ مدة تسع السنوات هذه من وقت بدء سريان عقد الإيجار ، فيسري ها العقد على الدائن المرتهن لمدة اربع سنوات من وقت تسجيل تنبيه نزع الملكية ، ويجب على الدائن المرتهن إذا نزع ملكية العقار المرهون أن ينزعها باعتباره مؤجراً لمدة أربع سنوات منذ تسجيل تنبيه نوع الملكية( [275] ) . وإذا كان الإيجار غير ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية أو عقد بعد تسجيل هذا التنبيه ولم تعجل فيه الأجرة ، فإنه لا يسري في حق الدائن المرتهن إلا في حدود أعمال الإدارة الحسنة ، فيسري لمدة سنة واحدة أو أقل أو أكثر بحسب ما يقدره قاضي الموضوع .
وإذا لم تزد مدة الإيجار على تسع سنوات ، فإن تسجيله لا يكون واجباً . ولكنه يجب ، حتى يسري لكامل مدته في حق الدائن المرتهن ، أن يكون ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نوع ملكية العقار المرهون . فإذا أجر الراهن العقار المرهون لمدة تسع سنوات ، وكان الإيجار ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع ملكية العقار المرهون بمدة ثلاث سنوات مثلا ، فإنه يسري في حق الدائن المرتهن لمدة تسع سنوات من وقت بدء سريان عقد الإيجار ، أي يسري لمدة ست سنوات بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية ، وعلى الدائن المرتهن أن ينزع ملكية العقار المرهون باعتباره مؤجراً لهذه المدة ، أو عقد بعد تسجيل هذا -408 التنبيه ولم تعجل فيه الأجرة فإنه لا يسري في حق الدائن المرتهن إلا في حدود الإدارة الحسنة( [276] ) . فيسري لمدة سنة واحدة أو اقل أو أكثر ، بحسب ما يراه قاضي الموضوع كما سبق القول .
والإدارة الحسنة يتشرط فيها ألا تعجل الأجرة إلا في الحدود المألوفة ، وأن تكون مدة الإيجار سنة واحدة كما قدمنا ، أو كما يقدرها قاضي الموضوع . وتكون المدة عادة لا تزيد على سنة واحدة في المباني ، ولا تزيد على ثلاث سنوات في الأراضي الزراعية ، وهذا ما جري عليه القضاء المصري . وتجب ملاحظة ا الأراضي لا يجوز أيضاً أن تقل مدتها عن ثلاث سنوات كما جري بذل قانون الإصلاح الزراعي ، فتكون المدة المعقولة في الأراضي الزراعية هي ثلاث سنوات دائماً .
ويلاحظ أخيراً أن الإيجار الصادر من الراهن والثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية قد يكون نتيجة تواطؤ بين الراهن المؤجر وبين المستأجر ، فيتفقان ، بعد أن يرى الراهن أن الدائن المرتهن مزمع على اتخاذ إجراءات التنفيذ ، على كتابة أجرة بخسة إضراراً بالدائن المرتهن ، ويستكمل الراهن من المستأجر الأجرة أو الجزء الأكبر منها خفية . ففي هذه الحالة إذا استطاع الدائن المرتهن إثبات ذلك ، يجوز له الطعن في عقد الإيجار -409 بالغش ، ورفع الأجرة إلى أن تصل إلى الحد المناسب ، أو اعتبار الإيجار غير نافذ في حق الدائن المرتهن( [277] ) .
179- قبض الأجرة مقدما أو الحوالة بها ونفاذ ذلك في حق الدائن – المرتهن – نص قانوني : تنص المادة 1046 مدني على ما يأتي :
“1- لا تكون المخالصة بالأجرة مقدماً لمدة تزيد على ثلاث سنوات ، ولا للحوالة بها كذلك ، نافذة في حق الدائن المرتهن ، إلا إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية” . .
“2- أما إذا كانت المخالصة أو الحوالة لمدة تزيد على ثلاث سنوات ، فإنها لا تكون نافذة في حق الدائن المرتهن ما لم تكن مسجلة قبل قيد الرهن ، وإلا خفضت المدة إلى ثلاث سنوات مع مراعاة الحكم الواردة في الفقرة السابقة”( [278] ) .
-410 ويؤخذ من هذا النص أن الراهن من حقه أن يقبض ما استحق من الأجرة عن مدة سابقة على تسجيل تنبيه الملكية ، فإن الأجرة في هذه الحالة تعتبر ثماراً مدنية للعقار المرهون ، وهي من حق الراهن أي مالك هذا العقار ما دامت عن مدة تسبق إلحاق الثمار بالعقار أي تسبق تسجيل تنبيه نزع الملكية .
فإذا قبض الراهن الأجرة مقدماً أو حول بها مقدماً ، وجب التمييز بين فرضين :
( الفرض الأول ) أن تكون المخالصة أو الحوالة بالأجرة مقدماً عن مدة تزيد على ثلاث سنوات . وهنا يعتبر القانون قبض الأجرة أو الحوالة بها مقدماً عن مدة تزيد على ثلاث سنوات أقرب إلى أعمال التصرف ، فيوجب تسجيل المخالصة أو الحوالة قبل قيد الرهن ، حتى تكون نافذة في حق الدائن المرتهن لكامل المدة المعجلة . وما دامت المخالصة أو الحوالة ق سجلت قبل قيد الرهن ، فقد علم بها الدائن المرتهن أو ينبغي أن يعلم بها ، وقد أقدم على ارتهان العقار مع تعجيل أجرته لمدة طويلة ، فيكون راضياً بذلك . أما إذا كانت المخالصة أو الحوالة غير مسجلة ، فلا تسري إلا لمدة ثلاث سنوات ، مع وجوب أن تكون المخالصة أو الحوالة ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، أي قبل إلحاق الثمار بالعقار وعدم جواز تصرف الراهن في الثمار . فإذا قبض الراهن الأجرة معجلة لمدة خمس سنوات مثلا ، وسجل المخالصة قبل قيد الدائن المرتهن حق رهنه ، فقد علم هذا الدائن بما عجل من الأجرة أو ينبغي أن يكون عالماً بذلك ، فيكون راضياً بما تم ولا سبيل إلى الشكوى . وإذا لم يسجل الراهن المخالصة ، فإنها لا تسري في حق الدائن المرتهن إلا لمدة ثلاث سنوات فقط ، ولا تعتبر أجرة السنتين الأخريين من الخمس السنوات قد عجلتا ، ويشترط في ذلك أن تكون المخالصة ( أو الحوالة ) ثابتة -411 التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، وإلا فإنها لا تسري في حق الدائن إلا في حدود الإدارة الحسنة .
( الفرض الثاني ) أن تكون المخالصة أو الحوالة بالأجرة مقدماً عن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات . وهنا يعتبر القانون أن هذا عمل ، فلا يوجب تسجيل المخالصة أو الحوالة . ولكنه يشترط أن تكون المخالصة أو الحوالة . ولكنه يشترط أن تكون المخالصة أو الحوالة ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، أي قبل إلحاق الثمار بالعقار حيث لا يكون للراهن الحق في الثمار من ذلك الوقت . فإذا قبض الراهن الأجرة مقدماً لمدة ثلاث سنوات أو حول بها مقدماً لمدة ثلاث سنوات ، وكانت المخالصة أو الحوالة ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، فإنها تسري في حق الدائن المرتهن ، ويجب على هذا الدائن أن يعتبر العقار المرهون قد عجلت أجرته لمدة ثلاث سنوات . فإذا لم تكن المخالصة أو الحوالة ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، فإنه لا يعتد بها إلا بالقدر الذي يتفق مع حسن الإدارة .
ويلاحظ هنا ، كما لوحظ في إيجار العقار المرهون ، أنه إذا كانت المخالصة أو الحوالة ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، فإن هناك احتمالا أن يكون الراهن قد أدرك أن الدائن المرتهن معتزم على اتخاذ إجراءات التنفيذ ، فبادر بالتواطؤ مع المستأجر إلى قبض الأجرة أو الحوالة بها لمدة ثلاث سنوات حتى يخفف من آثار نزع ملكية العقار المرهون . فإذا استطاع الدائن المرتهن إثبات ذلك ، جاز له أن يطعن في تعجيل الأجرة بالغش والتواطؤ بين الراهن والمستأجر ، ويطلب اعتبار المخالصة أو الحوالة غير نافذة في حقه( [279] ) .
180- بيع الثمار قبل جنيها : وهنا تكون ثمار العقار ثماراً مستحدثة ، -412 فقد زرعها الراهن في العقار المرهون ونبتت ، فباعها وهي لا تزال في الأرض . ولما كانت المادة 1037( [280] ) مدني قد نصت على أنه “يترتب على تسجيل تنبيه نزع الملكية أن يلحق بالعقار ما يغله من ثمار وإيراد عن المدة التي أعقبت التسجيل ، ويجري في توزيع هذه الغلة ما يجري في توزيع ثمن العقار” ، فإن الثمار المستحدثة إذا كانت الأرض قد أنتجتها أو ساهمت في إنتاجها في مدة تالية لتسجيل تنبيه نزع الملكية ، فإن ما أنتجتها أو ساهمت في إنتاجها في مدة تالية لتسجيل تنبيه نزع الملكية ، فإن ما أنتجته الأرض في هذه المدة يكون ملحقاً بالعقار ، ولا يجوز للراهن بيعه إلا إذا كان ذلك يعد من أعمال الإدارة الحسنة .
أما إذا كانت الثمار قد بيعت وهي لا تزال في الأرض أي قبل جنيها ، وكان البيع قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، فهناك رأي يذهب إلى أن البيع ، حتى في هذه الحالة ، لا يسري في حق الدائن المرتهن . ذلك أن الثمار لم تجن ، وهي لا تزال عقاراً ملتصقاً بالأرض1 ، فلا ينفذ بيعها باعتبارها منقولا في مواجهة الدائن المرتهن ، ويستطيع هذا اعتبارها عقاراً مرهوناً حتى يتم فصلها من الأرض( [281] ) .
ولكن هذا الرأي لم يرجح ، والرأي الراجح هو عكس ذلك . فيستطيع الراهن أن يبيع الثمار قبل جنيها ، بشرط أن يكون البيع ثابت التاريخ قبل تسجيل نزع الملكية . ويعتبر ذلك بمثابة تعجيل الأجرة ، وهو جائز كما قدمنا( [282] ) .
أما إذا كان البيع غير ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، -413 فإنه لا يسري في حق الدائن المرتهن . ومن حق هذا الدائن أن يستبقي المحصولات في الأرض بعد تسجيل تنبه نزع الملكية ويجري توزيع ثمنها كما يجري توزيع ثمن العقار نفسه . وكذلك لو كان البيع ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ولكن الدائن المرتهن أدعي أن هذا البيع كان عن تواطؤ بين الراهن البائع والمشتري للإضرار بحقه ، فإن له أن يطعن في هذا البيع بالغش ، ويعتبره غير نافذ في حقه( [283] ) .
181- حق الراهن في استعمال العقار المرهون : قدمنا أن الرهن الرسمي لا يجرد الراهن من ملكية العقار المرهون ، ولا من حيازته . فيبقى العقار المرهون في يده ، يستعمله كما كان يستعمله قبل الرهن( [284] ) . فإذا كان العقار منزلا وكان يسكنه ، استمر ساكناً له بعد الرهن( [285] ) . وإذا كان العقار أرضاً فضاء ، وكان يصطاد فيها أو يستعملها للإقامة اليوم كله ، كان له أن يبقى في هذه الأرض وأن يصطاد ، كما كان الأمر قبل الرهن .
ولا يقيد م سلطة الراهن في استعمال العقار المرهون إلا مراعاة حق الدائن المرتهن ، فليس له أن ينقص من قيمة العقار في استعماله إياه . وليس له أن يهدم العقار المرهون ، إلا إذا كان يريد من وراء هدمه أن يقيم على الأرض بناء آخر لا يقل عن البناء الأول . كذلك ليس له أن يترك البناء دون وقاية حتى يتخرب ، وللدائن المرتهن أن يعترض على هذا الموقف السلبي ، وأن يطلب عند الاقتضاء تعيين حارس يتعهد العقار المرهون بالحفظ -414 والعناية ، حتى يتهدد بالهلاك( [286] ) . وليس للراهن أن ينتزع من العقار المرهون العقارات بالتخصيص الملحقة به ، إلا إذا قصد من ذلك إحلال عقارات أخرى محلها . فإذا لم يفعل ، كان للدائن المرتهن أن يسترد العقارات بالتخصيص وأن يعيدها إلى ما كانت عليه ، إلا إذا حازها حائز حسن النية فتملكها بالحيازة . وعند ذلك يجوز للدائن المرتهن ، إذا كان العقار المرهون قد نقصت قيمته نقصاً كبيراً بانتزاع العقارات بالتخصص منه ، ا يطلب استكمال الرهن ، أو تقديم رهن آخر مكانه ، أو إسقاط أجل الدين والمطالبة بالدين فوراً قبل حلول ميعاده الأصلي .
المبحث الثاني
آثار الرهن الرسمي فيما يتعلق بالدائن المرتهن
182- نصوص قانونية : تنص المادة 1050 مدي على ما يأتي :
“إذا كان الراهن شخصاً آخر غير المدين ، فلا يجوز التنفيذ على ماله إلا ما رهن من هذا المال . ولا يكون له حق الدفع بتجريد المدين ، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك” .
وتنص المادة 1051 مدني على ما يأتي :
“1- للدائن بعد التنبيه على المدين بالوفاء أن ينفذ بحقه على العقار المرهون ، ويطلب بيعه في المواعيد ووفقاً للأوضاع المقررة في قانون المرافعات” .
“2- وإذا كان الراهن شخصاً آخر غير المدين ، جاز له أن يتفادى أي إجراء موجه إليه ، إذا هو تخلى عن العقار المرهون وفقاً للأوضاع وطبقاً للأحكام التي يتبعها الحائز في تخلية العقار” .
-415 وتنص المادة 1052 مدني على ما يأتي :
“1- يقع باطلا كل اتفاق يجعل للدائن الحق ، عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله ، في أن يتملك العقار المرهون في نظير ثمن معلوم أياً كان ، أو في أن يبيعه دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون ، ولو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن” .
“2- ولكن يجوز ، بعد حلول الدين أو قسط منه ، الاتفاق على أن ينزل المدن لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه”( [287] ) .
-416وهذه النصوص تنظم علاقة الدائن المرتهن بالراهن في تنفيذ الأول بدينه على العقار المرهون وهي تعرض للمسائل الآتية : ( 1 ) تنفيذ الدائن المرتهن بالحق الذي له . ( 2 ) التنفيذ على الكفيل العينين أي الراهن غير المدين . ( 3 ) بطن شرط تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء . ( 4 ) بطلان شرط بيع العقار المرهون دون إجراءات أو شرط الطريق الممهد .
183- تنفيذ الدائن المرتهن بالحق الذي له : رأينا( [288] ) أن الفقرة الأولى من المادة 1051 مدني تنص على أن “للدائن بعد التنبيه على المدين بالوفاء أن ينفذ بحقه على العقار المرهون ، ويطلب بيعه في المواعيد ووفقاً للأوضاع المقررة في قانون المرافعات” . وكانت المادة 1050 مدني في مشروعها التمهيدي تحتوي على فقرة أولى تنص على أنه “يجوز للدائن المرتهن أن ينفذ بحقه على أموال المدين غير المخصصة لضمان هذا الحق ، شأنه في ذلك شأن كل دائن عادي ، وذلك مع مراعاة المادتين 328 و 329” ، فحذفت لجنة المراجعة هذه الفقرة “لأن حكمها مستفاد من القواعد العامة”( [289] ) . ويتبين من هذه النصوص أن الدائن المرتهن يتقدم للتنفيذ بحقه ، عند حلول أجل هذا الحق ، بصفتين :
( أولا ) صفته باعتباره دائناً عادياً كسائر الدائنين ، وبهذه الصفة يكون له التنفيذ بحقه على جميع أموال المدين ، شأنه في ذلك شأن أي دائن عادي . فله أن ينفذ على عقارات المدين ومنقولاته دون أن يكون له فيها -417 حق التقدم ، لأنه إنما يتقدم كدائن عادي .ويجب أن يبدأ التنفيذ بإعلان التنبيه بنزع ملكية العقار أو العقارات التي ينفذ عليها ، والغالب أن يكون حقه مع الرهن الرسمي في ورقة واحدة ، فتكون ورقة رسمية . ومن ثم لا يحتاج إلى حكم ، وله أن ينفذ بهذه الورقة الرسمية ، ويختار أي منقول أو عقار للمدين للتنفيذ عليه . فإذا اختار عقاراً أو عقارات وهو الغالب ، أعلن التنبيه بنزع ملكية العقار إلى المدين ،واستمر في التنفيذ حتى يستوفي حقه أو بعض حقه من هذا العقار أو العقارات .
ولكن الدائن يتقيد في ذلك بقيدين : ( 1 ) ألا ينفذ على عقار أو عقارات تكون قيمتها أكبر بكثير من حقه ( م 329 من المشروع التمهيدي ) . ( 2 ) ألا ينفذ الدائن على أموال المدين غير المرهونة إلا إذا كان العقار المرهون لا يفي بالدين( [290] ) .
( ثانياً ) صفته باعتباره دائناً مرتهناً ، وحق رهنه هنا يتركز في العقار المرهون . فله ، بعد التنبيه على المدين بالوفاء ، أن ينفذ بحقه على العقار المرهون . وهنا يكون حقه في العقار المرهون ثابتاً في ورقة رسمية حتما ، لأن الراهن الرسمي يجب أن يكون في ورقة رسمية . ومن ثم لا يحتاج الدائن المرتهن إلى حكم ، بل ينفذ بموجب هذه الرقة الرسمية ، ويبدأ التنفيذ بإعلان التنبيه بنزع ملكية العقار إلى المدين . فإذا كان التنفيذ على عقار مرهون من غير المدين أي من كفيل عيني ، أعلن التنبيه إلى الراهن بعد تكليف المدين بالوفاء . فالدائن المرتهن يستوفي حقه من العقار المرهون طبقاً -418 للإجراءات القانونية ، فيطلب بيعه في المواعيد ووفقاً للأوضاع المقررة في تقنين المرافعات . وهو باعتباره دائناً مرتهناً ، بتقدم في استيفاء حقه من العقار المرهون بحسب مرتبته ، بل وله حق تتبع هذا العقار كما سيجيء . كل ها مع مراعاة ألا ينفذ الدائن على العقار ، إلا بالقدر الذي يفي بالحق ( م 329 من المشروع ) .
وتنتهي الإجراءات إلى بيع لعقار المرهون جبراً في المزاد ، ويستوفي الدائن المرتهن حقه من ثمنه . وكل اتفاق على غير ذلك يكون باطلا ، لمخالفته للنظام العام . ذلك أن هذه الإجراءات قد رسمها القانون لضمان حق كل من الدائن المرتهن والراهن ، فالإخلال بشيء منها يكون باطلا ، إذ يخشى أن يكون الدائن المرتهن قد استغل حاجة الراهن . وسنرى فيما يلي بطلان الاتفاق على أن يتملك الدائن المرتهن العقار المرهون إذا لم يف المدين بالدين( [291] ) ، وبطلان الاتفاق على بيع العقار المرهون دون إتباع الإجراءات التي فرضها القانون( [292] ) .
184- التنفيذ على الكفيل العيني : وقد يتفق أن يكون الراهن هو غير المدين ، وهذا هو الكفيل العيني . وقد رأينا( [293] ) أنه “إذا كان الراهن -419 شخصاً آخر غير المدين ، فلا يجوز التنفيذ على ماله إلا ما رهن من هذا المال . ولا يكون له حق الدفع بتجريد المدين ، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك” ( م 1050 مدني ) . ورأينا ( [294] ) أن الفقرة الثانية من المادة 1051 تنص على ما يأتي : “وإذا كان الراهن شخصاً آخر غير المدين ، جاز له أن يتفادى أي إجراء موجه إليه ، إذا هو تخلى عن العقار المرهون وفقاً للأوضاع وطبقاً للأحكام التي يتبعها الحائز في تخلية العقار” .
ويؤخذ من هذه النصوص أن الكفيل العيني إنما التزم عينياً بوفاء الدين المضمون ، بأن رهن مالا له رهناً رسمياً أو رهناً حيازياً في هذا الدين . فإذا كان الكفيل العيني قد رهن عقاراً له في الدين رهناً رسمياً ، وحل الدين ، جاز للدائن المرتهن ، بعد إتباع الإجراءات المقررة ، أن يقوم بالتنفيذ على هذا العقار وحده دون سائر أموال الكفيل العيني ، فإن هذا الكفيل لا يجب عليه الضمان العام في جميع أمواله للوفاء بالدين ، بل هو غير مسئول عن الدين إلا في حدود العقار الذي رهنه رهناً رسمياً . فلا يجوز إذن للدائن المرتهن أن ينفذ على أي مال للكفيل العيني غير العقار المرهون ، وتقول المادة 1050 مدني في هذا الصدد : “إذا كان الراهن شخصاً آخر غير المدين ، فلا يجوز التنفيذ على ماله إلا ما رهن من هذا المال . . .” . ولم يقل النص : فلا يجوز التنفيذ إلا على ما رهن الكفيل من المال ، لأن هذه العبارة قد توهم أن الدائن المرتهن لا يستطيع أن ينفذ إلا على العقار المرهون ، في حين أنه يستطيع أن ينفذ ، إلى جانب ذلك ، على مال المدين نفسه ، باعتبار الدائن دائناً عادياً ، بما له م ضمان عام على مال مدينه . بل قد يكون المدين رهن مالا آخر في الدين ، فيجوز للدائن المرتهن في هذه الحالة أن ينفذ على هذا المال الآخر كما ينفذ على عقار الكفيل العيني المرهون . وعلى ذلك يكون للدائن المرتهن أن يبدأ التنفيذ على عقار الكفيل العيني ، أو يبدأه على العين -420 المرهون المملوكة للمدين ، أو ينفذ على المالين معاً إذا لم يكن مال منهما كافياً للوفاء بالدين . وإذا لم يكن المدين قد رهن في الدين مالا له ، جاز للدائن كما قدمنا أن ينفذ على أي مال للمدين( [295] ) كدائن عادي . ولكن لا يجوز للكفيل العيني أن يجبر الدائن على التنفيذ أولا على أموال المدين ، مرهونة في الدين أو غير مرهونة ، أي أنه ليس له حق تجريد المدين الأول قبل التنفيذ على عقاره المرهون ، إلا إذا وجد اتفاق على هذا الأمر . وتقول العبارة الأخيرة من المادة1050 مدني كما رأينا : “ولا يكون له ( للكفيل العيني ) حق الدفع بتجريد المدين ، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك”( [296] ) .
ولما كان الكفيل العيني غير مسئول عن الدين إلا في حدود العقار المرهون ، فإن له أن يتفادى أي إجراء موجه ضده من إجراءات التنفيذ المتقدم ذكرها إذا هو تخلي عن العقار المرهون وفقاً للأوضاع وطبقاً للأحكام التي يتبعها الحائز في تخلية العقار( [297] ) . وعلى ذلك يستطيع الكفيل العيني ، إذا أراد توقي إجراءات التنفيذ ، أن يتخلى عن العقار الذي رهنه كما يتخلى -421 الحائز للعقار المرهون ، ويتبع في ذلك ما يتبعه الحائز من أوضاع ، ويسري عليه ما يسري على الحائز م أحكام . وتقول المادة 1071 مدني في تخلي الحائز عن العقار المرهون ما يأتي : “تكون تخلية العقار المرهون بتقرير يقدمه الحائز إلى قلم كتاب المحكمة الابتدائية المختصة ، ويجب عليه أن يطلب التأشير بذلك في هامش تسجيل التنبيه بنزع الملكية ، وأن يعلن الدائن المباشر للإجراءات بهذه التخلية في خلال خمسة أيام من وقت التقرير بها . 2- ويجوز لمن له مصلحة في التعجيل أن يطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة تعيين حارس تتخذ في مواجهته إجراءات نزع الملكية . ويعين الحائز حارساً إذا طلب ذلك” . وعلى ذلك يتخلي الكفيل العيني عن العقار المرهون بتقرير يقدمه أمام قلم كتاب محكمة العقار الابتدائية ، ويؤشر به في هامش تسجيل تنبيه نزع الملكية . وعليه أن يعلن الدائن المرتهن بالتخلية في خمسة أيام من وقت التقرر بها . وعندئذ لا يستمر في اتخاذ إجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل العيني ، ولو أنه يبقى مالكاً للعقار . ويجوز لكل ذي مصلحة ، ويدخل في ذلك الدائن المرتهن والكفيل العيني نفسه ، أن يطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة تعيين حارس يتخذ الإجراءات في مواجهته ، وإذا طلب الكفيل العيني تعيينه حارساً وجب تعيينه . وتتخذ إجراءات التنفيذ على العقار ضد الحارس ، وبعد بيع العقار واستيفاء الدائن المرتهن حقه من ثمنه ، إن بقي شي من هذا الثمن كان من حق الكفيل العيني ، لأنه يبقى مالكاً للعقار المرهون كما قدمنا( [298] ) .
185- بطلان شرط تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء : رأينا( [299] ) أن الفقرة الأولى من المادة 1052 مدني تنص على أن “يقع باطلا كل اتفاق -422 يجعل للدائن الحق ، عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله ، في أن يتملك العقار المرهون في نظير ثمن معلوم أياً كان . . . . ولو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن” . فإذا اتفق الدائن المرتهن مع الراهن ، مديناً كان أو كفيلا عينياً ، على أنه عند حلول أجل الدين وعدم الوفاء به يكون للدائن المرتهن الحق في أن يتملك العقار المرهون بثمن هو الدين المستحق وهذا هو الغالب ، أو بأي ثمن آخر وقد يكون اكبر من الدين المستحق ، فإن هذا الاتفاق يكون باطلا لمخالفته للنظام العام . وهذا الاتفاق يعرف باسم ( pacte commissoier ) ، ويلجأ إليه الدائن المرتهن حتى يستغل موقف الراهن . وموقف الراهن يكون عادة ضعيفاً ، ويستطيع الدائن المرتهن أن يفرض عليه الشرط . وكثيراً ما يعتقد الراهن أن الدين سيوفي عند حلول أجله ، ونظراً لضعف مركزه يقبل هذا الشرط ، ويجعل الثمن هو نفس الدين المستحق ، أو إذا كانت قيمة العقار تزيد كثيراً عن هذا الدين يجعل الثمن أكبر من الدين المستحق ، ولكنه لا يصل عادة إلى قيمة العقار( [300] ) . وقد أراد المشرع حماية الراهن من هذا الاستغلال المخالف للنظام العام ، فنص صراحة على أن هذا الاتفاق يكون باطلا ، أياً كان الثمن الذي اتفق عليه( [301] ) ، وهو لا يكون عادة إلا أقل من القيمة الحقيقية للعقار لأن الفرق بين هذه القيمة الحقيقية والثمن هو الذي يستفيده الدائن من المرتهن( [302] ) . ويغلب -423 أن يوضع هذا الشرط الباطل في عقد الرهن الرسمي ذاته ، ولن لا شيء يمنع من أن يكون الاتفاق بعد عقد الرهن الرسمي ، فيبرم في اتفاق لاحق . والاتفاق اللاحق كالاتفاق المعاصر يكون باطلا لنفس الأسباب ، وقد نص المشرع صراحة على ذلك إذ قال كما رأينا : “ولو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن”( [303] ) . وبطلان الاتفاق لا يمس عقد الرهن الرسمي نفسه ، فيبطل الاتفاق لمخالفته للنظام العام ، ولكن عقد الرهن الرسمي يبقى صحيحاً( [304] ) . على أنه إذا أثبت الدائن المرتهن أن هذا الاتفاق كان هو الشرط الدافع الإبرام عقد الرهن ، فإن عقد الرهن يبطل أيضاً كبطلان الاتفاق .وقد نصت المادة 143 مدني في هذا الصدد على أنه “إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للإبطال ، فهذا الشق وحده هو الذي يبطل ، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا أو قابلا للإبطال فيبطل العقد كله”( [305] ) .
ولا يصح هذا الاتفاق إلا إذا أبرم بعد حلول الدين أو حلول قسط منه ، فإن مظنة ضعف الراهن تكون قد انتفت بحلول الدين كله أو بعضه . وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 1052 مدني على ذلك ، إذ تقول كما رأينا( [306] ) : “ولكن يجوز ، بعد حلول الدين أو قسط منهن الاتفاق على أن ينزل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه” . فيجوز إذن ، بعد حلول الدين كله أو بعضه ، للراهن ، مديناً كان أو كفيلا عينياً ، أن يتفق مع الدائن المرتهن -424 على أن ينزل له عن العقار المرهون في نظير الدين ويكون هذا وفاء بمقابل بل يجوز للراهن أن يتفق مع الدائن المرتهن في هذه الحالة على أن يبيع له العقار المرهون بثمن أياً كان ، أكبر أو مساو أو أقل من الدين المستحق . فإن الراهن لا يكون في مثل هذه الظروف تحت ضغط الحاجة ، فقد استحق الدين ويستطيع أن يمتنع عن الاتفاق مع الدائن المرتهن إن شاء ، ويطلب بيع العقار المرهون طبقاً للإجراءات التي قررها القانون( [307] ) .
186- بطلان شرط بيع العقار المرهون دون إجراءات : وهذا أيضاً شرط باطل إذ يقارب شرط تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء ،ويسمى عادة بشرط الطريق الممهد ( clause de voie paree ) . وصورته أن يتفق الدائن المرتهن مع الراهن ، مديناً كان أو كفيلا عينياً ، على أنه عند حلول أجل الدين وعدم الوفاء به يجوز بيع العقار لمرهون بالممارسة أو بأية طريقة كانت دون إتباع الإجراءات التي فرضها تقنين المرافعات في البيوع الجبرية( [308] ) . ويخشى هنا أيضاً من استغلال الدائن المرتهن -425 لضعف مركز الراهن ، فيفرض عليه هذا الشرط . وبذلك يحرم الراهن من الحماية التي كفلها له القانون في فرض إجراءات معينة في بيع العقار المرهون بيعاً جبرياً ، وما تتضمنه هذه الإجراءات من أحكام تؤدي عادة إلى بيع العقار بكبر قيمة ممكنة . وقد نصت الفقر الأولى من المادة 1052 مدني على ذلك الحكم ، إذ تقول كما رأينا( [309] ) “يقع باطلا كل اتفاق يجعل للدائن الحق ، عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله ، في أن . . . . يبيعه ( العقار المرهون ) دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون ، ولو كان هذا الاتفاق قد أبرم بعد الرهن” . فيكون إذن باطلا ، لمخالفته للنظام العام ، كل اتفاق بين الراهن والمرتهن على بيع العقار المرهون ، عند حلول أجل الدين وعدم الوفاء به ، دون إتباع الإجراءات التي فرضها القانون في البيوع الجبرية . وسواء عقد هذا الاتفاق عند عقد الرهن الرسمي أو عقد بعد إبرام الرهن ، فإنه يكون باطلا في الحالتين . ويقتصر اثر البطلان هنا أيضاً على الشرط نفسه ، ويبقى عقد الرهن الرسمي صحيحاً( [310] ) ، ما لم يكن هذا الشرط هو الدافع للراهن المرتهن على التعاقد فيبطل الشرط والرهن معاً ، كما قدمنا في شرط تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء( [311] ) .
أما إذا عقد الاتفاق بعد حلول أجل الدين كله أو حلول قسط منه ، فإن الاتفاق يصح ، لأن مظنة استقلال الراهن في هذه الحالة تكون قد -426 انتفت كما رأيناها قد انتفت في شرط تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء . ولم نص الفقرة من المادة 1052 مدني ، كما رأينا( [312] ) ، صراحة على جواز الاتفاق إذا عقد بعد حلول الدين كله أو بعضه ، كما نصت على جواز الاتفاق في هذه الحالة على تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء . ولكن يمكن قياس الحالة الأولى على الحالة الثانية ، والقول بصحة الاتفاق في الحالتين( [313] ) . ويؤيد ذلك ما ورد في المذكرة الإيضاحية للمروع التمهيدي في هذا الخصوص ، فهي تقول : “أما إذا حل الدين فقد انعدمت شبهة استغلال الدائن المرتهن لحاجة الرهن ، وأصبح هذا على بينه من الأمر . فيجوز الاتفاق حينذ . . . على أن يباع العقار بالممارسة لا بالمزاد العلني ، وقد يكون في هذه الاتفاقات مصلحة للراهن نفسه ، إذ يتجنب المصروفات التي تنجم عن بيع العقار بالزاد”( [314] ) .
الفرع الثاني
أثر الرهن الرسمي بالنسبة إلى الغير
187- ما هو المقصود بالغير هنا : المقصود بالغير هنا ليس هو -427 للراهن ولا الدائن المرتهن ، فإن هذين هما المتعاقدان في عقد الرهن ، فلا يعتبران من الغير . وقد سبق الكلام في آثار الرهن الرسمي بالنسبة إليهما .
وإنما المقصود بالغير هنا هو كل شخص له حق يضار من وجود الرهن الرسمي . وعلى ذلك يشمل الغير الفئات الثلاثة الآتية :
( 1 ) كل شخص له حق عيني تبعي على العقار المرهون . وتتضمن هذه الفئة دائناً آخر مرتهناً رهناً رسمياً ، ودائنا له حق اختصاص على العقار المرهون ، ودائناً مرتهناً العقار المرهون رهن حيازة ودائناً له حق امتياز على العقار المرهون . فإن كلا من هؤلاء الدائنين له حق عيني تبعي على العقار المرهون ، ويضار من وجود الرهن الرسمي إذا تقدم عليه صاحب هذا الحق وتقاضى حقه قبله من العقار المرهون .
( 2 ) كل دائن عادي للراهن ليس له حق عيني على العقار المرهون ، لأن هؤلاء الدائنين العاديين من حقهم لتقاضي ديونهم أن ينفذوا على العقار المرهون ، ويكونون جميعاً على قدم المساواة . فهم إذن يضارون إذا كان هناك دائن مرتهن رهناً رسمياً للعقار ، وكان من حقه أن يتقدم عليهم جميعاً في تقاضي حقه م العقار المرهون .
( 3 ) كل شخص له حق عيني أصلي على العقار المرهون . مثل ذلك إذا انتقلت ملكية العقار المرهون إلى مالك آخر ، فإن هذا المالك الآخر يضار بوجود الرهن الرسمي على العقار إذا كان الدائن المرتهن يستطيع التنفيذ على العقار وهو في يد المالك الآخر . وكذلك الحال بالنسبة إلى صاحب حق الانتفاع ، وبالنسبة إلى صاحب حق الرقبة ، وبالنسبة إلى صاحب حق الحكر . فإن هؤلاء جميعاً يضارون بوجود حق الرهن الرسمي على العقار ، إذا تمكن الدائن المرتهن من التقدم لعيهم في استيفاء حقه من العقار المرهون .
فيكفينا هنا أن نقول ، كما قدمنا ، إن الغير هو كل شخص له حق -428 يضار من وجود الرهن الرسمي . ونقتصر على هذه الفئات الثلاثة المتقدمة ، فهم جميعاً كما رأينا يضارون بوجود حق الرهن الرسمي إذا كان لصاحب هذا الحق أن يتقدم عليهم في استيفاء حقه م العقار المرهون( [315] ) .
188- يجب قيد الرهن الرسمي أولا حتى يستطيع الدائن المرتهن استعمال حق التقدم وحق التتبع بالنسبة إلى الغير – نص قانوني : ولما كان الغير لا يعلم ، أو يجوز أنه لا يعلم ، بوجود حق رهن رسمي على العقار المرهون قبل أن يتعامل فيه ، فقد حصر القانون طريقة إعلام الغير بوجود حق رهن رسمي على العقار يقيد هذا الرهن الرسمي ، فيصبح الرهن الرسمي المقيد معلوماً لدى الجميع ، أو يمكن للجميع العلم به إذا هم قصدوا مكتب الشهر وبحثوا عما يثقل العقار من حقوق عينية تكون نافذة في حقهم .
وقد نصت المادة 1053 مدني في هذا الصدد على ما يأتي :
“1- لا يكون الرهن نافذاً في حق الغير إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقاً عينياً على العقار ، وذلك دون إخلال بالأحكام المقررة في الإفلاس .
“2- ولا يصح التمسك قبل الغير بتحويل حق مضمون بقيد ، ولا التمسك بالحق الناشئ من حلول شخص محل الدائن في هذا الحق بحكم القانون أو الاتفاق ، ولا التمسك كذلك بالتنازل عن مرتبة الغير لمصلحة دائن آخر ، إلا إذا حصل التأثير بذلك في هامش القيد الأصلي”( [316] ) .
-430 ويفهم من هذا النص أن الرهن لا يكون نافذاً في حق الغير ، إلا إذا قيد عقد الرهن الرسمي ، أو قيد الحكم المثبت للرهن الرسمي إذا صدر حكم بإثبات الرهن ، قبل أن يكسب هذا الغير حقاً عينياً على العقار ، وذلك دون بالأحكام المقررة في الإفلاس وسيأتي ذكرها عند الكلام في القيد . ويراد بكسب الغير حقاً عينياً على العقار أن يكون هذا الحق شهر ، بأن قيدهو الآخر أو سجل قبل قيد حق الرهن الرسمي .
فإذا تنازع الدائن المرتهن رهناً رسمياً مع الغير ، نظر هل هذا الغير قد قيد حقه العيني التبعي ، أو سجل حقه العيني الأصلي ، فإذا كان القيد أو التسجيل قد تم قبل أن يقيد الدائن المرتهن رهناً رسمياً حقه ، فقد فات هذا الحق على الدائن المرتهن ، إذ يتقدم عليه الغير الذي قيد حقه أو سجله قبل قيد الرهن الرسمي . أما إذا كان قيد الرهن الرسمي قبل قيد الحق العيني التبعي ، أو قبل تسجيل الحق العيني الأصلي ، أو وقع قيد الرهن الرسمي مطلقاً وذلك بالنسبة إلى الدائنين العاديين ، فعند ذلك يتقدم الدائن المرتهن رهناً رسمياً على صاحب الحق العيني التبعي وعلى الدائن العادين العادي ، وكذلك يتتبع العقار المرهون في يد من انتقلت إليه ملكيته .
وكل ذلك إذا أراد الدائن المرتهن رهناً رسمياً أن يتمسك بحق رهنه الثابت بالعقد أو الحكم . أما إذا تمسك بتحويل هذا الحق للغير ، فيجب أن يؤشر بهذا التحويل ( أو هذه الحوالة ) في هامش القيد الأصلي لرهنه . وكذلك يجب التأشير في هامش القيد الأصلي للرهن بحلول شخص آخر محل الدائن المرتهن رهناً رسمياً حلولا قانونياً أو حلولا اتفاقيا ، وكذلك بالتنازل عن مرتبة القيد الأصلي لمصلحة دائن آخر متأخر في المرتبة أو دائن عادي ( انظر م 19 من قانون تنظيم الشهر العقاري ) ( [317] ) .
-431 ويخلص من كل ذلك أن الدائن المرتهن رهناً رسمياً ، إذا كان قد قيد حق رهنه أولا ، يستطيع أن يستعمل حق التقدم بالنسبة إلى دائن ذي حق عيني تبعي ( دائن آخر مرتهن رهناً رسمياً ، أو دائن ذي حق اختصاص ، أو دائن ذي رهن حيازي ) أو بالنسبة إلى دائن عادي . وله كذلك أن يستعمل حق التتبع ، إذا كان قد قيد حق رهنه أولا ، بالنسبة إلى شخص انتقلت إليه ملكية العقار المرهون .
فهناك إذن أمران :
( 1 ) قيد الرهن الرسمي أولا .
( 2 ) استعمال الدائن المرتهن ، بناء على الأسبقية في القيد ، حق القدم وحق التتبع .
وتعالج في مبحثين متتاليين :
( 1 ) قيد الرهن الرسمي .
( 2 ) استعمال حق التقدم وحق التتبع .