أثر العقد بالنسبة إلى الغير
355 – الخلف قد يكون من الغير : قدمنا أن كلا من الخلف العام والخلف الخاص ينصرف إليه اثر العقد ، إلا في أحوال معينة يصبح فيها من الغير .
فالخلف العام يكون من الغير ، كما رأينا ، إذا اثبت أن التصرف الذي صدر من سلفه قد صدر في مرض الموت ، فلا يسري التصرف في حقه إلا على اعتبار أنه وصية .
والخلف الخاص يكون من الغير ، ولا ينصرف إليه اثر العقد ، إذا كان هذا العقد غير سابق على انتقال الشيء إلى الخلف ، أو كان الحق أو الالتزام الناشيء من العقد غير مكمل للشيء أو غير محدد له .
ونتبين من ذلك أنه إذا كانت القاعدة هي إلا يكون الخلف من الغير ، فينصرف إليه اثر العقد ، إلا أن الخلف ، عاما كان أو خاصا ، يصبح في أحوال معينة من الغير ، فلا ينصرف إليه اثر العقد أصلاً ، أو ينصرف إليه على اعتبار أنه وصية .
356 – الغير الأجنبي أصلاً عن العقد : أما الغير ، الذي لم يكن طرفاً في العقد ولا خلفاً لأحد من المتعاقدين ، وهو ما يسمى بالغير الأجنبي أصلاً عن العقد ( penitus extranei ) ، فلا ينصرف إليه اثر العقد ما دام بعيداً عن دائرة التعاقد . فالصلح الذي يقع بين الدائن وأحد الورثة لا يسري في حق بقية الورثة . والعقد الذي يصدر من أحد الشركاء في الشيوع لا يقيد بقية الشركاء إلا في حدود الفضالة . وبيع ملك الغير لا يسري في حق المالك الحقيقي الذي لم يكن طرفاً في العقد .
على أن اعتبارات ترجع إلى العدالة أو إلى استقرار التعامل قد تقضي بانصراف اثر العقد إلى الغير .
فالعدالة قد تقضي بأن يكون للغير دعوى مباشرة ( action directe ) هي دعوى أحد المتعاقدين على الآخر في عقد لم يكن هذا الغير طرفاً فيه . ولا يكون ذلك إلا بنص خاص في القانون . من هذا ما تقضي به المادة 596 من أن يكون المستأجر من الباطن ملزماً بان يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأصلي وقت أن ينذره المؤجر . فللمؤجر يرجع إذن بدعوى مباشرة على المستأجر من الباطن ، هي دعوى المستأجر الأصلي في عقد الإيجار من الباطن ، مع أن المؤجر لم يكن طرفاً في هذا العقد . وكذلك يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول في تنفيذ العمل حق مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز المقدار الذي يكون مديناً به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى ( م 662 ) . وللموكل ونائب الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر ( م 708 ) . وسنعرض تفصيلا للدعوى المباشرة عند الكلام في الدعوى غير المباشرة .
واستقرار التعامل قد يقضي بأن ينصرف اثر العقد لمن لم يكن طرفاً فيه ، كالتصرف الذي يصدر من الوارث الظاهر فإنه يسري في حق الوارث الحقيقي مع أن هذا لم يكن طرفاً فيه ، وكالإيجار الذي يصدر من غير المالك دون غش لمستأجر حسن النية فإنه يسري في حق المالك الحقيقي في بعض الأحوال .
ولكن الأثر الذي انصرف إلى الغير في الأحوال المتقدمة اثر غير مقصود ، لم يرده المتعاقدان وقت التعاقد ، فهو مبنى على اعتبارات لا دخل للإرادة فيها .
أما أن العقد ينتج أثراً ينصرف إلى الغير ويكون أثراً مقصوداً أراده المتعاقدان ، فذلك ما تكفلت ببيان الحكم فيه المادة 152 من القانون الجديد ، إذ تقول :
” لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير ، ولكن يجوز أن يكسبه حقاً ” ( [1] ) .
فالتعهد عن الغير لا ينصرف أثره إلى اليغر ، ولا يرتب في ذمته التزاماً . والاشتراط لمصلحة الغير ينصرف أثره إلى الغير ، ويكسبه حقاً .
ونبحث الآن كلا من هاتين المسألتين : ( 1 ) التعهد عن الغير . ( 2 ) والاشتراط لمصلحة الغير .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 208 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لنص القانون الجديد . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم المادة 156 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ جرت مناقشات طويلة لتعديله ثم انتهت اللجنة إلى إقراره كما هو تحت رقم المادة 152 . ووافق عليه مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 301 – ص 304 ) .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” الأصل في العقود أن تقتصر آثارها على عاقديها . فلا يترتب ما تنشيء من التزامات إلا في ذمة المتعاقدين ومن ينوب عنهم من الخلفاء والدائنين ، وليس الوعد بالتزام الغير إلا تطبيقاً لهذه القاعدة . وكذلك الشأن فيما ترتب العقود من حقوق ، فلا ينصرف نفعها إلا إلى المتعاقدين ومن ينوب عنهم . على أنه يجوز الاشتراط لمصلحة الغير ، وهذا هو الاستثناء الوحيد الذي يرد على القاعدة ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 302 ) .
ويقابل هذا النص في القانون الجديد النصوص الآتية في القانون القديم :
” م 141 / 202 : لا يترتب على المشارطات منفعة لغير عاقديها . . “
” م 142 / 203 : لا يترتب على المشارطات ضرر لغير عاقديها . . ” .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن