الاتفاقات التي تخالف النظام العام
229 – روابط القانون العام وروابط القانون الخاص : حاول بعض الفقهاء حصر النظام العام في دائرة روابط القانون العام ، وهذه نظرة فردية متطرفة يكذبها الواقع ، فإن النظام العام يدخل دون شك في روابط القانون الخاص ، ولا يقتصر على دائرة القانون العام . وقد أريد التمييز في روابط القانون الخاص بين روابط الأحوال الشخصية وروابط المعاملات المالية ، فالأولى تعتبر من النظام العام والأخرى لا تعتبر كذلك ، وهذه أيضاً نظرة ضيقة للنظام العام ، فمن روابط المعاملات المالية ما يحقق مصلحة عامة كما يتبين ذلك من التطبيقات التي سنوردها .
1 – روابط القانون العام
230 – أنواع هذه الروابط : القانون العام ينظم روابط الأفراد بالهيئات العامة وروابط الهيئات العامة بعضها ببعض . وهذا التنظيم ينظر فيه إلى المصلحة العامة ، فلا يجوز للأفراد أن يتفقوا على ما يتعارض مع هذه المصلحة تحقيقاً لمصالحهم الفردية .
ويشمل القانون العام فيما يشمله : ( 1 ) القواعد الدستورية والحريات العامة . ( 2 ) النظم الإدارية والمالية . ( 3 ) النظام القضائي . ( 4 ) القوانين الجنائية . ونورد أمثلة لكل فرع من هذه الفروع .
231 – القواعد الدستورية والحريات العامة : فالقاعدة الدستورية التي تقرر حرية الترشيح والانتخاب تعتبر من النظام العام ، ولا يجوز لمشرح أن ينزل عن ترشيحه لمرشح آخر بمقابل أو بغير مقابل ، كما لا يجوز لناخب أن يتفق مع مرشح على إعطائه صوته ، وكل اتفاق من هذا القبيل باطل لمخالفته للنظام العام . كذلك النائب في هيئة تشريعية حر في تكوين رأيه في المسائل التي تعرض على الهيئة التي ينتمي إليها ، فلا يجوز أن يقيد نفسه باتفاق على أن يجعل صوته لرأي معين ، كما لا يجوز له النزول عن عضويته .
والحريات العامة التي قررها الدستور هي أيضاً من النظام العام ، وذلك كالحرية الشخصية . وما يتفرع عنها من حرية الإقامة ، وحرية الزواج ، وحرمة النفس والحرمة الأدبية . وحرية الدين والاعتقاد ، وحرية الاجتماع ، وحرية العمل والتجارة .
فلا يجوز لأحد النزول عن حريته الشخصية ( أنظر المادة 49 من القانون المدني الجديد ) . ولا يجوز لأحد أن يتعهد بخدمة آخر طول حياته أو طول حياة المخدوم ، فإذا كان عقد العمل لمدة حياة العامل أو رب العمل أو لأكثر من خمس سنوات ، جاز للعامل بعد انقضاء خمس سنوات أن يفسخ العقد دون تعويض على أن ينظر رب العمل إلى ستة أشهر ( أنظر الفقرة الثانية من المادة 678 من القانون المدني الجديد ) .
وتنص المادة السابعة من الدستور على أنه ” لا يجوز إبعاد مصري من الديار المصرية . ولا يجوز أن يحظر على مصري الإقامة في جهة ما ولا أن يلزم الإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون ” ومع ذلك يجوز أن يتقيد شخص بتحديد محل إقامته لمدة معينة إذا كان هناك سبب مشروع لذلك ، كما يجوز أن يتعهد شخص بعدم الإقامة في جهة معينة إذا وجد مبرر قوي لهذا التعهد . وفي الحالتين يكون جزاء الإخلال بالالتزام هو التعويض لا التنفيذ العيني .
وحرية الزواج من النظام العام . فإذا تعهد شخص إلا يتزوج مطلقاً ، كان هذا التعهد في الأصل باطلا ، كما إذا تعهدت امرأة لخليلها السابق إلا تتزوج أصلاً . ومع ذلك قد يكون التعهد صحيحاً إذا وجد سبب مشروع يبرره ، كما إذا تعهدت زوجة لزوجها إلا تتزوج بعد ترملها وكان لها من زوجها أولاد يريد الزوج أن يكفل لهم رعاية أمهم بعد موته . وإذا كان التعهد صحيحاً ، فلا يكون جزاء الإخلال به بطلان الزواج ، بل يدفع المتعهد تعويضا عن إخلاله بالتزامه ، ويغلب أن يكون الجزاء هو حرمان المتعهد من الهبة أو الوصية التي أعطيت له أو من المعاش الذي رتب له . وإذا تعهد شخص بان يتزوج من شخص معين ، فهو غير مقيد بتعهده ، ويجوز له العدول عن هذه الخطبة أو عن هذا التعهد ، ولا يكون مسئولا بمقتضى العقد وإن جاز أن يلتزم بالعمل غير المشروع لفسخه الخطبة في وقت غير لائق أو لارتكابه خطأ .
وللنفس حرمة لا يجوز انتهاكها باتفاقات تتعارض مع سلامتها . فيكون باطلا كل اتفاق يتعهد بمقتضاه شخص أن يعرض سلامته لخطر لا توجبه الضرورة ، كالاتفاق على المبارزة أو الملاكمة أو المصارعة ، وأن كان هناك ميل في الوقت الحاضر إلى إباحة التعاقد في الألعاب الرياضية حتى لو كانت عنيفة كالملاكمة والمصارعة لانتشار هذه الألعاب ورضاء الرأي العام عنها . وكحرمة النفس الحرمة الأدبية لا يجوز انتهاكها . فلا يصح أن تنازل مؤلف عن حقه الأدبي في إدخال ما يراه من التعديل على تأليفه ، حتى لو كان قد نزل عن حقوقه المادية في مؤلفه .
ويكون باطلا كل اتفاق يقيد من حرية الشخص في اعتناق الدين الذي يختاره ، وكل اتفاق يقيد الشخص بعقيدة معينة أو بمذهب معين من مذاهب التفكير .
ولكل شخص الحق في أن يجتمع مع غيره ، في هيئة أو جماعة ، وأن ينتمي إلى ما يشاء من الجمعيات ما دام الغرض الذي تألفت من اجله هذه الجمعيات مشروعاً . وأكثر ما يطبق هذا المبدأ في حالة نقابات العمال ، فلكل عامل الحق في الانضمام إلى النقابة التي يختارها ، وهو حر كذلك في إلا ينضم إلى نقابة ما . على أنه قضى بصحة اتفاق تعهد صاحب العمل بمقتضاه إلا يستخدم من العمال إلا من كان منضما إلى نقابة ، فتقيدت بذلك حرية العامل على نحو ما في أن يبقى بعيداً عن النقابات ( [1] ) .
ولكل شخص الحرية الكاملة في اختيار العمل الذي يتخذه حرفة له وفي القيام بما يشاء من أنواع التجارة . ولا يجوز أن يحرم شخص من هذه الحرية ولو رضى بهذا الحرمان . وأكثر ما ترد القيود الاتفاقية على حرية التجارة والعمل في عقود بيع المتاجر وفي عقود العمل . فإذا باع صاحب المتجر متجره ، فهو ملزم بضمان تعرضه الشخصي بمقتضى عقد البيع ذاته . ولا يجوز له بناء على ذلك أن يدير متجراً آخر ينتزع به عملاء المتجر القديم ، وإلا كان متعرضاً للمشتري ووجب الضمان . ولكن المشتري لا يكتفي عادة بهذا الضمان الذي يقرره القانون ، بل يشترط في عقد البيع أن يكف البائع عن العمل في هذا النوع من التجارة . كذلك كثيراً ما يشترط صاحب العمل على من يستخدمه في عمله إلا يلتحق بعمل مماثل إذا انقطع عن عمله الأول ، فيأمن بذلك على اسرار الصنعة أن يستغلها العامل في مناقسته بعد أن يكون قد ألم بها عنده . فإذا تعهد شخص بألا يعمل في تجارة معينة أو يلتحق بفعل معين ، فقد قيد بذلك من حريته في التجارة والعمل . وقد يكون هذا القيد مخالفاً للنظام العام . وكان القضاء في فرنسا وفي مصر يبطل القيد لمخالفته للنظام العام إذا كان مطلقاً غير محدود لا بزمان ولا بمكان . أما إذا قدي بزمان ، كأن يتعهد الشخص بأن يمتنع عن العمل أو التجارة مدة معينة ، أو بمكان ، كان يلتزم المتهم بالامتناع عن العمل أو التجارة في مكان معين ، كان التعهد صحيحا ( [2] ) . تم بدا ميل من جانب القضاء إلى العدول عن هذه القواعد الجامدة واستبدال معيار مرن بها ، فلا يكون المدار في الصحة والبطلان أن يتقيد التعهد بزمان أو بمكان أو لا يتقيد ، بل المهم أن يكون التعهد معقولا ( raisonnable ) لا تعسف فيه . ولا يكون هناك تعسف إذا كان التعهد لازماً لحماية الدائن من منافسة المدين غير المشروعة حتى لو كان هذا التعهد مطلقاً من كل قيد في الزمان أو في المكان ، ويكون التعهد باطلا إذا ما زاد عن الحد اللازم لهذه الحماية المشروعة حتى لو كان مقيداً في الزمان وفي المكان . فالعبرة إذن بمعقولية التعهد لا بتقييده ( [3] ) . وقد جاء القانون المدني الجديد مؤيداً هذا المعيار المرن ، فاشترط لصحة القيد أن يكون مقصوراً من حيث الزمان والمكان ونوع العمل على القدر الضروري لحماية مصالح رب العمل المشروعة ( م 686 ) ، وإذا اتفق على شرط جزائي في حالة الإخلال بالامتناع عن المنافسة وكان في الشرط مبالغة تجعله وسيلة لإجبار العامل على البقاء في خدمة رب العمل مدة أطول من المدة المتفق عليها كان هذا الشرط باطلا وينسحب بطلانه أيضاً إلى شرط عدم المنافسة في جملته ( م 687 ) ( [4] ) .
323 – النظم الإدارية والمالية : كذلك النظم الإدارية والمالية تحقق مصلحة عامة ، فهي إذن من النظام العام . ولا يجوز للأفراد ، باتفاقات خاصة ، أن يعارضوا تحقيق هذه المصلحة .
فيحرم على الموظف أن يبيع وظيفته أو أن ينزل عنها لآخر ، على أن الوظيفة ذاتها شيء لا يجوز التعامل فيه فلا يصح أن يكون محلا لتصرف ما . كذلك لا يجوز للموظف أن يتعهد لشخص آخر بأن يستقيل من وظيفته ، سواء رمى من وراء هذه الاستقالة إلى تحقيق رغبة لدى هذا الشخص ، أو قصد منها أن يترك له وظيفته خالية حتى يتمكن من الحصول عليها . وكل عقد يرمي إلى جعل الموظف يستفيد من وراء وظيفته ، كأن يتعاقد على شيء متصل بأعمال الوظيفة فيجني من وراء ذلك ربحاً ، يكون عقداً باطلاً لمخالفته للنظام العام . وليس الأمر مقصوراً على الموظف ، فكل وسيط يبذل وساطته في نظير مقابل يحصل عليه للوصول إلى نتيجة تحتم النزاهة في الإدارة أن يكون الوصول إليها دون مقابل أو وساطة إنما يقوم بعمل غير مشروع ، ويكون تعاقده باطلا . فاتفاق الوسيط مع شخص على جعل يأخذه الوسيط إذا مكن هذا الشخص من الحصول على وظيفة أو على رتبة أو على وسام أو على امتياز من الحكومة أو ” مقاومة ” يرسو ” العطاء ” عليه فيها أو نحو ذلك يكون اتفاقاً باطلا لمخالفته للنظام العام ( [5] ) . كذلك لا يجوز للموظف أن يقوم بعمل تجاري محرم عليه بل إن هناك من المهن ، كالطب والمحاماة ، ما ينظم تنظيماً إدارياً ، ولا يجوز لمن يمارسها أن يخلط بينها وبين أعمال التجارة ( [6] ) .
وإذا فرض قانون ضريبة وجب دفعها دون زيادة أو نقص . فإذا اتفق البائع والمشتري على ذكر ثمن في عقد البيع أقل من الثمن الحقيقي حتى تؤخذ رسوم التسجيل على الثمن المذكور في العقد ، ففي مثل هذه الحالة تكون العبرة بالثمن الحقيقي لا بالثمن الصوري المكتوب . ولا يجوز كذلك الاتفاق على جعل الملزم بدفع الضريبة شخصاً آخر غير الذي عينه القانون . لكن يجوز أن يتفق المؤجر والمستأجر على أن يقوم الثاني بدفع الضريبة المفروضة على العين المؤجرة بشرط أن يدخل ذلك في حساب الأجرة . ولا يمنع هذا الاتفاق من أن يبقى المؤجر ، إذا كان هو مالك العين ، ملزماً بأداء الضريبة لخزينة الدولة .
وقد رأينا فيما تقدم أن القوانين التي تنظم النقد والعملة تعتبر من النظام العام ، وأن شرط الدفع بالذهب باطل في المعاملات الداخلية والمعاملات الخارجية على السواء ( [7] ) .
233 – النظام القضائي : نظم التقاضي تحقق في مجموعها ” مصلحة عامة ” ، وكثير من هذه النظم لا تجوز معارضته باتفاقات فردية .
فتحديد اختصاص المحاكم – فيما عدا الاختصاص المحلي – يعتبر من النظام العام . ولا يجوز للخصوم أن يتفقوا على اختصاص محكمة تكون غير مختصة بالنسبة إلى ولايتها أو بالنسبة إلى اختصاصها النوعي ، فيرفعوا قضية من اختصاص المحاكم الشرعية إلى محكمة من المحاكم الوطنية أو قضية من اختصاص المحاكم الابتدائية إلى محكمة جزئية . وقد كان قانون المرافعات الوطني القديم لا يعتبر مسائل الاختصاص النوعي من النظام العام .
وقابلية الحكم للطعن فيه بطريق المعارضة أو الاستئناف أو النقص أو التماس إعادة النظر أو نحو ذلك قد تعتبر من النظام العام . فلا يجوز للخصوم أن يتفقوا على أن المعارضة جائزة في حكم حضوري ، أو أن الاستئناف جائز في حكم لا يقبله . ولكن يجوز الاتفاق على أن الحكم الذي يصدر من محكمة أول درجة لا يستأنف ولا يعارض فيه حتى لو كان قابلا للاستئناف أو للمعارضة ( [8] ) .
234 – القوانين الجنائية : ولا تجوز مخالفة القوانين الجنائية باتفاقات خاصة ، لأن هذه القوانين تعتبر من النظام العام . فيعد باطلا الاتفاق على ارتكاب جريمة أو الاتفاق على عدم ارتكاب جريمة لقاء مبلغ من المال . ويعد باطلا أيضاً الاتفاق الذي يلتزم بمقتضاه شخص بان يتحمل عن آخر ما قد عسى أن يتعرض له من مسئولية جنائية ، والاتفاق التي يلتزم بمقتضاه شخص بان يدفع الغرامات التي يحكم بها جنائياً على شخص آخر . ولا يجوز بمقتضى اتفاق خاص أن تخلق جريمة ليست موجودة في القانون ، كأن يتفق الدائن والمدين على اعتبار عدم وفاء المدين بدينه تبديداً ، فالتبديد لا يكون إلا في عقود معينة مبينة على سبيل الحصر ( [9] ) .
2 – روابط القانون الخاص
235 – الأحوال الشخصية والمعاملات المالية : هذه الروابط أما أن تكون متعلقة بالأحوال الشخصية ، أو داخلة في دائرة المعاملات المالية .
236 – الأحوال الشخصية : كثير من روابط الأحوال الشخصية يحقق مصلحة عامة ويعتبر من النظام العام ، فلا يجوز للأفراد تعديلها باتفاقات فيما بينهم . من ذلك الحالة المدنية للشخص وأهليته وعلاقته بأسرته .
فلا يجوز تعديل الحالة المدنية باتفاق خاص ، كان يتفق شخص مع آخر على تعديل جنسيته أو تغيير اسمه أو التنازل عن بنوته لأبيه أو الصلح على شيء من ذلك . بل إن القانون المدني الجديد حمى بنصوص صريحة الحقوق الملازمة للشخصية من أن يعتدى عليها . فنصت المادة 50 على أنه ” لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر ” . ونصت المادة 51 على أنه ” لكل من نازعه الغير في استعمال اسمه بلا مبرر ، ومن انتحل الغير اسمه دون حق أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر ” . أما إذا أصبح اسم الشخص اسما تجارياً فإنه يكون مالا يجوز النزول عنه وبيعه والتصرف فيه .
وقواعد الأهلية من النظام العام . فلا يستطيع شخص أن ينزل عن أهليته أو يزيد فيها أو ينقص منها باتفاق خاص . وقد نصت المادة 48 من القانون المدني الجديد على أنه ” ليس لأحد النزول عن أهليته ولا التعديل في أحكامها ” . وكالأهلية الولاية ، فلا يجوز للولي أو الوصي أو القيم أن يزيد أو ينقص من حدود ولايته .
وعلاقة الشخص بأسرته وما له من حقوق وما عليه من واجبات كل هذا يعتبر من النظام العام إذا لم يكن حقوقاً مالية محضة . مثل ذلك الحقوق والواجبات التي تنشأ من عقد الزواج ، فلا يجوز الاتفاق ما بين الزوجين على تعديل ما للزوج من حقوق على زوجته في الطاعة والأمانة الزوجية أو تعديل ما للزوجة من حقوق على زوجها من النفقة والرعاية . ولا يجوز للزوج المسلم أن ينزل عن حقه في الطلاق ( [10] ) . كذلك الحقوق والواجبات التي تنشأ من الأبوة تعتبر من النظام العام . فللأب حق تربية أولاده ، فلا يجوز أن يقيد نفسه باتفاق يحدد طريقة تربية الأولاد أو يلزمه مقدماً باختيار دين معين لهم كان تكون الأولاد على دين الأم مثلا . والنفقات بمختلف أنواعها ، من نفقة الزوجة ونفقة الصغير والنفقة ما بين الأصول والفروع والنفقة ما بين ذوى الأرحام ، تعتبر كلها من النظام العام ، فلا يجوز تنازل الشخص مقدماً عن حقه في مطالبة من تجب عليه النفقة له ، وإن كان يجوز التنازل عن النفقة المتجمدة بعد تجمدها .
237 – المعاملات المالية : ومن روابط المعاملات المالية ما يحقق مصلحة عامة فيعتبر من النظام العام . من ذلك الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي في البلاد ، فهي تارة تفسح المجال للنشاط الفردي ، وطوراً تحد من هذا النشاط لحماية الجانب الضعيف . ومن ذلك أيضاً الأحكام التي تكفل حماية الغير حسن النية .
فمن الأسس التي تفسح المجال للنشاط الفردي وتكفل تداول المال واستثماره على خير وجه أن حق الملكية لا يجوز أن يقيد المالك في استعماله بغل يده عن التصرف فيه ، وشرط عدم التصرف باطل ما لم يكن مبنياً على باعث مشروع ومقصوراً على مدة معقولة ( م 823 من القانون المدني الجديد ) . ولا يجوز أن يتقيد المالك بالبقاء في الشيوع لمدة تزيد على خمس سنوات ( م 834 من القانون المدني الجديد ) ، لأن الشيوع بعيد عن أن يكون خير الوجوه لاستثمار الملكية .
ومن الأسس التي تكفل حماية الجانب الضعيف ما قرره القانون في صدد عقود الإذعان من جواز تعديل الشروط التعسفية أو الإعفاء منها ، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك ( م 149 من القانون المدني الجديد ) . وما قرره من إبطال العقد أو إنقاص الالتزامات في حالة الاستغلال ( م 129 من القانون المدني الجديد ) . وما قرره من إنقاص الالتزام المرهق في حالة الحوادث الطارئة ( م 147 من القانون المدني الجديد ) . وما قرره من جواز تخفيض الشرط الجزائي ( م 224 من القانون المدني الجديد ) . وما قرره من عدم جواز الاتفاق على سعر للفائدة أعلى من السعر الذي يسمح به القانون ( م 227 من القانون المدني الجديد ) .
ومن الأحكام التي تحمي الغير حسن النية القواعد التي رسمها القانون لشهر الحقوق العينية ، فيكون باطلا اتفاق البائع مع المشتري على أن تعتبر الحقوق العينية المترتبة على العين المبيعة سارية في حق المشتري ولو لم تشهر هذه الحقوق على الوجه الذي يتطلبه القانون . كذلك لا يتقيد الدائن باتفاقه مع المدين على تنازله مقدماً عن الطعن في تصرفات مدينه بالصورية أو بالدعوى البوليصية . ولا يجوز لشخص أن يشترط عدم ضمان تعرضه الشخصي أو عدم مسئوليته عن الغش الذي يصدر منه . ولا يجوز الإعفاء من المسئولية التقصيرية سواء كانت مبنية على غش أو على خطأ ، ولا الإعفاء من المسئولية العقدية إذا كانت مبنية على غش أو على خطأ جسيم .
( [1] ) محكمة النقض الفرنسية في 24 أكتوبر سنبة 1916 داللوز 1916 – 1 – 247 وسيريه 1920 – 1 – 17 مع تعليق بنكاز – أنظر في هذه المسألة بلانبيول وريبير وإسمان 1 فقرة 248 .
( [2] ) محكمة النقض الفرنسية في 2 يولية سنة 1900 سيريه 1904 – 1 – 175 – حكم ثان في 14 مارس سنة 1904 سيريه 1904 – 1 – 444 – حكم ثالث في 15 يونية سنة 1922 سيريه 1922 – 1 – 200 .
وانظر محكمة مصر الكلية الوطنية في 27 مارس سنة 1912 المجموعة الرسمية 13 رقم 120 ص 250 – محكمة بني سويف في 22 ابريل سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 95 ص 184 – محكمة مصر الكلية الوطنية في 21 يولية سنة 1930 المحاماة 11 رقم 315 من 655 محكمة الاستئناف المختلطة في 12 ديسمبر سنة 1901 م 14 ص 46 – وفي 7 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 42 – وفي 2 فبراير سنة 1933 م 45 ص 156 .
( [3] ) محكمة النقض الفرنسية في 17 مايو سنة 1911 سيريه 1913 – 1 – 253 – محكمة الاستئناف المختلطة في 7 ابريل سنة 1920 م 32 ص 260 – وفي 7 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 42 – وفي 28 يناير سنة 1930 جازيت 20 ص 162 رقم 146 – محكمة مصر الكلية الوطنية في 3 نوفمبر سنة 1949 المحاماة 29 رقم 429 ص 790 .
وانظر في هذا الموضوع رسالة لنا باللغة الفرنسية في القيود التعاقدية الواردة على حرية العمل – ليون سنة 1925 – وانظر أيضاً لا باتي ( Labatut ) في القيود الاتفاقية الواردة على حرية التجارة والصناعة والعمل في القضاء الفرنسي – تولوز سنة 1928 .
( [4] ) ولكن التصرف في العملاء يجوز على النحو الآتي : يتعهد طبيب مثلا إلا يباشر مهنة الطب في جهة معينة وأن يقدم الطبيب الجديد – وهو الدائن في هذا التعهد – لعملائه على اعتبار أنه خليفته ، ويصحب هذا التعهد في الغالب تنازل من الطبيب القديم إلى الطبيب الجديد عن إيجار المكان الذي جعل فيه ” عيادته ” . ( أنظر في هذه المسألة نظرية العقد للمؤلف ص 503 هامش رقم 2 ) .
( [5] ) محكمة الاستئناف الوطنية في 13 فبراير سنة 1906 الاستقلال 5 ص 255 ( السعي للحصول على رتبة أو نيشان ) – وانظر أيضاً في المعنى ذاته محكمة مصر الكلية الوطنية في 5 يونية سنة 1901 الحقوق 6 ص 179 – المجموعة الرسمية 3 رقم 85 / 2 .
( [6] ) فلا يجوز للمحامي أن يجعل وسيطا بينه وبين موكليه ويؤجر الوسيط على وساطته ، فهذا نوع من السمسرة يأباه شرف المهنة . ولا يجوز أن يتفق طبيب مع صيدلي على أن يرسل الطبيب عملاءه للصيدلي ليشتروا منه الأدوية اللازمة لهم في مقابل جعل . ولا يجوز للمحامي أن يأخذ في مقابل ” أتعابه ” جزءاً من الحق المتنازع عليه ، فإن هذا نوع من الاتجار بالمهنة واستغلال لضعف الموكل .
( [8] ) أنظر في قواعد الإثبات وهل تعتبر من النظام العام ، نظرية العقد للمؤلف فقرة 487 ص 507 – ص 510 .
( [9] ) ومن ذلك أن يتفق البائع والمشتري – في البيع بالتقسيط – على أن يسميا البيع ايجارا حتى تتوافر أركان جريمة التبديد .
( [10] ) أما إذا تعهد الزوج بتعويض زوجته إذا طلقها ، فليس في ذلك مخالفة لأحكام الشريعة ولا للنظام العام . لكن هذا التعهد ينتفي الالتزام به إذا كان الزوج لم يطلق زوجته إلا بناء على فعل اتته هي اضطره إلى ذلك ( نقض مدني في 29 فبراير سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 35 ص 85 ) . ويكيف التعهد بأنه التزام أصلي معلق على شرط موقف هو وقوع الطلاق بناء على فعل الزوج .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن