التجزئة فى الإقرار
260 – الإقرار البسيط : إذا اقتصر الإقرار على تصديق المدعى للمدعى عليه فى جميع ما ادعاه ، فإن الإقرار يكون فى هذه الحالة إقراراً بسيطاً محضاً ( aveu pur et simple ) ، ولا محل إذن للنظر فيما إذا كان يتجزأ أو لا يتجزأ . فلو أن المدعى قال فى دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة ، فأقر المدعى عليه بأنه اقترض من المدعى المائة ولم يزد على ذلك شيئاً ، كان هذا إقراراً بسيطاً ، وكان حجة قاطعة على المدعى عليه . كذلك إذا قال المدعى إنه أقرض المدعى عليه مائة وفى منها خمسين فأقر المدعى عليه بأنه اقترض من المدعى المائة ووفى منها الخمسين ، أو قال المدعى إنه أقرض المدعى عليه مائة مؤجلة إلى سنتين فأقر المدعى عليه أنه اقترض المائة مؤجلة إلى السنتين ، كان الإقرار فى هاتين الحالتين بسيطاً وكان حجة قاطعة على المدعى عليه . ولا محل هنا للنظر فى تجزئة الإقرار ، فإن الوقائع المدعاة قد أقر المدعى عليه بها جميعاً ولم يضف إليها شيئاً ، ففيم إذن تكون التجزئة .
505
261 – الإقرار الموصوف : لكن إذا أقر المدعى عليه ببعض ما ادعاه المدعى دون بعض أو أضاف شيئاً ، فهنا تقوم الحاجة إلى النظر فى التجزئة . ذلك أن المدعى قد يقول فى دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة مؤجلة إلى سنتين كما قدمنا ، وقد حل الأجل فاستحق الدفع . ويقر المدعى عليه بأنه اقترض المائة ولكن مؤجلة إلى ثلاث سنوات لا إلى سنتين ، فلم يحل الأجل ولم يستحق الدفع . فالإقرار هنا لا يكون إقراراً بسيطاً ، بل يكون إقراراً موصوفاً ( aveu qualifie ) . ذلك أن المدعى عليه لم يقر بالدين على الوجه الذى ذكره المدعى ، وهو دين مؤجل إلى سنتين وقد حل أجله فأصبح مستحقاً ، بل أقر بالدين معدلاً أى موصوفاً ، فقال إنه دين مؤجل إلى ثلاث سنوات ولم يحل الأجل فيم يصبح مستحقاً . والوصف هنا هو عدم حلول أجل الدين ، إذ الدائن يطالب بدين حال ، والمدين يقر بدين لم يحل . وقد يطالب الدائن أيضاً بدين منجز ، ويقر المدين بدين معلق على شرط . فكل من الأجل والشرط يعتبر وصفاً للدين ، فهو وصف فى الإقرار ، ولذلك سمى الإقرار موصوفاً .
والذى تجب مراعاته فى الوصف هو أن يكون مقترناً بالدين وقت نشوئه ، لا أن يكون حادثاً جد بعده . والأجل والشرط وصفان يقترنان بالدين وقت نشوئه ، لا يجدان بعده ، ومن ثم يون الإقرار المتضمن لهما إقراراً موصوفاً ( [1] ) .
وحكم الإقرار الموصوف أنه لا يتجزأ على صاحبه . فقد أقر المدين بالدين موجلاً أو معلقاً على شرط ، فأما أن يأخذ الدائن الإقرار كله موصوفاً كما هو ، وإما أن يدعه كله . وليس له أن يجزئه ، فيقتصر على إقرار المدين بالدين ويدع الوصف الذى دخل على الدين من أجل أو شرط . ويمتنع عليه إذن أن يقول إن المدين أقر بالقرض فهو ثابت فى ذمته بإقراره ، وعليه الآن أن يثبت أن القرض موصوف بأجل أو شرط . وإنما للدائن إما أن يأخذ بالإقرار كله ، فيعتبر الثابت هو الدين موصوفاً بالأجل أو الشرط ، وإما أن يطرحه 506 كله ، فلا يعتبر الدين ثابتاً أصلاً بالإقرار . وعليه إذا أطرح الإقرار أن يحمل عبء إثبات ما ادعاه ، فيعود إلى سيرته الأولى إذ هو مدع يحمل عبء الإثبات . وقد كان بالإقرار الذى أطرحه معفى من هذا العبء . وفى هذه الحالة يتعين على الدائن أن يثبت الدين ، وعلى المدين أن يثبت الأجل أو الشرط ( [2] ) . ويجوز أيضاً أن يتخذ الدائن من الإقرار طريقاً لإثبات القرض فى ذاته ، ثم يثبت هو – لا المدين – أن القرض قد حل أجله أو أنه غير معلق على شرط . وهذا كله مقصود من القول بعدم تجزئة الإقرار . فالدائن بالخيار ، إذا لم يرد الأخذ بالإقرار كله ، بين أن يطرحه كله ويحمل عبئ إثبات دعواه كما لو لم يكن هناك أى إقرار ، وبين أن يستبقى من الإقرار ما هو فى صالحه ويدحض بدليل يقدمه هو ما ليس فى صالحه من الإقرار . والممتنع هو أن يستبقى ما هو فى صالحه ويلقى على المقر عبء إثبات ما ليس فى صالحه ، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار . ولا تصح التجزئة فى الإقرار الموصوف .
262 – الإقرار المركب : وإذا قال المدعى فى دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة ، وأقر المدعى عليه بأنه اقترض المائة ولكنه وفاها أو وفى 507 جزءاً منها ، فإن الإقرار هنا يكون إقراراً مركباً ( aveu complexe ) . والفرق بين الإقرار المركب والإقرار الموصوف – وكل منهما يشتمل على واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها – أن فى الإقرار الموصوف تقترن الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية من وقت نشئو الواقعة الأصلية كما قدمنا . فالأجل أو الشرط قد اقترن بالدين من وقت نشوئه ، أما فى الإقرار المركب فالواقعة المرتبطة لا تقترن بالواقعة الأصلية من وقت نشئوها بل تجد بعدها ، فالإقرار بالدين مع الوفاء به إقرار مركب يتكون من واقعة المديونية وهى الواقعة الأصلية وواقعة الوفاء وهى الواقعة المرتبطة بها ، ولكن واقعة الوفاء لم تقترن بواقعة المديونية من وقت نشوئها ، بل جدت بعدها إذا حصل الوفاء بعد أن وجدت المديونية ( [3] ) .
والأصل فى الإقرار المركب أنه هو أيضاً لا يتجزأ على صاحبه ( [4] ) . فإذا اقر المدين أنه اقترض المائة ولكنه وفاها ، فلا يجوز للدائن إلا أن يأخذ بالإقرار كله أو يطرحه كله ( [5] ) . فإذا أخذ بالإقرار كله برئت ذمة المدين من الدين وخسر الدائن دعواه ، إذ يكون قد ثبت أن الدين كان موجوداً ولكن المدين وفاه . وإذا أطرح الدائن الإقرار كله ، اعتبر الإقرار كأن لم يكن ، وكان على الدائن أن يثبت الدين وعلى المدين أن يثبت الوفاء . ويجوز أيضاً للدائن – كما قدمنا فى الإقرار الموصوف – أن يستبقى الإقرار بالقرض ، ويحمل هو عبء إثبات أن المدين لم يقم بوفائه . والممتنع هو أن يستبقى الإقرار بالقرض ويلقى عبء 508 إثبات الوفاء على المدين ، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار حيث لا تصح التجزئة .
وكذلك يكون الحكم فيما إذا أقر المدين بأنه اقترض المائة ولكن الدين انقضى بالتجديد ( [6] ) أو انقضى بالإبراء . ففى هاتين الحالتين لا يتجزأ الإقرار على صاحبه . ولا يجوز للدائن أن يستبقى من الإقرار ما هو فى صالحه ، ويلقى عبء إثبات إما ليس فى صالحه على المدين ، فيستبقى ثبوت القرض بالإقرار ويطلب من المدين إثبات التجديد أو الإبراء ، وعليه أن يأخذ بالإقرار كله فتكون ذمة المدين قد برئت من الدين ، أو يطرحه كله فعليه هو أي يثبت القرض وعلى المدين أن يثبت التجديد أو الإبراء ، أو يستبقى القرض ثابتاً بالإقرار وعليه هو أن يثبت أن التجديد أو الإبراء الذى يدعيه المدين لا صحة له ( [7] ) ، فإذا أطرح الإقرار كله وأراد أن يثبت القرض ، كان له أن يعتبر الإقرار المطرح مبدأ ثبوت بالكتابة للقرض يعززه بالبينة والقرائن ( [8] ) . أما إذا استبقى القرض ثابتاً بالإقرار ، وأراد أن يثبت أن التجديد أو الإبراء لا صحة له ، فلا يجوز فيما يزيد على عشرة جنيهات أن يثبت ذلك إلا بالكتابة ( [9] ) .
فى هذه الأحوال الثلاثة – الإقرار بالمديونية مع وفاء الدين والإقرار بها مع التجديد والإقرار بها مع الإبراء – يوجد إقرار مركب من واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها ، وحكم هذا الإقرار أنه لا يتجزأ على صاحبه كما رأينا . والمشترك فى هذه الأحوال الثلاثة أن الواقعة المرتبطة تستلزم حتماً وجود الواقعة 509 الأصلية . فالوفاء بالدين يستلزم حتماً وجود الدين قبل ذلك ، وكذلك تجديد الدين والإبراء منه كل منهما يستلزم حتماً سبق وجود دين حصل فيه التجديد أو وقع فيه الإبراء . ومن ثم لا يمكن للواقعتين ، الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة بها ، أن تنفك إحداهما عن الأخرى ، فهما متلازمتان ولا تصح فيهما التجزئة . أما إذا كانت الواقعة المرتبطة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية ، فلا تلازم ما بين الواقعتين ، ويمكن تصر وقوع إحداهما دون وقوع الأخرى ، ومن ثم كانت التجزئة فيهما جائزة . والمثل المألوف لهذه الحالة هو الإقرار بالقرض مع وقوع المقاصة فيه بدين آخر ( [10] ) . فالمدين هنا قد أقر بالواقعة الأصلية وهى واقعة القرض ، وأضاف إليها واقعة مرتبطة بها وهى وجود دين له على الدائن أوقع المقاصة بين الدينين . وظاهر أنه لا تلازم ما بين الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة ، ومديونية المدين للدائن لا تستلزم حتماً مديونية الدائن للمدين ، كما أن مديونية الدائن للمدين لا تفترض حتماً مديونية المدين للدائن ، إذ أن الدين الذى يدعيه الدائن منفصل عن الدين الذى يدعيه المدين ، ووجود أحدهما لا يستلزم وجود الآخر . ومن ثم كان الفصل بينهما ممكناً ، وصحت التجزئة فى الإقرار . فإذا أقر المدين بالقرض ، ولكنه قال إنه سقط بالمقاصة ، كان للدائن فى هذه الحالة أن يجزئ الإقرار على المدين . فيعتبر الإقرار قائماً فيما هو فى صالحه فقط ، وبذلك يكون القرض ثابتاً بالإقرار ، ولا يكلف الدائن عبء إثباته . أما بقية الإقرار فلا يؤخذ به ، ولا يتقل عبء الإثبات فيه إلى الدائن ، بل المدين هو الذى يكلف بإثباته إذا أصر عليه . ويكون إذن على المدين أن يثبت أن له ديناً فى ذمة الدائن كان سبباً فى وقوع المقاصة . فإن عجز عن إثبات ذلك بقى الإقرار قائماً فى إثبات القرض . ويكون الإقرار قد تجزأ على هذا النحو ، أخذ منه الدائن ما هو فى صالحه ، وألقى عبء إثبات ما ليس فى صالحه على المدين ( [11] ) .
510
والمعيار الذى اتخذناه هنا لمعرفة ما إذا كان الإقرار المركب لا يتجزأ على صاحبه أو يجزأ هو معيار تشريعى ذكره التقنين المدنى الجديد كما رأينا فى الفقرة الثانية من المادة 409 حيث يقول : ” ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى ( [12] ) ” . ولا تزال هذه المسألة محل خلاف فى الفقه 511 الفرنسى ( [13] ) . وكان القضاء المصرى فى عهد التقنين المدنى السابق يطبق هذا 512 المعيار ( [14] ) . ومهما يكن من أمر فقد أحسن المشرع المصرى صنعاً إذ حسم 513 الخلاف بنص قاطع ( [15] ) .
263 – رقابة محكمة النقض : ومن الواضح أن مسألة تجزئة الإقرار أو عدم تجزئته مسألة من مسائل القانون تخضع لرقابة محكمة النقض . فإذا جزأت محكمة الموضوع إقراراً لا تصح تجزئته ، أو رفضت تجزئة إقرار تصح تجزئته ، كان حكمها غير سليم ويتعين نقضه . ولكن يجب أن تثار مسألة التجزئة أمام محكمة الموضوع ، فلا يصح أن تثار لأول مرة أمام محكمة النقض ( [16] ) .
( [1] ) بيدان وبرو 9 فقرة 1315 – كذلك إذا أقر المدين بالدين دون فوائد ودعوى للدائن أن الدين بفائدة ، فهذا أيضاً إقرار موصوف ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقفرة 1570 ) .
( [2] ) أوبرى ورو 12 ص 131 . وقد قضى بأنه لا يجوز التمسك بعدم تجزئة الإقرار إذا قام على الواقعة المراد إثباتها دليل آخر : استئناف مختلط 30 يناير 1890 م 2 ص 261 – 16 نوفمبر سنة 1910 م 22 ص 9 – 30 مايو سنة 1912 م 24 ص 373 – 29 يونيه سنة 1915 م 27 ص 444 – 17 نوفمبر سنة 1926 م 39 ص 16 – 18 يونيه سنة 1930 م 42 ص 573 – أول فبراير سنة 1933 م 45 ص 150 – 26 مايو سنة 1936 م 48 ص 281 – 31 مارس سنة 1938 م 50 ص 202 – استئناف مصر 24 مايو سنة 1924 المجموعة الرسمية 27 رقم . وقضت أيضاً محكمة النقض بأنه لا يصح الاعتراض بمخالفة قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار إذا كانت الدعوى قد ثبتت من طريق آخر غير الإقرار ( نقض مدنى 5 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 78 ص 279 ) . كذلك قضت محكمة النقض بأنه إذا كان مفهوم الإقرار الصادر من المدعى عليه ( صاحب البناء ) أنه اشترط عدم دفع الأجر عن الرسوم التى يقوم بها المدعى ( مهندس ) إلا إذا قبلها هو وأجرى البناء على أساسها ، فإنه يكون من الإقرارات الموصوفة التى لا تقبل التجزئة ، متعيناً الأخذ به كله أو تركه كله . فإذا كان المدعى لا يسلم بالقيد الوارد فى الإقرار ، فلا يقبل منه أن يستند إلى الإقرار فيما عدا هذا القيد ، بل يكون عليه أن يثبت دعواه من طريق آخر ، فإن تجزئة الإقرار والأخذ بشق منه وإلزام المدعى عليه بدفع الأجر من إطراح القيد الوارد فيه ، ذلك مخالف لقواعد الإثبات ( نقض مدنى 30 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 64 ص 227 ) . وانظر أيضاً : نقض مدنى 15 أبريل سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 52 ص 150 ) .
ويلاحظ أن الدائن إذا أطرح الإقرار كله ، وأراد أن يثبت الدين بطريق آخر ، فإن له أن يتخذ الإقرار المطرح مبدأ ثبوت بالكتابة ، كما له أن يفعل ذلك عند إطراح الإقرار المركب غير قابل للتجزئة على ما سنرى .
( [3] ) أوبرى ورو 12 ص 121 هامش رقم 25 مكرر 3 وص 125 .
( [4] ) ذلك أن الأصل فى الإقرار بوجه عام عدم التجزئة : استئناف مختلط 22 يناير سنة 1890 م 2 ص 386 – 27 فبراير سنة 1890 م 2 ص 394 – 14 مايو سنة 1890 م 2 ص 265 – 10 ديسمبر سنة 1891 م 4 ص 48 – 9 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 11 – 14 يناير سنة 1897 م 9 ص 119 – 23 أبريل سنة 1903 م 15 ص 259 – 28 ديسمبر سنة 1926 م 39 ص 106 – 18 يناير سنة 1927 م 39 ص 171 – 9 أبريل سنة 1927 م 39 ص 380 – 5 مارس سنة 1935 م 47 ص 182 .
( [5] ) استئناف مختلط أول يونيه سنة 1897 م 9 ص 363 .
( [6] ) انظر عكس ذلك الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 179 .
( [7] ) استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 60 – 4 مايو سنة 1916 م 28 ص 300 .
( [8] ) وقد قضت محكمة النقض بأن عدم تجزئة الإقرار لا تحول دون اعتباره مقدمة إثبات بالكتابة ( نقض مدنى 9 يونيه سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 433 ص 797 ) .
( [9] ) ويمثل الفقيهان أوبرىورو لعدم جواز إثبات الواقعة المرتبطة إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها بالوديعة الاختيارية فيما تزيد قيمته على نصاب البينة ، فإذا أقر حافظ الوديعة بأنه تسلم الوديعة ولكنه ردها ، لم يجز للمودع أن يثبت عدم الرد إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها . فإذا كانت الوديعة اضطرارية ، وأقر حافظ الوديعة بأنه تسلمها ولكنه سلمها للشخص الذى عينه المودع ، جاز للمودع أن يثبت بجميع الطرق أن حافظ الوديعة لم يسلمها إلى هذا الشخص ( أوبرى ورو 12 ص 130 هامش رقم 38 – وانظر أيضاً تعليق بارتان فى انطباق هذه الأحكام على التفسير الذى يقول به من أن الإقرار قرينة قانونية على صحة المقر به فى ص 129 هامش رقم 36 ) .
( [10] ) استئناف مختلط 29 مايو سنة 1890 م 2 ص 270 – منوف 25 ديسمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 496 ص 904 .
( [11] ) ومثل ذلك أيضاً أن يقر المدعى عليه بالعمل غير المشروع الذى صدر منه ، ولكنه يقول أنه صدر دفاعاً عن النفس . فيتجزأ إقراره ، وعليه أن يثبت هو أنه كان فى حالة دفاع شرعى تعفيه من المسئولية المدنية .
هذا ويجوز للقاضى تفسير الإقرار الغامض ، ولا يعد هذا تجزئه له ( أوبرى ورو 12 ص 130 – ص 131 – بودرى وبارد 4 فقرة 2721 ) – كذلك تصح تجزئة الإقرار إذا كانت الواقعة المرتبطة غير محتملة التصديق أو كانت متعارض مع الواقعة الأصلية ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1901 م 13 ص 323 – بودرى وبارد 4 فقرة 2720 – بيدان وبرو 9 فقرة 1316 ص 412 – قارن أوبرى ورو 12 ص 128 – وقارن أيضاً دى باج 3 ص 1047 – ص 1057 ) .
ويلاحظ أن ما قدمناه من الأحكام فى تجزئة الإقرار إنما يكون فى المسائل المدنية . أما فى المسائل الجنائية فالإقرار تجوز تجزئته دائماً ، ويأخذ منه القاضى ما يقتنع بصدقه ويطرح ما لا يرى صحته . وهذا ما لم تكن الجريمة قائمة على أساس عقد مدنى – كالتبديد – فإثبات هذا العقد عن طريق الإقرار يخضع للقواعد المدنية فى تجزئة الإقرار على النحو الذى قدمناه ( أوبرى ورو 12 ص 122 هامش رقم 25 مكرر 4 – نقض جنائى 23 أبريل سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 90 / 2 – 21 ديسمبر سنة 1918 المجموعة الرسمية 20 رقم 59 – 4 مايو سنة 1926 المجموعة الرسمية 28 رقم 69 – استئناف مختلط 14 يناير سنة 1946 م 58 ص 69 – 24 فبراير سنة 1947 م 59 ص 132 ) .
( [12] ) ولم يكن المشروع الأولى للإثبات الذى سبق المشروع التمهيدى يفسح مجالاً لتجزئة الإقرار ، بل كان يقضى بأن الإقرار لا يتجزأ . فكانت المادة 38 من هذا المشروع تنص على أن ” الإقرار لا يتجزأ على صاحبه ” . وكانت المادة 39 من المشروع تنص على أنه ” لا محل لعدم التجزئة ” ( 1 ) إذا ثبتت الواقعة المتنازع فيها عن طريق آخر مستقل عن الإقرار . ( 2 ) إذا كان هناك إقراران متميزان ينصبان على واقعتين مختلفتين ( 3 ) إذا تقدم ، وفقاً للقواعد العامة ، دليل لإثبات عكس أحد العناصر التى يتكون منها الإقرار ” . لذلك جاءت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى وهى تشرح فى الواقع المشروع الأولى ، دون نظر إلى ما أدخل على هذا المشروع من تعديل . فورد فيها ما يأتى : ” وتعرض مسألة عدم التجزئة بالنسبة للإقرار المركب ، أى مسألة معرفة ما إذا كان يجوز لمن وجه الإقرار إليه أن يأخذ منه ما يرى فيه مصلحة له وأن يهمل الشق المضاف . إلا أن من المقرر أن الشق المضاف يعتبر غير منفك عن جملة الإقرار ، موصوفاً كان الإقرار أو غير موصوف ، إذ لولاه لما صدر الاعتراف . ثم إن الإقرار بأسره هو الذى يعتبر حجة ، لا جزء منه فحسب . ويترتب على ذلك أن الإقرار المركب لا يتجزأ ، موصوفاً كان أو غير موصوف ، بل يتعين على من يتمسك به بصفته هذه أن يعتد به بأسره . وقد نصت بعض التقنينات على استثناءات من حكم القاعدة العامة فى عدم تجزئة الإقرار . بيد أن إمعان النظر فى هذه الاستثناءات يكشف عن خلوها عن معنى الشذوذ عن حكم الأصل لأنها لا تتعلق بإقرارات مركبة ، ومسألة التجزئة لا تعرض إلا عند التراكيب . فقاعدة عدم تجزئة الإقرار قاعدة عامة لا يرد على إطلاقها قيد أو حد ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 437 ص 438 ) . وواضح أن هذا إنما يصلح تقريراً لأحكام المشروع الأولى قبل أن يعدل فى المشروع التمهيدى بإدخال التعديل الخاص بجواز تجزئة الإقرار إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى ( انظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 179 هامش رقم 1 ) . أما ما أوردته المادة 39 من المشروع الأولى من أحكام ، فهى نفس الأحكام التى أوردناها فى خصوص عدم تجزئة الإقرار ، لا فى خصوص تجزئته . فأن الإقرار يبقى غير قابل للتجزئة حتى إذا ثبتت الواقعة المتنازع فيها عن طريق آخر غير الإقرار ، وحتى لو ثبت عكس أحد العناصر الذى يتكون منها الإقرار . أما إذا كان هناك إقراران متميزان ينصبان على واقعتين مختلفتين ، فالأخذ بإقرار دون آخر ليس تجزئة لإقرار واحد ، بل هو فصل ما بين إقرارين متميزين .
( [13] ) والكثرة من الفقهاء الفرنسيين يذهبون إلى أنه إذا كانت الواقعة المرتبطة ليست إلى النتيجة العادية ( ordinaire ) أو العرضية ( accidentel ) للواقعة الأصلية ، بحيث يكون حصول الواقعة المرتبطة يستلزم حتماً ( auppose necessairement ) سبق حصول الواقعة الأصلية ، كان الإقرار غير قابل للتجزئة ، وذلك كما إذا أقر المدين بالدين ولكنه قال إنه انقضى بالوفاء أو بالتجديد أو بالإبراء . فإذا كانت الواقعة المرتبطة مستقلة كل الاستقلال عن الواقعة الأصلية ، فإن الإقرار يتجزأ ، كما إذا أقر المدين بالدين ولكنه قال إنه سقط بالمقاصة . وهذا هو المعيار الذى أخذ به التقنين المدنى المصرى الجديد كما رأينا ( انظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 ص 123 – ص 125 – تولييه 5 فقرة 339 – لارومبيير م 1356 فقرة 15 –
ديمولومب 30 فقرة 511 وفقرة 513 – لوران 20 فقرة 193 – ماركاديه م 1354 وم 1356 / 2 – بودرى وبارد 4 فقرة 2716 – بيدان وبرو 9 فقرة 1316 ) .
وهناك فريق من الفقهاء يذهبون إلى أن الإقرار إنما يكون غير قابل للتجزئة إذا كانت الواقعة المرتبطة تقابل تماماً ( correspond exactement ) الواقعة الأصلية ، كالوفاء يقابل وجود الدين . فإذا لم يكن هناك تقابل تام ما بين الواقعتين ، تجزأ الإقرار . فيتجزأ إذن ، ليس فحسب فى حالة ما إذا كانت الواقعة المرتبطة هى المقاصة ، بل أيضاً إذا كانت هى التجديد أو الإبراء . أما فى حالة الوفاء فلا يتجزأ الإقرار لأن التقابل تام ما بين الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة ( تعليقات بارتان على أوبرى ورو 12 ص 124 هامش رقم 26 مكرر ، بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1575 ص 1045 – ص 1046 – قارن بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2291 . ويشير بارتان إلى أن نظرية أوبرى ورو فى تجزئة الإقرار هى أكثر اتفاقاً مع ما ذهب هو إليه من أن الإقرار قرينة قانونية على صحة المقر به : أوبرى ورو 12 ص 120 هامش رقم 25 مكرر ) .
ويذهب دى باج إلى العكس من لك فيجعل الإقرار غير قابل للتجزئة ، لا فى حالات الوفاء والتجديد والإبراء فحسب ، بل أيضاً فى حالة المقاصة ذاتها . فعنده أن الإقرار ، بسيطاً كان أو موصوفاً أو مركباً ، لا يتجزأ ، دون أى استثناء ( دى باج 3 ص 1047 – ص 1057 ) وهذا هو الرأى الذى كان المشروع الأولى للإثبات قد أخذ به كما قدمنا ، والظاهر أنه كان منقولاً عن دى باج .
( [14] ) الموجز للمؤلف فقرة 159 . وقد قضت محكمة مصر الكلية بأن الإقرار إما أن يكون بسيطاً ، أو تاماً ، وإما أن يكون موصوفاً أو معدلاً ، وإما أن يكون مركباً . فالبسيط هو الاعتراف بالحق كاملا . والإقرار الموصوف هو عدم الاعتراف بالأمر المدعى به كما هو ، كما إذا ادعى شخص على آخر بدين فاعترف به الأخير ، إنا قال إنه دين قمار ، ومثل هذا الإقرار غير قابل للتجزئة – أما الإقرار المركب فهو الإقرار بالواقعة الأصلية غير معدلة ولا موصوفة ، وإنما هى مصحوبة بواقعة أخرى منفصلة عنها يصح أن تعتبر نفياً لها . فإذا كانت الواقعة الأخرى غير مرتبطة بالواقعة الأصلية ، بحيث أن حصولها لا يتحتم معه وجود الأولى ، فليس هنا ما يمنع من تجزئة الاعتراف ، كما إذا ادعى شخص على آخر ديناً فاعترف الآخر به ، وإنما أدعى بالمقاصة فيه ، فإنه فى هذه الحالة يلزم المقر بإثبات الدين الذى له بالطرق المعتادة ( مصر الكلية 7 يناير سنة 1933 المحاماة 16 رقم 433 ص 937 ) . وقضت محكمة ملوى بأن تجزئة الإقرار جائزة فى أحوال معينة منها : ( أولاً ) إذا كانت الواقعة الأخرى غير مرتبطة بالواقعة الأصلية بحيث أن حصولها لا يؤثر على كيان الأولى ووجودها لاختلاف موضوعهما أو طبيعتهما أو الأشخاص الذين تعلقت بهم كل واقعة . فالقرار أحد الورثة باستلام مبلغ مخلف عن المورث ضمن التركة المورثة ، وادعاؤه فى وجه الورثة الذين لهم نصيب فيه بأنه دفعه فى ديون كانت على المورث هو إقرار مركب قابل للتجزئة ، لأن ادعاء السداد لدائنى التركة هى واقعة غير مرتبطة بالواقعة الأصلية ارتباطاً لا يقبل التجزئة لاختلاف موضوع كل وقاعة من الواقعتين لتباين الأشخاص فى كليهما ، ولما تستلزمه الواقعة التى أردف بها الإقرار من تحقيق ديون الدائنين وسببها ومقدارها وترتبها فى الذمة . ( ثانياً ) وقوع تناقض فى أقوال المقر ، أو إذا كانت الواقعة التى أضافها لإقراره ظاهرها الغش أو الكذب ( 3 سبتمبر سنة 1932 المحاماة 14 رقم 231 / 2 ص 446 ) . وقضت محكمة طنطا الكلية بأنه من المقرر قانوناً أن الإقرار إذا كان جنائياً ، فإنه يقبل التجزئة . والعلة التى أجاز المشرع من أجلها تجزئة الإقرار الجنائى هى أنه ليس حجة فى ذاته ، بل هو خاضع لتقدير القاضى واقتناعه ، فله أن يفصح كافة أجزائه ولا يأخذ منها إلا بما يقنعه ، وله أن يرفضه بأكمله أو يرفض بعضه فقط ويقتنع بالبعض الآخر . ومع ذلك يكون الاعتراف الجنائى غير قابل للتجزئة إذا كان موضوعه عقداً من العقود المدنية وتتوقف عليه الجريمة وكان الاعتراف الجنائى غير قابل للتجزئة إذا كان موضوعه عقداً من العقود المدنية وتتوقف عليه الجريمة وكان الاعتراف هو الطريق الوحيد لإثباتها طبقا ًلأحكام القانون المدنى . وإنما أجاز المشرع تجزئة الإقرار الجنائى غير قابل للتجزئة إذا كان موضوعه عقداً من العقود المدنية وتتوقف عليه الجريمة وكان الاعتراف هو الطريق الوحيد لإثباتها طبقاً لأحكام القانون المدنى . وإنما أجاز المشرع تجزئة الإقرار الجنائى لكى يترك للقاضى الجنائى الحرية فى تكوين عقيدته للحكم فى الدعوى الجنائية وفى سبيل الحكم فيها ، ولا يمكن أن يؤخذ بهذه التجزئة للفصل فى دعوى مدنية تكون مرتبطة بها ( أول مايو سنة 1935 المحاماة 16 رقم 439 ص 948 ) .
انظر طريقة توكيل محامي
وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الإقرار المركب لا يتجزأ إذا كانت الواقعة الأصلية المرتبطة هى النتيجة العادية ( ) أو العرضية ( ) للواقعة الأصلية . أما إذا كانت الواقعتان مستقلتين كل منها عن الأخرى بحيث لا يستلزم وجود إحدى الواقعتين وجود الواقعة الثانية ، فإن الإقرار تصح تجزئته : استئناف مختلط 23 مايو سنة 1914 م 26 ص 392 – أول مارس سنة 1917 م 29 ص 267 – 20 مارس سنة 1930 م 42 ص 375 – 22 مارس سنة 1933 م 45 ص 209 – 5 مارس سنة 1935 م 47 ص 142 – وانظر عدم تجزئة الإقرار الموصوف : استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 60 – 17 يونيه سنة 1915 م 27 ص 412 .
( [15] ) انظر فى أن الإقرار يتجزأ فى الفقه الإسلامى : طريق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 135 – ص 137 .
( [16] ) أوبرى ورو 12 ص 131 – دى باج 3 ص 1058 – 1059 – بيدان وبرو 9 فقرة 1316 ص 413 – نقض فرنسى 28 نوفمبر سنة 1900 سيريه 1903 – 1 – 79 – 4 يوليه سنة 1905 سيريه 1906 – 1 – 88 .المصدر: محامي في الأردن