الحكم الصادر في دعوى المسئولية
وطرق الطعن فيه ( وبخاصة طريق الطعن بالنقض )
635 – مسألتان : بعد أن حددنا طرفي الخصومة في دعوى المسئولية ، والطلبات التي يتقدم بها المدعى والدفوع التي يرد بها المدعى عليه الدعوى ، وكيف تثبت هذه الطلبات والدفوع ، بقى أن نتكلم في الحكم الذي يصدر في الدعوى لنرى : ( 1 ) ما هي طرق الطعن التي توجه إليه ( 2 ) وما هي الآثار التي تترتب عليه .
1 – طرق الطعن في الحكم الصادر في دعوى المسئولية
636 – طرق الطعن بوجه عام : لا يختلف الحكم الصادر في دعوى المسئولية عن سائر الأحكام من حيث طرق الطعن فيه . فهو إذا صدر غيابياً يقبل الطعن فيه بطريق المعارضة . وإذا صدر من محكمة الدرجة الأولى يقبل الطعن فيه بطريق الاستئناف .
أما طرق الطعن غير العادية فهي النقض والتماس إعادة النظر ومعارضة الشخص الذي يتعدى إليه الحكم ولا كلام في الطريقين الأخيرين ، إذ تطبق في شأنهما في قانون المرافعات .
637 – الطعن بطريق النقض : وكذلك الطعن بطريق النقض ، فإنه هو أيضاً تتبع في شأنه أحكامه المعروفة . ومن هذه الأحكام أنه لا يجوز لأول مرة أمام محكمة النقض أن تقدم لا طلبات جديدة ( demandes nouvelles ) ولا وسائل جديدة ( moyens nouveaux ) ، بخلاف محكمة الاستئناف فيجوز أن تقدم إليها الوسائل الجديدة دون الطلبات . ومن ثم لا يجوز الاستناد لأول مرة أمام محكمة النقض على الخطأ التقصيري المفترض أو الخطأ العقدي ، إذا كان المدعى قد استند أمام محكمة الموضوع على الخطأ التقصيري الثابت . ويجوز ذلك أمام محكمة الاستئناف ، على خلاف في الرأي بيناه فيما تقدم ( [1] ) .
بقى أن نجمل هنا – وكنا قد اشرنا إلى ذلك في أماكن متفرقة – ما هو الواقع الذي لا يجوز لمحكمة النقض أن تعقب عليه وما هو القانون الذي يخضع لرقابتها في شأن أركان المسئولية الثلاثة : الخطأ والضرر والسببية .
1 – الخطأ : لا يخضع لرقابة محكمة النقض ما تسجله محكمة الموضوع من الوقائع المادية التي يقدمها المدعى لإثبات ركن الخطأ ، وما صح منها وقوعه وما لم يصح . أما التكييف القانوني لم صح وقوعه عند محكمة الموضوع ، وهل هذه الوقائع يصح أن توصف بأنها خطأ ( [2] ) ، وهل هذا الخطأ تقصيري أو عقدي ، وإذا كان تقصيرياً هل هو عمد أو جسيم أو يسير ، وهل يكفى أن يكون مفترضاً أو يجب إثباته ، وهل إذا كان مفترضاً يجوز إثبات العكس أو لا يجوز ، كل هذه مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض . كذلك تعتبر مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض ما إذا كان الركن المعنوي متوافراً في الخطأ ، وهل انعدام التمييز من شأنه إلا يجعل الخطأ قائماً ، وهل قامت أسباب من شأنها أن تعدم الخطأ كالدفاع الشرعى وتنفيذ أمر الرئيس وقيام حالة الضرورة ، ومتى يكون الشخص المعنوى مسئولا عن الخطأ ، وفي أي الأحوال يوجد التعسف في استعمال لحق . ويمكن القول بوجه عام إن جميع مسائل الخطأ تخضع لرقابة محكمة النقض إلا ما تسجله محكمة الموضوع من الوقائع المادية في هذا الشأن ( [3] ) .
2 – الضرر : ولا رقابة لمحكمة النقض فيما تقرره محكمة الموضوع من وقائع مادية في شأن الضرر . فإذا قررت أن المدعى قد كسر له ضلع أو أن سيارته قد تلفت أو أن منزله قد حرق ، فلا تعقيب لمحكمة النقض على صحة هذه الوقائع في ذاتها ( [4] ) . أما تكييفها القانوني ، وهل تكفي لتكوين ركن الضرر ، وهل هذا الضرر محقق أو محتمل ، وهل هو ضرر مباشر أو غير مباشر ، وما هو الضرر الأدبي ، وهل يجب تعويضه ، كل هذه من مسائل القانون . وتقدير الضرر ، وتعيين طريقة تعويضه ، وتحديد المبلغ اللازم للتعويض إذا كان التعويض نقداً ، كل هذه من مسائل الواقع لا تعقيب عليها من محكمة النقض . ولكن تقسيم التعويض بالنسبة التي يوجبها القانون على المسئول والمضرور والغير مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض ( [5] ) .
3 – السببية : ولا معقب على محكمة الموضوع فيما تسجله من الوقائع التي يستفاد منها قيام علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر ( [6] ) . أما تكييف هذه الوقائع من الناحية القانونية ، وهل هي كافية لإيجاد علاقة السببية ، وما هو السبب الأجنبي الذي تنتفي معه هذه العلاقة ، وما هي الشروط الواجب توافرها في القوة القاهرة والحادث المفاجئي ، وهل هناك فرق ما بين السببين ، وما الأثر الذي يترتب على فعل المضرور وفعل الغير في تحديد مسئولية المدعى عليه ، وما الحكم إذا تعددت الأسباب ، وماذا يترتب على تعاقب الأضرار فكل هذه مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض .
خلاصة ما تقدم : ويمكن القول بوجه عام إن ما تسجله محكمة الموضوع من وقائع مادية في شأن الأركان الثلاثة للمسئولية ، من خطأ وضرر وسببية ، لا تعقب عليه محكمة النقض . أما التكييف القانوني لهذه الوقائع ، ويدخل في ذلك ما يجب توافره من شروط وما يترتب من أثر ، فذلك يدخل في المسائل القانونية التي تخضع لرقابة المحكمة العليا .
2 – الآثار التي تترتب على الحكم الصادر في دعوى المسئولية
638 – الحكم ليس هو مصدر الحق في التعويض – نشوء الحق في التعويض منذ وقوع الضرر : مصدر الحق في التعويض ليس هو الحكم الصادر في دعوى المسئولية . فالحكم ليس إلا مقرراً لهذا الحق ، لا منشئاً له . وحق المضرور في التعويض إنما نشا من العمل غير المشروع الذي أتاه المسئول . فرتب في ذمته الالتزام بالتعويض من وقت قيام أركان المسئولية الثلاثة ، وإذا أردنا التحديد فمن وقوع الضرر لا من وقت ارتكاب الخطأ ، فإن الضرر إذا تراخى عن الخطأ لم تتوافر أركان المسئولية إلا بوقوعه ، ومن هذا الوقت لا مقبله تتحقق المسئولية في ذمة المسئول ويترتب حق المضرور في التعويض ( [7] ) .
ونشوء الحق في التعويض وقت وقوع الضرر لا وقت صدور الحكم له أهمية عملية من وجوه كثيرة ، نذكر منها الوجوه الآتية :
أولاً – يجوز للمضرور أن يتصرف في حقه ، أو أن يتصرف بمقتضى هذا الحق ، من وقت وقوع الضرر . ولا حاجة به إلى انتظار الحكم . فله من وقت وقوع الضرر أن يحول حقه إلى الغير ، وأن يوقع حجزاً تحت يد مدين المسئول ، ولو أفلس المسئول حتى قبل صدور الحكم دخل المضرور في التفليسة ، وإذا كان المسئول مؤمناً على مسئوليته كان للمضرور حق الرجوع على شركة التأمين حتى لوجد ما بين وقوع الضرر وصدور الحكم ما يستوجب سقوط الحق في التأمين .
ثانياً – يسري التقادم في دعوى المسئولية ، لا من وقت صدور الحكم ، بل من وقت وقوع الضرر أو من وقت العلم بالضرر وبالمسئول عنه على التفصيل الذي قدمناه .
ثالثاً – للمضرور ، إلى جانب التعويض الأصلي ، تعويض عن التأخير يسري من وقت وقوع الضرر . ولا يتوقف هذا الحق على الاعذار لأن الاعذار لا ضرورة له إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع . ولا يتوقف على صدور الحكم لأن الحق في التعويض الأصلي قد نشا من وقت وقوع الضرر . ولكن لما كان التعويض الأصلي قبل صدور الحكم غير معلوم المقدار . فهناك رأي يذهب إلى أنه لا يمكن تطبيق أحكام الفوائد القانونية ، فإن تطبيق هذه الأحكام يقتضي أن يكون محل الالتزام مبلغاً من النقود معلوم المقدار وقت الطلب . فلم يبق إذن إلا تطبيق القواعد العامة . وهذه تقضي بأن القاضي لا يحكم بتعويض عن التأخير إلا إذا طلب المضرور ذلك وأثبت الضرر الذي أصابه من التأخير . ومهما يكن من أمر فإن الذي يقع في الغالب أن القاضي يقدر مبلغاً من النقود تعويضاً عن الضرر ، ويدخل في تقديره النوعان من الضرر : الضرر الأصلي الناشيء عن خطأ المسئول ، والضرر الناشيء عن التأخير في دفع التعويض إلى يوم النطق بالحكم . فيجمع التعويض في مبلغ واحد ( [8] ) .
639 – الحكم يقوم الحق في التعويض ويقويه : وإذا كان الحكم ليس هو مصدر الحق في التعويض ، إلا أن له منذ صدوره أثراً محسوساً في هذا الحق . فقد كان الحق قبل صدور الحكم حقاً غير مقوم ، فأصبح بالحكم مقوماً ، ويغلب أن يقدر بمبلغ معين من النقود .
ولا يقتصر الحكم على تقويم الحق ، بل هو أيضاً يقويه من الوجوه الآتية : ( 1 ) يصبح الحق غير قابل لسقوط بالتقادم إلا بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت صدور الحكم ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 385 من القانون المدني الجديد على أنه ” إذا حكم بالدين وحاز الحكم قوة الأمر المقضي . . كانت مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة ” . ( 2 ) يجوز للمضرور ، وقد أصبح بيده حكم واجب التنفيذ ، أن يحصل على حق اختصاص بعقارات مدينه ضماناً لأصل الدين والفوائد والمصروفات . ( 3 ) يكون الحق في التعويض بعد صدور الحكم النهائي قابلا للتنفيذ به على أموال المدين .
( [2] ) وقد قضت محكمة النقض بأن تكييف وقائع التقصير الثابتة بأنها خطأ يخضع لرقابة محكمة النقض ( نقض مدني في 16 ديسمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 77 ص 214 ) . وقضت أيضاً ابأن تحقيق حصول الفعل أو الترك أو عدم حصوله هو من الأمور الواقعية التي تدخل في سلطة قاضي الموضوع ولا معقب لتقديره . أما ارتباط الفعل أو الترك بالضرر الناشيء ارتباط المسبب بالسبب والمعلول بالعلة ، وكذلك وصف ذلك الفعل أو الترك بأنه خطأ أو غير خطأ ، فهما كلاهما من المسائل القانونية التي يخضع في حلها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض . فإذا قضى حكم على وزارة الداخلية بالتعويض لورثة شخص سقطت عليه مئذنة جامع فقتله ، مستندا إلى وقوع خطأ من جانب أحد الأقسام في تنفيذ إشارة مهندس التنظيم المبلغة لهذا القسم لمنع المرور أمام ذلك الجامع خشية من سقوط مئنذنته لوجود خلل بها ، إذ القسم لم يغلق الحوانيت المقابلة للمسجد ولم يمنع المرور من الشارع منعاً كلياً ، وكانت إشارة المهندس غير مطلوب فهيا إغلاق الحوانيت ولا منصوص فيها على منع المرور من الشارع منعاً كلياً ، وثبت أن البوليس قام بتنفيذ ما طلب منه في حدود نص الإشارة وفي حدود المعقول ، فالقضاء بالتعويض استناداً إلى وقوع خطأ من البوليس مخالف للقانون ( نقض مدني في 11 يناير سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 158 ص 300 – ونلاحظ أن إذا كان لمحكمة النقض أن تراقب محكمة الموضوع في تكييفها الأعمال الصادرة من المدعى عليه بأنها خطأ ، فهي في ذلك تلتزم تطبيق معيار الخطأ . وإذا صح أن البوليس لم يخطئ إذ قام بتنفيذ ما طلب منه من حدود نص الإشارة وفي حدود المعقول ، أي أنه لم ينحرف عن السلوك المألوف للشخص العادي في الظروف الخرجية التي وجد فيها ، فمهندس التنظيم قد أخطأ بعدم النص في الإشارة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة للوقاية من خطر سقوط المئذنة ، فانحرف بذلك عن السلوك المألوف للشخص العادي ، وتكون الحكومة على كل حال مسئولة عن خطأ مهندس التنظيم ) .
( [3] ) ويجب أن تستخلص المحكمة الخطأ من وقائع ثابتة منتجة تذكرها في الحكم ، وإلا كان حكمها باطلا لقصور أسبابه . وقد قضت محكمة النقض بأنه يجب على المحكمة عند القضاء بتعويض يدعى ترتبه على إجراءات كيدية ضارة أن تثبت في حكمها أركان الخطأ المستوجب للتعويض تطبيقاً للمادة 151 من القانون المدني ( القديم ) ، وإلا كان حكمها باطلا لقصور أسبابه ( نقض مدني في 21 مايو سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 366 ص 11119 ) . وقضت أيضاً بأنه متى اثبت الحكم الأفعال التي صدرت من شخص ما ( فرداً كان أو شخصاً معنوياً ) واعتبرها متصلة بعضها ببعض اتصال الأسباب بالنتائج ، ثم وصف هذه الأفعال بأنها أفعال خاطئة قد ألحقت ضرراً بشخص ما ، واعتبر من صدرت منه تلك الأفعال مسئولا عن الضرر الذي نشأ عنها ، فلا مخالفة في ذلك للقانون . وإذن فإذا حمل الحكم مصلحة الآثار مسئولية خطأها في سحبها من متجر بالآثار رخصته ، وما ترتب على هذا الشخص من اعتباره متجراً بغير رخصة ، وتحرير محضر مخالفة له ، ومهاجمة منزله ، وإزالة اللوحة المعلقة على محل تجارته الخ . وقضى له بناء على ذلك بتعويض عما لحقه من الأضرار ، فقضاؤه بذلك صحيح قانوناً ( نقض مدني في 9 ابريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 345 ص 1091 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) و وقضت كذلك بأنه إذا انتحل الحكم للحادث الضار سبباً تقصيرياً لا يمكن استخلاصه عقلا من عناصر التحقيق التي كانت أمام المحكمة ، فيتعين نقضه ( نقض مدني في 7 مارس سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 235 ص 630 : وقد جاء في أسباب الحكم ما يأتي : وحيث إن قول الحكم المطعون فيه إن الفعل الضار في هذه الدعوى هو انفلات سير البريمة في الة بخارية عن موضعه بحركة عنيفة فجائية ، وأن هذا الانفلات العنيف الفجائي لا يكون إلا إذا كانت الآلة مختلفة وكان السبب في اختلالها تقصير صاحبها في صيانتها هو قول لا مصدر له في محضر ضبط الواقعة ، إذ لم يرد به في أي موضع منه أن السير انفلت أصلاً بعنف أو بغير عنف ، وأن علة انفلاته هي الخلل ، بل الذي جاء به لا يمكن أن يستخلص العقل منه ما استخلصه الحكم المطعون فيه . . . وأقصى ما يصح استنتاجه عقلا . . . أن سير الغربال لم يكن في موضعه الطبيعي ، وأن المتوفى حاول رده إلى موضعه ، فصعد السلم بغير أن يوقف الآلات ، فأصيب . . . كل ذلك جاء دالا على إلا انفلات لسير البريمة ولا محل للظن بأن هناك انفلاتاً ، ولا أن علة هذا الانفلات هي الخلل في الآلات – ونرى محكمة النقض في هذا الحكم تتشدد كثيراً في استخلاص الخطأ من الوقائع الثابتة ) .
( [4] ) ولكن يجب أن يذكر الحكم ما هو الضرر الذي أصاب المدعى ، وإلا اعتبر النسيب قاصراً . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا قضى الحكم بتعويض على شخص لعدم تقديمه عقد إجازة مودعا لديه إلى شريكه في الاجازة ، دون أن يبين وجه الضرر الذي لحق بالمحكوم له بالتعويض ، مع نفي المحكوم عليه لحوق أي ضرر به ، اعتبر هذا الحكم غير مسبب فيما أوجبه من التعويض وتعين نقضه ( نقض مدني في 22 ديسمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 85 ص 158 ) .
( [5] ) وقد قضت محكمة النقض بأن تقدير التعويض عن الضرر أمر متروك لرأي محكمة الموضوع ، فهي إذ تقدر تعويض الضرر المترتب على دفاع كيدي ، وتبين كيفية تقديرها له ، لا تخضع لرقابة محكمة النقض ، ما دامت قد اعتمدت في ذلك على أساس معقول ( نقض مدني في 26 نوفمبر سنة 1936 مجموعة عمر 2 رقم 12 ص 28 ) . وقضت بأن إثبات حصول الضرر أو نفيه من الأمور الواقعية التي تقدرها محكمة الموضوع ، فإذا رأت محكمة الاستئناف أن ما وقع من المتعهد بتوريد الأغذية لأحد الملاجئ هو ” أمر خطير فيه تعريض لصحة اللاجئات فضلا عما فيه من إفساد للمستخدمين الموكول إليهم حمايتهن والمحافظة على سلامتهن ” ، ثم رأت أن التعويض المشروط في عقد التوريد عن هذا الفعل متناسب وغير جائر ، فحكمت بإلزام المتعهد به ، فلا معقب على حكمها لمحكمة النقض ( نقض مدني في 7 مارس سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 41 ص 123 ) . وقضت أيضاً بأنه متى كانت المحكمة قد قدرت التعويض على أساس ما أثبتته على المحكوم عليه من الخطأ في عدوله عن الصفقة التي كان المزاد فيها قد رسا عليه ، وما أثبتته على المحكوم له ذاته من تباطؤ وتراخ في إبلاغ رسو المزاد في الوقت المناسب إلى الراسي عليه ، وما كانت عليه الأسعار من تقلبات في الفترة ما بين المزاد الأول والمزاد الثاني الذي كان طلب التعويض على أساس نقص الثمن فيه ، فإنها تكون قد بينت أساس التعويض المقضي به ، وهذا يكفي لسلامة الحكم . أما قيمة التعويض فمتروكة لسلطة المحكمة تقدرها على وفق ما تراه ( نقض مدني في 4 يونية سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 170 ص 473 ) . وقضت كذلك بأن التعويض يقدر بقدر الضرر ، ولئن كان هذا التقدير من المسائل الواقعية التي يستغل بها قاضي الموضوع ، فإن تعيين العناصر المكونة قانوناً للضرر والتي يجب أن تدخل في حساب التعويض من المسائل القانونية التي تهيمن عليها محكمة النقض ، لأن هذا التعيين من قبيل التكييف القانوني للواقع ( نقض مدني في 17 ابريل سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 185 ص 398 ) .
( [6] ) وقد قضت محكمة النقض بأن القول بقيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر هو من المسائل المتعلقة بالواقع . فلا يخضع قاضي الموضوع في فهمه له لرقابة محكمة النقض ، إلا أن يشوب تسبيبه عيب ( نقض مدني في 11 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 287 ص 565 ) .
( [7] ) أنظر في هذا المعنى . استئناف مختلط في 10 مارس سنة 1909 م 21 ص 246 – وفي 24 مايو سنة 1945 م 57 ص 158 . وتقضي محكمة النقض الفرنسية بترتيب الحق في التعويض من وقت الحكم ( أنظر في هذا القضاء وفي نقده مازو 3 فقرة 2253 – فقرة 2260 – وانظر في هذا المعنى أيضاً من أن الحق في التعويض لا ينشأ إلا من وقت الحكم النهائي محكمة الاستئناف الوطنية في 17 ابريل سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 107 ص 206 ) .
هذا وقد ينشأ الحق في التعويض قبل وقوع الضرر ، وذلك حالة ما إذا كان هذا الضرر مستقبلا ولكنه محقق . فقد رأينا فيما قدمناه أن الحق في التعويض ينشأ منذ وقوع الخطأ عن ضرر مستقبل محقق الوقوع .
( [8] ) استئناف مختلط في 24 يونية سنة 1930 م 42 ص 584 – وفي 7 مارس سنة 1935 م 47 ص 191 – وفي 23 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 42 – قارن استئناف مختلط في 25 ابريل سنة 1935 م 47 ص 273 .
هذا ويبقى بعد ذلك التعويض عن التأخير منذ صدور الحكم ، ويحق للمضرور أن يطالب بدعوى جديدة ، فيقضي له بالسعر القانوني للفوائد من وقت رفع الدعوى الجديدة وفقاً للقواعد العامة . وقد يطلب المضرور في الدعوى الأصلية الحكم بفوائد مع مبلغ التعويض الأصلي ، فيقضي له بالسعر القانوني للفوائد من وقت صدور الحكيم في الدعوى الأصلية ، ومن ثم لا يحتاج إلى رفع دعوى جديدة بفوائد التأخير
نقلا عن محامي أردني