الطلبات والدفوع
1 – طلبات المدعى
622 – سبب الدعوى : مهما تنوعت الطرق والوسائل ( moyens ) التي يستند إليها المدعى في تأييد طلباته ، فإن سبب ( cause ) دعواه واحد لا يتغير : إخلال المدعى عليه بمصلحة له مشروعة . وسواء كانت حجته أو دليله على هذا الإخلال خطأ عقدياً ارتكبه المدعى عليه أو خطأ تقصيرياً ، وسواء كان الخطأ التقصري خطأ ثابتا أو خطأ مفترضا ، وسواء كان الخطأ المفترض يقبل إثبات العكس أو لا يقبل ذلك ، فليست هذه كلها إلا وسائل يستند إليها المدعى في دعواه . وقد ينتقل من وسيلة إلى وسيلة ، فيستند أولاً إلى الخطأ التقصيري ، ثم يرتكه إلى الخطأ العقدي ، ثم يرجع بعد ذلك إلى الخطأ التقصيري ولكن يدعيه مفترضاً ، فهو في ذلك كله قد غير الوسائل التي يستند إليها دون أن يغير سبب دعواه .
ويترتب على ذلك أن المدعى إذا رفع دعواه مستنداً إلى النصوص الخاصة بالخطأ التقصيري الثابت ، فلا يعد طلباً جديداً في الاستئناف أن يستند إلى خطأ تقصيري مفترض أو إلى خطأ عقدي . بل يجوز للقاضي ، وقد رفعت الدعوى أمامه بالاستناد إلى الخطأ التقصيري الثابت ، أن يبني حكمه على خطأ تقصيري مفترض أو على خطأ عقدي دون أن يكون بذلك قد قضى في شيء لم تطلبه الخصوم ، فهو إنما استند إلى وسائل لم تبدها الخصوم وهذا جائز . ولكن لا يجوز للمدعى أن يغير الوسائل التي يستند إليها لأول مرة أمام محكمة النقض ، إذ لا يجوز إبداء وسائل جديدة أمام هذه المحكمة .
ويترتب كذلك على ما قدمناه أن المدعى إذا رفع دعواه مستنداً إلى الخطأ العقدي مثلا ، فرفضت الدعوى ، فإن الحكم يجوز قوة الشيء المقضى ، ولا يستطيع المدعى أن يعود إلى القضاء مستنداً إلى الخطأ التقصيري . والعكس صحيح . ذلك أن السبب لم يتغير بالانتقال من نوع من الخطأ إلى نوع آخر ، ولم تتغير كذلك الخصوم والموضوع ، وهذه هي شروط الشيء المقضى .
أما القضاء الفرنسي فقد جرى على أن المدعى لا يجوز له أن يعدل عما استندا إليه من الخطأ ، فيترك الخطأ التقصيري مثلا إلى الخطأ العقدي ، أو يترك الخطأ الثابت إلى الخطأ المفترض ، وإلا كان ذلك طلباً جديداً لا يجوز له أن يتقدم به لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ( [1] ) . كذلك إذا رفضت الدعوى على أساس نوع معين من الخطأ ، لم يجز الحكم قوة الشيء المقضى بالنسبة إلى نوع آخر ، وجاز رفع دعوى المسئولية من جديد على أساس نوع من الخطأ يختلف عن النوع الذي رفضت الدعوى على أساسه من قبل . ولا يحول دون ذلك قوة الشيء المقضى ، لأن السبب – وهو هنا نوع الخطأ – قد تغير ( [2] ) .
وقضاء محكمة النقض عندنا ، في دائرتها الجنائية ، يتفق مع القضاء الفرنسي ( [3] ) . وأما قضاؤها في الدائرة المدنية ، فعلى العكس من ذلك يتفق مع الرأي الآخر الذي قدمناه ، وهو الرأي الذي نرجحه . فقد قضت بأن الراجح في باب قوة الشيء المحكوم فيه هو اعتبار كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عن شخصه أو عن ماله قبل من أحدث الضرر أو تسبب فيه – كل ذلك هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما تنوعت أو تعددت علل التعويض أو اسبابه ، لأن ذلك جميعاً من وسائل الدفاع أو طرقه ( moyens ) . فمهما كانت طبيعة المسئولية التي بحثها القاضي في حكمها الصادر برفض دعوى التعويض ، ومهما كان النص القانوني الذي استند إليه المدعى في طلباته أو النص الذي اعتمد عليه القاضي في حكمه ، فإن هذا الحكم يمنع المضرور من إقامة دعوى تعويض أخرى على من حكم قبله برفض دعواه ، لأنه يعتبر إلا بالاقتضاء على انتفاء مسئولية المدعى عليه قبل المدعى عما اداعه عليه أياً كانت المسئولية التي أسس عليها طلبه ، عقدية أو غير عقدية أو تقصيرية ، على معنى أن كل ذلك كان من طرق الدفاع ووسائله في دعوى التعويض ، وأن لم يتناوله البحث بالفعل فيها ، ولم يكن ليبرر الحكم للمدعى على خصمه بتعويض ما ( [4] ) .
623 – موضوع الدعوى : وموضوع دعوى المسئولية هو التعويض عن الضرر ، يقدره المدعى كما يرى . ولا يجوز للقاضي أن يزيد عما طلبه المدعى وإلا قضى فيما لم يطلبه الخصوم ، ولكن يجوز له أن يقضي بأقل . كذلك لا يجوز للمدعى أن يزيد مقدار ما يطلبه من التعويض في الاستئناف لأول مرة ، لأن ذلك يعد طلباً جديداً .
ولكن كيفية التعويض قد تتغير دون أن يكون في ذلك تعديل في الطلبات . فقد يطلب المدعى مبلغاً من النقود فيحكم القاضي بإيراد مرتب ، وقد يطلب تعويضاً عينياً فيحكم له القاضي بتعويض نقدي . وقد يغير المدعى من كيفية التعويض الذي يطلبه لأول مرة في الاستئناف فيجوز ذلك ، كما لو طلب تعويضاً نقدياً أمام المحكمة الابتدائية ، ثم طلب في الاستئناف تعويضا عينياً مصحوباً بتهديد مالي .
2 – دفوع المدعى عليه ( التقادم )
624 – الدفوع : يدفع المدعى عليه دعوى المسئولية بأحد أمرين : إما أن ينكر قيام المسئولية ذاتها فيدعى أن ركنا من أركانها لم يتوافر من خطأ أو ضرر أو سببية ، وإما بأن يعترف بأن المسئولية قامت ولكنه يدعى أن الالتزام المترتب عليها قد انقضى بالوفاء أو بالمقاصة أو بالإبراء أو بالتقادم أو بغير ذلك من أسباب انقضاء الالتزام .
وفي كل ذلك تطبق القواعد العامة ( [5] ) .
625 – الدفع بالتقادم : والذي يعنينا الوقوف عنده قليلا هو التقادم . فقد أدخل القانون المدني الجديد تعديلا هاماً في هذا الصدد ، وبعد أن كانت دعوى المسئولية تتقادم كغيرها من الدعاوى بخمس عشرة سنة صارت تتقادم أيضاً بثلاث سنوات على تفصيل نورده فيما يلي :
نصت المادة 172 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
” 1 – تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه . وتسقط هذه الدعوى في كل حال ، بانقضاء خمس عشرة سنه من يوم وقع العمل غير المشروع ” .
” 2 – على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة ، وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة ، فان دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية ( [6] ) ” .
وفقاً لهذا النص يجب التمييز بين ما إذا كانت دعوى المسئولية قد قامت على خطأ مدني لا يعتبر جريمة أو كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة جنائية .
ففي الحالة الأولى تسقط دعوى المسئولية بالتقادم بأقصر المدتين الآتيتين : ( 1 ) ثلاث سنوات تنقضي من اليوم الذي علم فيه المضرور بالضرر وبالشخص أنه قد يمضي على وقوع الضرر مدة تزيد على ثلاث سنوات دون أن تتقادم دعوى المسئولية ويكفي لتحقق ذلك أن يقع الضرر دون أن يعلم به المضرور ، كما لو أوصى شخص لآخر بمال ولم يعلم الموصى له بالوصية إلا بعد موت الموصى بمدة طويلة ، وتبين أن أحد الورثة وضع يده على المال الموصى به وأتلفه منذ مدة نفرضها خمس سنوات ، ففي هذا الفرض لا يبدأ سريان التقادم إلا من اليوم الذي علم فيه الموصى له بالوصية وبمن أتلف الموصى به من الورثة ، ولا تتقادم دعواه إلا بانقضاء ثلاث سنوات من ذلك اليوم ، أي باقنضاء ثماني سنوات من وقت وقوع الضرر . وقد يعلم المضرور بوقوع الضرر ولكنه لا يعلم بالشخص المئول عنه ، كما لو اصطدم بسيارة لم يعرف سائقها ، ثم اهتدى إلى معرفته بعد سبع سنوات مثلا ، فهنا أيضاً لا تتقادم دعوى المسئولية إلا بانقضاء ثلاث سنوات من وقت علم المضرور بالشخص المسئول ، أي بانقضاء عشر سنوات من وقت وقوع الضرر . أما إذا علم المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسئول عنه في اليوم الذي وقع فيه – وهذا ما يحدث غالباً – فإن دعوى المسئولية تتقادم في هذا الفرض بانقضاء ثلاث سنوات من وقت وقوع الضرر . ( 2 ) خمس عشرة سنة من وقت وقوع الضرر . وهذا لا يتحقق إلا إذا كان المضرور لم يعلم بوقوع الضرر أو بالشخص المسئول عنه إلا بعد مدة طويلة نفرضها ثلاث عشرة سنة . ففي هذا الفرض النادر تتقادم دعوى المسئولية انقضاء خمس عشرة سنة من وقت وقوع الضرر ، لأن هذه المدة اقصر من مدة ثلاث السنوات التي تسري من وقت علم المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسئول عنه ، إذ أن هذه المدة الأخيرة عند الحساب تكون ست عشرة سنة من وقت وقوع الضرر . وقد رأينا أن القانون المدني الجديد جعل التقادم بأقصر هاتين المدتين في دعوى بطلان العقد . وسنرى أنه سار على هذا النهج في الالتزامات الناشئة عن الإثراء بلا سبب ودفع غير المستحق والفضالة ، وها نحن نراه يسير على النهج ذاته في الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع . وقد استبقى الالتزامات الناشئة عن العقد ، فجعلها لا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة ، لأنها التزامات ارادها المتعاقدان فترتبت في ذمة الملتزم بارادته هو ، وهذا بخلاف الالتزامات الأخرى فقد فرضها القانون على الملتزم .
وفي الحالة الثانية ، إذا نشأت دعوى المسئولية عن جريمة كجناية قتل مثلا ، تتقادم الدعوى في الأصل بأقصر المدتين السابقتي الذكر . فإذا فرضنا أن اقصر المدتين ثلاث سنوات أو خمس أو أية مدة أخرى تقل عن عشر سنوات ، نتج عن ذلك موقف شاذ ، إذ تكون الدعوى المدنية قد تقادمت قبل أن تتقادم الدعوى الجنائية ، فإن هذه لا تتقادم إلا بعشر سنوات ( م 15 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد ) . هذا الموقف الشاذ ، وهو سقوط الدعوى المدنية مع قيام الدعوى الجنائية ، وإيقاع عقوبة جنائية على الجاني دون التمكن من الزامه بالتعويض وهو أقل خطر امن العقوبة الجنائية ، هو الذي أراد القانون أن يتفاده . فنص على أن الدعوى المدنية لا تتقادم في هذه الحالة ، بل تبقى قائمة مع الدعوى الجنائية ، ولا تسقط إلا بسقوطها ، حتى يتمكن المضرور في الوقت الذي يعاقب فيه الجاني أن يتقاضى منه التعويض المدني . أما العكس فمستساغ : تسقط الدعوى الجنائية قبل أن تسقط الدعوى المدنية . وصورة ذلك في المثل الذي نحن بصدده إلا تعلم الورثة بقتل مورثهم إلا بعد عشر سنوات من وقوع الجناية ، فتكون الدعوى الجنائية قد سقطت بالتقادم ، ومع ذلك تبقى الدعوى المدنية إذ لم ينقض لا ثلاث سنوات من وقت العلم بالجناية وبالجاني ولا خمس عشرة سنة من وقت وقوع الجناية ( [7] ) . ومثل ذلك أيضاً أن تكون الجريمة التي نشأت عنها دعوى المسئولية مخالفة بسيطة تنقضي الدعوى الجنائية فيها بمضي ستة من يوم وقوعها ( م 15 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد ) ، فتكون الدعوى المدنية قائمة بعد سقوط الدعوى الجنائية إذ لا تسقط الدعوى الأولى بأقل من ثلاث سنوات ( [8] ) .
626 – سريان النص الجديد من حيث الزمان : ويتبين مما قدمناه أن القانون المدني الجديد قد عدل مدة التقادم في دعوى المسئولية ، فجعلها في أكثر الأحوال اقصر من المدة التي كان القانون القديم بقرارها . وقد نصت المادة الثامنة من القانون المدني الجديد على أنه ” 1 – إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم اقصر مما قرره النص التقديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ، ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك . 2 – أما إذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد ، فان التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي ” .
ونفرض ، لتطبيق هذا النص ، أن مسئولية مدنية قد تحققت في ظل القانون المدني القديم : سرقة وقعت قبل نفاذ القانون الجديد وعلم المجني عليه بالسرقة وبالسارق قبل هذا التاريخ . فإذا فرضنا أن السرقة وقعت في سنة 1941 ، فإن دعوى المسئولية في هذا الفرض إذا طبق عليها القانون القديم لا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة تسري من وقت وقوع السرقة ، فتتقادم في سنة 1956 . أما إذا طبق عليها القانون الجديد ، فإنها تتقادم بثلاث سنوات تسري من وقت العمل بالقانون الجديد ( 15 أكتوبر سنة 1949 ) ، فتتقادم في سنة 1951 . ومن ثم يكون القانون الجديد هو الذي ينطبق لأن التقادم بمقتضاه أسرع ، وإذا فرضنا أن السرقة وقعت في سنة 1936 ، فإن القانون القديم هو الذي ينطبق لأن الباقي من مدة التقادم فيه عند نفاذ القانون الجديد أقل من ثلاث سنوات ، وهي المدة التي قررها النص الجديد ، فتتقادم الدعوى في هذا الفرض في سنة 1951 .
( [1] ) فالفقهاء ورجال العمل في فرنسا ينصحون المدعى أن يستند في دعواه إلى جميع النصوص الخاصة بالمسئولية – عقدية كانت أو تقصيرية – حتى لا تفلت منه فرصة في كسب دعواه مهما كان رأي القاضي في الوسيلة التي يجب أن تستند إليها الدعوى ( أنظر في القضاء الفرنسي وفي نقده مازو 3 فقرة 2097 – فقرة 2101 ) .
( [2] ) أنظر في الموضوع مازو 3 فقرة 2102 .
( [3] ) وقد أصدرت الدائرة الجنائية لمحكمة النقض أحكاماً عدة في هذا المعنى . فقضت بأنه إذا كانت الدعويان العمومية والمدنية قد رفعنا على المتهم على أساس أنه قارف بنفسه فعل الضرب الذي وقع على عين المدعى عليه وسبب له الضرر المطلوب من اجله التعويض ، واستمر النظر فيهما على هذا الأساس طوال المحاكمة ، فإن المحكمة إذا داخلها الشك في أن المتهم ضرب المجني عليه ، ولم تر أنه قارف أية جريمة أخرى يكون من سلطتها أن تحاكمه عليها ، فبرأته لعدم ثبوت التهمة عليه ، وتبعاً لذلك رفضت الدعوى المدنية المقامة على أنه ارتكب بنفسه الفعل الضار ، تكون قد أصابت إذا لم يكن في وسعها أن تحكم بغير ما حكم به . ذلك لأن المطالبة بالتعويض على أساس المادة 151 من القانون المدني باعتبار المدعى عليه مسئولا عن فعل نفسه تختلف من حيث السبب عن المطالبة بالتعويض على أساس المادة 152 من القانون المذكور باعتبار المدعى عليه مسئولا عن فعل غيره ، وليس للمحكمة من تلقاء نفسها أن تغير السبب الذي تقام عليه الدعوى أمامها وإلا تكون قد تجاوزت سلطتها ، وحكمت بما لم يطلب منها الحكم به ( نقض جنائي في أول فبراير سنة 1943 المحماة 24 رقم 162 ص 480 ) .
وقضت أيضاً بأنه ما دامت الدعوى قد رفعت على أساس المسئولية التقصيرية ، والمدعى لم يطلب أن يقضي له فيها بالتعويض على أساس المسئولية التعاقدية – إن صح أن يطلب ذلك أمام المحكمة الجنائية – فليس للمحكمة أن تتبرع من عندها فتبني الدعوى على سبب غير الذي رفعها صاحبها به ، فإنها إذ تفعل تكون قد حكمت بما لم يطلبه منها الخصوم ، وهذا غير جائز في القانون ( نقض جنائي في 8 مارس سنة 1943 المحماة 20 رقم 45 ص 132 ) .
وقضت كذلك بأنه ما دامت الدعوى المدنية قد رفعت أمام المحكمة الجنائية ، فإن هذه المحكمة إذا انتهت إلى أن أحد المتهمين هو وحده الذي قارف الجريمة المطلوب التعويض عنها ، وأن المتهمين الآخرين أحدهما لم يقع منه سوى تقصير في الواجبات التي يفرضها عليه العقد المبرم بينه ( وهو مستخدم بينك التسليف ) وبين المدعى بالحقوق المدنية ( وهو بنك التسليف ) والآخر لم يثبت وقوع أي تقصير منه – إذا انتهت المحكمة إلى ذلك يكون متعيناً عليها إلا تقضي بالتعويض إلا على من ثبتت عليه الجريمة ، وأن تقضي برفض الدعوى بالنسبة للمتهمين الآخرين ، لأن حكمها على المتهم الذي خالف شروط العقد لا يكون إلا على أساس المسئولية التعقدية وهو غير السبب المرفوعة به الدعوى أمامها ، وهذا لا يجوز في القانون ، ولان حكمها بالتعويض على المتهم الآخر ليس له ما يبرره ما دام لم يثبت وقوع أي خطأ منه . أما القول بأن المحكمة كان عليها في هذه الحالة أن تحكم بعدم الاختصاص في الدعوى المدنية بالنسبة لهذين المتهمين أحدهما أو كليهما لا برفضها فمردود بأنه ما دامت الدعوى قد رفضت على أساس انعدام المسئولية التقصيرية ، فإن ذلك لا يمنع المدعى بالحقوق المدنية وليس من شأنه أن يمنعه من رفعها أمام المحاكم المدنية بناء على سبب آخر هو المسئولية التعاقدية ( نقض جنائي في 31 مايو سنة 1943 المحاماة 26 رقم 37 ص 81 ) .
وانظر تعليقاً على هذا الحكم للدكتور سليمان مرقص في مجلة القانون والاقتصاد 17 العدد الثاني ، وهو يعارض المبدأ الذي اخذ به الحكم ، ويؤيد الرأي الصحيح الذي أخذنا به – وانظر تعليقاً آخر له في هذا المعنى في مجلة القانون والاقتصاد 15 ص 219 – ص 238 ) .
( [4] ) نقض مدني في 5 يناير سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 154 – ص 452 .
( [5] ) وقد قمنا أن هناك دفعاً خاصا بدعوى المسئولية المدنية ، إذا رفعت أمام المحكمة المدنية ، عن جريمة رفعت الدعوى الجنائية في شأنها أمام المحكمة الجنائية . فإن الدعوى الجنائية تق من سير الدعوى المدنية حتى يفصل نهائياً في الدعوى الجنائية . وهذا ما يعبر عنه الفرنسيون بقولهم : La criminal tient le civil en etat وقد وردت هذه القاعدة في القانون الإجراءات الجنائية الجديد في المادة 265 على الوجه الآتي : ” إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية ، يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائياً بالدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها أو في أثناء السير فيها . على أنه إذا أوقف الفصل في الدعوى الجنائية لجنون المتهم يفصل في الدعوى المدنية ” .
( [6] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 240 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المصاب بحدوث الضرر وبالشخص الذي أحدثه . وتسقط الدعوى كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع . 2 – على أنه إذا كانت دعوى التعويض ناشئة عن جريمة تقرر لسقوط الدعوى الجنائية فيها مدة أطول ، فإن هذه المدة هي التي تسقط بها الدعوى المدنية ” . وفي لجنة المراجعة نوقشت المادة مناقشة طويلة ، ورأى بعض الأعضاء أنه لا توجد علاقة ما بين سقوط دعوى التعويض المدنية وسقوط الدعوى الجنائية ، ولكن الأغلبية رأت إبقاء الحكم على أصله مع تقديم الفقرة الثانية بحيث تكون استثناء لمدة الثلاث السنوات لا من مدية الخمس عشرة سنة ، وأصبح النص النهائي الذي أقرته اللجنة هو : ” 1 – تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص الذي أحدثه إلا إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة تسقط الدعوى الجنائية فيها بمدة أطول ، فإن هذه المدة هي التي تسقط بها دعوى التعويض . 2 – وتسقط دعوى التعويض في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع ” . وأصبح رقم المادة 176 في المشروع النهائي . ووافق عليها مجلس النواب . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اعترض على جعل يوم علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص الذي أحدثه بمبدأ لسريان التقادم القصير وهو ثلاث سنوات لأنه لا بد من تعيين معيار مادي ثابت لمبدأ السقوط فالمسائل القضائية يجب تحديدها بواقعة مادية ، أما العلم فقد يثير إشكالات لا تنتهي ، ولكن اللجنة تبينت أن كل التشريعات الحديثة أخذت بمبدأ المدة القصيرة للتقادم على أن يبدأ سريانها من يوم العلم بالضرر وبالشخص الذي أحدثه وبمبدأ المدة الطويلة في حالة عدم العلم . واستبدلت اللجنة عبارة ” الشخص المسئول عنه ” بعبارة ” الشخص الذي أحدثه ” ، والاستعاضة عن الشق الأخير من الفقرة الأولى بعبارة ” فإن دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى العمومية ” ، وقصد من هذا الاقتراح إلى الإبقاء على الدعوى المدنية طوال المدة التي يوقف فيها سريان تقادم الدعوى العمومية بالتحقيقي أو بالمحاكمة لأن إطلاق النص الوارد في المشروع يجعل تقادم الدعوى المدنية يتم بانقضاء المدة التي تسقط بها الدعوى العمومية دون نظر إلى وقف سريان تقادمها ، والانسب أن تبقى الدعوى المدنية ما بقى الحق في رفع الدعوى العمومية أو تحريكها أو السير فيها قائما ، والأصح كذلك أن يرد الاستثناء الخاص ببقاء الدعويين في الفقرة الثانية لأن الدعوى العمومية قد تظل باقية أحياناً مدة تجاوز الخمس عشرة سنة . وعلى ذلك عدلت المادة على الوجه الوارد في القانون الجديد وأصبح رقمها 172 . ووافق مجلس الشيوخ عليها كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 399 – 404 ) .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” استحدث المشروع في نطاق المسئولية التقصيرية تقادماً قصيراً . فقضى بسقوط دعوى التعويض الناسئة عن عمل غير مشروع بانقضاء ثلاث سنوات على غرار ما فعل فيما يتعلق بدعاوى البطلان . ويبدأ سريان هذه المدة من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بالضرر الحادث ، ويقف على شخص من احدثه . فإذا لم يعلم بالضرر الحادث ، أو لم يقف على شخص من احدثه ، فلا يبدأ سريان هذا التقادم القصير ، ولكن دعوى المضرور تسقط على أي الفروض بانقضاء خمس عشرة سنة على وقع العمل غير المشروع . وإذا كان العمل الضار يستتبع قيام دعوى جنائية إلى جانب الدعوى المدنية ، وكانت الدعوى الجنائية تتقادم بانقضاء مدة أطول ، سرت هذه المدة في شأن تقادم الدعوى المدنية . فلو حدث الضرر مثلا من جراء جناية ، كانت مدة سقوط الدعوى المدنية عشر سنوات عوضاً عن ثلاث لأن الدعوى الجنائية لا تتقادم إلا بانقضاء تلك المدة وهي أطول . وقد فرض في هذا كله أن مبدأ سريان المدة لا يختلف في الحالتين ، بيد أن الدعوى المدنية لا تسقط إلا بانقضاء خمس عشرة سنة عند جهل المضرور بالضرر الحادث أو بشخص محدثه ، وهي مدة أطول من مدة سقوط الدعوى الجنائية . وصفوة القول أن الدعوى المدنية قد تبقى قائمة بعد انقضاء الدعوى الجنائية ، ولكن ليس يقبل انقضاء الدعوى المدنية قبل انقضاء الدعوى الجنائية ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 400 ) .
( [7] ) نقض مدني في أول مايو سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 198 ص 433 .
( [8] ) وسقوط الدعوى المدنية قبيل سقوط الدعوى الجنائية أكثر احتمالا في القانون المدني الجديد ( حيث قصرت مدة التقادم ) منه في القانون المدني القديم . وهذا هو الذي جعل المشرع في القانون المدني الجديد ينص صراحة على الاحتياط الذي نحن بصدده ، حتى لا تسقط الدعوى المدنية قبل سقوط الدعوى الجنائية على النحو الذي قدمناه . أما القانون المدني القديم فلم يتضمن نصاً في هذه المسألة ، ولم يكن في حاجة كبيرة إليه ، لأن دعوى المسئولية فيه كانت لا تسقط إلا بخمس عشرة سنة ، فكان من النادر أن تسقط الدعوى المدنية قبل سقوط الدعوى الجنائية .
نقلا عن محامي أردني