القبول في عقود الإذعان
116 – دائرة عقود الإذعان : قد يكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب ، فالقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مناقشة ومفاوضة ، بل هي في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو أن يدع . ولما كان في حاجة إلى التعاقد على شيء لا غناء عنه ، فهو مضطر إلى القبول . فرضاؤه موجود ، ولكنه مفروض عليه . ومن ثم سميت هذه العقود بعقود الإذعان ( [2] ) . هذا الضرب من الإكراه ليس هو المعروف في عيوب الإرادة ، بل هو إكراه متصل بعوامل اقتصادية أكثر منه متصلا بعوامل نفسية .
ويتبين مما تقدم أن عقود الإذعان لا تكون إلا في دائرة معينة تحددها الخصائص الآتية : ( 1 ) تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفيعن . ( 2 ) احتكار الموجب لهذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً ، أو على الاقل سيطرته عليها سيطرة تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق . ( 3 ) صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستر أي لمدة غير محددة . ويغلب أن يكون في صيغة مطبوعة تحتوى على شروط منفصلة لا تجوز فيها المناقشة وأكثرها لمصلحة الموجب ، فهي تارة تخفف من مسئولية التعاقديية وأخرى تشدد في مسئولية الطرف الآخر ، وهي في مجموعها من التعقيد بحيث يغم فهمها على أوساط الناس .
وأمثلة هذه العقود كثيرة : فالتعاقد مع شركات النور والماء والغاز ، ومع مصالح البريد والتلغراف والتلفون ، وعقد النقل بوسائله المختلفة من سكك حديدية وكهربائية وبواخر وسيارات وطيارات وغير ذلك ، والتعاقد مع شركات التامين بأنواعه المتعددة ، وعقد العمل في الصناعات الكبرى ، كل هذا يدخل في دائرة عقود الإذعان . ومن ثم نرى أن القبول في هذه العقود هو كما قدمنا إذعان . فالموجب يعرض إيجابه في شكل بات نهائي لا يقبل مناقشة فيه ، فلا يسع الطرف الآخر إلا أن يقبل إذ لا غنى له عن التعاقد ، فهو محتاج إلى الماء والنور والغاز ، وكثيرا ما تعرض له حاجة إلى الاتصال بالناس عن طريق التراسل ولا بد له من التنقل والسفر في بعض الأحايين ، وهو مضطر إلى العمل ليكسب ما يقوم بأوده . وقد نصت المادة 100 من القانون الجديد على هذا المعنى في العبارات الآتية : ” القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ( [3] ) ” .
117 – طبيعة عقود الإذعان : وقد انقسم الفقهاء في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين . فبضعهم يرى أن عقود الإذعان ليست عقودا حقيقية ، ويذهب فريق آخر إلى إنها لا تختلف عن سائر العقود .
أما الفريق الأول – وعلى رأسهم الأستاذ سالي وتابعه في ذلك فقهاء القانون العام مثل ديجيه وهوريو – فينكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية ، إذ أن العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار ، أما هنا فالقبول مجرد إذعان ورضوخ . فقعد الإذعان أقرب إلى أن يكون قانونا أخذت شركات الاحتكار الناس باتباعه فيجب تفسيره كما يفسر القانون ، ويرعى في تطبيقه مقتضيات العدالة وحسن النية ، وينظر فيه إلى ما تستلزمه الروابط الاقتصادية التي وضع لتنظيمها . ويرى الأستاذ ديموج ، ويتفق في هذا مع فقهاء القانون العام ، أن عقد الإذعان هو مركز قانوني منظم ( institution ) يجب أن يعني في تطبيقه بصالح العمل أولاً ، ثم بما يستحق الحماية من صالح كل من طرفي العقد .
ويرى الفريق الثاني – وهم غالبية فقهاء القانون المدني – أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين ، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود . ومهما قيل من أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الآخر ، فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية ، وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي ، ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الضعيف ، فتضطرب المعاملات وتفقد استقرارها ، بل أن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي . ويكون ذلك بإحدى وسيلتين أو بهما معاً : الأولى وسيلة اقتصادية فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر ، والثانية وسيلة تشريعية فيتدخل المشرع – لا القاضي – لينظم عقود الإذعان .
118 – حكم عقود الإذعان في القانون القديم والجديد : وقد كانت الحماية في مصر ، في ظل القانون القديم ، حماية قضائية . فكان القضاء من جهة يعتبر عقود الإذعان عقوداً حقيقية واجبة الاحترام ( [4] ) ، فيحترم الشروط لمطبوعة ف يعقد الإيجار ( [5] ) ، وفي عقود التأمين ( [6] ) ، ويلزم من يتعامل مع شركة باحترام لوائحها المطبوعة ( [7] ) ، ومن يتعاقد مع مصلحة السكك الحديد بمراعاة نظمها ولوائحها ( [8] ) . ويقيد المستخدم في عقد العمل باحترام لوائح الخدمة التي يخضع لها ( [9] ) . إلا أن مع ذلك يغلب الشروط المكتوبة على الشروط المطبوعة ( [10] ) ، ويبطل الإعفاء الإتفاقي من المسئولية ( [11] ) ، ويفسر الالتزام في مصلحة الطرف المذعن ( [12] ) ، وينسخ الإرادة السابقة بالإرادة اللاحقة ( [13] ) .
وجاء القانون الجديد فجعل الحماية تشريعية ، ونظم بنصوص خاصة عقد التزام المرافق العامة وعقد العمل وقد التأمين . وأتى بنصوص عامة لتنظيم عقود الإذعان كافة ، فجعل بذلك للقضاء المصري في ظل القانون القديم سنداً تشريعياً في عهد القانون الجديد ، ومهد أمامه الطريق ليخطو خطوات أوسع في حماية الجانب المذعن . وندع النصوص الخاصة في العقود التي سلفت الإشارة إليها تدرس في مواضعها . ونقتصر هنا على إيراد النصوص العامة .
فقد نصت المادة 149 على أنه ” إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة . ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك ( [14] ) ” . وهذا النص في عمومه وشموله أداة قوية في يد القاضي يحمى بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات الاحتكار . والقاضي هو الذي يملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً ، ولا معقب لمحكمة النقض على تقديره ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به . فإذا كشف شرطاً تعسفياً في عقد إذعان ، فله أن يعدله بما يزيل اثر التعسف ، بل له أن يلغيه ويعفى الطرف المذعن منه ، ولم يرسم المشرع له حدوداً في ذلك إلا ما تقتضيه العدالة . ولا يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته هذه باتفاق خاص على ذلك ، فإن مثل هذا الاتفاق يكون باطلا لمخالفته للنظام العام ، ولو صح للجأت إليه شركات الاحتكار وجعلته شرطاً مألوفاً ( clause de style ) في عقودها .
ونصت المادة 151 على ما يأتي : ” 1 – يفسر الشك في مصلحة المدين .
2 – ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ( [15] ) ” . وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي ويراعى من ناحية أخرى أن الأصل أن يفسر الشك في مصلحة المدين عند غموض عبارة التعاقد غموضاً لا يتيح زواله . وقد استثنى المشروع من حكم هذا الأصل عقود الإذعان ، فقضى أن يفسر الشرك فيها لمصلحة العاقد المذعن ، دائناً كان أو مديناً . فالمفروض أن العاقد الآخر ، وهو أقوى العاقدين ، يتوافر له من الوسائل ما يمكنه من أن يفرض على المذعن عند التعاقد شروطاً واضحة بينة . فإذا لم يفعل ذلك اخذ بخطأه أو تقصيره وحمل تبعته ، لأنه يعتبر متسبباً في هذا الغموض من وجه : أنظر المادة 1288 من التقنين الاسباني وكذلك المادة 915 من التقنين النمساوي وهي تنص على أن إبهام العبارة يفسر ضد من صدرت منه ( [16] ) ” .
* بعض المراجع ك سالي في إعلان الإرادة 229 وما بعدها – ديجيه في تطورات القانون الخاص ص 121 – الدولة والقانون الموضوعي والقانون الوضعي ص 55 – هوريو في مبادئ القانون العام ص 207 – ريبير في القاعدة الخلقية في الالتزامات ص 55 وما بعدها – بلانيول وريبير وإسمان 1 ص 122 وما بعدها – ديموج في الالتزامات 2 ص 616 وما بعدها – موران 0 ( Morin ) في القانون والعقد سنة 1927 ص 36 وما بعدها – ديريه ( dereux ) في تفسير الأعمال القانونية باريس سنة 1905 ص 152 و ص 210 – جونو ( Gounot ) في مبدأ سلطان الإرادة ديجون سنة 1909 ص 227 وما بعدها – دولا ( Dollat ) باريس سنة 1905 – فورتييه ( Fortier ) ديجون سنة 1909 – بيشون ( Pichon ) ليون سنة 1913 – سارا ريم ( Sarat – Remy ) في مراجعة الشروط التعسفية في عقود الإذعان باريس سنة 1928 – ميسول ( Missol ) في عقد التأمين كعقد من عقود الإذعان باريس سنة 1934 – ساليه ( Salle ) في التطور الفني للعقد باريس سنة 1930 ص 11 وما بعدها – جوسران في مجموعة دراسات جيني جزء 2 ص 333 – وفي مجموعة دراسات لامبير جزء 3 ص 143 – ومقال في مجلة القانون المدني ربع السنوية سنة 1937 ص 21 – نظرية العقد للمؤلف ص 279 – ص 288 – الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 222 – ص 226 – الدكتور احمد حشمت أبو ستيت ص 82 – ص 85 – الدكتور محمد عبد الله العربي في الإكراه الاقتصادي ليون سنة 1924 – الدكتور عبد المنعم فرج الصدة في عقود الإذعان في القانون المصري القاهرة سنة 1946 .
( [2] ) ويسمى الفرنسيون العقود التي يكون فيها القبول على النحو المتقدم بعقود الانضمام ( contrats d’adhesion ) ، لأن من يقبل العقد إنما ينضم إليه دون أن يناقشه . وهذه تسمية ابتدعها الأستاذ سالي في كتابه الإعلان عن الإرادة ( ص 229 – ص 230 ) . وقد آثرنا أن نسمى هذه العقود في العربية بعقود الإذعان ، لما يشعر به هذا التعبير من معنى الإضرار في القبول . وقد صادفت هذه التسمية رواجاً في اللغة القانونية من فقه وقضاء ، وانتقلت إلى التشريع الجديد .
( [3] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 145 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” القبول في عقود الإذعان يكون مقصورا على التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ” . ولما تلى النص في لجنة المراجعة أدخلت عليه تعديلات لفظية أصبح بعدها مطابقاً للنص الوارد في القانون الجديد ، وأصبح رقم المادة 102 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النوابعلى المادة دون تعديل . ووافقت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ على المادة دون تعديل تحت رقم 100 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 67 – ص 71 ) . وانظر المادة 172 الفقرة الثانية من قانون الالتزامات اللبناني .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” من حق عقود الإذعان وهي ثمرة التطور الاقتصادي في العهد الحاضر ، أن يفرد لها مكان في تقنين يتطلع إلى مسايرة التقدم الاجتماعي الذي اسفرت عنه الظروف الاقتصادية . وقد بلغ من أمر هذه العقود أن اصبحت ، في رأي بعض الفقهاء ، سمة بارزة من سمات التطور العميق الذي اصاب النظرية التقليدية للعقد . على أن المشروع لم يرمجاراة هذا الرأي إلى عايته ، بل اجتزأ بذكر هذه العقود ، واعتبر تسليم العاقد بالشروط المقررة فيها ضربا من ضروب القبول . فثمة قبول حقيقي تتوافر به حقيقة التعاقد . ومع ذلك فليس ينبغي عند تفسير هذه العقود إغفال ما هو ملحوظ في إذعان العاقد ، فهو أقرب إلى معنى التسليم منه إلى معنى المشيئة . ويقتضي هذا وضع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود تختلف عن القواعد التي تسري على عقود التراضي . وقد أفرد المشروع لهذه القاعدة نصاً خاصاً بين النصوص المتعلقة بتنفيذ العقود وتفسيرها . وتتميز عقود الإذعان عن غيرها باجتماع مشخصات ثلاثة : اولها تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين . والثاني احتكار هذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها . والثالث توجيه عرض الانتفاع بهذه السلع أو المرافق إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل فئة منها . وعلى هذا النحو يعتبر من عقود الإذعان تلك العقود التي يعقدها الافراد مع شركات الكهرباء والغاز والمياه والسكك الحديدة ، أو مع مصالح البريد والتليفونات والتلغرافات ، أو مع شركات التأمين ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 68 – ص 69 .
( [4] ) استئناف مختلط في 20 يونية سنة 1928 م 40 ص 437 .
( [5] ) عقد الإيجار للمؤلف فقرة 129 ص 129 هامش رقم 2 .
( [6] ) استئناف مختلط في 29 يناير سنة 1890 م 2 ص 360 – وفي 11 ابريل سنة 1906 م 18 ص 188 .
( [7] ) استئناف مختلط في 7 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 44 – وفي ) مارس سنة 1929 جازيت 20 ص 108 .
( [8] ) استئناف مختلط في 20 ابريل سنة 1927 م 39 ص 405 – محكمة الإسكندرية الجزئية المختلطة في 25 يونية سنة 1921 جازيت 12 ص 35 – محكمة القاهرة التجارية الوطنية في 30 اكتوبر سنة 1948 المحاماة 28 رقم 443 ص 1076 .
( [9] ) استئناف مختلط في 22 يناير سنة 1919 م 31 ص 134 – وفي 19 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 41 .
( [10] ) محكمة مصر الكلية الوطنية في 21 ابريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 126 ص 267 – محكمة الإسكندرية التجارية المختلطة ؟؟؟ 1915 جازيت 6 ص 22 .
( [11] ) استئناف مختلط في 11 يونية سنة 1913 م 25 ص 435 – وفي 10 ينايرة سنة 1924 م 36 ص 140 – وفي 6 مايو سنة 1926 م 38 ص 396 – وفي 7 مايو سنة 1947 م 59 ص 207 .
( [12] ) استئناف مختلط في 12 ابريل سنة 1926 م 40 ص 295 . وتشدد المحاكم في إعمال شرط من شروط الإسقاط في بوليصة التأمين : استئناف مختلط في 6 ديسمبر سنة 1944 م 57 ص 18 – وفي 17 مارس سنة 1948 م 60 ص 86 .
( [13] ) وقد قضت محكمة مصر الابتدائية المختلطة بأن اعتياد شركة التأمين على أن تقصد المؤمن له في محل إقامته لنستوفى الأقساط يلغى الشرط القاضي بأن الدفع يكون في محل الشركة ( 16 يناير سنة 1928 جازيت 20 رقم 93 ص 87 ) .
( [14] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 217 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان الطرف المذعن بقبوله دون مناقشة ما عرض عليه لم ينتبه إلى بعض الشروط التعسفية التي تضمنها العقد ، جاز للقاضي أن يجعل ذلك محلا للتقدير ” . فاقترحت لجنة المراجعة تعديله على الوجه الآتي : ” إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان قد تضمن شروطا تعسفية ، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن عن تنفيذها ، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ، ويقع باطلا كل اتفاق على خلال ذلك ” . وأصبح رقم المادة 153 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ اقترحت إضافة عبارة في آخر النص هي ما يأتي : ” دون إخلال بحق المذعن في التعويض إن كان له محل ” ، لأنه لا يكفي في مثل هذه العقود أن يعفي القاضي المذعن من تنفذها ، بل يجب أيضاً تعويضه إن كان للتعويض محل . وبعد أن وافقت اللجنة على هذا الاقتراح رجعت في موافقتها ورفعت هذه الإضافة لأن القواعد تغني عن الحكم الوارد في العبارة المضافة ، واستبدلت كلمة ” منها ” بعبارة ” من تنفيذها ” . وأصبح رقم المادة 149 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 291 – ص 294 ) .
هذا ويلاحظ مما تقدم أن النص الذي كان وارداً في المشروع التمهيدي اضعف من نص القانون الجديد في ناحيتين : الأولى أنه يشترط في الشروط التعسفية أن يكون الطرف المذعن لم يتنبه إليها ، والثانية أن الجزاء على شرط تعسفي لم يتنبه له الطرف المذعن جاء منطوياً على شيء من الغموض ، فلم يصرح النص بأن للقاضي أن يعدل الشرط أو يلغيه ، بل اقتصر على القول بأنه يجوز للقاضي أن يجعله محلا للتقدير . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” في هذا النطاق الضيق يطبق هذا الاستثناء ، فلا يبلغ الأمر حد استبعاد الشرط الجائر بدعوى أن المذعن قد أكره على قبوله متى تنبه إليه هذا العاقد وارتضاه . فالإذعان لا يختلط بالإكراه ، بل إن التوحيد بينهما أمر ينبو به ما ينبغي للتعامل من أسباب الاستقرار . ثم إن ما يولى من حماية إلى العاقد المذعن ينبغي أن يكون محلا لأحكام تشريعية عامة – كما هو الشأن في حالة الاستغلال – أو لتشريعات خاصة ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 292 ) . ولا شك أن النص الذي خرج به القانون الجديد أصلح في معالجة استغلال الطرف المذعن من نص المشروع التمهيدي . وقد زاده مجلس الشيوخ تأكيداً ، فقد كانت العبارة الواردة فيه : ” أو أن يعفى الطرف المذعن منها ” قد وردت على النحو الآتي : ” أو أن يعفى الطرف المذعن من ؟؟؟ ” ، فرؤى أن الإعفاء يكون من الشرط التعسفي ذاته لا من تنفيذه فحسب .
( [15] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 216 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” يفسر الشرك في مصلحة المدين ” ، وفي الفقرة الثانية من المادة 217 على الوجه الآتي : ” لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ” . فضمت الفقرتان في مادة واحدة في لجنة المراجعة ، وأصبح رقمها 155 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليهادون تعديل . ثم وافقت عليها لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ دون تعديل تحت رقم 151 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 299 – ص 301 ) .
( [16] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 300 – هذا وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في ظل القانون القديم أن عقد التأمين يفسر لمصلحة المؤمن له ( 28 مايو سنة 1941 م 93 ص 205 ) .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن