آثار المسئولية في القانون المدني


آثار المسئولية

611 – دعوى المسئولية وجزاؤها ( التعويض ) : إذا توافرت أركان المسئولية – خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما – تحققت المسئولية ، وترتبت عليها آثارها ، ووجب على المسئول تعويض الضرر الذي أحدثها بخطأه .

فالتعويض إذن هو الحكم الذي يترتب على تحقق المسئولية ، وهو جزاؤها . ويسبق ذلك دعوى المسئولية ذاتها ، ففي الكثرة لغالبة من الأحوال لا يسلم المسئول بمسئولية ، ويضطر المضرور إلى أن يقيم عليه الدعوى .

فنستعرض في مبحثين متعاقبين : ( 1 ) دعوى المسئولية ( 2 ) وجزاء المسئولية ( التعويض ) .

المبحث الأول

دعوى المسئولية

 ( Action en responsabilite )

612 – مسائل أربع : نستعرض المسائل الأربع الآتية : ( 1 ) طرفي الدعوى : المدعى والمدعى عليه ( 2 ) الطلبات والدفوع ، ويدخل في ذلك تقادم دعوى المسئولية ( 3 ) الإثبات : عبؤه ووسائله ( 4 ) الحكم الصادر في دعوى المسئولية وطرق الطعن فيه ، وبخاصة طريق النقض .

المطلب الأول

طرفا الدعوى

1 – المدعى

613 – المدعى هو المضرور : المدعى في دعوى المسئولية هو المضرور ، وهو الذي يطالب بالتعويض . فغير المضرور ليس له حق في التعويض . والمضرور ، هو أن نائبه أو خلفه ، يثبت له هذا الحق . ويثبت الحق لكل مضرور . فالمدعى إذن هو المضرور ، وكل مضرور ، ولا أحد غير المضرور .

1 – غير المضرور ليس له حق في التعويض :

614 – التبرع بالتعويض لجهة خيرية : بديهي أن غير المضرور لا يستطيع أن يطالب بتعويض عن ضرر لم يصبه ( [1] ) . ولكن يقع كثيراً – وبخاصة في الأضرار الأدبية – أن يعلن المضرور عن رغبته في النزول عما يحكم له به من تعويض لجهة خيرية أو لمؤسسة تعمل للمصلحة العامة . والمحظور أن يطلب المضرور من المحكمة القضاء مباشرة بالتعويض لهذه الجهة . ولا تستطيع المحكمة في هذه الحالة أن تجيبه إلى هذا الطلب ، لأن الجهة الخيرية التي عينها المضرور لم يصبها أي ضرر ، فلا يجوز الحكم لها مباشرة بتعويض أما إذا طلب المضرور الحكم بالتعويض لنفسه وأعلن في الوقت ذاته عن رغبته في النزول عن هذا التعويض لجهة خيرية ، فلا شيء يمنع من ذلك . ويجوز أن يشير الحكم إلى هذا الأمر ، ولا يكون في هذه الإشارة مخالفة للقانون تستوجب نقض الحكم ( [2] ) .

فإذا وقع ذلك ، بقى أن نعرف هل تكسب الجهة الخيرية حقاً قبل المضرور في أن ينزل لها عن التعويض الذي قضى له به ؟ إذا طبقنا القواعد العامة ، رأينا أن المضرور لا يلتزم بارادته المنفردة نحو الجهة الخيرية ، لأن الإرادة المنفردة لا تلزم صاحبها إلا في أحوال منصوص عليها ، ليست هذه الحالة منها . ولكن يجوز أن يعتبر إعلان المضرور رغبته في النزول عن التعويض للجهة الخيرية إيجاباً منه يعد فيه بهبة حق ثابت له ، ستقوم المحكمة بتحديد مقداره . فإذا قبلت الجهة الخيرية هذا الإيجاب أصبح المضرور ملتزماً بهذا الوعد بالهبة ، مع مراعاة أن الوعد بالهبة لا ينعقد إلا إذا كان بورقة رسمية ( م 490 من القانون المدني الجديد ) ( [3] ) .

ب – حق التعويض للمضرور :

615 – المضرور أو نائبه : المضرور هو الشخص الذي لحق أن يطالب بالتعويض . ويقوم نائبه مقامه في ذلك .

ونائب المصور ، إذا كان هذا قاصراً ، هو وليه أو وصيه . وإذا كان محجوراً ، هو القيم . وإذا كان مفلساً ، هو السنديك . وإذا كان وقفاً ، هو ناظر الوقف . وإذا كان رشيداً ، فنائبه هو الوكيل .

616 – خلف المضرور : بقى الخلف ، عاماً كان أو خاصاً . وهؤلاء هم الوارث والدائن والمحال له ، وهنا يجب التمييز بني التعويض عن الضرر المادي والتعويض عن الضرر الأدبي .

فإذا كان التعويض عن ضرر مادي – تلف مال أو اصابة في الجسم اعجزت عن العمل – فإن الحق في التعويض ، وقد ثبت للمضرور ، ينتقل منه إلى خلفه . فيستطيع وارث المضرور أن يطالب بالتعويض الذي كان مورثه يطالب به لو بقى حياً ( [4] ) . ويستطيع دائن المضرور أن يطالب بهذا التعويض باسم مدينه عن طريق الدعوى غير المباشرة ( [5] ) . ويستطيع المضرور أن يحول حقه في التعويض إلى شخص آخر فينتقل هذا الحق إلى المحال له ( [6] ) .

أما إذا كان التعويض عن ضرر أدبي ، فإنه لا ينتقل إلى خلف المضرور إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق ما بين المضرور والمسئول أو طالب به المضرور أمام القضاء ( م 222 ) . وقد تقدم بيان ذلك بالتفصيل عند الكلام في الضرر الأدبي وكيف ينتقل التعويض عنه إلى الغير . فإذا تحدد التعويض عن الضرر الأدبي على هذا النحو ، بالتراضي أو بالتقاضي ، أمكن أن ينتقل حق التعويض إلى الوارث ، وجاز لدائن المضرور أن يطالب به عن طريق الدعوى غير المباشرة ( [7] ) ، وصح للمضرور أن يحوله إلى الغير ( [8] ) .

ج – حق التعويض كل مضرور :

617 – تعدد المضرورين : قد يتعدد المضرورن من الخطأ الواحد ، ويكون كل مضرور قد أصابه ضرر مستقل عن الضرر الذي أصاب الآخر . مثل ذلك حريق تنشب بخطأ شخص فتحرق منازل عدة ، فصاحب كل منزل قد أصابه بسبب هذه الحريق ضرر مستقل عن الأضرار التي أصابت أصحاب المنازل الأخرى .

