أحكام دفع غير المستحق
831 – دعوى استرداد المستحق : إذا تحققت حالة من حالتي دفع غير المستحق نشأت دعوى لمصلحة الدافع قبل المدفوع له هي دعوى استرداد غير المستحق . ونستعرض في هذه الدعوى من يكون المدعى ، ومن يكون المدعى عليه ، وما الذي يطالب به المدعى المدعي عليه ، وكيف تسقط هذه الدعوى في بعض الحالات الخاصة .
المطلب الأول
المدعى والمدعى عليه في دعوى استرداد غير المستحق
1 – المدعى :
832 – المدعى في هذه الدعوى هو الدائن الذي يسترد ما دفعه دون حق . والدائن هو من حصل الدفع من ماله ( [1] ) لأنه هو الذي افتقر . ويغلب أن يكون هو الذي تولى الدفع فعلاً ، فيفترض أنه دفع ماله .
وقد يكون الوكيل هو الذي تولي الدفع . فإن كان قد دفع من مال الأصيل فالأصيل هو الدائن . وإن كان قد دفع من ماله الخاص ولم يجز الأصيل الدفع كان الوكيل هو الدائن . والمفروض في الوكيل إذا دفع عن الأصيل أنه يدفع من مال الأصيل لا من ماله هو .
وقد يكون النائب – الوصي أو القيم أو ناظر الوقف ألخ – هو الذي تولي الدفع عن الأصيل . وحكمه في ذلك حكم الوكيل على النحو الذي فصلناه . وإذا دفع الكفيل أكثر من الدين الذي في ذمة المكفول ، كان هو الدائن بقدر الزيادة .
ويجوز لدائني أن يستعملوا حقه فيطالبوا باسترداد المدفوع دون حق طبقاً لقواعد الدعوى غير المباشرة . ويجوز كذلك لورثة الدائن بعد موته أن يستعملوا هذا الحق آل إليهم بالميراث ( [2] ) .
ب – المدعى عليه :
833 – والمدعي عليه .
أي المدين في دعوى غير المستحق ، هو المدفوع له بغير حق ، حتى لو كان لوكيله من أو نائبه من وصى أو قيم أو ناظر وقف أو نحو ذلك .
وإذا كان المدعى عليه ناقص الأهلية كان الرجوع عليه بقدر ما انتفع على النحو الذي سنبينه فيما يلي ( [3] )
المطلب الثاني
بماذا يطالب المدعي المدعى عليه في دعوى استرداد غير المستحق
834 – النصوص القانونية : نصت المادة 185من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
” 1 – إذا كان من تسلم غير المستحق حسن النية فلا يلتزم أن يرد إلا ما تسلم ” .
” 2 – أما إذا كان سىء النية فإنه يلتزم أن يرد أيضاً الفوائد والأرباح التي جناها ، أو التي قصر في جنيها ، من الشيء الذي تسلمه بغير حق ، وذلك من يوم الوفاء أو من اليوم الذي أصبح فيه سئ النية ” .
” 3 – وعلى أي حال يلتزم من تسلم غير المستحق برد الفوائد والثمرات من يوم رفع الدعوى ( [4] ) ” .
ويتبين من هذا النص أنه يجب التمييز بين ما إذا كان المدفوع له حسن النية أو كان سئ النية . وهذا التمييز جوهري في تحديد مقدار ما يرجع به الدافع على المدفوع له . فنستعرض أحكام كل فرض من هذين الفرضين ، ثم نستعرض حالتين معينتين تميزتا بأحكام خاصة .
1 – المدفوع له حسن النية
835 – حسن النية هنا معناه أن المدفوع له يعقد أنه يتسلم ما هو مستحق له والمفروض أن المدفوع له حسن النية فلا يكلف إثبات حسن نيته . والدافع هو الذي عليه أن يثبت سوء نية المدفوع له إذا أدعى ذلك ، فيثبت أن المدفوع له كان يعلم أنه تسلم شيئاً غير المستحق له فهو سئ النية منذ البداية ، أو أنه يعلم بعد أن تسلم الشيء أنه غير مستحق له فهو حسن النية وقت التسلم سئ النية بعد ذلك ويجوز سوء النية بجميع طرق الإثبات . ولو بالنية والقرائن ، لأن سوء النية واقعة مادية .
فإذا كان المدفوع له حسن النية على الوجه الذي بيناه ، فإما أن يكون قد تسلم نقوداً أو أشياء مثلية وإما أن يكون قد تسلم عيناً معينة بالذات . ويختلف الحكم في كل من الحالتين .
المدفوع نقود أو أشياء مثلية :
836 – إذا كان المدفوع نقوداً أو أشياء مثلية – غلالا أو أقطاناً أو نحو ذلك – فإنه يدخل ديناً في ذمة المدفوع له ، ويجب عليه رده بدعوى المستحق . ويرد مقدار النقد الذي تسلمه دون نظر لتغير سعر النقد ، أو يرد القدر الذي أخذه من الأشياء المثلية ( [5] )
أما الثمرات والفوائد فلا يلتزم بردها ما دام حسن النية ( المصدر محامي شركات ).، لأنه تملكها بالقبض . ويلتزم بردها إذا أصبح سئ النية ومن وقت أن اصبح كذلك . وعلى أي حال يلتزم برد الثمرات والفوائد من يوم رفع الدعوى ، إذا يفترض سوء نيته من وقت مطالبته قضائياً بردها ما تسلمه دون حق ( [6] ) .
ب – المدفوع عين معينة بالذات :
837 – رد العين وإذا كان المدفوع عيناً معينة بالذات – سيارة أو قرضاً أو أرضاً أو منزلاً – فقد رأينا فيما قدمناه أن ملكية العين تعود إلى الدافع وله في استرداد العين دعويان هي دعوى الاستحقاق ، ودعوى شخصية هي دعوى غير المستحق . ونقصر كلامنا على الدعوى الثانية فهي وحدها محل للبحث هنا .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نصوص في هذا الموضوع حذفت في لجنة المراجعة تجنباً للتفصيلات ( [7] ) . فجاء المشروع النهائي خلواً منها . على أن الأحكام التي تضمنها النصوص المحذوفة ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة التي يعمل بها فيما إذا حاز الغير عيناً بالذات . وهذه القواعد تجدها مقررة في نصوص أخرى تبين متى يمتلك الحائز الثمار ( م 978 – 979 ) . وكيف يسترد المصروفات ( م 980 – 982 ) . وتحدد مسئوليته عن الهلاك والتلف ( م 983 – 984 ) . ولما كان المدفوع له بعين معينة بالذات لا يخرج عن أن يكون حائزاً لهذه العين : فإن النصوص المتقدمة الذكر هي التي تنطبق على حالته . لذلك نستعين في تفصيل ما نحن في صدده بهذه النصوص التي تقرر القواعد العامة بالنصوص المحذوفة من المشروع التمهيدي .
نصت المادة 255 من المشروع التمهيدي – وقد حذفت عند المراجعة كما أسلفنا القول – على أن ” كل من تسلم دون حق شيئاً معيناً بالذات التزم برده عيناً ما دام قائماً ” . وليس هذا النص المحذوف إلا تطبيقاً للقواعد العامة . فالمدفوع له بعين معينة بالذات يلتزم بردها عيناً للدافع بمقتضى التزام شخصي هو رد غير المستحق . والمفروض في ذلك أن العين لا تزال قائمة في يد المدفوع له ، لم تهلك ولم تنتقل إلى يد أخرى . وقبل أن نعرض لبيان الحكم فيما إذا هلكت العين أو انتقلت إلى يد أخرى . وقبل أن نعرض لبيان الحكم فيما إذا هلكت العين أو انتقلت إلى يد أخرى ، نبين الحكم في رد الثار واسترداد المصروفات .
838 – رد الثمار واسترداد المصروفات :
أما الثمار فإن المدفوع له حسن النية يكسبها بالقبض إلى يوم رفع الدعوى . نستخلص هذا الحكم من المادة 185التي سبق ذكرها ، تراها صريحاً في المادة 978التي تقرر القاعدة العامة في المسألة ، وقد جرت بما يأتي : ” 1 – يكسب الحائز ما يقبضه من ثمار ما دام حسن النية 2 – والثمار الطبيعية أو المستحدثة تعتبر مقبوضة من يوم فصلها ، أما الثمار المدنية فتعتبر مقبوضة يوماً فيوماً ( [8] ) ” . ومن ثم نرى أن المدفوع له حسن النية لا يرد الثمار سواء كان المدفوع عيناً معينة بالذات أو كان نقوداً أو أشياء مثلية ( [9] ) .
وأما المصروفات التي قد يكون المدفوع له أنفقها على العين ، فهذه نرى حكمها صريحاً في المادة980 التي تقرر القاعدة العامة في هذه المسألة ، وهي تنص على ما يأتي : ” 1 – على المالك الذي يرد إليه ملكه أن يؤدي إلى الحائز جميع ما أنفقه من المصروفات الضرورية ” .
” 2 – أما المصروفات النافعة فيسري في شأنها أحكام المادتين 925 . 924 ” .
” 3 – فإذا كانت المصروفات كمالية فليس للحائز أن يطالب بشيء منها ، ومع ذلك يجوز له أن ينزع ما استحدثه من منشآت على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولي ، إلا إذا اختار المالك أن يستبقيها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة ” . ونرى من ذلك أن المدفوع له إذا كان أنفق على العين مصروفات ضرورية فإنه يستردها كلها من الدافع . وإذا كان المصروفات نافعة – والمقروض أنه حسن النية – خير الدافع بين أن يدفع ما أنفقه المدفوع له من المصروفات أو يدفع مبلغاً يساوي ما زاد قيمة العين بسبب هذه المصروفات ( [10] ) ، هذا ما لم يطلب المدفوع له نزع ما استحدثه ( م 925 ) . وإذا كانت المصروفات كمالية ، فليس للمدفوع له أن يرجع على الدافع بشيء في شأنها ولكن له أن ينزع ما استحدثه على أن يعيد العين إلى حالتها الأولي وفي هذه الصورة يجوز للدافع أن يطلب استيفاء ما استحدثه المدفوع له مقابل دفع قيمته مستحق الإزالة ( [11] ) .
839 – حالة هلاك العين أو تلفها أو ضياعها :
وتنقل الآن إلى حالة ما كانت العين قد هلكت أو تلفت أو ضاعت في يد المدفوع له تنص المادة 256من المشروع التمهيدي – وقد حذفت عند المراجعة – على ما يأتي : ” فإذا ضاع هذا الشيء أو تلف بسبب أجنبي التزم برد قيمته وقت الضياع أو التلف إذا كان قد تسلمه وهو سىء النية ، وذلك دون إخلال بحق من سلم هذا الشيء في استرداده ولو تالفاً مع التعويض عن نقص قيمته بسبب التلف ” . وتنص المادة 983 ، وهي التي تقرر القاعدة العامة في هذه المسألة ، على ما يأتي ” 1 – إذا كان الجائز حسن النية وانتفع بالشيء وفقاً لما يحسبه من حقه ، فلا يكون مسئولاً بل هو ملزم برد الشيء إليه عن أي تعويض بسبب هذا الانتفاع .
2 – ولا يكون الحائز مسئولاً عما يصيب الشيء من هلاك أو تلف إلا بقدر ما عاد عليه من فائدة ترتبت على هذا الهلاك أو التف ” .
ويتبين من مفهوم المخالفة في المادة 256 من المشروع التمهيدي ومن صريح النص في المادة 983أن المدفوع له إذا كان حسن النية لا يكون مسئولاً عن هلاك العين أو تلفها أو ضياعها إلا إذا كان ذلك قد وقع بخطأ منه وعلى الدافع إثبات هذا الخطأ . أما إذا كان قد انتفع بالعين الانتفاع العادي – وفقاً لما يحسبه من حقه – وهلكت العين أو تلفت أو ضاعت ، فلا يكون مسئولا إلا بقدر ما عاد عليه من منفعة ترتبت على هذا الهلاك أو التلف أو الضياع ، كما إذا انتفع بأنقاض منزل آخر ، أو حول سيارة ركوب إلى سيارة نقل للبضائع . أو ذبح ماشية وانتفع بلحمها ( [12] ) . وللدافع في جميع الأحوال أن يسترد الشيء التالف في الصورة التي آل إليها بعد التلف ، دون أن يتقاضى تعويضاً عن التلف ما دام هذا التلف لم يقع بخطأ المدفوع له كما مر بنا .
840 – حالة خروج العين من يد المدفوع إلى يد أخرى :
أما إذا كانت العين قد خرجت من يد المدفوع إلى يد أخرى ، فقد نصت المادة 257من المشروع التمهيدي – وهذه حذفت أيضاً عند المراجعة – على ما يأتي :
” 1 – من تسلم وهو حسن النية الشيء المعين بالذات وتصرف فيه بعوض قبل أن يعلم أنه ملزم برده ، وجب عليه أن يرد ما قبضه من عوض أو أن يحول حقه في المطالبة بهذا العوض .
2 – فإذا كان قد تصرف بغير عوض فلا يلتزم أن يرد شيئاً ، ولكن يلتزم من صدر له هذا التبرع بتعويض لا يجاوز قيمة ما أثرى به قبل من سلم الشيء غير المستحق ” . وإذا أغفلنا من هذا النص العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية لم يكن النص فيما بقي منه إلا تطبيقاً للقواعد العامة . يتبين من ذلك أن المدفوع له حسن النية إذا تصرف في العين معاوضة لم يكن مسئولاً قبل الدافع إلا بقدر ما أخذ من عوض ، فيرد للدافع ما قبض من ذلك أو يحول له حقه في المطالبة به ( [13] ) . وإذا تصرف في العين تبرعاً لم يكن مسئولاً عن شيء قبل الدافع .
هذا في العلاقة ما بين الدافع والمدفوع له . أما في العلاقة ما بين الدافع والغير الذي انتقلت إليه العين ، فالأصل أن التصرف الصادر إلى هذا الغير من المدفوع له ، سواء كان معاوضة أو تبرعاً ، هو تصرف من غير مالك ، فلا يسري في حق المالك – أي الدافع – ويستطيع هذا أن يسترد العين باعتباره مالكاً وبدعوى عينية هي دعوى الاستحقاق . هذا ما لم يكن الغير قد كسب ملكية العين بسبب آخر ، كالتقادم في العقار أو الحيازة بحسن نية في المنقول . فإذا كسب الغير ملكية العين وقد كان دفعه عنها عوضاً ، فلا يرجع الدافع عليه بشيء لأنه سيأخذ هذا العوض من المدفوع له كما قدمنا . أما إذا كان الغير لم يدفع عوضاً بل تلقى العين تبرعاً ، فإن الدافع هنا أيضاً لا يرجع بشيء على الغير لأن هذا قد أثرى بسبب وهو عقد التبرع ، وقد مر ذكر ذلك . ولا محل لتطبيق العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 257من المشروع التمهيدي ، إذا هي إنما أجازت رجوع الدافع على الغير بقدر ما أثرى تمشياً مع الفقرة الثانية من المادة 248من المشروع التمهيدي التي كانت تنص على أنه ” إذا تبرع المثري بما أثرى به كان من صدر له التبرع مسئولاً أيضاً عن التعويض ولكن بقدر ما أثرى ” . وقد بينا أن هذا الحكم على عدالته فيه خروج على القواعد العامة . ولما كان كل من هذين النصين قد حذف من المشروع التمهيدي ، فلا محل لتطبيق ما حكم لا يتفق مع هذه القواعد . ونستخلص من ذلك ، في العلاقة ما بين الدافع والغير ، أن الدافع يسترد العين من الغير بدعوى الاستحقاق إلا إذا كسب الغير ملكية العين بسبب كالتقادم أو الحيازة ، فلا يرجع الدافع عليه بشيء في هذه الحالة ، سواء في ذلك تلقى الغير العين معاوضة أو تلقاها تبرعاً ( [14] ) .
2 – المدفوع له سيىء النية
841 – إذا أثبت الدافع أن المدفوع له سىء النية ، وأنه كان يعلم وقت تسلمه الشيء أو بعد ذلك أن الشيء غير مستحق له ، وجب التمييز هنا أيضاً بين ما إذا كان المدفوع نقوداً أو أشياء مثلية أو كان عيناً بالذات .
1 – المدفوع نقوداً أو أشياء مثلية :
842 – يرد المدفوع له مقدار النقد الذي تسلمه ، ويعوض عن تغير سعر النقد لأنه سيئ النية . وإذا كان المدفوع أشياء مثلية ، ردها بالقدر الذي أخذ على النحو الذي بيناه في حالة ما إذا كان المدفوع له حسن النية . أما الثمرات والفوائد فيلتزم بها المدفوع سىء النية . وفي هذا تقول الفقرة الثانية من المادة 185 : ” أما إذا كان سيء النية فإنه يلتزم أن يرد أيضاً الفوائد والأرباح التي جناها ، أو التي قصر في جنيها ، من الشيء الذي تسلمه بغير حق ، وذلك من يوم الوفاء أو من اليوم الذي أصبح فيه سىء النية ( [15] ) ” .
ب – المدفوع عين معينة بالذات :
843 – رد العين والثمار واسترداد المصروفات :
يلتزم المدفوع له سيء النية برد العين للدافع ما دامت ( المادة 255 المحذوفة من المشروع التمهيدي ) . ويلتزم أيضاً برد الثمار التي قبضها فعلاً أو التي قصر في قبضها ( [16] ) . وقد رأينا أن المادة 979تقضي في هذا الصدد بأن ” يكون الحائز سيء النية مسئولاً من وقت أن يصبح سيء النية عن جميع الثمار التي يقبضها والتي قصر في قبضها ، غير أنه يجوز أن يسترد ما أنفقه في إنتاج هذه الثمار ( [17] ) .
وأما المصروفات فإن كانت ضرورية استردها كلها ( م 980 فقرة أولي ) . وإن كانت نافعة كان للدافع أن يطلب إزالة ما استحدث أو استبقاء مقابل دفع قيمة مستحق الإزالة أو دفع مبلغ يساوي ما راد في قيمة العين بسبب هذه المصروفات ( م 980فقرة 2 وم 924 ) . وإن كانت كمالية فلا يرجع بشيء على الدافع ، ولكن له أن ينزع ما استحدث على أن يعيد العين إلى حالتها الأولي ، إلا إذا اختار الدافع أن يستقيه مقابل قيمته مستحق الإزالة ( م 980 فقرة 3 ) ( [18] ) .
844 – حالة هلاك العين أو تلفها أو ضياعها :
وإذا هلكت العين أو تلفت أو ضاعت في يد المدفوع له سىء النية ، التزم برد قيمته وقت الهلاك اوالتلف أو الضياع ، وذلك دون إخلال بحق الدافع في استرداد العين تالفة مع التعويض عن التلف ( م 256 المحذوفة من المشروع التمهيدي ) . وقضت المادة 984 التي تقرر القاعدة العامة في هذه المسألة بالحكم الآتي :
” إذا كان الحائز سيء النية فإنه يكون مسئولاً عن هلاك الشيء أو تلفه ولو كان ذلك ناشئاً عن حادث مفاجئ إلا إذا ثبت أن الشيء كان يهلك أو يتلف ولو كان باقياً في يد من يستحقه ” . ويتبين من ذلك أن المدفوع له سيء النية يكون مسئولاً عن هلاك العين ولو كان الهلاك بقوة قاهرة ، ولا يعفيه من المسئولية إلا أن يثبت أن الشيء كان يهلك أو يتلف ولو كان باقياً في يد الدافع ( [19] ) .
وهذا بخلاف المدفوع له حسن النية ، فهو لا يسأل كما رأينا عن هلاك العين إلا إذا وقع الهلاك بخطته ، وعلى الدافع أن يثبت هذا الخطأ .
845 – حالة خروج العين من يد المدفوع له إلى يد أخرى :
وإذا خرجت العين من يد المدفوع له سيء النية ، فقد نصت المادة 258المحذوفة من المشروع التمهيدي على ما يأتي :
” 1 – من تسلم ولو يحسن نية الشيء المعين بالذات وتصرف فيه بعوض بعد أن علم أنه ملتزم برده وجب عليه أن يرده عيناً أو أن يرد قيمته وقت رفع الدعوى ، على أنه يجوز لمن سلم هذا الشيء أن يطالب من تصرف فيه بما قبضه من عوض أو بأن يحل محله في دعوى المطالبة بهذا العوض .
1 – فإذا كان من تسلم الشيء قد تصرف فيه بغير عوض ولم يقم برده عيناً ، التزم من صدر له هذا التبرع بتعويض لا يجاوز قيمة ما أثرى به قبل من سلم الشيء غير المستحق ” . والفقرة الثانية من هذا النص لا تنفق مع القواعد العامة كما قدمنا ، فيجب إغفالها ما دامت قد حذفت من المشروع التمهيدي . وتبقى الفقرة الأولي وهي تطبيق للقواعد العامة . ويتبين منها أن المدفوع له سيء النية إذا تصرف في العين معاوضة كان ملزماً قبل الدافع برد العين إليه ، ويتم ذلك بانتزاعها من الغير الذي تصرف له فإن عجز عن ذلك ، كان الدافع مخيراً بين قيمة العين ( [20] ) والعوض الذي أعطى فيها . أما إذا كان ذلك ممكناً أو الرجوع بقيمتها على المدفوع له .
وفي العلاقة ما بين الدافع والغير الذي انتقلت إليه العين لا يختلف الحكم عما قررناه في صدد المدفوع له حسن النية إذا انتقلت العين من يده إلى يد أخرى معاوضة أو تبرعاً . ذلك أن الغير في علاقته بالدافع لا يتأثر بنية المدفوع له ، حسنة كانت هذه النية سيئة ( [21] ) .
3 – حالتان ذواتا أحكام خاصة
846 – الوفاء بدين مؤجل والوفاء الناقص الأهلية :
هناك حالتان في دفع غير المستحق لهما أحكام خاصة : ( 1 ) حالة الوفاء بالدين المؤجل قبل حلول الأجل ( 2 ) حالة الوفاء لناقص الأهلية ( [22] ) .
847 – ( 1 ) الوفاء بالدين المؤجل قبل حلول الأجل :
قدمنا أن المادة 183 من القانون المدني الجديد نصت على ما يأتي :
” 1 – يصح كذلك استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام لم يحل أجله وكان الموفي جاهلاً بقيام الأجل .
2 – على أنه يجوز للدائن أن يقتصر على رد ما استفاد بسبب الوفاء المعجل في حدود ما لحق المدين من ضرر . فإذا كان الالتزام الذي لم يحل أجله نقوداً التزام الدائن أن يرد للمدين فائدتها بسعرها القانوني أو الإتفاقي عن المدة الباقية لحلول الأجل ( [23] ) . ولا مقابل لهذا النص في القانون المدني القديم . فالحكم مستحدث .
والمفروض أن المدين وفي الدين المؤجل قبل حلول أجله وهو جاهل قيام الأجل أو وهو مكره على ذلك ، لأنه لو وفي الدين المؤجل وهو عالم بقيام الأجل غير المكره على الوفاء لحمل ذلك منه على أنه نزول عن الأجل ، فلا يرجع بشيء على الدائن . والأصل أن المدين إذا وفى الدين قبل حلول أجله على الوجه الذي بيناه كان له أن يسترد ما دفع بدعوى غير المستحق ، ثم يوفي الدين عند حلول الأجل . ولكن يجوز للدائن –بدلاً من أن يرد الدين ثم يستوفيه ثانية عند حلول أجله – أن يقتصر على رد ما استفاده بسبب الوفاء المعجل في حدود ما لحق المدين من ضرر . وهذا يؤدى من الناحية العملية إلى عين النتيجة الأولي مع اختصار في الإجراءات . وضربت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي مثلاً لذلك : مقاول اعتقد خطاً انه ملزم بتسليم بناء قبل الموعد المقرر بستة أشهر . وتحمل بسبب ذلك نفقات إضافية . فيحق له أن يطالب الدائن ، إذا لم يشأ هذا أن يرد البناء الذي تسلمه إلى أن يحل الأجل ، لأقل القيمتين ، قيمة النفقات الإضافية التي تقدمت الإشارة إليها وقيمة إيراد البناء في الشهور الستة ( [24] ) . وإذا كان الدين الذي وفى قبل حلول الأجل نقوداً ولم يردها الدائن للمدين على أن تؤدى إليه عند حلول الأجل ، كان للمدين – على ما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( [25] ) – ” أن يطالب بما يغل الدين من فائدة بحسب السعر المتفق عليه ، أو بحسب السعر المقرر في القانون إذا لم يكن ثمة اتفاق في هذا الشأن ” ، وذلك عن المدة الباقية لحلول الأجل . فهذه الفائدة هي التي تمثل ما أفاده الدائن من التعجيل في استيفاء حقه في حدود ما أصاب المدين من الضرر من جراء الوفاء قبل حلول الأجل ( [26] ) .
848 – ( 2 ) الوفاء لناقص الأهلية :
المادة 186 على أنه : ” إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي أثرى به ( [27] ) .
وإذا كان الدافع تشترط فيه الأهلية ، حتى أنه لو دفع وهو غير أهل للوفاء فإنه يسترد ما دفع كما سبق أن بينا ، فإن المدفوع له لا تشترط فيه الأهلية في الأصل ، إذا أن التزامه بالرد لا يقوم على إرادته ، بل هو التزام قوامه قاعدة الإثراء بلا سبب على ما قدمنا . غير أن المدفوع له إذا كان ناقص الأهلية ، بأن كان قاصراً أو محجوراً عليه ، عوامل برعاية أكبر من الرعاية التي يعامل بها كامل الأهلية نظراً لنقص أهليته . فهو لا يلتزم برد ما أخذ إلا في حدود ما انتفع به فعلاً ( [28] ) . وفي هذا رجوع عن خاصية دفع غير المستحق التي تعتبر قيمة الإثراء بمقتضاها هي عين قيمة الافتقار ، ويعتبر المدفوع له قد أثرى بذات القيمة التي افتقر بها الدافع على النحو الذي قدمناه . وتكون العبرة في إثراء ناقص الأهلية ، الذي تسلم غير المستحق ، هو ما انتفع به فعلاً لا حكماً .
وينبني على ذلك أن المدفوع له إذا كان ناقص الأهلية ، وتسلم عيناً معينة بالذات فهلكت العين أو تلفت أو ضاعت بغير خطيئة ، لا يكون ملزماً بشيء قبل الدافع حتى لو كان سىء النية ، لأن ما فقده دون أن ينتفع به لا يدخل في تقدير إثرائه وفقاً للمبدأ العام في قاعدة الإثراء ( [29] ) . أما إذا كان الهلاك أو التلف أو الضياع قد وقع بخطته ، فإنه يلتزم بالتعويض لأن ناقص الأهلية يلتزم بالخطأ .
وينبني على ذلك أيضاً أنه إذا تبرع المدفوع له وهو ناقص الأهلية بالعين التي تسلمها دون حق ، لم يرجع الدافع عليه بشيء لأنه لم ينتفع بالعين ، حتى لو كان سىء النية وقت أن تبرع ( [30] ) .
( [1] ) استئناف مختلط 7 فبراير سنة 1935 م 47 ص 149 .
( [2] ) وقد يدفع مدين الدين لغير دائنه ، فيستطيع الرجوع بدعوى غير المستحق على المدفوع له ، ويبقى للدائن الحقيقي أن يرجع بحقه على هذا المدين . ولكن هل يجوز ، تجنباً لتعدد الرجوع ، أن نجعل الدائن الحقيقي يرجع مباشرة على المدفوع له ؟ لا نرى وجهاً لرجوع الدائن الحقيقي على المدفوع له بدعوى غير المستحق لأن الذي يرجع بهذه الدعوى هو المدين الذي دفع من ماله كما رأينا ، ولا بدعوى الإثراء لأنه لم يفتقر إذا أن حقه لا يزال باقياً في ذمة المدين ، ولكن يستطيع استعمال حق مدينه في الرجوع على المدفوع له عن طريق الدعوى غير المباشرة . وقد يستطيع أيضاً أن يرجع على المدفوع له بدعوى الفضالة إذا كان هذا قد نظر إلى مصلحته فتقبل الدفع نيابة عنه . ( أنظر في هذه المسألة ديموج 3 ص 99 – بلا نيول روبير وبولانجيه 2 فقرة 1244 ) .
( [3] ) وإذا استوفي دائن حقه من غير المدين ، كان للدافع ، وبدعوى الإثراء بلا سبب على المدين الحقيقي . ولكنه لا يرجع على المدين الحقيقي بدعوى غير المستحق طبقاً للقواعد التي بيناها .
( [4] ) وكان النص في القانون المدني القديم على الوجع الآتي : ” فإذا أخذ ذلك الشيء مع علمه بعدم استحقاقه له كان مسئولاً عن فقده وملزماً بفوائده وريعه ” ( م 146 / 207 قديم ) . وظاهر أن النص الجديد أوضح بياناً من النص القديم . تاريخ النص الجديد : ورد هذا النص في المادة 254 من المشروع التمهيدي مع خلافات لفظية طفيفة . وفي لجنة المراجعة اقترح إدخال هذه التعديلات اللفظية فأقرتها اللجنة ، وأصبح رقم المادة 190 في المشروع النهائي . وفي مجلس النواب ووفق على المادة دون تعديل تحت رقم 190 . وفي مجلس الشيوخ ووفق على المادة دون تعديل ، وأصبح رقمها 185 . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 457 – ص 461 ) .
( [5] ) ويجوز طبقاً للمادة 205 من القانون المدني الجديد ، أن يحصل الدائن على شئ من النوع ذاته على نفقة المدين بعد استئذان القاضي أو دون استئذانه في حالة الاستعجال ، كما يجوز للدائن أن يطالب بقيمة الشيء ، من غير إخلال في الحالتين بحقه في التعويض .
هذا وإذا أصدرت شركة سندات استهلكتها فيما بعد ، ودفعت غلطاً فوائد هذه السندات بعد استهلاكها ، فإن لها أن تسترد الفوائد التي دفعتها دون حق أو أن تجعل ما دفعته من الفوائد قصاصاً في بعض رأس مال السندات التي استهلكت . ولكن صدر قانون في فرنسا في أول أغسطس سنة 1893 يقضى بأن الشركة لا تسترد في هذه الحالة الفوائد التي دفعتها ، وعليها أن ترد رأس المال السندات المستهلكة كاملاً ويبررون هذا الحكم في فرنسا بخطأ الشركة في الاستمرار على دفع فوائد السندات بعد استهلاكها ، وبأن هذه الفوائد تقابل ريع رأس مال السندات المستهلكة قبل دفعه ( أنظر بلا نيول وربير وبولانجيه 2 فقرة 1243 ) .
( [6] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” أما فيما يتعلق بثمرات الشيء الذي سلم فثمة محل للتفريق بين من قبض بحسن نية ومن قبض بسوء نية . فلا يلزم الأول بالثمرات أو الفوائد إلا من وقت رفع الدعوى ، لأنه يمتلك الثمرات ما دام حسن النية وفقاً للقواعد العامة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 460 ) .
هذا والمطالبة القضائية برد الشيء غير المستحق إذا كان نقداً توجب دفع الفوائد القانونية ( 4%في المائل المدنية و 5% في المائل التجارية ) من وقت المطالبة متى دخلت المطالبة بالفوائد في صحيفة الدعوى ( م 226 ) ، وتوجب در الثمرات أو التعويض بحسب ما يقدر القاضي من وقت رفع الدعوى إذا كان المدفوع أشياء مثلية لا نقداً
أنظر في الموضوع استئناف مختلط 4 إبريل سنة 1889 م 1 ص 147 – 10 مايو سنة 1927 م 39 ص 452 – محكمة مصر المختلطة التجارية 13 إبريل سنة 1929 جازيت 20 رقم 132 ص 127 – دي هلتس تحت لفظ Ex – paiement فقرة 166 وما بعدها الدكتور عبد السلام دهنى في الالتزامات ص 688 .
( [7] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 409 .
( [8] ) وقد يقبض المستحق في الوقف نصيبه في الغلة ، ثم يتبين أنه غير مستحق في الوقف أو أنه قبض أكثر من نصيبه ، فيعتبر الاستحقاق ( وهو حق الانتفاع العيني ) في هذه الحالة عيناً مدفوعة دون حق ، ويجب على المدفوع له ردها ، ولكن إذا كان هذا حسن النية فإنه لا يرد غلة الوقف التي صرفها له الناظر لأنها تعتبر ثماراً ملكها بالقبض . وقد قررت محكمة النقض هذا المبدأ في وضوح على الوجه الآتي : ” إن تطبيق المادتين 145 و 146 من القانون المدني ( م 181 و 185 جديد ) يقتضي حتما التفريق بين الشيء المأخوذ بدون حق وبين ثمرته ، فإن لكل حكماً ، إذ الشيء المأخوذ واجب الرد على كل حال ، أما الثمرة فواجبة الرد إذا كان آخذ الشيء قد أخذه بسوء نية عالماً ألا حق له فيه . أما إذا كان أخذه إياه وقع بسلامة نية دون علمه بعدم استحقاقه له فلا رد للثمرة . فإذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم أن زبداً كان يعتبر نفسه مستحقاً في وقف ، وكان يعتقد هذا تمام الاعتقاد ، ويعتقده معه ناظر الوقف وباقي المستحقين اعتقاداً هم جميعاً سليمون النية فيه ، واستمر زبد مدة طويلة يستولي على نصيبه من غلة الوقف ، حتى جاء بكر فأدعى الاستحقاق دونه وحصل على حكم شرعي نهائي لمصلحته ، ثم رفع بكر دعوى يطالب بها زبداً أن يرد ما أخذه من غلة الوقف في السنين الماضية التي استولي فيها على هذه الغلة ، فهذه الوقائع تدل على أن الذي أخذه زبد بدون حق إنما هو حق الانتفاع أو أصل الاستحقاق ، ذلك الحق العيني الذي كان واضعاً يده عليه بواسطة ناظر الوقف ، وان المال الذي كان يقبضه سنوياً إنما هو الثمرة الناتجة من ذلك الحق العيني الذي أخذه بدون وجه حق . وإذن فالشيء الذي يجب رده بمقتضى المادة 145 ( 181 جديد ) هو أصل الاستحقاق في الوقف أي حق الانتفاع العيني ( droit d usufruit وهو ما حصل رده تنفيذاً للحكم الشرعي . أما الثمرة وهي الربع الذي كان يقبضه فغير واجب ردها ما دام أخذه لأصل الحق المنتج لها ووضع يده عليه كان بسلامة نية ” ( تقض في 23 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 268 ص 793 ) .
وعلى أساس أن المستحق في الوقف لا يلزم برد ما تسلمه زيادة على استحقاقه إلا إذا كان سئ النية ينبغي أن يفهم الحكم الآتي الصادر هو أيضاً من محكمة النقض : ” التزام المستحق في الوقف برد ما تسلمه زيادة على استحقاقه يقوم على حكم المادة 145 من القانون المدني ( م 181 جديد ) ، فالحكم الذي يلزمه بالرد منعاً إثرائه على حساب الغير ( والأولي أن يقال رداً لما أخذ دون حق ” لا مخالفة فيه للقانون . ولا محل للاحتجاج بالمادة 147 مدني ( م 201 جديد ) إذ أنها وردت في شأن الالتزامات الطبيعية وامتناع الرد فيما يوفي منها ” ( تقض 13 يونية سنة 1946 مجموعة عمر رقم 94 ص 191 ) . ومع ذلك أنظر الحكم الآتي وقد صدر أيضاً من محكمة النقض ” إذا كان الوقف صادراً على ذرية الواقف ، ويرهن أحد على أنه من الذرية وأثبت استحقاقه ، وكان الخلاف على استحقاقه متعلقاً بالنسب ، فإن الحكم يكون مستنداً إلى وقت الوقف ويكون له الرجوع بحصته في السنين الماضية على من قبضه من المستحقين . أما إذا كان الخلاف غير متعلق بالنسب ، وإنما يتعلق بقيام الشرط فيه بعد تفسيره ، كما إذا وقع على أولاد ولده وأثبت شخص أنه من أولاد البنات وقضى بدخوله ، فإنه لا يستحق شيئاً من غلة السنين الماضية المستهلكة لأن القضاء يكون مثبتاً أنه من الموقوف عليهم لا مظهراً لوجود شبهة الاقتصار في شرط الواقف ، فإذا كانت الغلة موجودة استحق فيها نصيبه وإلا فلا ” ( نقض 11 مارس سنة 1937 المجموعة الرسمية رقم 6 ص 126 ) . ويبدو أن محكمة النقض هنا جعلت العبرة في استرداد الغلة الماضية يكون الحكم مظهراً لا مثبتاً . والأولي الوقوف عند نية من استولي على الغلة ، فإن كان سئ النية فإنه يرد ما استولي عليه ، وأما إذا كان حسن النية فإنه لا يرد شيئاً من الغلة .
أنظر أيضاً في هذه المسألة محكمة استئناف مصر في 30 إبريل سنة 1929 المجموعة الرسمية 30 رقم 140 / 4 ص 340 – وفي 13 نوفمبر سنة 1932 المحاماة 13 رقم 283 ص 546 . ومحكمة الإسكندرية الابتدائية الوطنية في 10 ديسمبر 1906 المجموعة الرسمية 8 رقم 19 .
( [9] ) هذا وتقدير ما إذا كان المدفوع له حسن النية أو سيئها مسألة واقع لا رقابة لمحكمة النقض عليها . وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى بما يأتي : ” تعتبر مسألة حسن النية واضع اليد على العقار مسألة موضوعية لمحكمة الموضوع الحق المطلق في تقديرها ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فيها . فإذا قضت المحكمة بإعفاء المشتري من ريع الأرض التي اشتراها إلى تاريخ رفع دعوى الاستحقاق عليه بناء على أنه كان حسن النية إلى ذلك التاريخ فلا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ” ( نقض 19 نوفمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 رقم 4 ص 13 ) . وقضت أيضاً بما يأتي : ” إن تعرف حقيقة نية واضع اليد عند البحث في تملك غلة العين الموجودة تحت يده هو مما يتعلق بموضوع الدعوى . فمن سلطة محكمة الموضوع وحدها تقديره ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان قضاءها مبيناً على مقدمات من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها . فإذا كان الحكم قد أسس انتفاء حسن النية لدى واضع اليد ( وزارة الأوقاف ) على علمها بحجج الوقف المتنازع عليه واستغلالها إياه بصفتها ناظرة دون أن تستصدر بهذه النظارة حكماً من جهة القضاء ، فلا سبيل للجدل في هذا التقدير لدى محكمة النقض ” ( نقض 28 يناير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 20 ص 46 ) .
ففي ثبت أن المدفوع له حسن النية فإنه يملك الثمار بقبضها إلى يوم رفع الدعوى . وقد قضت محكمة استئناف الوطنية في هذا المعنى بما يأتي : ” لا يلزم واضع اليد برد ثمرة العين إذا كان حسن النية إلى أن ترفع عليه الدعوى بالثمرة من تاريخ رفع الدعوى لا بواقع ما حصله من ريعها ولكن بقدر ما فات من صاحب العين من ربح ” ( استئناف 9 مايو سنة 1922 المحاماة 3 رقم 11 / 2 ص 27 ) – وانظر أيضاً في هذا المعنى استئناف 16 ديسمبر سنة 1902 الحقوق 18 ص 179 – المجموعة الرسمية 4 رقم 71 / 1 ص 165 – وفي 21 فبرايرسنة 1911 المجموعة الرسمية 12 رقم 70 ص 130 – وفي أكتوبر سنة 1914 الشرائع 2 رقم 79 ص 83 – وفي 23 يناير سنة 1922 المجموعة الرسمية 24 رقم 43 ص 70 – المحاماة 2 رقم 81 ص 258 – وفي 24 مارس سنة 1927 المحاماة 8 رقم 477 / 1 ص 784 – وفي 10 فبراير سنة 1927 المحاماة 8 رقم 131 / 2 ص 178 : وقد قضى هذا الحكم الأخير بأن وضع يد الورثة على العقار الموقوف باعتقاد أنه مملوك لمورثهم يمنع من مطالبتهم بالربع عن المدة السابقة على تكليفهم – وانظر أيضاً محكمة مصر الكلية الوطنية في 25 يونية سنة 1894 الحقوق 9 ص 189 – محكمة طنطا في 30 نوفمبر سنة 1913 الحقوق 29 ص 132 محكمة مصر الكلية الوطنية في 9 ديسمبر سنة 1915 الحقوق 31 ص 278 . وقد قضت محكمة طنطا بأنه ” إذا دلت ظروف الدعوى على وجود التسامح المائلي بين الوالد وولده والاختلاط في المعايش والأرزاق كان الوالد حسن النية في وضع يده على أملاك ابنه وأخذ غلتها ، ولا يطلب منه رد ما أخذه ، وإنما يبتدئ اعتباره سئ النية وملزماً بالرد من وقت أن رفع ولده دعوى ضده يطالبه فيها بالملكية والتسليم ” ( طنطا 4 مارس سنة 1933 المحاماة 3 رقم 419 ص 514 ) .
