المسئولية الناشئة عن الأشياء


 المسئولية الناشئة عن الأشياء

696 – حالات ثلاثة : بعد أن فصلنا حالتي المسئولية عن عمل الغير ، ننتقل إلى حالات المسئولية الناشئة عن الأشياء ، الحي منها وغير الحي . ذلك أن الشخص يسأل عما هو في حراسته في حالات ثلاث :

الأولي – مسئولية حارس الحيوان عما يحدثه الحيوان من ضرر .

الثانية – مسئولية حارس البناء عما يحدثه انهدام البناء من ضرر .

والثالثة – مسئولية من تولي حراسة آلات ميكانيكية أو أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر .

وتنتظم هذه الحالات الثلاث فكرة ” الخطأ في الحراسة ” ( faute dans la garde ) . فلا تزال المسئولية فيها مبنية على الخطأ ، والحارس مسئول عن خطئه في الحراسة ، والخطأ في الحراسة هو أن يترك الحارس زمام الشيء يفلت من يده .

 المبحث الأول

 مسئولية حارس الحيوان ( ( [1] ) )

697 – النصوص القانونية :كان القانون المدني القديم ينص في المادتين 153 / 215على ما يأتي :

 ” وكذلك يلزم مالك الحيوان أو مستخدمه بالضرر الناشئ عن الحيوان المذكور ، سواء كان في حيازته أو تسرب منه “

وقد نقل القانون المدني الجديد هذا الحكم دون تعديل إلا في الصياغة ، فنصت المادة 176من هذا القانون على ما يأتي :

 ” حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان أو تسرب ، ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبي لا يد له فيه ( [2] ) ” .

والنص الجديد أكثر وضوحاً من النص القديم ، وأوسع إحاطة بأحكام لمسئولية التي نحن بصددها ( [3] ) ، ولكنه لم يستحدث حكماً جديداً كما قدمنا .

ونبحث هنا أيضاً متى تتحقق مسئولية حارس الحيوان ، وعلى أي أساس تقوم هذه المسئولية .

 المطلب الأول

 متى تتحقق مسئولية حارس الحيوان

698 – شرطان لتحقق المسئولية : تتحقق المسئولية إذا تولي شخص حراسة حيوان وأحدث الحيوان ضرراً للغير . فعندئذ يكون حارس الحيوان مسئولاً عن هذا الضرر .

فتحقق المسئولية يستلزم إذن توافر شرطين : ( 1 ) تولي شخص حراسة حيوان

 ( 2 ) إحداث الحيوان ضرراً للغير .

 1 – حراسة الحيوان

699 – تحليل هذا الشرط :لا تتحقق المسئولية إلا إذا تولي شخص حراسة حيوان . فنبين ما معنى الحراسة وما المقصود من لفظ ” الحيوان “

700 – الحراسة ( la garde ) : قدمنا الخطأ في الحراسة هي أن يترك الحارس زمام الشيء يفلت من يده . فحارس الحيوان إذن هو من في يده زمام الحيوان . فتكون له السلطة الفعلية عليه في توجيهه وفي رقابته ، ويكون هو المتصرف في أمره سواء ثبت هذه السيطرة الفعلية بحق أو بغير حق . أي سواء كانت السيطرة شرعية أو غير شرعية ، ما دامت سيطرة فعلية قائمة فليس حارس الحيوان هو ضرورة مالكه ، فقد ينتقل زمام الحيوان – السيطرة الفعلية في توجيهه وفي رقابته وفي التصرف في أمره – من يده إلى يد غيره ، فيصبح هذا الغير هو الحارس . وليس الحارس هو ضرورة المنتفع بالحيوان إذا لم يكن لهذا السيطرة الفعلية في توجيه الحيوان وفي رقابته . وليس الحارس هو من يعرف عيوب الحيوان ويتركه مع ذلك يضر بالماس ، ما دام لا يملك التصرف في أمره وليست له سيطرة فعلية عليه في توجيهه وفي رقابته وليس الحارس هو من يكون الحيوان في حيازته دون أن تكون له السيطرة الفعلية عليه في التوجيه والرقابة ، فلا يعتبر حارساً بوجه عام لا الراعي ولا السائق ولا الخادم ولا السائس ( [4] ) .

فيجب إذن أن نقف عند المعيار الذي قدمناه ، وان نعتبر حارس الحيوان هو من بيده زمامه ، فيملك السيطرة الفعلية عليه في التوجيه والرقابة ويكون هو المتصرف في أمره . ونص القانون المدني الجديد يتفق مع هذا المعيار ، فقد رأينا المادة 176تنص على أن ” حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان ، من ضرر ( [5] ) ” . وإذا أردنا أن نطبق معيار ” السيطرة الفعلية ” تطبيقاً عملياً أمكن أن نفصله على الوجه الآتي :

مالك الحيوان هو في الأصل صاحب السيطرة الفعلية عليه ، وهو الذي يملك زمامه في يده ، فله التوجيه والرقابة ، وهو المتصرف في أمره ,من ثم يكون حارس الحيوان هو أصلاً مالكه . فهناك إذن قرينة على أن مالك الحيوان هو الحارس ، وإذا رجع المضرور على المالك فليس عليه أن يثبت أنه هو الحارس ، بل المالك هو الذي عليه أن يثبت أنه لم يكن حارس الحيوان وقت إحداثه الضرر . وإذا أفلت زمام الحيوان من يد المالك بأن ضل أو تسرب ، كان هذا خطأ في الحراسة ( faut dans la garde ) ويكون مسئولاً عما يحدثه الحيوان من ضرر وهذا ما تنص عليه صراحة المادة 176إذ نقول :حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان أو تسرب ” ومن باب أولي إذا ترك الحارس الحيوان في الطريق دون رقيب ، كان مسئولاً عما يحدث من ضرر .

وإذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد أخرى ، فإن كان قد انتقل رغم إرادة المالك أو دون علمه ، كما لو انتقل إلى لص سرق الحيوان ، أو إلى تابع للمالك استولي على الحيوان لمنفعته الشخصية فإن السيطرة الفعلية على الحيوان تنتقل في هذه الحالة من المالك إلى هذا الغير ، ويصبح السارق أو التابع الذي استولي على الحيوان لنفعه الخاص هو الحارس ، ويكون هو المسئول عما يحدث الحيوان من ضرر . ومن ثم نتبين أنه ليس من الضروري أن تكون السيطرة الفعلية سيطرة مشروعة لها سند من القانون ، ففي المثلين اللذين نحن بصددهما يتضح أن كلا من اللص والتابع مسيطر على الحيوان سيطرة غير مشروعة .

أما إذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد الغير برضاء من المالك ، وكان الغير تابعاً للمالك كالسائق والخادم والراعي ، فالأصل أن انتقال الحيوان إلى يد التابع لا ينقل إليه السيطرة الفعلية على الحيوان ، إذ الغالب أن المالك يستبقي سيطرته الفعلية على الحيوان حتى بعد أن يسلمه لتابعه . فيبقى المالك في هذه الحالة هو الحارس . ولكن لا شيء يمنع في بعض الحالات من أن تنتقل السيطرة الفعلية إلى التابع ، كما إذا سلم صاحب الحصان حصانه لخيال ( jockey ) يجري به في السباق ، فإن الخيال في هذه الحالة من وقت أن أمسك زمام الحصان وبدأ يجري به في السباق ، وقد انتقلت إليه السيطرة الفعلية على الحصان وأصبح هو الحارس ، فيكون مسئولاً مسئولية الحارس ، ويكون المالك مسئولاً مسئولية المتبوع .

وإذا كان المالك قد نقل الحيوان إلى شخص غير التابع ينتفع به كالمستأجر أو المستعير ، انتقلت في الغالب من الأحوال إلى هذا الشخص السيطرة الفعلية على الحيوان ، إذ هو في سبيل الانتفاع به يمسك زمامه في يده وله حق التصرف في أمره ، ومن ثم يكون هو الحارس . فإن نقله المالك إلى شخص غير التابع لا لينتفع به بل للمحافظة عليه أو لعلاجه ، كصاحب الاصطبل وصاحب الفندق والطبيب البيطري ، فالأصل هنا أيضاً أن السيطرة الفعلية تنتقل إلى هذا الشخص ، ويكون هو الحارس . ولكن قد يستبقى المالك في هذه الحالة السيطرة الفعلية على الحيوان في أثناء الوديعة أو وقت العلاج ، فيبقى هو الحارس ( [6] ) .

701 – الحيوان : أي نوع من الحيوان ، مستأنساً كان أو متوحشاً ، كبيراً أو صغيراً خطراً أو غير خطر يكون حارسه مسئولاً عنه فالدواب والبهائم بأنواعها المختلفة من خيل وبغال وحمير وجمال ومواش ، والحيوانات الأليفة من كلاب وقطط وقردة ، والدواجن والطير ، وما عسى أن يمتلك الشخص من حيوانات مفترسة كالسباع والنمور والفيلة وغيرها ، كل هذا يكون حارسه مسئولاً عنه . وقد يكون الحيوان معتبراً عقاراً بالتخصيص ، كالمواشي الملحقة بأرض زراعية ، ولا يمنع ذلك من أن يكون حارسها مسئولاً عنها ، ولا عبرة بأنها تعد عقاراً .

ولكن يشترط أن يكون الحيوان حياً ومملوكاً لأحد من الناس وان تكون حراسته ممكنة . فجثة الحيوان الميت تعتبر شيئاً غير حي لا حيواناً ، والمسئولية عنها تكون مسئولية عن شيء حي لا عن حيوان ، فلا تتحقق وفقاً للمادة 178من القانون المدني الجديد إلا إذا كانت حراستها تتطلب عناية خاصة . والطير الذي لا مالك له لا يسأل شخص عما يحدثه من التلف إلا إذا ثبت خطأ في جانبه . والجراد إذا صاب زرعاً فأتلفه لا يسأل عن عمله إلا شخص ثبت أنه أثار الجراد بخطأه .

 2 – إحداث الحيوان ضرراً للغير

702 – تحليل هذا الشرط : حتى تتحقق مسئولية حارس الحيوان يلزم أن يكون هذا الحيوان قد أحدث ضرراً للغير فيلزم إذن أن يكون الضرر من فعل الحيوان ( fait de lanimal ) ، ويكون هناك أمران نتكلم فيهما :

 ( 1 ) فعل الحيوان ( 2 ) والضرر الذي يحدثه .

703 – فعل الحيوان : يجب أن يكون الحيوان هو الذي ” أحدث ” الضرر ، أي أن يكون قد أتي عملاً إيجابياً كان هو السبب في الضرر . أما إذا كان الضرر قد حدث دون أن يكون للحيوان دور إيجابي ، كما إذا ارتطم شخص بجسم حيوان حي فجرح ، أو سقطت جثة حيوان ميت على إنسان فأصابته بالضرر ، فإن الضرر لا يكون في هذه الحالة من فعل الحيوان ، إذا لم يكن للحيوان في ذلك إلا دور سلبي .

 وإذا كنا نتطلب أن يقوم الحيوان بدور إيجابي في إحداث الضرر ، فليس هذا معناه أن يكون الحيوان قد اتصل اتصالاً مادياً الجسم الذي ألحق به الضرر ، بل يكفي أن يكون هو السبب الإيجابي لإحداثه . فلو خرج حيوان مفترس في حراسة شخص فجأة إلى الطريق العام ، فأصاب الذعر أحد المارة وسقط فجرح دون أن يمسه الحيوان ، فهذا لضرر يعتبر من فعل الحيوان .

وهناك فروض يكون فيها قد اشترك مع الحيوان عامل آخر في إحداث الضرر ، كما إذا كان المتسبب المباشر في الإصابة هي المركبة التي يقودها الحيوان . فإذا كان الحيوان هو العامل المتغلب كما هو الراجح ، فإن الإصابة تعتبر من فعله . ويدق الأمر إذا كن الحيوان عند إحداث الإصابة يقوده إنسان أو يمتطيه ، فهل تعتبر الإصابة قد حدثت من فعل الإنسان أو من فعل الحيوان ؟ ولا شك في أن القول برأي من هذين الرأيين تترتب عليه أهمية علمية كبيرة . إذ لو اعتبرت الإصابة من فعل الإنسان ، فلا يفترض الخطأ . بل يكلف المدعى إثباته طبقاً للقواعد العامة . وإذا اعتبرت الإصابة من فعل الحيوان ، كان هناك خطأ مفترض في جانب الحارس . ولا يكلف المدعي إثبات هذا الخطأ وقد سار القضاء الفرنسي مدة طويلة على اعتبار أن الإصابة قد حدثت من فعل الإنسان ( [7] ) . وتابع القضاء المصري القضاء الفرنسي في ذلك ( [8] ) . ثم عدل القضاء الفرنسي عن هذا الرأي ، واعتبر أن الإصابة قد حدثت من فعل الحيوان ( [9] ) . وهذا هو الرأي الصحيح ، لأن راكب الحيوان أو قائده لا تعتبر لا تعتبر الإصابة من فعله إلا إذا كان قد تعمدها . فإن اعترف بذلك ، وهذا غير محتمل ، كان الخطأ ثابتاً في جانبه . وإلا فإن الحيوان عندما أحدث الضرر يكون زمامه قد أفلت من يده ، وتكون الإصابة قد حدثت بفعل الحيوان ( [10] ) .

704 – الضررالذي يحدثه الحيوان :أي ضرر يحدثه الحيوان يكون حارسه مسئولاً عنه . فإذا دهس حيوان شخصاً فجرحه أو قتله ، وإذا أتلف الحيوان مالاً مملوكاً للغير ولو كان هذا المال حيواناً مثله ، وإذا عض كلب شخصاً فأحدث به ضرراً ( [11] ) ، وإذا انتقل مرض معد من حيوان مريض ، فكل هذه تعتبر أضراراً يكون حارس الحيوان مسئولاً عنها .

والضرر الذي يحدثه الحيوان قد يقع على الغير كما هو الغالب ، وقد يقع على الحارس نفسه ، وقد يقع على المالك إذا لم يكن هو الحارس ، وقد يقع على الحيوان ذاته أي أن الحيوان يصيب نفسه بالضرر .

فإذا أوقع الحيوان الضرر بالغير ، جاز للغير أن يرجع بالتعويض على الحارس بالخطأ المفترض . وهذه هي الصورة المألوفة في المسئولية عن الحيوان .

ويعتبر في حكم الغير تابع المالك إذا لم تنتقل إليه الحراسة . فإذا ألحق الحيوان ضرراً بسائسه أو بسائقه ، فقد تقدم أن المالك في هذه الحالة يعتبر في الأصل أنه هو الحارس ، ويكون مسئولاً تجاه السائس أو السائق بالخطأ المفترض ( [12] ) . وإذا كانت هناك علاقة عقدية ما بين حارس الحيوان والمضرور ، كما إذا استأجر شخص الحيوان وصاحبه لينقله من مكان إلى آخر ، فأضر الحيوان بالمستأجر ، فإن صاحب الحيوان في هذه الحالة يكون مسئولاً مسئولية عقدية لا مسئولية تقصيرية ، لأنه في عقد النقل بضمان سلامة الراكب . وإذا أحدث الحيوان ضرراً بحيوان آخر ، فمالك الحيوان المضرور يرجع على الحارس الحيوان الأول بالخطأ المفترض لأنه من الغير ( [13] ) .

وإذا أوقع الحيوان الضرر بالحارس نفسه ، فلا يستطيع الحارس أن يرجع على المالك إلا إذا أثبت خطأ في جانبه طبقاً للقواعد العامة .

وإذا وقع الحيوان الضرر بالمالك وكان غير الحارس ، فالمالك أن يرجع على الحارس بالخطأ المفترض ، ويعتبر غيراً في هذه الحالة .

وإذا أوقع الحيوان الضرر بذاته ، بأن اختنق بحبل مثلاً ، وكان الحارس هو المالك . هلك الحيوان على مالكه . أما إذا كان الحارس غير المالك ، فلا يستطيع المالك في هذه الحالة أن يحتج على الحارس بالخطأ المفترض ، فإن افتراض الخطأ لا يقوم إلا لضرر أصاب الغير لا الحيوان ذاته . ولكن يجوز للمالك أن يثبت خطأ في جانب الحارس ، فيرجع عليه بالتعويض للخطأ الذي أثبته لا لخطأ مفترض .

 المطلب الثاني

 الأساس الذي تقوم عليه مسئولية حارس الحيوان

705 – مسألتان :متى تحققت مسئولية حارس الحيوان على النحو الذي قدمناه . قامت هذه المسئولية على خطأ مفترض في جانب الحارس كما أسلفنا ونبين الآن :

 ( 1 ) ما هو هذا الخطأ ( 2 ) والى أي حد هو المفترض .

 1 – ما هو الخطأ

706 – خطأ في الحراسة :الخطأ المفترض في جانب حارس الحيوان هو خطأفي الحراسة ( faute dans la garde ) . وعلى هذا الخطأ قامت مسئولية الحارس ، فالخطأ إذن هو أساس المسئولية . ولا يمكن أن يقال أن أساس المسئولية هو تحمل التبعة ( risque ) ، وإلا لكان المسئول هو المنتفع بالحيوان لا الحارس ، ولما جاز دفع المسئولية بإثبات السبب الأجنبي . والخطأ في الحراسة هو إفلات الحيوان من سيطرة الحارس ، لأن هذا الإفلات هو الذي أحدث الضرر .

707 – ما الذي يثبته المضرور :ولا يكلف المضرور إلا بإثبات الشروط التي تحقق بها مسئولية حارس الحيوان . فيجب عليه أن يثبت أولاً أن المدعى عليه هو حارس الحيوان ، وقد قدمنا أن هناك قرينة على أن المالك هو الحارس إلى أن يثبت أن حراسة الحيوان قد خرجت من يده . ويجب عليه بعد ذلك أن يثبت أن الضرر قد وقع بفعل الحيوان ، أي أن الحيوان قد تدخل تدخلاً إيجابياً في إحداث الضرر ، وإن الضرر قد حدث بفعل الإنسان ولا يفعل الشيء ، على التفصيل الذي سبق ذكره .

 2 – إلى أي حد هو مفترض

708 – الافتراض من لا يقبل إثبات العكس :الخطأ هنا مفترض افتراضاً لا يقبل العكس ( [14] ) ، بخلاف الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة فهو افتراض يقبل إثبات العكس كما قدمنا .

فلا يجوز إذن للحارس ، متى أثبت المضرور الشروط التي تتحقق بها مسئولية أن ينفى الخطأ عن نفسه ، بأن يثبت أنه لم يرتكب خطأ وأنه قام بما ينبغي من العناية حتى لا يحدث الحيوان الضرر . ذلك أن الضرر لم يحدث لأن زمام الحيوان قد افلت من يده ، وهذا الإفلات هو ذات الخطأ . وقد ثبت الإفلات بدليل وقوع الضرر ، فلا حاجة إذن لإثباته بدليل آخر ، ولا جدوى من نفيه بإثبات العكس . وهذا هو المعنى المقصود من أن الخطأ مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس ، فهو خطأ قد تم إثباته ، ولا يتصور إذن أن يثبت عكسه ( [15] ) . وقد سبق القول أن افتراض الخطأ إنما يقوم في العلاقة ما بين الحارس والمضرور ، فلا يقوم إذا أحدث الحيوان ضرراً لنفسه أو أحدث ضرراً للحارس ( [16] ) وقدمنا أيضاً أن مسئولية حارس الحيوان قد تجتمع مع مسئولية المتبوع في شخص وأحد . فمالك الحيوان إذا دفعه إلى السائق محتفظاً بالحراسة ، فألحق الحيوان ضرراً بالغير ، أمكنت مساءلة المالك باعتباره حارساً للحيوان حيث يفترض الخطأ في جانبه افتراضاً لا يقبل إثبات العكس ، كما تمكن مساءلته باعتباره متبوعاً للسائق ولكن يجب على المضرور في هذه الحالة أن يثبت خطأ في جانب السائق ( [17] )

وقد رأينا أن المتبوع تتحقق مسئوليته ولو كان عديم التمييز . أما حارس الحيوان فلا يجوز أن يكون عديم التمييز ، لأن مسئوليته قائمة على الخطأ ، وعديم التمييز لا يتصور الخطأ في جانبه .

709 – جواز نفي المسئولية بنفي علاقة السببية : ولا يستطيع حارس الحيوان أن ينفي عنه المسئولية إلا بنفي علاقة السببية ما بين فعل الحيوان والضرر الذي وقع ، وذلك بأن يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي ، قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو خطأ المضرور أو خطأ الغير . وهذا ما تنص عليه صراحة المادة 176إذ تقول : ” …ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبي لا يد له فيه ” . وهو ما أجمع عليه الفقه ( [18] ) والقضاء ( [19] ) في مصر .


 ( [1] ) بعض المراجع :مازو 2 فقرة 1071 – فقرة 1137 – بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 592 – فقرة 606 – بلانيول وريبير وبولانجييه 2 فقرة 1058 وفقرة 1063 – فقرة 1083 – كولان وكابيتان ولامورانديير 2 فقرة 357 – فقرة 361 – جوسران 2 فقرة 515 – فقرة 523 – الموجز للمؤلف فقرة 355 – فقرة 358 – الأستاذ مصطفي مرعي بك في المسئولية المدنية فقرة 235 – فقرة 254 – الدكتور حشمت أبو ستيت بك فقرة 511 – الدكتور مرقص في الفعل الضار فقرة 102 – فقرة 106

 ( [2] ) تاريخ النص :ورد هذا النص في المادة 244 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” حارس الحيوان مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، حتى لو ضل الحيوان أو تسرب ، ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان سبباً أجنبي لا يد له فيه ” . وأقرت لجنة المراجعة هذا النص تحت رقم المادة 180 من المشروع النهائي وأقره مجلس النواب ورأت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ أن عبارة ” حارس الحيوان ” قد تشتبه بالحراسة بالمعنى المفهوم ، وقد يخرج عنها المالك ، فقررت أن تكون صيغة المادة كما يأتي ” حارس الحيوان ولو لم يكن مالكاً له ” فأضافت عبارة ” ولو لم يكن له ” بعد عبارة ” حارس الحيوان ” لتبرر أن اصطلاح حارس الحيوان لا يفي اعتبار المالك حارساً أن توافرت الشروط المقررة في هذا الشأن . وقد اقترح على اللجنة الاستعاضة عن اصطلاح ” الحارس ” باصطلاح ” المنتفع ” فلم تر الأخذ بهذا الاقتراح لأن تعبير ” حارس الحيوان ” قد يتسع نطاقه لصور أخرى لا تتدرج تحت الصور المقترحة ، وقد استعمل الفقه في مصر اصطلاح الحراسة في هذا الشأن بوصفه مرادفاً لتعبير ( garde ) في اللغة الفرنسية ودلالة هذا التعبير معروفة وهي مرنة ، ومن غير المرغوب فيه حصرها في حدود الصور بخصوصها ، وتعبير المشروع مع هذا الإيضاح لا يدعو إلى ليس ولا يقيد الاجتهاد . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما عدلته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 423 – ص 428 ) .

 ( [3] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في تفضيل نص القانون الجديد ما يأتي : ” يعتبر هذا النص متقدماً على نظيره في نصوص التقنين المصري الحالي ( القديم ) من ناحيتين ( 1 ) فيلاحظ من ناحية أنه نوه صراحة بفكرة الحراسة ، وجعل حارس الحيوان مسئولاً عما يحدثه الحيوان من ضرر . هذه الفكرة لا تستخلص إلا اقتضاء من دلالة عبارة المادة 153 / 215 إذ تنص على إلزام ” مالك الحيوان أو مستخدمه بالضرر الناشئ عن الحيوان المذكورة ” وقد جهد الفقه الحديث في تحليل فكرة الحراسة تحليلاً دقيقاً بلغ به أحياناً حد الإرهاف أو التهافت . فهو يفرق على الأخص بين الحراسة المادية والحراسة القانونية والثانية دون الأولى هي التي تبني عليها المسئولية ، وعلى هذا النحو يسأل مالك الحيوان متى كانت له الحراسة القانونية عما يحدثه هذا الحيوان من ضرر للرائض الذي استخدمه للعناية به وقد عى التقنين اللبناني بالنص على هذا الحكم في عبارة صريحة ، فقضى في الفقرة الثانية من المادة 129 بأن تلك المسئولية تترتب ولو كان الحارس المضرور قد ارتبط من قبل بعقد من عقود كالإجازة الأشخاص مثلاً ، ما لم ينص على خلاف ذلك ” ويراعي أن الحراسة القانونية تظل قائمة ولو ضل الحيوان أو تسرب . ( ب ) ويلاحظ من ناحية أخرى أن المشروع اختار صراحة فكرة الخطأ المفترض ، وجعل منها أساساً لمسئولية حارس الحيوان . وقد جرى القضاء المصري على اتباع هذا الرأي ، رغم أن المادة 153 / 215 من التقنين المصري لم تذكر شيئاً في هذا الشأن وقد وقعت التقنينات الأجنبية من فكرة افتراض الخطأ هذه مواقف مختلفة فيما يتعلق بقوة القرينة التي تقوم عليها من حيث جواز سقوطها أو عدم سقوطها بإثبات العكس فبعض هذه التقنينات يبيح لحارس الحيوان الاكتفاء بإقامة الدليل على أنه التزام الحيطة الواجبة لمنعه من الإضرار أو لرقابته ( المادتان 94 / 86 من التقنين التونسي والمراكشي ، والمادة 2394 من التقنين البرتغالي والمادة 56 من تقنين الالتزامات السويسري والمادة 1527 من التقنين البرازيلي ، والمادة 190 من التقنين الصيني ) ,بعضها لا يبيح إثبات السبب الأجنبي ( المادة 81 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادة 129 من التقنين اللبناني ، والمادة 1905 من التقنين الأسباني ) ، وهذه هو ما اختاره القضاء المصري والقضاء الفرنسي ويتوسط التقنين الولوني هذين الرأيين ، فيكتفي من حارس الحيوان بإقامة الدليل على أن خطأ ما لم يقع منه أو من أحد ممن يسأل عنهم ( م 1489 ) ومع ذلك فهو يجيز للمحكمة رغم قيامه هذا الدليل أن تلزم مالك الحيوان أو مستخدمه بتعويض كل الضرر أو بعضه إذا اقتضت العدالة ذلك مع مراعاة الظروف ويسار المضرور ومالك الحيوان أو مستخدمه بوجه خاص ( المادة 149 في فقرتها الأخيرة ) ولم يبيح المشروع إلا إثبات السبب الأجنبي افتداء بما جرى عليه القضاء المصري في هذا الشأن ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 424 – ص 425 ) .

 ( [4] ) ويجب أيضاً أن نستبعد معيارين ، أحدهما قال به الأستاذان مازو ثم عدلا عن قولهما والآخر قالت به محكمة النقض الفرنسية .

فقد كان الأستاذان مازو يميزان بين الحراسة المادية 9 garde materielle ) والحراسة القانونية ( garde juridique ) فيجعلان الحراسة القانونية وهي حق يعطيه القانون للشخص في السيطرة على الشيء ، هي التي تترتب عليها المسئولية . وقد عدلا عن هذا الرأي على أثر حكم محكمة النقض الفرنسية في دوائرها المجتمعة في 2 ديسمبر سنة 1941 – 1 – 217 – وأنظر مازو 2 فقرة 1087 وفقرة 1159 ) ، وأخذ الأستاذان بمعيار السيطرة الفعلية في التوجيه والرقابة .

أما محكمة النقض الفرنسية في دوائرها المجتمعة فقد قضت في الحكم الذي أشرنا إليه بأن حارس الشيء هو من يستعمل الشيء بنفسه أو بواسطة تابع له الاستعمال الذي يلائم ممارسة مهنته ( ceiui qui par lui – meme ou par ses peposes,en fait lusage que – comporte lexercice de sa profession ) وهذا هو المعيار أرادت محكمة النقض أن تنزل فيه عند التعبير الذي استعمله القانون المدني الفرنسي في المادة 1358 ، إذ أن هذا النص يجعل المسئولي هو مالك الحيوان أو من يستعمله ( le proprietaire ou celui qui sen sert ) وقصدت به أن توفق بين عبارة القانون الفرنسي والتحليل الصحيح لمعنى الحراسة ولكن يؤخذ عليه أنه كان من يستعمل الحيوان الاستعمال الذي يلائم ممارسة مهنته تكون له في الغالب السيطرة الفعلية على الحيوان في يد غير اليد التي تستعمله الاستعمال الملائم للمهنة .

 ( [5] ) وقد جاء في مناقشات لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ما يؤيد هذا التفسير ، فقيل : ” إن التشريعات الحديثة تستعمل هذا الاصطلاح ( الحراسة ) في هذا المقام وقد استقر في لغة الفقة القانوني الحديث الذي جهد في تحليل فكرة الحراسة تحليلاً دقيقاً بلغ به أحياناً حد الإرهاف أو التهافت ، فقد كان يفرق على الأخص بين الحراسة المادية والحراسة القانونية ، والثانية دون الأولي هي التي تبني عليها المسئولية ، ولكن التطور اتجه إلى الاعتداء بالسيطرة الفعلية ، وعلى هذا النحو يسأل مالك الحيوان متى كانت له الحراسة الفعلية عما يحدثه هذا الحيوان من ضرر للرائض الذي استخدمه للعناية به ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 426 ) .

 ( [6] ) أنظر في هذا المعني مازو 2 فقرة 1104 – فقرة 1108 – ويرى الأستاذ مصطفي مرعي بك أن الذي تنتقل إليه الحراسة هو الذي يتسلم الحيوان بقصد الانتفاع به ، لأنه وهو ينتفع به يحيط بخصاله وطبائعه ، أما من يحوز الحيوان يحم صناعته التي تجيزه على تلقي كل حيوان يرد إليه ، كالراعي والبيطار والطبيب البيطري وشركات النقل ، فلا تنتقل إليه الحراسة ( المسئولية المدنية فقرة 245 ) .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بان المسئول عن الحيوان هو حارسه لا مالكه ( استئناف مختلط في 19 مارس سنة 1913 م 25 ص 239 ) . فلا يصح المالك متى سلم الحيوان إلى شخص آخر ينتفع به ويستخدمه لمصلحته فانتقلت إليه الحراسة ، والمالك هو الذثي يكون مسئولاً ( استئناف مختلط في 27 مارس سنة 1907 م 19 ص 187 ) . ولا يكون المالك مسئولاً إلا إذا ارتكب خطأ بان سلم الحيوان إلى شخص غير قادر على حراسته ( الحكم السابق ) ولكن مالك الحيوان يكون مسئولاً عن خطأ تابعه كالسائق ( استئناف مختلط في أول يونية سنة 1897 م 9 ص 364 ) .

وقضت محكمة الإسكندرية الكلية المختلطة بأنه إذا وقع الضرر من وأحد بين حيوانات متعددة ، ولم يعرف على وجه اليقين أيها هو الذي أحدث الضرر ، كان جميع الأشخاص الذين وجدت الحيوانات في حراستهم متضامنين في المسئولية . فإذا ترك صاحب الكلب كلبه طليقاً في الطريق العام ، فاختلط بكلاب أخرى ، وأصيب مار من هذه الكلاب ، ولم يعرف أي كلب عضه ، فأصحاب الكلاب جميعاً مسئولون بالتضامن ( محكمة الإسكندرية الكلية المختلطة في 19 ديسمبر سنة 1913 جازيت 5 رقم 30 ص 66 ) .

 ( [7] ) نقض فرنسي في 6 مايو سنة 1901 سيريه 1902 – 1 – 268 – وحكم آخر في 11 مايو سنة 1908 داللوز 1911 – 1 – 399 .

 ( [8] ) استئناف مختلط في 3 يناير سنة 1906 م 18 ص 83 .

 ( [9] ) نقض فرنسي في 30 يناير سنة 1928 سيريه 1928 – 1 – 177 – وحكم آخر في 24 يونية سنة 1930 سيريه 1931 – 1 – 121 .

 ( [10] ) مازو 2 فقرة 1122 .

 ( [11] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا عض كلب إنساناً ولم يكن الكلب موضوعاً في قيد بل ترك طليقاً في الحديقة مع أنه كلب ، خطر ، فإن صاحب الكلب مسئول حتى لو كان المضرور يعلم أن الكلب خطر ( استئناف مختلط في 3 أبريل سنة 1930 م 42 ص 402 ) .

 ( [12] ) وقد قضت في هذا المعني محكمة الاستئناف الوطنية بأنه إذا أصيب ” عربجي ” في أثناء خدمته بجرح بليغ من حصان مخدومه ، وكان عالماً بعيب الحصان ولكنه كان يحتاط لنفسه منه ، فإن السيد ملزم بالتعويض ارتكاناً على المادة 153 مدني ( قديم ) ، لأنه لم يثبت أن الضرر الحاصل نشأ عن خطأ الخادم أو بالقضاء والقدر ( استئناف وطني في 3 ديسمبر سنة 1912 المجموعة الرسمية 14 رقم 20 ص 37 ) . وقضت محكمة استئناف مصر الوطنية في مسئولية صاحب جمل عض جمله الجمال عندما كان يقدم له الطعام ، بأن القانون يفترض حصول الخطأ أو الإهمال من صاحب الحيوان ويعفي المجني عليه من عبء الإثبات ، سوء كان المجني عليه هو العامل الذي يقود الحيوان وعفي المجني من عبء الإثبات سواء كان المجني عليه هو العامل الذي يقود الحيوان أو أجنبياً عنه ، ولا يسقط هذا الافتراض القانوني قبل مالك الحيوان بإثبات عدم حصول خطأ أو إهمال منه ، بل يجب لذلك أن يثبت أن الإصابة حصلت بسبب قهري أو بخطأ المجني عليه ولما كان مالك الحيوان لم يثبت أن الإصابة حصلت بسبب قهري أو بخطأ المجني عليه . ولما كان مالك الحيوان لم يثبت أن الإصابة حصلت بسبب قهري أو بخطأ المجني عليه ، إذا لا يكفي أن يستنتج خطأ المجني عليه من هدوء طبيعة الجمل وعدم اعتياده على العض وأنه لا بد لذلك أن يكون قد أسئ إليه ، بل يجب أن يقوم الدليل على هذه الإساءة فإن افتراض الخطأ يبقى قائماً في جانب المالك ( استئناف مصر الوطنية في 15 مايو سنة 1929 المحاماة 9 ص 1080 ) وقضت أيضاً في قضية مماثلة ، سلم فيها الجمل جمله إلى أجير عنده لقيادته فعقر الجمل الأجير بأنه يؤخذ من نص المادة 153 مدنين أهلي ( قديم ) أن الشارع جعل مسئولية مالك الحيوان أو مستخدمه هي الأصل ، إلا إذا قام دليل قاطع على أن الضرر الذي أصاب الغير إنما أصابه بحادثة قهرية أو بإهماله هو ، والذي يستفيد من هذه المسئولية المفترضة ليس فقط الشخص الأجنبي عن المالك / ، بل يستفيد منها أيضاً الأشخاص الذين يعملون في خدمة المالك إذا كلفهم المالك المذكور بأن يسرقوا الحيوان أو يعتنوا به أو يقوموا بخدمة ( استئناف مصر الوطنية 17 يونية سنة 1931 المحاماة 12 رقم 261 ص 529 – انظر أيضاً محكمة مصر الكلية الوطنية في 2 نوفمبر سنة 1921 المجموعة الرسمية 24 رقم 48 ص 79 ) . وقضت استئناف أسيوط في هذا المعنى أيضاً بأن القانون في المادة 153 مدني ( قديم ) يفترض وقوع خطأ أو إهمال من مالك الحيوان الذي أحدث ضرراً بالغير ، ولذا جعله مسئولاً عن كل ضرر ينشأ عن الحيوان بلا أدني قيد ، والمصاب في غير حاجة إلى إقامة الدليل على خطأ أو إهمال من المالك لأن القانون افترض خطأه . ولما كان تدخل المصاب من تلقاء نفسه وهو عامل عند صاحب الحمير لمنع الحمير من التشاجر فيما بينهما دون الاستعانة بعصاً لا يعد خطأ أو إهمال منه ، لذلك تكون المسئولية واقعة على المالك لأن خطأه المفترض قانوناً لم يرفع بخطأ المصاب ( استئناف أسيوط في 15 أبريل سنة 1931 المجموعة الرسمية 33 رقم 44 ص 80 ) .

أما إذا ثبت خطأ في جانب المصاب ، فإن الخطأ قد ينفي علاقة السببية ما بين الضر والخطأ المفترض في جانب المسئول وقد قضت محكمة طنطا الاستئنافية بأنه إذا ثبت أن الجمل انتزع رباطه من الوتد وعض الخادم المكلف بخدمة المواشي ، وثبت أن الخادم لم يتخذ الاحتياطات الضرورية في ذلك الفصل من السنة لأنه لم يكمم الجمل ، وأن الجمل لم يكن حيواناً خطراً معتاداً على العض ، كان الضرر ليس إلا نتيجة إهمال المصاب وتعين دعواه ( طنطا استئنافي في 10 فبراير سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 120 ص 337 ) .

وإذا سلم صاحب الحيوان حيوانه إلى المستخدم لينتفع به انتفاعاً شخصياً انتقلت الحراسة إلى المستخدم ، ولا يكون صاحب الحيوان مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه الحيوان للمستخدم ( استئناف مختلط في 27 مارس سنة 1907 م 19 ص 187 ) .

ويذهب الأستاذ مصطفي مرعي بك إلى أن مالك الحيوان لا يكون مسئولاً تجاه خادمهم المكلف بمراقبة الحيوان ، بمقتضى خطأ مفترض ، بل يجب على الخادم أن يثبت خطأ في جانب المالك ، كأن يكون المالك قد أخفي عن خادمه عيباً يعلمه في الحيوان أو يكون المالك قد سلم الحيوان لخادم صغير لا تسمح له سنة بملاحظة الحيوان ، أو يكون المالك قد قصر في تجهيز الحيوان بالأدوات اللازمة لصدة وكبح جماحه ( المسئولية المدنية فقرة 241 ) .

 ( [13] ) وإذا اتفق شخصان على أن يتركا مواشيهما في مكان واحد ، وان يعفي كل منهما من مسئوليته عن مواشيه ، فإن شرط الإعفاء من المسئولية التقصيرية ، فيكون باطلاً ويعتبر كل منهما مسئولاً عن مواشيه قبل الآخر بمقتضى خطأ مفترض .

 ( [14] ) وتختلف مسئولية صاحب الحيوان الجنائية عن المسئولية المدنية ، في الأول لا يفترض الخطأ بل يجب إثباته . وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى بأنه لا يكفي لمحاكمة شخص جنائياً عما يصيب الغير من الأذى بفعل الحيوان أن يثبت أن ذلك الحيوان مملوك له ، لأن ذلك إذا صح مبدئياً أن يكون له سبباً للمسئولية المدنية ، فإنه لا يكفي لتقرير المسئولية الجنائية التي لا يصح أن يكون لها محل إلا إذا ثبت على المالك نوع من أنواع الخطأ في المحافظة على حيوانه ومنع أذاه عن الغير ، وفي هذه الحالة يجب بيان نوع هذا الخطأ في الحكم ووجه نسبته إلى مالك الحيوان بالذات ( نقض جنائي في 23 أبريل سنة 1931 المحاماة 12 رقم 143 ص 262 ) . أنظر في هذه المسألة الأستاذ مصطفي مرعي بك في المسئولية المدنية فقرة 236 .

 ( [15] ) الدكتور سليمان مرقص في الفعل الضار فقرة 106 – وقد كان الفقه في فرنسا يجعل افتراض الخطأ قابلاً لإثبات العكسِ ، وتابعه القضاء الفرنسي في ذلك . ثم تحول القضاء فجعل اقتراض الخطأ غير قابل لإثبات العكس ، وتحول الفقه إلى هذا النظر أيضاً ، وتبعهما في ذلك القانون المصري القديم ثم القانون المصري الجديد .

 ( [16] ) ولا يقوم افتراض الخطأ أيضاً في العلاقة ما بين حارس الحيوان وشخص غير المضرور ، فلو ثبت أن فعل الحيوان الذي أحدث الضرر كان سببه استفزاز أجنبي للحيوان ، وأراد حارس الحيوان أن يرجع بما دفع من تعويض للمضرور على هذا الأجنبي ، فلا يجوز للأجنبي في هذه الحالة أن يحتج بالخطأ المفترض في جانب الحارس لتقسيم التعويض فيما بينهما ( الدكتور سليمان مرقص في الفعل الضار فقرة 105 ص 123 ) .

 ( [17] ) انظر آنفاً فقرة 693 .

 ( [18] ) الموجز للمؤلف فقرة 358 – الأستاذ مصطفي مرعي بك في المسئولية المدنية فقرة 248 – الدكتور حشمت أبو ستيت بك فقرة 515 – الدكتور سليمان مرقص في الفعل الضار فقرة 106 .

 ( [19] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن المادة 153 مدني أهلي ( قديم ) نفترض حصول خطأ أو إهمال من صاحب الحيوان ، وهذا الفرض القانوني لا يسقطه إثبات عدم الحصول خطأ أو إهمال بل يجب لإسقاط المسئولية أن يثبت المسئول أن الإصابة حصلت بسبب قهري أو بخطأ المجني عليه ( استئناف مصر الوطنية في 15 مايو سنة 1929 المحاماة 9 رقم 585 ص 1080 ) . وقضت أيضاً بأن الذي يؤخذ من نص المادة 153 مدني أهلي ( قديم ) أن الشارع جعل مسئولية مالك الحيوان أو مستخدمه هي الأصل ، إلا إذا قام دليل قاطع على أن الضرر الذي أصاب الغير إنما بحادثة قهرية أو بإهمال هو ( استئناف مصر الوطنية في 17 يونية سنة 1931 المحاماة 12 رقم 261 ص 529 ) . وانظر أيضاً في هذا المعني استئناف أسيوط في 15 أبريل سنة 1931 المجموعة الرسمية 33 رقم 44 ص 80 – محكمة بني سويف في 11 فبراير سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 124 ص 346 . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن المسئولية عن الحيوان لا ترتفع إلا بإثبات السبب الأجنبي ( استئناف مختلط في 27 نوفمبر سنة 1902 م 15 ص 18 :ولا يكفي أن يقال أن الحصان جفل من قدوم راكب آخر أو أن المصاب كان يسير وسط الطريق ” . انظر أيضاً :استئناف مختلط في 9 ديسمبر سنة 1902 م 21 ص 58 ( ترك الحمال على الرصيف دون قيد ، ولكن المار تعرض له ليمر فأصيب : خطأ مشترك ) – وفي 26 يناير سنة 1921 م 33 ص 154 ( من يقود حيواناً في طريق عام يجب عليه أن يحكم وثاقه حتى لا يفلت منه ) – وفي 3 أبريل سنة 1930 م 42 ص 402 ( وقد سبقت الإشارة إلى هذه الحكم :لا يعفي حارس الحيوان من المسئولية أن يكون المصاب عالماً أن الكلب مطلق سراحه في الحديقة وهو كلب خطر ، فقد كان الواجب على الحارس إلا يدع الكلب وهو خطر مطلق السراح ) – وفي 11 أبريل سنة 1935 م 47 ص 238 – وقضت محكمة الإسكندرية الجزئية المختلطة في 8 ديسمبر سنة 1928 ( جازيت 20 رقم 187 ص 172 ) أنه تعتبر قوة قاهرة أن ينتزع حصان من أجراس مركبة الحريق فيجفل فيصيب ماراً .

نقلا عن محامي أردني

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s