الآثار الأصلية للعقد الباطل
312 – لأي غرض يرتب العقد الباطل آثاره الأصلية : قد يرتب القانون في بعض الحالات على العقد الباطل آثاره الأصلية ، لا باعتباره واقعة مادية كما هو الأمر في الآثار العرضية ، بل باعتباره عقداً ، فيكون هو والعقد الصحيح بمنزلة سواء . وفي هذا خروج صريح على القواعد العامة ، يبرره أن هذه الحالات ترجع بوجه عام إلى فكرة حماية القانون للظاهر ( apparence ) لا سيما إذا اصطحب بحسن النية ( bonne foi ) ، وهذه رعاية واجبة لاستقرار التعامل .
فالظاهر المستقر الذي اطمأنت إليه الناس في تعاملهم يبقى ي حماية القانون حتى لو خالف الحقيقة ، ويقوم كما لو كان هو الحقيقة ذاتها . هذا الأصل الجوهري من أصول القانون ، الذي تندرج تحته نظرية الإرادة الظاهرة ونظرية التصرف المجرد ونظرية الصورية في مختلف تطبيقاتها ، يمتد أيضاً ليشمل العقد الباطل فيرتب عليه آثاره الأصلية كما لو كان عقداً صحيحاً .
313 – أمثلة من عقود باطلة ترتب آثارها الأصلية : ونورد بعض الأمثلة على ما قدمناه . فمن ذلك الشركة التجارية التي لم تستوف الإجراءات الواجبة قانوناً ، فإنها تقع باطلة ، ومع هذا فقد قضت المادة 54 من القانون التجارية بأنه إذا قضى ببطلان الشركة ، فإن تصفية حقوق الشركاء عن المعاملات التي تمت قبل طلب البطلان تجري وفقاً لشروط الشركة التي قضى ببطلانها . وهذا الحكم يجعل عقد الشركة الباطل ينتج آثاره الأصلية كما لو كان عقداً صحيحاً . ووجه ذلك أن الشركة التي قضى ببطلانها تعتبر في المدة السابقة على الحكم بالبطلان شركة واقعية ( societe de fait ) ، تنتج الآثار التي تنتجها الشركة الصحيحة ، ويعتبر تعامل الغير مع الشركة صحيحاً ، ويجني الشركاء الربح ويتحملون الخسارة ، ويقتسمون مال الشركة طبقاً للشروط التي اتفقوا عليها في العقد الباطل .
ومنذ لك ما نصت عليه المادة 1034 من القانون الجديد من أنه ” يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذى تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغائه أو زواله لأى سبب آخر ، إذا كان هذا الدائن حسن النية فى الوقت الذى ابرم فيه الرهن ” . ويتبين من هذا النص أن عقد الرهن الصادر من شخص لا يملك العقار المرهون – إذ أن سند ملكيته قد أبطل أو فسخ أو ألغى أو زال لأي سبب – يبقى بالرغم من بطلانه مترتباً عليه آثاره الأصلية ، ومن أهمها قيام حق الرهن لمصلحة الدائن المرتهن .
وشبيه بذلك المالك إذا فسخ سند ملكيته ، فإن أعمال الإدارة التي صدرت من قبل الفسخ ، وبخاصة عقود الإيجار التي لا تزيد مدتها على ثلاث سنوات ، تبقى قائمة بالرغم من فسخ سند الملكية بأثر رجعي ، وذلك حماية لاستقرار التعامل في أعمال الإدارة .
ويتصل بذلك العقد الصوري ، وهو عقد لا وجود له ، ومع ذلك يقوم بالنسبة إلى الغير حسن النية إذا تعامل على مقتضاه . وكالعقد الصوري تصرفات الوارث الظاهر ، فإنها تبقى رعاية لاستقرار التعامل ، وهناك تطبيقات أخرى كثيرة للمبدأ القاضي بأن الخطأ الشائع يقوم مقام القانون ( error communis facit jus ) .
المبحث الثاني
الإجازة والتقادم
314 – مقارنة بين العقد الباطل والعقد القابل للإبطال من حيث الإجازة والتقادم : العقد الباطل لا وجود له منذ البداية . فلا يتصور أن تلحقه الإجازة أو أن يتقادم الدفع ببطلان أن العقد القابل للإبطال فهو في مرحلته الأولى ، كما رأينا ، يرتب جميع آثاره كالعقد الصحيح ، وإنما يكون لأحد المتعاقدين الحق في طلب إبطاله . ويزول هذا الحق بالنزول عنه ، وهذه هي الإجازة ، أو باقتضاء مدة معينة دون أن يستعمل ، وهذا هو التقادم . فالعقد القابل للإبطال إذن ، خلافاً للعقد الباطل ، تلحقه الإجازة ويرد عليه التقادم ( [1] ) .
( [1] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وتظهر أهمية التفريق بين البطلان المطلق والبطلان النسبي من وجوه : . . . . . ( ب ) وما دام البطلان الملطق يستتبع اعتبار العقد معدوماً ، فلا يتصور اطلاقاً أن ترد عليه الإجازة . ويختلف عن ذلك حكم العقود القابلة للبطلان ، فهي تصحح الإجازة ، ولو كان ضمنية ، بشرط أن تتوافر شروط صحتها وقت إجازة ( كبلوغ المتعاقد الاقصر سن الرشد وقت الإجازة مثلا ) وأن تكون الإجازة ذاتها منزهة عن العيب ، إذ ينبغي أن تستكمل ما يلزم من الشروط لصحتها باعتبارها تصرفاً قانونيناً . وإذا كان اثر الإجازة يستند ، أو ينعطف على الماضي ، إلا إنها لا تضر بحقوق الغير . فلا تضر الإجازة مثلا من يشتري عقاراً كان قد سبق لمالكه بيعه ، إذا كان الشراء قد تم بعد صدور البيع الأول وقبل إجازة هذا البيع . ولما كان التدليس والإكراه من قبيل الأفعال الضارة التي تلحق بها صفة التقصير المدني ، فيظل مرتكبهما مسئولا عما وقع منه بمقتضى القواعد العامة ، رغم إجازة العاقد الآخر للتعاقد ، ما لم تنطو الإجازة على إسقاط هذه المسئولية . ( ج ) وما دام العقد المطلق البطلان معدوماً ، أو غير موجود ، فلا يتصور أن يرد عليه التقادم . وعلى النقيض من ذلك ينعدم البطلان النسبي بانقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ إنشاء العقد ، سلطان الإكراه . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 256 – ص 257 ) .