ومن يوم رفع الدعوى يعتبر المدفوع له سئ النية ويجب عليه رد الثمار ، والقرينة هنا قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس ، فلا يجوز له إثبات حسن نيته بعد رفع الدعوى . وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن ” مجرد الإنذار لواضع اليد من المالك الحقيقي بتسليم العقار الذي تحت يده لا يكفي في اعتباره سئ النية ، بل يجب على من يدعى سوء النية أن يقدم الدليل على أن ما قام به من الإنذار لخصمه كان كافياً لتغيير حالته النفسية واعتقاده عدم أحقيته في وضع يده –ولكن يترتب على رفع الدعوى بالمطالبة بالملكية التزام واضع اليد برد الريع من تاريخ المقاضاة من غير أن يكون ثمة محل للبحث في حسن أو سوء النية واضع اليد المترتب على رفع الدعوى ” ( استئناف 24 مارس سنة 1927 المحاماة 8 رقم 477 / 3 ص 784 – أنظر أيضاً استئناف 29 نوفمبر سنة 1927 المجموعة الرسمية 29 رقم 37 / 1 ص 79 ) – وقضت استئناف مصر أيضاً في هذا المعنى بأنه ” من المبادئ المقررة قانوناً أن حسن النية عند واضع اليد يزول بمجرد علمه بالعيب الذي يلحق وضع يده ، وأن هذا العيب يعتبر موجوداً ، وواضع اليد عالماً به من يوم رفع الدعوى عليه . فإذا كانت الدعوى الملكية من شأنها أن تنبه واضع اليد على أن العيب الذي يلحق وضع يده ليس قاصراً على الجزء المرفوع به الدعوى بل إن العيب شامل لجميع العين الواضع يده عليها ، كما إذا رفعت الدعوى عليه من أحد الورثة مطالباً بالجزء الذي يخصه ، فلا يمكن تخصيص العيب بذلك الجزء في حين أن الحق وأحد ودليل الملكية هو بالنسبة لباقي الأجزاء التي تخص بقية الورثة . وقم واضع اليد بالعيب الذي يلحق وضع يده من شأنه أن يزيل حسن نيته ويجعله مسئولاً عن ثمرة العين كلها من تاريخ هذا العلم ” استئناف 25 مارس سنة 1931 المجموعة الرسمية 33 رقم 119 ص 228 ) . أنظر أيضاً استئناف مص ر 9 يونية سنة 1934 المحاماة 15 رقم 276 / 2 ص 563 .
وقضت أيضاً محكمة استئناف مصر بأنه ” ليس من الضروري لمسئولية واضع اليد على عقار بحسن نية عن الغلة من وقت رفع الدعوى عليه أن يصبح سئ النية بعد رفع الدعوى ، بل يكفي ذلك أن يظهر فيما بعد بمقتضى حكم نهائي أن منازعة يملك الأرض من قبل أن يتملكها البائع له لأن هذا الحكم مقرر للحق لا منشئ له ، وله أثر رجعى ينسحب فيما يتعلق بالريع إلى وقت رفع الدعوى ولكل من كان واضعاً يده بحسن نية على عقار حق الاستيلاء على ريعه ، وإنما يلزم واضع اليد في جميع الأحوال برد الريع من يوم رفع الدعوى باستحقاق العقار عليه إذا فيها وذلك لأن حقوق المتقاضين تعتبر معلقة وموقوفة في بحر مدة التقاضي ” ( استئناف مصر 12 مارس سنة 1939 المحاماة 20 رقم 80 ص 215 ) . وانظر أيضاً استئناف مصر في 23 أبريل لسنة 1931 المحاماة 12 رقم 255 ص 518 – وفي 6 ديسمبر سنة 1939 المحاماة 20 رقم 487 ص 1156 .
على أن القضاء المصري في ظل القانون القديم لا يخلو من بعض التردد في تقرير المبدأ القاضي بأن الثمار ترد من يوم رقع الدعوى . فقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية في 12 إبريل سنة 1928 ( المحاماة 8 رقم 553 ص 915 ) بأنه ” من المتفق عليه علماً وعملاً أن مسألة حسن النية وسوئها في وضع اليد من المسائل الموضوعية التي ترتبط بظروف الدعوى ووقائعها ، وإذا ثبت حسن نية الخصم في وضع يده فلا تزول هذه الصفة بمجرد رفع الدعوى عليه ببطلان عقده ، وإنما تزول من يوم صدور حكم نهائي بذلك في موضوع الدعوى ” . وقضت محكمة مصر الكلية الوطنية في 23 نوفمبرسنة 1939 ( المحاماة 20 رقم 226 ص 636 ) بأنه ” وإن كانت أغلب أحكام القضاء قد سارت على اعتبار أن سوء نية واضع اليد يبدأ من تاريخ رفع الدعوى إلا أنه من المتفق عليه أن مسألة حسن النية وسوئها في وضع اليد من المسائل الموضوعية التي ترتبط بظروف الدعوى ووقائعها ، وليس ضرورياً أن تزول هذه الصفقة بمجرد رفع الدعوى ” .
وغنى عن البيان أن القانون المدني الجديد ( م 185 فقرة 3 ) قطع كل شك في هذه المسألة بأن أقام قرنية قانونية لا تقبل إثبات العكس علي سوء نية من تسلم غير المستحق من يوم رفع الدعوى . ويمكن القول أيضاً مع محكمة أسيوط ( 26 أبريل سنة 1928 المحاماة 9 رقم 424 / 4 ص 672 ) إن سوء نية واضع اليد الثابت بصدور حكم نهائي إنما يستند إلى يوم رفع الدعوى لأن الأحكام مقررة للحقوق لا منشئة لها
( [10] ) وهذا الحكم هو تطبيق محض لدعوى الإثراء ، فإن الدافع ، وهو المثري ، يرد أقل قيمتي الإثراء والافتقار للمدفوع له ، وهو المفتقر . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
( [11] ) هذا وقد منح القانون المدني الجديد للدافع الذي يلتزم برد المصروفات للمدفوع له تسهيلات خاصة في الدفع . فنصت المادة 982 على أنه ” لا يجوز للقاضي بناء على طلب المالك أن يقرر ما يراه مناسباً للوفاء بالمصروفات المنصوص عليها في المادتين السابقتين . وله أن يقضي بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة . ولذلك أن يتحلل من هذا الالتزام إذا هو عجل مبلغاً يوازي قيمة الأقساط مخصوماً منها فوائدها بالسعر القانوني لغاية مواعيد استحقاقها ” .
( [12] ) وقضت محكمة استئناف مصر بأنه ” لا يجوز الحكم بالرد على من أخذ شيئاً سليمة ومن غير سبب صحيح إلا إذا حصل له إثراء فعلاً وقت رفع الدعوى ، ولا يحكم بالرد إلا بمقدار قيمة هذا الإثراء بصرف النظر عن قيمة ما لحق المدعى من الضرر ، فإذا فقد الشيء بغير خطأ المدعى عليه الحين النية وقت رفع الدعوى لم يكن هناك إثراء ولم يكن هناك موجب للرد ” ( استئناف مصر 30 أبريل سنة 1929 المجموعة الرسمية 30 رقم 140 / 3 ص 340 – المحاماة 9 رقم 535 ص 989 ) .
( [13] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن ” الإثراء القانوني المترتب على الحكم بقبول دعاوى الاسترداد هو أن المحكوم عليه الحسن النية لا يكون ملزماً إلا برد الزيادة التي حصلت في ماله ، فلا يرد إلا ما حكم عليه برده إن كان قائماً ولم يهلك بحادث قهري ، أو ثمنه الذي قبضه فعلاً في حالة ما إذا كان قد تصرف فيه بحسن نية ، كل ذلك من غير مطالبته بتعويض ما ” ( استئناف مصر 29 نوفمبر سنة 1927 المجموعة الرسمية 29 رقم 37 / 2 ص 79 ) . أنظر أيضاً في هذا المعنى محكمة الاستئناف المختلطة في 28 أبريل سنة 1927 م 39 ص 416 .
( [14] ) سنورد في مكان آخر ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذه النصوص المحذوفة .
( [15] ) جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” أما سئ النية فيلزم على تقيض ذلك برد الفوائد أو الأرباح التي حصل عليها أو كان بوسعه أن يحصل عليها من الشيء من وقت القبض أو من الوقت الذي أصبح فيه سئ النية . وهذا أيضاً تطبيق للقواعد العامة لأن الحائز سئ النية لا يكون له حق في الثمرات . ويراعي في الحالة الأخيرة أنه إذا كان الشيء المقبوض مبلغاً من النقود فيلتزم من قبضه برد الفوائد محتسبة على أساس السعر المقرر في القانون حتى قبل رفع الدعوى . وهذه الحالة من حالات الاستثناء النادرة التي ترد على قاعدة عدم استحقاق الفوائد القانونية إلا من تاريخ رفع الدعوى ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 460 ) . أنظر استئناف مختلط 3 فبراير سنة 1898 م 10 ص 127 – وفي 31 ديسمبر سنة 1903 م 16 ص 63 – وفي 28 مايو سنة 1942 م 54 ص 211 .
وتطبيقاً لرد الفوائد عن النقود التي أخذت بغير حق ، قضت محكمة النقض بأنه ” لا يجوز مخالفة القانون في القضاء بإلزام المقرض بالربا الفاحش بفوائد المحكوم عليه بردها محسوبة من تاريخ قبضها ” ( نقض 9 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 58 ص 192 ) .
أما محكمة الاستئناف المختلطة فكانت لا تقضي في مبدأ الأمر برد الفوائد الربوية ، ثم قضت بذلك ، وترددت ، حتى استقرت على الرد ( انظر استئناف مختلط 29 ديسمبر سنة 1948 م 61 ص 41 :ويلخص الحكم تطور القضاء المختلط في هذه المسألة ) .
( [16] ) استئناف مختلط في 27 مارس سنة 1945 م 57 ص 113 .
( [17] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن ” من اشترى عقاراً فأخرج منه واضع اليد عليه ، فله إن كان واضع اليد سئ النية أن يطالبه بثمار هذا العقار لا من تاريخ تسجيل عقد البيع فقط بل من تاريخ العقد نفسه ” ( استئناف 3 فبراير سنة 1903 المجمومعة الرسمية 4 رقم 84 ص 191 ) . وقضت بأنه ” في حالة وضع يد بعض الورثة على التركة ومنعهم أحد الورثة من استلام نصيبه يلزم الورثة واضعو اليد جميعاً بالرجوع للوارث الذي حرم من وضع يده ، ولهؤلاء الورثة تقسيم المسئولية فيما بينهم إن شاءوا بنسبة ما انتفع به كل منهم من الأطيان ” ( استئناف 5 نوفمبر سنة 1913 الشرائع 1 رقم 322 ص 181 ) . وقضت بأن ” الشخص الذي يضع يده على أعيان باعتباره مالكاً بمقتضى مالكاً بمقتضى عقد صدر له من المورث أضيف فيه التمليك والتصرف إلى ما بعد الوفاة واعتبر وصية باطلة لصدروها لوارث يكون مسئولاً عن الريع لأن نيته لم تكن حسنة فيما استهلك منه ” ( استئناف 18 مارس سنة 1929 المحاماة 9 رقم 315 من 520 ) .
( [18] ) وقد سبق أن أشرنا إلى التسهيلات التي منحها القانون المدني الجديد للدافع الذي يلتزم برد المصروفات للمدفوع له ( م 928 ) .
( [19] ) قارن مسئولية السارق ، فإن الشيء المسروق إذا هلك أو ضاع بأية صورة كانت ، حتى لو ثبت أن الشيء يهلك لو بقى في يد مالكه ، فإن تبعة الهلاك تقع على السارق في جميع الأحوال ( م 207 فقرة 3 ) .
( [20] ) النص المحذوف من المشروع التمهيدي يجعل العبرة في تحديد قيمة العين بوقت رفع الدعوى ، ولكن لما كانت القواعد العامة هي التي يجب تطبيقها بعد حذف هذا النص ، فإن هذه القواعد تقضى بتحديد قيمة العين وقت التصرف فيها .
( [21] ) وتنقل هنا – بعد أن فرغنا من الكلام في النصوص المحذوفة من المشروع التمهيدي – ما ورد في المذكرة الإيضاحية في صدد هذه النصوص : ” تتناول هذه النصوص المتتابعة حالات خاصة لها أهمية بالغة في الحياة العملية ، حيث يكون الشيء الذي قبض بغير حق معيناً بالذات . فإذا بقى الشيء في يد من قبضه وجب عليه أن يرده بعينه ، إما إلى من سلمه ، ويكون ذلك بمقتضى التزام شخصي ، وإما إلى مالكه إذا طالب باستحقاقه له – فإذا ضاع هذا الشيء أو تلف بسبب أجنبي ، فيجب التفريق بين حالة من تسلم بحسن نية وحالة من تسلم وهو سيء النية . ففي الحالة الأولي يتحمل مالك الشيء تبعة الضياع أو التلف ، ولا يلزم حسن النية برد شيء ما ، وفقاً للقواعد العامة . وفي الحالة الثانية يكون من تسلم الشيء قد ارتكب خطأ ما دام قد تسلمه وهو سيء النية ، فهو يتحمل تبعة هذا الخطأ ولو كان التلف أو الضياع بحادث جبري ، وبذلك يلتزم برد قيمة الشيء وقت ضياعه أو تلفه ، أي في آخر وقت كان يتعين عليه الرد فيه . على أن لمن سلم الشيء ، في حالة التلف ، أن يطالب بالشيء التالف مع التعويض عن نقص قيمته . وغنى عن البيان أنه إذا تسبب الضياع أو التلف بخطأ شخص معين ، كان من وقع منه هذا الخطأ مسئولاً عنه . فإذا خرج الشيء من يد من تسلمه على أثر التصرف فيه بعوض فيجب التفريق كذلك بين التصرف بحسن نية وبين التصرف بسوء نية . ويراعي أن من يتسلم الشيء وهو حسن النية قد يصبح سئ النية وقت التصرف ، ولا عكس ، فسئ النية عند التسلم لا يصبح حسن النية وقت التصرف على أي حال . فإذا وقع التصرف بحسن نية ، وكان من قبيل المعاوضة ، فلمن سلم الشيء أن يرجع ( 1 ) على من تسلمه منه ، ويتعين على هذا الأخير رد العوض الذي قبضه أو تحويل حقه فيه ، ولا يلزم برد الشيء عيناً كما هو الشأن بمقتضى تعاقده مع من تسلم هذا الشيء ، لأنه تعامل مع غير مالك . فيجوز لمن سلم الشيء أن يطالب باستحقاقه له ، ما لم يكن المتصرف له قد كسب حق الملك فيه بالتقادم أو بالحيازة أن كان من بالمنقولات . ولا يخل ذلك بما يكون للمتصرف له من حق في الرجوع بالضمان على من تعاقد معه ، وهو من تسلم الشيء وأدلي إليه به . فإذا كان التصرف من قبيل التبرعات ، فلمن سلم الشيء أن يسترده من يد المتصرف له ، وله كذلك أن يطالبه بقيمة ما أثرى به إن تم له كسب ملكية الشيء من طريق التقادم أو الحيازة باعتباره أن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة ( أنظر الفقرة الثانية من المادة 248 من المشروع – ونستدرك هنا على المذكرة الإيضاحية أن هذا الحكم لا يسري لأن النص عليه قد حذف وهو لا يتفق مع القواعد العامة ) . أما إذا كان التصرف من قبيل المعاوضات ووقع بسوء نية ، فلمن سلم الشيء أن يرجع على من تسلمه منه وعلى المتصرف له كما هو الشأن في القرض الذي تقدمت الإشارة إليه ، مع فارق يتمثل فيما يتصل بحق الرجوع من رخص الخيار . ذلك أن من سلم الشيء يكون في هذه الحالة بالخيار بين إلزام المتصرف بأن يؤدي ما قبض من عوض ، أو إلزامه بأن يحل محله في دعوى المطالبة بهذا العوض . هذا فضلاً عن حقه الأصيل في إلزامه برد الشيء عيناً أو رد قيمته وقت رفع الدعوى لا وقت الضياع لأن الشيء لا يزال قائماً ( كذا ) . وإن كان التصرف تبرعاً جاز لمن سلم الشيء أن يرجع على من تسلمهم منه ، وله أن يلزمه برد الشيء بعينه أو برد قيمته رفع الدعوى دون رد العوض ، إذ المفروض أن التصرف وقع بغير مقابل . وله كذلك أن يسترد الشيء من يد المتصرف له ، فإذا كان هذا قد كسب حق الملك عليه بالتقادم أو بالحيازة أو لم يتيسر لمن تسلمه أن يرد قيمته التزم قبل من سلم الشيء بتعويض لا يجاوز قيمة ما أثرى به كما هو الشأن في الفرض السابق ( عين الاستدراك المتقدم ) ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 458 – ص 459 ) .
( [22] ) وكان القانون المدني القديم يضيف حالة ثالثة هي حالة الوفاء بالتزام مخالف للآداب فلا يسترد ما دفع في بعض الأحوال . ولكن القانون الجديد أغفل هذه الحالة كما بينا عند الكلام في بطلان العقد ( أنظر آنفاً فقرة 338 ) .
( [23] ) تاريخ النص :ورد هذا النص في المادة 252 من المشروع التمهيدي مع خلافات لفظية طفيفة ومع إغفال عبارة ” وكان الموفي جاهلاً بقيام الأجل ” في آخر الفقرة الأولي . وفي لجنة المراجعة اقترح إدخال التعديلات اللفظية فأقرتها اللجنة وأصبح رقم المادة 188 في المشروع النهائي . وفي مجلس النواب ووفق على المادة 188 . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تليت المادة ، فاقترح حذفها لما تحدثه من اضطراب في المعاملات على أن تطبق في الحالات المنصوص عليها فيه ا المواد السابقة الخاصة بالإثراء بلا سبب . فعارض في ذلك ممثل الحكومة قائلاً إن حكم الفقرة الثانية من المادة 186 ينصرف إلى من لا يكون ملزماً بالوفاء أصلاً وإن هذه المادة تتكلم عن شخص ملزم إلا أن أجل الوفاء لم يحل بعد ، وإن الأصل يقوم بالوفاء بدين قبل حلول أجله أنه يدفع ما ليس مستحقاً عليه من وجه ، فإذا تم الدفع من جراء غلطه أو من جراء ظروف لها حكم الغلط ، فلمن دفع أن يسترد ما أداه على أن يقوم بالوفاء عند حلول الأجل ، وقد آثر المشروع الأخذ بهذا الرأي لسلامة منطقه . واقترح أحد الأعضاء استبدال عبارة ” إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام ” بعبارة ” إذا كان التسليم تم وفاء لالتزام ” في الفقرة الأولي ، كما اقترح إضافة عبارة ” وكان الموفي جاهلاً قيام الأجل ” في آخر الفقرة . فوافقت اللجنة على ذلك . وجاء في تقريرها أنها أضافت إلى الفقرة الأولي عبارة ” وكان الموفي جاهلاً قيام الأجل ” لأن الموفي لو كان عالماً بقيام الأجل ووفي على المادة كما عدلتها اللجنة تحت رقم 183 . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 451 – ص 454 ) .
هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” الأصل فيمن يقوم بالوفاء بدين قبل حلول أجله أنه يدفع ما ليس مستحقاً عليه من وجه . فإذا تم الدفع من جراء غلطة أو من جراء ظروف لها حكم الغلط ، فمن دفع أن يسترد ما أداه ، على أن يقوم بالوفاء عند حلول الأجل . وقد آثر الأخذ بهذا الرأي لسلامة منطقة ، مقتفياً في ذلك أثر المشروع الفرنسي الإيطالي ، ولو أن بعض تقنيات أخرى قد أعرضت عنه ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 451 – ص 452 ) .
( [24] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 452 .
( [25] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 452 .
( [26] ) هذا ولما كان القانون المدني القديم لم يجز دعوى غير المستحق في الدين الذي وفي قبل حلول أجله ( الموجز للمؤلف فقرة 402 – الدكتور حشمت أبو ستيت ص 396 هامش رقم 1 – أنظر أيضاً المادة 1186 من القانون المدني – ومع ذلك قارن دي هلتس 2 ص 93 فقرة 144 ) ، فإن القانون المدني الجديد يكون قد استحدث هنا حكماً جديداً كما قدمنا . وليس لهذا الحكم الجديد أثر رجعي فإذا وفى المدين ديناً قبل حلول أجله ووقع الوفاء قبل 15 أكتوبر سنة 1949 ، فلا يرجع بشء على الدائن حتى لو كان أجل الدين لا يحل إلا في 15 أكتوبر سنة 1949 أو في ميعاد بعد ذلك أما إذا وقع الوفاء في 15 أكتوبر سنة 1949 أو بعد ذلك فالقانون الجديد هو الذي ينطبق ، ويرجع المدين على الدائن بدعوى غير المستحق على النحو الذي بيناه ، حتى لو كان الدين الذي وفي قبل حلول أجله قد نشأ قبل 15 أكتوبر سنة 1494 . ومن ثم نرى أن العبرة في تطبيق القانون الجديد لا تكون بتاريخ نشوء الدين ولا بتاريخ حلول الأجل ، ولكن بتاريخ الوفاء المعجل ، فإن هذا الوفاء المعجل هو الواقعة التي ترتب عليها التزام المدفوع له برد غير المستحق . فإذا وقع الوفاء المعجل في 15 أكتوبر سنة 1949 أو بعد ذلك كان القانون الجديد هو الواجب التطبيق ، وإذا وقع قبل 15 أكتوبر سنة 1949 والقانون القديم هو الذي يطبق .
( [27] ) تاريخ النص ” ورد هذا النص في المادة 259 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا كان من تسلم شيئاً غير مستحق له لا تتوافر فيه أهلية التعاقد ، فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي إثري به حتى لو كان سئ النية ، وهذا مع عدم الإخلال بحكم المادة 255 ” . وفي لجنة المراجعة اقترح حذف العبارة الأخيرة لعدم ضرورتها ، فأقرت اللجنة ذلك وأصبح النص النهائي الذي قدمته اللجنة تحت رقم 191 على الوجه الآتي : ” إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي أثرى به ” . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 191 . ووافقت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 186 . ثم وافق مجلس الشيوخ على المادة دون تعديل . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 461 – ص 462 ) .
وللمزيد تعرف على كيفية توكيل محامي
( [28] ) استئناف مختلط 28 أبريل سنة 1942 م 54 ص 180 .
( [29] ) أما كامل الأهلية فإنه يلتزم برد قيمة الشيء كما رأينا . ( قارن بلانيول وربير وبولانجية 2 فقرة 1254 ) .
( [30] ) وقد رأينا فيما تقدم أن كامل الأهلية يلتزم برد قيمة الشيء . هذا والدافع هو الذي يقع عليه عبء الإثبات في بيان أن ناقص الأهلية قد أثرى وقي تقدير مدى إثرائه وذلك وفقاً للمبادئ التي قررناها في دعوى الإثراء بلا سبب ( انظر في هذا المعني بلا نيول وربير وبولانجية 2 فقرة 1255 ) وانظر أيضاً محكمة الاستئناف الوطنية في 7 ديسمبر سنة 1909 الحقوق 25 ص 68 – وفي 5 فبراير سنة 1931 المحاماة 11 رقم 534 ص 1052 – ويجوز الإثبات بجميع اطرق لأن المطلوب هو إثبات واقعة مادية ولكن لا يجوز الاستدلال على حصول المنفعة لناقص الأهلية بالمستندات الممضاة منه لأنها هي أيضاً باطلة .
وهذا ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في شأن النص الذي نحن بصدده : ” لا يشترط الالتزام برد ما سلم بغير حق أن يكون المدين أهلا للتعاقد . ذلك أنه لا يلتزم التزاماً إرادياً ، بل ينشأ التزامه برد ما أدي إليه عن واقعة تسلم ما لم يكن مستحقاً له . ولكن إذا كان من تسلم الشيء غير كامل الأهلية فلا يكون التزامه كامل الأهلية من حيث المدى بمنزلة سواء فيجوز أن يلزم كامل الأهلية بما يربو على قيمة ما أثرى به ، وبوجه خاص في حالة ضياع الشيء ( م 256 ) وحالة التصرف فيه بسوء نية ( م 258 ) . أما ناقص الأهلية فلا يلتزم على النقيض من ذلك إلا بقيمة ما أثرى به ولو كان سئ النية ، ولا يلزم بشيء ما إذا فقد ما تسلم ه بحادث فجائي . وهو لا يؤدي كذلك إلا ما قبض من عوض إذا تصرف فيما تسلم بسوء نية دون أن يلزم برد الشيء عيناً أو بأداء قيمته على نحو ما يلزم بذلك كامل الأهلية . وتستثنى من حكم القاعدة المتقدمة حالة تسلم ناقص الأهلية لشيء معين بالذات ، فهو يلزم برده عيناً ما دام قائماً ولو أنه لم يثر منه باعتبار أنه لم يدخل في ذمته . وهذا هو ما قصد من التحفظ الخاص بالمادة 251 ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 461 –ص 462 ) .
ويعتبر ناقص الأهلية قد أفاد مما أخذه إذا كان قد وفي به ديناً عليه ، أو اشترى به شيئاً نافعاً ولو قلت قيمة الشيء بعد ذلك أو انعدمت بسبب طبيعي ، أو رمم به عقاراً حتى لو هلك العقار بعد ذلك بقوة قاهرة ، أو بقى المال الذي أخذه في يده إلى وقت الرد ( استئناف وطني في 27 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 48 ص 72 ) . ويعتبر مفيداً ما صرفه القاصر في ضرورياته أو في كمالياته المعقولة التي يحصل عليها أمثاله ( استئناف مختلط في 16 مايو سنة 1889 م 1 ص 150 – وفي أول يونية سنة 1899 م 11 ص 266 ) . ويعتبر غير مفيد ما بدده ناقص الأهلية في ملاهيه أو في المقامرة أو في شراء أشياء غير مفيدة وغير متناسبة مع حالته الاجتماعية ومقدار ثروته أو في أشياء ضارة كالمواد المخدرة ، أو ضاع المال عن خرق أو عدم حيطة ( انظر في كل ذلك نظرية العقد للمؤلف فقرة 613 )
نقلا عن محامي أردني