تعاقد الشخص مع نفسه
95 – نظرة عامة : متى سلمنا أنه يجوز حلول إرادة محل أخرى بطريق النيابة ، أمكن أن نسلم أن شخصا واحدا يكون نائبا عن غيره وأصيلاً عن نفسه ، أو أن يكون نائبا عن كل من المتعاقدين ، فيجمع في الحالتين طرفي العقد في شخصه . ولا يكون ثمة إلا إرادة واحدة هي إرادة ذلك الشخص وقد حلت إرادتين ( [1] ) .
وقد اختلفت الشرائع في موقفها من هذه المسالة . فمنها ما يحرم في الأصل تعاقد الشخص مع نفسه ، كالقانون الألماني والمشروع الفرنسي الايطالي والشرعية الإسلامية والشريعة الانجليزية والقانون المصري الجديد . ومنها ما يبيحه بوجه عام ، كالقانون السويسري والقانون الفرنسي والقانون المصري القديم . ولكن لا توجد شريعة أطلقت التحريم أو الإباحة . فالشرائع التي حرمت تعاقد الشخص مع نفسه أباحته في فروض معينة ، والشرائع التي أباحته حرمته في ظروف استثنتها ، وكان من شان التوسع في الاستثناء عند الفريقين ، خضوعاً لمقتضيات الحياة العملية ، أن تقربت الشرائع التي تحرم الشرائع التي تبيح .
96 – تعاقد الشخص مع نفسه في القانون القديم : لم يرد في القانون القديم نص عام يحرم تعاقد الشخص مع نفسه أو يبيحه . فنزع الفقه إلى الاجتهاد ، وميز بين أن يكون الشخص الذي يتعاقد مع نفسه ينوب عن أحد طرفي العقد ويتقدم أصيلاً عن نفسه وان يكون نائباً عن الطرفين . ذلك أنه جعل العبرة في منع هذا التعاقد أو أباحته وجود خطر يهدد مصلحة الأصيل أو انعدام هذا الخطر ، فيمنع التعاقد عند تحقق الخطر ويباح عند انتفائه . ومن هنا جاء التمييز بين شخص يتعاقد مع نفسه لنفسه وآخر يتعاقد مع نفسه لغيره . فالخطر متحقق في الحالة الأولى بالنسبة إلى بعض العقود ذات الأهمية كالبيع ونحوه فتمتنع مباشرة هذه العقود ، أما بالنسبة إلى العقود الأخرى فتجوز مباشرتها . ولا يتحقق الخطر في الحالة الثانية إلا في بعض عقود استثنائية كالصلح ، فيباح تعاقد الشخص مع نفسه إلا في هذه الحالات الاستثنائية ( [2] ) .
( [1] ) ومن هنا حرمت بعض الشرائع تعاقد الشخص مع نفسه لأن نظرية النيابة تقضي بأن النائب إنما يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل ، فاجتماع طرفي العقد في شخص واحد ، سواء كان نائباً عن كل منهما أو ناباً عن احدهما وأصيلاً عن نفسه ، يجعلنا من الوجهة الواقعية ومن الوجهة القانونية معاً أمام إرادة واحدة لا إرادتين . ومعروف أن العقد لا يتم إلا بتوافق إرادتين .
أما أنصار الإباحة فينقسمون إلى فريقين : فريق يرى أن تعاقد الشخص مع نفسه هو عقد حقيقي توافق فيه القبول مع الإيجاب ، ولكن شخصاً واحدا هو الذي عبر عن كل من الإيجاب والقبول طبقاً لمنطق نظرية النيابة ( بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 68 ص 88 ) . وفريق آخر يرى أن تعاقد الشخص مع نفسه لا ينطوي إلا على إرادة منفردة جعلها القانون تنتج اثرا ( ديموج 1 فقرة 42 – فقرة 43 ) ، ونحن نميل إلى ترجيح هذا الرأي الثاني . ( انظر رأياً آخر للدكتور حلمي بهجت بدوي يتمشى فيه مع رأيه الذي سبقت الإشارة إليه من اشتراك إرادة الأصيل وإرادة النائب في إمضاء العقد إذا كانت النيابة اتفاقية ، ومن جعل اثر العقد حكما من أحكام القانون إذا كانت النيابة قانونية في مؤلفة ” أصول الالتزامات ” ص 124 – ص 125 ) .
( [2] ) نظرية العقد للمؤلف ص 231 – ص 236 .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن