تحديد مركز الالتزام فى القانون المدنى


تحديد مركز الالتزام فى القانون المدنى

1 – أقسام القانون المدنى : ينقسم القانون المدنى – وهو القانون الذي ينظم علاقات الأفراد ببعضها ببعض – إلي قسمين رئيسين : قسم الأحوال الشخصية وقسم المعاملات .

فقواعد الأحوال الشخصية هى التى تنظم علاقة الفرد بأسرته . وقواعد المعاملات هى تنظم علاقة الفرد بغيره من الأفراد من حيث المال .

والمال فى نظر القانون يتكون من حقوق .

والحق في المعاملات مصلحة ذات قيمة مالية يقرها القانون للفرد . وهو إما حق العينى أو حق شخصى .

والحق الشخصى هو الالتزام : ويسمي حقاً إذا نظر إليه من جهة الدائن ، وديناً إذا نظر إليه من جهة المدين .

2 – الحق العينى والحق الشخصى : الحق العينى ( ( droit reel هوسلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شىء معين . أما الحق الشخصى ( ( droit personnel فهو رابطة مابين شخصين ، دائن ومدين ، يخول الدائن بمقتضاها مطالبة المدين بإعطاء شىء أو بالقيام بعمل بالامتناع عن عمل .

ولازال التمييز ما بين الحق العينى والحق الشخصى من أهم المسائل الرئيسية فى القانون المدني . ولم تجد محاولات بعض الفقهاء فى هدم هذا التقسيم . وهؤلاء الفقهاء فريقان : فريق يقرب الحق العينى من الحق الشخصى ، وفريق لآخر على النقيض من ذلك يقرب الحق الشخصي من الحق العينى .

3 – تقريب الحق العينى من والحق الشخصى : أما الفريق الأول ، وعلى رأسهم الأستاذ بلانيول ، فيرى أن الحق العينى هو كالحق الشخصي رابطة مابين شخصين . لأن القانون إنما ينظم الروابط ما بين الأشخاص . ولا يمكن أن يقال فى الحق العينى إنه رابطة مابين الشخص والشيء ، لأن الرابطة إنما تكون بين الشخص والشخص . ففى هذا إذن يتفق الحق العينى مع الحق الشخصى . ويتفق معه أيضاً على أنه يشتمل مثله على عناصر ثلاثة : موضوع الحق والدائن هو المالك ، والمدين هم الناس كافة غذ يجب عليهم جميعاً احترام هذا الحق . فالحقان إذن يتماثلان من حيث الطبيعة والعناصر . وإنما يختلفان في شيء غير جوهري هو جانب المدين .دائماً هم جميع الناس عدا الدائن ، ولهذا يمكن اعتبار الحق العينى حقا شخصياً عاماً من حيث المدين ( passivement universel ) . أما في الحق الشخصي فالمدين هو شخص أو أشخاص معينون بالذات .

هذا ما يقوله الفريق الأول . وظاهر أنهم يقصدون هدم التميز ما بين الحق العينى والحق الشخصي من وراء جعل الحق العينى هو الذي يماثل الحق الشخصى . ولا جدال في أنه من الخطأ أن يقال إن الحق العينى رابطة ما بين الشخص والشيء . فالرابطة لا توجد إلا بين الشخص والشخص كما يقول بلانيول . ولذلك قلنا في تعريف الحق العينى إنه ” سلطة لشخص على شىء ” ، ولم نقل إنه ” رابطة ما بين شخص وشيء ” . وأما القول بأن الحق العينى هن حق شخصي عام من حيث المدين ففيه مغالطة لا تخفى عند التعمق في النظر . إذا لحق الشخصي فيه أيضاً هذا الجانب العام من حيث المدين ، وتلزم الناس كافة باحترامه . فإذا أحل أحد بهذا الالتزام ، بأن حرض المدين مثلا على أن يمتنع عن القيام بما تعهد به ، كان مسئولا ووجب عليه التعويض . ولكن الحق الشخصى يزيد على الحق العينى شيئا جوهوياً يميزه عنه ، هو الجانب الخاص من حيث المدين إلي هذا الجانب العام الذي تقدم ذكره . ففى كل حق شخصى يوجد مدين معين ، أو مدينون معينون ، هم الذين يباشر الدائن سلطته على الشىء موضوع الحق بوساطتهم ، ولا وجود لهؤلاء فى الحق العينى . وهذا فرق جوهري ما بين الحقين تترتب عليه نتائج هامة سيأتي ذكرها ( [1] ) .

4 – تقريب الحق العينى من والحق الشخصى : وهناك الفريق الثاني وهو الذي يحاول هدم التمييز من وراء جعل الحق الشخصى كالحق العينى . وعلى رأس هذا الفريق الأستاذان سالي ( saleilles ) ولا مبير ( Lambrt ) . ويتلخص رأيهما فى أن الحق الشخصى هو كالحق العيني عنصر من عناصر الذمة المالية ( patrimoine ) يتصرف فيه صاحبه ، فيبيعه ويهبه ويرهنه ويجرى فيه سائر التصرفات . وقد حان الوقت الذي ينظر فيه إلي الحق الشخصى لا باعتبار أنه رابطة ما بين ، بل باعتبار أنه عنصر مالي ، وهذا ما يقتضيه تقدم المعاملات وسرعة تداول الأموال . فتتجرد القيمة المالية للحق الشخصى عن شخص الدائن وعن المدين ، وبذلك يقترب الحق الشخصى من الحق العينى . وهذا هو المذهب المادي فى الالتزام ، وسنعود إليه فيما يلى .

ونحن لا ننكر على المذهل المادي للالتزام انتشاره ومسايرته للتطور القانوني الحديث . لكننا مع ذلك لا نراه يهدم التمييز ما بين الحق العينى والحق الشخصى . فمن الممكن أن ينظر إلى الالتزام نظرة مادية باعتبار موضوعه لا باعتبار أشخاصه ، ويكون فى هذا تقريب بينه وبين الحق العينى . ولكن ذلك لا ينفى أن هناك فرقاً جوهرياً ما بين الحقين حتى إذا نظر إليهما معاً من حيث موضوعهما . فالدائن فى الحق العينى يستعمل سلطة عير مباشرة على موضوع الحق دون وسيط بينهما ، بخلاف الحق الشخصى فليس للدائن فيه إلا سلطة غير مباشرة على الشيء موضوع الحق ، ولا يستعمل هذه السلطة إلا بوساطة المدين .

5 – بقاء التمييز ما بين الحقين قائما : يبقى إذن التمييز ما بين الحق الشخصى والحق العيني قائماً بأهميته . فالحق العيني سلطة مباشرة للشخص على الشيء ، والحق الشخصي رابطة مابين شخصين . والظاهرة المهمة في الحق العيني هي تحديد الموضوع ، أما في الحق الشخصي فتحديد المدين . ويزيد الحق الشخصي على الحق العيني عنصراً أساسياً هو وجود مدين معين يباشر بوساطته الدائن سلطته على الشيء موضوع الحق .

6 – نتائج هذا التمييز : وهذا التمييز ما بين الحقين لا يزال تمييزا جوهرياً في كل القوانين التي اشتقت من القانون الروماني . وتترتب عليه نتيجتان هامتان : 1 – لما كان الحق العيني سلطة مباشرة على الشيء ، فلصاحبه حق تتبع هذا الشيء ( droit de suite ) في يد أي شخص انتقلت إليه ملكيته .

2 – وله أيضاً ، إذا كان الحق العيني حق ضمان كالرهن . أن يتقدم على جميع الدائنين الشخصيين في تقاضى حقه من الشيء ( droit de preference ) ، فإن هؤلاء ليست لهم إلا سلطة مباشرة على هذا الشيء ( [2] ) .

 ( [1] ) وينقل الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت بك في كتابه ” نظرية الالتزام ” عن مذكرات الدكتور عبد المعطي خيال بك ( فقرة 5 ) في هذا الصدد ما يأتي : ” أن التكليف باحترام الحق العيني وعدم الاعتداء عليه لا يمكن بالبداهة أن يكون من العناصر المكونة له ، لأنه لا يتصور أن يطلب إلى الكافة إلا احترام حق كامل قائم . فالتكليف يتقرر إذن بعد وجود الحق العيني ، بينما الالتزام الواقع على المدين في الحق الشخصي جزء منه لا يتصور وجود الحق من غيره ” . ( الدكتور حشمت أبو ستيت بك : نظرية الالتزام ، القاهرة سنة 1945 ص 10 هامش رقم 1 ) .

 ( [2] ) ويلاحظ في هذا الصدد أن التنازل عن الحق العيني يتم بارادة منفردة هي إرادة صاحب الحق . أما التنازل عن الحق الشخصي فكان في القانون المدني القديم لا يتم إلا باتفاق الدائن والمدين تغليباً لناحية ما ينطوي عليه الحق من رابطة شخصية ، ويتم الآن في القانون المدني الجديد بارادة صاحب الحق وحدها تغليباً لناحية ما ينطوي عليه الحق من قيمة مالية .

ويلاحظ كذلك أن الحق العيني يكسب بالتقادم ، أما الحق الشخصي فلا . والسبب في ذلك لا يرجعغ إلى أن الحيازة ، وهي التي يستند إليها التقادم المكسب ، ترد على الحق العيني دون الحق الشخصي ، فالحيازة ترد على كل من الحقين ( قارن نظرية العقد للمؤلف ص 7 وهامش رقم 1 ) . نرى أنه لا يوجد سبب فني يمنع من كسب الحق الشخصي بالتقادم . ولكن لما كان ذلك لا تتحقق فائدته العملية إلا نادراً ، فقد اغفلته الصياغة القانونية ، وهي لم تغفل في الوقت ذاته ما ظهرت الحاجة إليه من ذلك كما نرى في نظرية الوارث الظاهر وفي الوفاء بحسن نية لشخص كان الدين في حيازته ( م 333 من القانون المدني الجديد )

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s