الإكراه كعيب للإرادة


الإكراه

187 – الرهبة هي التي تفسد الرضاء : الإكراه ضغط تتأثر به إرادة الشخص فيندفع إلى التعاقد . والذي يفسد الرضاء ليست هي الوسائل المادية التي تستعمل في الإكراه ، بل هي الرهبة التي تقع في نفس المتعاقد . كما أن الذي يفسد الرضاء في التدليس ليست هي الطرق الإحتيالية ، بل ما تحدثه هذه الطرق في نفس المتعاقد من التضليل والوهم .

188 – الإكراه الذي يفسد الرضاء والإكراه الذي يعدمه : والإكراه وأن كان يفسد الرضاء على النحو المتقدم ، إلا أنه لا يعدمه . فالمكره إرادته موجودة ، ولو انتزعت منه هذه الإرادة رهبة ، لأنه خير بين أن يريد أو أن يقع به المكروه الذي هدد به ، فاختار اهون الضررين وأراد ، إلا أن الإرادة التي صدرت منه هي إرادة فاسدة ، لأنها لم تكن حرة مختارة .

وإنما يعدم الإكراه الرضاء إذا انتزع الرضاء عنوة لا رهبة ، كما إذا امسك المكره بيد المكره وأجرى القلم في يده بالتوقيع على التزام . ففي هذه الحالة يكون العقد باطلا لانعدام الرضاء .

189 – الإكراه هو أيضاً عمل غير مشروع : وينبغي أن تنظر إلى الإكراه – كما نظرنا إلى التدليس – من ناحيتين : الناحية التي يكون الإكراه فيها عيباً من عيوب الإرادة فيبطل العقد ، والناحية التي يكون الإكراه فيها عملا غير مشروع فتترتب عليه المسئولية عن التعويض . وسنرى فيما يلي هاتين الناحيتين في الإكراه .

190 – النصوص القانونية : وكان القانون القديم يشتمل على نص واحد في الإكراه هو نص المادتين 135 / 195 ، وهو يقضى بأنه ” لا يكون الإكراه موجباً لبطلان المشارطة إلا إذا كان شديداً ، بحيث يحصل منه تأثير لذوى التمييز مع مراعاة سن العاقد وحالته والذكورة والأنوثة ” . وهذا النص يفضل نصوص القانون الفرنسي التي نقل عنها ، إذا تجنب الخوض في كثير من التفصيلات التي عرضت لها هذه النصوص ( [1] ) ، واقتصر على وضع معيار مرن . إلا أنه خلط ما بين معيار موضوعي هو معيار ذي التمييز ( personne raisonnable ) ومعيار ذاتي هو معيار العاقد بالذات . وقد نقل هذا الخلط عن القانون الفرنسي ( [2] ) .

أما القانون الجديد فقد تجنبت نصوصه هذا الخلط ، فاقتصرت على المعيار الذاتي وهو المعيار الصحيح ، وعرضت لعناصر الإكراه في نصين ، هما لمادتان 127 و 128 .

وتنص المادة 127 على ما يأتي :

 ” 1 – يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس .

 2 – وتكون الرهبة قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعها أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال .

 3 – ويراعي في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف أخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه ( [3] ) ” .

وتنص المادة 128 على ما يأتي :

 ” إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين ، فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد ، ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الإكراه ( [4] ) ” .

191 – عنصران للإكراه : ويستخلص من هذه النصوص أن عناصر الإكراه ، كعناصر التدليس ، اثنان : 1 – استعمال وسائل للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق ، وهذا هو العنصر الموضوعي . 2 – رهبة في النفس يبعثها الإكراه فتحمل على التعاقد ، وهذا هو العنصر النفسي .

وهذان العنصران كافيان ، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كان الإكراه صادراً من أحد المتعاقدين ، أو من الغير ، أو من ظروف خارجية تهيأت مصادفة .

ونتناول بالبيان كلا من العنصري الموضوعي والنفسي ، وننتقل بعد ذلك إلى الجهة التي صدر منها الإكراه هل هي أحد المتعاقدين . أو الغير أو مجرد المصادفة ( [5] ) .

1 – استعمال وسائل للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق

192 – تحليل هذا العنصر : لا بد من استعمال وسائل للإكراه تقع على الحس أو على النفس . فتهدد المتعاقد المكره ، أو شخصاً عزيزاً عنده ، بخطر جسيم محدق بالنفس أو بالمال . ووسائل الإكراه تكون في العادة غير مشروعة يقصد بها الوصول إلى غرض غير مشروع . وقد تستعمل وسائل مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع فيتحقق الإكراه : من ذلك أن يستغل صاحب الحق المطالبة بحقه لابتزاز فائدة غير مشروعة من المدين ، ومن ذلك أيضاً أن يستغل صاحب الشوكة والنفوذ الأدبي شوكته ونفوذه ليحقق غرضاً غير مشروع .

فنتكلم إذن فيما يأتي : ( 1 ) الإكراه الحسي والإكراه النفسي ( 2 ) الخطر الجسيم المحدق بالنفس أو بالمال إذا هدد المتعاقد نفسه ( 3 ) هذا لخطر إذا هدد غير المتعاقد ( 4 ) المطالبة بحق كوسيلة للإكراه ( 5 ) الشوكة والنفوذ الأدبي .

193 – الإكراه الحسي والإكراه النفسي : وسائل الإكراه أما أن تقع على الجسم ، كالضرب المبرح والإيذاء بأنواعه المختلفة ، وهذا ما يسمى بالإكراه الحسي ( violence physique ) لنه يقع على الحس ، وهو نادر لاسيما في الأوساط المتحضرة . وإما أن تكون الوسيلة تهديداً بإلحاق الأذى دون إيقاعه بالفعل أو إحداثاً لألم نفسي ، وهذا ما يسمى الإكراه النفسي ( violence morale ) لأنه يوقع في النفس رهبة أو ألماً ، وهذا هو الإكراه الأكثر وقوعاً في الحياة العملية . وليس هناك فرق بين الإكراه الحسي والإكراه النفسي ، فكل وسيلة من وسائل الإكراه ، سواء وقعت على الجسم أو على النفس ، تفسد الرضاء وتجعل العقد قابلا للإبطال .

194 – خطر جسيم محدق بالنفس أو بالمال يهدد المتعاقد نفسه : ولكن لما كان الإكراه النفسي هو الأكثر وقوعاً كما قدمنا ، فإن كلامنا ينصرف في الغالب إليه . وهو الذي يوقع في نفس المتعاقد المكره أن خطراً جسيما محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال ( [6] ) ” .

فالخطر يجب أن يكون جسيما ، والعبرة في جسامة الخطر بحالة المكره النفسية . فلو كانت وسائل الإكراه التي استعملت غير جدية ، ولكنها مع ذلك أوقعت الرهبة في نفس المكره وصورت له أن خطراً جسيماً يهدده ، فإن هذا يكفي لإفساد الرضاء . وذلك كما إذا هدد شخص آخر بعمل من أعمال الشعوذة ، كأن يلحق الأذى بمواشيه من طريق السحر ” والتعزيم ” ، أو هدده بأن له قدرة على ” الربط والحل ” ، أو نحو ذلك مما يقع كثيراً في الأوساط القروية الساذجة .

والخطر يجب أن يكون محدقاً ( imminent ) أي وشيك الوقوع . فلو كان التهديد بخطر يتراخى وقوعه إلى أجل يتمكن معه المتعاقد من اتخاذ الحيطة لنفسه ، فإن هذا التهديد لبس من شأنه عادة أن يوقع في النفس الرهبة التي تفسد الرضاء . على أن الأمر منوط بحالة المتعاقد النفسية ، فقد ننبعث في نفسه رهبة من التهديد بخطر بعيد الأجل ، فيكفي هذا لإفساد الرضاء . فالعبرة إذن بوقوع الرهبة حالا في نفس المتعاقد ، لا بأن الخطر حال أو محدق ( [7] ) .

والخطر إما أن يصيب المتعاقد في جسمه أو نفسه ، كخطر يقع على حياته أو على سلامة أعضائه أو الم نفسي ينزل به . وإما أن يقع على شرفه واعتباره بين الناس أو على الثقة فيه لا سيما إذا كانت مهنته تقتضي التوفر على هذه الثقة كما في التجارة . وإما أن يقع على ماله ، كما إذا هدد في مزروعاته بالإتلاف أو في داره بالحريق . فالخطر الذي يقع على أي شيء يحرص المتعاقد على سلامته يكفي لتحقق الإكراه .

195 – الخطر يهدد الغير : وليس من الضروري أن يهدد الخطر المتعاقد المكره نفسه ، فقد يهدد شخصاً غيره عزيزاً عليه فيعتبر الإكراه متحققاً بذلك . وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 127 التي تقدم ذكرها ، فهي تجيز أن يهدد الخطر الجسيم المحدق المتعاقد المكره نفسه ” أو غيره ” . وقد كان المشروع التمهيدي للقانون الجديد يشترط أن يكون الغير هو أحد أقارب المتعاقد ( [8] ) ، ولكن رؤى بحق في المشروع النهائي العدول عن هذا الشرط . فليس صحيحاً أن الأقارب هم كل الناس الذين ينزلهم الشخص منزلة نفسه ، فهناك الزوج والزوجة ، والخطيب والخطيبة ، بل والأصدقاء ، قد يكون فيهم من يعزهم الشخص إعزازاً يجعله يتأثر مما يتعرضون له من الخطر إلى حد أن تفسد إرادته تحت تأثير الخوف الذي يقع في نفسه من جراء ذلك . وليس صحيحاً كذلك أن كل الأقارب ينزلهم الشخص منزلة نفسه ، ويتأثر من الخطر الذي يهددهم تأثراً يفسد رضاه . والأولى أن يترك تقدير ذلك للظروف ، فلا يذكر فريق معين من الناس على زعم إنهم هم الاعزاء دون غيرهم . وإنما ينظر القاضي في كل حالة إلى ظروفها الخاصة ، ويقدر علاقة المتعاقد بمن يهدده الخطر ، هل هي علاقة وصلت إلى الحد الذي يجعل المتعاقد يتأثر من هذا الخطر بحيث تفسد إرادته فيبطل العقد ، لا فرق في ذلك بين قريب وزوج وخطيب وصديق ( [9] ) .

196 – المطالبة بحق كوسيلة للإكراه : والإكراه يتحقق عادة باستعمال وسائل غير مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع . فتهدد شخص بقتله أو بإحراق منزله إذا لم يمض التزاماً ، أو بقتل ولد له اختطفه المكره إذا لم يمض تعهداً بدفع الفدية ، أو بالتشهير به إذا لم يتعهد بدفع قدر من المال ، كل هذه الوسائل غير مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع .

أما إذا كانت الوسائل مشروعة في ذاتها ويراد بها الوصول إلى غرض مشروع ، بأن يضغط شخص على إرادة شخص آخر من طريق المطالبة يحق له عليه ، ولا يقصد بهذا الضغط إلا الوصول إلى حقه ، فلا يبطل العقد للإكراه ، كالدائن يهدد المدين بالتنفيذ على ما له إذا لم يعطه تأميناً على عين بالذات ، فيعطيه المدين رهناً ، فلا يبطل عقد الرهن في هذه الحالة ، لأن الوسائل التي استعملت للضغط على إرادة المدين وسائل مشروعة ولا يقصد بها الدائن إلا الوصول إلى حقه وهو غرض مشروع . وكذلك إذا هدد شخص آخر بتقديمه بلاغاً إلى النيابة العامة يتهمه فيه بالتبديد إذا لم يكتب له سنداً بما أودعه عنده من مال ، فهذا الإقرار الصادر منه لا يبطل للإكراه ، لأن الوسائل التي استعملت مشروعة ويراد بها الوصول إلى غرض مشروع هو إثبات حق موجود . وكذلك إذا هددت الزوجة زوجها بأن تحبسه في نفقتها أن لم يستند ويعطها ما تنفقه ، فلا يبطل عقد القرض للإكراه . هذا ونص القانون الجديد صريح في أن الإكراه لا يتحقق إلا إذا كانت الرهبة قد بعثت ” دون حق ” في نفس المتعاقد المكره ( [10] ) .

على أنه إذا استعملت الوسائل المشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع ، واستغل الدائن قيام حقه في المطالبة فضغط على إرادة مدينه ، لا للوصول إلى حقه فحسب ، بل ليبتز من المدين ما يزيد على حقه ، فإن الإكراه يتحقق ويبطل العقد . فمن فاجأ شخصاً متلبساً بجريمة ، فاستغل هذا الظرف واضطر إلى كتابة سند بمبلغ كبير من المال لاحق له فيه ، جاز إبطال العقد للإكراه . أما إذا استكتبه سنداً بمبلغ هو مقدار ما أصابه من الضرر بسبب ارتكاب الجريمة ، فإن الغرض هنا مشروع والعقد صحيح . وإذا هدد دائن مدينه بأن يعلن إفلاسه وابتغى من وراء ذلك الحصول على مال أكثر من حقه ، كان هذا إكراهاً ، أما إذا حصل على حقه فإن الغرض يكون مشروعاً ولا يكون هناك إكراه ( [11] ) .

197 – الشوكة والنفوذ الأدبي : ومجرد الشوكة والنفوذ الأدبي الذي قد يكون لشخص على آخر ، سواء ارتبطا بصلة النسب كما بين الأب وولده ، أو اتصلا برابطة الزوجية أو المصاهرة ، أو لم يتصلا بشيء من ذلك كما بين الوصي والقاصر إذا لم يكونا من ذوي القربى وبين الأستاذ والطالب وبين ذى النفوذ الديني والمتدين وبين الريس والمرؤوس ، لا يكفي عادة ليكون وسيلة للإكراه ، ذلك أن استعمال النفوذ الأدبي والشوكة أمر مشروع ما دام القصد من ذلك الوصول إلى غرض مشروع ( [12] ) .

أما إذا قصد الوصول إلى غرض غير مشروع ، فلا يوجد في هذه الحالة ما يمنع من الطعن في العقد بالإكراه ( [13] ) . ولا شك في أن موقف الزوجة من زوجها والزوج ذو شوكة على زوجته ، وموقف الولد من أبيه وهو يخفض له جناح الذل من الرحمة ، وموقف المتدين من رئيس ديني والدين ذو اثر عميق في النفس ، وموقف المرؤوس من رئيسه وفي يد هذا إبقاؤه في العمل أو فصله ، كل هذه مواقف قد تتأثر فيها إرادة الشخص إلى حد كبير ، وليس من الصواب أن يقال إن الشخص يتعاقد مختاراً فيها . فإذا أريد بالعقد وصول إلى غرض غير مشروع ، كعقد التزام باهظ يثقل كاهل الملتزم . أو ما كان يرضاه لولا موقفه ممن يتعاقد معه ، فإن العقد يجوز إبطاله للإكراه ( [14] ) .

ب – رهبة تحمل على التعاقد

198 – وجوب الأخذ بالمعيار الذاتي : قدمنا أن المادة 127 من القانون الجديد تقضي بأنه يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق ز . . ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنها أن يؤثر في جسامة الإكراه . وهذا النص قاطع في أن القانون الجديد يأخذ في الإكراه بمعيار ذاتي محض . وقد كان القانون القديم ( م 135 / 195 ) يخلط بين المعيار الذاتي والمعيار الموضوعي مقلداً في ذلك القانون الفرنسي كما سبق القول ( [15] ) .

ولا شك في أن القانون الجديد أحسن صنعاً بالاقتصار على المعيار الذاتي وعدم الخلط بينه وبين المعيار الموضوعي ، فإن الإكراه ، كالغلط وكسائر عيوب الرضاء ، ظاهرة من الظواهر النفسية لا يجوز الأخذ فيها بغير المعيار الذاتي ( [16] ) . وهذا ما جرى عليه القضاء والفقه في مصر حتى في ظل القانون القديم ( [17] ) . وهذا هو أيضاً ما أخذت به الشريعة الإسلامية ( [18] ) والقوانين الأجنبية الحديثة ( [19] ) .

فيجب إذن أن تكون الرهبة التي بعثها إلى نفس المتعاقد المكره التهديد بخطر جسيم محدق في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال رهبة قد ضغطت على إرادته بحيث أصبح مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد ، وأن هذه الرهبة هي التي حملته على التعاقد ودفعته إليه دفعاً . فالرهبة إذن تكون قد افسدت إرادته ، وهذه هي المسألة الجوهرية التي يجب الوقوف عندها ، واليها ترد سائر المسائل في الإكراه . وما تقدم ذكره من وجوب التهديد بخطر في النفس أو الجسم الو الشرف أو المال ، ومن أن الخطر يجب أن يكون جسيماً محدقاً ، إنما هو المظهر المادي للرهبة التي انبعثت في نفس المتعاقد المكره فحملته على التعاقد . وليس الخطر الجسيم المحدق مقصوداً لذاته ، بل للنتيجة التي يؤدي إليها من وقوع الرهبة في النفس ، وأن تكون هذه الرهبة هي التي دفعت إلى التعاقد ، مراعى في ذلك الحالة الشخصية للمتعاقد المكره . وهذا هو المعنى المقصود من الأخذ بالمعيار الذاتي ( [20] ) .

199 – تطبيق المعيار الذاتي : فالواجب إذن النظر إلى حالة المتعاقد الشخصية ، فنتعرف إلى أي حد هو يتأثر بالرهبة والخوف ، وندخل في اعتبارنا كل العوامل التي يكون من شأنها تكييف نفسيته ، من جنس وسن وحالة اجتماعية وحالة صحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه كما تقول الفقرة الثالثة من المادة 127 .

فالأنثى غير الذكر . والصبي الصغير غير الشاب القوي ، وهذا غير الهرم البالي . والقروى الساذج غير المدني المتحضر . والعصبي غير الهادئ المزاج . والضعيف غير القوى . والمريض غير المعافي . والجاهل غير المتعلم . والغبي غير الذكي . وهكذا . ويجب الاضداد أيضاً إلى جانب الحالة الشخصية بالظروف والملابسات ، فالخطر قد يحدث رهبة في نفس المتعاقد وهو في جهة قاصية بعيدة عن الناس ولا يحدثه وهو في مدينة آهلة بالسكان وعلى مقربة من رجال الأمن . وقد يخشى منفرداً ما لا يخشاه وهو في جماعة من الناس . وقد يكون الخوف اشد وقعاً في نفسه ليلا منه نهاراً . فالمكان والزمان وغيرهما من الظروف والملابسات تؤثر في تكييف جسامة الخطر في نفس المتعاقد ( [21] ) .

ومعرفة ما إذا كانت الرهبة هي التي دفعت فعلا إلى التعاقد مسألة واقع لا رقابة لمحكمة النقض عليها ( [22] ) . وينظر في تقديرها إلى العوامل التي سبق بيانها . ووجوب الاعتداد بهذه العوامل من مسائل القانون التي تعقب عليها محكمة النقض ( [23] ) .

ج – الجهة التي صدر منها الإكراه

200 – الإكراه الصادر من المتعاقد الآخر والإكراه الصادر من الغير : كان القانون القديم يميز بين الإكراه والتدليس إذا صدرا من الغير . فالإكراه الصادر ، الغير يؤثر في صحة العقد ، أما التدليس الصادر من الغير فلا اثر له في ذلك . وكان هذا موضعاً للنقد سبقت الإشارة إليه . أما القانون الجديد فقد نبذ هذا التمييز ، وجعل الحكم سواء في الحالتين . فعالج بذلك عيباً ظاهرة من عيوب القانون القديم .

والأصل أن الإكراه يفسد الإرادة كما قدمنا . وسواء صدر الإكراه من أحد المتعاقدين أو صدر من الغير فإن اثر الإكراه من حيث هو عيب في الرضاء لا يختلف ، والإرادة تكون فاسدة في الحالتين . أما من حيث أن الإكراه عمل غير مشروع ، فإن المسئول عن هذا العلم هو المكره ، وهو في إحدى الحالتين غير في الحالة الأخرى .

والذي يعنينا هنا هو الإكراه بوصفه عيباً في الرضاء . وفلا فرق إذن بين إكراه يصدر من أحد المتعاقدين وإكراه يصدر من الغير : كلاهما يفسد الإرادة ويجعل العقد قابلا للإبطال ( [24] ) .

إلا أن هذا الحكم منوط بتوافر شرط هو ذات الشرط الذي أوردناه في التدليس . فالإكراه الصادر من الغير لا يجعل العقد قابلا للإبطال إلا إذا اثبت المتعاقد المكره أن المتعاقد الآخر كان يعلم ، أو كان من المفروض حتما أن يعلم ، بهذا الإكراه . ذلك أن الإكراه إذا صدر من الغير ، ولم يكن المتعاقد الآخر يعلم به أو يفرض حتما أنه يعلم به ، واختار المتعاقد المكره إبطال العقد ، فإنه يصح للمتعاقد حسن النية أن يطالبه بالتعويض ، وخير تعويض هنا هو استبقاء العقد صحيحاً ، فيقوم في هذه الصورة أيضاً لا أساس من الإرادة الحقيقية ، بل على أساس من التعويض . وهذا هو عين ما قررناه في التدليس ( [25] ) .

ويلاحظ أن الإكراه في هذه الصورة الأخيرة ، حيث يبقى العقد صحيحاً لحسن نية المتعاقد الآخر ، إذا لم ينتج أثره كعيب من عيوب الرضاء ، فإنه ينتج أثره كعمل غير مشروع ، ويكون للمكره أن يطالب الغير الذي صدر منه الإكراه بتعويض ما أصابه من الضرر ( [26] ) .

201 – الإكراه الصادر عن ظروف تهيأت مصادفة ( حالة الضرورة ) : وقد يصدر الإكراه لا من أحد المتعاقدين ولا من الغير ، ولكن من ظروف تهيأت مصادفة لا يد لأحد فيها ، واقتصر المتعاقد على الإفادة منها واستغلالها لحمل من وقع تحت تأثير هذه الظروف على التعاقد ، كما إذا تقدم شخص لإنقاذ آخر من خطر الغرق أو الحريق أو القتل أو نحو ذلك وحصل منه قبل إنقاذه على تعهد بإعطائه مقداراً جسيما من المال ثمناً لهذا الإنقاذ ، وكما لو اتفق جراح مع مريض على إجراء عملية في نظير أجر باهظ مبالغ فيه .

وقد ذهبت النظرية التقليدية في الإكراه إلى التمييز ما بين هذا الفرض والفرض الذي يصدر فيه الإكراه من الغير . فإن الإكراه الصادر من الغير يقصد به الضغط على المتعاقد حتى ينتزع منه الرضاء ، ومن ثم يؤثر في صحة العقد . أما الفرض الذي نحن بصدده فالظروف الضاغطة على الإرادة قد تهيأت مصادفة ، ولم يكن الغرض منها الضغط على إرادة المتعاقد ، ولم يفعل المتعاقد الآخر إلا أنه استغلها عند تعاقده . ولما كانت النظرية التقليدية تشترط في الإكراه أن ينتزع الرضاء ، وقد ورد فعلا لفظ ” الانتزاع ” ( extorque ) في المادة 1109 من القانون المدني الفرنسي ، فإنها لا تجعل الإكراه الذي تهيأت ظروفه مباشرة ذا اثر في صحة العقد ( [27] ) .

ولكن هذا التمييز الذي تأخذ به النظرية التقليدية لا مبرر له ، وهو اثر من آثار القانون الروماني بقى في القانون الفرنسي بعد أن زالت مقتضياته ( [28] ) . والصحيح أن الإكراه متحقق في كلا الفرضين . وما دامت إرادة المتعاقد لم تكن حرة ، بل صدرت تحت تأثير الضغط ، فالإرادة فاسدة ، سواء في ذلك أن يكون مصدر الضغط هو المتعاقد الآخر أو أجنبي أو ظروف خارجية لا يد لا حد فيها ، فاثر الضغط في إرادة المتعاقد واحد في كل هذه الأحوال . فإذا تعرض شخص لخطر الموت ، وتقدم لإنقاذه شخص اشترط أن يأخذ مبلغاً جسيماً من أجل ذلك ، فلا فرق ، من حيث حرية إرادة المدين ، إذا كان مصدر الخطر الذي يتهدده هو من فعل الدائن أو من عمل الغير أو نتيجة الصدفة ، وما دام الدائن قد علم بالظروف الخارجية واستغله فالعقد قابل للإبطال . كذلك الطبيب الذي يستغل خطورة المرض ، فيضطر المريض إلى الالتزام بمبلغ جسيم اجرا للعلاج لا يتناسب البتة مع الأجر الذي يؤخذ عادة ، إنما يتعاقد مع شخص قد فقد حرية الإرادة ، ويجب أن يبطل العقد في هذه الحالة ، ومن ينقذ سفينة على وشك الغرق تلقاء تعهد باهظ من ربان السفينة ليس له أن يتمسك بهذا التعهد لأن الإرادة قد أفسدها الإكراه .

وقد أشتمل المشروع التمهيدي للقانون الجديد على نص صريح في هذا الموضوع يميز بين ما إذا كان المتعاقد الآخر حسن النية ولم يقصد أن يستغل المتعاقد المهدد بخطر تهيأت ظروفه مصادفة ، أو كان سيء النية وأراد استغلال هذه الظروف . ففي الحالة الأولى وحدها لا يكون للمتعاقد المكره حق إبطال العقد ( [29] ) ، ويستخلص من مفهوم المخالفة أن الإكراه يكون سبباً لإبطال العقد في الحالة الثانية . وهذا التمييز معقول ويجب الأخذ به في ظل القانون الجديد . وإذا كان المشروع النهائي قد اغفل هذا النص فلم يكن ذلك لأنه أراد مخالفة حكمه ، بل هو قد اعتمد على القواعد العامة في تقرير هذا الحكم ( [30] ) ، وبخاصة على قواعد الاستغلال . وسنرى ذلك فيما يلي .


 ( [1] ) نظرية العقد للمؤلف ص 437 – ص 444 .

 ( [2] ) خلط القانون المدني الفرنسي في المادة 1112 بين المعيار الموضوعي والمعيار الذاتي . وسبب ذلك أن بوتييه عند بحثه في الإكراه ذكر أن القانون الروماني كان يتخذ لجسامة الإكراه معيار ” الرجل الشجاع ” ، وعقب على ذلك بأن قواعد الإكراه في القانون الروماني عادلة وهي تتفق مع القانون الطبيعي إلا هذا المعيار الشديد ، فإنه معيار جامد قاس ولا يصح اتباعه ، ولكن يجب النظر في هذه المسألة إلى سن الشخص وجنسه وحالته . فأخذ واضعو القانون المدني الفرنسي معيار القانوني الروماني الموضوعي بعد أن عدلوه ، فذكروا ” الرجل المعتاد ” بدلا من ” الرجل الشجاع ” ، ثم أضافوا إلى هذا المعيار الموضوعي معيار بوتييه الذاتي ، وفاتهم أن المعيبارين متعارضان ، وأن بوتييه إنما أراد إبدال معيار القانون الروماني الموضوعي بمعياره الذاتي ، أو هم توهموا أن نقد بوتييه لمعيار ” الرجل الشجاع ” من شأنها أن ينزل المعيار إلى ” الرجل المعتاد ” ، ولم ينتبهوا إلى أن بوتييه لم ير إبدال معيار موضوعي معيار موضوعي آخر ، بل قصد وضع معيار ذاتي محض ( نظرية العقد للمؤلف ص 434 حاشية رقم 3 ) .

 ( [3] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 176 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يكون العقد قابلا للبطلان إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق ، على أن تكون الرهبة قائمة على أساس . 2 – وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا كان للطرف الذي يعديها أن يعتقد ، تبعاً للظروف ، أن خطراً جسيماً حالا يهدده هو أو أحد أقاربه في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال . 3 – وينظر في تقدير الإكراه إلى جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية ومزاجه وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه . وفي لجنة المراجعة أبدلت عبارة ” أحد اقاربه ” بكلمة ” أو غيره ” ، ولوحظ في ذلك أن عبارة ” أحد أقاربه ” أوسع مما ينبغي في بعض الأحوال واضيق مما ينبغي في الحالات الأخرى . وقد يكون للشخص صديق اعز عليه من اقاربه ، وروعى أن الخطر الجسيم الذي يحدق بالغير فيبعث الرهبة في النفس إلى حد التعاقد فيه تحديد كاف للغير الذي يعتبر الخطر المحدق به اكراها . وأبدلت كلمة ” حالا ” التي تصف الخطر الجسيم في الفقرة الثانية بكلمة ” محدقا ” . واعيدت صياغة المادة بما جعلها تطابق نص القانون الجديد مع استبقاء كلمة ” ومزاجه ” فيما يراعى في تقدير الإكراه . وأصبح رقم المادة 131 في المشروع النهائي . وفي مجلس النواب حذفت كلمة ” النفس ” اكتفاء بكلمة ” الجسم ” لأن الخطر الذي يهدد النفس يعتبر أنه يهدد الجسم أيضاً . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ حذفت كلمة ” ومزاجه ” الواردة في الفقرة الثالثة لأن إيراد هذه الكلمة يفتح الباب لاشكالات كثيرة بسبب كثرة اختلاف الأمزجة ، وأعيدت كلمة ” النفس ” التي كان مجلس النواب قد حذفها لأن الآلام النفسية قد يصل تأثيرها على الشخص مبلغ الآلام الجسمانية كمن يخطف عزيز لديه فيقع تحت تأثير هذا الخطف . وأصبح رقم المادة 127 . وواق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 178 – ص 184 ) . أنظر المادتين 29 و 30 من قانون الالتزامات السويسري .

 ( [4] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 177 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين ، فليس للمكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا اكن الطرف الآخر يعلم بوقوع الإكراه ، أو كان في استطاعته أن يعلم ذلك . 2 – فإذا كان الطرف الآخر لا يعلم بوقوع الإكراه ، ولم يكن في استطاعته أن يعلم به ، فليس للمكره إلا أن يطالب المكره بالتعويض ” . وفي لجنة المراجعة تقرر حذف الفقرة الثانية لأنها تقرر حكماً تكفي فيه قواعد المسئولية ، وأدخلت تعديلات لفظية على الصياغة بما جعل المادة تطابق تقريباً نص القانون الجديد ، وأصبح رقمها 132 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليها . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ تقرر بعد مناقشة طويلة استبقاء المادة كما هي – لأن الإكراه الصادر من الغير كالتدليس الصادر من الغير يجب أن يتصل به المتعاقد الآخر وتجب التسوية بين الإكراه والتدليس في هذه المسألة – مع استبدال عبارة ” أو كان من المفروض حتما أن يعلم ” بعبارة ” أو كان في استطاعته أن يعلم ” . وأصبح رقم المادة 128 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 188 ) . أنظر المادة 29 من قانون الالتزامات السويسري .

 ( [5] ) والذي يطلب من المتعاقدين إبطال العقد للإكراه هو الذي يحمل عبء إثبات هذا الإكراه بعنصريه ( محكمة الاستئناف المختلطة في 25 مارس سنة 1920 م 32 ص 237 – وفي 23 مارس سنة 1926 م 38 ص 302 ) . ويثبت ذلك بجميع طرق الإثبات بما فيها البنية والقرائن لأنه يثبت واقعة مادية .

ووقوع الإكراه مسألة واقعية لقاضي الموضوع فيها الرأي النهائي . ولكن الوصف القانوني لوقائع الإكراه مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض ، كالبت فيما إذا كان يكفي أن يصدر الإكراه من الغير ، وفيما إذا كان مجرد استعمال النفوذ الأدبي بعد إكراه ، وفيما إذا كانت الوسائل المشروعة تعد اكراها في بعض الظروف ( نظرية العقد للمؤلف ص 420 حاشية رقم 2 ) . وانظر محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) في 2 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 62 ص 157 ومجموعة عمر 1 رقم 55 ص 120 ، وقد جاء في أسباب هذا الحكم ما يأتي : ” وبما أن تقدير درجة الإكراه وهل هو شديد ومؤثر أو غير مؤثر على الشخص الواقع عليه متروك لقاضي الموضوع بلا سلطان عليه من محكمة النقض ، أما كون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة متى تعينت في الحكم فمما يدخل تحت رقابة محكمة النقض لأنه وصف قانوني لواقعة معينة يترتب على الخطأ فيها الخطأ في تطبيق القانون ” . وانظر أيضاً محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) في 7 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 297 ص 923 .

 ( [6] ) وكان هذا هو القانون القديم : استئناف مختلط في 27 مايو سنة 1943 م 55 ص 167 .

 ( [7] ) وكانت النظرية التقليدية للإكراه تشترط أن يكون الخطر حالا ، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 1112 من القانون المدني الفرنسي ، فهي تذكر ” الخوف من تعريض النفس أو المال لخطر جسيم حال ( present ) ” . وقد جاء في بوتييه : ” يجب أن يكون هذا الخطر حالا ، أي أن يكون الشخص مهدداً بالوقوف فيه في الحال إذا لم يفعل ما طلب منه ” ( التزامات فقرة 25 ) . على أن النظرية التقليدية قد عدلت من موقفها في هذا الشأن وتحور النص ، فأصبح الحال ليس هو الخطر ذاته ، بل الخوف من الخطر ( نظرية العقد للمؤلف ص 430 ) .

وقد كان المشروع التمهيدي للقانون الجديد يشترط هو أيضاً أن يكون الخطر حالا ، فكانت الفقرة الثانية من المادة 176 من هذا المشروع تنص ، كما رأينا ، على ما يأتي : ” وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا كان الطرف الذي يعديها يعتقد ، تبعاً للظروف ، أن خطراً جسيماً حالا يهدده هو أو أحد أقاربه في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال ” . ولكن جاء المذكرة الإيضاحية المشروع ما يأتي : ” وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا اعتقد من وقع تحت سلطانها أن خطراً جسيماً أصبح وشيك الحلول ” . وقد عدل في المشروع النهائي عن شرط حلول الخطر ، واستبدل به شرط أن يكون الخطر محدقاً ، وهذا أصح وأكثر تمشياً مع المذكرة الإيضاحية ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 179 – ص 182 ) .

هذا وقد تجنبت القوانين الحديثة أن تصف الخطر بكونه ” حالا ” ، فلا تجد هذا الوصف في القانون الألماني ولا في القانون السويسري ولا في القانون البولوني .

 ( [8] ) أنظر الفقرة الثانية من المادة 176 من المشروع التمهيدي ، وقد أوردناها في الحاشية السابقة . ويعتبر المشروع التمهيدي على ما فيه من عيب في تحديد طائفة الأقارب ، أكثر مرونة من القانون المدني الفرنسي ، فإن هذا القانون في المادة 1113 حدد فريقاً معينا من الأقارب هم الأصول والفروع وأضاف الزوج والزوجة . وقد انقسمت الفقهاء في تفسير المادة 1113 إلى فريقين : فريق يرى أن الأشخاص المذكورين في النص وردوا على سبيل الحصر ، فإذا هدد الخطر واحداً منهم كانت هناك قرينة قانونية على أن الخطر قد اثر في نفس المتعاقد ، وإذا هدد أحداً غيرهم لم تقم هذه القرينة القانونية ولكن للمتعاقد أن يثبت أن الخطر الذي هدد الغير قد أثر في نفسه إلى حد الإكراه . وينكر الفريق الآخر أن الخطر الذي يهدد أحداً من غير المذكورين في المادة 1113 من شأنها أن يؤثر في نفس المتعاقد إلى حد إفساد رضائه ( نظرية العقد للمؤلف ص 431 – ص 432 ) .

أما ما ورد في المشروع التمهيدي فهو لا يحدد صنفاً معيناً من الأقارب كما قدمنا ، بل ينتظمهم جميعاً . وقد ورد في المذكرة الإيضاحية في هذا الصدد ما يأتي : ” ولا يشترط أن يتهدد الخطر لمتعاقد ذاته ، بل يجوز أن يتهدد أحد اقاربه . وقد ترك للقاضي أمر تقدير درجات القرابة أو الصلة في كل حالة بخصوصها ، لأن بيان هذه الدرجات في النصوص على سبيل الحصر على نحو ما هو متبع في التقنين الفرنسي ( م 1113 ) وسائر التقنينات اللاتينية ( أنظر كذلك المادة 19 من المشروع الفرنسي الإيطالي ) قد يكون احياناً ضيق الحدود لا يتسع لصور جديرة بالرعاية ، وقد يكون احياناً من السعة بحيث يجاوز الغرض المقصود ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 180 ) .

أما القانون الجديد فقد جاء أكثر إطلاقاً من المشروع التمهيدي ولم يقيد الغير حتى بأن يكون قريباً .

 ( [9] ) وقد هجرت القوانين الحديثة هذا المذهب العتيق في تعداد طائفة معينة من الأشخاص ، فلم يذكر القانون الألماني شيئاً من ذلك ، وذكر قانون الالتزامات السويسري ” الخطر الجسيم الداهم الذي يهدد الشخص نفسه أو أحداً من ذويه ” ( م 30 ) .

هذا ويقع على المتعاقد العبء في إثبات أن الخطر الذي تهدد الغير قد اثر في نفسه إلى حد إفساد رضائه . وقد يكون الغير الذي وقع عليه الإكراه هو نفس الشخص الذي صدر منه الإكراه ، كأن يهد شخص آخر بأن ينتحر إذا لم يمض هذا الأخير عقداً ، ويكون المهدد بالانتحار عزيزاً عند المهدد ( نظرية العقد للمؤلف ص 426 حاشية رقم 5 ) .

 ( [10] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا اضطر الأب إلى ضمان دين على ابنه خوفاً من المقاضاة فلا يبطل هذا الضمان للإكراه ( 3 يونيه سنة 1911 م 23 ص 351 ) . وقضت كذلك بان إجبار الدائنين لشركة على أن تعطيهم ضماناً لديونهم في نظير أن يؤجلوا هذه الديون لا يكون إكراهاً ما دام الدائنون لم يسيئوا استعمال حقهم ( 24 يونيه سنة 1914 م 26 ص 479 ) . وقضت أيضاً بان التهديد بالالتجاء إلى طرق مشروعة كمباشرة الإجراءات الجنائية لا يعد إكراهاً ما دام هذا التهديد لم يتحول إلى استغلال غير مشروع ( 29 يناير سنة 1914 جازيت 4 رقم 223 ص 88 ) ، وبأن تهديد الوارث بالطعن في وصية حتى يحصل بذلك على التنازل له عن جزء من الميراث لا يكون إكراهاً ما دام الوارث ليس بسيء النية ( 26 ديسمبر سنة 1929 جايزت 20 رقم 64 ص 60 ) ، وبأن تهديد الدائن بأن يعلن إفلاس مدينه إذا لم يقر المدين بما عليه من الدين لا يكون اكراهاً ( 16 ديسمبر سنة 1896 م ) ص 58 ) ، وبأن تهديد شخص لآخر رسا عليه المزاد بأن يزيد عليه العشر حتى يجبره بذلك على أن يبيع له شيئاً معيناً مما رسا فيه المزاد لا يعد اكراهاً لا سيما إذا كان الثمن الذي دفع في هذا الشيء اكبر من الثمن الذي رسا به المزاد ( 7 فبراير سنة 1928 م 40 ص 186 ) ، وبأن المجني عليه في جريمة تبديد إذا استعمل حقه ضد المبدد للحصول على ماله دون زيادة لا يعتبر هذا منه إكراهاً ( 25 مارس سنة 1947 م 59 ص 154 ) – وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية : وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) بان المادة 135 مدني ( قديم وتقابل م 127 جديد ) وإن لم تنص على اشتراط عدم مشروعية العمل الذي يقع به الإكراه المبطل للمشارطات إلا أن ذلك مفهوم بداهة ، إذ الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يرتب عليها الشارع بطلان ما ينتج عنها . وكون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة متى تعينت في الحكم يدخل تحت رقابة محكمة النقض لأنه وصف قانوني لواقعة معينة يترتب على الخطأ فيها الخطأ في تطبيق القانون . فإذا صدر حكم على مستأجر بإخلاص العين المستأجرة ، وترتب على الشروع في تنفيذ هذا الحكم أن استأجر المستأجر تلك العين ، فلا يصح القول بان عقد الإجارة قد شابه من تنفيذ الحكم إكراه مبطل له بل يكون هذا العقد صحيحا منتجا لكل آثاره ( 2 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 62 ص 157 – مجموعة عمر 1 رقم 55 ص 120 ) .

هذا وقد يبقى الغرض مشروعا ولكن تستعمل للوصول إليه وسائل إكراه غير مشروعة ، كما إذا هددت امرأة عاشرت رجلا مدة من الزمن بالتشهير به عند خطيبة له إذا لم يمض التزاما يعوضها ما يصيبها من الضرر بسبب تركه إياها . في مثل هذا الفرض يمكن القول بأنه رغما من عدم مشروعية الوسائل التي التجأت إليها المرأة ، إلا أن الغرض الذي أرادت الوصول إليه هو غرض مشروع ، فالعقد لا يبطل في هذه الحالة للإكراه . وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز استعمال الإكراه للوصول إلى حق أو لتأدية واجب أو للحصول على مصلحة مشروعة ( 17 نوفمبر سنة 1925 سيريه 1926 – 1 – 121 ) . كذلك يجوز أن يحصل شخص بطريق التهديد على سند لحق له أو على ضمان لهذا الحق أو على الإقرار بالتزام طبيعي وتحويله إلى التزام مدني ، ما دام الغرض الذي يراد الوصول إليه مشروعاً ( ديموج 1 فقرة 317 ) ، وما دام أن الشخص الذي استعمل التهديد لا يحصل على أكثر من حقه ( ديموج 1 فقرة 298 ) . وقاعدة كهذه ليست في الواقع إلا تطبيقاً للمبدأ الذي يقضي بأن الغاية تبرر الواسطة ، وهي تبيح في الوقت ذاته للشخص أن يستقضي حقه بنفسه مادام لا يتعسف في ذلك وما دام لا يرتكب عملا إجرامياً يعاقب عليه القانون الجنائي ( بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 196 ص 263 – ديموج 1 فقرة 318 ) . ومن هنا نرى وجوب الاحتياط في استعمال هذا الحق ، فإن القصد والاعتدال فيه صعب بقدر ما هو واجب ( نظرية العقد للمؤلف ص 429 ) .

وبعد فنحن إذا نظرنا إلى الإكراه باعتباره عيباً من عيوب الرضاء رأينا أنه يفسد الإرادة ، سواء كانت وسائله مشروعة أو غير مشروعة ، وسواء كان الغرض الذي يراد الوصول إليه مشروعا أو غير مشروع . فالإكراه في جميع هذه الحالات يضغط على الإرادة ويفسدها لذلك يكون من الحق أن نقول إن العقد في الصورتين اللتين نحن بصددهما – الصورة التي تكون فيها وسائل الإكراه مشروعة للوصول إلى غرض مشروع والصورة التي تكون فيها وسائل الإكراه غير مشروعة للوصول إلى غرض مشروع – يجوز ، من ناحية منطق الإرادة ، إبطاله للإكراه . إلا أنه لما كان الغرض مشروعا في كل من الصورتين ، فإن المتعاقد المكره إذا استعمل حقه في إبطال العقد يكون قد نقض الغرض المشروع الذي أريد من العقد تحقيقه ، ويعتبر هذا منه تعسفا في استعمال حق الإبطال . والتعسف في استعمال الحق يستوجب التعويض ، وخير تعويض ما كان عينيا ، فيمنع المتعاقد المكره من طلب إبطال العقد . ويتبين من هذا التحليل أن العقد يبقى في الصورتين المشار إليهما لا على أساس من الإرادة الحقيقية بل على أساس من التعويض أو من الإرادة الظاهرة . وقد سبقت الإشارة إلى حالات أخرى مماثلة . أما إذا كان الغرض غير مشروع ، سواء كانت وسائل الإكراه مشروعة أو غير مشروعة ، فالإكراه متحقق ، والعقد يجوز إبطاله لعيب في الإرادة ، وإذا استعمل المتعاقد المكره حقه في إبطال العقد ، فلا يصح القول هنا – والغرض الذي يقصد تحقيقه من العقد غير مشروع – أنه متعسف في استعمال هذا الحق .

 ( [11] ) أنظر محكمة الاستئناف المختلطة في 16 ديسمبر سنة 1896 م ) ص 58 – وفي 28 ديسمبر سنة 1933 م 46 ص 106 – وقارن محكمة الاستئناف المختلطة في 14 مارس سنة 1917 م 29 ص 288 . كذلك إذا هدد رب العمل مستخدمه أن يبلغ عنه لاختلاسات ارتكبها أو يمضي له تعهداً بألا يعمل في متجر مماثل لمدة معينة كان هذا التعهد باطلا للإكراه ، لأنه لا علاقة بين ما ارتكبه المستخدم من الاختلاسات وما تعهد به لرب العمل ( محكمة باريس الاستئنافية في 31 يناير سنة 1896 جازيت دي باليه 96 – 1 – 398 ) . وبعد إكراهاً كذلك تهديد الزوج زوجته برفع دعوى الزنا عليها إذا لم تنزل له عن مال لها عنده ( محكمة النقض الفرنسية في 6 فبراير سنة 1903 جايزت دي باليه 1903 – 1 – 728 ) . وقد قررت محكمة النقض الفرنسية في قضية أخرى هذا المبدأ على الوجه الآتي : ” إذا استعمل أحد الطرفين وسائل قانونية ضد الآخر ، فلا يعد هذا في ذاته إكراهاً بالمعنى الذي يقصده القانون ، ولا يمكن أن يكون سبباً في إبطال العقد الذي ينجم عن ذلك . ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة إذ يجب البحث فيما إذا كان الدائن لم يفعل في الواقع إلا أنه استعمل حقه كما ينبغي أو أنه اساء استعمال هذا الحق . وللقاضي حسب الأحوال أن يرى في الوسائل التي استعملت لانتزاع التزامات باهظة من المدين إكراهاً غير مشروع من شأنه أن يفسد الرضا ” ( 10 نوفمبر سنة 1908 سيريه 1909 – 1 – 76 ) .

وقد اشتملت بعض الوقانين الحديثة على نصوص تقرر هذا المبدأ كقانون الالتزامات السويسري ( م 27 فقرة 2 ) والقانونين التونسي والمراكشي ( م 52 / 48 ) والقانون اللبناني ( م 212 ) والقانون البرازيلي ( م 100 ) . واشتمل المشروع التمهيدي للقانون الجديد على نص في هذا المعنى ، فقضت الفقرة الأولى من المادة 178 بأنه ” لا يعتبر إكراهاً الخوف من المطالبة بحق ما لم يستغل الضيق الذي وقع فيه الطرف المهدد فيبتز منه ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق ” . وجاء في المذكرة الإيضاحية في هذا الصدد ما يأتي : ” وما دام الغرض مشروعاً فلا يعتبر الإكراه قد وقع بغير حق . أما إذا كان الغرض من الإكراه غير مشروع ، كما إذا استغل المكره ضيق المكره ليبتز منه ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق ، فيكون الإكراه على نقيض ما تقدم واقعاً بغير حق . ولو أن حق الدائن في هذا الفرض قد اتخذ وسيلة لبلوغ الغرض المقصود ” . وقد حذفت لجنة المراجعة هذا النص في المشروع النهائي اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 186 في الهامش ) .

 ( [12] ) وكما أن النفوذ الأدبي إذا قصد به الوصول إلى غرض مشروع لا يعد اكراهاً ، كذلك العطف والحنو لا يعتبر وسيلة من وسائل الإكراه . والنفوذ الأدبي سلطة للأب على ولده ، أما العطف والحنو فعاطفة من الأب نحو ولده ، فإذا وجد الولد نفسه مضطراً بحكم النفوذ الأدبي ، أو وجد الأب نفسه مدفوعاً بحكم العطف الأبوي ، إلى إمضاء عقد لا يبهظ الملتزم ، فإن هذا العقد لا يكون مشوباً بعيب الإكراه . وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن كون أحد الأبناء اثر في والده المقيم معه ليتصرف له تصرفاً في منفعته بشيء من ماله لا يعد في حد ذاته سبباً لا بطال العقد ( 21 مارس سنة 1905 الاستقلال 4 ص 310 – أنظر أيضاً محكمة الاستئناف المختلطة في 23 مارس 1926 م 38 ص 320 ) . وتقضي المحاكم الوطنية في كثي رمن القضايا بصحة العقود التي تصدر من الآباء لأولادهم يميزونهم بها عن بقية الورثة بدافع من العطف والحنو .

هذا وسنرى أن بعض هذه العقود قد تقوم على استغلال هوى جامح تثيره زوجة جديدة في نفس زوجها فيؤثرها هي وأولادها على زوجته الأولى وأولاده منها ، وفي هذه الحالة تطبق قواعد الاستغلال وقواعد الاستهواء والتسلط على الإرادة التي سيأتي بيانها . والفرق بين الشوكة والنفوذ الأدبي من جهة والاستهواء والتسلط على الإرادة من جهة أخرى أن الأولى يفرض فيها أن شخصاً مقامه كبير في عين المتصرف ، كأب أو رئيس أو معلم ، استعمل نفوذه الأدبي . والثانية لا يشترط فيها أن الشخص المتسلط على الإرادة له مقام كبير ، فقد يكون زوجة أو أولاداً للمتصرف .

 ( [13] ) ولكن يشترط أن يكون النفوذ الأدبي كافياً للتأثير في إرادة المتعاقد ، فإذا لم يستعمل الأخ أية وسيلة من وسائل الضغط على أختيه المتزوجتين والمستقلتين عنه – وبخاصة إذا كان هناك خلاف بين الأخ وأختيه – وقد ابرم العقد المطعون فيه بالإكراه على يد لجنة من العمد والمشايخ ، فلا يمكن أن يقال إن وسائل ضغط قد حصلت من الأخ على أختيه أحدثت عندهما خوفاً شديداً حملهما على قبول ما لم تكونا تقبلانه اختياراً ( محكمة استئناف أسيوط في 12 فبراير سنة 1942 المحاماة 22 رقم 244 ص 698 ) .

وقضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) بان مجرد النفوذ الأدبي أو هيبة الأقارب لا يكفي لبطلان العقد ، بل يجب أن يقترن ذلك بوسائل إكراه غير مشروعة ( 25 فبراير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 29 ص 59 ) . وقضت أيضاً بأنه إذا كانت المحكمة قد أثبتت بأدلة مقبولة أن حصول المشترى على عقد البيع من البائعة لم يكن بطريق الإكراه بل بطريق الاقناع والتأثير البرئ ، وأن وقائع الإكراه التي ادعتها – بفرض صحتها – لم تكن لتؤثر في نفسها تأثيراً يحملها على توقيع العقد لأخيها بغير رضاء وتسليم ، فلا يكون ثمة محل لمجادلتها في ذلك ( 12 ابريل سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 237 ص 628 ) .

 ( [14] ) وقد قضت محكمة استئناف أسيوط بأن المورثة التي تنقض ما أبرمته من تصرفات سابقة بالبيع والوصية ، وتتجرد تجرداً يكاد يكون تاماً من غير مقابل لفائدة رئيس ديني استعمل نفوذه لابعادها عن أقاربها ابعادا تاماً ، وأحاطها بخصومها الألداء ، وجعلها تنزل عن دعوى حساب بمبالغ جسيمة كانت قد رفعتها عليهم ، وتعطي لاحدهم توكيلا عنها ، تدل بهذه التصرفات والإجراءات المتناقضة على إنها كانت ضعيفة الإرادة مسلوبة الرضاء واقعة تحت تأثير الرئيس الديني الذي تسلط عليها تسلطاً جعلها تنقاد لارادته وتتصرف وفقاً لما يمليه عليها وتسير في الطريق التي رسمها ، فالوقفية التي تصدرها في هذه الظروف عن أطيان سبق لها الايصاء بها لبعض أقاربها ، والتي تقيم فهيا ذلك الرئيس الديني ( المطران ) ناظراً وتفوض له التصرف في الريع على الفقراء وغيرهم دون رقيب ولا حسيب ، تكون باطلة طبقاً للمواد 128 و 133 و 136 من القانون المدني ( القديم ) لانعدام ( كذا ) رضائها وقت التصرف ( 8 مايو سنة 1929 المحاماة ) رقم 477 ص 861 ) .

وتشتمل بعض القوانين الأجنبية على نصوص في هذا الموضوع تقرر أن النفوذ الأدبي وحده لا يكفي لإبطال العقد ، بل يجب أن تقترن به وسائل إكراه أخرى . وقد قضت المادة 1114 من القانون المدني الفرنسي بأن ” مجرد الخشية الصادرة عن احترام ( la seule crainte reverentielle ) واجب للأب أو الأم أو أي أصل آخر ، دون أن يكون هناك إكراه واقع ، لا يكفي لإبطال العقد ” . أنظر أيضاً القانونين التونسي والمراكشي ( م 55 / 51 ) والقانون اللبناني ( م 212 ) والقانون البرازيلي ( م 100 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 20 ) . وهي نصوص منتقدة ، لأنه إذا كان صحيحاً كقاعدة عامة أن مجرد النفوذ الأدبي لا يكفي وحده وسيلة للإكراه ، إلا أن هذا لا يمنع من أن تتحقق حالات يكفي فيها النفوذ الأدبي لإبطال العقد ، وهي الحالات التي يساعد فيها استعمال هذا النفوذ لابتزاز التزامات باهظة كما تقدم القول . على أنه يمكن الوصول إلى مثل هذه النتيجة من طريق نظرية التعسف في استعمال الحق ، فإن صاحب النفوذ الأدبي يكون قد تعسف في استعمال نفوذه إذا هو قصد به الوصول إلى غرض غير مشروع ، فيلتزم بالتعويض ، وخير تعويض هنا هو إبطال العقد . وكما يقوم العقد على أساس من التعويض وإن أعوزته الإرادة ، كذلك يبطل على أساس من التعويض وإن لم تعوزه الإرادة . فالأولى إذن أن تتسع نظرية الإكراه حتى تتناول كل فرض من هذه الفروض ( أنظر نظرية العقد للمؤلف ص 438 – ص 439 ) .

وقد أشتمل المشروع التمهيدي للقانون الجديد على نص في هذا الموضوع . فقضت الفقرة الثانية من المادة 178 بأنه ” لا يعتبر مجرد النفوذ الأدبي ، إذا لم يصحبه تأثير غير مشروع ، سبباً كافياً لإبطال العقد ” . وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وتعرض المادة 178 من المشروع لتطبيقات ثلاثة للإكراه بوصفه عيباً من عيوب الرضاء . . . والتطبيق الثاني خاص بالنفوذ الأدبي ، وهو بمجرده لا يعيب الرضاء ، وإنما يعيبه إذا صحبه الإكراه وفقاً لعبارة المشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 20 أنظر أيضاً التقنينات اللاتينية ) ، أو إذا كان هناك ” تأثير غير مشروع ” على حد تعبير المشروع . ويقصد بعبارة ” التأثير غير المشروع ” استغلال ، أو اساءة استعمال ، الاحترام الواجب لوالد أو لرئيس أو لرجل من رجال الدين . . . الخ . بقصد ابتزاز مغنم فاحش أو منفعة مفرطة . وعلى هذا الوضع يكون النص أرحب سعة مما لو اقتصر الأمر على اشتراط توافر عمل معين من أعمال الإكراه ” . وقد حذفت لجنة المراجعة هذا النص في المشروع النهائي اعتماداً على ما تقرره القواعد العامة في هذا الصدد وتكملها قواعد الاستغلال التي وردت في هذا المشروع على ما سنرى ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 186 في الهامش ) .

ويعرف القانون الإنجليزي ما يسمى بالتأثير غير المشروع ( undue influence ) وفيه يسيء الشخص استعمال ثقة شخص آخر به أو نفوذه الأدبي عليه . فمتى وجدت علاقة تقوم على الثقة ما بين شخصين ، كأب وابنه أو كطبيب ومريض أو كمحام وعمليه أو كرئيس ديني ورجل متدين ، واستغل الشخص الموثوق به هذه العلاقة لإكراه الشخص الآخر على إمضاء عقد ، فإن العقد يكون قابلا للإبطال . ولكن يجب طلب ذلك في مدة معقولة من وقت انتهاء التأثير غير المشروع ( أنظر بولوك في العقد ص 648 – ص 689 – كارتر في العقد ص 85 – ص 87 ) .

 ( [15] ) أنظر آنفاً فقرة 190 – وقد حاول بعض الفقهاء في فرنسا أن يزيل التعارض ما بين المعيارين الذاتي والموضوعي ، وهو التعارض الوارد في المادة 1112 من القانون المدني الفرنسي على ما رأينا ، فذهب إلى وجوب التفريق ما بين المعيارين على الوجه الآتي : إذا كان المتعاقد فوق الوسط طبق المعيار الموضوعي ، واكتفى في جسامة الخطر بأن يكون من شأنه أن يؤثر في الوسط من الرجال . أما إذا كان المتعاقد دون الوسط وجب تطبيق المعيار الذاتي ، ونظرا إلى حالة المتعاقد وسنه وجنسه وما إلى ذلك ( كولميه دي سانتيير فقرة 22 مكررة ( 1 ) – بفنوار ص 606 – كولان وكابيتان 2 ص 285 ) . وظاهر أن هناك عيباً وضاحاً في هذا التوفيق ، فإن المتعاقد إذا كان فوق الوسط فإن إرادته لا تفسد بإكراه ليس من شأنه أن يفسد إرادة من هم فوق الوسط ، فكيف يقال بعد ذلك أن إرادته قد فسدت بمثل هذا الإكراه !

 ( [16] ) ولا يوجد مانع من الجمع بين الأخذ بمعايير ذاتية في عيوب الإرضاء والأخذ بالإرادة الظاهرة فيما يقتضيه استقرار التعامل . ولا يوجد قانون واحد خلا من هذا الجمع . وإنما القوانين تطاوع المقتضيات العملية ، فتأخذ تارة بالإرادة الظاهرة والمعايير الموضوعية حيث يغلب اعتبار استقرار التعامل ، وتأخذ طوراً بالإرادة الباطنة والمعايير الذاتية حيث يغلب اعتبار العدالة والمنطق القانونين . وتتفاوت القوانين في التوفيق ما بين الاعتبارين فمنها ما يغلب عليه ترجيح الاستقرار ، ومنها ما يغلب عليه ترجيح العدالة ، ومنها ما يرضى الاعتبارين على حد سواء بالقدر الذي يقتضيه كل منهما فيكون بينهما قواماً .

 ( [17] ) محكمة الاستئناف الوطنية في 25 أكتوبر سنة 1891 الحقوق 6 ص 302 – محكمة أسيوط الكلية في 26 ابريل سنة 1928 المحاماة 10 رقم 223 ص 447 – محكمة الاستئناف المختلطة في 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 431 – وفي 19 يونيه سنة 1923 م 35 ص 510 – هالتون 1 ص 318 – دي هاتس 1 لفظ ( convention ) فقرة 44 – والتون 1 ص 226 – ص 227 – الدكتور عبد السلام ذهني بك فقرة 134 – الدكتور محمد صالح بك فقرة 279 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 413 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 88 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 184 .

 ( [18] ) مرشد الحيران م 288 : ” يختلف الإكراه باختلال أحوال الأشخاص وسنهم وصنعتهم ومناصبهم وجاههم ودرجة تأثرهم من الجنس والضرب كثرة وقلة ، وشدة وضعفاً “

 ( [19] ) القانون المدني الألماني م 123 – قانون الالتزامات السويسري م 30 .

 ( [20] ) وهذا ما انتهى إليه الفقه المصري في ظل القانون القديم . وقد جاء في هذا المعنى في كتاب نظرية العقد للمؤلف ما يأتي : ” قلنا إن شرطاً واحداً كان يكفي في الإكراه ، وهو المعيار الذي تقاس به سامته . فإذا قيل إن الإكراه يجب أن يصل إلى حد من الجسامة بحيث يكون هو الذي دفع إلى التعاقد ، فإن الشروط الأخرى التي ذكرت إلى جانب هذا الشرط تصبح غير ضرورية . . . ويتبين مما تقدم أن الشروط التفصيلية التي تتطلبها النظرية التقليدية في الإكراه غير صحيحة في كثير من تطبيقاتها . والأولى أن نغفل هذه الشروط وأن نكتفي بالمعيار المرن الذي ذكرناه ، فيتحقق الإكراه إذا وجد المتعاقد المكره بالنسبة لظروفه الشخصية في حالة اضطرار ضغط على إرادته وحملته على التعاقد ” ( نظرية العقد ص 437 و ص 444 ) .

 ( [21] ) ويلاحظ أن الخطر إذا كان يهدد المال ، فالمفروض أنه لا يؤثر في إرادة التعاقد إلا إذا كان المال الذي يتعرض للخطر أكثر مما يفقده الشخص من وراء التعاقد الذي اكره عليه . وقد يكون التهديد بالاستيلاء على المال غصباً سبباً لإفساد الرضاء حتى لو كان صاحب العمال يستطيع استرداده بعد غصبه مادام التهديد قد اثر في إرادته .

ولا يعتبر القانون الإنجليزي الخطر الواقع على المال إكراهاً ، لأنه كان في استطاعة المتعاقدان يدع الخطر يتحقق ثم يرجع بتعويض على من تسبب في ضياع المال ( يولوك في العقد ص 645 ) . وهذه نظرية تغفل احتمال عدم الجدوى في الرجوع بالتعويض .

 ( [22] ) وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية – وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) بأن لقاضي الموضوع السلطة التامة في تتدير درجة الإكراه من الوقائع ، وهل هو شديد ومؤثر أو غير مؤثر في الشخص الذي وقع عليه الإكراه ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك ( 2 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 62 ص 157 – مجموعة عمر 1 رقم 55 ص 120 ) .

 ( [23] ) وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) بأن جسامة الخطر الذي ينشأ منه الإكراه إنما تقدر بالمعيار النفسي للشخص الواقع عليه الإكراه ، وهذا يستدعى مراعاة حالته عملا بالمادة 135 من القانون المدني ( م 127 جديد ) . فإذا كان الكفيل قد دفع ببطلان الكفالة للإكراه قولا منه بأنه كان له في ذمة المكفول له دين بسند مستحق وقت الطلب ، فضاع منه السند ، فلجأ إلى مدينة ليكتب له بدلا منه ، فأبى إلا إذا وقع هو له اقراراً بكفالة أخيه في دين له قبله ، فلم يجد مناصاً من القبول ، فرد الحكم على هذا الدفع بأن فقد سند الدين لم يكن ليؤثر في إرادة الكفيل ، وهو رجل مثقف خبير بالشؤون والمعاملات المالية ، إلى الحد الذي يعيب رضاءه بكفالة أخيه ، فهذا رد سديد . وإذا كان الحكم بعد ذلك قد قال بأن فقد السند ، بحكم كونه واقعة لا يد للمكفول له فيها ، لا يكون الإكراه المبطل للعقود ، فهذا تزيد منه لا يعيبه أن يكون قد أخطأ فيه ( أول ابريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 294 ص 585 ) .

 ( [24] ) والقضاء والفقه في مصر متفقان على هذا الحكم حتى في ظل القانون القديم : محكمة الاستئناف المختلطة في 11 ابريل سنة 1888 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 13 ص 171 – وفي 19 يونية سنة 1923 م 35 ص 510 – ذي هانس 1 لفظ ( convention ) فقرة 45 – هالتون 1 ص 318 – والتون 1 ص 234 – الدكتور ذهني بك فقرة 136 – فقرة 141 – الدكتور محمد صالح بك فقرة 281 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 40 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 89 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 186 .

 ( [25] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 19 يونية سنة 1923 م 35 ص 510 ( وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) . وقارن المادة 29 من قانون الالتزامات السويسري . هذا ويصح القول هنا أيضاً بان القانون الجديد أخذ بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة على النحو الذي سبق أن قررناه في صدد الغلط والتدليس .

 ( [26] ) وقد أشتمل المشروع التمهيدي على نص في هذا المعنى ، فقضت الفقرة الثانية من المادة 177 من هذا المشروع بأنه ” إذا كان الطرف الآخر لا يعلم بوقوع الإكراه ، ولم يكن في استطاعته أن يعلم به ، فليس للمركه إلا أن يطالب المكره بالتعويض ” . وقد حذفت هذه الفقرة في المشروع النهائي لأنها تقرر حكماً تكفي فيه قواعد المسئولية ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 و ص 187 ) .

 ( [27] ) أنظر في هذه النظرية التقليدية : نظرية العقد للمؤلف ص 425 .

 ( [28] ) وذلك أن القانون الروماني كان يجعل للإكراه جزاء مستقلا غير إبطال العقد . أما الإكراه الذي تهيأت ظروفه مصادفة فلم يكن عليه جزاء ، لأنه لا يمكن في هذه الحالة توجيه الدعوى ضد شخص معين صدر منه الإكراه . فانتقلت هذه القاعدة إلى القانون الفرنسي بالرغم من أن هذا القانون يجعل جزاء الإكراه إبطال العقد ، ولا يكتفي بدعوى تعويض ضد من صدر منه الإكراه . وظاهر أن دعوى الإكراه يمكن توجيهها ضد المتعاقد الآخر دون حاجة إلى تلمس شخص صدر منه الإكراه ( أنظر بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 195 – أنظر أيضاً جوسران 2 فقرة 88 وهو يرى أن العقد يكون قابلا للإبطال في هذه الحالة لاننا لا ننظر هل كان الدائن ملوماً أو غير ملوم من حيث وجود هذا الإكراه ، بل ننظر هل كان المدين إرادته حرة مختارة أم صدرت إرادته تحت ضغط دافع ) .

وظاهر مما تقدم أن القانون الروماني كان لا ينظر إلى الإكراه إلا باعتباره أنه عمل غير مشروع ، فإذا تهيأت ظروفه مباشرة فلا مسئولية على أحد ، ولا جزاء على مثل هذا الإكراه . أما الآن فنحن ننظر إلى الإكراه ، لا يوصف أنه عمل غير مشروع فحسب ، بل أيضاً بوصف أنه عيب في الرضاء . فالإكراه الذي تهيأت ظروفه مباشرة إذا فاته الوصف الأول فلا يفوته الوصف الثاني ، ويكون إذن سبباً في إبطال العقد .

 ( [29] ) نصت الفقرة الثالثة من المادة 178 من المشروع التمهيدي – وقد حذفت في المشروع النهائي اكتفاء بالقواعد العامة – على ما يأتي : ” إذا ابرم شخص عقداً للخلاص من خطر جسيم حال ، يهدده هو أو أحد أقاربه ، فلا يعتبر هذا العقد قابلا للبطلان بسبب الإكراه إذا كان الطرف الآخر حسن النية ولم يقصد أن يستغل الطرف المهدد ” . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” . . . أما التطبيق الثالث فهو خاص بحالة من يجد غيره مهدداً بخطر جسيم حال لا يد له فيه ، فستغل هذا الموقف . فهو وإن لم يكن المتسبب في الظرف المجئ ، إلا أنه انتفع به للحصول على مغنم فاحش . ويعتبر الإكراه في هذه الصورة عيباً في الرضاء ( قارن الاستغلال ) . وعلى النقيض من ذلك ينتفي الإكراه ويكون الرضاء صحيحاً إذا لم يحاول المتعاقد الآخر في مثل هذا الفرض أن يحصل على منفعة مفرطة ، بل اقتصر على انقاذ المتعاقد الآخر في مقابل منفعة معقولة . فمناط الحكم في هذه التطبيقات الثلاثة هو فكرة ( الإفراط في الغنم ) . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 186 في الهامش ) . أنظر أيضاً المادة 1447 من القانون الإيطالي الجديد .

هذا والحكم يبقى صحيحاً حتى لو اعتقد المتعاقد المهدد أن المتعاقد الآخر قد افرط في الغنم ، ما دام هذا الأخير كان حسن النية ولم يهدف إلى استغلال الخطر الذي يتهدد المتعاقد معه . فإذا اتفق جراح شهير مع مريض على إجراء عملية خطيرة ، وتقاضى أجراً لعمله مبلغاً كبيراً ولكنه يتناسب مع خطورة العملية ، فالعقد صحيح حتى لو تمسك المريض فيما بعد بأن إرادته لم تكن حرة وقت التعاقد . وتعليل ذلك أن الطبيب كان حسن النية ، فلو فرض أن المريض لم يكن حر الإرادة وأراد إبطال العقد ، فمن حق الطبيب أن يتقاضى تعويضاً من المريض في هذه الحالة ، وخير تعويض هو استبقاء العقد صحيحاً كما مر ذلك في صور مختلفة .

 ( [30] ) وقد أخذ بهذا الرأي الفقه والقضاء في مصر حتى في ظل القانون القديم : والتون 1 من 237 – ص 238 – الدكتور ذهني بك فقرة 135 – الدكتور محمد صالح بك فقرة 282 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 421 – الدكتور حلمي بهجت فقرة 89 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 187 – وأبطلت محكمة الاستئناف المختلطة الاتفاق الذي يعقد في حالة الاضطرار الناجمة من وجود سفينة في خطر ( 22 مارس سنة 1899 م 11 ص 166 ) ، واكتفت بإعطاء دعوى الفضولي ( 11 مايو سنة 1892 م 4 ص 235 ) . أنظر أيضاً محكمة الاستئناف المختلطة في 13 يونيه سنة 1909 م 21 ص 3 – وفي 18 نوفمبر سنة 1925 م 38 ص 54 – وفي 25 يناير سنة 1933 م 45 ص 141 ( وفي هذا الحكم الأخير ذكرت المحكمة في أسباب الحكم أن القانون المصري ( القديم ) لم ينقل من القانون الفرنسي كلمة ” ينتزع ” ( extorque ) الواردة في المادة 1109 من هذا القانون الأخير ، والتي كانت السبب في أن الفقه الفرنسي لا يجعل حالة الاضطرار التي تهيأت مصادفة إكراها يبطل العقد ) .

هذا والقانون المقارن في هذا الموضوع متجه إلى جعل حالة الاضطرار مؤثرة في صحة العقد ، وسنرى ذلك عند الكلام في نظرية الاستغلال ( نظرية العقد للمؤلف ص 441 حاشية رقم 1 ) .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s