الاشتراط لمصلحة الغير
365 – النصوص القانونية : نصت المادة 154 من القانون الجديد على ما يأتي :
” 1 – يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير ، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية ” .
” 2 – ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقا مباشرا قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفائه ، ما لم يتفق على خلاف ذلك . ويكون لهذا المتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد ” .
” 3 – ويجوز كذلك للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشتراط لمصلحة المنتفع ، إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك ( [1] ) ” .
ونصت المادة 155 على ما يأتي :
” 1 – يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته أن ينقض المشارطة قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو إلى المشترط رغبته في الاستفادة منها ، ما لم يكن مخالفا لما يقتضيه العقد .
2 – ولا يترتب على نقض المشارطة أن تبرأ ذمة المتعهد قبل المشترط ، إلا إذا اتفق صراحة أو ضمنا على خلاف ذلك وللمشترط إخلال منتفع آخر محل المنتفع الأول ، كما له أن يستأثر لنفسه بالانتفاع من المشارطة ( [2] ) ” .
ونصت المادة 156 على ما يأتي :
” يجوز في الاشتراط لمصلحة الغير أن يكون المنتفع شخصا مستقبلا أو جهة مستقبلة ، كما يجوز أن يكون شخصا أو جهة لم يعينا وقت العقد ، متى كان تعيينهما مستطاعا وقت أن ينتج العقد أثره طبقا للمشارطة ( [3] ) ” .
أما القانون القديم فقد أشتمل على نص واحد في موضوع الاشتراط لمصلحة الغير هو نص المادتين 137 / 198 ويجري بما يأتي :
” من عقدت على ذمته مشارطة بدون توكيل منه ، فله الخيار بين قبولها أو رفضها ( [4] ) ” .
وبالرغم مما يسود نص القانون القديم من اضطراب وغموض ، وما تتميز به نصوص القانون الجديد من جلاء ووضوح ، فإن القانون الجديد لم يستحدث شيئاً في موضوع الاشتراط لمصلحة الغير ، ولم يفعل إلا أن قنن في نصوص واضحة ما جرى عليه القضاء والفقه في ظل القانون القديم ( [5] ) .
366 – وضع المسألة : ونبدأ بوضع المسألة على نحو يبين مكان الاشتراط لمصلحة الغير من النظم المدنية . فلو أننا سرنا في الاشتراط لمصلحة الغير على القواعد العامة كما فعلنا في التعهد عن الغير ، لترتب على ذلك أن الاشتراط لمصلحة الغير يتكون من عقدين : العقد الأول ما بين المشترط والمتعهد ، يلتزم فيه المتعهد أن يتعاقد مع المنتفع . والعقد الثاني ما بين المتعهد والمنتفع ، يلتزم فيه المتعهد نحو المنتفع . ويكون الأساس القانونين واحداً في الاشتراط لمصلحة الغير والتعهد عن الغير : في كليهما يكسب الغير حقاً أو يترتب في ذمته التزام ، لا بمقتضى العقد الذي لم يكن طرفاً فيه ، بل بمقتضى عقد جديد كان أحد طرفيه .
ولو كان الأمر هو ذلك في الاشتراط لمصلحة الغير لما احتاج إلى كبير عناء ، ولكنا عالجنا الاشتراط مع التعهد في مكان واحد لوحدة الأساس القانوني . ولكن الأساس القانونين في الاشتراط لمصلحة الغير غيره في التعهد عن الغير . ذلك أن الاشتراط لمصلحة الغير لا يتضمن عقدين كالتعهد عن الغير ، بل هو لا يشتمل إلا على عقد واد ، تم بين المشترط والمتعهد ، والمنتفع إنما يكسب حقه من هذا العقد بالذات ، أي من عقد لم يكن هو طرفاً فيه . فكيف ثار المشرع المصري ، في القانونين القديم والجديد ، هذه الثورة على القواعد التقليدية ؟ وأجاز أن ينشيء العقد حقاً للغير ؟
الواقع من الأمر أن المشرع المصري لم يكن مبتدعاً عندما قرر ذلك . فقد سبقه القانون الروماني في هذا الطريق ، ومن بعده القانون الفرنسي القديم ، ومن بعدهما القانون الفرنسي الحديث . ثم إن القاعدة لم نقف عندما قرره المشرع الفرنسي الحديث ، بل تطورت على يد القضاء والفقه تطوراً سريعاً حتى وصلت إلى أن تكون مبدأ عاما قرره القانون المصري الجديد في صراحة ووضوح على النحو الذي رأيناه في النصوص التي نقلناها عن هذا القانون . فنحن نبحث : ( أولاً ) كيف تطورت القاعدة وما وصلت إليه في تطبيقاتها العملية . ( ثانياً ) شروط تحققها . ( ثالثاً ) أحكامها .
1 – كيف تطورت قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير وما وصلت إليه في تطبيقاتها العملية
367 – القانون الروماني : بدا القانون الروماني في عهوده الأولى أمينا على القاعدة على تقضى بان العقد لا ينشيء حقاً للغير . ووصل في ذلك إلى حد أن منع النيابة في التعاقد . فكما لا يجوز للمتعاقد أن يشترط حقاً للغير إذا تعاقد باسمه الشخصي ، كذلك هو لا يستطيع إيجاد حق للغير حتى لو تعاقد باعتباره نائباً عن هذا الغير . ولكن كلا من نظرية الاشتراط لمصلحة الغير ونظرية النيابة تطورت في القانون الروماني . ويعنينا هنا تطور نظرية الاشتراط لمصلحة الغير .
فإن القيود التي ترجع إلى الصياغة الرومانية ما لبثت أن تصدعت أمام الضرورات العملية . فالمدين الذي يبيع عيناً ويريد أن يشترط على المشتري دفع الثمن لدائنه سداداً للدين ، لا شك في أن له في هذا الاشتراط مصلحة مادية . والابن الذي يريد أن يجعل ثمن ما باعه إيراداً مرتباً يدفع لأبيه ما دام هذا حياً ، لا شك في أن له في هذا الاشتراط مصلحة أدبية . وكلتا المصلحتين ، المادية والأدبية ، جديرة برعاية القانون . فعالج الرومان هذا الأمر على أساس أن جعلوا المشترط لمصلحة الغير يصطنع لنفسه حقاً شخصياً في العقد ، وذلك بان يضع شرطاً جزائياً ( stipulation poene ) يطالب به المتعهد إذا لم يقم هذا بما تعهد به لمصلحة المنتفع . ثم انقلب الشرط الجزائي الصريح إلى شرط جزائي مفروض ، فأعطى المشترط دعوى تعويض قبل المتعهد إذا لم يقم هذا بالتزامه لمصلحة المنتفع دون حاجة لوضع شرط جزائي . ويكفي لتبرير دعوى التعويض هذه قيام مصلحة مادية أو أدبية . ولكن لم يكن للمنتفع حق مباشر يكسبه من التعهد ، يستطيع أن يطالب به المتعهد .
واستمر القانون الروماني في تطوره . فأعطى للمنتفع حقاً مباشراً يكسبه من العقد ، ولكن في صورة دفع ( exception ) . ثم أعطاه الحق المباشر في صورة دعوى ( action ) ، ولكن في حالات استثنائية معدودة دعت إليها الضرورات العملية . وهذه الحالات هي : ( 1 ) الهبة إذا اشترط فيها الواهب على الموهوب له حقاً لمصلحة الغير ( donation sub modo ) . ( 2 ) اشتراط المورث لمصلحة ورثته . ( 3 ) اشتراط المتعاقد حقاً للغير في عقود معينة : عقد المهر يوجب فيه المشترط على المتعهد أن يعطي مهراً للمنتفع ، وعقدا الوديعة والعارية يلزم فيهما المودع والمعير حافظ الوديعة والمستعير بأن يردا العين للمنتفع ، وعقد رهن الحيازة إذا باع الدائن المرتهن العين لاستيفاء حقه من ثمنها فيشترط على المشتري رد العين إلى الراهن إذا رد هذا إليه الثمن .
368 – القانون الفرنسي القديم : وورث القانون الفرنسي القديم هذه الاستثناءات عن القانون الروماني . وأضاف إليها استثناء جديداً ، كان الرومان لا يعطون فيه للمنتفع إلا دفعاً فأعطى دعوى بدل الدفع . وهذه هي حالة اشتراط البائع على المشتري أن يدفع الثمن لشخص ثالث .
369 – قانون نابليون : واحتفظ قانون نابليون بالقاعدة الرومانية ، إذ قرر في المادة 1119 أنه لا يجوز لمتعاقد أن يشترط باسمه إلا لنفسه . ثم استثنى من هذه القاعدة حالتين أجاز فيهما الاشتراط لمصلحة الغير ، وهاتان الحالتان ، على ما تقرر المادة 1121 من هذا القانون ، هما : ( 1 ) إذا وهب المشترط شيئاً للمتعهد ، واشترط عليه في مقابل ذلك حقاً لأجنبي عن العقد هو المنتفع . وهذه هي الهبة بشرط ( donation sub modo ) التي عرفها كل من القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم . ( 2 ) إذا صدر من المشترط عقد معاوضة اشترط فيه أولاً حقاً لنفسه ، ثم قرن ذلك بان اشترط حقاً للغير . وهنا نجد شيئاً من التجديد لم نعهده لا في القانون الروماني ولا في القانون الفرنسي القديم . فإن هذين القانونين كانا يستثنيان من القاعدة التي تقضي بأن العقد لا ينشيء حقاً للغير عقوداً معينة بالذات ذكرناها فيما تقدم . أما المشرع الفرنسي فقد وسع من جهة ، وضيق من جهة أخرى . وسع في أنه لم يخص عقوداً دون أخرى بالاستثناء . وضيق في أنه لم يجز للمتعاقد أن يشترط لغيره حقاً إلا إذا كان مقروناً باشتراطه حقاً لنفسه .
370 – القضاء والفقه : على أن تطور القاعدة بقى مستمراً يواجه الحاجات العملية المتجددة ، وبخاصة ما تقتضيه عقود التأمين التي كان لها اكبر الأثر في تطور قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير . ففسر الفقه والقضاء في فرنسا كلمة ( stipulation ) الواردة في المادة 1121 ، لا بالاشتراط كما هو معناها الدقيق ، بل بالتعاقد بوجه عام ، سواء كان المتعاقد مشترطاً حقاً لنفسه أو مرتباً التزاماً في ذمته . فيكفي أن ” يتعاقد ” المشترط لنفسه ، ويستطيع بعد ذلك أن يشترط للغير حقاً دون أن يشترط حقاً لنفسه . والمهم توافر شرطين : ( 1 ) أن يتعاقد لنفسه مشترطاً حقاً أو مرتباً التزاماً كما قدمنا . فإذا كان لم يشترط شيئاً لنفسه ، فيكفي أن يلتزم بشيء عن نفسه . وبذلك يتسع صدر الاستثناء لأن يضم ما استجد من الحاجات . ففي عقد التأمين على الحياة لمصلحة الغير ، وفي عقد التأمين الذي يبرمه رب العمل لمصلحة عماله ، نرى المتعاقد لمصلحة الغير لم يشترط لنفسه حقاً ، ولكنه رتب في ذمته التزاماً هو دفع أقساط التأمين . ( 2 ) أن يكون للمتعاقد مصلحة مادية أو أدبية تدفعه إلى الاشتراط لمصلحة الغير . لأن محل التعاقد يشترط أن تكون فيه فائدة شخصية للمتعاقد ، والمشترط قد تعاقد على منفعة تؤدي للغير ، فيبج أن تكون له في هذه المنفعة مصلحة شخصية ، مادية أو أدبية ، وإلا بطل التعاقد .
على أن الشرط الأول من هذين الشرطين – وهو أن يكون للمشترط دور شخصي في التعاقد مشترطاً حقاً لنفسه أو مرتباً التزاماً في ذمته – لم يلبث أن اختفى هو أيضاً ( [6] ) . وأصبح يكفي أن يكون للمشترط مصلحة مادية أو أدبية في الاشتراط لمصلحة المنتفع ، وليس من الضروري أن يشترط لنفسه أو يلتزم عن نفسه .
بل إن القضاء والفقه وصلا في التطور إلى حد أن أجازا الاشتراط لمصلحة شخص غير معين ، بل لمصلحة شخص غير موجود . فرب العمل الذي يؤمن من مخاطر العمل لمصلحة عماله إنما يؤمن لمصلحة أي عامل يدخل في خدمته . فالمنتفع هنا بالتأمين أشخاص غير معينين ، ولكن تعيينهم مستطاع وقت أن ينتج العقد أثره ( [7] ) . وكثيراً ما يؤمن الشخص لمصلحة أولاده الموجودين ومن سيوجد منهم ( enfants nes et a naitre ) . بل قد لا يكون له أولاد ومع ذلك يؤمن لمصلحة ما عسى أن يوجد له من أولاد في المستقبل . فالمنتفع هنا أشخاص غير موجودين وقت إبرام عقد التأمين ، ولكنهم لا ينالون حقاً إلا إذا وجدوا معينين بالذات وقت أن ينتج عقد التأمين أثره . وهذا الوضع يتمشى مع النظرية المادية للالتزام التي لا تشترط وجود الدائن وقت صدور العقد ، وتكتفي بوجوده وقت تنفذ العقد ( [8] ) .
371 – القانون المصري القديم والجديد : هذا هو التطور الذي وصلت إليه قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير ، فانقلبت من استنثاء محدود إلى قاعدة عامة . وهذا ما عبر عنه القانون القديم في عبارات غامضة مضطربة سبق إيرادها ، وما عبر عنه القانون الجديد في عبارات صريحة واضحة ، فقال في المادة 152 إن العقد لا يرتب التزاماً في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقا . ثم طبق القاعدة في المادة 154 ، فأجاز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية ، مادية كانت أو ادبية . فلم يستبق من القيود التي كانت تحيط بالقاعدة في خلال تطورها إلا الشرط الأخير ، وهو وجود مصلحة شخصية للمشترط ، وأجاز في المادة 156 للمشترط أن يشترط لمصلحة شخص غير معين ولمصلحة شخص غير موجود على النحو الذي رأيناه في النصوص التي أوردناها . فيكون القانون المدني الجديد قد سجل في نصوصه آخر مراحل التطور لقاعدة الاشتراط لمصلحة الغير .
372 – التطبيقات العملية لقاعدة الاشتراط لمصلحة الغير : والقاعدة ، في آخر تطور لها على النحو الذي بيناه ، لها تطبيقات عملية كثيرة نذكر منها ما يأتي :
1 – التطبيقات التقليدية : ومن هذه التطبيقات الهبة أو البيع مع اشتراط الواهب أو البائع على الموهوب له أو المشتري ترتيب ايراد أو حق ما للغير . ومنها بيع العين المرهونة مع اشتراط البائع على المشتري أن يدفع أقساط الدين إلى الدائن المرتهن ( [9] ) ، ويلاحظ في هذه الحالة أن المشتري وقد أصبح ملتزماً بالدين التزاماً شخصياً لا يستطيع تطهير العقار ( [10] ) . وقد طبقت محكمة الاستئناف المختلطة قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير في حالة اشتراط فيها البائع على الجار إلا يأخذ بالشفعة رعاية لمصلحة المشتري ، فكسب المشتري حقاً من هذتا العقد الذي لم يكن طرفاً فيه ( [11] ) . كذلك قد يشترط صاحب المتجر إذا باع متجره لمصلحة العمال والمستخدمين ، فيأخذ على المشتري عهداً أن يبقيهم في العمل أو إلا ينقص من اجورهم . وفي عقود النقل يتم العقد بين شركة النقل ومرسل البضاعة ، فيتولد عن هذا العقد حق مباشر للمرسل إليه يستطيع بمقتضاه أن يطالب شركة النقل بتنفيذ شروط العقد ، كتسليم البضاعة في حالة جيدة وفي مكان معين ( [12] ) .
2 – عقود التأمين : عقد التأمين على الحياة هو خير مثل للاشتراط لمصلحة الغير . والمتعاقد تارة يؤمن لمصلحته ولمصلحة ورثته من بعده إذا مات قبل مدة معينة ، وطواراً يؤمن لمصلحة أقارب له معينين دون أن يشترط لنفسه شيئاً . وفي الحالتين يوجد اشتراط لمصلحة اليغر يكسب المنتفع بمقتضاه حقاً مباشراً من عقد التأمين . وقد يؤمن المستحق في وقف على حياته لمصلحته دائنه . حتى إذا مات وانقطع استحقاقه استطاع الدائن أن يستولى على حقه من مبلغ التأمين . وعلى العكس من ذلك قد يؤمن الدائن على حياة مدينه ضماناً لحقه ( [13] ) . وعدا التأمين على الحياة توجد عقود تأمين أخرى يشترط فيها المؤمن لمصلحة الغير . فكثيراً ما يؤمن رب العمل لمصلحة عماله مما يصيبهم من الضرر أثناء العمل ، فيكون الغير هنا هم العمال يكسبون حقاً مباشراً قبل شركة التأمين عماً يصيبهم من الضرر ( [14] ) . ويقرب من هذا أن يتفق رب العمل مع طبيب لعلاج العمال مجاناً ، ففي هذه الحالة يكون للعمال حق مباشر قبل الطبيب إذا أهمل علاجهم أو رفض ذلك ( [15] ) . وقد يؤمن عامل النقل لمصلحة مرسل البضاعة ، ويكون هذا اشتراطاً لمصلحة الغير ( [16] ) . وقد يؤمن المدين الراهن على المنزل المرهون من الحريق لمصلحة الدائن المرتهن . وعقد التأمين لحساب من يملك الشيء المؤمن عليه ( assurance pour le compte de qui il appartiendra ) فيه اشتراط للغير ، فقد يكون الشيء منزلا يؤمن صاحبه من الحريق أو بضاعة يؤمنها من التلف أو الغرق أو نحو ذلك من المخاطر ، ويشترط على شركة التأمين أن تدفع التعويض في حالة تحقق الخطر لأي شخص يكون مالكاً في ذلك الوقت للشيء المؤمن عليه .
3 – عقود الاحتكار والتزام المرافق العامة : إذا حصلت شركة على احتكار تلتزم به مرفاقً من المرافق العامة ، كالاحتكار الذي يمنح لشركات المياه والنور والغاز والنقل ونحو ذلك ، فإن مانح الاحتكار – الحكومة أو أحد المجالس البلدية – يشترط عادة على المحتكر شروطاً لمصلحة المنتفعين من الجمهور . فيشترط مثلا حداً معيناً من الأجور لا يجوز للمحتكر أن يجاوزه . في مثل هذه الحالة يوجد اشتراط لمصلحة الغير ، ويكون لكل فرد من الجمهور حق مباشر يكسبه من عقد الاحتكار ، ويستطيع بمقتضاه أن يقاضي المحتكر ويطالبه بتنفيذ الشروط التي فرضت لمصلحته ( [17] ) . وقد أكد هذا المبدأ القانون المدني الجديد في النصوص التي أفردها لعقد التزام المرافق العامة ، فنص في المادة 669 على أن ملتزم المرفق العام يتعهد بمقتضى العقد الذي يبرمه مع عميله بأني ؤدي لهذا العميل على الوجه المألوف الخدمات المقابلة للأجر الذي يقبضه ، وفقاً للشروط المنصوص عليها في عقد الالتزام وملحقاته ، وللشروط التي تقتضيها طبيعة العمل ويقتضيها ما ينظم هذا العمل من القوانين ( أنظر أيضاً المادتين 670 و 671 ) .
4 – عقود المقاولات : وكثيراً ما يفرض رب العمل في عقود المقاولات على المقاول شروطاً لمصلحة العمال . لاسيما إذا كان رب العمل هذا هو الحكومة أو شخص معنوي عام أو إحدى الشركات . ويثبت ذلك في دفتر الشروط ( cahier des charges ) ، فيضع حداً معيناً للأجور لا يجوز أن تنزل عنه . وشروطاً معينة من حيث ساعات العمل والتعويض عن الاصابات ونحو ذلك . فيصبح للعمال قبل المقاول حق مباشر استمدوه من عقد المقاولة التي لم يكونوا طرفاً فيها ، طبقاً لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير ( [18] ) .
2 – شروط تحقق قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير
373 – متى يتحقق الاشتراط لمصلحة الغير : الاشتراط لمصلحة الغير يتفرض وجود أشخاص ثلاثة : المشترط ( stipulant ) ، والمتعهد ( promettant ) ، والمنتفع ( beneficiaire ) . ولكي يتحقق يجب أن تتوافر الشروط الثلاثة الآتية :
( 1 ) أن يتعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع ، دون أن يدخل المنتفع طرفاً في العقد .
( 2 ) أن يشترط المشترط على المتعهد حقاً مباشراً للمنتفع .
( 3 ) أن يكون للمشترط من وراء هذا الاشتراط مصلحة شخصية ، مادية كانت أو ادبية .
وهذا ما أجملته الفقرة الأولى من المادة 154 من القانون الجديد إذ تقول : ” يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير ، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية ” .
374 – المشترط يتعاقد باسمه أو باسم المنتفع : وهذا الذي يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن النيابة ، اتفاقية كانت أو قانونية . فالنائب ، وكيلا كان أو ولياً أو وصياً أو قيماً أو فضولياً أو غير ذلك ، يتعاقد بامس الأصيل لا باسمه . أما المشترط فيتعاقد باسمه لا باسم المنتفع . والاصيل لا النائب هو الطرف في العقد . ورضاء النائب يغني عن رضائه . أما في الاشتراط لمصلحة الغير فالمشترط لا المنتفع هو الطرف في العقد ، وقبول المنتفع للاشتراط ضروري حتى يتأكد في شخصه حق كسبه من عقد لم يكن طرفاً فيه .
ويترتب على ما تقدم أن المشترط يختلف عن الفضولي اختلافاً جوهرياً . فالفضولي نائب عن رب العمل ، بخلاف المشترط فلا ينوب عن المنتفع . وقد كان هناك رأي ، تبين الآن فساده ، يجعل المشترط فضولياً يتعاقد لمصلحة المنتفع ، وقبول المنتفع يعتبر إقراراً لعمل الفضولي فينقلب هذا وكيلا ، وعن طريق الفضالة والوكالة ينصرف أثر العقد إلى المنتفع . أما فساد هذا الرأي فراجع إلى أن المشترط إنما يتعاقد باسمه كما قدمنا ، في حين أن الفضولي يتعاقد نيابة عن رب العمل . وهذا الفرق بين الوضعين تنبني عليه نتائج عملية هامة ، نذكر منها ما يأتي :
1 – لما كان المشترط ليس بنائب عن المنتفع ، فإن كل شخص يستطيع أن يشترط لمصلحة الغير ما دامت له مصلحة شخصية في ذلك ، وليس كل شخص يستطيع أن يدير عمل الغير عن طريق الفضالة إذ لا بد من وجود ضرورة تقضي بذلك كما سنرى عند الكلام في الفضالة .
2 – يجب في الاشتراط لمصلحة الغير أن تكون للمشترط مصلحة شخصية ، لأنه يتعاقد باسمه . أما الفضولي فهو ، على النقيض من ذلك ، يجب إلا تكون له مصلحة شخصية في ادارته لشئون رب العمل .
3 – الفضولي ، وهو يعمل لحساب رب العمل ، يلتزم بالمضي فيما بدأ به ، ولا يجوز له الرجوع فيه . أما المشترط ، وهو يعمل حسابه ، لا يلتزم بالمضى في عمله ، بل هو ، على النقيض من ذلك ، يجوز له الرجوع في الاشتراط للمنتفع وإضافة الحق لنفسه أو لشخص آخر غير المنتفع .
375 – المشترط يشترط حقا مباشرا للمنتفع : فإذا كان الحق الذي اشترطه المشترط إنما اشترطه لنفسه . ولكن تعود منه فائدة على الغير ، فلا يكون هذا اشتراطاً لمصلحة الغير . مثل ذلك أن يؤمن شخص على مسئوليته عما ينجم من الضرر للغير ، فلا يعد هذا اشتراطاً لمصلحة الغير ، لأن المؤمن له إنما أراد أن يشترط لنفسه هو لا للمصاب ، وإن كان التعويض الذي يأخذه من شركة التأمين يعود لفائدة على المصاب إذ يستطيع أن يستوفى منه حقه وإن زاحمه في ذلك سائر دائني المؤمن له . وعلى ذلك لا يكون للمصاب حق مباشر من عقد التأمين ، فلا يرجع على الشركة التأمين إلا بدعوى مدينه .
ولا يكفي إعطاء حق المنتفع : بل يجب أن يكون هذا الحق قد نشأ مباشرة من العقد الذي تم ما بين المشترط والمتعهد . فإذا كان المشترط قد اشترطا هذا الحق الذي نشأ من العقد لنفسه أولاً ، ثم جحوله بعد ذلك أو انتقل عنه إلى شخص آخر ، لم يكن في هذا اشتراط لمصلحة اليغر . ويترتب على ذلك أنه لو باع شخص منزلا ، ثم حول الثمن إلى دائن له ، كان هناك عقدان : عقد البيع بين البائع والمشتري ، وعقد الحوالة بين هذا البائع وهو المحيل ودائنه وهو المحال له . ولو أمن شخص لمصلحة نفسه ، ثم مات وانتقل حق التعويض إلى ورثته ، فإن هؤلاء يتلقون الحق عن مورثهم بالميراث ، ولا يكسبون حقاً مباشراً من عقد التأمين ذاته . وليس في كل ذلك اشتراط لمصلحة الغير . كذلك لا يقصد المشترط أن يلتزم المتعهد قبل المنتفع بعقد جديد يتم بينهما ، ولا أن يعرض ايجاباً على المنتفع ليقبله هذا فيتم عقد جديد بينه وبين المنتفع ، ويتبين مما تقدم أن الحق المباشر الذي يكسبه المنتفع لا يتلقاه عن المشترط عن طريق الحوالة أو عن طريق الميراث أو عن طريق عقد جديد ، ولا يتلقاه عن المتعهد عن طريق عقد جديد ، وإنما يتلقاه مباشرة من العقد ذاته الذي تم بين المشترط والمتعهد .
ولا يشترط في المنتفع أن يكون موجوداً وقت صدور هذا العقد ، أو أن يكون معيناً في ذلك الوقت ، بل يجوز ، كما رأينا في الأمثلة التي قدمناها ، وكما تقرر المادة 156 التي أسلفنا ذكرها ، أن يكون شخصاً مستقبلا أو شخصاً غير معين وقت عقد الاشتراط ، متى وجد أو كان مستطاع التعيين وقت أن ينتج العقد أثره طبقاً للمشارطة . وهذه هي ميزة كبيرة ، تطور الاشتراط لمصلحة الغير حتى وصل إليها كما رأينا .
376 – المشترط له مصلحة شخصية في الاشتراط للغير : ذلك أن المشترط إنما يعمل لحسابه ويتعاقد باسمه ، فلا بد أن تكون له مصلحة شخصية في الاشتراط للغير ، وغلا كان فضولياً . والمصلحة الشخصية هي الفرق الجوهري ما بين الفضالة والاشتراط لمصلحة الغير كما قدمنا .
ولا يشترط أن تكون المصلحة مادية ، بل يجوز أن تكون ادبية . فيصح التأمين لمصلحة الزوجة والأولاد ، والاشتراط لمصلحة الفقراء أو العجزة أو اللقطاء أو لأي عمل آخر من أعمال البر .
ولكن يكفي أن يكون للمشترط مصلحة شخصية ، مادية أو ادبية ، وليس من الضروري أن يكون له دور شخصي في العقد . وقد رأينا في تطور قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير أن للمشترط أن يشترط لمصلحة المنتفع دون أن يكون له دور شخصي في هذا الاشتراط ، لا مشترطاً لنفسه ولا متعهداً عنها . مثل ذلك أم تتعاقد مع والد ابنها على أن يتعهد الأب بترتيب ايراد للابن دون أن تلتزم الأم بشيء قبل الأب . ففي هذا الفرض نرى الأم قد اشترطت حقاً لصالح ابنها . أن أن تشترط لنفسها حقاً أو ترتب في ذمتها التزاماً ، وليست الأم تقوم هنا بعمل الفضولي لأن لها مصلحة شخصية في الاشتراط ، وهي مصلحة ادبية ، فهي مدفوعة بعامل الامومة لا بعامل المرؤوة ومثل ذلك أيضاً أن تمنح البلدية احتكاراً لاحدى الشركات ، ثم تعود فتشترط عليها في عقد مستقل شروطاً لمصلحة الجمهور . وتقبل الشركة هذه الشروط دون مقابل ، فيتحقق في هذا الفرض اشتراط لمصلحة الغير دون أن يكون للمشترط دور شخصي .
3 – أحكام الاشتراط لمصلحة الغير
377 – العلاقات المختلفة في الاشتراط لمصلحة الغير : قدمنا أن هناك اشخاصا ثلاثة في الاشتراط لمصلحة الغير : المشترط والمتعهد والمنتفع . وعلينا أن نبحث علاقاتهم بعضهم ببعض . فنتكلم في مسائل ثلاث : ( أولاً ) علاقة المشترط بالمتعهد . ( ثانياً ) علاقة المشترط بالمنتفع . ( ثالثاً ) علاقة المتعهد بالمنتفع .
378 – علاقة المشترط بالمتعهد : هذه يحددها العقد الذي تم فيما بينهما . ففي عقد التامين مثلا يلتزم المشترط بأن يدفع للمتعهد ( شركة التأمين ) أقساط التأمين في مواعيدها ، وتلتزم شركة التأمين في حالة ما إذا كان المشترط قد اشترط لنفسه إلى جانب اشتراطه للغير بأن تقوم بما عليها من التزام نحو المشترط فتدفع له مثلا المبلغ المتفق عليه إذا تبقى حياً إلى المدة المتفق عليها . ولكن من المتعاقدين أن يتمسك قبل الآخر بأوجه الدفع الجائز التمسك بها بالنسبة إلى هذا القعد الذي تم بينهما من أوجه بطلان أو أسباب انقضاء .
وإذا لم يقم أحد المتعاقدين بما عليه من التزامات قبل الآخر وجب تطبيق القواعد العامة . فيجوز للمتعاقد الذي لم يحصل على حقه أن يطلب التنفيذ عيناً إذا كان هذا ممكناً ، أو أن يطلب تعويضاً عن عدم التنفيذ . وله أيضاً أن يطلب فسخ العقد أو وقف تنفيذه .
ولما كان للمشترط مصلحة شخصية في التزام المتعهد نحو المنتفع كما قدمنا ن فإن للمشترط ان يراقب تنفيذ المتعهد لهذا الالتزام لأنه ليس أجنبياً عنه . وعلى هذه المصلحة الشخصية بنينا قيام الاشتراط لمصلحة الغير ن وعليها الان نبني حق المشترط في مراقبة تنفيذ المتعهد لالتزامه نحو المنتفع ز فللمشترط ان يطالب المتعهد بتنفيذ هذا الالتزام للمنتفع ، وأن يرفع دعوى باسمه لا باسم المنتفع للمطالبة بذلك . وهي دعوى قوامها المصلحة الشخصية الثابتة للمشترط . بل قد تنصرف نية المشترط إلى أن يحتفظ لنفسه وحده بدعوى مطالبة المتعهد بتنفيذ التزامه نحو المنتفع . دون أن يكون للمنتفع نفسه دعوى للمطالبة بهذا التنفيذ ، كما إذا اشترطت الحكومة على إحدى شركات الاحتكار شروطاً لمصلحة الجمهور واحتفظت لنفسها وحدها ، دون أفراد الجمهور ، بالحق في مطالبة الشركة بتنفيذ هذه الشروط . وعلى العكس من ذلك يجوز أن يتبين من العقد أن المنتفع وحده دون المشترط هو الذي تجوز له المطالبة بتنفيذ المتعهد لالتزامه نحوه ، كما إذا اشترط رب العمل على مصحة أن تنزل من يشاء من عماله لقضاء دور النقاهة فيها على أن يترك ذلك لاختيار العامل . وإلى هذا تشير الفقرة الثالثة من المادة 154 إذ تقول : ” ويجوز كذلك للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع ، إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك ” .
كذلك للمشترط ، إذا لم يقم المتعهد بتنفيذ التزامه نحو المنتفع ، أن يطلب فسخ العقد أو وقف تنفيذه وفقاً للقواعد العامة . يلاحظ أن المشترط إذا فسخ العقد بعد صدور قبول المنتفع ، سواء كان ذلك لعدم تنفيذ المتعهد لالتزامه نحو المنتفع أو لالتزامه نحو المشترط ، فإن الفسخ لا يضيع على المنتفع حقه ، فيرجع هذا به على المشترط إلا إذا كان الاشتراط تبرعاً يجوز الرجوع فيه ( [19] ) .
379 – علاقة المشترط بالمنتفع : قد تكون هذه العلاقة عرقة تبرع ، وقد تكون علاقة معاوضة .
فإذا كان المشترط أراد التبرع للمنتفع ، لم يحل دون ذلك عدم استيفاء الهبة للشكل ، لأن الهبة هنا غير مباشرة . وسنرى أن للمشترط نقض لااشتراط ، سواء كان تبرعاً أو معاوضة ، مدام المنتفع لمي صدر منه إقرار لما اشترط لمصلحته . أما إذا كان الاشتراط تبرعاً للمنتفع ، جاز للمشترط ، حتى بعد أن يقر المنتفع هذا الاشتراط ، أن ينقض حق المنتفع طبقاً لقواعد الرجوع في الهبة ( [20] ) . ذلك أن العلاقة التبرعية فيما بين المشترط والمنتفع . إذا كانت لا تخضع لأحكام الهبة من حيث الشكل ، فهي تخضع لها من حيث الموضوع . فيجب توافر أهلية التبرع في المشترط ، وتعتبر الهبة قد صدرت من وقت صدور العقد ، فإذا صدرت من المشترط وهو في مرض موته أخذت حكم الوصية . ويجوز الطعن فيها بالدعوى البوليصية ولا يشترط أن يكون المنتفع سيء النية لأنه موهوب له . ويلاحظ أن المقدار الموهوب بالنسبة إلى المشترط ليس هو مقدار ما التزم به المتعهد نحو المنتفع ، بل هو مقدار ما دفعه المشترط للمتعهد بشرط إلا يزيد عما التزم به المتعد نحو المنتفع . فلو أن شخصاً امن على حياته لمصلحة اولاده تبرعاً منه لهم ، فإن مقدار ما تبرع به لا يكون المبلغ الذي تدفعه شركة التأمين للأولاد بعد موت المؤمن له ، بل هو مقدار الاقساط التي دفعها المؤمن له لشركة التأمين حال حياته بشرط إلا تزيد على مبلغ التأمين . أما إذا أعطى شخص آخر شيئاً قيمته ألف ، واشترط عليه التزاماً لمصلحة الغير قيمته خمسمائة ، فإن المقدار الذي وهبه المشترط للمنتفع هو خمسمائة لا ألف ( [21] ) .
أما إذا كان المشترط لم يرد التبرع ، فالعلاقة بينه وبين المنتفع يحددها موقف الأول من الثاني بحسب الأحوال . فقد يكون المشترط ميدناً للمنتفع ، واشترط له وفاء لدينه . وقد يكون أراد إقراض المنتفع من طريق الاشتراط لمصلحته ، ويكون القرض تبرعاً إذا كان بغير فوائد ومعاوضة إذا كان بفوائد . ومثل القرض الوديعة ، فإذا تسلم المنتفع العين من المتعهد أصبح بالنسبة إلى المشترط حافظاً لوديعته وطبقت أحكام الوديعة فيما بينهما ، وهكذا .
380 – علاقة المتعهد بالمنتفع – حق مباشر مصدره عقد الاشتراط : وعلاقة المتعهد بالمنتفع هي اخص ما في الاشتراط لمصلحة الغير من طابع يتميز به عن غيره من ضروب التعاقد . ذلك أن المنتفع – ولم يكن طرفاً في العقد الذي التزم به المتعهج – يكسب من هذا العقد حقاً شخصياً مباشراً ( droit proper ) يستطيع أن يطالب به المتعهد . وهكذا يتحقق ما في الاشتراط لمصلحة الغير من خروج على القاعدة العتيقة التي كانت تقضي بأن العقد لا ينشيء حقاً للغير . وهذا هو ما تصرح به الفقرة الثانية من المادة 154 من القانون المدني الجديد في هذا الصدد : ” ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفاء ، ما لم يتفق على خلاف ذلك ” . فالعقد الذي تم ما بين المشترط والمتعهد هو إذن مصدر الحق المباشر الذي ثبت للغير ، وهذا العقد هو الذي أنشأ هذا الحق . وإذا قيل كيف ينشيء العقد حقاً للغير ؟ قلنا ولهذا قامت قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير . ثم ما الذي يمنع من ذلك ؟ ولماذا لا ينشيء العقد حقاً للغير ما دام هذا الغير يرضى بأن يكون هذا الحق له ! ليس في المنطق القانونين ما يجعل هذا متعذراً ، وإنما هي القاعدة الرومانية العتيقة التي كانت تحول دون التسليم بهذا المبدأ . وقد قضت ، نزولا عند اعتبارات ترجع للصياغة القانونية عند الرومان ، بأن العقد يقتصر أثره على المتعاقدين . ولا معنى لبقاء هذه القاعدة بعد زوال مقتضياتها . وليس ثمة ما يمنع من التسليم بان العقد قد ينشيء حقاً للغير . وهذا ما صرح به القانون المدني الجديد ( [22] ) .
ما كنا لنسهب في تقرير ذلك مع وضوحه ، لولا أن الفقهاء يعتقدون عادة بحثاً تقليدياً يتساءلون فيه أين مصدر الحق الذي ثبت للمنتفع؟ لعله يكون في عقد جديد تم بين المشترط والمنتفع ، أو بين المتعهد والمنتفع . أو لعل الحق قد نشأ من عمل المشترط على أساس أنه فضولي يعمل لمصلحة المنتفع . أو لعله يكون هو حق المشترط كسبه من العقد وحوله بعد ذلك للمنتفع . ولكل نظرية من هذه النرظيات أنصار يدافعون عنها . على أنه من اليسير تفنيدها جميعاً . فقد قدمنا أن الاشتراط لمصلحة الغير ليس معناه أن المتعهد أو المشترط يعرض إيجاباً على المنتفع ليقبله أو يرفضه كما تذهب إلى ذلك نظرية الإيجاب المعروض ( theorie de l’offre ) ، لأن حق المنتفع إنما ينشأ من العقد الذي تم ما بين المشترط والمتعهد لا من عقد جديد بين المنتفع والمتعهد أو بين المنتفع والمشترط . وليس معناه أن المشترط يقوم بعمل من أعمال الفضالة للمنتفع ( theorie de la gestion d’affaire ) ، لأن هناك فرقاً جوهريا ما بين الاشتراط لمصلحة الغير والفضالة هو وجود المصلحة الشخصية في الحالة الأولى وانعدامها في الحالة الثانية ، وليس معناه أن المشترط يكسب الحق لنفسه أولاً ثم يحوله بعد ذلك للمنتفع ( theorie de la gestion d’affaire ) ، لأن هناك فرقاً جوهرياً ما بين الاشتراط لمصلحة الغير والفضالة هو وجود المصلحة الشخصية في الحالة الأولى وانعدامها في الحالة الثانية ، وليس معناه أن المشترط يكسب الحق لنفسه أولاً ثم يحوله بعد ذلك للمنتفع ( theorie de la cession ) ، لأن المنتفع لا يتلقى الحق عن المشترط ولا يعتبر خلفاً له فيه ، بل هو حق كسبه مباشرة من عقد الاشتراط . سبق أن فندنا كل هذا ، ونفند الآن كذلك نظرية أخرى لجأ إليها بعض الفقهاء ( [23] ) أخيراً يذهبون فيها إلى أن حق المنتفع مصدره إرادة المتعهد المنفردة ( theorie de la volonte unilaterale ) ، ولو كان هذا صحيحاً لما أمكن أن يتمسك المتعهد قبل المنتفع بالدفوع الواردة على عقد الاشتراط ، ولكان للمتعهد وحده لا للمشترط حق النقض إلى أن يصدر إقرار المنتفع .
والواقع من الأمر أن الفقهاء يناقضون أنفسهم عندما يقررون أن الاشتراط لمصلحة الغير لا يتفق مع القاعدة القديمة التي كانت تقضي بأن العقد لا ينشيء حقاً للغير ، ثم إذا وصلوا إلى المكان الذي يبحثون فيه عن مصدر حق المنتفع نسوا ما قرروه من قبل ، وحاولوا أن يخضعوا حق المنتفع لهذه القاعدة القديمة ذاتها التي سبق لهم أن أنكروها ! فلا يجرؤ فقيه على أن يرجع هذا الحق إلى عقد الاشتراط خوفاً من أن يصطدم بهذه القاعدة ! أما نحن فلا نتردد في أن نقرر أن حق المنتفع مصدره عقد الاشتراط ، وليس للحق مصدر غير هذا العقد ( [24] ) . ونقرر كذلك أن هذا الحق مباشر ، لم يتلفه المنتفع من المشترط . ولكل من هاتين الخاصتين – حق مباشر ، وحق مصدره عقد الاشتراط – نتائج عملية هامة تترتب عليها .
381 – علاقة المتعهد بالمنتفع ( تتمة ) – ما يترتب من النتائج على أن حق المنتفع حق مباشر مصدره عقد الاشتراط : أما النتائج التي ترتب على أن حق المنتفع حق مباشر لا يتلقاه من المشترط فهي ما يأتي :
( 1 ) لا شأن لدائني المشترط بهذا الحق بعد موته ، بل يخلص الحق للمنتفع وحده لأنه لم يتلقه من المشترط . ولو كان قد تلقاه منه بطريق الميراث لتلقاه مثقلا بديون التركة . وأهم تطبيق لهذا المبدأ هو عقد التأمين على الحياة . فإذا تعاقد المؤمن له مشترطاً لمصلحة أولاده ثم مات ، فإن الأولاد لا يتلقون الحق في تركة ابيهم ، بل هو حقهم المباشر قبل شركة التأمين . ويترتب على ذلك أن دائني المؤمن له ليس لهم أن يعتبروا حق الأولاد داخلا في تركة مدينهم حتى يرجعوا عليه كما يرجعون على جميع حقوق التركة ، بل تأخذ الأولاد مبلغ التأمين من الشركة خالصاً لهم ، ولا يدفعون منه شيئاً لسداد ديوان ابيهم ، وهذه هي أهم مزية للتأمين ، وقد استقر الفقه والقضاء على هذا المبدأ في فرنسا وفي مصر ( [25] ) .
( 2 ) كذلك لا شأن لدائني المشترط بهذا الحق حال حياته ، فإن الحق لم يدخل يوماً ما في مال المشترط حتى يكون داخلا في ضمانهم العام . وينبني على ذلك أنه لا يجوز للدائنين التنفيذ على هذا الحق ، وليس لهم أن يستعملوه باسم مدينهم لأنه ليس حقاً لهذا الدين .
( 3 ) وإذا كان لدائني المشترط أن يطعنوا في اشتراطه بالدعوى البوليصية عند توافر شروطها ، فالواجب مع ذلك إلا نعتبر المنتفع في مركز من تلقى الحق عمن تصرف له المدين . ولتوضيح ذلك نفرض أن ( أ ) أعطى ( ب ) منزلا قيمته ألف ، واشترط عليه أن يعطي ( ج ) مبلغاً مقداره خمسمائة . وأراد دائن ( أ ) أن يطعن بالدعوى البوليصية في هذا العقد . في هذه الحالة يجب التمييز بين تصرفين : ( التصرف الأول ) هو الصادر من ( أ ) إلى ( ب ) ، هو معاوضة بالنسبة إلى ( ب ) ، فيشترط التواطؤ بين ( أ ) و ( ب ) لنجاح الدعوى البوليصية ، دون أن يشترط تواطؤ ( ج ) لأنه تلقى حقاً مباشراً ولم يخلف ( ب ) في حق انتقل إليه من ( ا ) . وإذا ثبت التواطؤ بين ( ا ) و ( ب ) اعتبر التصرف غير نافذ في حق الدائن ، وكان لهذا أن ينفذ بحقه على المنزل ، ويرجع ( ب ) على ( ا ) بما اعطاه إلى ( ج ) أو يسفخ العقد فيزول التزامه نحو ( ج ) . ( والتصرف الثاني ) هو الصادر من ( ا ) إلى ( ج ) عن طريق الاشتراط ، فإذا كانت العلاقة بين ( ا ) و ( ج ) هي علاقة تبرع . فإن دائن ( ا ) يستطيع بالدعوى البوليصية أن يجعل هذه الهبة ومقدارها خمسمائة غير نافذة في حقه حتى لو كان ( ج ) حسن النية . أما إذا كانت العلاقة بين ( ا ) و ( ج ) هي علاقة معارضة ، فليس للدائن حق الطعن إلا إذا اثبت التواطؤ فيما بينهما .
( 4 ) ولما كان المنتفع لا يتلقى حقه من المشترط بل يكسبه مباشرة من عقد الاشتراط ، فيصبح دائناً للمتعهد ، فإنه يترتب على ذلك أن دائنى المتعهد ، وقد أصبح المنتفع واحداً منهم ، يشتركون مع المنتفع شركة غرماء في استيفاء حقوقهم من مال المتعهد ، ولهم أن يستعملوا حق مدينهم في التمسك قبل المنتفع بأي دفع من الدفوع الواردة على عقد الاشتراط ، ولهم أن يطعنوا في التزام ميدنهم نحو المنتفع بالدعوى البوليصية لأن هذه الدعوى تجوز في القانون الجديد في عمل يزيد به المدين من التزاماته ( م 237 جديد ) ( [26] ) .
أما النتائج التي تترتب على أن حق المنتفع المباشر مصدره العقد الذي تم ما بين المشترط والمتعهد فهي ما يأتي :
( 1 ) لما كان حق المنتفع مصدره عقد الاشتراط ، فهو يوجد منذ صدور هذا العقد ( [27] ) ، لا من وقت إعلان المنتفع لرغبته في الاستفادة من الاشتراط ويترتب على ذلك أنه إذا فقد المتعهد أهليته في الفترة ما بين صدور العقد وصدور رغبة المنتفع ، فلا يكون هذا مانعاً للمنتفع من أن يعلن عن رغبته . ويترتب على ذلك أيضاً أن المنتفع إذا رفض الاشتراط ، جاز الطعن في رفضه بالدعوى البوليصية ، لأنه يكسب الحق منذ صدور عقد الاشتراط ، فرفضه إياه بعد ذلك يعتبرإنقاصاً من حقوقه ( م 237 جديد ) .
( 2 ) لما كان حق المنتفع مصدره عقد الاشتراط ، فإن المتعهد يستطيع أن يتمسك قبل المنتفع بجميع الدفوع الجائزة في هذا العقد ، فله أن يطعن فيه بأي وجه من وجوه البطلان ، وله أن يتمسك بفسخه إذا تحقق ما يوجب الفسخ ( [28] ) . وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 154 من القانون المدني الجديد إذ تقول : ” ويكون لهذا المتعهد اني تمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد ” ( [29] ) .
( 3 ) لما كان حق المنتفع مصدره عقد الاشتراط الذي تم بين المشترط والمتعهد ، فلهذين المتعاقدين أن يكيفا هذا الحق طبقاً لما يتم عليه الاتفاق بينهما . ويترتب على ذلك أنه يجوز للمشترط أن يتفق مع المتعهد على أن يكون للمشترط وحده دون المنتفع حق المطالبة بتنفيذ التزام المتعهد نحو المنتفع ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك ( [30] ) . ويترتب علىذ لك أيضاً أنه يجوز للمتعاقدين – المشترط والمتعهد – أن يجعلا حق المنتفع غير قابل للنقض أو قابلا للنقض بعد الاتفاق مع المتعهد على ذلك . وهذا الشرط الأخير مفهوم ضمناً إذا ثبت أن للمتعهد مصلحة في الاشتراط ، فلا يجوز للمشترط في هذه الحالة أن يستقل بنقض حق المنتفع ، كما إذا تعهد أحد المتقايضين بأن يدفع المستحق عليه من فرق البدل في نصيب المتقايض الآخر من دين على اطيان هو شريك له فيها على الشيوع ( [31] ) .
382 – علاقة المتعهد بالمنتفع ( تتمة ) – جواز نقص حق المنتفع : وحق المنتفع المباشر الذي يكسبه من عقد الاشتراط قابل للنقض إلى أن يصدر منه إقرار لهذا الحق . وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الأولى من المادة 155 من القانون المدني الجديد إذ تقول : ” يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته أو ينقض المشارطة قبل اني علن المنتفع إلى المتعهد أو إلى المشترط رغبته في الاستفادة منها ، ما لم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد ” .
والذي يثبت له حق النقض هو المشترط ، إلا إذا نزل عن هذا الحق . وقد يكون حق النقض مخالفاً لما يقتضيه العقد فلا يقوم ، كما إذا كان حق المنتفع هبة من المشترط لا يجوز فيها الرجوع ( [32] ) . وقد يشترط المتعهد أن المشترط لا يستعمل حق النقض إلا بموافقته إذا كانت له مصلحة في تنفيذ الالتزام للمنتفع ، وقد سبق بيان ذلك . بل قد يشترط المتعهد أن يكون له هو أيضاً حق النقض بشرط أن يحل محل المنتفع المشترط أو منتفعاً آخر حتى لا يتحلل من التزامه بمحض إرادته ( [33] ) . وحق النقض حق شخصي يرجع لاعتبارات خاصة بالمشترط أو بمن يملك هذا الحق معه ، لذلك لا يجوز للدائنين استعماله باسم المدين ، ولا ينتقل إلى الورثة . فإذا مات المشترط دون أن ينقض الحق ، فليس للورثة حق النقض ولو لم يصدر إقرار المنتفع ، وإلا لاندفعت الورثة بعامل مصلحتهم إلى نقض حق لم ينقضه مورثهم .
ويوجه المشترط النقض إلى المنتفع أو إلى المتعهد ، ولكن يجب إعلان المتعهد دائماً بالنقض حتى يمتنع عن تنفيذ التزامه نحو المنتفع ( [34] ) . وليس للنقض شكل مخصوص ، وكما يقع صريحاً يصح أن يكون ضمنياً ( [35] ) .
وإذا نقض المشترط حق المنتفع ولم يعين منتفعاً آخر ولم يبرئ ذمة المتعهد فإن الحق ينصرف إليه هو ، ويعتبر أنه ثابت له من وقت العقد لا من وقت النقض ، وقد ثبت له بموجب العقد ولم ينتقل إليه من المنتفع ، ولذلك ينقلب الاشتراط لمصلحة اليغر إلى عقد عادي لا ينصرف أثره إلا إلى المتعاقدين . ويجوز للمشترط عند النقض أن يعين منتفعاً آخر يحل محل المنتفع الأول ، ويثبت له الحق من وقت العقد كذكل ولا يتلقاه من المنتفع الأول . وإلى هذا تشير الفقرة الثانية من المادة 155 إذ تقول : ” ولا يترتب على نقض المشارطة أن تبرأ ذمة المتعهد قبل المشترط ، إلا إذا اتفق صراحة أو ضمنا على خلاف ذلك وللمشترط إخلال منتفع آخر محل المنتفع الأول ، كما له أن يستأثر لنفسه بالانتفاع من المشارطة ” . وإذا نقض المشترط حق المنتفع وأضافه إلى نفسه ، فإنه يجوز له أن يعدل عن ذلك ويعين منتفعاً آخر ، سواء كان هو المنتفع الأول أو غيره ، ويعتبر حق أي من هؤلاء ثابتاً من وقت العقد دائماً ، ويعود العقد كما كان اشتراطاً لمصلحة الغير ( [36] ) .
383 – علاقة المتعهد بالمنتفع ( خاتمة ) – وجوب إقرار المنتفع لحقه : ولا ينطقع حق النقض إلا إذا صدر إقرار المنتفع ( [37] ) . فإقرار المنتفع إذن هو تثبيت لحقه ، وليس قبولا لإيجاب معروض عليه من المتعهد أو من المشترط كما بينا . ولا بد من صدور إقرار من المنتفع كي لا يثبت له حق بدون رضاه . فإذا صدر الإقرار تثبت الحق ، واعتبر موجوداً من وقت العقد لا من وقت الإقرار كما أسلفنا الإشارة .
ويستطيع المنتفع أن يصدر إقراره في أي وقت شاء ما دام المشترط لم ينقض الحق ( [38] ) . ولا يسقط حقه في إصدار الإقرار إلا بالتقادم . والذي يسقط بالتقادم هنا هو حق المنتفع الذي لم يثبت بالإقرار ولم يستعمل في خلال مدة التقادم .
والإقرار قد يكون صريحاً أو ضمنياً ، ولا يشترط له شكل مخصوص حتى لو تلقى المنتفع الحق تبرعاً ، فإن التبرع هنا ليس هبة مباشرة تستلزم الشكل ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . ويعلن المنتفع إقراره للمتعهد أو للمشترط ، ولكن لا بد من إعلان المتعهد بالإقرار حتى يسري في حقه . والإقرار كالنقض تصرف قانونين ينعقد بارادة منفردة .
فإذا صدر الإقرار وصار الحق غير قابل للنقض ، كان المدين بهذا الحق هو المتعهد أو ورثته . فإذا استحال التنفيذ جازت المطالبة بالتعويض . ولكن لا يجوز للمنتفع أن يطلب فسخ العقد ، لأنه ليس طرفاً فيه . والذي تجوز له المطالبة بالفسخ هو المشترط كما قدمنا ( [39] ) .
وقد يرفض المنتفع ، صراحة أو ضمناً ، الحق الذي اشترط لمصلحته . وفي هذه الحالة ينصرف الحق إلى المشترط أو إلى ورثته من وقت العقد لا من وقت الرفض . والرفض ، كالنقض والإقرار ، تصرف قانونين ينعقد بارادة منفردة . ويجوز لدائني المنتفع الطعن فيه بالدعوى البوليصية إذا توافرت شروطها كما قدمنا . وغنى عن البيان أن المشترط يجوز له ، عند رفض المنتفع ، أن يعين منتفعاً آخر يحل محل المنتفع الذي رفض ، ويثبت حق هذا المنتفع الآخر من وقت العقد لا من وقت تعيينه .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 210 من المشروع التمهيدي على وجه لا يختلف عما هو إلا في بعض تعبيرات لفظية . وقد أقرته لجنة المارجعة ، بعد تعديلات لفظية ، تحت رقم المادة 158 في المشروع النهائي . وأقره مجلس النواب . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ أضيفت عبارة ” بتنفيذ الالتزام ” بعد لفظ ” المتعهد ” في الفقرة الثانية لإزالة الشبهة التي قامت حول كلمة ” المتعهد ” وجواز انصرافها إلى كل من العاقدين ، وأدخلت بعض تعديلات لفظية أخرى حتى أصبح النص مطابقاً لنص القانون الجديد . وأقرت اللجنة النص تحت رقم المادة 154 . ووافق عليه مجلس الشيوخ كما عدلته لجنته . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 309 – ص 313 ) .
( [2] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 211 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق . وقد أقرته لجنة المراجعة تحت رقم المادة 159 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ قيل في تفسير عبارة ” ما لم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد ” إن نقض الاشتراط يكون مخالفاً لما يقتضيه العقد إذا كانت العلاقة ما بين المشترط والمنتفع تقوم مثلا على هبة من الأول للثاني ، وتكون هبة لا يجوز الرجوع فيها . وأقرت اللجنة النص تحت رقم المادة 155 . ووافق على النص مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 313 – ص 315 ) .
( [3] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 212 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” يجوز في الاشتراط لمصلحة الغير أن يكون المنتفع شخصاً مستقبلاً ، كما يجوز أن يكون شخصاً لم يعين وقت العقد ما دام تعيينه مستطاعا وقت أن ينتج العقد اثر ، وأقرت لجنة المراجعة النص ، مع استبدال عبارة ” متى كان ” بعبارة ” ما دام ” ، تحت رقم المادة : 16 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على النص . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ أضيفت عبارة ” أو جهة مستقبلة ” بعد عبارة ” شخصا مستقبلا ” لأن الاشتراط يجوز أن يكون لمصلحة جهة تنشأ فيما بعد ، وعدل النص تعديلا لفظياً يناسب هذه الإضافة . وأقرت اللجنة النص تحت رقم المادة 156 . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما عدلته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 315 – ص 319 ) .
( [4] ) أنظر في انعقاد الغموض والاضطراب في هذا النص ، وفي الحيرة بين أن يكون نصا في الفضالة أو في التعهد عن الغير أو في الاشتراط لمصلحة الغير نظرية العقد للمؤلف فقرة 778 .
( [5] ) وإلى هذا تشير المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي عندما تقول في هذا الصدد : ” . . . أصبح اليوم الاشتراط لمصلحة الغير قاعدة عامة بعد أن كان استثناء لا يعمل به إلا في حالات بخصوصها . ولهذه العلة استبدل المشروع بالمادة الغامضة الوحيدة التي تضمنها التقنين الحالي نصوصاً جلية مفصلة حددت في وضوع شروط الاشتراط لمصلحة الغير وأثاره ، فأوجبت أن يكون للمشترط مصلحة شخصية ، أو أدبية ، في تنفيذ الالتزام المشترط لمصلحة الغير . واباحت له أن ينقض الاشتراط أو يستبدل بالمنتفع شخصاً آخر ، بل واباحت له أن يستاثر لنفسه ولورثته بمنفعة المشارطة ما دام الغير لم يعلن رغبته في الاستفادة منها . ويتلقى المنتفع بمقتضى الاشتراط حقاً مباشراً مصدره العقد ذاته ، وفي هذه الناحية تتجلى الفكرة الأساسية في فقه هذا الوضع بأسره ، فإن الغير يكسب حقاً بناء على عقد لم يكن طرفاً فيه . ويجوز للمنتفع أو المشترط أن يطالب بقضاء هذا الحق ، لأن لكل منهما مصلحة في ذلك . وأخيراً نص على جواز الاشتراط لمصلحة شخص مستقبل أو شخص غير معين وقت العقد ، ويعتبر ذلك قصارى ما وصل إليه تطور هذا النظام ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 269 ) .
( [6] ) أنظر في هذه المسألة نظرية العقد للمؤلف فقرة 802 .
( [7] ) أنظر في هذه المسألة نظرية العقد للمؤلف فقرة 802 .
( [8] ) أنظر في هذه المسألة نظرية العقد للمؤلف فقرة 801 – وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ومع ذلك فلم يكن من الهين إدراك فكرة انصراف منفعة العقد إلى غير عاقدية باعتبارها صورة من صور الأوضاع القانونية مع ما هو ملحوظ من بساطتها . فالتقنين الفرنسي ذاته ، واغلب التقنينات اللاتينية من بعده ، قد جعلت منها جميعاً مجرد استثناء لا يطبق إلا في حالتين . ولم يسم هذا الاستثناء إلى مرتبة الأصل ، ويبسط نطاقه على سائر الحالات ، إلا في خلال القرن التاسع عشر ، وعلى وجه الخصوص على اثر ما أصاب عقد التأمين من نمو وذيوع . وقد بلغ التوسع في تطبيق هذا الأصل شأوا بعيداً ، وانتهى الأمر إلى إباحة الاشتراط إذا كان المنتفع شخصاً مستقبلا أو شخصاً لم يعين وقت التعاقد ما دام تعيينه مستطاعا عندما ينتج هذا التعاقد أثره كما هو الشأن في التأمين لمصلحة من ولد ومن يولد من ذرية المؤمن . وقد نقل المشروع قواعد الاشتراط لمصلحة الغير في صورتها التي انتهت إليها في آخر مرحلة من مراحل تطورها ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 316 – ص 317 ) .
( [9] ) استئناف مختلط في 2 مارس سنة 1916 م 18 ص 184 – وفي 18 يناير سنة 1919 م 31 ص 127 – وقضت محكمة النقض بأنه إذا تعهد أحد المتبادلين في أطيان بأن يدفع بعض المستحق عليه من فرق البدل في نصيب المتبادل الآخر من دين على أطيان أخرى هو شريك له فيها على الشيوع ، فهذا التعهد هو من قبيل الاشتراطات لمصلحة الغير ، لا يصح فيه للتبادل الآخر أن يطلب دفع المبلغ إليه ، بل له فقط أن يطالب المتعهد بتنفيذ تعهده ( نقض مدني في 27 مارس سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 109 ص 337 ) .
( [10] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن اشتراط البائع على المشتري أن يدفع الدين إلى الدائن المرتهن لا يعتبر اشتراطاً لمصلحة الدائن إلا إذا تدخل الدائن في عقد البيع وقبل الاشتراط لمصلحته ( 8 يونية سنة 1935 م 47 ص 363 ) . ونرى أنه ليس من الضروري تدخل الدائن في عقد البيع ذاته ، ويكفي أن يصدر منه قبول ولو مستقلا عن البيع ، وبهذا تقضي القواعد المقررة في قبول المنتفع . ولكن إذا رفض الدائن قبول الاشتراط ، زال حقه الشخصي قبل المشتري . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في هذا المعنى بأنه إذا قبل المشتري أن يدفع الدين المضمون بالرهن على العقار المبيع ، فإن هذا يعتبر اشتراطاً لمصلحة الغير ، ويكون للدائن المرتهن حق مباشر قبل المشتري ، ولكن إذا استمر الدائن المرتهن في إجراءات التفنيذ على العقار المرهون التي كان بدأها قبل البيع ، فإنه لا يستطيع الرجوع بدعوى شخصية على المشتري لأن هذا لم يقبل الاشتراط لمصلحة الغير إلا على أساس أن الدائن المرتهن لا ينزع ملكية العقار ( 4 يناير سنة 1934 م 46 ص 114 ) .
( [11] ) أول ابريل سنة 1897 م ) ص 255 – ويلاحظ أنه كان من المقرر في القانون القديم أن الشفيع لا يصح نزوله عن حقه في الأخذ بالشفعة إلا بعد قيام هذا الحق ببيع العقار المشفوع فيه . فكان من المستطاع مداورة هذا الحظر عن طريق تصوير الشفيع متعهداً بالامتناع عن عمل هو المطالبة بالشفعة في اشتراط لمصلحة المشتري . أما في القانون الجديد فيجوز أن ينزل الشفيع عن حقه في الأخذ بالشفعة ولو قبل البيع ( م 948 جديد ) .
( [12] ) أنظر في تطبيق قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير على الأوراق التجارية نظرية العقد للمؤلف فقرة 795 .
( [13] ) قارن استئناف مختلط في 13 يناير سنة 1927 م 39 ص 167 .
( [14] ) أما إذا أمن رب العمل على مسئوليته نحو العمال عما يحدث لهم من الضرر أثناء العمل ، وبوجه عام إذا امن شخص على مسئوليته عن الحوادث ، كحوادث السيارات وحوادث النقل ونحو ذلك ، فإن المؤمن له لا يكون مشترطاً لمصلحة اليغر بل لمصلحته هو . ولا يكسب من يكون دائناً في هذه المسئولية حقاً مباشراً قبل شركة التأمين ، وإن كان يستطيع أن يستعمل دعوى مدينه المؤمن له قبل شركة التأمين ولكن يتعرض في هذه الحالة المزاحمة دائني المؤمن له ( استئناف مختلط في 27 مارس سنة 1930 م 42 ص 389 – وانظر عكس ذلك استئناف مختلط في 15 يونية سنة 1932 جريدة مصر القضائية ( L’Egypte Judiciaire ) السنة الأولى العدد العاشر ص 10 – وانظر في رجوع شركة التأمين بما دفعته من تعويض للمؤمن له رجوعاً مباشراً على المسئول عن الحريق في حالة التأمين من الحريق المادة 771 من القانون المدني الجديد ) .
( [16] ) استئناف مختلط في 4 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 71 .
( [17] ) استئناف مختلط في 20 ديسمبر سنة 1894 م 7 ص 46 – وفي 25 يناير سنة 1923 م 25 ص 165 – قارن استئناف مختلط في 13 مايو سنة 1890 م 2 ص 412 .
( [18] ) ومن تطبيقات الاشتراط لمصلحة الغير الاكتتابات العامة ، فإذا فتحت جريدة أو مجلة اكتتاباً لعمل خيري أو عمل عام ، أمكن القول إن المكتتب تعاقد مع من نظم الاكتتاب مشترطاً لمصلحة الغير ( والتون 2 ص 58 – ص 59 ) . وقضت محكمة مصر الكلية الوطنية في 18 ابريل سنة 1938 ( المحاماة 18 رقم 465 ص 1066 ) بان قول الوارث الآخر إن المورث لم يقصد بإيداع أموال لبعض الورثة أن يهبهم إياه ، بل أراد إما التحايل على نظام صناديق التوفير الذي لا يجير لأحد أن يكون له أكثر من دفتر واحد ولا أن تزيد وديعته على خمسمائة جنه ين وإما الوصية بتلك الأموال لمن أودعت باسمه ، قول لا يقبل ما لم يقم عليه دليل مقنع . ومجرد بقاء الدفاتر تحت يد المورث لا يكفي لاثباته ، بل الراجح الذي يؤيده العارف الجاري بين الاباء هو أن المورث أراد بالإيداع أن يكون المال من حق من أودع الودائع باسمه في الحال ، وقد يكون له بواسطة بقاء الدفتر عنده الإشراف الفعلي فقط على تصرف هذا الوارث . على أنه حتى إذا كان المورث قد أراد إلا يؤول المال المودع إلى الوارث المذكور إلا بعد وفاته ، فإن هذا لا يجعل التصرف وصية ما دام الإيداع قد حصل باسم الوارث ، لأنه طبقاً لقواعد الاشتراط لمصلحة الغير يرجع حق المنتفع دائماً إلى يوم العقد نفسه ولو كانت المنفعة لا تؤول إليه فعلا إلا بعد وفاة المشترط كما في حال التأمين على الحياة .
ويلاحظ أن الحكم في فرصة الأخير يكيف العقد بأنه وديعة اشترط المودع فيها أن يسلم المودع عنده المال بعد وفاة المودع لشخص بالذات وهبه المودع هذا المال حال حياته .
( [19] ) قارن نظرية العقد للمؤلف ص 908 هامش رقم 1 .
( [20] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا جعل شخص من شخص آخر مستحقاً لقيمة التأمين الذي تعاقد عليه مع شركة تأمين ، فهذا اشتراط لمصلحة الغير اشترطه المؤمن له على الشركة لمصلحة المستحق لا يرتب حقاً للمستحق قبل المشترط أو ورثته من بعده بسبب إلغاء بوليصة التأمين لامتناع المشترط عن دفع اقساطه ، إلا إذا كان الاشتراط قد حصل مقابل حق للمستحق على المشترط . وليس هو حوالة من المشترط للمستحق تفيد بذاتها مديونية المشترط له بمقابل قيمتها ( نقض مدني في ) يناير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 135 ص 296 ) .
( [21] ) ومتى تحددت قيمة التبرع على النحو المتقدم ، فهذه هي القيمة التي تعتبر عند تطبيق الأحكام الموضوعية للهبة في العلاقة ما بين المشترط والمنتفع . فلو طعن دائن المشترط بالدعوى البوليصية في عقد التأمين الصادر من مدينه وتوافرت شروطها ، فإن الدائن لا ينفذ بحقه إلا بمقدار أقساط التأمين ( استئناف مختلط 27 ديسمبر سنة 1916 جازيت 7 رقم 136 ص 48 – أنظر أيضاً في حق الورثة في الرجوع بأقساط التأمين على المنتفع باعتبارها وصية لا تنفذ في حقهم ( استئناف مختلط 18 يناير سنة 1 917 م 29 ص 163 ) . وإذا أراد المؤمن له الرجوع في الهبة فإنه يرجع على المنتفع بمقدار الاقساط التي دفعها لشركة التأمين ، وهذا بخلاف ما إذا كان المشترط قد نقض حق المنتفع فإنه يسترد الحق في مبلغ التأمين لا في الاقساط وحدها .
( [22] ) رأينا المادة 152 من هذا القانون تصرح بان العقد لا يرتب التزاماً في ذمة الغير ” ولكن يجوز أن يكسبه حقاً ” .
والذي تقرره هنا من أن عقد الاشتراط هو الذي أنشأ حق المنتفع هو ما سبق أن قررناه في كتابنا ” نظرية العقد ” ص 911 ، وقرره بعد ذلك الدكتور حلمي بهجت بدوي بك في عبارات لا تخرج عن هذا المعنى ، إذ يقول : ” ما الذي يحول في القواعد العامة دون اجتماع إرادة شخصين على أن ينشأ لثالث حق مباشر قبل أحدهما ؟ اللهم لا حائل يحول دون ذلك ، لا من القواعد التي ننتهي إليها من تحليل الإرادة ولا من قواعد النظام العام ” . ( أصول الالتزامات ص 354 – ص 355 ) . ويبدو أن الدكتور حلمي بهجت بدوي لم ينتبه للرأي الذي قلنا به ، فهو عندما عرض للنظريات التقليدية في هذا المضووع حشريا بين فقهائها ( أنظر أصول الالتزامات فقرة 245 ص 352 هامش رقم 1 ) ، ومضى بعد ذلك يقرر ما سبق لنا أن قررناه .
ونحن لم نقتصر على إدخال قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير في حظيرة القواعد العامة ، بل نبهنا إلى أن قاعدة التعهد عن الغير هي الأخرى في حاجة إلى إمعان في النظر . ولم نر ما يمنع في المنطق القانونين من أن تقوم قاعدة التعهد عن الغير على غرار قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير ، تلزم الغير بعقد التعهد ذاته لا بعقد جديد . وفسرنا قصور قاعدة التعهد عن الغير في الوصول إلى هذه المرحلة من التطور بأن الضرورات العملية لم تقتض بعد ، كما اقتضت في قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير ، جواز أن يلتزم الغير من عقد لم يشترط فيه ، ولو اقتضت هذا لما حال المنطق القانونين دون ذلك .
وهذا ما سبق لنا أن قلناه في هذا الصدد : ” ويمكن القول بوجه عام أن القانون الحديث ، بعد تدرج في التطور ، أصبح يعترف بأن المتعاقدين يستطيعان بارادتهما أن يشترطا حقا للغير . ولكنه وقف عند ذلك ، فلم يعترف حتى اليوم بأن المتعاقدين يستطيعان بإرادتهما كذلك أن ينشئاً التزاما في ذمة الغير ، ولم يجر هذا التطور إلا تحت ضغط الضرورات العملية ، فهي التي اقتضت جواز أن يستفيد الغير حقا من عقد لم يكن طرفا فيه ، ولعلها لم قتض بعد جواز أن يلتزم الغير من عقد لم يشترك فيه ، ولو اقتضت هذا لما حال المنطق القانوني دون ذلك ” . ( نظرية العقد ص 863 – ص 864 ) .
ثم قلنا في الحاشية : ” والواقع من الأمر أن القاعدة التي تقضي بأن العقد لا ينصرف أثره إلى الغير قاعدة عتيقة باليه ، ورثناها عن القانون الروماني ، ونحن نستبقيها الآن اسماً لا فعلاً ، وإلا فنحن نخرج عليها كلما اقتضى تقدم المعاملات ذلك وكثيراً ما يقتضيه . . . وليس في المنطق القانونين ما يمنع من أن يشخصين يتفقان على إنشاء حق لشخص ثالث أو توليد التزام في ذمته . وليس هذا معناه أن هذا الشخص الثالث يصبح صاحب الحق أو المدين بالالتزام ولو لم يرض ذلك ، فقبوله ضروري في الحالتين حتى لا يكون دائناً أو مديناً بالرغم من إرادته ، ولكنه إذا قبل يعتبر الحق الذي كسبه أو الالتزام الذي تعلق في ذمته قد نشأ من نفس العقد الذي لم يكن طرفاً فيه . . ولا فرق بين الاشتراط لمصلحة الغير والتعهد عن الغير في ذلك . ولا يجوز أن يقال إن الاشتراط لمصلحة الغير ينشيء حقاً أما التعهد عن الغير فيولد التزاماً ، وأنه إذا صح أن الغير بكسب حقاً من عقد لم يكن طرفاً فيه ، فلا يصح أن يتعلق في ذمته التزام من عقد لم يصدر منه قبول به . ذلك لأن قبول الغير ضروري في الحالتين كما قدمنا . ففي الاشتراط لمصلحة الغير لا بد من قبول المنتفع كما سيرى . كذلك في العهد عن الغير لا بد من اشتراط قبول الغير ، فإذا صدر هذا القبول فما الذي يمنع ، من حيث المنطق القانونين ، من اعتبار الالتزام الذي نشأ في ذمة الغير ، وقد قبله التزاما في ذمته ، متوالداً من العقد الذي لم يكن طرفاً فيه ، كما هو الأمر في الاشتراط لمصلحة الغير ؟ ” ( نظرية العقد ص 864 هامش رقم 1 , 2 – أنظر أيضاً ص 871 هامش رقم 2 ) – هذا ولم يرض القانون المدني الجديد أن يسبق الزمن ، فأبقى قاعدة التعهد عن الغير عند مرحلتها القاصرة ، وسجل لقاعدة الاشتراط لمصلحة الغير تطورها الأخير ، وقال في المادة 152 : ” لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير ، ولكن يجوز أن يكسبه حقاً ” .
( [23] ) أنظر ورمز ( Worms ) رسالة من باريس سنة 1891 ص 114 – بودري وبارد 1 فقرة 161 – كولان وكابيتان 2 ص 328 – جوسران 2 فقرة 304 .
( [24] ) وإلى هذا تشير المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي إذ تقول : ” ينطوي الاشتراط لمصلحة الغير على خروج حقيقي على قاعدة اقتصار منافع العقود على المتاعقدين دون غيرهم . فالمتعهد يلتزم قبل المشترط لمصلحة المنتفع ، فيكسب الأخير بذلك حقاً مباشراً ولو أنه ليس طرفاً في التعاقد ، وبهذه المثابة يكون التعاقد ذاته مصدراً لهذا الحق . ولهذا التصوير على بساطته ووضوحه فضل الكشف عن وجه هذا النظام وإبراز مشخصاته من حيث شذوذه عن حكم القواعد العامة ، وهو فضلا عن ذلك يقبل من عناء استظهار سائر وجوه التفسير والتخريج التي جهد الفقه التقليدي في التماسها وتفصيل جزئياتها ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 316 ) .
( [25] ) هيك 8 فقرة 51 – بودري وبارد 1 فقرة 204 – بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 362 – ديموج 7 فقرة 813 مكررة – والتون 2 ص 61 – ص 62 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 816 – الدكتور حلمي بهجت بدوي بك فقرة 244 – الدكتور حشمت أبو ستيت بك فقرة 328 – نقض فرنسي في 22 يونية سنة 1891 سيريه 92 – 1 – 177 – وفي ) مارس سنة 1896 داللوز 96 – 1 – 391 – وفي 29 يونية سنة 1896 سيريه 96 – 1 – 361 – محكمة المنيا الكلية في 30 سبتمبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 132 ص 460 – محكمة طنطا الكلية في 23 ابريل سنة 1931 المحاماة 12 رقم 83 ص 140 – استئناف مختلط في 11 فبراير سنة 1900 م 12 ص 111 – وفي 28 نوفمبر سنة 1904 م 14 ص 27 – وفي 7 ابريل سنة 1910 م 22 ص 249 – وفي 18 يناير سنة 1917 م 29 ص 163 – وفي 13 فبراير سنة 1927 م 39 ص 167 – قارن استئناف مختلط في أول مايو سنة 1924 م 36 ص 348 – وفي 2 يناير سنة 1930 م 42 ص 142 .
( [26] ) ومما يترتب أيضاً من النتائج على أن المتعهد أصبح مديناً للمنتفع لا للمشترط أن المتعهد لا يستطيع أن يتمسك بالمقاصة بين حق له على المشترط والتزامه نحو المنتفع ( استئناف مختلط في ) يونية سنة 1927 م 39 ص 536 ) . ويترتب أيضاً على ذلك أن المتعهد لا يستطيع عند رجوع المنتفع عليه أن يطلب تجريد المشترط ( استئناف مختلط في 17 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 71 ) .
( [27] ) استئناف مختلط في 18 يناير سنة 1917 م 29 ص 163 .
( [28] ) أنظر في الفرق ما بين الاشتراط لمصلحة الغير والانابة في الوفاء نظرية العقد للمؤلف ص 916 هامش رقم 1 .
( [29] ) وإذا كان العقد ما بين المشترط والمتعهد عقداً صورياً ، جاز في نظرنا للمتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالصورية حتى لو كان المنتفع حسن النية لا يعلم بصورية العقد . ذلك أن المنتفع لا يعتبر ” غيرا ” في هذه الصورية حتى يستطيع التمسك بالعقد الظاهر ، فهو قد استمد حقه من هذا العقد ، وشرط الغير في الصورية إلا يكون حقه الذي تراد حمياته من الصورية مستمداً من العقد الصوري ذاته . وقد سبقت الإشارة إلى هذه المسألة ، وسنعود إليها ببيان أو في عند الكلام في الصورية .
( [30] ) أنظر آنفاً فقرة 378 – وقد ضربنا مثلا لذلك أن تتعاقد الحكومة مع شركة احتكار مشترطة عليها شروطاً في مصلحة الجمهور ، ولكنها تحتفظ لنفسها ، دون أفراد الجمهور بحق إلزام الشركة بتنفيذ هذه الشروط ( أنظر في هذا المعنى استئناف مختلط في 3 يونية سنة 1896 م 8 ص 313 – وفي 17 مايو سنة 1905 م 17 ص 283 – والتون 2 ص 57 – ص 58 ) .
( [31] ) نقض مدني في 27 مارس سنة 1941 مجموعة عمر رقم 109 ص 337 – أنظر أيضاً استئناف مختلط في 17 يونية سنة 1930 م 42 ص 567 .
( [32] ) أنظر مناقشات لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ، وقد ذكر هذا المثل أمامها ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 315 ) .
( [33] ) استئناف مختلط في 17 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 71 – وفي 28 نوفمبر سنة 1918 م 31 ص 38 . أنظر أيضاً بلانيول وريبير وغسمان 1 فقرة 358 .
( [34] ) استئناف مختلط في 24 ابريل سنة 1904 م 16 ص 217 .
( [35] ) ومن قبل النقض الجزئي أن يرهن المؤمن له بوليصة التأمين لدائنه ، فلا يعود مبلغ التأمين إلى المنتفعين إلا بعد أن يستوفى الدائن حقه ( استئناف مختلط في 27 فبراير سنة 1902 م 14 ص 162 ) .
وقضت محكمة النقض بأنه إذا اتفق البائع والمشتري على أن يحتفظ المشتري ببعض الثمن تأميناً وضمانا لدين آخر على البائع ، فهذا الاتفاق يعتبر قانوناً اشترطاً لمصلحة الغير ، وحكمه أن للمشترط الحق في نقضه ما لم يعلن من حصل الشرط لمصلحته قبوله له . ولا يجب في نقض الاتفاق أن يكون بشكل مخصوص ، بل هو كما يقع صريحا يصح أن يكون ضمنياً ، ولا محل هنا لتطبيق المادة 141 من القانون المدني ( القديم ) لتمكين دائن البائع من استعمال حق مدينه والرجوع على المشتري ، فإن هذه المادة مجالها أن يكون حق المدين ( هنا البائع ) لا يزال باقياً في ذمة المتعهد ( هنا المشتري ) عند استعمال الدائن هذا الحق ، فإذا ما انقضى بالوفاء فلا يبقى للمدين بعد ذلك أي حق يصح للدائن أن يباشره اسمه ( نقض مدني في 11 يونية سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 171 ص 473 ) . ونلاحظ هنا أن دائن المشترط لا يجوز له أن يستعمل حق النقض باسم مدينه لما قدمناه من أن هذا الحق شخصي للمشترط ، وقد ورد نص القانون الجديد صريحاً في ذلك كما رأينا . فإذا امتنع على دائن البائع أن يستعمل حق النقض باسم مدينه ، فإن هذا يرجع الىش خصية حق النقض ، لا إلى أن الثمن لم يعد باقياً في ذمة المشتري كما ذهبت المحكمة .
( [36] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وللمشترط أن ينقض المشارطة قبل إقرار المنتفع لها إلا أن يكون ذلك منافياً لروح التعاقد . وله عند نقض المشارطة أن يعين منتفعاً آخر أرأب يستأثر لنفسه بمنفعتها ، ما لم تكن نية المتعقادين قد انصرفت صراحة أو ضمناً إلى أن الالغاء يترتب عليه أن تبرأ ذمة المتعهد قبل المشترط . ولما كان نقض المشارطة أمراً يرجع إلى تقدير المشترط ذاته ، فقد قصر استعمال هذه الرخصة عليه دون دائنيه أو ورثته . وإذا رفض المنتفع المشارطة نهائياً فيكون للمشترط عين الحقوق التي تقدمت الإشارة إليها في الفرض السابق ، والظاهر أنه يجوز له فوق ذلك أن يطلب فسخ العقد باعتبار أن المتعهد يستحيل عليه تفنيذ التزامه قبل المنتفع ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 317 ) .
( [37] ) وإذا صدر نقض من المشترط وإقرار من المنتفع قبل أن يعلم أحدهما بما فعل الآخر ، فالعبرة ليست بتاريخ صدور النقض والإقرار ، بل بتاريخ اعلانهما إلى المتعهد ، فمن أعلن المتعهد أولاً هو الذي يسري تصرفه ، ويعتبر حق المنتفع منقوضاً إذا سبق المشترط إلى إعلان النقض للمتعهد ، أو يعتبر قد تثبت غير قابل للنقض إذا سبق المنتفع إلى إعلان إقراره للمتعهد ( بلانيول وريبير وغسمان 1 فقرة 361 ) .
( [38] ) استئناف مختلط في 2 مارس سنة 1916 م 38 ص 184 – وفي 14 فبراير سنة 1918 م 30 ص 221 – وقضت محكمة النقض بأن المادة 137 من القانون المدني ( القديم ) نصت على أن من عقدت على ذمته مشارطة بدون توكيل منه فله الخيار بين قبولها ورفضها ، ولم يطلب القانون ممن حصل العقد على ذمته أن يظهر رغبته في قبولها في زمن معين ، وكل ما اقتضاه منه في حالة عدم القبول أن يعلن الرفض ، أما القبول فيكفي فيه السكوت ( نقض مدني في 17 ديسمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 رقم 18 ص 30 ) .
هذا ويجوز لكل من المشترط والمتعهد أن يحدد أجلا معقولا للمنتفع يختار فيه بين الإقرار والرفض ، فإذا انقضى الأجل عد رافضاً . وللقاضي الرقابة علىما إذا كان الأجل معقولا ( أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 317 ) .
( [39] ) وإلى هذا كله تشير المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي إذا تقول : ” وإذا صح عزم المنتفع على قبول الاشتراط ، فيجوز له أن يعلن المتعهد أن المشترط بإقراره ، ويراعى أن هذا الإقرار تصرف قانونين ينعقد بارادة منفردة . ولا يشترط له استيفاء شكل ما ، ولم يحدد المشرع أجلاً معيناً لصدوره ، ولكن يجوز إنذار المنتفع بالافصاح عما يعتزم في فترة معقولة . ويصبح حق المنتفع لازماً أي غير قابل للنقض بمجرد إعلان الإقرار . وهو حق مباشر مصدره العقد ، ويترتب على ذلك نتيجتان : الأولى أنه يجوز للمنتفع أن يطالب بتنفيذ الاشتراط ما لم يتفق على خلاف ذلك . ولما كان للمشترط مصلحة شخصية في هذا التنفيذ ، وهو يفترق عن الفضولي من هذا الوجه ، فيجوز له أيضاً أن يتولى المطالبة بنفسه إلا إذا قضى العقد بغير ذلك والثانية أنه يجوز للمتعهد أن يتمسك قبل المتنفع بالدفوع التي تتفرع عن العقد ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 317 ) .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن