الخلف العام
345 – النصوص القانونية : نصت المادة 145 من القانون الجديد على ما يأتي :
” يتصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام ، دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث ، ما لم يتبن من العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام ” ( [1] ) .
346 – انصراف اثر العقد إلى الخلف العام : ويتبين من النص المتقدم أن اثر العقد ينصرف إلى الخلف العام . ومعنى ذلك أن الحقوق التي ينشئها العقد تنتقل إلى الوارث بعد موت المورث المتعاقد . أن الالتزامات فيلاحظ في شأنها أن في الشريعة الإسلامية – وهي الشريعة التي تطبق في مصر في أكثر الأحوال في مسائل الميراث – مبدأ خاصاً يقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين . ومقتضى هذا المبدأ أن يبقى الالتزام في التركة ، دون أن ينتقل إلى ذمة الوارث ، حتى ينقضى . ومتى أصبحت التركة خالية من الديون انتقلت ملكيتها إلى الوارث . ومن ثم عنى القانون الجديد بتنظيم تصفية التركة ، فأورد نصوصاً هامة في هذا الشأن ( م 875 – 914 ) تنظم سداد ديون التركة ، وتكفل حقوق دائنيها ، وتحمي الغير الذي يتعامل مع الوارث .
ويترتب على انصراف اثر العقد إلى الخلف العام أنه يسري في حقه ما يسري في حق السلف بشأن هذا العقد ، فلا يشترط ثبوت تاريخ العقد حتى يكون هذا التاريخ حجة له وعليه ( [2] ) ، وفي الصورية يسري في حقه العقد الحقيقي دون العقد الصوري .
347 – متى لا ينصرف اثر العقد إلى الخلف العام مع بقائه خلفا . على أنه يستثنى من القاعدة المتقدمة أحوال اشير إليها في المادة 145 ، وفيها لا ينصرف اثر العقد إلى الخلف العام مع بقائه خلفاً ، وهي ثلاث :
( الحالة الأولى ) إذا اتفق المتعاقدان على ذلك لأن العقد شريعة المتعاقدين ، فإذا أرادا حقاً أن التزاماً نشأ من العقد يقتصر أثره على شخص المتعاقد ، فلا ينتقل إلى الوارث من بعده ، صح الشرط إذا لم يكن مخالفاً للنظام العام أو للآداب . فيجوز مثلا أن يتفق المتعاقدان في بيع على أن يمنح المشتري أجلاً لسداد الثمن دون أن ينتقل هذا الحق إلى ورثته ، فإذا مات المشتري وجب على الورثة دفع الثمن في الحال من التركة . كذلك يجوز الاتفاق على أن يكون للبائع الحق في استئجار العين المبيعة بأجرة معينة لمدة معينة ، على إلا ينتقل هذا الحق إلى ورثة البائع ( [3] ) .
( الحالة الثانية ) إذا كانت طبيعة الحق أو الالتزام الناشيء من العقد تأبى أن ينتقل من المتعاقد إلى خلفه العام . وقد يكون المانع من الانتقال قانونياً أو مادياً . فإذا حصل شخص على حق انتفاع بموجب عقد ، فإن هذا الحق لا ينتقل من بعده إلى ورثته ، لأن حق الانتفاع تقضي طبيعته القانونية بأن ينقضي بموت صاحبه . وإذا حصل شخص بمقتضى عقد على إيراد مرتب طول الحياة ، فهذا الإيراد لا ينتقل إلى ورثته ، لأن طبيعة الإيراد القانونية والمادية معاً تقضي بانتهائه بموت صاحب الإيراد . كذلك كل التزام نشأ من عقد ، ولوحظت فيه شخصية الملتزم أو صفة خاصة به ، ينقضي بموت الملتزم ولا ينتقل إلى الورثة نظراً لطبيعة الالتزام المادية ، كفنان أو جراح أو مهندس أو محام يلتزم بالعقد أن يقوم بعمل من أعمال مهنته ، فلا ينتقل التزامه هذا إلى ورثته ولو في التركة .
( الحالة الثالثة ) إذا كان هناك نص في القانون يقضي بألا ينصرف اثر العقد إلى الخلف العام . والقانون ينص على ذلك في مسائل يفهم من ظروفها أن المتعاقدين قد أرادا هذا ضمناً . من ذلك ما قضت به المادة 528 من أن الشركة تنقضي بموت أحد الشركاء ، وما قضت به المادة 602 من أن لايجار ينقضي بموت المستأجر إذا لم يعقد إلا بسبب حرفته أو لاعتبارات أخرى تتعلق بشخصه ، وما قضت به المادة 626 من أن المزارعة تنقضي بموت المزارع ، وما قضت به المادة 714 من أن الوكالة تنقضي بموت الموكل أو الوكيل .
348 – متى لا ينصرف اثر العقد إلى الخلف العام باعتباره من الغير : وهناك فرض ينظر فيه إلى الخلف العام باعتباره من الغير . وذلك أن القانون يعطي للوارث حقوقاً يتلقاها منه مباشرة لا بطريق الميراث عن سلفه ، ويقصد بها حماية الوارث من تصرفات مورثه الضارة به . ولذلك ويعتبر الوارث في هذه الفروض من الغير بالنسبة إلى هذه التصرفات . فالقانون يبيح للمورث التصرف في جميع أمواله حال حياته ، معاوضة أو تبرعاً ، حتى لو أضر هذا التصرف بالورثة ، وحتى لو تعمد المورث هذا الأضرار . أما إذا تصرف في ماله لما بعد الموت بطريق الوصية ، وهو تصرف لا يكلفه شيئاً في حياته ، فيتحكم بذلك في حظوظ ورثته تحكماً يأباه النظام العام ، فإن القانون – والمقصود به هنا الشريعة الإسلامية إذ هي التي تطبق في مصر غالباً في هذه المسألة – يتقدم لحماية الوارث ، ويقيد من تصرفات المورث ، فلا يبيح له أن يتصرف في ماله بطريق الوصية إلا بقدر الثلث . وكالوصية كل تصرف صدر في مرض الموت ويكون مقصوداً به التبرع ( م 916 جديد ) ( [4] ) .
ويترتب على ذلك أنه إذا باع المورث عينا وهو في مرض موته لوارث أو لغير وارث ، وكانت العين تزيد على ثلث التركة ، فإن البيع لا يسري في حق الورثة فيما يزيد على الثلث إلا إذا أجازوه ، ومن ثم لا يكون عقد البيع حجة عليهم إلا إذا كان ثابت التاريخ . فلو أن تاريخ العقد العرفي يرجع إلى عهد كان المورث فيه غير مريض ، لم يكن هذا التاريخ حجة عليهم ، ولهم أن يثبتوا بجميع طرق الإثبات أن هذا التاريخ قد قدم عمداً حتى لا يظهر أن العقد قدر صدر في مرض الموت . وقد نص القانون الجديد على ذلك صراحة في الفقرة الثانية من المادة 916 إذ يقول : ” وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانونى قد صدر من مورثهم وهو فى مرض الموت ، ولهم إثبات بجميع الطرق ، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتا ” ( [5] ) .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 205 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد ( فيما عدا تحويراً لفظياً ) ، وأقرته لجنة المراجعة بعد هذا التحوير اللفظي تحت رقم 149 فأصبح مطابقاً لنص القانون الجديد ثم أقره مجلس النواب ، فلجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تحت رقم 145 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 271 – ص 273 ) . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” لا تقتصر آثار العقد على المتعاقدين بذواتهم ، بل تجاوزهم إلى من يخلفهم خلافة عامة من طريق الميراث أو الوصية ما لم تكن العلاقة القانونية شخصية بحتة . ويستخلص ذلك من إرادة المتعاقدين ، صريحة كانت أو ضمنية ، أو من طبيعة العقد كما هو الشأن في شركات الأشخاص والايراد المرتب مدى الحياة ، أو من نص في القانون ، كما هي الحال في حق الانتفاع . وعلى ذلك ينتقل إلى الوارث ما يرتب العقد من حقوق والتزامات . أما الحقوق فيكون انتقالها كاملا . بيد أن حكم الالتزامات يقتضي تحفظاً خاصاً يتصل بأحكام الميراث . ذلك أن الوارث لا يلتزم بديون مورثه وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية إلا بقدر ما يؤول إليه من التركة . . . فليس ينبغي أن يعزل هذا النص عن النصوص التي تضمنها المشروع بشأن تصفية التركات ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 272 ) .
( [2] ) وسنرى أن هناك فروضاً يكون فيها الخلف العام من الغير ، فلا يكون العقد حجة عليه إلا إذا كان ثابت التاريخ .
( [3] ) ولكن لا يجوز أن يشترط البائع على المشتري أن ما يتبقى من أقساط الثمن بعد موت البائع يدفع إلى أحد الورثة دون الآخرين ، إلا في حدود الوصية .
( [4] ) وهذا بخلاف الدائن فإن القانون يحميه أكثر مما يحمي الوارث ، فلا يبيح للمدين أن يتصرف في ماله ولو معاوضة إذا قصد الأضرار بالدائن . وفرق ما بينهما أن الوارث يتلقى المال من غير عوض ، أما الدائن فيتلقاه بعوض .
( [5] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يعتبر الواث قائماً مقام المورث في صدد حجية التصرف الذي صدر منه لأحد الورثة إلا في حالة خلو هذا التصرف من محل طعن ، فإذا كان التصرف يمس حق وارث في التركة عن طريق الغش والتدليس والتحيل على مخالفة أحكام الإرث ، فلا يكون الوارث ممثلا للمورث بل يعتبر من الاغيار ، ويباح له الطعن في التصرف واثبات صحة طعنه بكافة الطرق ( نقض مدني في 15 ابريل سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 52 ص 150 ) .
ويلاحظ أن الورثة لا يكونون من الغير إلا إذا اثبتوا أن التصرف صادر في مرض الموت ، ولذلك كان عبء الإثبات عليهم في ذلك . وقبل هذا الإثبات يكون التاريخ العرفي للتصرف حجة عليهم لانهم لم يصبحوا بعد من الغير ، حتى إذا ما اثبتوا أن التصرف صدر في رمض الموت اصبحوا من الغير ، ولا يكون عندئذ حجة عليهم إلا التاريخ الثابت للتصرف – وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن التصرف في مرض الموت إما أن يكون بمحرر ذى تاريخ ثابت أو غير ثابت ، فإذا كان تاريخه ثابتاً فلا يصح الاحتجاج به على الوارث إلا من اليوم الذي اكتسب فيه هذا التاريخ الثابت بناء على أنه من الاغيار ، ولا عبرة في هذه الحالة بالتاريخ العرفي الذي يحمله المحرر طبقاً للمادة 288 مدني ( قديم ) . أما إذا كان تاريخه غير ثابت كان للوارث الحق في أن يثبت بكل الطرق القانونية أن هذا التاريخ صوري وأن التصرف واقع في مرض الموت . وظاهر أن هذا ترخيص يمنح للوارث المذكور في هذه الحالة لإثبات ما يدعيه لأنه أجنبي عن التصرف بحيث إذا لم يقم بإثباته كان التاريخ العرفي المعترف به من المورث حجة عليه ( 19 أكتوبر سنة 1947 المحاماة 31 رقم 133 ص 357 – أنظر أيضاً في هذا المعنى محكمة مصر الكلية الوطنية في 16 ابريل سنة 1930 المحاماة 11 رقم 378 ص 740 – استئناف مختلط في 8 مايو سنة 1890 م 2 ص 409 ) .