وقد يصيب الخطأ الواحد بالضرر شخصين أو أكثر ، ولكن الضرر الذي أصاب أحدهم يكون نتيجة للضرر الذي أصاب الآخرين . مثل ذلك أن يقتل شخص آخر خطأ ، ويكون للمقتول قريب يعوله ، فخطأ القاتل أصاب المقتول بالضرر ، وأصاب بالضرر أيضاً من كان المقتول يعوله . والضرر الثاني ليس إلا انعكاساً للضرر الأول ، فهو نتيجة له ( [9] ) . والفرق بين هذه الحالة والحالة السابقة أن الأضرار في الحالة السابقة كان كل ضرر منها مستقلا عن الأضرار الأخرى ، أما في الحالة التي نحن بصددها فالأضرار تتصل فيما بينها اتصال السبب بالمسببب .

وفي الحالتين – سواء كانت الأضرار مستقلة بعضها عن بعض أو كانت بعضها لبعض سبباً – يكون لكل مضرور دعوى شخصية مستقلة يرفعها باسمه خاصة دون أن يتأثر بدعاوى الآخرين . ولا تضامن ما بين المضرورين ، بل يقدر القاضي تعويض كل منهم على حدة .

618 – الضرر الذي يصيب الجماعة : وقد يقع الضرر على جماعة ، لا على فرد أو على أفراد متعددين ، فمن عسى أن يكون المضرور في هذه الحالة ، هل هم الأفراد الذين تتكون منهم الجماعة ، أو هي الجماعة ذاتها ؟ يجب التمييز هنا بين ما إذا كانت الجماعة ذات شخصية معنية ، أو كانت لا تتمتع بهذه الشخصية .

فإذا كانت الجماعة ذات شخصية معنوية ، كشركة أو جمعية أو نقابة أو شخص معنوي عام ، وجب التمييز بين المصلحة الفردية ( Interet individual ) لأي فرد من الأفراد التي تتكون منها هذه الجماعة ، والمصلحة الجماعية الشخصية ( interet social personnel ) للشخص المعنوي ذاته ، والمصلحة الجماعية العامة ( interet collectif ) التي يقوم عليها هذا الشخص المعنوي باعتباره منتمياً إلى حرفة معينة . ولنضرب لذلك مثلا النقابة – نقابة المحامين أو نقابة الأطباء أو نقابة المهندسين أو نقابة من نقابات العمال أو أصحاب العمل أو أية نقابة أخرى – فكل عضو في هذه النقابة له مصلحة فردية يحميها القانون ، فإذا وقع اعتداء على هذه المصلحة كان لهذا الفرد المضرور دعوى شخصية قبل المسئول ، كما إذا منعت نقابة أحد أعضائها من ممارسة مهنته دون حق فيجوز لهذا العضو أن يرجع على النقابة لحماية مصلحته الفردية . وللنقابة كشخص معنوي مصالح جماعية شخصية ، فهي تملك مالا ولها نشاط مهني وتتعاقد وتمارس اختصاصاتها المختلفة ، فإذا وقع اعتداء على مصلحة شخصية لها من هذا القبيل ، كانت النقابة كشخص معنوي هي المضرور ، كما إذا ارتكب أحد مديري النقابة خطأ في ادارته سبب خسارة للنقابة ، فوي هذه الحالة ترجع النقابة بالتعويض على المسئول ، ولا يجوز لي عضو من أعضاء النقابة أن يعتبر نفسه هو المضرور فيرجع بصفته الشخصية على المسئول ( [10] ) . والنقابة كشخص معنوي يعهد إليه القانون بالدفاع عن المصالح العامة لمهنة معينة لها أن ترجع على أي شخص اعتدى على هذه المصالح العامة ، ولو لم تكن لها في ذلك مصلحة شخصية . فنقابة للعمال لها أن ترجع على صاحب عمل لم يراع قوانين العمل في مصنعه ، بأن جعل العمال يعملون أكثر من الساعات المقررة للعمل ، أو استخدم الصبية أو النساء دون أن يراعى القيود التي قررها القانون ، حتى لو لم يكن العمال أو الصبية أو النساء الذين استخدمهم صاحب العمل أعضاء في النقابة ، إذ النقابة هنا تمثل الصالح العام لجميع العمال سواء كانوا داخلين في عضويتها أو غير داخلين . أما إذا كان العمال داخلين في عضويتها ، فإنها تكون بذلك قد توفرت لا على مصلحة عامة للمهنة فحسب ، بل أيضاً على مصلحة جماعية شخصية ، وكلتا المصلحتين تبرر رجوعها على صاحب العمل . وقيام المصلحة الجماعية العامة يتحقق بالنسبة إلى النقابات دون الشركات والجمعيات ، فإن هذه لا تمثل المصالح العامة للمهنة أو للطائفة التي تنتسب إليها . أما الأشخاص المعنوية العامة ، كالدولة والمديريات والبلديات والقرى ، فتختلط بالنسبة إليها المصالح الشخصية بالمصالح العامة ، إذ الدولة تمثل مجموع السكان فمصالح هذا المجموع وهي المصالح العامة هي أيضاً المصالح الشخصية للدولة ، والمديرية تمثل مجموع سكان المديرية فمصالح هذا المجموع هي المصالح العامة والمصالح الشخصية للمديرية في وقت واحد . وهكذا قل عن سائر الأشخاص المعنوية العامة ( [11] ) .

وإذا كانت الجماعة لا تتمتع بشخصية معنوية ولكنها تنتمي إلى مهنة أو طائفة معينة ، كرجال الجيش ورجال القضاء ورجال الإدارة والمعلمين والخبراء والمحضرين والجماعيين والأزهريين واليهود ومهاجري فلسطين ، وبج أن نلاحظ أن لهذه الجماعة مصالح عامة . فهل الاعتداء على هذه المصالح يجيز للجماعة ، وهي لا تتمتع بشخصية معنوية ، أن ترجع بالتعويض على المعتدى ؟ تقضي القواعد العامة بعدم جواز ذلك ، فالجماعة ما دامت لا تتمتع بالشخصية المعنوية ليست شخصاً له ذمة مالية ، ولا تستطيع أن تقاضي ولا أن تقاضى ، ولا يمكن أن تترتب مسئولية في ذمتها ولا أن يكون لها حق في الرجوع على المسئول . وأكثر ما يكون الاعتداء على المصالح العامة لهذه الجماعات أن يكون اعتداء على مصالحها الأدبية ، كالقذف في حقها أو الحط من كرامتها أو تلويث سمعتها . ففي مثل هذه الأحوال لا يجوز لأحد أن يتقدم باعتباره ممثلا للجماعة يطالب المسئول بالتعويض . وإنما يجوز لأي فرد من أفراد الجماعة – أو أي شخص معنوي داخل هذه الجمعية كجمعية المعلمين أو نادي الجماعيين أو جمعية إسرائيلية ، أن يطالب المسئول بالتعويض ، ويشترط في ذلك أن يثبت ليس فحسب أن المسئول قد اعتدى على المصلحة العامة للجماعة ، بل أيضاً أن هذا الاعتداء على المصلحة العامة قد لحقه منه ضرر شخصي ( [12] ) .

2 – المدعى عليه

619 – المدعى عليه هو المسئول أو نائبه أو خلفه : المسئول هو الذي يكون مدعى عليه في دعوى المسئولية ، سواء كان مسئولا عن فعله الشخصي أو مسئولا عن غيره أو مسئولا عن الشيء الذي في حراسته . ويجوز رفع دعوى المسئولية على المسئول عن الغير وحده دون إدخال المسئول الأصلي ، وما على المسئول الذي رفعت عليه الدعوى إلا أن يدخل المسئول الأصلي ضامناً .

ويقوم مقام المسئول نائبه . فإذا كان المسئول قاصراً ، كان نائبه هو وليه أو وصيه . وإذا كان محجوراً ، كان النائب هو القيم . وإذا كان مفلساً ، فالسنديك . وإذا كان وقفاً ، فالناظر . وإذا كان رشيداً بالغاً ، فالوكيل . و

يحل محل المسئول خلفه . والخلف هنا هو أولاً الوارث . ولما كان الوارث في الشريعة الإسلامية لا يرث التركة إلا بعد سداد الديون ، فالتركة تكون هي المسئولة بعد موت المسئول ، وأي وارث يمثل التركة في دعوى المسئولية ، وما على المضرور إلا أن يرفع الدعوى على كل الورثة أو على أحدهم ، فيحكم له بالتعويض قبل من رفع عليه الدعوى ، ويتقاضى حقه كاملا من التركة . ويجوز أيضاً أن يكون الخلف هو شخص محال عليه بالدين ، كما إذا باع صاحب المتجر متجره واشترط على المشتري أن يفي بجميع الديون التي تثبت في ذمة المتجر ويكون من هذه الديون تعويض لمتجر آخر بسبب منافسة غير مشروعة . فيكون المدعى عليه في هذه الحالة هو المشتري للمتجر باعتباره خلفاً خاصاً للمسئول ، وقد انتقل إليه دين التعويض عن طريق الحوالة ، وحوالة الدين جائزة في القانون المدني الجديد ( [13] ) . ولا يتصور هنا أن يكون المدعى عليه هو دائن المسئول كما تصورنا ذلك في المدعى ، فإنه إذا كان للدائن أن يستعمل حقوق مدينه فليس عليه الوفاء بالتزامات المدين ( [14] ) . وإذا كان المسئول شخصاً معنوياً وانحل ، فجميع ما له بعد التصفية يكون مسئولا عن التعويض ( [15] ) .

620 – تعدد المسئولين : سبق أن ذكرنا أن المادة 169 من القانون المدني الجديد قضت بأنه إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار ، كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر ، وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض . فتعدد المسئولين يجعل كل مسئول مدعى عليه ، ويجعلهم جميعاً متضامنين في المسئولية ( [16] ) . وما دموا متضامنين فإن المدعى يستطيع أن يقيم الدعوى عليهم جميعاً ، كما يستطيع أن يختار منهم من يشاء فيقصر الدعوى عليه دون غيره ، ويطالبه بالتعويض كاملاً ( [17] ) . ذلك أن التضامن يقضي بأن كلا منهم يكون مسئولا قبل المضرور عن التعويض كله ، ثم يرجع من دفع التعويض على الباقي كل بقدر نصيبه بحسب جسامة الخطأ أو بالتساوي على النحو الذي قدمناه .

ويجب حتى يقوم التضامن بين المسئولين المتعددين أن تتوافر شروط ثلاثة :

1 – أن يكون كل واحد منهم قد ارتكب خطأ . فلا تكون ورثة المسئول متضامنين إلا باعتبار أن التركة هي المسئولية ، أما هم فلا تضامن بينهم لأن أحداً منهم لم يرتكب خطأ ، بل المورث هو الذي صدر منه الخطأ .

2 – أن يكون الخطأ الذي ارتكبه كل منهم سبباً في إحداث الضرر . فإذا أطلق جماعة من الصيادين خطأ بنادقهم في وقت واحد ، أصيب أحد العابرة برصاصة من أحدهم ، فإن الباقي لا يكون مسئولين معه بالتضامن لأن الأخطاء التي وقعت منهم لم تكن سبباً في إحداث الضرر ، بل لا يكونون مسئولين أصلاً لانهم لم يحدثوا ضرراً ما .

3 – أن يكون الضرر الذي أحدثه كل منهم بخطئه هو ذات الضرر الذي أحدثه الآخرون ، أي أن يكون الضرر الذي وقع منهم هو ضرر واحدا ( [18] ) . فإذا سرق أحد اللصوص عجلة السيارة ، وجاء لص آخر فسرق من السيارة بعض الآلات ، لم يكن اللصان متضامنين لأن كلا منهما أحدث بخطئه ضرراً غير الضرر الذي أحدثه الآخر ( [19] ) .

هذه هي الشروط الثلاثة التي يجب توافرها ليكون المسئولون المتعددون متضامنين في المسئولية . ومتى توافرت تحقق التضامن ، دون حاجة لأي أمر آخر . فلا ضرورة لأن يكون هناك تواطؤ ما بين المسئولين أو أن يرتكب الأخطاء في وقت واحد ، فإذا حاول لص سرقة منزل فنقب فيه نقباً ثم ذهب يستحضر ما يستعين به على السرقة ، فأتى لص آخر على غير اتفاق مع اللص الأول ودخل من النقب وسرق المنزل ، فإن اللصين يكونان مسئولين بالتضامن ( [20] ) . ولا ضرورة لأن تكون الأخطاء عملا واحداً أو جريمة واحدة ( [21] ) ، فقد يكون أحدها عمداً والآخر غير عمد ، وقد تختلف جسامة الأخطاء فيقترن خطأ جسيم بخطأ يسير ومع ذلك يكون صاحب الخطأ اليسير متضامناً مع صاحب الخطأ الجسيم . وقد تختلف طبيعة الأخطاء فيكون أحد الخطأين جنائياً ويكون الثاني مدنيا ًن أو يكون أحدهما عملا ويكون الآخر امتناعاً عن عمل . مثل ذلك أن يهمل الخادم فيترك باب المنزل مفتوحاً فيدخل لص ويسرق المنزل ، ففي هذه الحالة يكون الخادم واللص متضامنين على اختلاف ما بين الخطأين ، فأحدهما عمد والآخر غير عمد ، وأحدهما جنائي والآخر مدني ، وأحدهما عمل والآخر امتناع عن عمل . وقد تكون الأخطاء كلها ثابتة أو مفترضة ، أو يكون بعضها ثابتاً وبعض مفترضاً ، فسائق السيارة ومالكها مسئولان بالتضامن عن خطأ السائق وخطأ الأول ثابت وخطأ الآخر مفترض .

وقد يكون أحد الخطأين عقدياً ما دام الآخر خطأ تقصيرياً . فإذا تعاقد عامل فني مع صاحب مصنع أن يعمل في مصنعه مدة معينة ، واخل بتعهده فخرج قبل انقضاء المدة ليعمل في مصنع آخر منافس بتحريض من صاحبه ، كان العمل الفني وصاحب المصنع المنافس مسئولين معاً نحن صاحب المصنع الأول كل منهما عن تعوض كامل . وتفسير ذلك لا يرجع إلى تعد المسئولين عن أخطاء تصيرية ، بل يرجع إلى أن العامل الفني مسئولا عن تعويض كامل لأنه اخل بالتزامه العقدي ، وصاحب المصنع المنافس مسئول أيضاً عن تعويض كامل لأنه ارتكب خطأ جعله مسئولا ن فيكون كل منهما مسئولا عن تعويض ضرر واحد تعويضاً كاملا . وهذه ليست مسئولية بالتضامن ( solidarite ) بل هي مسئولية مجتمعة ( in solidum ) . وكذلك يكون الحكم إذا كان كل من الخطأ العقدي والخطأ التقصيري غير عمد ، كما إذا ارتكب أمين النقل وهو ينقل بضاعة خطأ بأن سار بسرعة كبيرة ، فاصطدم بسيارة أخرى ارتكب سائقها هو أيضاً خطأ بان كان يسير من جهة الشمال ، فخطأ أمين النقل هنا خطأ عقدي غير عمد وخطا الغير ( سائق السيارة الأخرى ) خطأ تقصيري غير عمد ، ومع ذلك يكون أمين النقل والغير مسئولين معاً مسئولية مجتمعة ( in solidum ) ( [22] ) . ويلاحظ في المثلين المتقدمين أن مرتكب الخطأ العقدي لا يكون مسئولا إلا عن الضرر المتوقع ، أما مرتكب الخطأ التقصيري فيكون مسئولا أيضاً عن الضرر غير المتوقع ما دام ضرراً مباشراً ، فالمسئولية المجتمعة إنما تقوم بينهما فيما يشتركان في التعويض عنه وهو الضرر المتوقع ، وينفرد مرتكب الخطأ التقصيري بالمسئولية عن الضرر غير المتوقع . والفرق بين المسئولية بالتضامن ( solidarite ) والمسئولية المجتمعة ( in solidum ) أن التضامن يختص باحكام لا تشاركه فيها المسئولية المجتمعة ، فالمسئولون بالتضامن يمثل بعضهم بعضاً فيما ينفع لا فيما يضر . فإذا تصالح الدائن مع أحد المسئولين بالتضامن وتضمن الصلح الإبراء من الدين أو براءة الذمة منه باية وسيلة أخرى ، استفاد منه الباقون أما إذا كان من شأن هذا الصلح أن يرتب في ذمتهم التزاماً أو يزيد فيما هم ملتزمون به فإنه لا ينفذ في حقهم إلا إذا قبلوه ( م 294 ) . وإذا اقر أحد المسئولين المتضامنين بالدين فلا يسرى هذا الإقرار في حق الباقين ، وإذا نكل أحد المسئولين المتضامنين عن اليمين أو وجه إليه الدائن يميناً حلفها فلا يضار بذلك باقي المسئولين ، وإذا اقتصر الدائن على توجيه اليمين إلى أحد المدينين المتضامنين فحلف فإن المسئولين الآخرين يسفديون من ذلك ( م 295 ) . وإذا صدر حكم على أحد المسئولين المتضامنين فلا يحتج بهذا الحكم على الباقين ، أما إذا صدر الحكم لصالح أحدهم فيستفيد منه الباقون إلا إذا كان الحكم مبنياً على سبب خاص بالمسئول الذي صدر الحكم لصالحه ( م 296 ) . وإذا انقطعت مدة التقادم أو وقف سريانه بالنسبة إلى أحد المسئولين المتضامنين ، فلا يجوز للدائن أن يتمسك بذلك قبل باقي المسئولين ( م 292 فقرة 2 ) . وإذا اعذر الدائن أحد المسئولين المتضامنين أو قاضاه فلا يكون لذلك اثر بالنسبة إلى باقي المسئولين ، أما إذا اعذر أحد المسئولين المتضامنين الدائن فإن باقي المسئولين يستفيدون من هذا الاعذار ( م 293 فقرة 2 ) . وسنعرض لهذه الأحكام تفصيلاً عن الكلام في التضامن . ونجتزئ هنا بالإشارة إلى أن هذه الأحكام هي خاصة بالمسئولية التضامنية دون المسئولية المجتمعة ، ومن ثم تقوم هذه الفروق بين المسئوليتين ( [23] ) .

والمسئولية بالتضامن إنما تكون في علاقة المضرور بالمسئولين المتعددين ( [24] ) . أما فيما بين المسئولين المتعددين أنفسهم فيقسم التعويض بينهم بحسب جسامة الخطأ على الرأي السائد في القضاء كما أسلفنا الذكر ( [25] ) .

621 – المسئول إذا ارتكب الخطأ جماعة : إذا لم تكن الجماعة متمتعة بشخصية معنوية ، فلا يمكن بوصفها جماعة أن ترتكب خطأ . وإنما يرتكب الخطأ في هذه الحالة عضو أو أكثر من أعضاء هذه الجماعة أو جميع الأعضاء ، ولكن باعتبارهم أفراداً لا جماعة .

وإذا كانت الجماعة متمتعة بالشخصية المعنوية فالأمر يختلف ، إذ يجوز كما قدمنا أن يرتكب الشخص المعنوي خطأ ترتب عليه المسئولية المدنية ( [26] ) . والمسئول الذي تقام عليه الدعوى هو الشخص المعنوي ذاته لا ممثلوه ، فهؤلاء إنما هم أعضاؤه ( organs ) التي يعمل بواسطتها ويريد عن طريقها ( [27] ) . ولكن هاذ لا يمنع من أن الخطأ الذي يرتكبه الشخص المعنوي يرتكبه في الوقت ذاته ممثلوه بوصفهم أفراداً ، فيكون المسئول هو الشخص المعنوي والممثلون متضامنين جميعاً في المسئولية . فإذا دفع الشخص المعنوي التعويض رجع على ممثليه بكل ما دفع دون أن يخصم نصيباً عن مسئوليته ، لأنه لا مسئولية عليه في العلاقة فيما بينه وبين ممثليه ، إذ هم الذين ارتكبوا الخطأ في الواقع . وإذا دفع الممثلون التعويض فلا رجوع لهم على الشخص المعنوي . وقد يكون ممثل الشخص المعنوي تابعاً له كمدير الشركة ، فتتحقق مسئولية الممثل إما باعتباره تابعاً أو بصفته الشخصية ، وفي الحالة الأولى تتحقق مسئولية الشخص المعنوي باعتباره متبوعاً .


 ( [1] ) وقد قضت محكمة استئناف أسيوط بأنه إذا خالف أحد المزارعين القانون رقم 1 لسنة 1927 الذي حرم زراعة أكثر من الثلث قطناً ، وجنى محصول القطن المنزرع فيما زاد على الثلث وباعه ، فليس لوزارة الزراعة أن تطلباه بدفع ثمن هذا القطن إليها ، لأنها لم يصبها ضرر معين ، والضرر الذي أصاب المصلحة العامة يكفي فيه العقاب الجنائي وتقليع الزائد من القطن ( استئناف أسيوط في 12 ديسمبر سنة 1931 المحاماة 12 رقم 382 / 2 / ص 774 ) .

 ( [2] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا قضت المحكمة للمجنى عليه بالتعويض على أساس أنه طلبه لنفسه مقابل الضرر الذي لحقه من الجريمة ، قائلة ” إنه وإن كان قد ذكر أنه مستعد بعد الحكم للتبرع بالمبلغ الذي يحكم له به لجهات الخير ، فإنها مع ذلك تقضي له به ، وهو وشأنه فيه بعد الحكم ” ، فهذا منها لا شائبة فيه ( نقض جنائي في 16 ابريل سنة 1945 المحاماة 27 رقم 216 ص 520 ) . أنظر أيضاً في هذا المعنى : استئناف مختلط في 21 فبراير سنة 1900 م 12 ص 134 – وفي ) مايو سنة 1935 م 47 ص 305 .

 ( [3] ) أنظر عكس ذلك مازو 2 فقرة 1868 ص 696 .

 ( [4] ) وينتقل حق التعويض إلى الورثة ، كل بقدر نصيبه في الميراث ( محكمة الاستئناف الوطنية في 19 نوفمبر سنة سنة 1903 المحاكم 15 ص 3193 – وفي 13 يناير سنة 1914 المجموعة الرسمية 15 رقم 35 ص 73 – وفي 19 مارس سنة 1928 المحاماة ) رقم 30 ص 51 – محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية في 16 سبتمبر سنة 1898 القضاء 6 ص 7 ) .

وغنى عن البيان أن الوارث له دعويان : الدعوى التي يرثها عن المضرور فيرفعها بوصفه خلقا ، ودعواه الشخصية عن الضرر الذي أصابه مباشرة ويرفعها بوصفه أصيلا .

 ( [5] ) ودائن المضرور عندما يرفع الدعوى غير المباشرة إنما يكون نائباً عن مدينه ( م 236 من القانون المدني الجديد ) . فالأولى أن يقال أن دائن المضرور نائب لا خلاف ، ولكن الدائن يوضع عادة مع الخلف .

 ( [6] ) وقبل أن تترك التعويض عن الضرر المادي نعرض لحالة خاصة : إذا كان الضرر المادي الذي أصاب المضرور هو الموت بان اعتدى شخص على حياته فمات في الحال ، فهل يجوز للوارث أن يطالب بالتعويض بوصفه خلفاً للمضرور ؟ وهل يجوز القول إن الموت ضرر مادي يصيب الميت ؟ لا شك في ذلك ، فقد فقد الميت أثمن شيء مادي يملكه وهي الحيازة . ولا يقال إن كل نفس ذائقة الموت وإن الموت ضرر لا مفر منه وهو قدر محتوم ، ذلك أن المضرور لا يشكو من الموت في ذاته ، بل يشكو من أنه مات موتا غير طبيعي ، وهذا ضرر لا شك فيه . ولا يقال كيف يضار الميت بالموت ، اقبل الموت وهو لما يمت ، أم بعد الموت والميت لا يجوز عليه الضرر ! ذلك أن الميت قد أحاق به الضرر ، لا قبل الموت ، ولا بعد الموت ، ولكن عند الموت . ويتبين من ذلك أن هناك ضرراً مادياً أصاب الميت ، فللوارث أن يطالب مكنه بتعويض هذا الضرر ، وكذلك للدائن أن يطلب تعويضاً باسم مدينه الميت ( أنظر في هذه المسألة مازو 2 فقرة 1912 – وانظر : نقض جنائي في 14 مارس سنة 1944 – المحاماة 26 رقم 212 ص 565 وتعليق الدكتور سليمان مرقص في مجلة القانون والاقتصاد 18 العدد الأول ) .

 ( [7] ) ولا يقال أن حق التعويض عن الضرر الأدبي حق متصل بشخص المدين ، فلا يجوز للدائن أن يطالب به باسم مدينه . فإن هذا يصح قبل أن تظهر إرادة المدين قاطعة في المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي . أما وقد ظهرت في صورة اتفاق مع المسئول أو بالمطالبة القضائية ، فقد أصبح حق التعويض حقاً مالياً كسائر الحقوق المالية ، ينتقل إلى الوارث ، ويجوز للدائن استعماله .

 ( [8] ) ولكن لا يجوز للمضرور ، قبل الاتفاق أو المطالبة القضائية ، أن يحول حقه إلى الغير ، لأن الحق لا يكون عندئذ قابلا للانتقال . على أنه إذا فعل المضرور ذلك بعد أن قدر مبلغ التعويض ، وقبل المسئول هذه الحوالة ، فإن هذا القبول يعتبر اتفاقا بين المسئول والمضرور على مبدأ المسئولية ومبلغ التعويض ، فيصبح الحق في التعويض قابلا للتحويل ، واتصح الحوالة في هذه الحالة .

أما التعويض عن الضرر الأدبي الناشيء عن موت المورث فوراً عند الاعتداء على حياته ، فلا يتصور انتقاله إلى الورثة ، لأن المورث مات في الحال ، فلم تتح له فرصة الاتفاق مع المسئولن ولم يتصع الوقت للمطالبة القضائية . وقد يصيب الضرر الأدبي الميت بعد موته في ذكراه ، فيعمد شخص إلى النيل من سمعته ، فلا يمكن أن يقال في هذه الحالة أن الميت قد أصابه ضرر من جراء ذلك ، لأن الأموات لا يتضررون . ويترتب على ذلك أنه لا يتصور في هذه الحالة انتقال حق في التعويض من الميت إلى ورثته ، لا لأن التعويض عن الضرر الأدبي لا ينتقل إلى الوارث فحسب بل أيضاً لأن الضرر منتف عن الميت بعد موته . ولكن قد يتأذى الوارث شخصياً من جراء النيل من سمعة مورثة ، فيجوز له عندئذ أن يطالب بوصفه أصيلاً بتعويض عن الضرر الأدبي الذي أصابه . ويجب في اعتبار هذا الضرر الأدبي التوفيق بين واجبين يلزمان من نال من سمعة الميت : واجبة كمؤرخ يسرد الحقائق على وجهها الصحيح خدمة للعلم والتاريخ ، وواجبه في ألا ينال من سمعة الأحياء من جراء قدحه في سيرة الأموات دون مبرر ( أنظر في هذه المسألة مازو 2 فقرة 1922 – فقرة 1929 ) .

 ( [9] ) ويقول الفرنسيون إن الضرر الثاني هو ارتداد الضرر الأول ، فهو ضرر مرتد ( par ricochet ) . أنظر في التعويض عن الضرر المرتد تعليق الدكتور سليمان مرقص المشار إليه في مجلة القانون والاقتصاد 18 العدد الأول .

 ( [10] ) أنظر في القضاء الفرنسي وتضارب أحكامه مازو 2 فقرة 1878 – 7 إلى فقرة 1878 – 14 – وانظر في تدخل النقابات أمام القضاء الإداري فالين في الرقابة القضائية على الإدارة – القاهرة سنة 1949 – ص 114 – ص 115 .

 ( [11] ) وكذلك الحال في النقابات الاجبارية ، كنقابة المحامين ونقابة الأطباء ونقابة المهن الهندسية ، ففي هذه النقابات التي تجمع اجباريا جميع رجال المهنة تختلط المصالح الشخصية للنقابة بالمصالح العامة للمهنة .

 ( [12] ) أنظر في موضوع الضرر الذي يصيب الجماعة مازو 2 فقرة 1878 – فقرة 1899 .

 ( [13] ) ويلاحظ أن المشتري في هذا المثل هو خلف خاص للبائع بالنسبة إلى المتجر ، وخلف خاص للمدين ( وهو البائع ) بالنسبة إلى الدين المحال به . وترفع عليه دعوى المسئولية باعتباره خلفاً خاصاً للمدين . أما إذا لم تكن هناك حوالة للدين ، فلا يكون مشتري المتجر ملزما به ولو أنه خلف خاص بالنسبة إلى المتجر ( أنظر في هذا المعنى : استئناف مختلط في 10 ابريل سنة 1901 م 13 ص 223 – وفي 10 ابريل سنة 1929 م 41 ص 350 – بلانيول وريبير وغسمان 1 فقرة 660 ) .

 ( [14] ) ويجوز للدائن في دعوى المسئولية أن يرجع على مدين المسئولية بالدعوى غير المباشرة ، ولكن الرجوع في هذه الحالة لأي كون بدعوى المسئولية ذاتها ، كما يجوز للدائن أن يحجز تحت يد مدين المسئول حجز ما للمدين لدى الغير .

 ( [15] ) مازو 2 فقرة 1999 .

 ( [16] ) ومبدأ المسئولية بالتضامن إذا تعدد المسئولون عن عمل غير مشروع قرره القانون القديم في المادتين 150 / 211 كما قدمنا : نقض جنائي في 28 ديسمبر سنة 1907 المجموعة الرسمية 9 رقم 27 ص 65 – وفي 17 فبراير سنة 1912 المجموعة الرسمية 13 رقم 54 ص 111 – وفي 16 فبراير سنة 1918 المجموعة الرسمية 19 رقم 49 ص 70 – استئناف وطني في 8 يونية سنة 1905 الاستقلال 4 ص 466 ( يضح عدم إدخال التابع ف يالدعوى مع المتبوع إذ هما مسئولان بالتضامن ) – استئناف مختلط في 14 مايو سنة 1890 م 2 ص 296 – وفي 29 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 41 – وفي 28 يناير سنة 1903 م 15 ص 111 – وفي 3 فبراير 1903 م 15 ص 127 – وفي 13 ابريل سنة 1904 م 16 ص 189 – وفي 10 مارس سنة 1927 م 39 ص 328 .

ويقول دي هلتس ( Respons . No . 55 ) إن التضامن قائم حتى لو لم يذكر في الحكم لأن مصدره القانون ، ولكن محكمة مصر الكلية الوطنية قضت بأنه إذا حكم بالتعويض وأغفلت المحكمة ذكر التضامن ، فلطالب التعويض أن يطلب منها تفسير الحكم والنص على التضامن لمنع الاشكال في التنفيذ ( 21 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 251 ص 344 ) .

 ( [17] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان المدعى المدني رفع دعواه المدنية أمام محكمة أول درجة على المتهم هو وآخر ، فقضت المحكمة بالحكم على الطاعن بالعقوبة وبالتعويض المدني ، وبرأت المتهم الآخر ورفضت الدعوى المدنية قبله ، فلم يستأنف المدعى المدني واستأنفت النيابة ، فقضت المحكمة الإستئنافية بإدانة المتهم الآخر المحكوم ببراءته ابتدائياً وأيدت الحكم الابتدائي على الطاعن ، ولما لم تكن الدعوى المدنية قد استؤنفت أمامها بالنسبة إلى هذا الآخر فلم يكن هناك سبيل للحكم عليه بشيء من هذا التعويض ، وليس هناك ما يمنع قانوناً من إلزام الطاعن وحده بتعويض كل الضرر الناشيء عن ارتكابه الجريمة ولو ارتكبها مع غيره ( نقض جنائي في 16 فبراير سنة 1948 المحاماة 29 رقم 70 ص 84 ) .

 ( [18] ) وقد يكون أحد المسئولين أحدث الضرر كله والآخر لم يحدث إلا بعضه ، فيكونان مسئولين بالتضامن في البعض الذي اشتركا فيه ، وينفرد الأول بالمسئولية عما استقل بإحداثه . مثل ذلك مخفى بعض الأشياء المسروقة ، تقصتر مسئوليته بالتضامن مع السارق على مقدار ما أخفى ( نقض جنائي في 16 فبراير سنة 1918 المجموعة الرسمية 19 رقم 49 ص 70 – وانظر أيضاً محكمة مصر الابتدائية المختلفطة في 17 ديسمبر سنة 1928 جازيت 20 رقم 188 ص 174 ) .

أما إذا لم يثبت أن الضرر واحد ، كله أو بعضه ، فلا تضامن . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الواقعة الثابتة هي أن أحد المتهمين ضرب المجني عليه فأصاب موضعاً من جسمه ، والآخر ضربه فأصاب موضعاً آخر منه ، وكانت الدعوى لم ترفع على أساس اتفاق أو إصرار سابق من المتهمين على الاعتداء ، فإنه يجب إذا كانت المحكمة ترى الحكم عليهما بالتضامن في التعويض أن تبين في حكمها الأساس الذي تقيمه عليه بما يتفق والأصول المرسومة له في القانون ، فتذكر وجه مسائلة كل من المحكوم عليهما عن الضرر الناشيء من الضربتين مجتمعتين لا عن الضربة الواحدة التي أحدثها هو . فإذا هي لم تفعل ولم تتعرض للتضامن ، فإن المسئولية لا تكون تضامنية لولا تصح مطالبة كل منهم إلا بنصف المبلغ المحكوم به عليهما فقط ( نقض جنائي في 15 يناير سنة 1945 المحاماة 17 رقم 103 ص 254 ) .

 ( [19] ) فتجب إذن وحدة الضرر واشتراك كل المسئولين في احداثه : استئناف مختلط في 9 مايو سنة 1911 م 24 ص 324 – وفي 10 فبراير سنة 1915 م 27 ص 155 – وفي 19 مايو سنة 1925 م 37 ص 435 – محكمة الإسكندرية الكلية المختلطة في 4 فبراير سنة 1930 جازيت 20 رقم 210 ص 203 .

 ( [20] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه يكفي لترتيب التضامن أن تتحد إرادة الفاعلين مجرد اتحاد وقتي غير مسبوق باتفاق على الاعتداء على المجني عليه ، وأن يقترف كل منهم هذا الاعتداء أو يشترك فيه ( نقض جنائي في 25 ديسمبر سنة 1930 المحاماة 11 رقم 422 ص 819 – وفي 29 مارس سنة 1931 المحاماة 12 رقم 63 ص 109 – وفي 11 يونية سنة 1931 المحاماة 12 رقم 204 / 4 ص 400 ) .

 ( [21] ) فقد يكون أحد الخطأين سرقة والخطأ الآخر إخفاء الأشياء مسروقة ، وقد قضت محكمة النقض بأن من يشتري المسروق مع علمه بحقيقة الأمر فيه يكون مسئولا مع السارق بطريق التضامن عن تعويض الضرر الذي أصاب المجني عليه ، ولو أنه يعد في القانون مخفياً لا سارقاً ، وذلك على أساس أن كلا منهما قد عمل على احتجاز المال المسروق عن صاحبه ( نقض جنائي في 16 نوفمبر سنة 1942 المحاماة 23 رقم 224 ص 543 . وانظر أيضاً نقض جنائي في 24 مايو سنة 1943 المحاماة 26 رقم 22 ص 49 ) . وقد يكون أحد الخطأين جناية قتل والخطأ الآخر جنحة ضرب ، وقد قضت محكمة النقض بان المسئولين متضامنون سواء فيهم من حكم عليه بجناية القتل أو من حكم عليه بجنحة الضرب ( نقض جنائي في 15 فبراير سنة 1931 المحاماة 12 رقم 7 ص 9 – استئناف مصر الوطنية في 8 ديسمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 319 / 2 ص 490 ) . وقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأنه إذا تطابقت إرادة اثنين فأكثر على إيذاء إنسان والتعدي عليه ، فضربه بعض وقتله بعض ، كانوا مسئولين بالتضامن لورثته عن التعويض ، ومساوين في المسئولية المدنية ولو لم يتعادلوا في المسئولية الجنائية ، وكان فعل أحدهم جناية وفعل الباقين جنحة ( 14 مارس سنة 1939 المحاماة 19 رقم 460 ص 1146 ) . وقد لا يعرف من من المسئولين هو الذي قتل ومن منهما اقتصر على الضرب ، فيكونان بالأولى متضامنين ، وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الثابت بالحكم أن المتهمين وفريقهما حضروا معاً لمحل الحادثة ، وكان كل منهم عاقداً النية على الاعتداء على فريق المجنى عليه بسبب مضاربة سابقة وقعت بين بعض أفراد الفريقين ، وتنفيذاً لهذا الغرض ضرب كل من المتهمين بحضور الآخر وعلى مرأى منه المجني عليه المذكور فأحدثا به الإصابات التي أدى بعضها إلى وفاته ، فالقضاء عليهما متضامنين بالتعويض للمدعى بالحق المدني عن وفاة المجني عليه لا مخالفة فيه للقانون ، لأن كلا منهما يعتبر مسئولا من الوجهة المدنية عن الوفاة ، ولو أن المحكمة لم تستطيع تعيين من منهما أحدث الإصابة التي نشأ الموت عنها ( نقض جنائي في 2 مارس سنة 1942 المحاماة 23 رقم 20 ص 33 – أنظر أيضاً نقض جنائي في 17 مايو سنة 1943 المحاماة 26 رقم 18 ص 41 ) . وقد يبرأ أحد المتهمين من التهمة الجنائية ومع ذلك يبقى متضامناً مدنياً مع المتهم الذي أدين جنائياً ، وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت المحكمة برأت المتهم من تهمة الشروع في القتل إلا إنها أقامت قضاءها بإلزامه بالتعويض مع المتهم الآخر الذي أدين بهذه الجريمة على ما قالته من أنه كان معه وقد سلمه السلاح الذي استعمل في الجريمة ، ثم اتحد الاثنان في فكرة الإستيلاء على السيارة من طريق التحرش بالمدعى المدني ومعاكسته ، وتطور الموقف إلى صدور أفعال منهما استفزت المدعى وكان لها بعض الأثر في وقوع الجريمة التي ارتكبها زميل الطاعن ، وأن كل هذه الأفعال وإن كانت لا ترقى بالنسبة إليه إلى مرتبة الاتفاق الذي وقعت جريمة الشروع في القتل بناء عليه ، إلا أن توافق الاثنين على التحرش رغبة في الحصول على السيارة لتنفيذ حلقة من حلقات الاتفاق الجنائي العام القائم بينهما وآخرين ، والأفعال التي صدرت عنهما وكان من نتيجتها استفزاز المدعى كان لها أثرها بالنسبة إلى الطاعن وبالتالي في الضرر الذي حاق بالمدعى – وهذه الظروف مجتمعة تجعل الاثنين مسئولين مدنياً بالتضامن عن تعويض ذلك الضرر ( نقض جنائي في 24 مايو سنة 1949 المحاماة 30 رقم 127 ص 13 ) .

 ( [22] ) ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا نسبب الوكيل في عقد بخطئه في إخلال الموكل بتعهده كان مسئولا مع بالتضامن ( استئناف مختلط في 23 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 82 ) . والصحيح أن المسئولية هنا مسئولية مجتمعة لا مسئولية بالتضامن ، لاجتماع خطأ عقدي مع خطأ تقصيري . وسنرى أن محكمة الاستئناف المختلطة قد قضت من جهة أخرى في بعض أحكامها بان المسئولية عند تعدد المسئولين عن أخطاء تقصيرية تكون مسئولية مجتمعة لا مسئولية بالتضامن ، وهذا أيضاً غير صحيح .

 ( [23] ) وفي القانون المدني الفرنسي لا يوجد نص على التضامن عند تعدد المسئولين ، ومن ثم لجأ الفقه والقضاء في فرنسا إلى فكرة المسئولية المجتمعة ( in solidum ) فأقاموها بين المسئولين المتعددين ( أنظر مازو 2 فقرة 1961 – 1969 ) . أما في القانون المدني المصري ، القديم والجديد ، فإن النص على التضامن موجود كما قدمنا . لذلك تكون المسئولية بين المسئولين المتعددين في مصر مسئولية بالتضامن لا مسئولية مجتمعة ، ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في بعض أحكامها بأنه إذا تعدد المسئولون فالمسئولية بينهم لا تكون مسئولية تضامنية ( solidarite ) بل مسئولية مجتمعة ( in solidum ) استئناف مختلط في 5 مايو سنة 1937 م 49 ص 213 – وفي 23 يونية سنة 1937 م 49 ص 276 – وجعلت المحكمة هنا القسمة فيما بين المسئولين بالتساوي لا بحسب جسامة الخطأ ) – وفي 23 فبراير سنة 1 938 م 50 ص 143 . وقد أغفلت هذه الأحكام النص الصريح على التضامن الذي ورد في القانون المدني المصري . ومهما يكن من أمر ، فإنه إذا رفع المضرور الدعوى على أحد من المسئولين ، جاز له أن يطالبه بالتعويض كاملا ، ولهذا أن يرجع على سائر المسئولين كل بقدر نصيبه : استئناف مختلط في 10 ابريل سنة 1929 م 41 ص 353 – وفي 3 ابريل سنة 1930 جازيت 20 رقم 210 ص 202 – وفي 31 مارس سنة 1937 م 49 ص 174 – وفي 8 يونية سنة 1938 م 50 ص 356 .

والصحيح أن المسئولية في مصر ، في حالة تعدد المسئولين ، تكون مسئولية تضامنية بجميع خصائصثها المتقدمة الذكر ، لا مجرد مسئولية مجتمعة . وهذا ما ذهب إليه الفقه والكثرة الغالبة من أحكام القضاء . ومن الأمثلة على تضامن المسئولين عند تعددهم انهيار بناء مملوك في الشيوع ، فيكون الملاك في الشيوع مسئولين بالتضامن عن الضرر الذي أحدثه انهيار البناء ( استئناف مختلط في 28 يناير سنة 1903 م 15 ص 111 – وفي 8 يناير سنة 1913 م 25 ص 114 – وفي 28 يناير سنة 1926 م 38 ص 208 ) ، وبائعوا العقار يعلنون غشاً أن العقار خال من الرهون ، فيكونون مسئولين بالتضامن ( استئناف مختلط في 17 مايو سنة 1905 م 17 ص 277 ) ، والمشتركون في اغتصاب شيء واحد يكونون مسوئلين بالتضامن ( استئناف مختلط في 19 مارس سنة 1903 م 15 ص 207 ) ، وكذلك المتواطئون على الغش ( استئناف مختلط في 11 ابريل سنة 1906 م 18 ص 189 – وفي 4 فبراير سنة 19230 م 42 ص 249 ) ، وكذلك المشتركون في منافسة غير مشروعة ( استئناف مختلط في 6 ديسمبر سنة 1900 م 13 ص 35 ) .

 ( [24] ) فإذا كان الخطأ مشتركاً ، بأن كان المضرور قد ارتكب خطأ ساعد على إحداث الضرر ، وكان المسئول شخصين متضامنين ، فقد قدمنا أن المضرور يرجع شتى التعويض على المسئولين بالتضامن ، ولا يجوز لهذين أن يدفعا هذا التضامن بأن المضرور مسئول هو أيضاً عن الضرر ، فيكون متضامناً معهما ، ويكون رجوعه عليهما هو رجوع المسئول المتضامن على سائر المسئولين المتضامنين ، فلا يرجع على كل مسئول إلا بقدر نصيبه . ذلك أنه يرجع عليها كمضرور لا كمسئول متضامن .

 ( [25] ) استئناف مختلط في 13 ابريل سنة 1904 م 16 ص 189 – وفي 28 يناير سنة 1926 م 38 ص 208 ( شريكان في مبنى على الشيوع ، فانهار المبنى وأصاب الغير بالضرر ، واعتبر الشريكان مسئولين بالتضامن قبل المضرور ، أما فيما بينهما فقد قسم التعويض بنسبة نصيب كل منهما في المبنى ( . وتقضي بعض الأحكام ، دون مبرر ، بعدم رجوع المسئول الذي دفع التعويض كلام على المسئول معه ، إذا كان الخطأ الذي ارتكباه معاً يعتبر غشاً ، كما إذا اشتركا في النصب ( استئناف مختلط في 24 نوفمبر سنة 1927 م 40 ص 50 ) ، أو في السرقة ( استئناف مختلط في 8 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 59 ) ، أو في التقليد المزور ( استئناف مختلط في 9 مارس سنة 1927 م 39 ص 322 ) .

 ( [26] ) محكمة الإسكندرية الكلية المختلفطة في 8 نوفمبر سنة 1943 م 56 ص 10 – وقد تتحقق المسئولية الجناية في أحوال قليلة ، فتوقع على الشخص المعنوي عقوية جنائية ، كالحل والإغلاق والمصادرة والغرامة .

 ( [27] ) وكما أن الدعوى لا تقام على الذراع أو على الرأس في حالة الشخص الطبيعي ، فهي كذلك لا تقام على الممثلين في حالة الشخص المعنوي ( مازو 2 فقرة 1988 )

نقلا عن محامي أردني

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s