نظرية البطلان
298 – نظرية البطلان في القانون القديم وفي القانون الجديد : بطلان العقد هو الجزاء القانوني على عدم استجماع العقد لأركانه كاملة مستوفية لشروطها ، على النحو الذي بيناه فيما تقدم . ولذلك كان منطقياً أن نتكلم في بطلان العقد على اثر الفراغ ، الكلام في أركانه .
ولم يكن القانون القديم يفرد مكاناً لنظرية البطلان ، بل كنا نجد القواعد العامة في البطلان تحتويها نصوص متناثرة في أمكنة متفرقة متباعدة ، كما هو شأن القانون المدني الفرنسي . أما القانون الجديد فقد عنى بأن يفرد لنظرية البطلان مكاناً خاصاً ، جمع فيه النصوص الرئيسية التي ترسم القواعد العامة في بطلان العقد ( م 138 – 144 ) . ونحن نبسط نظرية البطلان في هدى هذه النصوص ( [1] ) .
299 – ضرورة تمييز البطلان عما يقاربه من النظم : ويحسن منذ البداية أن نميز البطلان ( nullite ) عما يقاربه من النظم . نميز بينه وبين عدم السريان ( inopposabilite ) ، وبينه وبين الفسخ ( resolution ) .
فالبطلان هو إعدام اثر العقد بالنسبة إلى المتعاقدين ، وبالنسبة إلى الغير تبعاً لذلك .
وقد يكون العقد صحيحاً ينتج أثره فيما بين المتعاقدين ، ولكنه لا يسري في حق الغير . فالعقد الحقيقي في الصورية صحيح فيما بين المتعاقدين ، غير نافذ في حق الغير . والعقد غير المسجل صحيح فيما بين المتعاقدين ، ولكن لا يحتج به على الغير . والعقد غير ثابت التاريخ تاريخه حجة على المتعاقدين دون أن يكون حجة على الغير . والعقد الذي أبرمه المدين المعسر إضراراً بحق دائنه صحيح فيما بين المتعاقدين ، ولكن لا يسري في حق الدائن إذا طعن فيه بالدعوى البوليصية . والبيع في مرض الموت صحيح فيما بين المتعاقدين ، ولكن لا يسري في حق الورثة فيما يجاوز ثلث التركة . بل قد يكون العقد ثابت للإبطال فيما بين المتعاقدين وهو في الوقت ذاته لا يسري في حق الغير . فبيع ملك الغير قابل للإبطال فيما بين البائع والمشتري ، ثم هو لا يسري في حق المالك الحقيقي ، وقد يجيز المشتري العقد فيزول البطلان ويبقى عدم السريان . والبطلان إذا كان قابلا للزوال يزول بالاجازة ( confirmation ) على ما سنرى . أما عدم السران فيزول بإقرار الغير للعقد ( ratification ) على ما سنرى . أما عدم السريان فيزول بإقرار الغير للعقد ( ratification ) . ويلاحظ فيما قدمناه من الأمثلة أن ” الغير ” ليس له مدلول واحد ، فيختلف مدلوله في مثل عنه في المثل الآخر .
والفرق بين البطلان والفسخ أن البطلان يرجع إلى عيب في ركن من أركان العقد ، أما في الفسخ فاركان العقد سليمة مستوفية لشروطها ، فينشأ العقد صحيحاً ، ثم لا ينفذ أحد المتعاقدين التزامه فيسقط التزام المتعاقد الآخر ، ولذلك لا يكون الفسخ إلا في العقد الملزم للجانبين .
300 – أنواع البطلان : لما كان البطلان يعد العقد ، فإن المنطق يقضي بأن يكون البطلان درجة واحدة لا تقبل الدرج ، إذ العدم لا تفاوت فيه . ولكن نظرية البطلان ، مع هذه البساطة النقطة ، قد تعقدت لاعتبارات تاريخية ، ولاعتبارات ترجع إلى النصوص التشريعية ، ثم لمحاولة الفقهاء أن يقسموا البطلان تبعاً لذلك إلى مراتب متدرجة . ومن ثم قالت النظرية التقليدية بتقسيم ثلاثي للبطلان . وقد هوجمت من ناحيتين مختلفتين : فكثرة الفقهاء يكتفون بتقسيم ثنائي ، وبعضهم لا يكفيهم التقسيم الثلاثي ويذهب إلى تنويع البطلان مراتب متعددة .
فالنظرية التقليدية تقسم البطلان كما قدمنا إلى مراتب ثلاث : الانعدام ( inexistence ) والبطلان المطلب ( nullite absolue ) والبطلان النسبي ( nullite relative ) . وأساس التقسيم هو وجود أركان للعقد لا بد من قيامها حتى يتكون . ولهذه الأركان شروط لا بد من توافرها حتى لا تختلف . وركن من هذه الأركان – وهو الرضاء – لا بد أن يصدر من ذي أهلية كاملة وألا يكون مشوباً بعيب حتى يكون صحيحاً . وأركان العقد الرضاء والمحل والسبب ، وكذلك الشكل في العقود الشكلية ، فإذا انعدم ركن منها أكان العقد منعدماً . وشروط المحل أن يكون ممكناً معيناً مشروعاً ، وشرط السبب أن يكون مشروعاً ، فإذا اختل شرط من هذه الشروط كان العقد باطلا بطلاناً مطلقاً . وإذا صدر الرضاء من ناقص الأهلية أو شابه عيب كغلط أو تدليس أو إكراه ، كان العقد باطلا بطلاناً نسبياً .
وكثرة الفقهاء تنعي على النظرية التقليدية تمييزها بين العقد المنعدم والعقد الباطل بطلاناً مطلقاً . إذ التمييز يصطدم من المنطق ، وليس بذي فائدة . أما أنه يصطدم من المنطق فلأن العقد الباطل بطلاناً مطلقاً ليس له وجود قانونين ، فهو يستوي في الانعدام مع العقد المنعدم ، ولا يمكن أن يقال إن العقد المنعدم اشد انعداماً من العقد الباطل بطلاناً مطلقاً إذ لا تفاوت في العدم كما قدمنا . وأما أن التمييز غير ذي فائدة فلأن أحكام العقد الباطل بطلاناً مطلقاً هي عين أحكام العقد المنعدم : كلا العقدين لا ينتج أثراً ، ولا تلحقه الإجازة ، ولا يرد عليه التقادم . والواقع أن التمييز بين الانعدام والبطلان المطلق خلقه الفقه الفرنسي في مناسبة عقد الزواج ، إذ قرر هذا الفقه ألا بطلان في هذا العقد دون نص ، صيانة له من التزعزع . فقامت حالات بطلان لا شك فيها ، ولكن لم يرد في شأنها نص ، كما إذا كان الزوجان من جنس واحد ، وكما إذا تولى العقد من ليست له الصفة الرسمية في توليه . فخلقت نظرية الانعدام حتى تغطى هذه الحالات . وكان الأولى عدم التقيد بالقاعدة الضيقة التي تقضي بان الطبلان لا يكون بغير نص في عقد الزواج ، أو في القليل قصر هذه القاعدة على الزواج فإن طبيعته تغاير طبيعة العقود في دائرة المعاملات المالية .
وهناك من الفقها من يذهب ، على النقيض مما تقدم ، إلى عدم الاقتصار على مراتب البطلان الثلاث التي تقول بها النظرية التقليدية . فإن هذا التقسيم الثلاثي في نظرهم تقسيم ضيق جامد لا يتسع لمختلف الحاجات . وأصحاب هذا الرأي يقولون إن القانون عين شروطاً للعقد حتى ينتج آثاراً معينة ، وكل شرط من هذه الشروط يتطلبه القانون للوفاء بغرض معين ، فإذا اختل شرط كان العقد باطلا في الناحية التي تتلاءم مع هذا الشرط ، فتتعدد وجوه البطلان وتتنوع مراتبه تبعاً للأغراض التي تواخها القانون ( [2] ) . ومهما قيل في مرونة هذا الرأي وفي أنه يفسر استعصاء بعض مسائل البطلان على الخضوع للقواعد التقليدية ، كما في إجازة الواهب أو ورثته لهبة لم يتوافر فيها شرط الشكل ( م 489 جديد ) ، وكما في شذوذ بيع ملك الغير وإمكان إجازته بإقرار المالك وهو أجنبي ( م 467 جديد ) ، وكما في بطلان عقد الشركة الذي لم يستوف الشكل مع عدم جواز أن يحتج الشركاء بهذا البطلان على الغير ( م 507 جديد ) ، إلا أن هذه الحالات الخاصة لها ما يفسرها تفسيراً ملائماً ، وهي لا تسوغ نقض القواعد الثابتة المستقرة في البطلان لتحل محلها قواعد ليس لها من الثبات والاستقرار ما يبرر الاطمئنان إليها ( [3] ) .
فالوقوف عند التقسيم الثلاثي خير من تشتت قواعد البطلان في غير ثبات ولا استقرار . وخير من التقسيم الثلاثي التقسيم الثنائي إلى عقد باطل بطلاناً مطلقاً ( ويدخل فيه العقد المنعدم ) وعقد باطل بطلاناً نسبياً ، لما قدمناه من عيب التمييز ما بين العقد المنعدم والعقد الباطل بطلاناً مطلقاً . بل خير من التقسيم الثنائي الرجوع إلى المنطق الصحيح وجعل البطلان درجة واحدة لا تفاوت فيها هي البطلان المطلق . ذلك لأن العقد الباطل بطلاناً نسبياً يمر كما سنرى على مرحلتين : ( المرحلة الأولى ) قبل أن يتعين مصيره بالاجازة أو بالإبطال ، ويكون له في هذه المرحلة وجود قانونين كامل ، فينتج كل الآثار القانونية التي كانت تترتب عليه لو نشأ صحيحاً . ( والمرحلة الثانية ) يلقى فيها العقد أحد مصيرين ، فإما أن تلحقه الإجازة أو يتم في شأنه التقادم فيزول البطلان ويستمر العقد صحيحاً منشئاً لجميع آثاره ، فلا يعود هناك فرق بينه وبين العقد الصحيح ، وإما أن يتقرر بطلانه فينعدم وجوده القانونين انعداما تاماً وتزول جميع الآثار القانونية التي أنشأها ويكون لهذا كله اثر رجعي ، فلا يعود هناك فرق بينه وبين العقد الباطل بطلاناً مطلقاً . فالعقد الباطل بطلاناً نسبياً كما نرى لا يعدو في مآله أن يكون عقداً صحيحاً إذا لحقته الإجازة أو ورد عليه التقادم ، أو عقداً باطلا بطلاناً مطلقاً إذا تقرر بطلانه . فهو إما عقد صحيح على الدوام ، وإما عقد باطل بطلاناً مطلقاً منذ البداية . والواقع من الأمر أن البطلان النسبي ليس شيئاً مستقلا يقوم إلى جانب البطلان المطلق ، وما هو إلا تعبير مناسب عن حالة عقد يمر على المرحلتين المتقدم ذكرهما ، فيؤول أمره في النهاية إلى الصحة التامة أو إلى البطلان المطلق . ومن ثم فليس هناك إلا نوع واحد من البطلان ، يندمج فيها البطلان النسبي ، كما اندمج فيه الانعدام ( [4] ) .
301 – تأصيل البطلان : على أن إرجاع أنواع البطلان كلها إلى البطلان المطلق إذا كان يرضى المنطق القانونين فهو لا ييسر الصياغة الفنية لنظرية البطلان وما تواجهه من حالات متغايرة تقتضي شيئاً من التنوع . والأولى من ناحية الصياغة المحضة الرجوع إلى التقسيم الثنائي ، فيكون العقد باطلا بطلاناً مطلقاً أو باطلا بطلاناً نسبياً ، أو كما يقول القانون الجديد يكون العقد باطلا أو قابلا للإبطال . ونقف عند هذا التقسيم ، على أن نتولى تأصيله .
فالبطلان إما أن يرجع إلى اعتبارات شكلية أو إلى اعتبارات موضوعية . ففي الحالة الأولى يكون العقد الشكلي الذي لا يتوافر ركن الشكل فيه باطلا ، ولكن بالقدر الذي يتطلبه القانون من الشكل . وقد أسلفنا أن الشكل إنما هو من صنع القانون ، والقانون هو الذي يعين له الجزاء الكافي في حالة الإخلال به . فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا تحلقه الإجازة . وقد يسمح باجازته كما في الهبة الباطلة شكلا ( م 489 جديد ) وكما في الشركة التي لم تستوف الشكل المطلوب ( م 507 جديد ) . وقد يجعل الشكل من المرونة بحيث يقبل أن يستكمل وأن يحتج به فرض دون فرض كما في شركات التضامن والتوصية . فالشكل كما قدمنا من خلق القانون ، صنعه على عينه ، ويقده على القالب الذي يختاره ( [5] ) . ونحن في هذه الدائرة وحدها – دائرة البطلان لعدم استيفاء الشكل المطلوب – نتمشى مع القائلين بتنوع مراتب البطلان .
أما إذا رجع البطلان إلى اعتبارات موضوعية ، فهنا يجب التأصيل عن طريق تحليل عناصر العقد . وقبل ذلك نقول أن البطلان قد يرجع إلى نص في القانون لحكمة يتوخاها المشرع ، كما في بطلان بيع ملك الغير ( م 466 جديد ) وفي بطلان تصرف السفيه الصادر قبل تسجيل قرار الحجر ( م 115 جديد ) . وهذا النوع من البطلان هو بطلان خاص يتبع في شأنه النص الذي يعالجه . ولكن البطلان الذي يخضع للقواعد العامة يرجع أكثر ما يرجع إلى اعتبارات موضوعية نتولى الآن تقعيدها .
ذلك أن للعقد أركاناً ثلاثة هي الرضاء والمحل والسبب . فإذا انعدم أي ركن منها فإن العقد لا يقوم طبيعة ، ويكون باطلا . ومثل انعدام الركن اختلال شرطه . فالرضاء يشترط فيه التمييز وتقابل الإيجاب والقبول مع تطابقهما ، والمحل يشترط فيه الإمكان والتعيين والمشروعية ، والسبب تشترط فيه المشروعية . فشروط التمييز والتقابل والتطابق في الرضاء ، وشرط الإمكان والتعيين في المحل هي شروط طبيعية لا يقوم العقد بدونها . وشرط المشروعية في المحل وفي السبب هو شرط قانونين لا يقوم العقد أيضاً بدونه . فإذا اختل شرط من هذه الشروط كان العقد باطلا ( [6] ) . والبطلان هنا تمليه طبيعة الأشياء أو يفرضه القانون حماية لمصلحة عامة . والعقد الباطل منعدم طبيعة أو شرعاً ، فلا ينتج أثراً ، ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك ببطلانه ، وللمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها ، ولا تصح إجازته ، ولا يرد عليه التقادم .
وهناك ركن في العقد قد يقع أن يكون قائماً مستوفياً لشروطه ولكن لا تتوافر له أسباب الصحة ، وهذا هو الرضاء . فالرضاء كما رأينا يكون موجوداً مستوفياً لشروطه حتى لو صدر من ناقص الأهلية وحتى لو صدر عن غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال ، ولكنه يكون رضاء معيباً غير صحيح . وفي هذه الحالة يقوم العقد مستوفياً أركانه ، فهو منعقد تترتب عليه آثاره . ويبقى أن المتعاقد الذي صدر منه رضاء مختل أو رضاء معيب يكون من حقه أن يحميه القانون إذا هو طلب هذه الحماية . فله وحده أن يطلب إبطال العقد ، كما له أن يجيزه ، وإذا سكت سقط حقه في إبطال العقد بالتقادم . ذلك أن هذا الحق في إبطال العقد إنما قرره القانون لا لحماية مصلحة عامة ، بل لحماية مصلحة المتعاقد الخاصة ، يعالج به ما اعتور رضاءه من نقص ( [7] ) .
وليس فيما قدمناه من تأصيل للبطلان إلا نتائج منطقية لمقدمات تؤدى إليها ، ومعلولات معقولة لعلل ظاهرة ( [8] ) .
302 – خطة البحث : والآن نستطيع أن نرسم خطة لبحث نظرية البطلان . فالعقد الباطل والعقد القابل للإبطال يمران بأدوار مختلفة منذ نشأتهما إلى أن يتقرر بطلانهما . فقد يترتب عليهما بعض الآثار ، وقد يرد على العقد القابل للإبطال الإجازة أو التقادم فينقلب صحيحاً . ولكن في أكثر الأحوال يطلب ذو الشأن تقرير بطلان العقد فينعدم .
فالأدوار إذن ثلاثة : ( 1 ) ترتيب الآثار . ( 2 ) الإجازة والتقادم . ( 3 ) تقرير البطلان . ونتولى بحث كل من هذه الأدوار .
( [1] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” اتقي المشروع ما تستهدف له التقنينات اللاتينية من مآخذ حين تجمع بين أحكام البطلان وأسباب انقضاء الالتزامات في صعيد واحد . وقد نهج في هذا الشأن نهج التقنين البرازيلي . وجعل للبطلان نظرية جامعة ، فهيأ بذلك مكانا مناسباً لطائفة من الأحكام تناثرت وانفرط عقدها ، مع ما بينهامن سبب جامع ، كالنصوص الخاصة بالتزام ناقص الأهلية برد ما تسلمه عند إبطال العقد . وقد استمسك المشروع بتقاليد المذهب اللاتيني فيما استحدث في هذا الشأن بوجه عام ، على أن المذهب الجرماني لم يعدم أثره في هذه الناحية . فقد اقتبس المشروع أحكاماً هامة من التقنينين الألماني والسويسري . فمن ذلك . . . نظرية انتقاص العقود ونظرية تحويل العقود أو انقلابها ، وتطبق الأولى عند ورود البطلان المطلق أو النسبي على شق من العقد ، وتطبق الثانية إذا توافرت للعقد الباطل أو القابل للبطلان شروط انعقاد عقد آخر ( أنظر المادتين 139 ، 140 من التقنين الألماني ) . ويراعى من ناحية أخرى أن المشروع قد نص على تقادم دعوى البطلان بانقضاء ثلاث سنوات ، مستلهما في ذلك تقنين الالتزامات السويسري ( أنظر المادة 229 وهي تجعل المدة سنة واحدة ) ، هذا فضلا عن التقادم الطويل المقرر بمقتضى القواعد العامة . ويراعى أن مبدأ سريان التقادم القصير في هذه الحالة يختلف عن مبدأ سريان التقادم الطويل ، ولذلك يكون لهذا التقادم الطويل أثره إذا اكتملت مدته قبل انقضاء أجل السنوات الثلاث ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 233 – ص 234 ) .
( [2] ) أنظر دروجول ( Drogoul ) في رسالته في النظرية العامة في البطلان ص 206 وما بعدها – جابيو ( japiot ) في رسالته في بطلان العقود ص 151 وص 154 .
( [3] ) أنظر في هذا المعنى بلانيول وريبير وبولانجيه فقرة 819 – فقرة 820 .
( [4] ) وقد ورد في ” نظرية العقد ” للمؤلف ( ص 618 هامش رقم 1 ) في هذا الصدد ما يأتي : ” لا توجد هناك ثلاث أحوال للعقد مستقلة بعضها عن البعض الآخر : الصحة والبطلان النسبي والبطلان المطلق ، بل لا توجد إلا حالتان : الصحة والبطلان المطلق . والعقد الباطل بطلاناً نسبياً هو عقد يمر على هاتين الحالتين واحدة بعد الأخرى ، فهو متميز عن العقد الصحيح الذي لا يمر إلا على حالة الصحة ، ومتميز عن العقد الباطل بطلاناً نسبياً متميزاً على هذا النحو ، فالبطلان النسبي نفسه ليس حالة قائمة بذاتها بين الصحة والبطلان المطلق ” .
( [5] ) أنظر آنفاً فقرة 135 في الهامش .
( [6] ) وقد تضمن المشروع التمهيدي نصاً يجمع الحالات التي يكون فيها العقد باطلا ، فنصت المادة 193 من هذا المشروع على ما يأتي :
” يكون العقد باطلا في الحالات الآتية :
أ ) إذا ابرمه شخص لا أهلية له إطلاقاً .
ب ) إذا انعدم فيه الرضاء أو المحل أو السبب ، أو إذا لم تتوافر في المحل أو في السبب شروطه الجوهرية .
ج ) إذا اشترط القانون في العقد شكلا يكون باطلا بدونه ولم يستوف العقد هذا الشكل . أو إذا اغفل المتعاقدان إجراء شكلياً يعتبره القانون ركناً في تكوين العقد .
د ) إذا ورد في القانون نص خاص على البطلان ” .
وقد حذفت هذه المادة في المشروع النهائي ” لأن أحكامها منصوص عليها في المواد السابقة ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 250 في الهامش ) .
( [7] ) وقد تضمن المشروع التمهيدي نصا يجمع الحالات التي يكون فيها العقد قابلا للإبطال . فنصت المادة 195 من هذا المشروع على ما يأتي :
” يعتبر العقد قابلا للإبطال في الأحوال الآتية :
ا ) إذا كان أحد المتعاقدين ناقص الأهلية .
ب ) إذا شاب الرضاء غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال .
ج ) إذا ورد في القانون نص خاص يقضي بأن العقد قابل للبطلان ” .
وقد حذفت هذه المادة في المشروع النهائي ” لأن أحكامها منصوص عليها في المواد السابقة ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 235 في الهامش ) .
( [8] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ترد أسباب البطلان المطلق إلى تخلف ركن من أركان العقد ، كعدم توافر الأهلية اطلاقاً بفقدان التمييز وانعدام الإرادة تفريعاً على ذلك أو كانتفاء الرضاء أو عدم وجود المحل حقيقة أو حكماً . وغنى عن البيان أن تخلف ركن من أركان العقد ، في حكم الواقع زوحكم القانون ، يحول دون انعقاده أو وجوده . وهذا هو ما يقصد بالبطلان المطلق . أما البطلان النسبي فهو يفترض قيام العقد أو وجوده من حيث توافر أركانه ولكن ركناً من أركانه هو الرضاء يفسد بسبب عيب يداخله ، أو بسبب نقص أهلية أحد العاقدين ، ولذلك يكون العقد قابلا للبطلان بمعنى أنه يبطل إذا طلب ذلك من شرع البطلان لمصلحته ، وهو من داخل رضاءه العيب أو من لم تكتمل أهليته . ومن الجلى أن قابلية العقد للبطلان إنما تمثل العقد في مرحلتين متتابعتين : الأولى مرحلة الصحة وينتج فيها العقد جميع آثاره ، والثانية مرحلة البطلان ويعتبر العقد فيها باطلا لا حكم له من وقت نشوئه . فليست ثمة مراحل ثلاث ، الصحة وقابلية البطلان والبطلان ، وإنما توجد مرحلتان ، الصحة والبطلان . وقد يقرر البطلان المطلق أو النسبي بمقتضى نص خاص في القانون ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 255 – ص 256 ) .
هذا ويمكن القول إن القوانين الأخرى ، من قديمة وحديثة ، تعرف تقسيم البطلان إلى مراتب متعددة ، وتجعل هذه المراتب متدرجة طبقاً لما ينتجه العقد الباطل من الآثار .
فالقانون الألماني يعرف البطلان المطلق والبطلان النسبي ( م 141 – 142 ) . بل إن الفقه الألماني يعرف العقد المنعدم .
ويميز قانون الالتزامات السويسري بين العقد الباطل بطلاناً مطلقاً ( م 11 و 19 و 20 ) والعقد الباطل بطلاناً نسبياً ( م 21 و 23 و 25 و 26 و 28 و 29 ) .
والقانون الإنجليزي يميز بين العقد الباطل بطلاناً مطلقاً ( void ) ويدخل فيه العقد المنعدم ، والعقد الباطل بطلاناً نسبياً ( voidable ) والعقد غير النافذ ( unenforceable ) . ويريد بالاخير عقد صحيحاً لا يمكن إثباته طبقاً للقواعد القانونية ، كعقد غير مكتوب لا يجوز إثباته بغير الكتابة . مثل هذا العقد لا يكون باطلا ولا يجوز طلب إبطاله ، ولكن لا تمكن المطالبة بتنفذه ، على أنه إذا نفذه الملتزم اختياراً فليس له أن يسترد ما فدع . وظاهر أن هذا الفرض هو إحدى حالات الالتزام الطبيعي في القانونين المصري والفرنسي ، ولما كان القانون الإنجليزي لا يعترف بالالتزام الطبيعي كنظرية عامة ، فقد وضع إحدى حالاته في نظرية البطلان .
أما الشريعة إسلامية فلها نظامها الخاص في تدرج العقد على مراتب متعددة من حيث ظهور أثره . ومراتب العقود حسب تدرجها من الضعف إلى القوة هي العقد الباطل ، ثم الفاسد ، ثم الموقوف ، ثم النافذ ، ثم اللازم وهو أقوى مراتب العقود من حيث ظهور الأثر . فالعقد الباطل ما ليس مشروعاً لا أصلاً ولا وصفاً ، أي ما كان في ركنه أو في محله حلل ، وهو لا ينعقد أصلاً ولا يفيد الملك في الأعيان المالية ولو بالقبض . والعقد الفاسد هو ما كان مشروعاً بأصله لا بوصفه ، بان يكون المعقود عليه أو بدله مجهولا جهالة فاحشة ، أو يكون العقد خالياً من الفائدة ، أو يكون مقروناً بشرط من الشرائط الموجبة لفساد العقد . وهو لا يفيد الملك في المعقود عليه إلا بقبضه برضا صاحبه . والعقد الموقوف هو ما كان العاقد فيه فضولياً تصرف في ملك غيره بلا إذنه ، أو كان صبياً مميزاً . فلا يظهر اثر العقد الموقوف ولا يفيد ثبوت الملك إلا إذا أجازه المالك في الصورة الأولى ، والولى أو الوصى في الصورة الثانية . والعقد النافذ هو ما صدر من ذى أهلية كاملة فيما يملك التصرف فيه . والعقد اللازم هو ما كان خالياً من خيارات أربعة : خيار التعيين وخيار الشرط وخيار العيب وخيار الرؤية . ويستخلص من ذلك أن قواعد البطلان في الشريعة الإسلامية تختلف اختلافاً واضحاً عن قواعد البطلان في القانون الحديث .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن