تقرير البطلان
( دعوى البطلان )
324 – مسائل ثلاث : يعنينا في تقرير البطلان أن نبحث مسائل ثلاثا : ( 1 ) من الذي يتمسك ببطلان العقد . ( 29 وكيف يتقرر البطلان . ( 3 ) وما الأثر الذي يترتب على تقريرها .
المطلب الأول
من الذي يتمسك بالبطلان
325 – العقد الباطل والعقد القابل للإبطال : في العقد الباطل يجوز أن يتمسك بالبطلان كل من له مصلحة في ذلك ، بل وللمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها . أما في العقد القابل للإبطال ، فلا يتمسك بالبطلان إلا المتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته دون المتعاقد الآخر ( [1] ) .
ونفصل ما أجملناه .
1 – العقد الباطل
326 – النصوص القانونية : نصت الفقرة الأولى من المادة 141 على ما يأتي :
” إذا كان العقد باطلا جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان ، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة ” ( [2] ) .
وقد كان المشروع التمهيدي أوضح بياناً في تعيين ذوى المصلحة الذين لهم أن يتمسكو بالبطلان . فكانت المادة 194 من هذا المشروع تنص على أن ” للمتعاقدين وللخلف العام والخاص وللدائنين التمسك بأوجه البطلان الواردة في المادة السابقة ” .
327 – يتمسك بالبطلان كل ذي مصلحة وللمحكمة من تلقاء نفسها أن تقضي به : العقد الباطل لا وجود له كما قدمنا . وسنري أن بطلانه يتقرر عادة عن طريق الدفع ، وقد تقضي الضرورة العملية في بعض الحالات أن يكون تقرير البطلان عن طريق الدعوى . وسواء كان تقرير البطلان عن طريق الدفع أو عن طريق الدعوى ، فإن الذي يستطيع أن يتمسك بالبطلان هو كل شخص له مصلحة في ذلك ( [3] ) .
والمصلحة هنا يراد بها حق يؤثر فيه صحة العقد أو بطلانه . ويترتب على ذلك أن مجرد المصلحة . دون قيام هذا الحق . لا يكفي . فلا يجوز مثلا أن يتمسك الجار ببطلان ببيع صدر من جاره لآخر بحجة أن له مصلحة في التخلص من الجوار المشتري الجديد . ولا يحق لتاجر أن يطلب تقرير بطلان شركة ليتخلص من منافستها له .
ولكن إذا كان صاحب المصلحة له حق يؤثر فيه بطلان العقد جاز له التمسك بالبطلان . ففي البيع الباطل يستطيع كل من المتعاقدين أن يتمسك بالبطلان : البائع حتى يسترد المبيع ، والمشتري حتى يسترد الثمن . ودائنو كل من البائع والمشتري لهم أن يتمسكوا بالبطلان ، لا بطريق الدعوى غير المباشرة فحسب ، بل أيضاً بطريق مباشر ، وذلك ليستردوا المبيع أو الثمن فينفذوا عليه بحقوقهم . وورثة كل من البائع والمشتري يتمسكون بالبطلان لرد المبيع أو الثمن إلى التركة ، ولذلك أيضاً بمقتضى حق مباشر لهم ، وكل شخص رتب له البائع أو المشتري حقاً عينياً أو حقاً شخصياً بالنسبة إلى العين المبيعة يجوز له أن يتمسك بالبطلان ، فالمرتهن من البائع يطلب البطلان حتى يسلم له حق الرهن ، والمرتهن من المشتري يطلب البطلان حتى يسترد الدين ، ومستأجر العين المبيعة من البائع يطلب البطلان حتى يبقى في العين ولو كان عقد الإيجار غير ثابت التاريخ ، ومستأجرها من المشتري يطلب البطلان حتى يسترد الأجرة . وكل هؤلاء يطلبون البطلان ، لا عن طريق استعمال حق مدينهم بالدعوى غير المباشرة . بل بمقتضى حق مباشر لهم .
فالذين يجوز لهم التمسك بالبطلان إذن هم المتعاقدان والدائنون والخلف العام والخلف الخاص .
بل للمحكمة أيضاً أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها ، لأن العقد الباطل ليس له وجود قانونين ، والقاضي لا يستطيع إلا أن يقرر ذلك .
328 – متى يجوز التمسك بالبطلان : إذا كان التمسك بالبطلان عن طريق الدعوى ، فلا بد من رفعها في خلال خمس عشرة سنة من وقت صدور العقد ، وإلا سقطت بالتقادم ، أما إذا كان التمسك بالبطلان عن طريق الدفع ، فيجوز ذلك في أي وقت كما سبق القول ، ويجوز إبداء الدفع في أية حالة كانت عليها الدعوى ، كما يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ( [4] ) .
2 – العقد القابل للإبطال
329 – النصوص القانونية : نصت المادة 138 من القانون الجديد على ما يأتي :
” إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق ” ( [5] ) .
وقد كان المشروع التمهيدي يورد هذا النص على وجه يبين الحكمة فيه ، فكانت المادة 196 من هذا المشروع تنص على أنه ” ليس لغير الأشخاص الذين تقرر البطلان النسبي لمصلحتهم أن يتمسكوا بأوجه البطلان الواردة في المادة السابقة ” .
330 – لا يتمسك بالبطلان إلا المتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته : العقد القابل للإبطال لم تتقرر قابليته للإبطال إلا لمصلحة أحد المتعاقدين . فهذا المتعاقد وحده ، دون المتعاقد الآخر ، هو الذي يجوز له أن يتمسك بالبطلان . فإذا كان سبب القابلية للإبطال نقص الأهلية ، فناقص الأهلية وحده هو الذي يتمسك بالبطلان ( [6] ) . وإذا كان السبب هو عيب شاب الإرادة ، فمن شاب إرادته العيب هو الذي يتمسك بإبطال العقد . وفي بيع ملك الغير المشتري وحده هو الذي يتمسك بالبطلان .
ولا يستطيع أن يطلب إبطال العقد لا الدائن ولا الخلف العام ولا الخلف الخاص بمقتضى حق مباشر لهم ، ولكن يستطيعون ذلك باعتبارهم دائنين للمتعاقد ، فيستعملون حقه في طلب إبطال العقد عن طريق الدعوى غير المباشرة .
كذلك لا تستطيع المحكمة أن تقضي بإبطال العقد من تلقاء نفسها إذا لم تتمسك بالإبطال المتعاقد ذو المصلحة .
331 – متى يجوز التمسك بالبطلان : ويجوز التمسك بالبطلان ، دعوى أو دفعا ، ما دام البطلان لم يسقط بالتقادم بانقضاء المدة المقررة ، ثلاث سنوات من وقت زوال العيب أو خمس عشرة سنة من وقت نشوء العقد . ويجوز إبداء الدفع بالبطلان في أية حالة كانت عليها الدعوى على النحو الذي بيناه في العقد الباطل .
( [1] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” فما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوما – وليس ثمة محل للتفريق بين العقد الباطل والعقد المعدوم – فيجوم لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان ولو لم يكن طرفاً في التعاقد ، كالمستاجر مثلا في حالة بطلان بيع الشيء المؤجر بطلاناً مطلقاً ، بل ويجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه . أما البطلان النسبي فلا يجوز أن يتمسك به إلا طرف من اطراف التعاقد هو الطرف الذي يشرع البطلان لمصلحته ، ويكون من واجبه أن يقم الدليل على توافر سببه ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 256 ) . وكان المشروع التمهيدي يقضي في المادة 200 منه بأن ” كل من ادعى سبباً للبطلان المطلق أو النسبي يكون عليه إثباته ” ، فحذف هذا النص في المشروع النهائي لعدم الحاجة إليه ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 254 – ص 255 في الهامش ) .
( [2] ) أنظر تاريخ النص آنفاً فقرة 319 في الهامش .
( [3] ) محكمة المنصورة الكلية الوطنية في 14 فبراير سنة 1943 المحاماة 23 رقم 112 ص 247 .
( [4] ) استئناف مختلط في 27 نوفمبر سنة 1946 م 59 ص 35 ( وكان الدفع بالبطلان للغلط ، وهو في هذا مثل الدفع بالبطلان المطلق ) . وقضت محكمة النقض بأن الدفع بالبطلان ، الذي جوزت المادة 133 من قانون المرافعات ( قديم ) إبداءه قبل الدخول في موضوع الدعوى وقضت المادتان 138 و 139 مرافعات ( قديم ) بسقوط الحق فيه بالحضور أو بالرد على الورقة الباطلة ، بما يفيد اعتبارها صحيحة ، إنما هو الدفع الخاص ببطلان صحيفة افتتاح الدعوى وبطلان أوراق الإجراءات والمرافعات . فليس يصح تعدية هذه الأحكام إلى الدفع ببطلان العقود ، لأن الدفع يكون عندئذ من الدفوع الموضوعية التي يجوز تقديمها في أية حالة تكون عليها الدعوى أو تطبق عليه أحكام الإجازة الخاصة إذا كان البطلان نسبياً لا مطلقاً ( نقض مدين في 20 ديسمبر سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 213 ص 510 ) .
( [5] ) أنظر تاريخ النص فيما يلي ( فقرة 335 في الهامش ) .
( [6] ) وقد يكون كل من المتعاقدين ناقص الأهلية فلكل منهما أن يتمسك بالبطلان ، ولا يكون العقد لذلك باطلا بل يبقى قابلا للإبطال ، فتصح إجازته ويزول بطلانه بالتقادم ، ولو كان العقد باطلا لما حاز ذلك\
منشور في مقال أقوى محامي الأردن