الاستغلال كعيب للرضا


الاستغلال كعيب للرضا

202 – الاستغلال والغبن : الغبن هو المظهر المادي للاستغلال . ويمكن تعريف الغبن بأنه عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد وما يأخذه .

ويستخلص من هذا التعريف : ( 1 ) أن الغبن لا يتصور إلا في عقود المعاوضة غير الاحتمالية . أما عقود المعاوضة الاحتمالية وعقود التبرع فلا يتصور فيها الغبن ، لأن الأولى طبيعتها تقضي بوقوع الغبن على أحد المتعاقدين ، ولان الثانية يعطي فيها أحد المتعاقدين ولا يأخذ فلا محل للكلام عن عدم التعادل بين ما أخذ وما أعطى ( [1] ) . ( 2 ) أن الغبن يقدر وقت تمام العقد ، فينظر إلى التعادل في هذا الوقت ، ولا عبرة بتغير القيم بعد ذلك . ( 3 ) أن الغبن يصعب الاحتراز منه ، فلا بد من التسامح في الغبن اليسير والوقوف عند الغبن الفاحش ، وبهذا التمييز العملي يقول الفقه الإسلامي .

203 – تطور الغبن من نظرية مادية للغبن إلى نظرية نفسية للاستغلال : والغبن مشكلة اجتماعية لم يهتد القانون إلى حلها حلا مرضياً . فهي قائمة على اعتبارات اقتصادية وأدبية غير ثابتة ، فإذا ساد المدنية مذهب الفردية وما يتبعه من سيطرة مبدأ سلطان الإرادة ، رأينا القانون لا يقم للغبن وزناً . ثم إذا تطورت المدنية وضعف مذهب الفردية ومبدأ سلطان الإرادة ، تدخل القانون لمنع الغبن .

كان الرومان متشبعين بروح الفردية ، ومن أجل ذلك لم يكن القانون الروماني يعبأ بالغبن . ولما ساد الدين المسيحي أوروبا في القرون الوسطى ، انتكصت روح الفردية . وإذا كان مذهب سلطان الإرادة أخذ في الظهور منذ ذلك الوقت ، فإن رجال الكنيسة قيدوا هذا المبدأ بالعدالة وبحماية الضعيف من استغلال القوى ، وتوسعوا في نظرية الغبن ، فحرموا الربا في عقود القرض ، وحددوا للسلع أثمانها وللعمل اجره ، وهذا ما كانوا يسمونه بالثمن العدل ( juste prix ) وبالأجر العدل ( juste salaire ) . وعنيت الشريعة الإسلامية بحالة معينة من حالات الغبن وهي العقود الربوية ، فحرمت الربا وتعقبته في جميع مظان وجوده . ثم عادت روح الفردية وساد مبدأ سلطان الإرادة ، فضاق من تحريم الغبن ما كان قد اتسع . وعادت القوانين لا تعتد بالغبن إلا في أحوال معينة . وقويت هذه النزعة في الثورة الفرنسية ، فألغت الصورة حتى تعيين الحد الأقصى للفائدة وحتى تحريم الغبن في بيع العقار . وورث القانون المدني الفرنسي ، ومن ورائه القانون المدني المصري القديم ، هذه التقاليد ، فجاءت أحكامها ضيقة في الغبن . وقد التزم القانونان نظرة مادية للغبن . فالغبن فيهما لا يؤثر في صحة العقود إلا في حالات استثنائية نص عليها ، والعبرة في الغبن بالقيمة المادية للشيء لا بالقيمة الشخصية بالنسبة إلى المتعاقد ، والغبن عيب قائم بذاته مستقل عن عيوب الرضاء ، وهو عيب في العقد لا عيب في الرضاء ، وآيته إلا يكون هناك تعادل بين قيمة ما أعطى المتعاقد وقيمة ما أخذ على أن يصل الاختلال في التعادل إلى رقم محدود . واظهر حالة للغبن في القانون المدني المصري القديم حالة البيع إذا وقع على عقار القاصر ( م 336 – 337 / 19 – 4204 ) . وهناك حالات أخرى كانت منتثرة في نواحي هذا القانون ، كالفائدة لا يزيد حدها الأقصى على 8 في المائة ، وكعقد الوكالة يجوز فيه أن يعاد النظر في اجر الوكيل .

وقد تطورت هذه النظرية المادية في الغبن إلى نظرية نفسية في الاستغلال أخذ بها أكثر التقنينات الحديثة . والفرق ما بين النظريتين يتخلص في أمرين : ( أولاً ) في النظرية الأولى ينظر إلى قيمة الشيء نظرة مادية لا نظرة شخصية ، فالعبرة بقيمة الشيء في حد ذاته ، وتحدد هذه القيمة تبعاً للقوانين الاقتصادية وأهمها قانون العرض والطلب . أما في النظرية الأخرى فالعبرة بالقيمة الشخصية وهي قيمة الشيء في اعتبار المتعاقد ، إذ قد يكون الشيء تافها في ذاته كبيراً في نظر من يريد الحصول عليه لاعتبارات ترجع لظروف شخصية . ويترتب على النظرة المادية لقيمة الشيء أنه إذا اختل التعادل في العقد بالنظر إلى هذه القيمة ، فإن الغبن يتحقق حتى لو لم يختل التعادل بالنظر إلى القيمة الشخصية للشيء ، فقد يكون المتعاقد على بينة من قيمة الشيء المادية ولكن يشتريه بثمن اكبر ، غير مخدوع ولا مضطر ، لأن قيمته الشخصية تعدل الثمن الذي بذله . في مثل هذه الحالة يعتبر المتعاقد ، طبقاً للنظرية المادية ، مغبوناً ما دام التعادل قد اختل بالنسبة إلى القيمة المادية ، مع أنه كان عالماً بهذه القيمة ولم يخدع في أمرها ولم يضطر إلى التعاقد ، أي أنه لم يكن ضحية غلط أو تدليس أو إكراه . فالغبن إذن في النظرية المادية هو كما قدمنا عيب مستقل قائم بذاته ، وهو عيب يقع في العقد لا في الرضاء . أما الذي يترتب على النظرة الشخصية لقيمة الشيء فهو إلا يكون هناك غبن إلا إذا رضى المتعاقد أن يدفع ثمناً هو اكبر من هذه القيمة الشخصية ، وهو لا يفعل ذلك إلا إذا كان واهماً في قيمته ، أو مخدوعاً فيها ، أو مضطراً إلى التعاقد ، ولا يكون هذا إلا نتيجة طبش أو رعونة أو عدم تجربة أو عوز أو حاجة . ومعنى ذلك أن الغبن لا يتحقق في مثل هذه الحالة إلا إذا وقع المتعاقد فيما يقرب من الغلط أو التدليس أو الإكراه . فلا يكون الغبن إذن في النظرية الشخصية عيباً مستقلا قائماً بذاته وواقعاً في العقد ، بل هو مظهر من مظاهر عيوب الرضاء . ( اثانيا ) ودرجة الاختلال في التعادل ينظر إليها في النظرية الأولى نظرة مادية ، فهي درجة محددة ، بل هي رقم مرصود . فالغبن الذي يزيد على الخمس كما في الشريعة الإسلامية والقانون المصري ، أو الربع كما في القانون الفرنسي بالنسبة إلى القسمة ، أو النصف كما كان الأمر في القانون الفرنسي القديم ، أو سبعة أجزاء من اثنى عشر كما في القانون الفرنسي بالنسبة إلى بيع العقار ، هو الغبن الذي يعتد به ويستوجب الجزاء ابطالا أو تكملة . وقد يكون الغبن فاحشاً من الناحية الشخصية ، بالنسبة إلى ظروف المتعاقد الخاصة ، ولكنه لا يبلغ القدر المحدد من الناحية المادية ، فلا يعتد به في هذه الحالة ولا يؤثر في صحة العقد . أما النظرية الشخصية فتتخذ في تحديد درجة الاختلال في التعادل معياراً مرناً ، فهي لا تحدد رقما يجب أن يصل الغبن إليه ، بل تترك ذلك لظروف كل حالة ، ويكفى أن يصل الاختلال في التعادل ما بين القيمتين إلى حد باهظ .

وعني عن البيان أن النظرية المادية فيها مزية التحديد ، وفي هذا ضمان لاستقرار التعامل ، إذ يمكن للوهلة الأولى أن نتعرف هل في العقد غبن ، ولا يقتضى ذلك أكثر من عملية حسابية تقدر بها قيمة الشيء المادية ، وننسب هذه القيمة إلى الثمن ، فإن وصل الغبن إلى القدر المحدد اعتد به . ولكن عيب النظرية المادية هو عدم مرونتها ، فهي من الدقة الحسابية بحيث لا تصلح حلا عادلا لمسائل اجتماعية يتغلب فيها العنصر النفسي ، وتختلف ظروفها فتختلف الحلول المناسبة لهذه الظروف . وقاعدة واحدة جامدة تطبق تطبيقاً حسابياً على جميع المسائل ، ودون نظر إلى الفروق ما بين مسألة وأخرى ، تكون قاعدة ظالمة رغما ًمن مظهر خداع فيها للعدالة .

وقد اعتنقت التقنينات الحديثة النظرية النفسية ، وجعلت من الغبن نظرية عامة تنطبق على جميع العقود . فقضى القانون المدني الألماني في المادة 138 ببطلان التصرف القانوني الذي يستغل به الشخص حاجة الغير أو خفته أو عدم تجربته ليحصل لنفسه أو لغيره ، في نظير شيء يؤديه ، على منافع مالية تزيد على قيمة هذا الشيء ، بحيث يتبين من الظروف أن هناك اختلالا فادحاً ( disproportion choquante ) في التعادل ما بين قيمة تلك المنافع وقيمة هذا الشيء . وتقضى المادة 21 من قانون الالتزامات السويسري بأنه في حالة اختلال التعادل اختلالا واضحاً ( disproportion evidente ) ما بين تعهد أحد المتعاقدين وتعهد المتعاقد الآخر ، يجوز للمتعاقد المغبون في غضون سنة أن يعلن بطلان العقد ويسترد ما دفعه ، إذا كان قد دفع إلى هذا الغبن من طريق استغلال حاجة وقع فيها أو خفة أو عدم تجربة . وتقضي المادة 22 من المشروع الفرنسي الإيطالي بأنه إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين بعيدة عن كل تعادل ( hors de toute proportion ) مع ما حصل عليه بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر ، بحيث يفترض تبعاً للظروف أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص الالتزامات ( [2] ) .

204 – القانون المصري الجديد : وقد ساير القانون المصري الجديد التقنينات الحديثة واخذ بالنظرية النفسية في الاستغلال ، فنص في المادة 129 على ما يأتي :

 ” 1 – إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر ، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا ، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد ” .

 ” 2 – ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد ، وإلا كانت غير مقبولة ” .

 ” 3 – ويجوز في عقود المعاوضة أن يتوفى الطرف الآخر دعوى الأبطال ، إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن ( [3] ) ” .

وقد حرص القانون الجديد على أن ينص في المادة 130 على أن ” يراعى في تطبيق المادة السابقة ( م 129 ) عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود أو بسعر الفائدة ( [4] ) ” . والعقود التي يشير إليها أهمها عقد البيع إذا اشترطت فيه الفائدة والشرط الجزائي . وسيأتي بيان ذلك عند الكلام في هذه العقود . والمهم أن الغبن في هذه الحالات قام على أساس النظرية المادية ، فلم يعتبر عيباً في الرضاء بل عيباً في العقد ، واعتد في الشيء بقيمته المادية لا بقيمته الشخصية ، ووقفت النصوص في بعض هذه الحالات عند رقم محدد التزمته عند تقدير الغبن .

فإذا تركنا جانباً حالات الغبن المتقدم ذكرها روجعنا إلى الاستغلال في نظريته العامة التي تتناول جميع العقود ، وهي النظرية الشخصية التي تضمنها نص المادة 129 سالفة الذكر ، رأينا أن للاستغلال عناصر متى توافرت ترتب الجزاء الذي نص عليه القانون .

فنحن نتكلم : ( أولاً ) في عناصر الاستغلال . و ( ثانياً ) في الجزاء الذي يترتب عليه .

ا – عناصر الاستغلال

205 – العنصران الموضوعي والنفسي : للاستغلال عنصران ، أحدهما موضوعي وهو اختلال التعادل اختلالا فادحاً ، والآخر نفسي وهو استغلال ضعف في نفس المتعاقد .

206 – العنصر الموضوعي : أوردت المادة 129 العنصر الموضوعي للاستغلال في العبارة الآتية : ” إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر ” . وهذا هو اختلال التعادل اختلال فادحاً كما قدمنا .

ففي عقد البعي ، لا يشترط التعادل بين التزامات البائع والتزامات المشتري ، فقد يغبن أحد المتعاقدين ولا يمنع الغبن من صحة البيع . ولكن إذا اختل التعادل اختلالا فادحاً بين قيمة المبيع الذي التزم به البائع والثمن الذي التزم به المشتري ، فإن العنصر الموضوعي للاستغلال يتحقق .

وفي الوعد بالبيع ، إذا كان الواعد قد التزم مثلا ببيع منزل كبير القيمة لقاء ثمن زهيد ، بحيث يكون التعادل بين التزام الواعد ببيع المنزل وما حصل عليه من فائدة بوعده هذا وهو الثمن الزهيد قد اختل اختلالا فادحاً ، فإن العنصر الموضوعي للاستغلال هنا أيضاً يتحقق .

وفي الحالة الأولى يكون الاختلال الفادح واقعاً بين التزامات أحد المتعاقدين والتزامات المتعاقد الآخر . وفي الحالة الثانية يقع الاختلال الفادح بين التزامات المتعاقد وما حصل عليه من فائدة بموجب العقد .

والعبرة في تقدير قيمة الشيء بقيمته الشخصية بالنسبة إلى المتعاقد ، لا بقيمته المادية في ذاته . فقد تكون القيمة المادية لمنزل أربعة آلاف ، فيرغب شخص في شرائه بخمسة آلاف لأن قيمة المنزل بالنسبة إليه تبلغ هذا الثمن . فالعبرة هنا بالقيمة الثانية دون الأولى . ولو اشتراه الراغب فيه بخمسة آلاف أو بمبلغ اكبر بحيث لا يكون الاختلال فادحاً بين ما دفعه وما اعتبر قيمة شخصية للمنزل ، فإن العنصر الموضوعي للاستغلال لا يتحقق ، أما إذا دفع ثمناً عالياً يزيد كثيراً على هذه القيمة الشخصية ، كأن دفع ثمانية آلاف مثلا ، جاز القول بأن الاختلال في التعادل اختلال فادح .

فالفداحة في اختلال التعادل معيارها مادي كما نرى . ولكن هذا المعيار ليس رقما ثابتاً ، بل هو معيار متغير تبعاً للظروف في كل حالة . فقد تتحقق الفداحة بثمانية آلاف في المثل المتقدم ، وقد تتحقق بمبلغ أقل ، وقد لا تتحقق إلا بمبلغ اكبر . والقاضي هو الذي يقد بأي مبلغ تتحقق . وينظر في ذلك إلى ظروف كل من المشتري والبائع وإلى جميع الملابسات الأخرى . فالمسالة هنا مسألة واقع لا مسألة قانون ، ومحكمة النقض لا رقابة لها في ذلك إلا من حيث قصور التسبيب ، فإذا بينت محكمة الموضوع الظروف التي جعلتها تقدر أن الاختلال في التعادل فادح م وكان بيانها في ذلك كافياً ، فلا تعقيب لمحكمة النقض . وعبء الإثبات يقع على عاتق المتعاقد المغبون ، فهو الذي عليه أن يثبت الفداحة في اختلال التعادل .

وأكثر ما يكون الاختلال فادحاً في عقود المعاوضة المحددة ( contrats commutatifs ) ففيها يأخذ المتعاقد ويعطي ، وهو يعرف على وجه محدد مقدار ما أخذ ومقدار ما أعطى ، سواء في ذلك أخذ لنفسه أو أخذ لغيره كما في الاشتراط لمصلحة الغير . ولكن قد يقع ذلك أيضاً في العقود الاحتمالية ( [5] ) ، وهي عقود تنطوي على احتمال المكسب والخسارة كما هو معروف . إذ ينبغي أن يكون هناك نوع من التعادل معقول بين احتمال المكسب وقيمته من جهة واحتال الخسارة وقيمتها من هة أخرى . فإذا كان احتمال الخسارة في جانب أحد المتعاقدين ارجح بكثير من احتمال المكسب ، وكان مقدار الخسارة في الوقت ذاته لا يقل كثيراً عن مقدار المكسب ، كان الاختلال في التعادل فادحاً . فلو أن شخصاً امن منزله من الحريق ، وكان المنزل بعيداً كل البعد عن التعرض لخطر الحريق ولم يؤمنه صاحبه إلا تلبية لطلب دائن ارتهن المنزل ، واشترطت شركة التأمين أن يدفع المؤمن له اقساطاً سنوياً عالية ، احتمال خسارتها أرجح بكثير من احتمال احتراق المنزل فتقاضى تعويض عنه هو مبلغ التأمين ، ولم يكن هناك فرق كبير بين مقدار القسط السنوي وبين مبلغ التأمين ذاته ، ففي مثل هذا العقد الاحتمالي وهو عقد التأمين قد يتحقق أن يكون الاختلال في التعادل ما بين التزامات المؤمن له والتزامات شركة التأمين اختلالا فادحاً .

ولا يمكن القول في عقود التبرع إن هناك اختلالا فادحاً في التعادل ، لأن المتبرع يعطي ولا يأخذ . ولكن الاستغلال بالرغم من ذلك يقع في التبرعات كما يقع في المعاوضات . بل هو اشد وطأة في الأولى منه في الثانية . وإذا جاز أن يتحقق الاستغلال فيما يختل فيه التعادل ، فإن الاستغلال يكون أكثر تحققاً فيما لا تعادل فيه أصلاً . والفقرة الثالثة من المادة 129 من القانون الجديد ، وهي تجيز في عقود المعاوضة توقى دعوى الإبطال بتكملة البدل ، تفيد ضمناً أن الاستغلال قد يقع في غير عقود المعاوضة أي في عقود التبرع ( [6] ) . أما كيف يقع الاستغلال في التبرعات فإن ذلك سهل التصور ، بل هو كثير الوقوع فعلا . فقد يتبرع شخص بجميع ماله – ويغلب أن يتم ذلك عن طريق هبة في صورة بيع – لزوجته الثانية وأولاده منها ، مضيعاً بذلك على زوجته الأولى وأولاده منها ميراثهم الشرعي ، ويكون هذا التبرع قد صدر نتيجة لاستغلال زوجته الأولى ضعفه أو هواه . وهنا لا يقال أن التعادل مختل اختلالا فادحاً . بل يقال إنه غير موجود أصلاً ، فالمتبرع أعطى دون مقابل ، وهو لم يرض بهذا التبرع إلا نتيجة استغلال لطيشه البين أو لهواه الجامح .

بل قد يجاوز الاستغلال العقود إلى التصرفات القانونية الصادرة من جانب واحد ، كما إذا أوصى شخص بجميع ما يملك الايصاء به لشخص استغل فيه طيشاً بينا أو هوى جامحاً ، فالوصية هنا يعيبها الاستغلال ، وهي ليست عقداً بل عملا قانونياً صادراً من جانب واحد .

207 – العنصر النفسي : أما العنصر النفسي للاستغلال فقد اوردته المادة 129 في العبارة الآتية : ” وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً ” . وكان المشروع التمهيدي لهذا النص يجري على الوجه الآتي : ” بحيث يكون مفروضاً تبعاً للظروف أن الطرف المغبون قدا ستغلت حاجته أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ، أو بحيث يتبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ” . ثم أصبح نص المشروع النهائي كما يأتي : ” وتبين أن المتعاقد المغبون قد استغل طيشه أو حاجته أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ، أو تبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ” . ويلاحظ أن المشروعين التمهيدي والنهائي قد توسعا فيما يصح أن يستغل في المتعاقد المغبون : الحاجة والطيش وعدم الخبرة وضعف الإدراك . بل ذهبا إلى مدى أبعد ، فصرحا بان العبرة في كل هذا إلا يكون رضاء المتعاقد المغبون قد صدر عن اختيار كاف . والمشروعان فيما توسعا فيه يتفقان مع التقنينات الأجنبية الحديثة التي تضمنت نصوصاً عامة في الاستغلال ، وقد سبقت الإشارة إليها ، ورأيناها تستعمل الألفاظ ذاتها . ولكن عندما عرض المشروع النهائي على لجنة مجلس الشيوخ اثرت اللجة إلا تتوسع في الاستغلال توسع التقنينات الأجنبية ، وأن تقتصر فيما يصح أن يستغل على الطيش والهوى ، مع اشتراط أن يكون الطيش بيناً والهوى جامحاً ، إمعاناً في تضييق الدائرة التي يطبق الاستغلال فيها ، خشية من التحكم ، ورغبة في انضباط التعامل واستقراره ( [7] ) .

فالعنصر النفسي في الاستغلال ينحصر إذن في أن أحد المتعاقدين يستغل في المتعاقد الآخر طيشاً بيتاً أو هوى جامحاً . وفي القضاء المصري أمثلة بارزة على ذلك . فكثيراً ما يعمد رجل طاعن في السن إلى الزواج من امرأة لا تزال في مقتبل عمرها ، وليس من النادر أن تعمد الزوجة إلى استغلال ما تلقاها عند زوجها من هوى ، فتستكتبه من العقود لنفسها ولأولادها ما تشاء ، وقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك . وقد تتزوج امرأة غنية من زوج شاب عن ميل وهوى ، فيعمد الزوج إلى استغلال الزوجة وابتزاز مالها عن طريق عقود يمليها عليها . وقد تشتري امرأة حريتها من زوج قديم تؤثر عليه زوجاً جديداً ، فيطلقها الزوج القديم لقاء مبلغ طائل من المال . وقد يلقى الطيش والنزق بشاب ورث مالا كثيراً في أيدي المرابين والمستغلين ، فيستكتبونه من العقود ما يجرده من الكثير من إله ، وهم يستغلون في ذلك نزقه الشديد وطيشه البين . كل هذه أمثلة ننتزعها من حياتنا المصرية لندلل بها على أن الاستغلال ليس بالأمر النادر ، بل هو شيء يقع في الحياة ، وإذا وقع كان القضاء في اشد الحاجة إلى نص يعالج به ما يعرض له من الاقضية في ذلك ( [8] ) . وهو إذا ترك إلى القواعد العامة يتلمس العلاج في عيب بالذات من عيوب الرضاء ، أو يتلمسه في قواعد العدالة ، كما كان يفعل من قبل في ظل القانون القديم ، فإنه لا يلبث أن يضطرب عليه الأمر ، ويكون بين أن يفسر النصوص على غير ما وضعت له ، أو أن يتحرر منها فينفلت إلى تيه ليست فيه معالم مستقرة ولا ضوابط يسترشد بها في خطاه .

ويلاحظ أن هذا العنصر النفسي يقتضى أن يكون المتعاقد المغبون ” لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً ” . ومعنى هذا أن يكون الاستغلال قد وقع من المتعاقد الآخر ، وأن يكون هذا لاستغلال هو الذي دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد . ويترتب على ذلك أمران : ( أولهما ) أن إرادة المستغل تكون إرادة غير مشروعة ، فإنها انصرفت إلى استغلال المتعاقد المغبون ، وهذا عمل غير مشروع ( [9] ) . وإذا كان المستغل لا يد له فما أصاب المتعاقد المغبون من طيش أو هوى ، إلا أنه قد استغل فيه ما أصاب من ذلك ، وهذا ما يجعل الاستغلال قريباً من الإكراه إذا تهيأت ظروفه مصادفة على ما مر بنا ( [10] ) . ( والأمر الثاني ) أن إرادة المتعاقد المغبون تكون إرادة معيبة ، فهي إرادة ضلل بها الطيش البين أو ضغط عليها الهوى الجامح ، وقد دفع بها الاستغلال إلى التعاقد ، فالمعيار هنا معيار نفسي كما هو الأمر في سائر عيوب الرضاء .

ووقوع الاستغلال دافعاً إلى التعاقد مسألة واقع لا مسألة قانون ، فلا تعقيب عليها من محكمة النقض . ولكن الوصف القانوني لوقائع الاستغلال ، وأن ما يصح استغلاله مقصور على الطيش البين والهوى الجامع ، مسألة قانون تبسط عليها محكمة النقض رقابتها .

وعلى المتعاقد المغبون يقع عبء إثبات هذا العنصر النفسي ، إذا هو عنصر مستقل عن العنصر المادي ، لا مستخلص منه ولا مفروض . والنص صريح في هذا المعنى إذ يقول : ” وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً ” . وهذا بخلاف نص المشروع التمهيدي الذي يجعل العنصر النفسي مفروضاً بوجود العنصر المادي فيقول : ” بحيث يكون مفروضاً تبعاً للظروف أن الطرف المغبون قد استغلت حاجته . . . ” .

208 – علاقة الاستغلال بعيوب الرضاء : قدمنا أن العنصر النفسي يقتضى أمرين : أن إرادة المتعاقد المستغل تكون إرادة غير مشروعة ، وأن إرادة المتعاقد المغبون تكون إرادة معيبة .

فإذا نحن اعتبرنا الأمر الأول ، كان العقد الذي أملاه الطرف المستغل عقداً غير مشروع . وإذا نحن اعتبرنا الأمر الثاني ، كان هذا العقد ذاته – الذي لم يرض به الطرف المغبون إلا عن ضلال من طيشه أو ضغط من هواه – عقداً قد داخله عيب من عيوب الرضاء .

بالاعتبار الأول أخذ القانون الألماني ( م 138 ) ، وجعل عقد المستغل باطلا بطلاناً مطلقاً لمنافاته للآداب ( [11] ) . وبالاعتبار الثاني أخذت التقنينات الحديثة الأخرى ومعها القانون المصري الجديد ، وجعلت العقد قابلا للإبطال أو الإنقاص لعيب في إرادة المتعاقد المغبون ( [12] ) .

ويعنينا هنا أن نقف عند الاعتبار الثاني ، وهو الذي أخذ به قانوننا المصري الجديد مقتفياً في ذلك اثر المشروع الفرنسي الإيطالي وكثير من التقنينات الحديثة . فالاستغلال ، وفقاً لهذا الاعتبار ، لا ينظر إليه على أساس أنه عمل غير مشروع صادر من الطرف المستغل ، بل على أساس أنه عمل من شانها أن يعيب إرادة الطرف المغبون . ذلك أن المتعاقد المغبون إذا هو استغل فيه طيشه البين كان مضللا ، وكان العيب الذي يداخل إرادته أقرب ما يكون إلى التدليس الو الغلط . وإذا ما استغل فيه هواه الجامح ، كان العيب الذي يداخل إرادته أقرب ما يكون إلى الإكراه . والأمر في كل ذلك واضح ، فإن المتعاقد المغبون لا يتصور أن يكون قد قبل هذا الغبن فالاحش الذي يختل به التعادل بين ما أخذ وما أعطى اختلالا فادحاً ، إلا أن يكون قد وقع في تدليس أو غلط في حالة الطيش البين ، أو أن يكون ضحية إكراه في حالة الهوى الجامع . ولكن الغلط والتدليس والإكراه في حالات الاستغلال عيوب لا تتميز تميزاً كافياً حتى يقام الدليل عليها ، بل هي عيوب مفترضة ، ويكفي في افتراضها أن يقام الدليل على الاستغلال بعنصريه المادي والنفسي . لذلك لم يقتصر الجزاء فيها على قابلية العقد للإبطال ، بل وضع بديلا عن هذا الجزاء في بعض الأحوال جزاء آخر هو قابلية العقد للانقاص ، وجعلت المدة التي ترفع فيها دعوى الإبطال أو دعوى الإنقاص سنة واحدة من تاريخ العقد . فخالفت دعوى الإبطال للاستغلال ، بهذا وذلك . دعاوى الإبطال الأخرى التي تترتب على الغلط والتدليس والإكراه . وهذا ما نتولى الآن بيانه .

ب – الجزاء الذي يترتب على الاستغلال

209 – دعويان : إذا توافرت شروط الاستغلال التي أسلفنا ذكرها ” جاز للقاضي ، بناء على طلب المتعاقد المغبون ، أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد ” . ويتبين من ذلك أن القانون يرتب على الاستغلال إحدى دعويين : دعوى إبطال ، ودعوى إنقاص .

وسواء طلب المتعاقد المغبون الإبطال أو طلب الإنقاص ، فإنه يجب أن يرفع دعواه في ” خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة ” ( م 129 فقرة ثانية ) . والسنة هنا ميعاد لرفع الدعوى لا مدة للتقادم ، فإذا انقضت السنة دون أن يرفع المتعاقد المغبون دعواه ، ورفعها بعد ذلك ، كانت الدعوى غير مقبولة كما يقضي بذلك صريح النص . ويقال عادة في هذا الصدد أن السنة ميعاد إسقاط ( decheance ) لا ميعاد تقادم ( prescription ) . والفرق بين الميعادين أن ميعاد الإسقاط لا ينقطع ولا يقف ، بخلاف ميعاد التقادم فيرد عليه الانقطاع والوقف . وتبدأ السنة من وقت تمام العقد ، وتحسب بالتقويم الميلادي ( م 3 من القانون الجديد ) .

والحكمة في أن القانون جعل ميعاد رفع الدعوى في الاستغلال مدة قصيرة ، وجعله ميعاد إسقاط لا ينقطع ولا يقف ، هي الرغبة في حسم النزاع بشأن العقود التي يداخلها الاستغلال ، فلا يبقى مصري العقد معلقاً مدة طويلة على دعوى مجال الادعاء فيها واسع فسيح . وفي هذا حماية للتعاقد واستقرار للتعامل . أما دعوى الإبطال في الغلط والتدليس والإكراه فسنرى إنها لا تسقط إلا بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة على حساب الأحوال ( م 140 ) ، وهذه المدة هي فوق ذلك مدة تقادم لا ميعاد إسقاط ، فيجوز أن تطول إذا قام بها سبب من أسباب الانقطاع أو الوقف . والعلة في ذلك أن الطعن في العقد بالغلط أو بالتدليس أو بالإكراه أمر من الميسور نسبياً تبين وجه الحق فيه ولو طال الزمن إلى ما بعد السنة ، فإن كلا من الغلط والتدليس والإكراه شيء يستطاع التثبت من وجوده بأيسر مما يستطاع التثبت من وجود الاستغلال ( [13] ) .

210 – دعوى الإبطال : وإذا اختار المتعاقد المغبون دعوى الإبطال جاز للقاضي أن يجيبه إلى طلبه فيبطل العقد إذا رأى أن الاستغلال عاب رضاء المتعاقد المغبون إلى حد أن افسد هذا الرضاء . وأن المتعاقد المغبون لم يكن ليبرم العقد أصلاً لولا هذا الاستغلال . أما إذا رأى القاضي أن الاستغلال لم يفسد الرضاء إلى هذا الحد ، وأن المتعاقد المغبون كان دون استغلال يبرم العقد لو أن التزاماته لم تكن باهظة ، رفض القاضي إبطال العقد ، معاوضة كان أو تبرعاً ، واقتصر على إنقاص الالتزامات الباهظة على الوجه الذي سيأتي بيانه . والخيار ما بين إبطال العقد وانقاص الالتزامات يسترشد فيه القاضي بملابسات القضية وظروفها ، فالمسالة إذن مسألة واقع لا معقب عليها من محكمة النقض .

ودعوى الإبطال للاستغلال يجري عليها أحكام دعاوى الإبطال الأخرى ، وسيأتي ذكر هذه الأحكام عند الكلام في بطلان العقد . ولكنها تتميز عن سائر هذه الدعاوى في أمرين .

 ( الأمر الأول ) المدة التي ترفع فيها الدعوى ، وقد مر ذكر ذلك .

 ( والأمر الثاني ) أن الطرف المستغل يجوز له أن يتوقى الحكم بالابطال عقود المعاوضات إذا هو غرض على الطرف المغبون ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن . وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 129 على هذا الحكم فقالت : ” ويجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن ” . فإذا كان العقد معاوضة كالبيع ، وطلب البائع المغبون إبطاله للاستغلال ، جاز للمشتري أن يعرض زيادة في الثمن ترفع الغبن عن البائع . فإذا رأى القاضي أن الزيادة التي عرضها المشتري تكفي لرفع الغبن ، اكتفى بها وامتنع عن إبطال العقد . ومقدار الزيادة الذي يكفي لرفع الغبن يرجع إلى تقدير القاضي . ولا يشترط أن تكون الزيادة بحيث تجعل الثمن معادلا لقيمة الشيء . بل يكفي أن تكون بحيث تجعل الغبن الذي يتحمله البائع لا يصل إلى حد الغبن الفاحش . وينظر القاضي في تقدير ذلك إلى ملابسات القضية وظروفها ، ولا تعقب عليه محكمة النقض ما دام التسبيب وافياً . وغنى عن البيان أن ما قدمناه من دفع زيادة ترفع الغبن لتوقى دعوى الإبطال لا ينطبق على عقود التبرع ، فإن من تلقى التبرع لم يدفع أي مقابل تصح زيادته لرفع الغبن .

211 – دعوى الإنقاص : وإذا اختار المتعاقد المغبون إنقاص التزاماته الباهظة ورفع من بادئ الأمر دعوى الإنقاص ، أو رفع دعوى الإبطال ولكن القاضي رأى الاقتصار على إنقاص التزاماته ، قضى بانقاص هذه الالتزامات إلى الحد الذي لا يجعلها باهظة ( [14] ) . وهذا أيضاً موكول لتقدير القاضي ينظر فيه وفقاً لملابسات القضية وظروفها ، كما هو الشأن في الزيادة التي يعرضها الطرف المستغل لرفع الغبن فيما مر بنا . والمسالة هنا أيضاً مسألة واقع لا رقابة لمحكمة النقض عليها . ففي البيع المشوب بالاستغلال إذا رفع البائع المغبون عوى الإنقاص ، أو رفع دعوى الإبطال ولكن رؤى الاقتصار على الإنقاص ، جاز للقاضي أن ينقص من المبيع القدر الذي يراه كافياً لرفع الغبن الفاحش عن البائع ولا يشترط هنا أيضاً أن يكون الباقي من المبيع معادلا للثمن . بل يكفي إلا يكون هناك غبن فاحش إذا قوبل هذا الباقي بالثمن .

ولا يجوز وقت النظر في إنقاص التزمات البائع الباهظة أن يعدل القاصي عن إنقاص التزامات البائع إلى الزيادة في التزمات المشتري ، بان يزيد في مقدار الثمن بدلا من أن ينقص في قدر المبيع : فإن نص القانون لا يجير ذلك ، ولانه إذا كان إنقاص مقدار المبيع لا يؤذى البائع بل يرفع عنه الغبن ، فإن الزيادة في الثمن قد تؤذي المشتري إلى حد أن يؤثر العدول عن الصفقة . وإنما تجوز الزيادة في الثمن إذا رغب المشتري نفسه في ذلك بان ترفع عليه دعوى الإبطال فيتوقاها بعرض زيادة في الثمن يراها القاضي كافية لرفع الغبن كما مر .

ويجوز الإنقاص في عقود التبرع التي داخلها الاستغلال كما يجوز الإبطال ، وينقص القاضي التبرع إلى الحد الذي ينتفى معه اثر الاستغلال .

212 – دفع ما وجه من اعتراض على نظرية الاستغلال : خشى كثيرون من هذا النص العام الذي ورد في القانون الجديد عن الاستغلال ، ورأوا فيه ما يعرض التعامل إلى التقلقل وعدم الاستقرار ، وحسبوا أنه سيكون مصدراً لكثير من المنازعات والدعاوى . ولا نرى ما يبرر هذا التخوف ، فإن القضاء المصري قد واجه فعلا اقضية الاستغلال في الأمثلة التي قدمناها ، وعالجها بالقدر الذي استطاع عن طريق تطبيق القواعد العامة . وقد رأينا أن القواعد العامة لا تكفي هنا ، وأن نصاً عاماً في الاستغلال ، لاسيما إذا شمل هذا النص حالات الاستهواء أيضاً ، تفرضه الضرورة وتوجبه مقتضيات التعامل . فيواجه القاضي ما يعرض له فعلا من حالات الاستغلال بنص صالح تنضبط به المعاملات ، وتنقطع معه أسباب الخلاف والتردد .

والغريب أن خصوم نظرية الاستغلال يناقض بعضهم بعضاً . ففريق منهم يرى أن هذا النص العام في الاستغلال سيكون مصدراً لكثرة المنازعات والدعاوى ( [15] ) . وفريق آخر يقول على النقيض من ذلك أن النص نادر التطبيق ، وأن اقضية الاستغلال التي طرحت أمام المحاكم في البلاد التي اشتملت قوانينها على هذا النص كانت من القلة بحيث أصبح النص عديم الجدوى ( [16] ) . وسنرى ما يصير إليه الأمر في مصر بعد أن تطبق المحاكم المصرية النص الذي أشتمل عليه القانون الجديد ( [17] ) .

الفرع الثاني

المحل

 ( L’ Objet )

213 – تعريف محل الالتزام : محل الالتزام هو الشيء الذي يلتزم المدين القيام به . والمدين يلتزم كما قدمنا أما بنقل حق عيني أو بعمل أو بالامتناع عن عمل .

والالتزام بنقل حق عيني إنما هو التزام بعمل . ولكن لما كان الأصل أن هذا لالتزام يتم تنفيذه بمجرد نشوته ، فقد صار من المألوف أن يقال إن محل الالتزام بنقل حق عيني هو هذا الحق العيني ذاته . فإذا كان الحق العيني حق ملكية امتزج بالشيء الملوك وأصبحا شيئاً واحداً ، فصار الالتزام بنقل الملكية محله هو الشيء ذاته الذي تنتقل ملكيته .

214 – الشروط الواجب توافرها في محل الالتزام : يستخلص من نصوص القانون الجديد ( م 131 – 135 ) أن محل الالتزام يجب أن يكون : ( 1 ) موجوداً إذا كان شيئاً ( أي محلا لالتزام بنقل حق عيني ) ، أو ممكناً إذا كان عملا أو امتناعاً عن عمل . ( 2 ) معيناً أو قابلا للتعيين . ( 3 ) قابلا للتعامل فيه ( [18] ) .


 ( [1] ) وسنرى أن الاستغلال قد يقع في العقود الاحتمالية بل وفي عقود التبرع ، فهو أوسع مدى من الغبن .

 ( [2] ) أنظر أيضاً القانون الإيطالي الجديد ( م 1448 الفقرة الأولى ) والقانون البولوني ( م 42 ) والقانون اللبناني ( م 214 ) والقانون النمساوي ( م 879 ) والقانون الصيني ( م 74 ) . وقد قدم النائبان الفرنسيان جيبال وديبان ( Guibal et Dupin ) إلى مجلس النواب الفرنسي في 20 يونيه سنة 1920 مشروع قانون يكمل المادة 1118 من القانون الفرنسي ويضع نصاً عاما يحرم الاستغلال في جميع العقود ، فيقضي بأن يكون الغبن سبباً في إبطال العقد إذا كان الاختلال في التعادل ما بين الالتزامات التي تنشأ عنه جسيما ، وكان هذا يرجع إلى استغلال حاجة الطرف المغبون أو خفته أو عدم تجربته ( أنظر الوثائق البرلمانية الفرنسية : مجلس النواب سنة 1920 الملحق فقرة 1112 ص 1786 ) .

هذا ويستخلص من بحث أجرى في البلاد التي تتضمن قوانينها المدنية نصوصاً عاماة في الاستغلال على النحو الذي تقدم ذكره أن هذه النصوص نادرة التطبيق ، وكان كثير من النقاد يتوقعون عكس ذلك ويخشون من أن هذه النصوص تكون مدعاة لكثرة التقاضي ( أنظر مذكرات غير مطبوعة للاستاذ مورل ( Morel ) في بعض مسائل متعلقة بتكوين العقود وبقوتها الملزمة : باريس سنة 1948 – 1949 ص 387 ) .

 ( [3] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 179 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل مطلقاً مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بوجب العقد ، أو لا تتعادل مطلقاً مع التزامات المتعاقد الآخر ، بحيث يكون مفروضاً ، تبعاً للظروف ، أن الطرف المغبون قد استغلت حاجته أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ، أو بحيث يتبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ، فيجوز للقاضي بناء على طلب الطرف المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد . ويسري هذا الحكم حتى إذا كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعا . 2 – ويجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى البطلان إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن ” . وقد ادخلت لجنة المراجعة بعض تعديلات على المادة ، وأصبح رقمها 133 في المشروع النهائي . ووافق عليها مجلس النواب كما وردت في المشروع النهائي . أما لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ فقد تناقشت طويلا في هذه المادة ، وكانت تميل في أول الأمر إلى حذفها ، ثم اتجهت إلى تقييدها على الوجه الآتي : ” 1 – إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر ، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً ، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد . 2 – ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة . 3 – ويجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن ” . ولوحظ أن الهوى معناه الشهوة الجامحة لا المودة والعطف ، وقد ترك تحديد الطيش والهوى لتقدير القاضي . وراعت اللجنة في التعديل الذي أجرته أن تعدل عن التوسع الذي اختاره نص المشروع وأن تجعل أساس النص قاصراً على استغلال الطيش البين أو الهوى الجامح . وحذفت من الفقرة الأولى عبارة ” ويسرى هذا الحكم ولو كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعاط لأنها من قبيل التزيد . وأضافت قيداً يتعلق بميعاد رفع الدعوى . وجاء في ملحق لتقريرها ما يأتي : ” اقترح حذف المادة 129 الخاصة بالاستغلال إذ قد يكون في استيفائها ما يهدد المعاملات ، ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن وضع أحكام خاصة في شأن الاستغلال لا يقتصر أثره على دعم الأسس الخلقية في تنظيم المعاملات بل يجاوز ذلك إلى إقالة القضاء من عناء التحايل على النصوص وتحميل القواعد ما لا تطبق بطبعها . فالقضاء في ظل القانون الحالي قد استنبت فكرة الايحاء والتسلط والاغواء وتوسع في تطبيق ( الغلط في القيمة ) عندما يكون دافعاً إلى التعاقد وتوسل بشتى الوسائل لدفع الحور في صور كثيرة من صور الاستغلال حفلت بها مجموعات الأحكام . وما من شك في أن هذه الحالة بذاتها تعرض المتعاملين لاحتمالات من خلال التقدير وتفاوت مزاج المجتهدين في استحسان الخروج على القواعد العامة ولا تعين على توطيد الاستقرار في قليل أو كثير . لذلك رأت اللجنة أن أفراد نص للاستغلال يكون ادعى إلى إدراك المتعاملين لما قد يتعرض له العقد من طعن في نطاق ضيق واضح الحدود . ولكنها توسطت فلم تر أن يكون نطاق هذا النص رحباً على غرار نظيره في أكثر التقنينات الحديثة ، ومنها التقنين الألماني والسويسري والبولوني واللبنانين والمشروع الفرنسي الإيطالي ، بل اقتصرت فيه على حالتي ” الهوى الجامح والطيش البين ” .

وأصبح رقم المادة 129 ، ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 189 – ص 203 ) .

 ( [4] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 180 من المشروع التهيدي على الوجه الآتي : ” يراعى في تطبيق المادة السابقة عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود وبما يسمح به القانون من سعر الفائدة ” . فعدلته لجنة المراجعة على الوجه الوارد في نص القانون الجديد ، لجعل النص أدق في الأدلة على المعنى المقصود ، وأصبح رقم المادة 134 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم وافقت عليه لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ ، وأصبح رقمه 130 . ووافق عليه مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 203 – ص 204 ) .

 ( [5] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وتحسن الإشارة إلى أن العقود الاحتمالية ذاتها يجوز أن يطعن فيها على أساس الغبن إذا اجتمع فيه معنى الإفراط ومعنى استغلال حاجة المتعاقد أو طيشه أو عدم خيرته أو ضعف إدراكه ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 191 ) . وقد نص القانون اللبنانين صراحة على ذلك ، فجاءت الفقرة الأخيرة من المادة 214 من هذا القانون ما يأتي : ” العقود الاحتمالية ذاتها قد تكون قابلة للإبطال بسبب الغبن ” .

 ( [6] ) وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن النص الآتي : ” ويسري هذا الحكم حتى إذا كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعا ” . ولكن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ حذفت هذا النص لأنه من قبيل التزيد ، وقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك ( أنظر فقرة 204 في الهامش ) . وبقيت الفقرة الثالثة من المادة 129 وهي تفيد ضمناً كما رأينا أن الاستغلال قد يقع في عقود التبرع .

 ( [7] ) وقد ترتب على تضييق الدائرة التي يطبق فيها الاستغلال أن أصبحت المادة 178 من المشروع التمهيدي – وهي المادة التي حذفت من المشروع النهائي وتعرض كما أسلفنا الحالات خاصة في الإكراه هي حالة الخوف من المطالبة بحق وحالة النفوذ الأدبي وحالة الضرورة – نصاً كان من المفيد استبقاؤه لأن نظرية الاستغلال أصبحت بعد هذا التعديل تضيق بالحالات المشار إليها . وقد قدمنا أنه يمكن اعتبار المادة 178 المحذوفة ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة في الإكراه ، فيستغنى عنها بتطبيق هذه القواعد .

 ( [8] ) وقد عرضت فعلا هذه الاقضية وأمثالها على المحاكم المصرية في ظل القانون القديم فكانت تعالجها في بعض الأحوال معالجة ناقصة عن طريق تطبيق القواعد العامة ( في الإكراه ) أو عن طريق تطبيق قواعد العدالة ، وفي أحوال أخرى كانت تسير وراء القضاء الفرنسي في نظرية الاستهواء والتسلط على الإرادة التي سيأتي ذكرها فيما يلي :

وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) بأنه إذا كان الحكم قد بنى قضاءه ببطلان عقد البيع على فساد رضاء البائع لكونه متقدماً في السن ومصاباً بأمراض مستعصية من شأنها أيضاً أن تضعف إرادته فيصير سهل الانقياد خصوصا لأولاده المقيمين معه الذي صدر العقد لهم ، فإنه لا سبيل إلى الجدل في ذلك لدى محكمة النقض لتعلقه بتقدير محكمة الموضوع لوقائع الدعوى ( 2 يناير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 89 ص 296 ) . وقضت في حكم ثان بأنه متى كانت المحكمة قد استخلصت من وقائع الدعوى وظروفها أن السند المطالب بقيمته صدر من المورث بمحض إرادته واختياره ، ولم يؤخذ منه بالاستهواء أو بالتسلط على الإرادة ، وكان هذا الاستخلاص سائغاً ، فلا تدخل لمحكمة النقض لأن ذلك من سلطة قاضي الموضوع ( 29 ابريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 55 ص 152 ) . وفي قضية ثالثة كانت الزوجة تريد أن يطلقها زوجها حتى تتزوج من آخر ، فاستغل الزوج هذه الظروف ، وحصل من زوجته على مال وسندات ومنزل وعقد توكيل وعقد إيجار بما تتناهز قيمته خمسين ألفاً من الجنيهات ، ثم طلقها ، ولما طعنت الزوجة في هذا التصرف ، قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن ما اعطته الزوجة لزوجها يعتبر بدل خلع ، ولكن الزوجة كانت في حالة اضطرار عقد تقرير هذه الالتزامات بذمتها ، وأن الرأي الصواب الذي يتحقق به العدل ( أي تطبيقاً لقواعد العدالة ) هو تخفيض هذه الالتزامات إلى الحد المناسب ( محكمة استئناف مصر الوطنية في 12 يناير سنة 1936 المحاماة 16 ص 723 ) . وقد نقضت محكمة النقض هذا الحكم على أساس أن بدل الخلع في الشريعة الإسلامية يجب أن يكون مقترناً بصيغة الطلاق وأن المسألة على كل حال يجب أن تحال على القضاء الشرعي للفصل فيها ( نقض مدني في 28 أكتوبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 66 ص 178 ) . وقد اعيدت القضية إلى محكمة الاستئناف ولكن الخصوم لم يروا السير في الدعوى الشرعية التي قضت محكمة النقض أن تقف الدعوى المدنية بسببها ، واتفقوا على تسوية النزاع فيما بينهم .

وقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأنها إذا ثبت أن سند دين صدر من شخص وهو في حالة مرضية كانت حياته فيها مهددة بالخطر مما جعله يفكر في الانتحار ويحاوله مراراً وينتحر بالفعل نف ضلا عن كونه في حالة عقلية تجعله مسلوب الإرادة ، فتعاقده غير مبنى على رضاء صحيح ، ولا تلزم ورثته بوفاء ما تعهد به في هذا السند ( 31 مايو سنة 1933 المحاماة 14 رقم 86 / 2 ص 167 ) . وقضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأنها إذا استغل أحد المتعاقدين حالة الأضرار التي وجد فيها المتعاقد الآخر للوصول إلى غرض غير مشروع أي إلى التزام باهظ ، فالعقد يكون باطلا للإكراه ، فإذا صدرت عدة تعهدات تحت تأثير ضغط الإرادة ونتيجة استغلال رغبة جامعة ، فللمحكمة إقرار التعهدات التي أجازها المتعهد بمحض اختياره بعد زوال الإكراه والحكم ببطلان ما لم يجزه منها صراحة أو ضمنا ( أول ديسمبر سنة 1934 المحاماة 15 رقم 61 / 2 ص 343 ) – أنظر أيضاً محكمة استئناف مصر الوطنية في 9 فبراير سنة 1 937 المحاماة 17 ص 1171 – ومحكمة أسيوط الكلية في 12 يونية سنة 1937 المحاماة 18 ص 261 .

هذا ولما كان القانون المدني الفرنسي لا يتضمن نصا عاما في الاستغلال ، فقد خلق الفقه والقضاء الفرنسيان نظرية الاستهواء ( Captation ) أو الاستغواء ( seduction ) . وقد قصراها على عقود التبرع دون عقود المعاوضة . ولا نرى فرقا بين نظرية الاستغلال في عقود المعاوضة ونظرية الاستهواء في عقود التبرع . والجزاء في الحالتين واحد هو قابلية العقد للإبطال . والأولى إدماج نظرية الاستهواء في نظرية الاستغلال واعتبارهما نظرية واحدة . وقد رأينا القضاء في مصر يلجأ إلى نظرية الاستهواء عندما كانت نظرية الاستغلال تعوزه ( نقض مدني في 29 ابريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 55 ص 152 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم – قارن استئناف مختلط في 18 مارس سنة 1947 م 59 ص 167 – وانظر آنفاً فقرة 197 في الهامش ) . ويرى الدكتور وديع فرج في مذكرات له غير مطبوعة التفريق ما بين نظرية الاستغلال ونظرية الاستهواء ، ويذهب في هذا إلى مدى بعيد ، ويقول أن الجزاء في الاستغلال هو البطلان النسبي أما الجزاء في الاستهواء هو البطلان المطلق ( أنظر ص 138 من هذه المذكرات ) .

 ( [9] ) أنظر سالي في إعلان الإرادة باريس سنة 1929 فقرة 98 على المادة 138 من القانون الألماني .

 ( [10] ) أنظر سالي المرجع المتقدم فقرة 99 ( م 138 الماني ) . وانظر آنفاً فقرة 201 .

 ( [11] ) أنظر سالي المرجع المتقدم فقرة 95 – فقرة 97 ( م 138 الماني ) .

 ( [12] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” لم يأخذ المشروع بمذهب التقنين الألماني فيما يتعلق باستغلال المتعاقد ، بل اقتفى اثر المشروع الفرنسي الإيطالي . وليس معنى هذا التقنين ( الألماني ) أن المغبون قد خضع لتأثير لم يستطع التغلب عليه بإرادته ، وإلا كان من اثر ذلك إلحاق الاستغلال بعيوب الرضاء . ولكن يعيبه أمر مختلف هو أن الطرف الآخر قد استغل فيمن تعاقد معه ما قام به من ضعف وما اشتد عليه من عوز . فليس ينطوي الأمر على عيب في الرضاء ، بل هو ينطوي على عمل مخالف للآداب صدر من المتعاقد الذي حصل على منفعة لا تتناسب مع التزاماته . ولذلك كان الجزاء هو البطلان المطلق لا البطلان النسبي . . تلك وجهة التقنين الألماني . وقد اثر المشروع اطراحها وإتباع ما اختاره المشروع الفرنسي الإيطالي في هذا الصدد . فلم يعتبر الغبن عملا مخالفاً للآداب ، بل اعتبره عيباً من عيوب الرضاء يستتبع وجوده بطلان العقد بطلاناً نسبياً ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 190 – ص 191 ) .

 ( [13] ) ولم يكن المشروع التمهيدي يفرق في هذا الصدد ما بين دعوى الإبطال في الغلط والتدليس والإكراه ودعوى الإبطال أو الإنقاص في الاستغلال ، فكل هذه الدعاوى كانت تتقادم بثلاث سنوات ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 247 ) . ولكن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ادخلت التعديل الذي يقضي بهذا التفريق كما مر بنا ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 200 – ص 201 ) .

 ( [14] ) وإذا صح للقاضي أن يحكم بالإنقاص ولو طلب المتعاقد المغبون الإبطال ، فإن لا يصح له أن يحكم بالإبطال إذا طلب المتعاقد المغبون الإنقاص ، لأن هذا قد قدر مصلحته واقتصر على الإنقاص ، فلا يصح للقاضي أن يحكم بالإبطال وإلا اعتبر أنه قد قضى للخصم بأكثر مما طلب . ويبقى القاضي مقيداً بطلب الإنقاص إذا تقدم به المتعاقد المغبون حتى لو كان الطرف الآخر اثر على إنقاص العقد إبطاله ، ذلك أنه لا يستطيع أن يطلب إبطال عقد استغل هو فيه الطرف المغبون .

 ( [15] ) ومن هؤلاء الدكتور وديع فرج إذ يقول في مذكراته غير المطبوعة ( ص 134 ) ما يأتي : ” ولا أبالغ إذا قلت إن هذا النص الخاص بالاستغلال سيعرض المعاملات لشيء كبير من القلقلة وعدم الاستقرار ، وسيكون مصدراً غزيراً للمناعات والدعاوى ” .

 ( [16] ) أنظر بلانيول وريبير وبولانجيه باريس سنة 1949 جزء 2 فقرة 271 – وانظر أيضاً مذكرات غير مطبوعة للأستاذ مورل ( Morel ) في بعض مسائل متعلقة بتكوين العقود وبقوتها الملزمة : باريس سنة 1948 – سنة 1949 ص 387 ( وقد سبقت الإشارة إليها آنفاً فقرة 203 في الهامش ) .

 ( [17] ) وغنى عن البيان أن العقود التي تكون قد أبرمت قبل نفاذ القانون المدني الجديد يسري عليها القانون القديم ، فلا تطبق بالنسبة إليها قواعد الاستغلال التي مر ذكرها ، بل يقتصر فيها على تطبيق القواعد العامة على الوجه الذي كان معمولا به في القانون القديم . أما العقود التي تكون قد أبرمت منذ نفاذ القانون الجديد ( أي منذ 15 أكتوبر سنة 1949 ) ، فهذه هي التي تسري عليها المادة 129 من هذا القانون .

 ( [18] ) اقتصر القانون المدني القديم في الكلام على المحل على نص واحد ، هو المادتان 95 / 149 . وهما تنصان على أنه ” يجب أن يكون الغرض من التعهد فعلا ممكناً جائزاً ، وإلا كان باطلا . فإن كان الغرض منه إعطاء شيء ، وجب أن يكون ذلك الشيء مما يجوز التبايع فيه لوزم تعيينه بالنوع وأن يكون صنفه مبيناً بكيفية تمنع الاشتباه على حسب الأحوال ” . وقد أشتمل المشروع التمهيدي للقانون الجديد على نص يسرد شروط المحل على هذا النحو ، فنصت المادة 181 من هذا المشروع على ما يأتي : ” يجب أن يكون محل الالتزام الذي ينشأ عن العقد أمراً ممكناً ومعيناً أو قابلا للتعيين وجائزاً شرعاً ، وإلا كان العقد باطلا ” . ولكن لجنة المراجعة حذفت هذا النص في المشروع النهائي اكتفاء بالأحكام المفصلة التي وردت في المواد التالية ( م 131 – 135 ) ، ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 207 في الهامش )

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s