الإقرار حجة قاصر على المقر
258 – الإقرار حجة على المقر والخلف العام ولا يتعدى إلى غيرهما : ولما كان الإقرار هو إعفاء من الإثبات ونزول عن المطالبة بهذا الحق ، فهو من هذه الناحية تصرف قانونى يقتصر أثره على المقر ( [1] ) . ويتعدى أثر الإقرار إلى ورثة المقر بصفتهم خلفاً عاماً له ، فيصح الاحتجاج عليهم بما حواه إقراره ( [2] ) .
502
ولا يتعدى أثر الإقرار إلى غير المقر ورثته ( [3] ) . فلا يتعدى إلى الدائن ( [4] ) ، أو الشريك أو الورثة فيما بينهم . فلو أقر أحد الشركاء فى الشيوع بتصرف الشركاء فى الملك الشائع ، كان إقراره بهذا التصرف حجة عليه وحده ، ولا يكون حجة على الشركاء الآخرين الذين لم يصدر منهم إقرار . ولو أقر أحد الورثة بحق على التركة ، فإن إقراره يكون حجة عليه دون سائر الورثة ( [5] ) . ولو أقر أحد المدينين المتضامنين بالدين ، فلا يسرى هذا الإقرار فى حق الباقين ( م 295 فقرة أولى مدنى ) ، ويكون الإقرار حجة قاصرة على المدين الذى صدر منه الإقرار .
والدائن والخلف الخاص ، بخلاف الورثة ، لا يتعدى إليهما أثر الإقرار كما قدمنا . فإذا أقر المدعى عليه فى دعوى استحقاق دار بملكية الدار للمدعى ، لم يكن هذا الإقرار حجة على دائنه ، ويجوز للدائن أن يتدخل فى الدعوى ويثبت بجميع الطرق أن الإقرار غير صحيح ، حتى تبقى الدار لمدينه فيستطيع أن ينفذ عليها بالدين . كذلك إذا كان المدعى عليه فى المثل المتقدم قد باع الدار لآخر ، ثم رفعت عليه دعوى الاستحقاق وأقر بملكية الدار للمدعى ، فإن هذا الإقرار 503 يكون حجة قاصر عليه دون المشترى ، ويستطيع هذا أن يتدخل فى الدعوى ليثبت أن الإقرار لا صحة له حتى تخلص له ملكية الدار . وفى الحالتين المتقدمتين إذا حكم فى الدعوى بمقتضى إقرار المدعى عليه قبل أن يتدخل الدائن أو المشترى ، فلهذين الاعتراض على الحكم اعتراض الخارج عن الخصومة وفقاً لأحكام المواد 450 إلى 456 من تقنين المرافعات ، لإثبات عدم صحة الإقرار الصادر من المدعى عليه إذ هو حجة قاصر عليه لا تتعدى إليهما ، ذلك أن الدائن أو المشترى كان وقت صدور الحكم ممن يتعدى إليهم الحكم ويعتبر حجة عليهم ، ومن ثم يثبت له حق الاعتراض .
أم الورثة ، فلو مات المدعى عليه بعد الإقرار وقبل الحكم فى الدعوى ، فإن الإقرار لا يكون حجة عليهم ، ولهم أن يثبتوا عدم صحته بجميع الطرق حتى تبقى الدار فى التركة . ولكن إذا صدر الحكم قبل موت المورث وفى مواجهته ، فإنه يسرى على الورثة ولا يثبت لهم حق الاعتراض . ذلك أنهم وقت صدور الحكم ضد مورثهم كان الحكم يسرى فى حقهم باعتبارهم خلفاً عاماً ، فيبقى الحكم سارياً فى حقهم حتى بعد موت المورث وقيام حقهم فى الإرث .
259 – الإقرار لا يكون حجة على المقر لصالحه : ويبقى الإقرار حجة قاصر على المقر حتى بالنسبة إلى المقر لصالحه . ذلك أن الإقرار إذا كان حجة للمقر لصالحه ، فإن لا يكون حجة عليه . فلو أن المدين أقر لدائنه بالدين ، وقال إنه وفاه أو أن الدين سقط بعد ذلك بالمقاصة ، فلا يكون قوله إنه وفاه أو أن الدين سقط بالمقاصة حجة على الدائن ( [6] ) . وهذا ما يعرف بالتجزئة فى الإقرار ، وننتقل الآن إليه .
( [1] ) وقد نصت المادة 469 من التقنين المدنى العراقى على أن ” الإقرار حجة قاصرة على المقر ” ( انظر أيضاً المادة 100 من قانون البينات السورى ) وقد قدمنا أن كلا من الإقرار واليمين حجيته قاصرة ، أما الكتابة والبينة والقرائن فحجيتها متعدية .
( [2] ) نقض مدنى 20 أبريل سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 113 ص 440 – على أنا لوارث يستطيع أن يثبت عدم صحة إقرار مورثه بجميع الطرق إذا كان فى هذا الإقرار احتيال على القانون ، كما إذا قصد المورث بإقراره إيثار بعض الورثة على بعض بأكثر من النصاب الذى يجوز فيه الإيصاء . وقد قضت محكمة النقض بأن الأصل فى إقرارات المورث أنها تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا الدليل على عدم صحتها ، وإذا كان القانون قد أعفى من يضار من الورثة بهذه الإقرارات من الإثبات الكتابى فى حالة ما إذا طعنوا فيها بأنها فى حقيقتها وصية قصد بها إيثار بعض الورثة ، فليس معنى هذا أن مجرد طعنهم فيها يكفى لإهدار حجية هذه الإقرارات ، بل يجب لذلك أن يقيموا الدليل على عدم صحتها بأى طريق من طرق الإثبات ( نقض مدنى 18 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 49 ص 249 ) . وقضت أيضاً بأن الوارث لا يعتبر من طبقة الغير بالنسبة إلى الإقرارات الصادرة من المورث ، ومن ثم فإنها تسرى عليه ، غير أن له أن يثبت بأى طريق من طرق الإثبات أن حقيقتها وصية قصد بها إيثار أحد الورثة إضراراً به ( نقض مدنى 19 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 113 ص 693 ) .
( [3] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الإقرار حجة قاصر على المقر وورثته من بعده . فلا يجوز إعمال أثره على من عداهم ( نقض مدنى 3 يناير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 55 ص 317 ) .
( [4] ) فللدائن أن يثبت بجميع الطرق صورية الإقرار الصادر من المدين إضراراً بحقه . أما إذا لم يثبت الدائن عدم صحة إقرار المدين ، فإن الإقرار يسرى فى حقه كما يسرى فى حق الورثة ( استئناف مختلط 8 مايو سنة 1890 م 2 ص 313 ) .
انظر طريقة توكيل محامي
( [5] ) الموجز للمؤلف ص 685 والأحكام المشار إليها فى هامش رقم 3 من الصفحة ذاتها .
( [6] ) وفى الفقه الإسلامى الإقرار حجة قاصرة على المقر . جاء فى البدائع : ” . . . لأن إقرار الإنسان حجة على نفسه لا على غيره لأنه على غيره شهادة أو دعوى ” ( البدائع 7 ص 228 ) . ولذلك أجاز الفقهاء سماع البينة بعد الإقرار ، لأن الإقرار قاصر والبينة متعدية . جاء فى كتاب طرق القضاء للأستاذ أحمد إبراهيم فى هذا الصدد : ” ومن أمثلة ذلك : ( أ ) إذا أقر أحد الورثة بالدين على الميت ، فأراد الدائن إقامة البينة ليتعدى الحكم إلى بقية الورثة ، كان له ذلك . وكذا إذا أقر جميع الورثة بالدين على الميت ، تقبل أيضاً بينة الدائن ، لأنه كما يتحاج إلى إثبات الدين فى حقهم يحتاج أيضاً إلى إثباته فى حق دائن آخر . ( ب ) إذا ادعى أنه وكيل فلان بقبض دينه من فلان ، فصدقه المدين ، ثم أراد الوكيل إقامة البينة على الوكالة ، كان له ذلك ، إذا لو دفع المدين الدين إلى الوكيل بلا بينة على الوكالة يتضرر لأنه لا تبرأ ذمته إذا أنكر الموكل الوكالة ، أى لا تبرأ ذمة المدين . فالفائدة من البينة عائدة على المدين ، وكذا على الوكيل أيضاً لأنها تثبت أن يده يد أمانه على ما قبضه حتى إذا هلك كان هلاكه هلاك الأمانة . . ( ج ) فى الاستحقاق تقبل البينة مع إقرار المشترى ، ليتمكن من الرجوع على بائعه ، لأنه إذا أقر بالملك المستحق لا يتمكن من الرجوع بالثمن على البائع ، لكن لو أقيمت عليه البينة أمكنه ذلك لأنها حجة متعدية . ( د ) لو أقر الوارث للموصى له تسمع عليه البينة مع إقراره ، كى يتعدى الحكم إلى غيره . ( هـ ) لو أقر المدين المحجور عليه بدين لإنسان آخر لا ينفذ إقراره ، لكن أو أقام الدائن المقر له بنية على دينة سمعت . ( و ) إذا ادعى عقاراً فى يد غيره ملكاً مطلقاً وذو اليد مقر بوضع يده ، فإنه مع هذا يجب على المدعى أن يقيم البينة على وضع يد المدعى عليه على ذلك العقار ، منعاً للتواطؤ والاحتيال على أخذ أموال الناس بالباطل ” ( طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 224 – ص 225 ) .
المصدر: محامي في الأردن