إثبات السبب
295 – النصوص القانونية : نصت المادة 137 من القانون الجديد على ما يأتي :
” 1 – كل الالتزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سببا مشروعا ، ما لم يقم الدليل على غير ذلك ” .
” 2 – ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك ، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلي من يدعي أن للالتزام سببا أخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه ” ( [1] ) .
وهذا النص لا مقابل له في القانون القديم ، ولكنه يقرر أحكاماً غير مستحدثة . فقد كان القضاء المصري يطبقها من قبل . ولم يفعل القانون الجديد إلا أن قننها لما لها من أهمية عملية .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” أما فيما يتعلق بإثبات السبب فثمة قاعدتان اساسيتان : ( أولاهما ) افتراض توافر السبب المشروع في الالتزام ولو اغفل ذكره في العقد إلى أن يقوم الدليل على خلاف ذلك . ويكون عبء إثبات عدم وجود السبب أو عدم مشروعيته على عاتق المدين الذي يطعن في العقد . ( والثانية ) افتراض مطابقة السبب المذكور في العقد للحقيقة إلى أن يقيم المدين الدليل على صوريته . فإذا أقيم هذا الدليل وجب على الدائن أن يثبت توافر الالتزام على سبب حقيقي تلحق به صفة المشروعية ” ( [2] ) .
ويتبين مما تقدم أن هناك فرضين : ( الأول ) أن يكون السبب غير مذكور في العقد . ( والثاني ) أن يكون هناك سبب ذكر في العقد ( [3] ) . ونستعرض كلا من الفرضين .
296 – السبب غير مذكور في العقد : وهذا هو الفرض الوارد في الفقرة الأولى من المادة 137 . وقد كان المنطق القانوني يقضي بأن الدائن ، وهو المكلف بإثبات الدين ، هو الذي يثبت السبب لأن الدين لا يقوم بدونه . ولكن القانون الجديد وضع قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سبباً مشروعاً ولو لم يذكر هذا السبب . على أن القرينة قابلة لإثبات العكس . فإذا ادعى المدين أن للعقد سبباً غير مشروع سمع منه ذلك وكلف هو بإثباته . وله الإثبات بجميع الطرق ، بما في ذلك البينة والقرائن ( [4] ) . وقد كان الفقه ( [5] ) والقضاء ( [6] ) في مصر يأخذان بهذه الأحكام دون نص ، فجاء القانون الجديد مؤيداً لها كما قدمنا .
ويلاحظ أنه إذا ادعى المدين أن للعقد سبباً غير مشروع واثبت ذلك ، فعليه أيضاً أن يثبت علم الدائن بهذا السبب . وله إثبات هذا العلم بجميع الطرق لأنه واقعة مادية . ويستوي في ذلك إلا يكون السبب مذكوراً في العقد أو أن يكون قد ذكر سبب صوري وثبت أن السبب الحقيقي غير مشروع كما سيأتي :
297 – السبب مذكور في العقد : وهذا هو الفرض الوارد في الفقرة الثانية من المادة 137 . وقد وضع النص هنا أيضاً قرينة قانونية على أن السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي الذي رضى المدين أن يلتزم من اجله . والقرينة قابلة لإثبات العكس . فإذا ادعى المدين أن السبب المذكور في العقد ليس هو السبب الحقيقي ، بل هو سبب صوري يستر سبباً غير مشروع ، فله أن يتخذ أحد موقفين : ( 1 ) إما أن يقتصر على إثبات الصورية ، وفي هذه الحالة ينتقل عبء إثبات السبب الحقيقي ومشروعيته إلى الدائن ( [7] ) ، ( 2 ) وإما أن يثبت رأساً أن السبب الحقيقي للعقد غير مشروع .
فإذا أراد أن يثبت صورية السبب . وكانت قيمة التزامه تزيد على عشرة جنيهات ، وجب أن يثبت ذلك بالكتابة أو بما يقوم مقامها ( [8] ) . ويكون الأمر كذلك أيضاً حتى لو لم تزد قيمة الالتزام على عشرة جنيهات إذا كان السبب الضروري مكتوباً ، لأنه لا يجوز إثبات عكس المكتوب إلا بالكتابة .
وإذا أراد المدين أن يثبت رأساً عدم مشروعية السبب ، فله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن ، حتى لو كان السبب الصوري مكتوباً ، ومهما بلغت قيمة الالتزام ، لأن إخفاء عدم المشروعية غش ، والغش يجوز إثباته بجميع الطرق ( [9] ) .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 192 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ط 1 – يفترض في كل التزام أن له سبباً مشروعاً ، ولو لم يذكر هذا السبب في العقد ، ما لم يقم الدليل على غير ذلك . 2 – ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك . 3 – فإذا قام الدليل على صورية السبب أو على عدم مشروعيته فعلى من يدعى أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ما يدعيه ” . وقد اقترح في لجنة المراجعة إدماج الفقرتين الثانية والثالثة في فقرة واحدة وحذف عبارة ” أو على عدم مشروعيته ” من الفقرة الثالثة لأنها تنص على حالة من حالات صورية السبب ، واقترح أحد الاضعاء إدخال تعديل لفظي على الفقرة الأولى ، فوافقت اللجنة على هذه الاقتراحات ، وأصبح نص المادة النهائي ( م 141 ) مطابقا للنص الوارد في القانون الجديد . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اقترح حذف العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية وهي : ” فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعى أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ما يدعيه ” ، لأن هذه العبارة ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة في الإثبات ، ولكن اللجنة انتهت آخر الأمر إلى إقرار بقائها . وأصبح رقم المادة 137 . ووافق مجلس الشيوخ عليها دون تعديل ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 229 – ص 232 ) .
( [2] ) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 227 .
( [3] ) سواء ذكر في السند المكتوب الذي يثبت العقد أو ذكر عند التعاقد ذاته . وغنى عن البيان أن السبب الذي يذكر في العقد هو الباعث الدافع إلى التعاقد ، وإن كان الباعث قل أن يذكر في العقد . ويبدو أن نص المادة 137 من القانون الجديد أكثر مسايرة للسبب بمعناه في النظرية التقليدية ، لاسيما عندنا تتحدث المذكرة الإيضاحية عن عبء إثبات عدم وجود السبب ، ولكن لا شيء يمنع من أن يذكر السبب بمعنى الباعث في العقد ، وعندئذ يعتبر هذا السبب المذكور هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على صورية السبب أو على عدم مشروعيته .
( [4] ) نقض مدني في 7 ديسمبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 151 ص 284 – وفي 11 يناير سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 182 ص 517 – استئناف وطني في 18 مارس سنة 1914 المجموعة الرسمية 15 رقم 82 ص 161 – محكمة استئناف مصر في 13 مايو سنة 1943 المحاماة 26 رقم 49 ص 105 .
وهناك فرق بين عقد غير مذكور سببه وعقد مجرد : الأول إذا اثبت المدين أن له سبباً غير مشروع يكون باطلا كما رأينا ، أما الثاني فلا يبطل ولكن يدفع بدعوى الإثراء بلا سبب فيتخلص منه المدين إذا كان لم يوفه أو يسترده إذا كان قد وفاه . وقد تقدم ذكر ذلك في التصرف المجرد .
( [5] ) دى هلتس 3 ص 117 فقرة 14 – هالتون 1 ص 241 – والتون 1 ص 102 – عبد السلام ذهني بك فقرة 173 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 549 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 106 – الدكتور حشمت أبو ستيت فقرة 244 .
( [6] ) استئناف مختلط في 10 مارس سنة 1897 م ) ص 190 – وفي 2 فبراير 1911 م 23 ص 151 – وفي 26 فبراير سنة 1930 م 42 ص 324 – وفي 13 مايو سنة 1931 – م 43 ص 390 – وفي أول ابريل سنة 1943 م 55 ص 116 – وفي 19 يونية سنة 1945 م 57 ص 183 .
( [7] ) ومن ذلك نرى أن السبب إذا لم يذكر في العقد فهو مفروض ، وعلى المدين إثبات العكس . أما إذا ذكر واثبت المدين صوريته فإن عبء الإثبات السبب الحقيقي ينتقل إلى الدائن ( نقض مدني في 3 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 67 ص 138 – وفي 28 مايو سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 165 ص 469 ) . وانظر في أحكام القضاء المصري هذه المسألة نظرية العقد للمؤلف ص 579 هامش رقم 2 .
وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا اقر الدائن بعدم صحة السبب الوارد في سند الدين وذكر سبباً آخر مشروعاً على أنه السبب الحقيقي ، كان إقراره هذا غير قابل للتجزئة ، وكان الالتزام قائماً وصحيحاً ما لم يثبت المدين أن هذا السبب الأخير غير صحيح ( 15 ابريل سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 52 ص 150 – وفي هذا المعنى استئناف مختلط في 22 مارس سنة 1933 م 45 ص 209 ) .
( [8] ) وقد قضت محكمة النقض بان عقد القرض يجوز إثبات صورية سببه بالأوراق الصادرة من المتمسك به ، فإذا كانت سندات الدين مذكوراً فيها أن قيمتها دفعت نقداً ، ثم أتضح من الرسائل الصادرة من مدعية الدين إلى مدينها في مناسبات وظروف مختلفة قبل تواريخ السندات وبعدها إنها كانت تستجدي المدين وتشكر له احسانه وتبرعه لها ، فهذه الرسائل يجوز اعتبارها دليلا كتابياً كافياً في نفي وجود قرض حقيقي ( 10 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 67 ص 138 – ويلاحظ أن السبب هنا مفهوم بالمعنى المعروف في النظرية التقليدية ، ويغني عنه ركن التراضي على عقد القرض ، فيكون عقد القرض ذاته في هذه القضية هو العقد الصوري ، ولا محل للكلام في صورية السبب ، إلا إذا اتخذت طبيعية العقد قرينة على سببه ، وهذا ما يقع غالباً ) .
( [9] ) استئناف مصر الطنية في 14 ديسمبر سنة 1922 المجموعة الرسمية 25 رقم 34 / 1 – وفي 12 مارس سنة 1930 المجموعة الرسمية 31 رقم 126 ص 324 – وفي 23 يناير سنة 1932 المحاماة 12 رقم 24 ص 69 – استئناف مختلط في 7 يونية سنة 1917 م 29 ص 489 – وفي 22 يناير سنة 1919 م 31 ص 136 – وفي 31 مايو سنة 1923 م 35 ص 483 – وفي 20 ديسمبر سنة 1923 م 36 ص 104 – هذا وإذا تبين أن سبب السند هو الربا الفاحش فللمدين إثبات ذلك بجميع الطرق لأن السبب غير مشروع ( استئناف مصر الوطنية في 12 مارس سنة 1930 المجموعة الرسمية 31 رقم 126 ص 324 – استئناف مختلط في 25 نوفمبر سنة 1896 م 9 ص 37 – وفي 22 ديسمبر سنة 1897 م 10 ص 48 ) . على أن مجرد الادعاء بوجود الربا الفاحش لا يكفي للتخريص في إثباته ، إذ أنه لاي جوز قبول الإثبات بالينة على ما ياخلاف المكتوب ما لم تدل الوقائع الثابتة في الدعوى على أن هناك قرائن قوية على وجود الربا الفاحش ( استئناف وطني في 2 ابريل سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 89 – وفي 29 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية 18 رقم 69 – استئناف مختلط في 3 ديسمبر 1930 جازيت 22 رقم 310 ص 263 – وفي 4 مارس سنة 1931 جازيت 22 رقم 307 ص 263 ) . فإذا نبت أن هناك فوائد ربوية ، فعلى الدائن أن يثبت كم كان المقدار المقترض ، فإذا لم يثبت ذلك فإن المحكمة تقبل اعتراف المدين ( استئناف مختلط في ) ديسمبر سنة 1930 جازيت 22 رقم 307 ص 263 وهو الحكم الذي سبقت الإشارة إليه ) .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن