السبب في القانون المدني


السبب في القانون المدني

242 – السبب عنصر متميز عن الإرادة ولكنه متلازم معها : نعرف السبب تعريفاً أولياً بأنه هو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه . والفرق بينه وبين المحل – كما يقال عادة – هو أن المحل جواب من يسأل : بماذا التزم المدين ( Quid debetur ) ، أما السبب فجواب من يسال : لماذا التزم المدين ( Cur debetur ) ( [1] ) .

والسبب بهذا المعنى لا يكون عنصرا في كل التزام ، بل يقتصر على الالتزام العقدي إذا الالتزام غير العقدي لم يقم على إرادة الملتزم حتى يصح السؤال عن الغرض المباشر الذي قصد إليه الملتزم من وراء التزامه .

والسبب كعنصر في الالتزام العقدي دون غيره إنما يتصل أوثق الاتصال بالإرادة . والحق أن السبب ليس هو الإرادة ذاتها ، ولكنه هو الغرض المباشر الذي اتجهت إليه الإرادة . فهو ليس عنصراً من عناصر الإرادة يتوحد معها ، بل هو عنصر متميز عن الإرادة . ولكن لما كانت الإرادة البشرية لا يمكن أن تتحرك دون أن تتجه إلى سبب ، أي دون أن ترمي إلى غرض تهدف لتحقيقه ، لذلك كان السبب ، وإن تميز عن الإرادة ، متصلا بها أوثق الاتصال . فحيث توجد الإرادة يوجد السبب . ولا تتصور إرادة لا تتجه إلى سبب إلا إذا صدرت عن غير وعي ، كإرادة المجنون . ولكننا رأينا أن الإرادة لا يعتد بها إلا إذا صدرت عن وعي وتميز ، فالإرادة المعتبرة قانوناً لا بد لها من سبب .

ويمكن إذن أن نستخلص مما تقدم أن السبب ركن في العقد غير ركن الإرادة . ولكن الركنين متلازمان ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ( [2] ) .

243 – السبب والإرادة معنيان متلازمان ولسكن السبب والشكل معنيان متعارضان : وتاريخ نظرية السبب يقوم على الحقيقة الآتية : كلما زاد حظ الإرادة في تكوين العقد ، وضعف حظ الشكل ، زادت أهمية السبب . ذلك لأن الإرادة ، من حيث إنها تحدث آثاراً قانونية ، إذا انطلقت من قيود الشكل ، وجب أن تتقيد بالسبب . وعند ما كان الشكل وحده – دون الإرادة – هو الذي يكون العقد ، لم يكن للسبب من اثر . وبدا السبب في الظهور عندما بدأت الإرادة تتحرر متدرجة من قيود الشكل . وكلما زاد تحررها من هذه القيود زاد رطبها بقيود السبب ، إلى أن تم تحريرها ، فوجدت نظرية السبب كاملة تحل محل الشكل .

ونرى مما تقدم أنه حيث يتغلب الشكل يقل شأن السبب ، وحيث يضعف الشكل يقوى أمر السبب . هكذا كانت الحال في القانون الروماني : فقد بدأ هذا القانون شكلياً ، فلم يكن فيه إذ ذاك للسبب نصيب . ولما أخذ الشكل يتقلص وتظهر العقود الرضائية ، بدا السبب يظهر بظهور الإرادة ليكون قيداً لها بدلا من الشكل . وهكذا كانت الحال في القانون الفرنسي القديم : فإن السبب لم يكد يعرف فيه إلا عندما وصل رجال الكنيسة إلى تقرير الرضائية في العقود . فظهر السبب بعد أن كانت الشكلية تستره ، وبرز قوياً ليحوط الإرادة بقيود تحل محل قيود الشكل ، وهكذا هي الحال في القانون الحديث حيث الشكلية تكاد تنعدم ، فأينعت نظرية السبب وتطورت ، بل لعلها رجعت إلى أصلها قوية كما كانت في القانون الكنسي ، لولا أن العقد المجرد حل محل العقد الشكلي في الانتقاص من سلطان السبب .

244 – علاقة السبب بالمشروعية وبعيوب الإرادة : منذ تحررت الإرادة : منذ تحررت الإرادة من الشكل ، حاطها السبب بقيود على ما قدمنا . وبدأ ذلك يكون لحماية المجتمع عن طريق المشروعية وفي صورة السبب المشروع . فالإرادة حتى تنتج أثرها يجب أن تتجه إلى غرض مشروع لا يتعارض مع النظام العام ولا مع الآداب ، وذلك حماية للمجتمع ، ثم اتخذت نظرية السبب لها هدفاً آخر إلى جانب هذا الهدف الأول ، فصارت تحمى المتعاقد نفسه من هزله ونسيانه ومما قد يقع فيه من غلط أو تدليس أو إكراه . وهكذا بعد أن تحررت الإرادة من الشكلية أخذت تتحرر من العيوب عن طريق نظرية السبب . وبعد أن قامت نظرية السبب لحماية المجتمع ، أخذت تقوم لحماية المجتمع والمتعاقدين جميعاً .

ولعل أول صورة تمثلت لعيوب الإرادة انطبعت في نظرية السبب . ثم أخذت عيوب الإرادة تستقل عن السبب شيئاً فشيئاً ، وتكسب لها كياناً ذاتياً خارجاً عن منطقة السبب . فانفصل الإكراه ، ثم انفصل التدليس . وأصبح السبب الآن لا يختلط إلا بالغلط في منطقة مشتركة ، هي منطقة السبب المغلوط أو الغلط في السبب . وقد أتم القانون المدني الجديد هذا التطور ، ففصل بين الغلط والسبب فصلا تاماً . وأصبح السبب في هذه القانون مقصوراً على السبب المشروع . وهذه الدائرة المحدودة – دائرة السبب المشروع – هي الدائرة الأولى التي نشأ فيها السبب عندما بدا يظهر في القانون الكنسي ، وبذلك رجع السبب سيرته الأولى ، وعاد كما بدا .

245 – تطور العقد من عقد شكلي إلى عقد رضائي مسبب إلى عقد رضائي مجرد : وتاريخ نظرية السبب يهدينا إلى حقيقة أخرى . فيسقرئنا هذا التاريخ أن العقد بدأ عقداً شكلياً ( contrat formel ) حيث السبب لا اثر له كما قدمنا . ثم تطور إلى عقد رضائي ( contrat consensual ) حيث السبب له اكبر الأثر ثم تطور اخيراً إلى عقد مجرد ( contrat abstrait ) حيث انفصلت الإرادة عن سببها ولم يعد للسبب إلا اثر غير مباشر . وسنرى أن القانون المصري الجديد لم يماش هذا التطور إلى نهايته ، ولم يسر في ذلك على نهج القوانين الجرمانية ، بل حرص على أن يبقى في دائرة القوانين اللاتينية ، حيث لايزال العقد رضائياً ، وحيث تشغل نظرية السبب في العقد المكان البارز ، وحيث لا يوجد العقد المجرد إلا في دائرة محدودة ضيقة .

246 – خطة البحث في نظرية السبب : ونستعرض نظرية السبب في مبحثين ، نتعقب في المبحث الأول منهما كيف نشأت نظرية السبب وكيف تطورت ، ونبسط في المبحث الثاني نظرية السبب في القانون الحديث .

المبحث الأول

كيف نشأت نظرية السبب

247 – القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم : في هذين القانونين يجب أن نتعقب كيف نشأت نظرية السبب . ولعل نظرية قانونية لا يلقى عليها تاريخ تطورها من الضوء بمقدار ما يلقى التاريخ على نظرية السبب . وسنرى أن القانون الروماني ظل بمعزل عن هذه النظرية إلى مدى بعيد إذ غلبت فيه الشكلية . وقد نبتت النظرية ثم ترعرعت منذ تحررت الإرادة من الشكل في عهد القانون الكنسي كما قدمنا . وتطورت النظرية يعد ذلك تطوراً يغاير طبيعتها ، وانقلبت على يد دوما ( Domat ) ومن سبقه وتلاه من الفقهاء من نظرية نفسية إلى نظرية موضوعية . وبقيت كذلك عهوداً طويلة . وانتقلت على هذا النحو إلى القانون الفرنسي الحديث ، ضعيفة الأثر ، قليلة الجدوى . وسنشهد بعد ذلك كيف أن النظرية استردت جدتها في العهد الأخير ، ورجعت خصبة قوية منذ عادت نظرية نفسية .

المطلب الأول

نظرية السبب في القانون الروماني

1 – العهد القديم

248 – العقود كانت شكلية فلم يسكن للسبب فيها أي اثر : كانت العقود في العهد القديم للقانون الروماني شكلية . فكان العقد ينعقد بأوضاع وأشكال خاصة ، ولم يكن للإرادة أي تدخل في تكوينه . وكانت العقود الشكلية ثلاثة : عقد يتم بوزن صوري ( nexum ) ، ثم ظهر إلى جانبه العقد الكتابي ( litteris ) ويتم بكتابة على نحو خاص ، والعقد اللفظي ( verbis ) ويتم بألفاظ معينة . ولم تكن هذه العقود الشكلية عقوداً بالذات ، بل كانت قوالب تصب فيها العقود . فالبيع والإيجار والقرض والشركة وغير ذلك من العقود كانت توضع في شكل من هذه الأشكال الثلاثة حتى يتم انعقادها . وهذه الأشكال هي التي كان الرومان يدعونها ” السبب المدني ” ( causa civilis ) . فهي ليست سبباً للالتزام العقدي على النحو المعروف في القانون الحديث ، بل هي سبب لانعقاد العقد ، أو هي الشكل القانوني الذي يجعل العقد يتكون ( [3] ) . وهذا الشكل ضروري في انعقاد العقد ، وهو في الوقت ذاته كاف لانعقاده . فهو ضروري لأن العقد بدونه لا ينعقد . وهو كاف لأنه متى وجد انعقد العقد ، سواء قامت إرادة المتعاقدين إلى جانب الشكل أو لم تقم ، وسواء كانت الإرادة إذا قامت صحيحة أو معيبة ، وسواء اتجهت إلى غرض مشروع أو غرض غير مشروع . فالشكل وحده ، لا الإرادة ، هو الي يوجد العقد .

ومن ثم يتبين أن السبب في هذه العقود الشكلية لم يكن له أي اثر في تكوين العقد ، فسواء وجد أن لم يوجد ، وسواء كان مشروعاً أو غير مشروع ، فإنه لا شأن له بالعقد ، مثله في ذلك مثل الإرادة . ومتى توافر للعقد لشكله القانونين انعقد ، دون نظر إلى الإرادة ، ودون نظر إلى السبب .

249 – وكذلك طرق نقل الملكية كانت شكلية ولم يكن للسبب فيها أي اثر : وكما كانت العقود في العهد القديم شكلية مجردة عن السبب ، كذلك كانت طرق نقل الملكية . فلم تكن الملكية تنتقل بالعقد . بل كان العقد يتلوه وضع خاص هو الذي ينقل الملكية . وكانت هذه الأوضاع هي أيضاً ثلاثة : وضع يتم بأشكال عتيقة ( mancipatio ) ، ووضع يتم بدعوى صورية أمام القضاء ( in jure cession ) ، ووضع مادي يتم بالتسليم ( tradition ) وأي وضع من هذه الأوضاع متى تم تنتقل به الملكية ، دون نظر إلى السبب الذي انتقلت من اجله كبيع أو هبة أو شركة . فإذا باع شرخص من آخر شيئا ، وتم وضع من هذه الأوضاع الثلاثة ينقل به البائع ملكية المبيع إلى المشتري ، انتقلت الملكية ، دون نظر إلى ما إذا كان البيع قد تم أو لم يتم ، ودون نظ رالى ما إذا كان قد تم صحيحاً أو كان فيه عيب .

2 – العهد المدرسي

250 – اختفاء أكثر العقود الشكلية : تطور القانون الروماني بانتشار التجارة وتقدم طرق التعامل ، فاختفت أكثر العقود الشكلية . اختفى عقد الوزن الصوري ( nexum ) بزوال الفائدة التي كان يوليها ، وهي دعوى من دعاوى الرومان القديمة تمكن الدائن من السيطرة على جسم المدين ( manus injection ) . واختفى العقد الكتابي ( litteris ) باختفاء السجلات الخاصة التي كان هذا العقد يدون فيها ، وكان الرومان قبلا يحتفظون بها ، ثم اخذوا يهجرون هذه العادة شيئاً فشيئاً حتى انقرضت ، فانقرض بانقراضها العقد الكتابي .

ولم يبق من القيود الشكلية إلا العقد اللفظي ( verves, stipulation ) لسهولته النسبية وللحاجة إليه إذا حرص المتعاقدان على استبقاء مزايا العقد الشكلي .

251 – بدء ظهور السبب في العقد اللفظي : على أن العقد اللفظي مع بقائه شكلياً لم يخل مع تطور القانون الروماني من أن يتأثر بفكرة السبب . تأثر بها تأثراً غير مباشر في ناحيتين ، ثم تأثر بها تأثراً مباشراً في ناحية الثالثة .

فإذا كان العقد اللفظي سببه غير موجود أو غير مشروع ، فإن العلاج لم يكن بطلان العقد كما هو الأمر في القانون الحديث ، بل كان العقد يبقى صحيحاً ، ولكن المدين يعطي دعوى من دعاوى الاسترداد المعروفة في القانون الروماني ( condictiones sine causa ) يستطيع أن يسترد بها أما أعطاه دون سبب أو بسبب غير مشروع . وهذه الدعوى قد يلجأ إليها المدين كدعوى يرفعها على الدائن أو كدفع يدفع به دعوى الدائن . فهو إذا لجأ إليها كدفع يستطيع أن يتوقى مطالبة الدائن له بالتزام قام على سبب غير صحيح أو لسبب غير مشروع . وإذا لجأ إليها كدعوى يستطيع أن يسترد بها ما دفع للدائن وفاء لهذا الالتزام ، أو أن يتخلص من الالتزام ذاته إذا لم يكن قد وفى به . وسنرى عند الكلام في الإثراء بلا سبب الصور المختلفة الدعوى الاسترداد هذه ( [4] ) . ويلاحظ أن هذه الدعوى كانت من خلق القانون الروماني المدني ( Jus civil ) .

أما القانون البريطوري ( droit pretorien ) فقد جعل للمدين في الحالة المتقدمة دفعاً هو الدفع بالغش ( exception doli ) يستطيع به أن يتوقى مطالبة الدائن ، دون أن يستطيع مهاجمته للتخلص من التزامه أو لاسترداد ما دفع .

هاتان هما الناحيتان اللتان تأثر فيهما العقد اللفظي بفكرة السبب تأثراً غير مباشر . ونقول غير مباشر لأن فكرة السبب لم تعترض العقد عند تكوينه ولم تؤثر فيه تأثيرا مباشراً بأن تمنع نفاذه ، بل بقى العقد صحيحاً نافذاً . ولكن عند تنفيذه تظهر فكرة السبب ، فتوجب الاسترداد أو تمنع التنفيذ ، عن طريق الدعوى أو عن طريق الدفع .

على أن هناك ناحية ثالثة تأثر فيها العقد اللفظي بفكرة السبب تأثراً مباشراً كما أسلفنا القول . وقد كان ذلك في ناحية عقد القرض إذا كان واقعاً على مبلغ من النقود . فقد جرت العادة في القانون الروماني بان يتعهد المقترض برد القرض بعقد لفظي ، ثم بعقد مكتوب يكتب فيه الشرط اللفظي بدلا من التفوه به ، وذلك قبل أن يتسلم مبلغ القرض . فهو قد التزم قبل أن يتسلم شيئاً ، والتزامه صحيح ما دام دق استوفى الشكل المطلوب . فإذا أراد أن يستعين بدعوى الاسترداد . فعليه هو أن يثبت أنه لم يتسلم شيئاً حتى يلتزم برده ، ولا يكلف المقرض بإثبات السبب . وكان من وراء ذلك أن تعسف المقرضون بالمقترضين ، إذ كان هؤلاء يلتزمون مقدماً وقد لا يتسلمون شيئاً أو يتسلمون مبلغاً أقل من المذكور بالعقد ، ويقع عليهم مع ذلك عبء الإثبات إذا أرادوا التخلص من هذا الالتزام . فادخل قانون امبراطوري ( constitution imperiale تعديلا في هذه الأحكام يقضي بأنه إذا التزم المقترض ، واعترف كتابة أنه تسلم مبلغ القرض ، فله أن يقرر بطريق الدعوى أو بطريق الدفع أنه لم يتسلم في الواقع شيئاً ( querela non numeratea pecuniae ) ، وعلى المقرض إذا أراد استيفاء الالتزام أن يثبت أن المقترض قد تسلم القرض . ومعنى هذا أن الدائن في هذه الحالة مكلف أن يثبت وجود سبب للالتزام ، وإلا كان العقد غير نافذ . ومن هنا دخلت فكرة السبب في العقد اللفظي عن طريق مباشر ، فانعدام السبب يمنع نفاذ العقد ، ولا يقتصر على إباحة الاسترداد أو على التخلص من الالتزام بعد أن يصير العقد نافذاً ( [5] ) .

ويلاحظ أنه حتى عند ظهور هذا الأثر المباشر لفكرة السبب في العقد اللفظي ، فإن السبب لم يقم على أساس نفسي متصل بإرادة المتعاقدان بل قام على أساس موضوعي لا صلة له بهذه الإرادة . فهو قد قام على واقعة أن المقترض لم يتسلم القرض ، وأن العدالة تقضي في هذه الحالة إلا يلتزم بشيء نحو المقرض . فالسبب هنا كالسبب في الفرضين السابقين – دعوى الاسترداد والدفع بالغش – إنما قام على اعتبارات تتصل بالعدالة لا بالإرادة . وبقيت الشكلية في العقد اللفظي مانعة من ظهور السبب متصلا بالإرادة . ذلك أن الشكلية والإرادة في القانون الروماني ضدان لا يجتمعان ، وإذا طردت الشكلية الإرادة فإنها تطرد في الوقت ذاته السبب بمعناه النفسي وهو المعنى المتصل بالإرادة .

252 – ظهور السبب في العقود غير الشكلية : وقد ظهر إلى جانب العقود الشكلية في القانون الروماني عقود أخرى غير شكلية ، أهمها العقود العينية والعقود الرضائية والعقود غير المسماة وعقود التبرع . ولما كان أكثر هذه العقود تتدخل الإرادة في تكوينه ، فقد بدأت فكرة السبب تظهر بظهور الإرادة في تكوين العقد .

أما في العقود العينية – وهي القرض والعارية والوديعة والرهن – فإن الإرادة لم تكن ظاهرة ، وكان أساس الإلزام في هذه العقود هو تسليم العين إلى الملتزم ، فهو ملزم بردها لأنه تسلمها وإلا كان مثرياً دون سبب .

وعلى النقيض من ذلك العقود الرضائية – وهي البيع والإيجار والشركة والوكالة – فالإرادة فيها تتدخل في تكوين العقد ، بل هي وحدها كافية بتكوينه . ومن ثم ظهرت فكرة السبب في هذه العقود ظهوراً واضحاً . ففي عقد البيع التزام البائع سبب لالتزام المشتري ، بحيث إذا هلك المبيع قبل البيع فامتنع التزام البائع لانعدام المحل لم يقم التزام المشتري لانعدام السبب . ولكن فكرة السبب في عقد البيع كانت تقف عند هذا الحد ، فلا تجاوز مرحلة تكوين العقد إلى مرحلة تنفيذه ، ويظهر ذلك في امتناع الدفع بعدم التنفيذ وفي امتناع الفسخ وفي تبعة هلاك المبيع ، وكلها أمور ترجع إلى تنفيذ العقد وتتصل بفكرة السبب . فكان لا يجوز للمشتري أن يمتنع عن دفع الثمن حتى إذا امتنع البائع عن تسليم المبيع ، ولا يجوز للبائع أن يمتنع عن تسليم المبيع حتى لو امتنع المشتري عن دفع الثمن ، فالتزام كل المتعاقدين مستقل في تنفيذه عن التزام الآخر . ومن ثم امتنع الدفع بعدم التنفيذ . وإذا كان القانون الروماني جعل للمشتري فيما بعد دعوى الغش ليمتنع عن دفع الثمن حتى يتسلم المبيع ، وجعل للبائع الحق في حبس المبيع حتى يقبض الثمن ، فإن ذلك لم يكن أثراً لعقد البيع ذاته ، بل لاعتبارات ترجع للعدالة ، ولو كان البيع يوجد ارتباطاً بين التزامات كل من المتعاقدين لكان المنطق يقضي بأن تكون دعوى كل منهما ناشئة من عقد البيع ( action ex empto ) ( [6] ) . كذلك لم يكن لأحد من المتعاقدين فسخ البيع إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه ، بل يبقى البيع ، ويطالب بتنفيذ الالتزام الذي لم ينفذ ، حتى لو كان المتعاقد المطالب بالتنفيذ لم يقم من جانبه بتنفيذ التزامه ، لأن التزام كل من المتعاقدين مستقل في تنفيذه عن التزام الآخر كما قدمنا . وإذا هلك المبيع بعد البيع وقبل التسليم ، كانت تبعة الهلاك على المشتري لا على البائع . وفي هذا إمعان في تأكيد الاستقلال ما بين التزام البائع والتزام المشتري عند التنفيذ . ذلك أنه إذا استحال على البائع لهلاك المبيع تنفيذ التزامه ، بقى المشتري مع ذلك ملزماً بدفع الثمن لاستقلال التزامه عن التزام البائع . ويبدو هذا الحل الروماني قاطعاً في المعنى الذي أسلفناه إذا لاحظنا أن البيع في القانون الروماني لم يكن ينشيء في ذمة البائع التزاماً بنقل الملكية ، ولم يكن المشتري يصبح مالكاً للمبيع بعقد البيع ذاته حتى يقال – كما قيل في القانون الفرنسي – إن المشتري يتحمل تبعة الهلاك لأنه أصبح مالكاً . ومن كل ذلك نرى أنه إذا وجد ارتباط ما بين التزام البائع والتزام المشتري عند تكوين عد البيع حتى صح أن يقال إن كلا منهما سبب للأخر ، فإن هذا الارتباط منعدم عند تنفيذ البيع ، بل يصبح كل التزام في تنفيذه مستقلا كل الاستقلال عن الالتزام الآخر ، وتقف فكرة السبب كما قدمنا عند تكوين البيع ، دون أن تجاوز مرحلة التكوين إلى مرحلة التنفيذ ( [7] ) .

وفي العقود غير المسماة ظهر السبب على الوجه الآتي : في عقد المقايضة مثلا إذا سلم أحد المتقايضين العوض الذي يملكه ، التزم الآخر بتسليم ما يقابله من العوض . وهذا الالتزام الأخير يقوم لا على إرادة الملتزم وحدها ، بل على هذه الإرادة مضافاً إليها أن سببها قد تحقق . ذلك أن سبب إرادة المتعاقد الآخر في أن يلتزم بتسليم ما عنده هو أن يتسلم ما عند المتعاقد الأول ، وقد تسلمه فعلا ، فتحقق السبب . فارادته هنا تؤخذ مقرونة بالسبب لا مجردة عنه ( [8] ) .

وفي الهبة – وهي أهم عقود التبرعات – اعترف القانون الروماني بالسبب إلى حد كبير . فالتبرعات المحضة تقوم على نية التبرع ( animus donandi ) ، وهي السبب في التزام المتبرع . وتترتب على ذلك نتيجة هامة ، هي أنه إذا انعدمت هذه النية انعدم السبب وبطل التبرع . فمن تعهد بوفاء التزام طبيعي معتقداً أنه التزام مدني لا يكون متبرعاً ، ويبطل تعهده لانعدام السبب . والهبة المقترنة بشرط ( donatine sub modo ) يكون الشرط سبباً لها إذا كان هو الدافع إلى التبرع . فإذا لم يقم الموهوب له بتنفيذ الشرط ، كان للواهب أن يسترد هبته بدعوى استرداد ( condition causa data , causa non secuta ) ، وله أيضاً أن يجبر الموهوب له على تنفيذ الشرط . وفي الوصية – وهي إرادة منفردة – اعترف القانون الروماني بالسبب إلى حد أن مزجه بالباعث . فإذا اعتقد الموصى أن وارثه قد مات فأوصى بماله لأجنبي ، وتبين أن الوارث لا يزال حياً ، واستطاع هذا أن يثبت أن الباعث على الوصية هو اعتقاد لموصى أن الوارث قد مات ، فالوصية باطلة لانعدام سببها ( [9] ) .

253 – موقف القانون الروماني من نظرية السبب : ويتبين مماقدمناه أن القانون الروماني اعترف في بعض العقود بفكرة السبب إلى مدى محدود . وهذه العقود هي التي ظهرت فيها الإرادة كعامل من عوامل تكوينها . وحيث تظهر الإرادة يظهر السبب . ولكن الرومان تمثلوا فكرة السبب فكرة موضوعية ( objectif ) لا ذاتية ( subjectif ) ، ونظروا إلى السبب موجوداً في العقد ( intrinseque ) لا خارجاً عنه ( extrinseque ) ، وهو واحد لا يتغير ( invariable ) في النوع الواحد من العقود مهما اختلفت البواعث والدوافع . وإذا كانوا قد توسعوا في السبب فمزجوه بالباعث ، فقد فعلوا ذلك في نطاق ضيق محدود ، وكان ذلك بنوع خاص في بعض التبرعات على النحو الذي بيناه ( [10] ) . وسنرى فيما يلي أن هذا التصوير الروماني هو الذي رجع إليه دوما ( Domat ) ، في صياغته لنظرية السبب .

وننظر الآن كيف تطورت نظرية السبب في القانون الفرنسي القديم ، قبل عهد دوما ومنذ ذلك العهد .

المطلب الثاني

نظرية السبب في القانون الفرنسي القديم

254 – عهدان : بقيت فكرة السبب تتطور تطوراً مستمراً طوال القرون السبعة التي سبقت التقنين المدني الفرنسي ، من القرن الثاني عشر إلى مستهل القرن التاسع عشر .

وفي خلال هذه القرون الطويلة يمكن التمييز بين عهدين يفصل بينهما الفقيه الفرنسي المعروف دوما ( Domat ) في القرن السابع عشر . إذ هو الذي صاغ فكرة السبب نظرية عامة ، بعد أن تهيأت لها عوامل الصياغة طوال القرون التي سبقته . ومنذ صاغ دوما نظرية السبب تبعته الفقهاء في صياغته ، وتناقلت عنه ما كتب ، حتى انتقلت النظرية عن طريق بوتييه ( Pothier ) إلى التقنين المدني الفرنسي .

فنحن نتابع تطور نظرية السبب في كل من هذين العهدين : ( 1 ) عهد ما قبل دوما ( 2 ) العهد الذي بدأه دوما .

1 – نظرية السبب في العهد الذي سبق دوما ( [11] )

255 – الرومانيون والكنسيون : تداول فكرة السبب في هذا العهد فريقان من الفقهاء : فريق الرومانيين ( romanistes ) وفريق الكنسيين ( canonists ) . فالرومانيون رجعوا للفكرة الرومانية في السبب ، وهي فكرة شكلية موضوعية كما قدمنا ، ولذلك لم تتقدم نظرية السبب على أيديهم أكثر مما كانت في القانون الروماني . أما الكنسيون فهم الذين خطوا بفكرة السبب خطوات جبارة ، فانتزعوها من أصلها الروماني إلى أفق أرحب ، وجعلوها فكرة مؤثر فعالة . وننظر الآن كيف كانت فكرة السبب عند كل من الفريقين .

256 – فكرة السبب عند فقهاء الرومانيين : عاد المحشون ( glossateurs ) إلى فكرة السبب الرومانية . وتطلبوا السبب في مختلف العقود . ولكن السبب عندهم كان أمراً شكلياً محضاً ، والمهم ليس هو وجوده بالفعل ، بل هو مجرد ذكره في الورقة المثبته للعقد .

أما البارتوليون ( Bartolistes ) فقد اقتفوا اثر من تقدمهم . وعنوا بنوع خاص بالعقود الملزمة للجانبين ، فأبرزوا الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة في هذه العقود ، ولكنهم مع ذلك التزموا حدود القانون الروماني ، فلم يصلوا إلى حد القول بجواز الفسخ في البيع إذا لم ينفذ أحد المتعاقدين التزامه ، بالرغم من أن منطق الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة كان يقضي عليهم بذلك . وميز البارتوليون ، كما فعل المحشون ، بين السبب والباعث ، فسموا الأول ” السبب القريب ” ( causa proxima ) وكان المحشون يسمونه ” السبب القصدي ” ( causa finalis ) ، وسموا الباعث ” السبب البعيد ” ( causa finalis ) . وجعلوا السبب دون الباعث هو الذي يؤثر في العقد . وهذا التمييز ما بين السبب والباعث غريب عن القانون الروماني ، وقد ابتدعه فريق الفقهاء الرومانيين مستلهمين فيه الفلسفة اليونانية . أما الرومان فكان السبب عندهم هو ما كانوا يسمونه ” بالسبب المدني ” ( causa civilis ) وهو السبب الإنشائي الذي عرفناه فيما تقدم وهذا شيء آخر غير السبب القصدي الذي عارضه الفقهاء الرومانيون بالباعث .

ويمكن القول بوجه عام إن فريق الفقهاء الرومانيين قد احيوا الفكرة الرومانية في السبب ، ولكنهم كما قدمنا لم يجاوزوا الحدود التي التزمها القانون الروماني . فبقيت فكرة السبب عندهم ، كما كانت عند الرومان ، فكرة موضوعية لا نفسية ، داخلة في العقد لا خارجة عنه ، وهي واحدة لا تتغير في نوع واحد من العقود .

257 – فكرة السبب عند فريق الفقهاء الكنسيين : أما فريق الفقهاء الكنسيين فقد كانوا يقدمون على اعتبارات الصياغة الفنية الرومانية اعتبارات أخرى أولى عندهم بالتقدم ، هي الاعتبارات الأدبية المسيحية . وهذه الاعتبارات الأخيرة كانت تقتضيهم أن يقرروا مبدأين :

المبدأ الأول أن الوفاء بالوعد واجب ، وأن الإخلال به خطيئة . ومن ثم كان المتعاقد يلتزم بمجرد تعهده . فكانت الإرادة عندهم – لا شالك – هي التي تنشئ العقد وتجعله ملزماً . وتدرج الفقهاء الكنسيون في هذا المبدأ حتى اقروا أي عقد يقوم على محض تقابل الإرادتين ، دون حاجة إلى شكل أو تسليم أو تنفيذ أو نحو ذلك مما كان القانون الروماني يتطلبه .

والمبدأ الثاني أن العقد لا يجوز تنفيذه إذا كان يهدف إلى عرض غير مشروع . ذلك أن القيام بعمل غير مشروع يعد خطيئة ، ولا يصح الاحتجاج بان المتعاقد قد ارتبط بالعقد ، والإخلال بما ارتبط به يعد خطيئة هو أيضاً . فالخطيئة ليست في أن يخل بهذا الارتباط ، بل في أن يرتبط بعقد غير مشروع . الارتباط بمثل هذا العقد يعتبر خطيئة ، وتنفيذه يعد خطيئة أخرى . وها نحن نرى إلى أي مدى يسوق هذا المنطق . فالغرض الذي يريد المتعاقد أن يحققه من وراء التزامه هو السبب في تعاقده . وهذا السبب إذا كان غير مشروع جعل العقد باطلا . وإذا كانت الإرادة وحدها تلزم المتعاقد ، إلا أن هذه الإرادة يجب أن تتجه إلى تحقيق غرض مشروع ، وإلا كانت عديمة الأثر . فيبرز أمامنا السبب في صورة أخرى غير الصورة التي ألفناها في القانون الروماني ، شيئاً غير مجرد الصياغة الفنية ، وعاملا نفسياً زاخراً بالقوة ، بعيداً في الأثر . ويبدو لأن في وضوح أن الفقهاء الكنسيين وضعوا إلى جانب الإرادة – بعد أن جردوها من الشكل – الغرض الذي ترمى إلى تحقيقه ، وربطوها به ، فأصبحت الإرادة لا تنفصل عن الغرض الذي تهدف إليه ، وهي إذا تجردت عن الشكل فليست تتجرد عن السبب . والسبب هنا ليس هو هذا السبب الروماني ، الموضوعي ، الداخل في العقد ، والذي يبقى واحداً لا يتغير في نوع واحد من العقود ، بل هو الباعث النفسي ، الخارج عن العقد ، والذي يتغير فيختلف في عقد عنه في العقد الآخر .

ونستطيع أن نستخلص من هذا التحليل الذي ابتدعه الفقهاء الكنسيون أموراً أربعة :

أولاً – أن السبب برز إلى جانب الإرادة بمجرد أن ظهرت الإرادة عاملا أساسياً في تكوين العقد .

ثانياً – أن فكرة السبب تطورت تطوراً خطيراً ، فأصبح السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد .

ثالثاً – أن السبب بهذا المعنى الجديد ل محل الشكل قيداً على الإرادة . فما دام الوعد القائم على الإرادة وحدها ملزماً دون حاجة إلى الشكل ، فلا أقل من أن يكون هذا الوعد متجهاً لتحقيق غاية مشروعة ، ومن هنا استطاع الكنيسون أن يداوروا مبادئ القانون الروماني فلا يتعارضون معه تعارضاً صريحاً ، وأمكنهم أن يتجنبوا ظاهراً القول بأن الاتفاق العاري ( pacte nu ) ملزم وحده ، وأن يستبدلوا بعبارة ” الاتفاق العاري ” عبارة ” الوعد المسبب ” ( promesse cause ) فيضيفوا إلى القائمة الرومانية للعقود الملزمة ( pacta vestita ) طائفة جديدة هي طائفة ” الوعود المسببة ” .

رابعاً – أن السبب إذا كان قد قيد الإرادة من جهة ، فهو قد اطلقها من جهة أخرى ، إذ حررها من الشكل ، وجعلها وحدها ملزمة مادامت تتجه لتحقيق ، غاية مشروعة .

فالكنسيون كما نرى هم الذين ابتدعوا نظرية السبب ، لا بمعناها الروماني الضيق ، بل بمعناها الجديد الواسع .

وإذا كانوا قد جعلوا من نظرية السبب بادئ الأمر أداة قوية لحماية المجتمع عن طريق إبطال العقود التي تتجه لتحقيق أغراض غير مشروعة ، فإنهم ما لبثوا أن جعلوا أيضاً من النظرية ذاتها أداة لحماية الفرد وتحرير اراداته من الغلط والتدليس والغش . ذلك إنهم أضافوا إلى السبب غير المشروع ، في إبطال العقد ، السبب غير الحقيقي . فإذا وقع غلط أو تدليس في الباعث على التعاقد ، كان السبب غير حقيقي ، وبطل العقد . ومن هنا اختلطت نظرية الغلط بنظرية السبب ، وقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك عند الكلام في نظرية الغلط .

هذا هو عمل الفقهاء من رجال الكنيسة ، إليه وحده يعود الفضل الأكبر في إيجاد النظرية الصحيحة للسبب . وقد تبع رجال الكنيسة في نظريتهم هذه بعض من الفقهاء المدنيين ( civilistes ) من أمثال لوازيل ( Loysel ) ( [12] ) وديمولان ( Dumoulin ) ، فقالوا بالإرادة وحدها مصدراً لتكوين العقد ، واصلين في هذا ما بين الإرادة والسبب ، وجاعلين للسبب المعنى الذي فهمه الفقهاء الكنسيون . وبقى فقهاء مدنيون آخرون ، من أمثال كونان ( Connan ) ودونو ( Doneau ) محافظين على تقاليد القانون الروماني ، فلا يسلمون بان الاتفاق العاري عقد ملزم ، ولا يفهمون السبب إلا في ضوء الفكرة الرومانية الضيقة . ولكن ما لبث الفريق الأول أن فاز على الفريق الثاني . فاعترف الفقه والقضاء في فرنسا بان الإرادة وحدها ملزمة مادامت الغاية التي تهدف لتحقيقها غاية مشروعة ، فوهم السبب بالمعنى الذي ابتدعه الكنسيون : الباعث الدافع إلى التعاقد . فأبطلت العقود التي تهدف لاستغلال النفوذ ، واعتبرت ديون المقامرة باطلة لعدم مشروعيتها ، وأصبح الباعث يؤثر في التبرعات .

وسارت الأمور على هذا النحو المحمود حتى جاء دوما يصوغ نظرية عامة للسبب . وننظر الآن ماذا فعل هذا الفقيه هو ومن وجاء بعده من الفقهاء .

2 – نظرية السبب منذ عهد دوما إلى عهد التقنين المدني الفرنسي ( [13] )

258 – العوامل الذي أثرت في هذا العهد وفقهاؤه البارزون : جاء دوما في القرن السابع عشر ، وبدأ عهداً جديداً كان من العهود الحاسمة في تاريخ تطور نظرية السبب . والعوامل البارزة التي كانت تؤثر في التفكير القانوني لرجال هذا العهد ثلاثة :

أولاً – انتكاص القانون الروماني وتقلص نفوذه . وقد أصبح تقسيم العقود إلى عقود شكلية وعقود غير شكلية ، وتقسيم العقود غير الشكلية إلى عقود عينية وعقود رضائية وعقود غير مسماة واتفاقات بريطورية واتفاقات شرعية ، كل هذه التقسيمات العتيقة أخذت تهجر فتسير في طريقها إلى الاندثار . على أن فريقاً من الفقهاء المدنيين ( civilistes ) بقوا متأثرين بالنظرية الرومانية في السبب كما قدمنا .

ثانياً – اثر القانون الكنسي . وقد رأينا رجال هذا القانون يتم على أيديهم فتح مبين في ميدان سلطان الإرادة ، فيقولون بان الإرادة وحدها ملزمة ، ويسير وراءهم في ذلك كثير من الفقهاء المدنيين .

ثالثاً – انتشار مبادئ القانون الطبيعي . وقد حمل لواءها جروسييس ( Grctius ) الفقيه الهولندي المعروف . وهي مبادئ توحي بنبذ ما يحوط الإرادة من أوضاع وأشكال رومانية عتيقة ، وتحكم العقل في كل ذلك فلا يتردد في إقصائها وتحرير الإرادة منها .

وهذه العهد الجديد بدأه دوما كما ذكرنا ، وطبعه بطابعه . وبقى اثر هذا الفقيه الفرنسي الكبير حياً في النفوس طوال الاجيال . واقتصر من جاء بعده من الفقهاء على ترديد ما كتبه في نظرية السبب ، دون أن يضيفوا إليها شيئاً يذكر ، غير الاسهاب في بعض التفصيلات . وابرز هؤلاء الفقهاء فقيهان : بريفو دي لاجانيس ( Prevot de la Janes ) وبوتييه ( Pothier ) . ونستعرض أولاً ما كتبه دوما في نظرية السبب ، ثم ننظر ما قاله بعده هذان الفقيهان .

259 – نظرية السبب عند دوما : لم يكن دوما مبتدعاً فيما كتبه في نرظية السبب . بل هو نفسه لم يكن يشعر أنه يقول شيئاً جديداً عندما كان يقرر هذه النظرية في كتابه ” القوانين المدنية ” . كان يبسطها بسطاً موجزاً ، دون مناقشة أو بحث ، كما يبسط أمراً من الأمور المقررة في عصره ، فلا يرى نفسه في حاجة إلى تمحيص ما يورده من الآراء أو الدفاع عنها باعتبار إنها آراء جديدة . لذلك كان من المبالغة أن يقال – كما قال كثيرون – إن دوما له حظ كبير من الابتداع في نظرية السبب . بل نحن لا نشارك أصحاب النظرية التقليدية في السبب ، من أمثال الفقهي الكبير كابيتان ، رأيهم من أن دوما له فضل عظيم في دعم نظرية السبب على أساس صحيح . فعندنا أن دوما قد أساء إلى نظرية السبب أكثر مما أحسن ، وعاق تطورها الطبيعي ، وأعادها إلى وضعها الروماني نظرية قاحلة مجدبة . والغريب أن دوما قد انقاد في هذا ، لا لحكم العقد وقواعد المنطق التي ألفها وسار عليها في كتابه ( [14] ) ، بل إلى البقية من اثر القانون الروماني التي تسربت إلى القانون الفرنسي القديم على أيدي الفقهاء الرومانيين ( romanistes ) وفريق من الفقهاء المدنيين ( civilistes ) الذين تأثروا بالأولين .

على أن لدوما مزيتين لا ينكران في هذا الشأن : ( اولاهما ) هذه النظرة الشاملة التي احاط بها موضوع السبب ، فصاغ منه نظرية عامة محبوكة الأطراف لم تكن قبله قد نسقت على النحو الذي قام به هو . كانت هناك أحجار مهيأة للبناء ، فشيد منها دوما بناء مدعما متماسكاً ، هو الذي انتقل منه إلى من بعده من الفقهاء ، ثم منهم إلى أصحاب النظرية التقليدية التي ظلت سائدة طوال القرن الماضي . ( والمزية الثانية ) أن دوما سجل في وضوح كامل ما وصل إليه عصره في تحرير الإرادة من الشكل والرسوم والأوضاع . فقد كانت التقسيمات الرومانية العتيقة لأصناف العقود قد دالت دولتها ، وزالت التفرقة بين الاتفاق العاري غير الملزم والعقود والاتفاقات الملزمة ، وأصبح كل اتفاق ملزماً . ويقرر الفقهي الكبير هذه الحقائق في عبارات جلية واضحة فيقول في كتابه ” القوانين المدنية ” ( [15] ) : ” كل اتفاق ، سواء أكان له اسم معين أم لم يكن ، ينتج أثره دائماً ويلزم بما تم الاتفاق عليه . . . ولم يعد هناك محل لأن نبسط ما كان القانون الروماني يقيمه من فروق بين العقود التي لها اسم معين والعقود التي لا اسم لها . فهذه التمييزات التي تنطوي على دقة زائفة لم تعد مقبولة في عرف عصرنا ، وهي مدعاة للاضطراب من غير ما فائدة ” . ويلاحظ أن دوما يقرر أن الإرادة وحدها ملزمة على اعتبار إنها حقيقة مقررة في عصره ، لا تحتاج إلى تمحيص أو مناقشة . فقد كانت القاعدة التي تقرر أن ” الاتفاق وحده ملزم ” ( Solus consensus obligat ) قد ظفرت في النهاية ، وفاز أنصارها على معارضيها من الفقهاء المدنيين المتأثرين بالقانون الروماني .

أما العيب الجوهري في نظرية دوما فهو أنه تأثر في هذه النظرية ، كما قدمنا ، بالفقهاء المدنيين الذين ظلوا أمناء للقانون الرومانين فنقل عنهم النظرية الرومانية الضيقة ( [16] ) . وهنا يتولانا شيء من العجب . فإن دوما ، وهو من أنصار المنطق والقانون الطبيعي ، وقد رأيناه يقول بالإرادة وحدها مصدراً للالتزام فيطاوع في ذلك الفقهاء المدنيين المتأثرين بالقانون الكنسي ، يرجع القهقري عندنا يتولى بسط نظرية السبب ، فلا يسير في منطقة إلى مداه ، ولا يقول مع هؤلاء الفقهاء المدنيين أنفسهم إن الإرادة بعد أن أطلقت من عقال الشكل وجب أن تتقيد بالغرض الذي اتجهت إلى تحقيقه فيكون الباعث هو السبب ، يأبى دوما أن يكون منطقياً في نظرته للإرادة والسبب ، ويرجع إلى الفكرة الرومانية ، فيجعل من السبب أمراً موضوعياً داخلياً لا يتغير في نوع واحد من العقود ! وقد يعلل ذلك أن دوما آثر دقة الصياغة الرومانية فجرى على منوالها ، ولكنه أضاع بذلك على القانون خصوبة النظرية الكنسية في السبب وما لها من مدى بعيد وأثر بالغ .

وهذا ما يقوله دوما وهو يبسط نظرية السبب ، بعد أن يقسم العقود أقساماً أربعة ، الثلاثة الأولى هي عقود معاوضة والقسم الأخير خصص لعقود التبرع : ” في الأقسام الثلاثة الأولى من العقود يجري التعامل دو أن يكون فيه أي تبرع ، ويكون التزام أحد المتعاقدين هو الأساس لالتزام الآخر . وحتى في العقود التي يظهر أن شخصاً واحداً فيها قد التزم ، كما في اقتراض مبلغ من النقود ، قد سبق التزام المقترض ما وجب أن يعطيه إياه الطرف الآخر حتى يتكون العقد . وعلى ذلك فالالتزام الذي ينشأ من مثل هذه العقود لمصلحة أحد المتعاقدين يوجد سببه دائماً في جانب الآخر . ويكون الالتزام باطل إذا لم يكن مبنياً في الواقع على سبب ” ( [17] ) . ثم يتابع دوما بسط نظريته ، وينتقل إلى عقود التبرع فيقول : ” وفي الهبات . . . يكون التزام الواهب أساسه غرض من الأغراض المعقولة الحقة ، كخدمة أسداها الموهوب له أو أية مزية أخرى فيه أو محض الرغبة في عمل الخير من جانب الواهب . وهذا الغرض يقوم مقام السبب بالنسبة إلى الطرف الذي أخذ ولم يعط شيئاً ( [18] ) ” . ويقد يفهم من هذه العبارات الأخيرة من دوما يرى أن السبب في التبرعات قد يكون هو الباعث ، كما كان الأمر في القانون الروماني على ما قدمنا . ولكنه في موضع آخر يعود إلى هذه المسألة فيقول : ” يجب في الهبات أن نميز تمييزاً واسعاً ما بين البواعث التي يعلن الواهبون إنها هي أسباب تبرعهم وبين الشروط التي يفرضونها في هباتهم . وذلك لأنه بينما أن الإخلال بالشرط في الهبة المقترنة بشرط يبطلها ، فإن الهبة تبقى قائمة حتى لو تبين أن البواعث التي ذكرت فيها ليست صحيحة . فلو أنه ذكر في هبة إنها تمت لخدمات أسديت أو لتمكين الموهوب له من أن يمتلك شيئاً يريده ، فإن الهبة لا تبطل حتى لو ظهر أنه لم تكن هناك خدمات أسديت أو أن الامتلاك لم يتم . وذلك لأن إرادة من وهب تبقى دائماً قائمةً ، وقد تكون له بواعث أخرى غير التي أعلنها ( [19] ) ” . ويستخلص الأستاذ كابيتان من هذه العبارات أن دوما يميز في عقود التبرع بين السبب والباعث ، فالسبب هو الذي يؤثر في صحة التبرع ، أما الباعث فلا اثر له ( [20] ) .

ويتبين مما قدمناه أن دوما يشترط قيام السبب في جميع العقود . فالسبب في التزام المتعاقد . فالسبب في التزام المتعاقد في العقود الملزمة للجانبين هو ما يقوم به المتعاقد الآخر ، أي التزامه المقابل ، والسبب في التزام المتعاقد في العقود الملزمة لجانب واحد هو ما قام به المتعاقد الآخر ، أي التسليم التي تم من جانبه في مبدأ الأمر . والسبب في التبرعات هو إرادة المتبرع في أن يتبرع ، أي نية التبرع . ومن ذلك نرى أن نظرية دوما في السبب قامت على الفكرة الرومانية الضيقة ، وتأثرت بأقوال الفقهاء المدنيين احتفظوا بتقاليد القانون الروماني .

260 – نظرية السبب عند خلفاء دوما من الفقهاء : ولم يزد الفقهاء الذين خلفوا دوما في القانون الفرنسي القديم على أن يرددوا ما قاله دوما في نظرية السبب . وابرز هؤلاء الفقهاء ، كما قدمنا ، فقيهان : بريفو دى لا جانس وبوتييه .

كان بريفو دي لاجانس ( Prevot de la Janes ) أستاذاً للقانون في جامعة اورلبان في النصف الأول من القرن الثامن عشر ، وقد توفى في سنة 1749 . ذكر في كتاب له ( [21] ) أن الرضاء يجب أن يكون مبنياً على سبب ( fonde sur quelque cause ) . وعرف السبب بأنه الغرض ( motif ) الذي دفع ا لمتعاقد إلى الالتزام . ولكنه بين ما يريد بكلمة ” الغرض ” عند الكلام في البيع ، فذكر أن السبب في التزام كل من المتعاقدين هو التزام المتعاقد الآخر المقابل له . فالسبب عنده في العقود الملزمة للجانبين هو السبب ذاته عند دوما ( [22] ) .

أما بوتييه ( Pothier ) الفقيه الفرنسي المعروف – وقد خلف بريفو دي لاجانس في استاذية القانون بجامعة اورليان – فكان أوضح بياناً من سلفه في بسط نظرية السبب ، ولكنه لم يخرج كثيراً عما قاله دوما في هذه النظرية . ذكر في كتاب ” الالتزامات ” ( [23] ) ما يأتي : ” يجب أن يكون لكل التزام سبب شريف ( cause honnete ) . ففي عقود المعاوضة يكون السبب في الالتزام الذي يعقده اد الطرفين هو ما أعطاه له الطرف الآخر ، أو ما يلتزم بإعطائه له ، أو التبعة التي يتحملها . وفي عقود التبرع يكون الجميل الذي يقصد أحد المتعاقدين أن يسديه للأخر سبباً كافياً للالتزام الذي يعقده قبله . أما إذا لم يقم الالتزام على أي سبب ، أو ما يعدل ذلك إذا كان السبب الذي عقد من اجله الالتزام غير صحيح ، فالالتزام باطل ، ويبطل العقد الذي يتضمنه ” . ثم ينتقل بوتييه إلى السبب غير المشروع فيقول : ” إذا كان السبب الذي عقد من اجله الالتزام سبباً يجرح العدالة أو حسن النية أو الآداب ( cause qui blesse la justice , la bonne foi ou les bonnes moeurs ) ، فالالتزام باطل ، ويبطل العقد الذي يتضمنه ( [24] ) ” .

ونرى من ذلك أن بوتييه ردد في وضوح وإسهاب ما سبقه إليه دوما . وإذا كان قد زاد عليه في التفصيل ، ففي المسائل الثلاث الآتية : ( 1 ) لم يكشف بأن يحدد السبب في العقود الملزمة للجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد ، بل حدده أيضاً في العقود الاحتمالية وجعله التبعة التي يتحملها المتعاقد . ( 2 ) ذكر في وضوح أن السبب في التبرعات هو نية التبرع ، وكان دوما غير واضح في ذلك وضوحاً كافياً كما رأينا . ( 3 ) أفاض في ذكر السبب غير المشروع وقرنه بالسبب غير الموجود والسبب غير الصحيح ، فوضع الأساس لشروط السبب في النظرية التقليدية ( [25] ) .

وقد نقل قانون نابليون نظرية السبب عن دوما وبوتييه في المواد 1108 و 1131 – 113 . وصارت هذه النصوص هي الأساس الذي تقوم عليه النظرية التقليدية في السبب .

هذا هو تاريخ تطور نظرية السبب ، أوردناه في شيء من التفصيل حتى نتبين أن هذه النظرية قد انتقلت إلى القانون الحديث وهي تحمل أثراً واضحاً من ذكريات ماضيها ، سواء في ذلك النظرية التقليدية أو النظرية الحديثة . وننتقل الآن لبسط نظرية السبب في القانون الحديث .


 ( [1] ) وأول من قال بهذه المقارنة المشهورة بين المحل والسبب هو الأستاذ اودو ( Audot ) ، ثم نقلاه عنه كثير من الفقهاء : اوبرى ورو 4 ص 546 هامش رقم 2 – هيك 7 ص 75 – ديمولومب 24 فقرة 345 وفقرة 355 – لوران 16 فقرة 109 – بودري وبارد 1 فقرة 297 وفقرة 302 – ديموج 2 فقرة 744 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 279 .

 ( [2] ) أنظر آنفاً فقرة 68 .

 ( [3] ) لم يقتصر ” السبب المدني ” ( causa civilis ) في القانون الروماني على العقود الشكلية ، بل كان بوجه عام هو المصدر القانونين الذي يكون العقد ويضفى عليه قوته الملزمة . ومن ثم يكون ” السبب المدني ” للعقود الشكلية هو الشكل ، وللعقود العينية هو تسليم الشيء ، وللعقود الرضائية هو مجرد الاتفاق ، وللعقود غير المسماة هو قيام أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته ، وهكذا .

 ( [4] ) ومن ثم كان أول مظهراً لفكرة السبب في تطورها مظهر اتخذت فيه صورة الإثراء بلا سبب ، على فرق ما بين معنيي ” السبب ” في الحالتين .

 ( [5] ) وقد عدلت القاعدة بعد ذلك وأصبح عء الإثبات لا يقع على المقرض إلا إذا لم يذكر في العقد المكتوب أن الالتزام له سبب في نفذ ( cautio discreta ) أي إذا لم يعترف المدين كتابة أنه تسلم مبلغ القرض . فإذا اعترف بهذا كان هو المكلف بإثبات أنه لم يتسلم . ولم تقف القاعدة عند حد عقد القرض الواقع على مبلغ من النقود ، بل جاوزت هذا العقد إلى عقد المهر ، ثم إلى عقد القرض الواقع على المثليات غير النقود : وعممت القاعدة بعد ذلك ، فأصبحت تشمل جميع العقود ( أنظر كابيتان في السبب فقرة 44 – بلانيول وريبير وبولانجيه جزء 2 فقرة 284 ) .

 ( [6] ) أنظر كابيتان في السبب ص 94 .

 ( [7] ) أما في عقد الإيجار فإن الارتباط يجاوز التكوين إلى التنفيذ ، إذ كانت الأجرة في هذا العقد تقابل الانتفاع ، فإذا تعذر الانتفاع ولو بقوة قاهرة ، عند تكوين العقد أو عند تنفيذه ، فإن الأجرة لا تجب . وإذا تأخر المستأجر عن دفع الأجرة مدة سنتين ، كان للمؤجر الحق في استرداد العين المؤجرة ( كابيتان في السبب ص 98 ) . ويرجع هذا إلى أن عقد الإيجار عقد زمني ، الزمن فيه عنصر جوهري ، وهو محل العقد ذاته .

 ( [8] ) وإذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه من تسليم ما عنده للمتعاقد الأول ، كان لهذا أن يطالبه بالتنفيذ كما قدمنا . وكان له أيضاً أن يسترد ما سلمه بدلا من المطالبة بالتنفيذ . وقد يكون هذا أثراً من دعوى الاسترداد التي كانت للمتعاقد الأول قبل الاعتراف بالقوة الملزمة للعقود المسماة ، أو قد يكون الحق في الاسترداد نتيجة لفسخ العقد ، وفي هذا اعتراف بالسبب فهو الذي بنى على تخلفه فسخ العقد ( كابيتان في السبب فقرة 51 ) .

 ( [9] ) كاتبيتان في السبب فقرة 55 .

 ( [10] ) على أن هذا التصوير الخاص لفكرة السبب لم يكن إلا نتيجة للصياغة الرومانية الشكلية ، فلم تضع الرومان أية نظرية للسبب ، بل إنهم كانوا إذا أطلقوا كلمة ” السبب ” قصدوا بها ” السبب المدني ” ( causa civilis ) الذي رأيناه فيما تقدم .

 ( [11] ) أنظر بنوع خاص في هذا العهد كابيتان فيا لسبب فقرة 57 – فقرة 77 – شيفرييه ( chevrier ) في تاريخ السبب في الالتزامات باريس سنة 1 929 – بوا جيزان ( Bois – Juzan ) في السبب في القانون الفرنسي بوردو سنة 1939 ص 110 – ص 144 – والمراجع المشار إليها في هذه المؤلفات .

 ( [12] ) وهو صاحب المثل المشهور : ” يربط البقر بقرونه ، ويربط الرجل بكلامه ، ومجرد الوعد أو الاتفاق يعدل العقود اللفظية في القانون الروماني ” ‘ On lie les boeufs par les cornes et les homes par los parcels p et autant vaut une simple promesse ou convenance que les stipulations du Droit Romain’ . ( Inst . cont . max . 357 )

 ( [13] ) أنظر بنوع خاص في هذا العهد : كابيتان في السبب فقرة 77 – فقرة 80 – شيفرييه ص 246 – وما بعدها – تمبال ص 88 وما بعدها – يوناسكو ص 42 وما بعدها – بواجيزان ص 144 وما بعدها .

 ( [14] ) فقد كان دوما من دعاة القانون الطبيعي ، وعرف بأنه هو الذي احيي التفكير المنطقي في الفقه المدني ، فوضع كتابه المشهور ” القوانين المدنية وفقاً للنظام الطبيعي ” ( Lois Civiles dans leur ordre naturel ) ، ولم ينهج فيه نهج من سبقه من الفقهاء في شرح نصوص القانون الروماني ( Corpus Juris Civilis ) ، بل كان لا يرجع إلى هذه النصوص إلا لتكون مؤيدة لما يقرره من أحكام العقل والمنطق ، فيكون ذلك ابلغ في الاقناع وادعى إلى الاطمئنان ( mettre l’esprit en repos ) كما يقول .

 ( [15] ) الكتاب الأول – الباب الأول – الفرع الأول فقرة 7 .

 ( [16] ) ويذكر كابيتان في كتابه في السبب ( ص 160 – ص 163 و ص 163 هامش رقم 1 ) أن دوما تأثر في نظريته في السبب بفقهاء مدنيين ينتمون إلى الفقهاء الرومانيين ، من أمثال كونان ( Connan ) و دونو ( Doneau ) أنظر أيضاً في هذا المعنى بلانيول وربيير وبولانجيه 2 فقرة 287 .

 ( [17] ) ” القوانين المدنية ” الكتاب الأول – الباب الأول – الفرع الأول – وقرر دوما في موضع آخر من الكتاب أن الالتزام قالذي قام على سبب انقطع بعد ذلك يصبح باطلا ( الكتاب الأول – الباب الأول – الفرع الأول فقرة 13 ) ، فهو يستصحب السبب من تكوين العقد إلى تنفيذه .

 ( [18] ) ” القوانين المدنية ” الكتاب الأول – الباب الأول – الفرع الأول .

 ( [19] ) ” القوانين المدنية ” الكتاب الأول – الباب العاشر – الفرع الأول فقرة 13 .

 ( [20] ) كابيتان في السبب فقرة 79 . قارن بواجيزان ( ص 150 – ص 155 ) وهو يستخلص من هذه العبارات أن دوما يعتد بالباعث في التبرعات ، ويجعل له أثراً في صحتها – ويبدو أن دوما يميز بين الباعث الدافع للهبة ، ومظهره أن يكون شرطاً مفروضا في العقد ، وهو يؤثر في صحة التبرع ، وبين الدوافع التي تذكر في العقد دون أن تفرض شروطاً ، وهذه لا تؤثر لاحتمال أن يكون هناك دوافع أخرى حملت على التبرع .

 ( [21] ) ( Principes de la Juris . Fr . Suivant l’ordre . des actions . ) القسم الثاني – الباب الثامن – الفصل الثاني .

 ( [22] ) كابيتان في السبب فقرة 80 – ويرى بريفودي لاجانس أن التعهد المكتوب يكون ذا سبب صحيح إذا ذكر المتعهد أنه يقر بمديونيته ويتعهد بالدفع ، فالإقرار بالمديونية سبب كاف للالتزام ( بواجيزان ص 158 – ص 159 ) .

 ( [23] ) فقرة 42 .

 ( [24] ) ” الالتزامات ” فقرة 43 .

 ( [25] ) وزاد بوتييه أيضاً في أنه مير بين السبب بمعنى مصدر الالتزام والسبب بمعنى الغرض الذي يقصد إليه الملتزم ، فوضع بذرة التقسيم الثلاثي للسبب الذي سنراه في النظرية التقليدية .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s