كيف يتقرر البطلان
1 – العقد الباطل
332 – لا حاجة إلى حكم لتقرير البطلان : لما كان العقد الباطل ليس له وجود قانونين ، فلا حاجة إذن لصدور حكم بابطاله ، ولا ضرورة للحكم بالعدم على معدوم . وهذه نتيجة منطقية تستقيم في كثير من الأحوال ، فلا يحتاج من له مصلحة في تقرير البطلان أن يرفع دعوى بذلك ، وما عليه إلا أن يعتبر العقد الباطل معدوماً ، ويصدر في تصرفه عن هذا الاعتبار . فلو كان العقد الباطل بيعاً ، كان للبائع دون أن يحصل على حكم ببطلان البيع أن يتصرف في المبيع ، فهو لا يزال في ملكه ، ويكون بيعه صحيحا ًز وإذا رفع المشتري في هذا المثل دعوى يطالب فيها بالمبيع ، أمكن البائع أن يدفع هذه الدعوى ببطلان البيع .
فالذي يتمسك بالبطلان في العقد الباطل يفعل ذلك في أكثر الأحوال عن طريق الدفع لا عن طريق الدعوى .
333 – ولكن قد تقضي ا لضرورة ؟؟؟ بالحصول على حكم : وذلك يتحقق إذا قضت الضرورة على المتمسك ببطلان عقد باطل أن يبادر إلى رفع دعوى البطلان . ويعرض هذا في بعض فروض عملية . منها أن يكون البائع في بيع باطل قد سلم المبيع إلى المشتري ، وأراد أن سترده ، فهو بين أن يرفع دعوى البطلان في مدى خمس عشرة سنة أو يرفع دعوى الاستحقاق في أي وقت ، فإذا رفع دعوى البطلان حصل على حكم ببطلان العقد . ومنها أن يكون وجه البطلان فيها خفاء ، لا سيما إذا كان البطلان يرجع إلى تقدير القاضي كما إذا كان سببه مخالفة النظام العام أو الآداب ، ففي مثل هذه الحالة تدعو الضرورة من له مصلحة في التمسك بالبطلان أن يرفع دعوى بذلك حتى يطمئن إلى تقدير المحكمة فيما ذهب إليه .
والحكم الذي يصدر في دعوى البطلان لا يبطل العقد الباطل ، بل يقتصر على الكشف عن بطلانه .
2 – العقد القابل للإبطال
334 – لا يتقرر البطلان إلا بالاتفاق أو بالقضاء : أما العقد القابل للإبطال فله وجود قانونين إلى أن يتقرر بطلانه . ومن ثم لا بد في تقرير البطلان من التراضي أو التقاضي . أما التراضي فيتم بين المتعاقدين بشرط أن يتتوافر الأهلية في كل منهما . فإذا لم يتم الاتفاق على إبطال العقد ، فالعقد لا يبطل حتى يرفع ذو المصلحة من المتعاقدين دعوى البطلان ويحصل على حكم بذلك . وحكم القاضي هو الذي يبطل العقد ، أي ينشيء البطلان ، ولا يقتصر على الكشف عنه كما في العقد الباطل . ولكن إذا رفعت دعوى الإبطال ووجد سببه قائماً ، فالقاضي لا يملك إلا أن يبطل العقد ، وليس له حق التقدير الذي سنراه له في حالة الفسخ ( [1] ) .
335 – فلا يتقرر بإرادة منفردة : ويتبين من ذلك أن المتعاقد ذا المصلحة إذا لم يستطيع الاتفاق مع المتعاقد الآخر على إبطال العقد ، فليس امامه إلا أن يرفع دعوى البطلان ليحصل على حكم بإبطال العقد . ولا يجوز له أن يستقل بإعلان البطلان بإرادته المنفردة ، كما أجاز لذلك كل من القانون الألماني وقانون الالتزامات السويسري ( [2] ) . وقد كان المشروع النهائي للقانون الجديد يتضمن نصاً يجيز إبطال العقد في حالة نقص الأهلية عن طريق الإعلان بالإرادة المنفردة ، فكانت الفقرة الثانية من المادة 142 من هذا المشروع تنص على ما يأتي : ” ويكفي لإبطال العقد بسبب نقص الأهلية إعلان المتعاقد الآخر بذلك إعلاناً رسمياً يبين فيه سبب البطلان وأدلته ، فإذا تم الإعلان على هذا الوجه اعتبر العقد باطلا من وقت صدوره ، دون إخلال بحق المتعاقد الآخر في التمسك بصحة العقد بدعوى يرفعها في خلال سنة من وقت وصول الإعلان ” . وقد حذفت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ هذا النص ” توخياً لتعميم القواعد المتعلقة بطلب الإبطال ، وتجنباً لما يحتمل أن ينشأ عن تطبيق النص المقترح من صعوبات عملية ” ( [3] ) .
( [1] ) استئناف مختلط في 11 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 93 .
( [2] ) تقضي الفقرة الأولى من المادة 143 من القانون الألماني بأن البطلان يتقرر بإعلان يتوجه إلى الطرف الآخر . وتقضي المادة 31 من قانون الالتزامات السويسري بأن العقد إذا شابه غلط أو تدليس أو إكراه يعتبر قد أجيز إذا كان الطرف الذي لا يلزمه هذا العقد سكت سنة دون أن يعلن للطرف الآخر تصميمه على إبطاله ، أو دون أن يسترد ما دفعه ، وتسري السنة من وقت انكشاف الغلط أو التدليس أو من وقت زوال الإكراه ( أنظر في ترجيح هذا الحكم نظرية العقد للمؤلف ص 648 هامش رقم 2 وهامش رقم 3 ) .
( [3] ) كان هناك نصان في المشروع التمهيدي هما اللذان يقابلان المادة 138 من القانون الجديد ، وكان يجريان على الوجه الآتي : ” م 196 – ليس لغير الأشخاص الذين تقرر البطلان النسبي لمصلحتهم أن يتمسكوا بأوجه البطلان الواردة في المادة السابقة . وهذا البطلان تلحقه الإجازة ويزول بالتقادم . م 197 – 1 : يكفي في تقرير البطلان النسبي إعلان الطرف الآخر به اعلاناً رسمياً – 2 : وإذا كان العقد بالاط بطلاناً نسبياً ، وتقرر بطلانه ، اعتبر باطلا من وقت صدوره لوكنه يبقى منتجاً لاثاره حتى يتقرر الطبلان – 3 : على أن إبطال العقود الناقلة للملكية لا يضر بالغير حسن النية إذا ترتب له حق على عقار قبل تسجيل الإعلان بالبطلان ” . وفي لجنة المراجعة ادمج النصان في مادة واحدة ، بعد حذف الفقرة الثالثة من المادة 197 لأن حكمها وارد في مكان آخر ، وبعد جعل جواز إبطال العقد بمجرد الإعلان مقصوراً على حالة نقض الأهلية مع إعطاء الحق للطرف الآخر في التمسك بصحة العقد بدعوى يرفعها في خلال سنة ، وبعد تحوير في اللفظ يجعل النص أقرب إلى التطبيق العملي من التقرير الفقهي ، فأصبح النص في المشروع النهائي ( م 142 ) يجري على الوجه الآتي : ” 1 – إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقاً في إبطال العقد ، فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق . 2 – ويكفي لإبطال العقد بسبب نقص الأهلية إعلان المتعاقد الآخر بذلك اعلاناً رسمياً يبين فيه سبب البطلان وأدلته ، فإذا تم الإعلان على هذا الوجه اعتبر العقد باطلا من وقت صدوره دون إخلال بحق المتعاقد الآخر في التمسك بصحة العقد بدعوى يرفعها في خلال سنة من وقت وصول الإعلان ” . ووافق مجلس النواب على هذا النص – وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ دارت مناقشات طويلة حول تقرير بطلان العقد لنقص الأهلية عن طريق الإعلان ، وانقسمت اللجنة في ذلك ، ثم وافقت الأغلبية على عدم قبول هذا الحكم وعلى حذف الفقرة الثانية توخياً لتعميم القواعد المتعلقة بطلب الإبطال وتجنباً لما تحتمل أن ينشأ عن تطبيق النص المقترح من صعوبات عملية ، وأصبح رقم المادة 138 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 235 – ص 240 ) .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن