( المسئولية التقصيرية )
العمل غير المشروع
( المسئولية التقصيرية )
L’ACTE ILLICITE
( La responsabilite delictuelle )
تمهيد ( * )
504 – مسائل أربع : نمهد للكلام في العلم غير المشروع ، أو المسئولية التقصيرية ، بوضع هذه المسئولية في مكانها بالنسبة إلى غيرها من أنواع المسئولية ، وتحديد دائرتها في وسط دوائر أوسع منها للمسئولية الأدبية والمسئولية الجنائية والمسئولية المدنية .
فنتكلم في مسائل أربع : ( 1 ) التمييز بين المسئولية الأدبية والمسئولية القانونية . ( 2 ) وفي المسئولية القانونية التمييز بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية . ( 3 ) وفي المسئولية المدنية التمييز بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ( 4 ) وفي المسئولية التقصيرية تطور هذه المسئولية .
* * *
1 – التمييز بين المسئولية الأدبية والمسئولية القانونية
( Distinction entre la responsabilite morale et la responsabilite legale )
505 – الفروق ما بين المسئولية الأدبية والمسئولية القانونية : المسئولية الأدبية لا تدخل في دائرة القانون ، ولا يترتب عليها جزاء قانوني ، وأمرها موكول إلى الضمير . أما المسئولية القانونية فتدخل في دائرة القانون ، ويترتب عليها جزاء قانوني .
وأهم الفروق ما بين هذين النوعين من المسئولية ثلاثة :
( 1 ) المسئولية الأدبية تقوم على أساس ذاتي محض ، فهي مسئولية أمام الله أو مسئولية أمام الضمير . أما المسئولية القانونية فيدخلها عنصر موضوعي ، وهي مسئولية شخص أمام شخص آخر .
( 2 ) ومن ثم تتحقق المسئولية الأدبية حتى لو لم يوجد ضرر ، أو وجد ولكنه نزل بالمسئول نفسه فيكون هو المسئول والمضرور في وقت واحد . بل إن هواجس النفس وخلجات الضمير قد تحقق المسئولية الأدبية ، ولو لم يكن لها مظهر خارجي . أما المسئولية القانونية فلا تتحقق إلا إذا وجد ضرر ، وأحاق هذا الضرر بشخص آخر غير المسئول .
( 3 ) وينبني على ذلك أن المسئولية الأدبية أوسع نطاقاً من المسئولية القانونية ، فهي تتصل بعلاقة الإنسان بربه ، وبعلاقته بنفسه ، وبعلاقته بغيره من الناس . أما المسئولية القانونية فلا تتصل إلا بعلاقة الإنسان بغيره من الناس .
وإذا تركنا المسئولية الأدبية ووقفنا عند المسئولية القانونية ، نراها نوعين : مسئولية جنائية ومسئولية مدنية .
2 – التمييز بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية
( Distinction entre la responsabilite penale et la responsabilite civile )
506 – الفروق ما بين الميئولية الجنائية والمسئولية المدنية : هناك فرقان جوهريان ما بين المسئوليتين الجنائية والمدنية :
( أولاً ) تقوم المسئولية الجنائية على أن هناك ضرراً أصاب المجتمع . أما المسئولية المدنية فتقوم على أن هناك ضرراً أصاب الفرد . وتترتب على ذلك النتائج الآتية : ( 1 ) جزاء المسئولية الجنائية عقوبة ، أما جزاء المسئولية المدنية فتعويض . ( 2 ) الذي يطالب بالجزاء في المسئولية الجنائية هو النيابة العامة باعتبارها ممثلة للمجتمع ، أما الذي يطالب بالجزاء في المسئولية المدنية فالمضرور نفسه لأن الجزاء حقه هو . ( 3 ) لا يجوز الصلح ولا التنازل في المسئولية الجنائية لأن الحق فيها عام للمجتمع ، ويجوز الصلح والتنازل في المسئولية المدنية لأن الحق فيها خاص للفرد . ( 4 ) لما كانت العقوبة في المسئولية الجنائية تنطوي على معنى الإيلام كان من الواجب حصر الجرائم والعقوبات ، فلا عقوبة بلا جريمة ولا جريمة بلا نص ، أما المسئولية المدنية فتترتب على أي عمل غير مشروع دون حاجة لنصوص تبين الأعمال غير المشروعة عملا عملا .
( ثانياً ) النية ركن في المسئولية الجنائية . وهنا تقترب المسئولية الجنائية من المسئولية الأدبية . ولكن إذا كان محض النية يكفي في المسئولية الأدبية ، فهو لا يكفي في المسئولية الجنائية . بل يجب أن يكون للنية مظهر خارجي يصل إلى حد معين من الجسامة : فالتصميم والأعمال التحضيرية لا عقاب عليها ، والشروع قد يعاقب ، ويعاقب الفعل التام . وإلى جانب هذا المظهر الخارجي يغلب أن تكون الجريمة الجنائية عملا يلحق الضرر بالمجتمع . بل إن جسامة الضرر قد يكون لها أثر في العقوبة ، فتشتد في الضرب الذي يفضي إلى موت أو الذي يحدث عاهة مستديمة عما هي في الضرب البسيط ، مع أن النية واحدة في هذه الأعمال . وقد تزداد أهمية الضرر إلى حد أن يجب الضرر النية ، فهناك أعمال تعد جرائم لأنها ضارة بالمجتمع سواء صحبتها النية أو لم تصحبها ، كالمخالفات التي لا تشترط فيها النية والجرائم التي يكفي فيها مجرد الإهمال . ولكن ، من جهة أخرى ، قد يكفي في المسئولية الجنائية احتمال وقوع الضرر لا وقوعه بالفعل ، كما هو الأمر فيما يسمى الآن في القانون الجنائي بالتدابير المانعة ( measures de surete ) . ومهما يكن من أمر ، فالنية في المسئولية الجنائية إذا لم تكن وحدها كافية فإن وجودها ضروري في أكثر الجرائم .
أما في المسئولية المدنية فالنية لا تشترط . وأكثر ما يكون الخطأ المدني إهمال لا عمد . وسواء كان العمل غير المشروع عمداً أو غير عمد ، فإن الضرر الذي يحدثه يجب أن يعوض كاملا دون تفريق ما بين الحالتين ، وإن كان القضاء يميل ميلا طبيعياً إلى زيادة التعويض في الفعل العمد وإلى قياس التعويض بجسامة الخطأ في الفعل غير العمد .
507 – العمل الواحد قد تترتب عليه المسئوليتان معاً وقد تترتب عليه مسئولية دون الأخرى : ويتبين مما تقدم أن قيام إحدى المسئوليتين لا يتعارض مع قيام المسئولية الأخرى . وقد يترتب على العمل الواحد مسئولية جنائية مسئولية مدنية في وقت معاً ، كالقتل والسرقة والضرب والسب والقذف . فكل عمل من هذه الأعمال يحدث ضرراً بالمجتمع وبالفرد في وقت واحد . فيكون من ارتكب هذا العمل مسئولا مسئولية جنائية جزاؤها العقوبة ، ومسئولا مسئولية مدنية جزاءها التعويض .
ولكن يصح ألا يترتب على العمل إلا إحدى المسئوليتين دون الأخرى . فتتحقق المسئولية الجنائية دون المسئولية المدنية إذا لم يلحق العمل ضرراً بأحد ، كما في بعض جرائم الشروع وجرائم أخرى كالتشرد ومخالفات المرور وحمل السلاح والاتفاق الجنائي . وتتحقق المسئولية المدنية دون المسئولية الجنائية إذا الحق العمل ضرراً بالغير دون أن يدخل ضمن الأعمال المعاقب عليها في القوانين الجنائية ، كإتلاف مال الغير عن غير عمد وإغواء امرأة غير قاصر وسوء العلاج والمنافسة غير المشروعة وفصل العامل في وقت غير لائق وجميع المسئوليات التي تقوم على خطأ مفروض ( [1] ) .
508 – الآثار التي تترتب على اجتماع المسئوليتين في عمل واحد : إذا ترتب على العمل الواحد المسئوليتان الجنائية والمدنية معاً ، أثرت المسئولية الجنائية ، وهي أقوى لأنها حق المجتمع ، في المسئولية المدنية ، وهي أضعف لأنها حق الفرد ، ويظهر ذلك فيما يأتي :
( أولاً ) التقادم : تقضي المادة 172 من القانون الجديد بأن دعوى التعويض المدنية لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية . فإذا ترتب على العمل الواحد دعويان ، الدعوى المدنية والدعوى الجنائية ، فإن عدم تقادم الدعوى الجنائية يقف تقادم الدعوى المدنية .
ويستخلص من هذا أن الدعوى الجنائية تبعث في الدعوى المدنية ، فتبقى هذه ما دامت تلك باقية . ولا عكس . فبقاء الدعوى المدنية قائمة لا يمنع من تقادم الدعوى الجنائية . وسيأتي تفصيل ذلك .
( ثانياً ) الاختصاص : إذا ترتب على العمل الواحد المسئوليتان الجنائية والمدنية ، أمكن رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية ، لأن الدعوى المدنية هي التي تتبع الدعوى الجنائية .
( ثالثاً ) وقف الدعوى : إذا ترتب على العمل الواحد المسئوليتان الجنائية والمدنية ، ورفعت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية ، فرفع الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية يقف سير الدعوى المدنية ، وعلى المحكمة المدنية أن تامر بوقف الدعوى حتى يبت في الدعوى الجنائية . ولا يجوز عندئذ الرجوع عن الطريق المدني ورفع الدعوى المدنية من جديد أمام المحكمة الجنائية . ومن ثم نرى أن الدعوى الجنائية تقف الدعوى المدنية ( Le criminal tient le civil en etat ) .
( رابعاً ) قوة الأمر المقضي : وإذا بتت المحكمة الجنائية في الدعوى بحكم ، حاز هذا الحكم قوة الأمر المقضي . وتتقيد المحكمة المدنية عندئذ بما اثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع ، دون أن تتقيد بالتكييف القانونين لهذه الوقائع ، فقد يختلف التكييف من الناحية المدنية عنه من الناحية الجنائية . وينبني على ذلك أنه إذا حكم القاضي الجنائي بالبراءة أو بالإدانة لأسباب ترجع إلى الوقائع ، بأن أثبت في حكمه أن العمل المسند إلى المتهم لم يثبت وقوعه منه أو ثبت وقوعه ، تقيد القاضي المدني بالوقائع التي أثبتها الحكم الجنائي . فلا يجوز أن يقول إن العمل قد ثبت حيث لم يثبت أو لم يثبت حيث قد ثبت ، ولكن يجوز أن يكيف الوقائع الثابتة تكييفاً مدنياً غير التكييف الجنائي . أما إذا حكم القاضي الجنائي بالبراءة لأسباب ترجع إلى التكييف القانونين ، كأن كان الإهمال الثابت صدوره من المتهم لا يصل إلى درجة الإهمال الجنائي ( [2] ) ، أو كانت الدعوى العمومية قد سقطت بموت المهم ، أو كان هناك مانع من توقيع العقوبة الجنائية لأن السارق ابن للمجني عليه أو صدر لمصلحته عفو شامل ، فإن ذلك لا يمنع القاضي المدني من الحكم بالمسئولية المدنية .
ونقف الآن عند المسئولية المدنية ، وهي أيضاً نوعان : مسئولية عقدية ومسئولية تقصيرية .
* * *
3 – التمييز بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية
( Distinction entre la responsabilite contractuelle et la responsabilite delictuelle )
509 – المسئوليتان العقدية والتقصيرية – ازدواج المسئولية أو وحدتها : المسئولية العقدية تقوم على الإخلال بالتزام عقدي يختلف باختلاف ما أشتمل عليه العقد من التزامات . والمسئولية التقصيرية تقوم على الإخلال بالتزام قانونين واحد لا يتغير هو الالتزام بعدم الأضرار بالغير . فالدائن والمدين في المسئولية العقدية كانا مرتبطين بعقد قبل تحقق المسئولية ، أما في المسئولية التقصيرية قبل أن تتحقق فقد كان المدين أجنبياً عن الدائن . مثل المسئولية العقدية أن يبرم عقد بيع ، ثم يتعرض البائع للمشتري في العين المبيعة ، فيخل بالتزامه العقدي من عدم التعرض . ومثل المسئولية التقصيرية أن تكون العين في يد مالكها ، ويتعرض لها فيها أجنبي ، فتتحقق مسئولية المتعرض ، ولكن مسئوليته هنا تقصيرية لا عقدية ، إذ هو لم يخل بالتزام عقدي يوجب عليه عدم التعرض للعين ، بل أخل بالتزام قانوني عام يفرض عليه عدم الأضرار بالغير ويدخل في هذا الغير مالك العين .
هذا كله لا خلاف فيه . وإنما الخلاف في تكييفه . فمن الفقهاء من يذهب إلى وجوب التمييز ما بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية لوجود فروق هامة بينهما تقتضي هذا التمييز ، وهؤلاء هم أنصار ازدواج المسئولية ( dualite de responsabilite ) . ومنهم من يرى إلا محل لهذا التمييز بين المسئوليتين . فإن إحداهما لا تختلف عن الأخرى في طبيعتها . وهؤلاء هم أنصار وحدة المسئولية ( unite de responsabilite ) .
510 – أنصار ازدواج المسئولية : وهلاء هم كثرة الفقهاء . يقولون إن هناك فروقاً هامة ما بين المسئوليتين العقدية والتقصيرية تقتضي وجوب التمييز بينهما حتى يطبق على : لمنهما ما يخصه من أحكام . ويجملون هذه الفروق في الوجوه الآتية :
1 –الأهلية : في المسئولية العقدية تشترط أهلية الرشد في أكثر العقود . أما في المسئولية التقصيرية فتكفي أهلية التمييز .
2 – الإثبات : في المسئولية العقدية يتحمل المدين عبء إثبات أنه قام بالتزامه العقدي بعد أن يثبت الدائن وجود العقد . أما في المسئولية التقصيرية فالدائن هو الذي يثبت أن المدين قد خرق التزامه القانونين وارتكب عملا غير مشروع .
3 – الإعذار : في المسئولية العقدية يشترط إعذار المدين إلا في حالات استثنائية . أما في المسئولية التقصيرية فلا إعذار ( [3] ) .
4 – مدى تعويض الضرر : في المسئولية العقدية لا يكون التعويض إلا عن الضرر المباشر متوقع الحصول . أما في المسئولية التقصيرية فيكون التعويض عن أي ضرر مباشر . سواء كان متوقعاً أو غير متوقع ( [4] ) .
5 – التضامن : في المسئولية العقدية لا يثبت التضامن إلا باتفاق أما في المسئولية التقصيرية فالتضامن ثابت بحكم القانون .
6 – الإعفاء الاتفاقي من المسئولية : يجوز هذا الإعفاء بوجه عام في المسئولية العقدية . ولا يجوز في المسئولية التقصيرية .
7 – التقادم : تتقادم المسئولية العقدية بخمس عشرة سنة . أما المسئولية التقصيرية فتتقادم بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة على حسب الأحوال .
511 – أنصار وحدة المسئولية : وابرز هؤلاء الأنصار الأستاذ بلانيول . وهم يقولون بألا فرق في الطبيعة ما بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية . كلتاهما جزاء لالتزام سابق : المسئولية العقدية جزاء لالتزام عقدي لم يقم به الملتزم ، والمسئولية التقصيرية جزاء لالتزام قانوني اخل به المسئول . والمدين في الحالتين تحققت مسئوليته لسبب واحد هو إخلاله بهذا الالتزام العقدي أو القانوني . فالمسئوليتان إذن تتحدان في السبب وفي النتيجة ، فتكون طبيعتهما واحدة ، ولا محل للتفريق بينهما . أما ما استظهره انصار ازدواج المسئولية من فروق ما بين المسئوليتين ، فهي فروق ظاهرية لا تثبت عند التعمق في النظر . ويستعرضون هذه الفروق على النحو الآتي :
1 – الأهلية : ليس صحيحاً أن يقال إن أهلية الرشد تشترط في المسئولية العقدية وتكفي أهلية التمييز في المسئولية التقصيرية . والصحيح إلا أهلية في كلتا المسئوليتين . إنما الأهلية في العقد دون غيره . فيشترط الرشد في أكثر العقود . إذا تم العقد صحيحاً كان على المدين أن ينفذ التزامه العقدي ، وإلا كان مسئول مسئولية عقدية . ولا يشترط في هذه المسئولية العقدية أية أهلية ، حتى لو أن المدين زالت أهليته بعد أن كان أهلاً وقت التعاقد ، بقى ملتزماً بالعقد ، وبقيت مسئوليته العقدية قائمة بعد زوال أهليته ، ولا يخليه من هذه المسئولية إلا القوة القاهرة أو نحوها . وفي المسئولية التقصيرية لا محل للكلام في الأهلية ، وليس صحيحاً أن يقال إن أهلية التمييز واجبة في هذه المسئولية . والصحيح أن المسئول يشترط لتحقق مسئوليته أن يرتكب خطأ . ونسبة الخطأ إلى المسئول تقتضي أن يكون مميزاً . فالتمييز إذن هو شرط لتحقق المسئولية ، وليس أهلية في المسئولية .
2 – الإثبات : ولا فرق بين المسئوليتين فيمن يحمل عبء الإثبات . ففي كلتيهما يحمله الدائن . يثبت في المسئولية العقدية العقد ، وهو مصدر الالتزام السابق الذي ترتب على الإخلال به تحقق المسئولية العقدية . أما في المسئولية التقصيرية فلا حاجة به إلى إثبات الالتزام القانوني بعدم الأضرار بالغير ، هو الالتزام السابق الذي ترتب على الإخلال به تحقق المسئولية التقصيرية ، لأنه التزام مقرر على الكافة فرضه القانون ، فإذا ثبت الالتزام السابق في كلتا المسئولية على هذا الوجه ، بقى إثبات الإخلال به . وهنا يحمل الدائن عبء الإثبات أو يحمله المدين ، لا تبعاً لما إذا كانت المسئولية تقصيرية أو عقدية ، بل تبعاً الما إذا كان الالتزام السابق هو التزام بعمل أو التزام بامتناع عن عمل . فالمدين هو الذي يثبت أنه قام بالعمل الذي التزم بالقيام به ، والدائن هو الذي يثبت أن المدين قد أتى العمل الذي التزام بالامتناع عنه . ففي المسئولية لعقدية إذا كان الالتزام العقدي عملا – ويدخل في ذلك نقل الحق العيني – فعلى المدين أن يثبت أنه قام به ، وهو يحمل عبء الإثبات لا لأن المسئولية عقدية بل لأن الالتزام الذي أخل به هو التزام بعمل . أما إذا كان الالتزام امتناعاً عن عمل ، فالدائن هو الذي يثبت أن المدين قد أخل بالتزامه وكذلك الحال في المسئولية التقصيرية . ولكن لما كان الالتزام القانوني السابق في هذه المسئولية دائما ًهو الالتزام بالامتناع عن عمل – عدم الأضرار بالغير – فالدائن إذن هو الذي يثبت في المسئولية التقصيرية أن المدين قد أخل بالتزامه وأحدث الضرر بخطأه ولكن ليس ذلك لأن المسئولية تقصيرية ، بل لأن الالتزام الذي أخل به المدين هو التزام بالامتناع عن عمل . ومن هنا يتبين أن عبء الإثبات في المسئولية العقدية يحمله المدين تارة وطوراً يحمله الدائن تبعاً لما إذا كان الالتزام العقدي السابق هو التزام إيجابي أو التزام سلبي ، وعبء الإثبات في المسئولية التقصيرية يحمله الدائن في جميع الأحوال لأن الالتزام القانوني السابق هو دائماً التزام سلبي . فالعبرة إذن فيمن يحمل عبء الإثبات ، لا بنوع المسئولية هل هي عقدية أو تقصيرية ، بل بالالتزام السابق هل هو إيجابي أو سلبي .
3 – الإعذار : وليس صحيحاً أن الإعذار يشترط في المسئولية العقدية دون المسئولية التقصيرية . فالإعذار لا يشترط في الالتزامات السلبية إذا أخل بها المدين ، سواء كانت المسئولية عقدية أو تقصيرية . ولما كان الالتزام في المسئولية التقصيرية هو دائماً التزام سلبي ، لذلك لا يشترط الإعذار . وهو أيضاً لا يشترط في المسئولية العقدية إذا كان الالتزام العقدي التزاماً سلبياً كما هو معروف . فالعبرة هنا أيضاً بما إذا كان الالتزام ايجابياً أو سلبياً ، لا بما إذا كانت المسئولية عقدية أو تقصيرية .
4 – مدى تعويض الضرر : والسبب في أن التعويض في المسئولية العقدية لا يتناول الضرر غير المتوقع ولو كان مباشراً أن هذا الضرر لم يدخل في حساب المتعاقدين لأنهما لم يكونا يتوقعانه .
5 – التضامن : والسبب في أن التضامن يثبت بمقتضى القانون في المسئولية التقصيرية أن الخطأ هو السبب في الضرر ، فإذا ارتكب الخطأ اثنان كان خطا كل منهما هو السبب في الضرر فوجب عليه التعويض كاملا ، ومن ثم قام التضامن .
6 – الإعفاء الاتفاقي من المسئولية : والسبب في أن هذا الإعفاء لا يجوز في المسئولية التقصيرية أن القانون هو الذي قرر أحكام هذه المسئولية ، فهي من النظام العام .
7 – التقادم : وإذا كانت المسئولية التقصيرية تتقادم بثلاث سنوات في بعض الأحوال ، فهذا أمر لا يرجع إلى طبيعة المسئولية ، بل أن المشرع قرر ذلك لحكمة ارتآها هو ، وقد لا يرتئيها مشرع آخر . وكان القانون القديم يجعل مدة التقادم في المسئولية التقصيرية خمس عشرة سنة كما في المسئولية العقدية .
512 – الوضع الصحيح للمسالة – وجوب التمييز بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية : لا شك في أن المسئوليتين العقدية والتقصيرية تقومان على مبدأ واحد . فكلتاهما جزاء للإخلال بالتزام السابق . ولا فرق بينهما في هذه الناحية ، لا من حيث الأهلية ولا من حيث الإثبات ولا من حيث الإعذار . وقد استطاع أنصار وحدة المسئولية أن يثبتوا ذلك . فالأهلية لا تكون إلا في العقد ، ولا محل للكلام فيها لا في المسئولية العقدية ولا في المسئولية التقصيرية ، وعبء الإثبات وضرورة الإعذار العبرة فيهما لا بأن المسئولية عقدية أو تقصيرية ، بل بأن الالتزام السابق إيجابي أو سلبي .
ولكن إلى هنا تتفق المسئوليتان . وهما تختلفان بعد ذلك . تختلفان في أن الالتزام السابق الذي ترتب على الإخلال به تحقق المسئولية هو التزام عقدي في المسئولية العقدية ، وهو التزام قانوني في المسئولية التقصيرية . وهذا الاختلاف تترتب عليه فروق جوهرية لا فروق عرضية .
ففي المسئولية العقدية الدائن والمدين هما اللذان بإرادتهما أنشآ هذا الالتزام السابق وحددا مداه . ومن ثم رسما مدى التعويض عن الضرر ، فلم يدخل في حسابهما الضرر غير المتوقع ، ولم تنصرف إرادتهما إلى التعويض عنه ، فلا تعويض . ومن كانت إرادة المتعاقدين ، إذا تعدد المدين هي التي تحدد مدى اشتراك كل مدين في المسئولية ، والأصل ألا تضامن بين المدينين ، فإذا أريد التضامن وجب أن تتجه إرادة المتعاقدين إلى اشتراطه . ومن ثم جاز للمتعاقدين ، وهما اللذان بارادتهما حددا مدى الالتزام ، أن يتراضيا على الإعفاء منه في حالات معينة . ومن ثم أخيراً لا يتقادم الالتزام ، وهما اللذان ارتضياه ، إلا بمدة طويلة هي خمس عشرة سنة .
ولا كذلك في المسئولية التقصيرية . فإن الالتزام الذي ترتب على الإخلال به تحقق هذه المسئولية هو التزام قانوني ، أي التزام القانون هو الذي أنشأه وحدد مداه ، ولم تدخل إرادة الطرفين في شيء من ذلك . ومن ثم وجب التعويض عن كل الضرر ، سواء توقعه الطرفان أو لم يتوقعاه ، ما دام مباشراً ، لأن هذا هو الأصل في التعويض . ولم تتدخل إرادة الطرفين لتوقي التعويض عن الضرر غير المتوقع . ومن ثم إذا اشترك أكثر من واحد في إحداث الضرر ، كان كل منهم متسبباً فيه ، ووجب عليه التعويض كاملاً ، ومن هنا قام التضامن . ومن ثم لا يجوز للطرفين أن يتراضيا على الإعفاء من المسئولية التقصيرية ، فإن الالتزام الذي اخل به المدين هو التزام فرضه القانون ، ولا دخل فيه لإرادة الطرفين ، فالقانون هو الذي يعفي منه في الحالات التي ينص عليها . ومن ثم رأى المشرع في المسئولية التقصيرية ، والالتزام مفروض على المدين دون أن يرتضيه ، أن يكون التقادم بمدة اقصر من مدة التقادم في المسئولية العقدية وفيها ارتضى المدين الالتزام عن طواعية واختيار ولم يفرضه عليه القانون فرضاً .
إذن توجد فروق جوهرية بين المسئولية العقدية ، والمسئولية التقصيرية ، ترجع إلى طبيعة كل من المسئوليتين . فالمسئولية العقدية جزاء للإخلال بالتزام عقدي ، والطبيعة العقدية لهذا الالتزام هي التي أملت الحلول العملية التي تتفق معها . والمسئولية التقصيرية جزاء للإخلال بالتزام قانونين ، وطبيعة هذا الالتزام هي التي أملت الحلول العملية التي تلائمها والتي تخالف الحلول العملية الأولى . فلا بد إذن من التمييز بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ، لأن التمييز بينهما تتطلبه طبيعة كل منهما ، وتترتب عليه فروق جوهرية فيما بينهما ، هي التي ذكرناها فيما تقدم ( [5] ) .
513 – تحديد نطاق كل من المسئوليتين : أما وقد وجب التمييز بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ، وثبت أن هناك فروقاً جوهرية بينهما ، فإنه يتعين أن نحدد نطاق كل منهما ، حتى ترتيب على كل مسئولية ما يتعلق بها من الأحكام .
نطاق المسئولية التقصيرية حدوده واضحة . فإن هذه المسئولية تتحقق حيث يرتكب شخص خطأ يصيب الغير بضرر . فالدائن المضرور هنا أجنبي عن المدين ، لا يرتبط بعقد معه .
أما المسئولية العقدية فيحدد نطاقها شرطان : أولهما أن يقوم عقد صحيح ما بين الدائن والمدين ، والثاني أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن قد وقع بسبب عدم تنفيذ هذا العقد . ونبحث كلا من الشرطين .
فالشرط الأول هو أن يقوم عقد صحيح ما بين الدائن والمدين . فإذا لم يكن هناك عقد أصلاً ، ولو وجدت شبهة عقد ، فالمسئولية لا تكون عقدية . مثل ذلك أن يدعو صديق صديقه للركوب معه في عربته مجاملة ( [6] ) ، أو بدعوه للغذاء أو للسهرة ، أو يخطب رجل امرأة ، فلا عقد في مثل هذه الأحوال ، والمسئولية لا تكون إلا تقصيرية بأن يثبت المضرور أن هناك خطأ ارتكبه المسئول ، كأن يرتكب الصديق خطأ في قيادة العربة ، أو يتعمد الإخلال بالدعوة إضراراً بصديقه ، أو يعدل الخاطب عن الزواج إضراراً بخطيبته فإذا قام عقد بين الدائن والمدين أمكن أن تتحقق المسئولية العقدية . ولكن المدة السابقة على تكوين العقد لا يتحقق فيها إلا مسئولية تقصيرية ، كما هي الحال في نظرية الخطأ عند تكوين العقد وقد مر بيانها ، وكما في قطع المفاوضات للتعاقد في وقت غير لائق ، وكما في رفض شخص للتعاقد بعد أن دعا هو إليه . كذلك المدة التالية لانقضاء العقد لا تتحقق فيها إلا مسئولية تقصيرية ، كما إذا دخل مهندس في خدمة مصنع واطلع على أسراره ولما انقضى عقد خدمته دخل في خدمة مصنع منافس وأفضى بالأسرار التي وقف عليها في المصنع الأول – ويجب أن يكون العقد القائم بين الدائن والمدين عقداً صحيحاً ، فإن كان باطلا أو قابلا للإبطال فالمسئولية العقدية لا تتحقق . وقد ورد تطبيق لهذا الحكم في المادة 119 من القانون المدني الجديد ، وهي تقضي بأنه ” يجوز لناقص الأهلية أن يطلب أبطال العقد ، وهذا مع عدم الإخلال بإلزامه بالتعويض ، إذا لجأ إلى طرق احتيالية ليخفي نقص أهليته ” . ففي هذه الحالة ، بعد أن يبطل ناقص الأهلية العقد ، يكون مسئولا مسئولية تقصيرية عن استعماله للطرق الاحتيالية التي قادت إلى التعاقد – والمسئولية العقدية لا تتحقق إلا فيما بين الدائن والمدين اللذين يربطهما العقد . فإذا دفع أجنبي أحد المتعاقدين على أن يخل بتعاقده ، كصاحب مصنع يحرض مستخدماً في مصنع آخر على الخروج من هذا المصنع قبل انتهاء عقد الاستخدام للدخول في خدمة المصنع الأول ، تحققت المسئولية العقدية فيما بين صاحب المصنع الثاني والمستخدم لارتباطهما بالعقد ، ولكن لا تتحقق إلا مسئولية تقصيرية فيما بين صاحب المصنع الثاني وصاحب المصنع الأول ، لأن هذا لم يرتبط بعقد الاستخدام . وإذا أمن شخص على مسئوليته ثم تحققت هذه المسئولية ، فإن مسئولية شركة التأمين نحو المؤمن له تكون مسئولية عقدية لارتباطهما بعقد التأمين ، ولكن مسئولية المؤمن له نحو المصاب تكون مسئولية تقصيرية لأن عند التأمين لم يكن المصاب طرفاً فيه . أما إذا اشترط المؤمن له في عقد التامين لمصلحة المصاب ، فإن شركة التامين تكون مسئولة نحو المصاب مسئولية عقدية دون أن يكون المصاب طرفاً في عقد التأمين ، ويعد هذا استثناء من القاعدة إلى تقضي بان المسئولية العقدية لا تتحقق إلا فيما بين طرفي العقد ، نزولا على أحكام الاشتراط لمصلحة الغير .
والشرط الثاني أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن قد وقع بسبب عدم تنفيذ العقد . فإذا كان الضرر قد حدث من عمل لا يعتبر عدم تنفيذ للعقد ، فإن المسئولية العقدية لا تتحقق ، بل تتحقق المسئولية التقصيرية . مثل ذلك الهبة ، فإن الواهب لا يضمن خلو الشيء الموهوب من العيب إلا إذا تعدم إخفاء العيب أو ضمنه ، فإن كان الشيء الموهوب معيباً ولم يضمن الواهب العيب ولم يتعمد إخفاءه ، وتسبب عن العيب ضرر للموهوب له ، فإن مسئولية الواهب تكون هنا مسئولية تقصيرية ، ويكون على الموهوب له أن يثبت خطأ في جانب الواهب . أما إذا وقع الضرر بسبب عدم تنفيذ العقد فإن المسئولية العقدية تتحقق ، كما إذا امتنع البائع عن تسليم المبيع إلى المشتري بالرغم من إعذاره وهلك المبيع في يد البائع . ومن ثم وجب تحديد الالتزامات التي تنشأ من العقد حتى يعد عدم تنفيذها سبباً لتحقق المسئولية العقدية . وهناك عقود يصعب فيها تحديد هذه الالتزامات ( [7] ) . ويرجع في التحديد إلى نية المتعاقدين الصريحة أو الضمنية . وعلى القاضي أن يكشف عن هذه النية بطرق التفسير المعتادة ( [8] ) .
514 – عدم جواز الجمع ما بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية : بعد أن بينا وجوب التمييز بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ، وحددنا نطاق كل من المسئوليتين ، وجب أن نواجه فرضاً يتحقق في كثيرة عمل الأحيان ، وهو أن يتوافر في العمل الواحد شروط المسئولية العقدية وشروط المسئولية التقصيرية في وقت معاً . ويعرض في صدد هذا الفرض سؤال أول لا يحوم أي شك في الجواب عليه ، هو هل يجوز للدائن الذي أصابه الضرر بسبب هذا العمل أن يجمع بين المسئوليتين في الرجوع على المدين ؟
لا شك في أن الدائن لا يجوز له الجمع بين المسئوليتين في الرجوع على المدين ، إذ الجمع ، بأي معنى فهم هذا اللفظ ، غير مستساغ .
قد يفهم الجمع بمعنى أن الدائن يطالب بتعويضين . تعويض عن المسئولية العقدية وآخر عن المسئولين التقصيرية . وهذا غير مستساغ ، لأن الضرر الواحد لا يجوز تعويضه مرتين .
وقد يفهم الجمع بمعنى أن الدائن يطالب بتعويض واحد ، ولكن يجمع في دعوى التعويض بين ما يختاره من خصائص المسئولية العقدية ، كأن يطالب المدين بإثبات أنه قام بتنفيذ التزامه ، ومن خصائص المسئولية التقصيرية ، كأن يطالب المدين بتعويض عن الضرر غير المتوقع أن يتمسك ببطلان الإعفاء الاتفاقي من المسئولية . وهذا أيضاً غير مستساغ . فإن كلا من دعوى التعويض العقدية ودعوى التعويض التقصيرية لها خصائصها . والدائن لا يستطيع أن يرفع إلا إحدى الدعويين . أما الدعوى التي يخلط فيها ما بين خصائص كلتا الدعويين فهي ليست بالدعوى العقدية ولا بالدعوى التقصيرية ، بل هي دعوى ثالثة لا يعرفها القانون .
وقد يفهم الجمع بمعنى ثالث ، هو أن الدائن إذا رفع إحدى الدعويين فخسرها يستطيع أن يرفع الدعوى الأخرى . ولكن الفقه – بخلاف القضاء الفرنسي – مجمع على أن قوة الشيء المقضي يحول دون ذلك . فلا يسوغ الجمع حتى بهذا المعنى ( [9] ) .
515 – عدم جواز الخيرة ما بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية : الجمع إذن غير مستساغ في أي معنى من معانيه . ومن ثم نرى عدم الدقة في التعبير عندما يقال هل يجوز الجمع بين المسئوليتين أو لا يجوز ؟ فهذا السؤال لا يحتمل الجواب عليه شكا ، إذا الجمع قطعاً لا يجوز . ولكن الشك يقوم إذا أبدل بلفظ ” الجمع ” ( cumul ) لفظ ” الخيرة ” ( option ) ، فقيل هل تجوز الخيرة بين المسئوليتين ؟ ويراد بهذا أن يقال هل يجوز للدائن أن يختار الدعوى التي يراها أصلح ، على أنه إذا اختار أصلح الدعويين تقيد بها ، فلا يلجأ إلى الدعوى الأخرى حتى لو خسر الدعوى التي اختارها ؟ وهذا هو الذي تقصد إليه جمهورة الفقهاء عندما يقولون في غير دقة هل يجوز الجمع ما بين الدعويين . والاجابة على هذا السؤال في وضعه الصحيح تقسم كلا من الفقه والقضاء إلى فريقين متعارضين ، ففريق يقول إن للدائن أن يختار بين الدعويين ، وفريق آخر يذهب إلى أن دعوى المسئولية العقدية تجب دعوى المسئولية التقصيرية فلا يصح للدائن أن يرفع غير دعوى المسئولية العقدية ، ويمتنع عليه أن يرفع دعوى المسئولية التقصيرية . ونستعرض كلا من الرأيين .
أما الذين يجعلون للدائن الخيرة فيقولون إن شروط كل من الدعويين قد توافرت ، ومنطق القانون يقضي بأن الدعوى متى توافرت شروطها جاز أن ترفع . وهنا قد توافرت كذلك شروط دعوى المسئولية التقصيرية ، فلا شيء يمنع الدائن من رفعها إذا أثرها على الدعوى الأولى .
وأما الذين يقصرون الدائن على دعوى المسئولية العقدية فيقولون إن الدائن لا يعرف المدين إلا من طريق العقد . فكل علاقة تقوم بينهما بسبب هذا العقد وجب أن يحكمها العقد والعقد وحده . فإذا أخل المدين بالتزامه العقدي لم يكن أمام الدائن إلا دعوى المسئولية العقدية ، وليس له الرجوع بدعوى المسئولية التقصيرية .
ولا شك في أن الأخذ برأي دون آخر من هذين الرأيين تترتب عليه نتائج عملية هامة تتمشى مع وجوه التمييز ما بين المسئوليتين فيما قدمنا . ومن وجوه التمييز هذه الإثبات . فإذا جاز للدائن أن يختار وكانت المسئولية التقصيرية قائمة على خطأ مفروض ، اختارها الدائن لينتقل عبء الإثبات إلى المدين ، ولو أن الدائن قصر على المسئولية العقدية لكان هو المكلف بإثبات أن المدين قد أخل بالتزامه إذا كان التزاماً بعناية . ومن وجوه التمييز أيضاً الإعفاء الاتفاقي من المسئولية . فإذا تعاقد عميل مع أمين النقل وكان في عقد النقل اتفاق على الإعفاء من المسئولية أو على التخفيف منها ، ثم اصيب العميل اصابة تدخل في حدود هذا الاتفاق ، وكان له أن يختار بين المسئوليتين ، لاختار المسئولية التقصيرية إذ لا يجوز فيها الاتفاق على الإعفاء أو التخفيف ، ولو قصر على المسئولية العقدية لاندفعت هذه المسئولية أو خففت بفضل الاتفاق الذي تم على ذلك . وإلى جانب هذين الوجهين توجد الوجوه الأخرى التي قدمناها في التمييز ما بين المسئوليتين . ففي دعوى المسئولية العقدية لا يكون التضامن إلا باتفاق ، أما في دعوى المسئولية التقصيرية فإن التضامن يقوم بحكم القانون . فإذا كان للدائن أن يختار ، ولم يكن هناك اتفاق على التضامن ، فقد يختار المسئولية التقصيرية ابتغاء أن يجري التضامن بين المدينين ، أما إذا قصر على المسئولية العقدية فلا تضامن . وفي دعوى المسئولية العقدية لا يعوض المدين إلا عن الضرر المتوقع ، أما في دعوى المسئولية التقصيرية فيعوض عن أي ضرر مباشر ولو كان غير متوقع . فهنا أيضاً تكون الخيرة نافعة للدائن ، إذ يستطيع أن ينتقل من المسئولية العقدية إلى المسئولية التقصيرية فينال تعويضاً كاملاً عن الضرر المباشر . ودعوى المسئولية العقدية تتقادم عادة بخمس عشرة سنة ، أما دعوى المسئولية التقصيرية فتتقادم بثلاث سنوات . وهنا الخيرة لا تنفع الدائن ، فدعوى المسئولية العقدية إذا قصر عليها أفضل له من دعوى المسئولية التقصيرية .
ومهما يكن من انقسام الفقه والقضاء ، في فرنسا وفي مصر ( [10] ) ، في هذه المسألة الهامة . ، فنحن نأخذ بالرأي الذي يقول بالأخيرة للدائن ، وليس له إلا دعوى المسئولية العقدية . ذلك أن الالتزام العقدي الذي صار المدين مسئولا عن تنفيذه . لم يكن قبل العقد التزاماً في ذمته . فلو فرض أنه قبل إبرام العقد لم يقم به ، لم يكن مسئولا عن ذلك ، لا مسئولية عقدية لأن العقد لما يبرم ، ولا مسئولية تقصيرية إذ لا خطأ في عدم قيامه بأمر لم يلتزم به . فإذا أبرم العقد ، قام الالتزام في الحدود التي رسمها هذا العقد ، وهي حدود لا تترتب عليها إلا المسئولية العقدية . وليس للدائن أن يلجأ إلى المسئولية التقصيرية ، إذ هي تفترض أن المدين قد أخل بالتزام فرضه القانون ، والالتزام في حالتنا هذه لا مصدر له غير العقد . ويتبين من ذلك أن الخيرة لا تكون إلا في التزام فرصه العقد والقانون معاً . فأمين النقل إذا سرق البضاعة التي ينقلها يكون قد أخل بالتزامه العقدي الناشيء من عقد النقل ، فتتحقق مسئوليته العقدية . ويكون في الوقت ذاته قد أخل بالتزامه القانوني الذي يحرم عليه السرقة حتى لو لم يوجد عقد النقل . فتتحقق مسئوليته التقصيرية . وللدائن أن يختار بين هاتين المسئوليتين .
وقد يبدو أن القول بعدم جواز الخبرة يضيع على الدائن في بعض الحالات حقه العادل في التعويض . فشرط الإعفاء من المسئولية الذي تتضمنه عادة عقود النقل كاف لدفع المسئولية العقدية ، وقيام هذه المسئولية كاف يدوره لمنع المسئولية التقصيرية . فلا يستطيع الدائن الرجوع بالمسئولية العقدية لوجود شرط الإعناء ، ولا بالمسئولية التقصيرية لوجود عقد النقل . ولكن هذه النتيجة هي التي أرادها المتعاقدان . وما لم يكن عقد النقل عقد إذعان – كما هو الغالب – حيث يعتبر شرط الإعفاء شرطاً تعسفياً يجوز للقاضي إلغاؤه أو تعديله ، فإنه يجب النزول على إرادة المتعاقدين ( [11] ) .
4 – تطور المسئولية التقصيرية
516 – تاريخ هذا التطور هو توسع مستمر في المسئولية التقصيرية : ونقل الآن عند المسئولية التقصيرية ، بعد أن ميزناها عن غيرها من أنواع المسئولية فيما تقدم . ونستعرض في إيجاز تاريخ تطورها .
ويمكن القول بوجه عام إن تاريخ تطور المسئولية التقصيرية هو تاريخ توسع مستمر في هذه المسئولية .
فمن حالات معينة محدودة لا تتحقق المسئولية إلا فيها ، إلى توسع تدريجي في هذه الحالات ، إلى شمول وصل بالمسئولية التقصيرية إلى أن تكون قاعدة عامة . وهذا ما وصل إليه التطور في القانون الفرنسي القديم ، وانتقل منه إلى التقنين الفرنسي في سنة 1804 .
ومنذ التقنين الفرنسي أخذت القاعدة العامة ذاتها تتطور . فهي قد قامت على فكرة جوهرية هي فكرة الخطأ ( faute ) . ثم أخذت هذه الفكرة تتقلص . فبعد أن كان الخطأ لا بد من إثباته ، قامت حالات صار الخطأ فيها مفروضاً . وها نحن نشهد في الوقت الحاضر فكرة تحمل التسعة ( risqué ) تقوم إلى جانب فكرة الخطأ ثابتاً كان أو مفروضاً .
فنستعرض هذا التطور ، منذ القانون الروماني إلى عصرنا الحاضر ، استعراضاً سريعاً .
517 – القانون الروماني : تتميز نظرية المسئولية التقصيرية في القانون الروماني بخصائص ثلاث :
أولاً – لم تكن هناك قاعدة عامة تقرر أن كل خطأ ينشأ عنه ضرر يوجب التعويض . بل كانت هناك أعمال معينة تحددها النصوص القانونية هي وحدها التي ترتب المسئولية ، ذلك أن المسئولية التقصيرية كانت في القديم متروكة إلى الأخذ بالثأر ، ثم انتقلت إلى الدية الاختيارية ، ثم إلى الدية الاجبارية ، ثم إلى العقوبة منذ استقر تدخل الدولة لإقرار الأمن والنظام . ومن ثم كانت الأعمال التي تستوجب تدخل الدولة محدودة محصورة لا تنتظمها قاعدة عامة . على أن هذه الأعمال اخذ عددها يزيد بالتدريج في خلال القرون ، وأخذ كل عمل يتسع تطاقه . وأهم مثل لذلك الجريمة التي كان قانون أكيليا ( Aquilia ) ينص عليها . فقد كانت هذه الجريمة محدودة تحديداً ضيقاً ، فلا تشتمل إلا بعض أنواع التلف التي تقع على بعض الأشياء . ثم اتسع نطاقها بالتدريج حتى شمل كل أنواع التلف وحتى عم جميع الأشياء ، على أن يكون كل من العمل والتلف مادياً وأن يكون الشيء الذي يقع عليه التلف مادياً وأن يقع التلف على ذات الشيء ( corpore corpori ) . فإذا كان العمل الذي وقع على الشيء غير مادي ، كإحداث صوت ينذعر من سماعه حيوان فيجفل ، أو وقع عمل مادي على الشيء ولكن لم يصبه يتلف مادي ، كإطلاق حيوان من عقاله فيهرب ، كانت شروط الجريمة غير متوافرة ، ثم تحللت الجريمة من هذه القيود المادية ، ولكن بقيت شروط أخرى ، ولم يصل الرومان إلى التعميم الكامل . وتلى هذه الجريمة في التعميم جريمة الغش ( dol ) . وتلى ذلك أعمال ألحقت بالجرائم ( quasi – delits ) فأصبحت ترتب المسئولية على غرارها . ولكن الرومان لم يصلوا في وقت ما إلى وضع قاعدة عامة تجعل كل خطأ يحدث ضرراً يوبج التعويض .
ثانياً – ولم يكن جزاء هذه الأعمال المحددة التي ترتب المسئولية تتمحض تعويضاً مدنياً . بل إن فكرة العقوبة الجنائية بقيت تتخلل فكرة التعويض المدني كأثر من آثار الماضي وقت الأخذ بالثأر ودفع الدية .
ثالثاً – ولم تظهر فكرة الخطأ كأساس للمسئولية إلا بالتدريج . فلم يكن الخطأ في بادئ الأمر مشترطاً ، بل كان الضرر هو الشرط البارز . ثم أخذت فكرة الخطأ تظهر شيئاً فشيئاً . أما في الأعمال التدليسية أي الغش فإن فكرة الخطأ ظهرت بوضوح حتى استغرقت فكرة الضرر .
518 – القانون الفرنسي القديم : يرجع إلى القانون الفرنسي القديم ، في تطوراته المتعاقبة وتحت تأثير القانون الكنسي ، الفضل في تمييز المسئولية المدنية عن المسئولية الجنائية ، ثم في تمييز المسئولية التقصيرية عن المسئولية العقدية . والغريب أن فقهاء القانون الفرنسي القديم فعلوا ذلك ، في بعض منه ، عن طريق تفسير القانون الروماني تفسيراً خاطئاً . فإن هذا القانون لم يصل في أبعد مدى من تطوره إلى هذا التمييز على نحو واضح . ونستعرض الخصائص الثلاث التي أثبتتاها للقانون الروماني لنرى ماذا صارت إليه في القانون الفرنسي القديم .
أولاً – انتهت القاعد العامة في المسئولية التقصيرية إلى أن توضع وضعاً واضحاً صريحاً وضعها دوما ( Domat ) اكبر فقيه في القانون الفرنسي القديم ، في كتابه المعروف ” القوانين المدنية ” ( Lois civiles ) على النحو الآتي : ” كل الخسائر والاضرار التي تقع بفعل شخص ، سواء رجع هذا الفعل إلى عدم التبصر أو الخفة أو الجهل بما تنبغي معرفته أو أي خطأ مماثل ، مهما كان هذا الخطأ بسيطاً ، يجب أن يقوم بالتعويض عنها من كان عدم تبصره أو خطأه سبباً في وقوعها ” ( [12] ) .
ثانياً – وتمحض جزاء المسئولية تعويضاً مدنياً لا تتخلله فكرة العقوبة الجنائية ، على الأقل فيما يتعلق بالضرر الذي يقع على المال . أما الضرر الذي يقع على النفس أو الشرف فبقى الجزاء عليه يحمل أثراً من فكرة العقوبة ، يتمثل في أن دعوى التعويض تنتقل بعد موت الدائن لا إلى ورثته بل إلى أقاربه الأدنين إذ هم أصحاب الثأر .
ثالثاً – وظهرت فكرة الخطأ واضحة وضوحاً تاماً كأساس للمسئولية التقصيرية . بل إن الخطأ العقدي ميز تمييزاً واضحاً عن الخطأ التقصيري وعن الخطأ الجنائي كما تقدم القول : وهذا ما يقوله دوما في هذا الصدد : ” يمكن التمييز ، في الخطأ الذي يكون من شأنها أن يحدث ضرراً ، بين أنواع ثلاثة : خطأ يتعلق بجناية أو بجنحة – وخطا يرتكبه الشخص الذي يخل بالتزاماته العقدية ، كما إذا لم يسلم البائع الشيء المبيع أو لم يقم المستأجر بالترميمات التي التزم بها – وخطأ لا علاقة له بالعقود ولا يتصل بجناية أو بجنحة ، كما إذا ألقى شخص عن رعونة شيئاً من النافذة فأتلفت ملابس ( أحد المارة ) ، وكما إذا أحدث حيوان ضرراً وكانت حراسته غير محكمة ، وكما إذا اشعل شخص حريقاً عن تقصير منه ، وكما إذا آل بناء إلى السقوط بسبب عدم ترميمه فوقع على بناء آخر وأحدث به ضرراً ( [13] ) ” .
519 – التقنين المدني الفرنسي : وقد ظهرت هذه الخصائص الثلاث بوضوح في التقنين المدني الفرنسي . فقد صارت المسئولية التقصيرية في هذا التقنين قاعدة عامة ، وتميزت عن المسئولية الجنائية ، وقامت على أساس الخطأ .
وقد نصت المادة 1382 من هذا التقنين على أن ” كل عمل أياً كان يوقع ضرراً بالغير يلزم من وقع بخطأه هذا الضرر أن يقوم بتعويضه ” . ثم نصت المادة 1383 على ما يأتي : ” كل شخص يكون مسئولا عن الضرر الذي يحدثه لا بفعله فحسب ، بل أيضاً بإهماله أو بعدم تبصره ” . ويبدو أن واضعي التقنين الفرنسي قصدوا النص على الأعمال العمدية في المادة 1382 ، وخصصوا المادة 1383 للأعمال غير العمدية من إهمال أو عدم تبصر . ولكن نص المادة 1382 فيما ورد به من عموم لا يحتمل هذا التحديد ، بل هو شامل لجميع الأخطاء التي تترتب عليها المسئولية التقصيرية ، عمدية كانت أو غير عمدية .
ثم انتقل واضعوا التقنين الفرنسي من المسئولية الشخصية إلى المسئولية عن الأشخاص وعن الأشياء . وهذه أيضاً أقاموها على فكرة الخطأ . فنصت المواد 1384 – 1386 على المسئولية عن الأولاد والتلاميذ وصبيان الحرفة ، ومسئولية المتبوع عن التابع ، والمسئولية عن الحيوان ، والمسئولية عن البناء . وفي كل هذه النصوص لم يرد واضعوا التقنين الفرنسي أكثر من تطبيق مبدأ الخطأ على حالات معينة ، هي الحالات التي يسال فيها الشخص لا عن عمل صدر منه شخصيا ، بل عن عمل أتى به آخر في رقابته أو حدث من شيء تحت يده . ولكن مسئوليته في كل هذه الحالات تقوم على خطا منسوب إليه شخصاً ، فقد قصر في رقابة الغير أو أهمل في حراسة الشيء .
520 – تطور المسئولية التقصيرية منذ التقنين المدني الفرنسي – نظرية تحمل التبعة ( risqué ) : وقد تطورت المسئولية التقصيرية منذ صدور التقنين الفرنسي تطوراً عميقاً . ودار تطورها حول فكرة الخطأ . فأخذت هذه الفكرة تضعف شيئاً فشيئاً حتى كادت تختفى في بعض الحالات ، تارة تحت ستار الخطأ المفروض فرضاً قابلاً لإثبات العكس ، وطوراً تحت ستار الخطأ المفروض فرضاً لا يقبل إثبات العكس ، بل حتى اختفت تماماً وأخلت مكانها لنظرية تحمل التبعة ( risqué ) . وكان الفقه هو الرائد لهذا التطور ، أمسك زمامه في يده ، وسبق إليه القضاء . وسار القضاء وراء الفقه بخطوات مرددة ، ولم يشأ أن يسير الشوط إلى نهايته ، فوقف عند الخطأ المفروض ، ولم يجاوزه إلى مسئولية لا تقوم على خطا أصلاً به على محض تحمل التبعة .
ونفضل ما أجملناه .
كان للتطور الاقتصادي السريع منذ القرن التاسع عشر اكبر الأثر في تطور نظريات المسئوليات التقصيرية فقد تقدمت الصناعة تقدماً عظيما باستحداث الآلات الميكانيكية وشتى وسائل النقل . ونجم عن ذلك أن أصبح الخطر الكامن في استعمال هذه المخترعات أقرب احتمالا وأكثر تحققاً مما كان عليه الأمر في الماضي . فعاد ركن الضرر في المسئولية التقصيرية إلى البروز حتى كاد يغطي على ركن الخطأ . وبدأ تطور المسئولية يرجع إلى نقطة الابتداء حيث كان المعيار مادياً لا شخصياً .
وكان الفقه أول من استجاب لهذا التطور ، متأثراً بعاملين . أولهما علمي هو ما نشرته المدرسة الوضعية ( ecole positiviste ) الايطالية بزعامة قرى ( Ferri ) من وجوب التعويل على الناحية الموضوعية لا على الناحية الذاتية ، حتى في المجرم نفسه ، فيعاقب لا بالنظر لما يستحقه لشخصه ، بل بالنظر لما تقتضيه حماية المجتمع . وإذا أمكن القول بالنظرية الموضوعية في القانون الجنائي ، فأولى بالقانون المدني أن يكون الميدان الخصب لهذه النظرية . والعامل الثاني عملي ، يرجع إلى ازدياد مخاطر العمل زيادة كبيرة من شأنها أن تجعل عسيراً على العامل في الكثرة الغالبة من الأحوال أن يثبت الخطأ في جانب رب العمل حتى يستطيع الرجوع عليه بالتعويض .
حاول الفقه في البدء أن يعالج الأمر عن طريق الاحتيال على بعض نصوص التقنين المدني الفرنسي . فشبه الآلات بالبناء ، وما دام يكفي في البناء إثبات العيب حتى يكون صاحبه مسئولا . كذلك الآلات إذا اثبت العامل عيباً فيها كان رب العمل مسئولا عما تحدثه الآلات المعيبة من الضرر . ولكن تيسير الإثبات على هذا النحو لم يكن كافياً ، فإن الصعوبة في إثبات العيب في الآلة تكاد لا تقل عن الصعوبة في إثبات الخطأ في جانب رب العمل . ثم لجأ الفقه إلى رطيقة أخرى ، فجعل رب العمل مسئولا مسئولية عقدية عن سلامة العامل بموجب عقد العمل ذاته . ولكن القضاء لم يماش الفقه في استخلاص التزام من عقد العمل بضمان سلامة العامل .
ومنذ رأي الفقه أن هذه المحاولات لم تجد نفعاً ، واجه الصعوبة من طريق مباشر . فنادى بأنه ليس من الضروري أن يكون الخطأ أساساً للمسئولية التقصيرية ، ويجوز أن تقوم هذه المسئولية لا على فكرة الخطأ بل على فكرة الضرر وتحمل تبعته . وهذه هي نظرية تحمل التبعة . فمن خلق تبعات يفيد من مغانمها ، وجب عليه أن يحمل عبء مغارمها . وقد قام على رأس الفقهاء ، ينادي بهذه النظرية . سالي وجوسران ، وبنياها على تفسير جديد محور للمادتين 1382 و 1384 من التقنين المدني الفرنسي . فهذبا إلى أن المشرع الفرنسي لا يشترط ركن الخطأ في المادة 1382 إذ يقول : ” كل عمل أياً كان يوقع ضرراً بالغير . . ” ( Tout fait quelconque de l’homme qui cause a autrui un dommage ) ، وأنه رسم قاعدة عامة في المسئولية عن الأشياء في الفقرة الأولى من المادة 1384 إذ يقول : ” يكون الشخص مسئولا . . . عن الضرر . . الذي يحدث بفعل الأشياء التي هي في حراسته ” . ( On est responsible . .du dommage . . du dommage . qui est cause par le fait des choses que l’on a sous sa garde ) على أن الفقهاء لم يعتمدوا على النصوص وحدها ، بعد تحويلها هذا التحوير الذي لم يخطر ببال المشرع الفرنسي وقت وضع التقنين ، بل اعتمدوا فوق ذلك على صياغة نظرية فقهية كاملة اسموها ” نظرية تحمل التبعات المستحدثة ” ( theorie des risques crees ) أو النظرية الموضوعية ( theorie objective ) يقابلون بها النظرية الشخصية ( theorie subjective ) التي تقوم على فكرة الخطأ . وقالوا أن النظرية الشخصية لم تعد تتفق لا مع المنطق ولا مع التطور الاقتصادي . فهي أولاً تصطدم مع المنطق ، فمنذ انفصلت المسئولية المدنية عن المسئولية الجنائية ، وأصبح التعويض المدني لا دخل للعقوبة فيه ، لم يعد هناك معي لاستبقاء الخطأ أساساً للمسئولية المدنية ، ويجب أن يكون أساس هذه المسئولية الضرر الذي يستوجب التعويض ، لا الخطأ الذي يقتضى العقوبة . وهي بعد ذلك تصطدم مع التطور الاقتصادي ، وذلك منذ أصبحت المخترعات الحديثة مورد رزق كبير ومصدر خطر جسيم . فما دام الشخص ينتفع بالشيء فمن العدل أن يحمل تبعته ، والغرم بالغنم . وإذا كانت المسئولية الشخصية تصلح في نظام اقتصادي يقوم على الزراعة ، ففي نظام اقتصادي قوامه الصناعة لا تصلح إلا المسئولية الموضوعية . فالواجب إذن في رأي هؤلاء الفقهاء هجر المسئولية الشخصية إلى المسئولية الموضوعية ، أي هجر المسئولية القائمة على خطأ ولو كان مفروضاً إلى المسئولية المجردة عن أي خطأ . ويوجه هذا النظر أساس معقول يقوم على الاعتبارات الآتي : يقع ضرر لا مخطأ من أحد ، فمن الذي يجب أن يتحمل هذا الضرر ؟ أيتحمله المضرور وهو الذي خضع لتبعة لم يكن له يد في ايجادها وليس هو الذي يفيد منها ، أهم يتحمله محدث الضرر وهو الذي أوجد هذه التبعة وهو الذي يفيد منها ؟ أضف إلى ذلك أن العلاقات المدنية أصبحت الآن علاقات مالية أكثر منها علاقات شخصية . وليس يرهق صاحب المصنع أن يحمل عن عماله عبء ما يصيبهم من ضرر ، فإن هذا يدخل في مخاطر صنعته ، وهو أقدر من العامل على مواجهة هذه المخاطر ، وبحسبه أن يلجأ إلى التأمين لمصلحة عماله ، فإن ذلك لا يبهظه ، بل هو يحقق به معنى التضامن الاجتماعي . ومن هنا يمكن تحديد نطاق للنظرية الموضوعية : عمل كثير الأخطار ، كبير المنفعة ، يسهل التأمين في شأنه . هذه هي العناصر الثلاثة التي إذا اجتمعت جعلى تطبيق النظرية الموضوعية أمراً ميسوراً ، لا عنت فيه ولا إرهاق .
والفرق الجوهري ما بين المسئولية الشخصية والمسئولية الموضوعية هو أن الأولى تقوم على الخطأ ، ولو كان هذا الخطأ مفروضاً ، ولو كان هذا الفرض غير قابل لإثبات العكس . فأساس المسئولية الخطأ لا الضرر ، والمسئول هو الحارس لا المنتفع . أما المسئولية الموضوعية فتقوم على الضرر لا على الخطأ ، والمسئول هو المنتفع لا الحارس . ويترتب على ذلك أن المدين في المسئولية الشخصية ، إذا كانت المسئولية قائمة على خطأ واجب الإثبات ، يستطيع أن يدفعها عن نفسه إذا عجز الدائن عن إثبات خطأ في جانبه . فإذا كانت المسئولية قائمة على خطأ مفروض فرضاً يقبل إثبات العكس ، استطاع أن يدفعها بإثبات أنه لم يخطئ . فإن كان فرض الخطأ لا يقبل إثبات العكس ، استطاع المدين أن يدفع المسئولية بإثباته السبب الأجنبي . فالدين يستطيع دائماً أن يدفع المسئولية الشخصية عن نفسه ، إما بنفي الخطأ في ذاته ، وإما بتقييم كسب للضرر الذي وقع . أما المسئول في المسئولية الموضوعية فلا يستطيع دفع هذه المسئولية حتى لو تقى الخطأ ، وحتى لو اثبت السبب الأجنبي . فما دام الضرر قد وقع من جراء نشاطه ، ولو بغير خطأ منه ، فهو المسئول عنه .
هذا هو ما انتهى إليه فقه النظرية الموضوعية في أوج انتشارها ولكن ما لبث الفقه أن تحول عنها شيئاً فشيئاً ، ووجد غناء في نظرية الخطأ المفروض . ولم يبق ثابتاً على النظرية في معناها الواسع الشامل إلا قلة من الفقهاء ، فيهم جوسران وديموج وسافاتييه . وكان السبب في وقوف الفقه عن المضي في النظرية الموضوعية موقف كل من التشريع والقضاء في فرنسا .
أما التشريع الفرنسي فقد حدد نطاقاً ضيقاً للنظرية الموضوعية ، وبقى بعيداً عن أن يأخذ بها كقاعدة عامة . فقد اقتصر على الأخذ بها في بعض نواحي النشاط وما يتولد عنها من تبعات . اخذ بها في تبعات الحرفة ( risqué professionnel ) وذلك في تشريع العمال الذي صدر في سنة 1898 ، ثم امتد بتشريعات متعاقبة من الصناعة إلى التجارة ، ثم إلى الزراعة ، ثم إلى الخدمة المنزلية . وأدمجت كل هذه التشريعات في تشريع موحد صدر في 19 أكتوبر سنة 1945 ، ثم في 30 أكتوبر سنة 1946 . والتشريع يرتب المسئولية على مخاطر العمل ، فإذا اصيب العامل بضرر في أثناء عمله أو بمناسبة هذا العمل ، حكم له بتعويض مقدر ( forfaitaire ) لا يصل إلى التعويض الكامل . ولا تنتفي المسئولية عن رب العمل حتى لو أثبت الحادث الفجائي أو خطأ المضرور أو عمل الغير ، وإنما تنتفي بإثبات القوة القاهرة ، واخذ المشرع الفرنسي بالمسئولية الموضوعية أيضاً في ” تبعات الطيران ” ( risqué de navigation aerienne ) ، فقد صدر تشريع في سنة 1924 يجعل المنتفع بالطيارة مسئولا عن كل ما تحدثه طيارته من اضرار . ولا تنتفي المسئولية حتى لو اثبت المسئول القوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو عمل الغير ، وإنما تنتفي بإثبات خطأ المضرور ، واخذ المشرع الفرنسي بالمسئولية الموضوعية اخيراً في ” تبعات التضامن الاجتماعي ” ( risqué social ) . من ذلك أن تشريعا ًدر في سنة 1895 يجعل الدولة مسئولة عن تعويض المحكوم عليه في جنحة أو جناية في الأحوال التي يجوز له فيها طلب مراجعة القضية ( demande en revision ) ويثبت عند المراجعة أنه برئ ( أنظر المادة 446 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي ) . وهذه مسئولية موضوعية عن تبعات الأخطاء القضائية ( crreurs judiciaries ) ومن ذلك أيضاً أن تشريعاً در في سنة 1919 وآخر في سنة 1921 يوجبان تعويض ضحايا الحرب وضحايا مصانع الذخيرة في أحوال معينة ، وهذه مسئولية موضوعية عن تبعات الدفاع الوطني ( defense nationale ) . ولا يزال أنصار المسئولية الموضوعية ينظرون إلى هذه التشريعات المختلفة في كثير من التفاؤل . فهذه تبعات الحرفة ، وتبعات الطيران ، وتبعات التضامن الاجتماعي ، قد رتب المشرع المسئولية عليها جميعاً . فليس بعيداً أن يرتب المسئولية بعد ذلك على ” تبعات الملكية ” ( risqué de propriete ) ، ثم على تبعات النشاط بوجه عام ( risqué d’activite ) . حتى يستكمل بذلك جميع الصور في ” تبعات الخطر المستحدث ” ( risqué cree ) . ولكننا لا نزال بعيدين كثيراً في ميدان التشريع عن استغراق كل هذه الصور . بل إن أهم صورة فيها ، وهي صورة تبعات الحرفة ، ليست تسجيلا كاملا للمسئولية الموضوعية ما دام المضرور لا ينال تعويضاً شاملا عن كل ما لحقه من الضرر . ثم إن المشرع الفرنسي قد أصدر ، من جهة أخرى ، تشريعات هي نفي صريح للمسئولية الموضوعية ، بل ورجوع عن الخطأ المفروض إلى الخطأ الواجب الإثبات ( [14] ) .
وأما القضاء الفرنسي فلم يسلم بالمسئولية الموضوعية . بل هو يشترط دائماً أن تقوم المسئولية على الخطأ . ولكنه سار شوطاً بعيداً في جعل هذا الخطأ مفروضاً في أحوال كثيرة . وسنرى ذلك تفصيلا عند الكلام في المسئولية عن الأشخاص وعن الأشياء . واستعان القضاء الفرنسي ، إلى جانب الخطأ مفروضاً في أحوال كثيرة . وسنرى ذلك تفصيلا عند الكلام في المسئولية عن الأشخاص وعن الأشياء . واستعان القضاء الفرنسي ، إلى جانب الخطأ المفروض في المسئولية التقصيرية ، بالمسئولية العقدية في بعض الحالات ، وذلك عن طريق استخلاص التزام بضمان السلامة ( obligation de securite ) في بعض العقود وبخاصة في عقد النقل . ومهما يكن من أمر ، فإن القضاء الفرنسي ثبت على فكرة الخطأ أساساً للمسئولية التقصيرية ، ولم يحد عن ذلك إلى نظرية تحمل التبعة . وهو مع ذلك قد وصل إلى كثير من النتائج العملية التي تقول بها أنصار المسئولية الموضوعية ، وذلك عن طريق الخطأ المفروض .
521 – المسئولية التقصيرية في التقنين المصري القديم : وقد أخذ التقنين المصري القديم قواعد المسئولية التقصيرية عن القانون الفرنسي في وقت كان القضاء الفرنسي فيه قد بدأ يأخذ بالخطأ المفروض . فوضع القاعدة العامة في المسئولية التقصيرية ، وأقامها على خطأ واجب الإثبات . إذ نص في المادتين 151 / 212 على ما يأتي : ” كل فعل نشأ منه ضرر للغير يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر ” . ثم عرض لحالات الخطأ المفروض على غرار القانون الفرنسي ، فأكمل نص المادتين 151 / 212 بما يقرر مسئولية المكلف بالرقابة عمن هم تحت رعايته ، وأقام هذه المسئولية على خطأ مفروض ، إذ قضى في عبارة غامضه بما يأتي : ” وكذلك يلزم الإنسان بضرر الغير الناشيء عن إهمال من هم تحت رعايته أو عدم الدقة والانتباه منهم أو عن عدم ملاحظته اياهم ” . ثم انتقل إلى مسئولية المتبوع عن التابع ( م 152 / 214 ) ، فالمسئولية عن الحيوان ( م 153 / 215 ) ، فبنى المسئولية في هاتين الحالتين أيضاً على خطأ مفروض . ولم ينقل عن القانون الفرنسي النص الخاص بالمسئولية عن البناء . كذلك لم ينقل عن القضاء الفرنسي المسئولية عن الأشياء على الوجه الذي استقر عليه هذا القضاء أخيراً في تفسير للفقرة الأولى من المادة 1384 من التقنين المدني الفرنسي ، إذ لم يكن هذا القضاء وقت ظهور التقنين المصري القديم قد استقر على هذا التفسير .
أما نظرية تحمل التبعة فلم يأخذ بها التقنين المدني القديم . وإذا كان بعض الفقهاء في مصر نادي بوجوب الأخذ بها ( [15] ) ، فإن القضاء المصري في أحكامه ، عدا النذر اليسير ( [16] ) ، قد قطع في عدم الأخذ بها ، وأعلنت محكمة النقض هذا في عبارات واضحة صريحة ( [17] ) .
522 – المسئولية التقصيرية في التقنين المصري الجديد : كان التقنين المصري القديم قد التزم الإيجاز التام في النصوص التي أوردها في المسئولية التقصيرية ، على النحو الذي رأيناه فيما تقدم . أما التقنين الجديد فقد أورد في هذا الموضوع الكبير الأهمية عدداً غير قليل من النصوص ، عالج فيها العيوب الجسيمة التي كانت تشوب نصوص التقنين القديم ( [18] ) .
ويتبين من النصوص التي أوردها التقنين الجديد أمران :
أولاً – أن هذا التقنين لم يأخذ بنظرية تحمل التبعة . وقد أحسن في ذلك صنعاً . إذ يجب في هذا الصدد أن يسلك المشرع المصري الطريق الذي سبقه إليه المشرع الفرنسي ، فيصدر تشريعات خاصة في مسائل معينة يقتضى التطور الاقتصادي أن يؤخذ فيها بنظرية تحمل التبعة ، فيأخذ بها في هذه التشريعات إلى حد معقول . وهذا هو النهج الذي سار عليه المشرع المصري فعلا ، متمشاً في ذلك مع مقتضيات الظروف الاقتصادية للبلاد ( [19] ) .
ثانياً – جعل التقنين الجديد المسئولية عن الأعمال الشخصية قائمة على خطأ واجب الإثبات . أما المسئولية عن عمل الغير والمسئولية الناشئة عن الأشياء فقد أقامهما على خطأ مفروض .
ونحن نساير هذا الترتيب . فنبحث المسئولية التقصيرية في فصلين :
( الفصل الأول ) في المسئولية عن الأعمال الشخصية .
( والفصل الثاني ) في المسئولية عن عمل الغير والمسئولية الناشئة عن الأشياء .
( [1] ) أنظر في قيام المسئولية المدنية دون المسئولية الجنائية : استئناف مختلط في 24 نوفمبر سنة 1927 م 40 ص 49 – وفي 2 مارس سنة 1948 م 61 ص 81 – وفي ترتب المسئولية المدنية دون المسئولية الجنائية في التزوير واستعمال الورقة المزورة : نقض جنائي في 30 مارس سنة 1942 المحاماة 23 رقم 32 ص 58 – وفي قيام المسئولية الجنائية على خطأ لمسئول مع قيام المسئولية المدنية على خطأ مشترك : استئناف مختلط في أول مايو سنة 1946 م 58 ص 81 .
وقضت محكمة النقض بأن قرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة أياً كان سببه ، سواء لأنها قدرت أن وقوع الحادث لا يرد إلى خطأ مهما كانت صوره ، أو لأن نسبة الخطأ إلى شخص بعينه غير صحيح أو لم يقم عليه دليل كاف – هذا القرار لا يجوز قوة الأمر المقضي قبل المضرور بالحادث ، فلا يحول بينه وبين الدعوى المدنية يقيم فيها الدليل على الخطأ ونسبته إلى المدعى عليه فيها ( نقض مدني في 27 أكتوبر سنة 1949 طعن رقم 34 سنة 18 قضائية لم ينشر ) .
( [2] ) قد يكون الإهمال الصادر من المتهم لا يكفي لمساءلته جنائياً ، ويكفي للمسئولية المدنية حيث تقوم هذه المسئولية على خطأ مفروض في بعض الأحوال . على أن محكمة النقض قد قضت بأن الإهمال في جريمة الجرح باهمال المنصوص عليها في المادة 244 من قانون العقوبات لا يختلف في أي عنصر ، عناصره عن الخطأ غير المفروض الذي يستوجب المساءلة المدنية ، فبراءة المتهم في الدعوى الجنائية لعدم ثبوت الخطأ المدعى به تستلزم حتما رفض الدعوى المدنية المؤسسة على هذا الخطأ ( نقض جنائي في 8 مارس سنة 1943 المحاماة 25 رقم 45 ص 132 ) .
( [3] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كيف محكمة الموضوع ما ثبت لها من وقائع الدعوى تكييفاً خاطئاً نقلت به الدعوى عن حقيقتها ، وأعطتها حكماً قانونياً غير ما يجب اعطاؤه لمثلها ، كأن اعتبرت التقصير في تنفيذ عقد المقايضة بالتسليم خطأ فعلياً ( faute delictuelle ) كالاغتصاب يوجب التضمين على المقصر من يوم تقصيره لا من يوم التنبيه الرسمي ، فإن الحكم الذي تصدره بهذا يكون مخالفاً للقانون ويتعين نقضه ( نقض مدني في 11 ابريل سنة 1935 ( مجموعة عمر 1 رقم 243 ص 666 ) .
( [4] ) استئناف مختلط في 29 مارس سنة 1944 م 56 ص 98 .
( [5] ) هذا إلى أن عبء الإثبات – من الناحية العملية المحضة – يبدو فرقا جوهرياً ما بين المسئوليتين . وقد كان هو والإعفاء الاتفاقي من المسئولية سببين رئيسين لتلمس المسئولية العقدية في بعض القروض – كما في عقد نقل الأشخاص والتزام أمين النقل بسلامة الراكب التزاماً كيف بأنه التزام عقدي – أو للقول بالخيرة ما بين المسئوليتين – كما في عقد النقل إذا اقترن بشرط الإعفاء فإن القول بالخيرة يمكن من اختيار المسئولية التقصيرية وهذه لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها .
( [6] ) سيأتي تفصيل للأحكام التي تطبق في النقل المجاني فيما يلي ( أنظر فقرة 546 ) .
( [7] ) ويصعب هذا بنوع خاص في العقود التي تشتمل على التزام بكفالة السلامة ( obligation de securite ) . فعقد نقل الأشياء يتضمن دون شك هذا الالتزام ، ويعتبر أمين النقل مسئولا مسئولية عقدية إذا تلفت الأشياء التي تعيد ينقلها في أثناء النقل . أما عقد نقل الأشخاص ، فالأمر فيه ليس واضحاً وضوحه في عقد نقل الأشياء . ذلك أن الشيء إذا تسلمه أمين النقل لنقله يخضع خضوعاً تاماً لسيطرته ، إذ ليست له حركة ذاتية ، أو له هذه الحركة كالحيوان ولكن يمكن ضبطها . أما الشخص الذي يتعهد أمين النقل بنقله فله حركة ذاتية ، لا يخضع زمامها خضوعاً تاماً لسيطرة أمين النقل . على أن القضاء والفقه ، في مصر وفي فرنسا ، يرتبان التزاماً بكفالة السلامة في ذمة أمين النقل ، حتى بالنسبة إلى نقل الأشخاص .
والالتزام بالسلامة يختلف مداه في عقد عنه في عقد آخر ، ففي بعض العقود يكون التزاماً يبذل عناية ، كالتزام الطيب في علاج المريض ، يكفي فيه أن يثبت الطبيب أنه اصطنع الحيطة واليقظة بالقدر المطلوب في صناعة الطب حتى يكون قد وفى التزامه ولو لم يشف المريض فلا تتحقق مسئوليته العقدية . وفي عقود أخرى ، كعقد النقل المتقدم الذكر ، يكون التزاماً بتحقيق غاية ، فيكفل المدين سلامة الدائن ، ولا تنتفي مسئوليته العقدية إلا إذا أثبت السبب الأجنبي .
( أنظر في الالتزام بكفالة السلامة مازو 1 ص 165 – ص 189 ) .
( [8] ) ومن هذه الطرق الرجوع إلى النصوص التشريعية المفسرة لإرادة المتعاقدين أو المكملة لها . وهذه النصوص كثيرة في العقود المسماة .
( [9] ) وسنرى فيما بعد أن هذا هو أيضاً قضاء محكمة النقض في مصر في دائرتها المدنية ( نقض مدني في 5 يناير سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 154 ص 452 ) . أما الدائرة الجنائية فتذب إلى عكس ذلك ( نقض جنائي في 8 مارس سنة 1943 المحاماة 25 رقم 45 ص 132 ) .
( [10] ) أنظر في انقسام القضاء والفقه في فرنسا مازو 1 فقرة 188 – فقرة 207 – بلانيول وريبير وبولانجيه فقرة 933 – فقرة 938 .
أما في مصر فيبدو أن الكثرة من أحكام القضاء الوطني والمختلط تنزع إلى جواز الخيرة ما بين المسئوليتين . ومن ذلك ما قضت به محكمة الاستئناف المختلطة من أنه إذا اشترط المؤجر عدم مسئوليته عما يصيب للمستأجر من الضرر من العين المؤجرة ، فإن هذا الشرط لا يخلى المؤجر من مسئوليته عما يصيب للمستأجر من الضرر من العين المؤجرة ، فإن هذا الشرط لا يخلى المؤجر من مسئوليته التقصيرية عن هذا الضرر ( استئناف مختلط في أول ابريل سنة 1891 م 3 ص 271 – وفي 10 يناير 1924 م 36 ص 140 – وفي 6 مايو سنة 1926 م 38 ص 396 ) . ومن ذلك أيضاً ما قضت به هذه المحكمة من أنه إذا كان القانون المدني ( القديم ) لا يلزم المؤجر بالقيام بأية مرمة ، فإن هذا لا يخليه من المسئولية التقصيرية عن الضرر الذي يصيب المستأجر بسبب تقصير المؤجر في ترميم ملكه ( استئناف مختلط في 20 فبراير سنة 1902 م 14 من 154 – و في 5 يونية سنة 1923 م 35 ص 485 ) . ومن ذلك ما قضت به كل من محكمة الاستئناف الوطنية ومحكمة الاستئناف المختلطة من أنه إذا اشترطت مصلحة السكك الحديدية تحديد مسئوليتها في مبلغ معين في حالة ضياع البضاعة المشحونة ، فإن هذا الشرط لا يسري في مسئولية هذه المصلحة مسئولية تقصيرية عن عمالها أو عن الغير ( استئناف وطني في 10 فبراير سنة 191 المجموعة الرسمية 11 ص 245 – وفي 25 يولية سنة 1922 المحاماة 2 ص 480 – استئناف مختلط في 15 مايو سنة 1920 م 32 ص 330 – وفي 29 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 98 – وفي 8 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 45 – وفي 8 يونية سنة 1922 م 34 ص 474 – وفي 8 ابريل سنة 1926 م 37 ص 434 – وأنظر عكس ذلك استئناف وطني في 2 مايو سنة 1922 المحاماة 3 ص 29 – استئناف مختلط في 23 ديسمبر 1943 م 56 ص 26 .
وقد قضت محكمة استئناف الاسكندرية الوطنية أخيراً بجواز الخيرة ما بين المسئوليتين ، إذ قررت أنه ” لا شبهة . . في التزام الناقل ضمناً بسلامة الراكب إلى الجهة المتعاقد على المنقل إليها ، لأن هذا الالتزام هو أول مميزات هذا النوع من التعاقد . . وأن مؤدى الأخذ بهذا النظر الاستناد في طلب التعويض إلى أحد الاساسين ، المسئولية التقصيرية أو المسئولية التعاقدية ، حسبما يتسنى لطالب التعويض . فإذا قصرت وسائله عن إثبات عناصر الأولى أمكن الاستناد إلى الثانية عند توافر أركانها ( استئناف الإسكندرية في 5 فبراير سنة 1950 المحاماة 30 رقم 276 ص 501 ) – ويلاحظ أن المحكمة لم تكن في حاجة إلى القول في هذه القضية بجواز الخيرة بين المسئوليتين ، فإن الخيرة إنما تظهر قائدتها في الانتقال من المسئولية العقدية إلى المسئولية التقصيرية . أما هنا فقد انتقلت المحكمة من المسئولية التقصيرية إلى المسئولية العقدية ، وكان يكفيها أن تقرر أن عقد النقل ينشيء التزاماً عقدياً بضمان سلامة الراكب ، يستطيع أن يستند إليه الدائن في مطالبة المدين بإثبات أنه قد وفى بهذا الالتزام .
أما محكمة النقض فلم تبت حتى الآن في هذه المسألة بقضاء حاسم ، فقد أخذت في قضية بالمسئولية العقدية ؛ ولكنها لم تذكر أنها استبعدت المسئولية التقصيرية لقيام المسئولية العقدية ، وهذا هو ما قضت به : ” ليس لرب العمل أن يستقل بما من شأنها أن يزيد في إخطار العمل الذي استخدم العامل لأدائه . فإن هو فعل صح اعتباره مخلا بعقد الاستخدام إخلال يصلح أساساً لمسئوليته . ولما كان الثابت في الحكم أن عقد استخدام ملاحي سفينة الطاعن لم يرد فيه ما يفيد أنه معت؟؟ تأجيرها لدولة محاربة ، وأن هؤلاء الملاحين لم يحاطوا علماً بهذا التأجير ، وكان هذا التأجير من شأنه طبيعة أن يزيد في إخطار عملهم ، فلا مخالفة للقانون إذا كان محكمة الموضوع قد رأت أن قيام الطاعن بهذا التأجير فيه خطا من جانبه في حق عماله . هذا وإذا كانت المحكمة المذكورة قد رتبت على هذا الخطأ مسئولية الطاعن عن فقد ملاحي السفينة على اعتبار أن هذا الفقد كان نتيجة لهذا الخطأ ، فإن رأيها في ذلك إنما هو رأي في مسألة واقعية فلا تملك محكمة النقض من تراقبه . ومتى استقام الحكم على أساس قواعد المسئولية العقدية ، كان ما ورد فيه خاصاً بتطبيق أحكام قانون التجارة البحري تزيداً ، وكان ما جاء في الطعن منصباً عليه غير منتج ( نقض مدني في 4 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 280 ص 553 ) .
وفي قضية أخرى يبدو أن محكمة النقض لا تأبى ان يقوم التعويض على أساس كل من المسئوليتين ، فقد قضت بأنه ” ما دام الحكم قد أقام مسئولية المحكوم عليه بالتعويض على كلا الاساسين : العقد والفعل الضار ، فإنه لا تكون به حاجة إلى تطبيق المادة 120 من القانون المدني ( القديم ) التي تنص على أن التضمينات لا تستحق إلا بعد تكليف المتعهد بالوفاء تكليفاً رسمياً ، إذ هذه المادة لا تنطبق على المسئولية عن الأفعال الضارة واذ أن الإعذار الي تنص عليه غير لازم في حالة المسئولية العقدية عند الإخلال بالتزام سلمى ( نقض ( مدني في أول يناير سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 251 ص 513 ) .
وأما الفقه في مصر فمقسم . فمن الفقهاء من يقول بجواز الخيرة ( مصطفى مرعى بك في المسئولية المدنية فقرة 28 ) – وقد كنا نقول بها في الموجز ( فقرة 301 ) .ومنهم من يقول بقصر الدائن على المسئولية العقدية ( الدكتور سليمان مرقص في الفعل الضار ص 17 ) .
( [11] ) قارن الموجز للمؤلف فقرة 301 .
( [12] ) ‘ Toutes les petces et tous les dommages, qut peuvent ariver per le fait de quelques personnes sot imprudence , legerete , ignorance de ce qu’on joit savoir , ou autres fautes scmblables , si legere qu’elles puissant etre, doiyent etre repares par celui dout l’imrudence ou autre faute y a donne lieuy .
( [13] ) ” On peut destinguer trios sortes de fautes don’t il peut arriver quelques dommages ; celles qui vont a un crime ou a un delit ; celles des personnes qui manquent aux engagements des conventions comme un verideur que ne deliver pas la chose vendue , un locataire qui ne fait pas les reparations don’t il est tenu , et celles qui n’ont pas de rapport aux conventions et qui ne vont pas a un crime ni a un delit, comme si par legerete on jefte quelque chose par une fenetre qui gate un habit ‘ si des animaux mal gardes font quelque . Dommage , si on cause un incendie par imprudence , si un bitiment qui menace ruine, netant pas repare , tombe sur un autre et y fait des dommagess .
( [14] ) من ذلك قانون 5 ابريل سنة 1937 ويتلعق بمسئولية المعلمين عن تلاميذهم ، وقد ألغى به قانون 20 يولية سنة 1899 . وقد استبقى هذا القانون مسئولية الدولة قائمة مكان مسئولية المعلمين ، ولكنه تطلب لتحقق هذه المسئولية إثبات خطا في جانب المعلم بعد أن كان هذا الخطأ مفروضاً .
ومن ذلك أيضاً قانون 7 نوفمبر سنة 1922 يستثنى فيه من المادة 1384 – بعد أن سلم أن هذه المادة تقيم المسئولية عن الأشياء على خطأ مفروض – حالة الحريق ، فجعل المسئولية فيها تقوم على خطأ واجب الإثبات .
( [15] ) الدكتور عبد السلام ذهني بك في الالتزامات فقرة 781 وما بعدها .
( [16] ) أنظر في هذه الأحكام الموجز في النظرية العامة للالتزامات للمؤلف ص 383 هامش رقم 2 . وانظر بنوع خاص : محكمة استئناف مصر الوطنية في 10 ابريل سنة 1927 المجموعة الرسمية 28 عدد 59 – محكمة الزقازيق الكلية في ) ابريل سنة 1929 المحاماة 10 رقم 88 ص 169 – محكمة مصر الكلية المختلطة في 17 يونية سنة 1929 20 رقم 188 ص 195 .
( [17] ) وهذا ما قضت به محكمة النقض : ” إن القانون المصري لم يرد فيه ما يجعل الإنسان مسئولاً عن مخاطر ملكه التي لا يلابسها شيء من التقصير ، بل إن هذا النوع من المسئولية يرفضه الشارع المصري بتاتاً ، فلا يجوز للقاضي اعتماداً على المادة 29 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية أن يرتبه على اعتبار أن العدل يسيغه ، إذ أن هذه المادة لا يصح الرجوع إليها إلا عند عدم معالجة الشارع لموضوع ما وعدم وضعه لأحكام صريحة فيه جامعة مانعة واذن فالحكم الذي يرتب مسئولية الحكومة مدنياً عما يحدث لعامل على نظرية مسئولية مخاطر الملك التي لا تقصير فيها والمسئولية الشيئية يكون قد أنشأ نوعاً من المسئولية لم يقرره الشارع ولم يرده ، ويكون إذن قد خالف القانون ويتعين نقضه ” ( نقض مدني في 15 نوفمبر سنة 1934 مجموعة عمر 1 ص 485 ) . وانظر أيضاً : استئناف مصر الوطنية في 26 نوفمبر سنة 1940 المحاماة 21 رقم 328 ص 745 – استئناف مختلط في 23 ابريل سنة 1941 م 53 ص 154 – وفي 22 ابريل سنة 1947 م 59 ص 181 – وفي 10 مارس سنة 1949 م 61 ص 109 ( تحمل التبعة الاجتماعية ) .
( [18] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” بالغ التقنين السابق في الالتزام الإيجاز بصدد الأحكام الخاصة بالعمل غير المشروع . وليس يخلو هذا الوضع من شيء من الغرابة . ولا سيما إذا روعى أن أحكام المسئولية التقصيرية قد أصابت ، منذ صدور التقنين المدني الفرنسي ، وبوجه خاص منذ صدور التقنينات المصرية ، من بسطة النطاق ما يؤهلها لأن تشغل في تقنين عصري مكاناً لا يدانيه في أهميته . ما أفرد لها حتى اليوم . وقد عرض المشروع لأحكام العمل غير المشروع في قسمين رئيسيين . أفرد أولهما للمسئولية عن الأعمال الشخصية ، وهي المسئولية العامة أصلاً ، وقوامها إثبات الخطأ ، أما القسم الثاني فقد جمعت فيه أحوال المسئولية عن عمل الغير والمسئولية الناشئة عن الأشياء ، وهي أحوال تقوم فيها المسئولية على افتراض الخطأ . وقد أسهل المشروع القسم الأول بالقاعدة الأساسية في المسئولية عن الخطأ الثابت ، فأفرغها في نص واضح موجز اقتبسه من المشروع الفرنسي الإيطالي . والواقع أن التقنينات اللاتينية ، في هذه الناحية ، أرقى في صياغتها التشريعية من التقنين الألماني ، فهذا التقنين ، بدلا من أن يضع مبدأ تنطوي في عمومه جميع التطبيقات التفصيلية للخطأ الشخصي ، يبدأ بطائفة من النصوص تعرض لحالات خاصة ، ومن هذه الحالات يستخلص المبدأ العام . وزمذهبه هذا يقرب من مذهب القانون الانجليزي ، ولكنه أخلق بنظام قانوني يقوم على أحكام القضاء ، وعلى التطبيق في المسائل التفريعية ، منه بتقنين يقصد به إلى تقرير مبادئ عامة . ولهذه العلة أعرضت عنه ذات التقنينات التي درجت على استلهاء التقنين الالمانين كتقنين الالتزامات السويسري والتقنين النمساوي المعدل والتقنين البولوبي ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 350 ) .
( [19] ) ومن أهم هذه التشريعات الخاصة التي أصدرها المشرع المصري ، وأخذ فيها بتحمل التبعية بالقدر المعقول ، نذكر ما يأتي :
1 – قانون رقم 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمل ( وقد حل محل القانون رقم 64 لسنة 1936 ) : ويقضي بأن لكل عامل أصيب بسبب العمل وفي أثناء تأديته ، الحق في الحصول من صاحب العمل على تعويض مقدر في القانون بحسب جسامة الاصابة ، ولا يعفى صاحب العمل من التعويض إلا إذا اثبت أن العامل قد تعمد اصابة نفسه أو أن الاصابة قد حدثت بسبب سوء سلوك فاحش ومقصود من جانب العامل . ولا يجوز للعامل فيما يتعلق بحوادث العمل أن يتمسك ضد رب العمل بأحكام أي قانون آخر ما لم يكن الحادث قد نشأ عن خطأ جسيم من جانب رب العمل وإذا كان صاحب العمل مؤمناً على حوادث العمل ، جاز للعامل أن يطالب بحقوقه رب العمل وشركة التامين معاً متضامنين . وإذا كانت الإصابة الوجبة للتعويض تقتضي قانوناً مسئولية شخص آخر خلاب رب العمل ، جاز للعامل أن يطالب بالتعويض رب العمل أو ذلك الشخص الآخر ، ويحل رب العمل الذي دفع التعويض محل العامل في حقوقه قبل الشخص المسئول ، كما يخصم التعويض الذي يقبضه العامل فعلا من الشخص المسئول من التعويض المستحق له قبل رب العمل ، وإذا دفعت شركة التامين قيمة التعويض فإنها تحل محل صاحب العمل في حقوقه . وقد فرض القانون رقم 86 لسنة 1942 التامين الإجباري على أصحاب الأعمال ، فقضى على كل صاحب عمل أن يؤمن على حوادث العمل التي يلزم بالتعويض عنها طبقا للقانون رقم 65 لسنة 1936 ( وقد حل محله القانون رقم 89 لسنة 1950 كما قدمنا ) بشأن إصابات العمل ، ولا يجوز تحيمل العمال أي نصيب في نفقات التامين بأية طريقة كانت .
2 – قانون رقم 117 لسنة 1950 بشأن التعويض عن أمراض المهنة : ويلحق أمراض المهنة باصابات العمل من حيث إلزام صاحب العمل بتعويض مقدر عن هذه الأمراض دون حاجة إلى إثبات خطئه ، ومن حيث فرض التامين الإجباري على أصحاب الأعمال .
3 – قانون رقم 88 لسنة 1942 بشأن التعويض على التلف الذي يصيب المباني والمصانع والمعامل والآلات الثابتة بسبب الحرب : وهو قانون مؤقت ، ويخصص للتعويض رأس مال يتكون من موارد متعددة ، أهمها ضريبة تجبى من المنتفعين بهذا القانون ( فهو بمثابة تأمين إجباري ) ومبلغ من الميزانية العامة معادل لما يجبى من هذه الضريبة .
4 – قانون رقم 29 لسنة 1944 بشأن تعويض أفراد طاقم السفن التجارية ضد إخطار الحرب : ويقضي على مالك السفينة ومجهزها ومستأجرها متضامنين بتعويض مقدر لمن يصاب بسبب أخطار الحرب من أفراد طاقم السفينة ( الربان وضباط الملاحة والمهندسين البحريين والبحارة وغيرهم ممن يقوم بأي عمل في السفينة ) .
5 – قانون رقم 130 لسنة 1948 بشأن تنظيم الإرشاد بميناء الإسكندرية : ويقضي بمسئولية السفينة – فيما عدا حالة الخطأ الجسيم من المرشد – عن كل هلاك أو ضرر يصيب سفينة الإرشاد أثناء عمليات الإرشاد ، ويقضي كذلك بتعويض للمرشد عند اضطراره للسفر مع السفينة بسبب سوء الأحوال الجوية أو بناء على طلب ربان السفينة .
نقلا عن محامي أردني