المسئولية عن الأعمال الشخصية


المسئولية عن الأعمال الشخصية

523 – مسئولية تقوم على خطأ واجب الإثبات : المسئولية عن الأعمال الشخصية . أي عن عمل شخصي يصدر من المسئول نفسه ، هي مسئولية تقوم على خطأ واجب الإثبات . فالخطأ هنا غير مفروض ، بل يكلف الدائن إثباته فيجانب المدين . وهذه هي القاعدة العامة في المسئولية التقصيرية ، لم ينحرف القانون عنها إلى مسئولية تقوم على خطأ مفروض إلا في حالات معينة حصرتها النصوص .

والمسئولية ، في قاعدتها العامة ، لها أركان إذا توافرت ترتبت على المسئولية آثارها . فنحن نتكلم في أركان المسئولية ، ثم في آثار المسئولية .

الفرع الأول

أركان المسئولية التقصيرية

524 – أركان ثلاثة : تنص المادة 162 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :

 ” كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ( [1] ) ” .

ويتبين من هذا النص أن المسئولية التقصيرية ، كالمسئولية العقدية ، لها أركان ثلاثة : ( 1 ) الخطأ ( 2 ) الضرر ( 3 ) علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر . فنتكلم عن هذه الأركان الثلاثة تباعاً .

المبحث الأول

الخطأ ( * )

 ( La faute )

525 – مسألتان : تحدد أولاً فكرة الخطأ الذي يوجب المسئولية التقصيرية ، ثم نستعرض تطبيقات مختلفة لهذه الفكرة .

المطلب الأول

تحديد فكرة الخطأ في المسئولية التقصيرية

526 – آراء مختلفة في تحديد فكرة الخطأ : تضاربت الآراء في تحديد معنى الخطأ في المسئولية التقصيرية ، ونستعرض من هذه الآراء أكثرها ذيوعاً ، وهي أربعة :

فرأى شائع بين الفقهاء يقول إن الخطأ هو العمل الضار غير المشروع ، أي العمل الضار المخالف للقانون ( [2] ) . وهذا رأي لا يقدمنا كثيراً في تحديد معنى الخطأ . إذ يبقى أن نعرف ما هي الأعمال التي تلحق ضرراً بالغير وينهى عنها القانون . وإذا كانت هناك نصوص تعين بعض هذه الأعمال فإن الكثرة الغالبة منها لم يرد فيها نص . فيكون علينا أن نرسم لها ضوابط تعينها ، وهذا ما نتلمسه فلا نجده في هذا الرأي .

ورأى ثان – قال به الأستاذ بلانيول – يعرف الخطأ بأنه هو الإخلال بالتزام سابق ( [3] ) . يبقى هنا أيضاً أن نعرف ما هي هذه الالتزامات التي يعتبر الإخلال بها خطا . يحاول بلا نيول أن يحصرها في أربعة : الامتناع عن العنف ، والكف عن الغش ، والاحجام عن عمل لم تتهيأ له الأسباب من قوة أو مهارة ، واليقظة في تأدية واجب الرقابة على الأشخاص أو على الأشياء . وليس هذا تعريفاً للخطأ ، بل هو تقسيم لأنواعه .

ورأي ثالث للأستاذ إيمانوييل ليفى يقول إن تحديد الخطأ يقتضي التوفيق ما بين أمرين : مقدار معقول من الثقة توليه الناس للشخص فمن حقهم عليه أن يحجم عن الأعمال التي تضر بهم ، ومقدار معقول من الثقة يوليه الشخص لنفسه فمن حقه على الناس أن يقدم على العمل دون أن يتوقع الإضرار بالغير . فالشخص ما بين الإقدام والاحجام يشق لنفسه طريقاً وسطاً يساير ثقته بنفسه ، ولا يتعارض مع ثقة الناس به . ويدعى هذا المذهب بمذهب الإخلال بالثقة المشروعة ( confiance legitime trompee ) وهو كما نرى لا يتضمن ضابطاً بين هذا الطريق الوسط الذي يعصم الشخص من الخطأ إذا هو سلكه .

ورأى رابع يحلل الخطأ إلى عنصرين ، فهو اعتداء على حق يدرك المعتدى فيه جانب الاعتداء كما يقول ديموج ، أو هو إخلال بواجب يتبين من اخل به أنه اخل بواجب كما يقول سافاتييه ، أو هو انتهاك لحرمة حق لا يستطيع من انتهاك حرمته أن يعارضه بحق أقوى أو بحق مماثل كما يقول جوسران . والاعتداء على الحق ، والإخلال بالواجب ، والحق الأقوى أو الحق المماثل كل هذه الألفاظ لا تحدد معنى الخطأ ، بل هي ذاتها في حاجة إلى تحديد .

527 – الخطأ له ركنان – ركن مادي وركن معنوي : والرأي الذي استقر فقها وقضاء يقرب معنى الخطأ في المسئولية التقصيرية من معناه في المسئولية العقدية هو إخلال بالتزام عقدي . وقد رأينا أن الالتزام العقدي الذي يعد الإخلال به خطأ في المسئولية العقدية إما أن يكون التزاماً بتحقيق غاية ( obligation de resultat ) ، وإنما أن يكون التزاماً ببذل عناية ( obligation de moyen ) ( المصدر محامي شركات ). . أما الالتزام القانوني الذي يعتبر الإخلال به خطأ في المسئولية التقصيرية فهو دائماً التزام ببذل عناية . وهو أن يصطنع الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير . فإذا انحرف عن هذا السلوك الواجب ، وكان من القدرة على التمييز بحيث يدرك أنه قد انحرف .ن كان هذا الانحراف خطأ يستوجب مسئوليته التقصيرية .

ومن ثم يقوم الخطأ في المسئولية التقصيرية على ركنين : الركن الأول مادى وهو التعدى ( culpabilite ) ، والركن الآخر معنوى وهو الإدراك ( imputabilite , discernament ) .

1 – الركن المادي : التعدى

528 – مقياس التعدى مقياس موضوعي لا مقياس ذاتي : نستظهر مما تقدم أن الخطأ انحراف في السلوك . فهو تعد يقع من الشخص في تصرفه ، ومجاوزة للحدود التي يجب عليه التزامها في سلوكه . فكيف يقع هذا الانحراف ؟ وما هو ضابطه ؟

يقع الانحراف إذا تعمد الشخص الإضرار بالغير ما يسمى بالجريمة المدنية ( delit civil ) – أو إذا هو دون أن يتعمد الإضرار بالغير أهمل وقصر – وهذا ما يسمى بشبه الجريمة المدنية ( quasi – delit civil ) .

أما الضابط في الانحراف فيتصور أن يرد إلى إحدى وجهتين : وجهة ذاتية ( subjectif ) أو وجهة موضوعية ( objectif ) . فيقاس التعدي الذي يقع من الشخص مقياساً شخصياً ( in concreto ) إذا اخترنا الوجهة الذاتية ، أو مقياساً مجرداً ( in abstracto ) إذا آثرنا الوجهة الموضوعية .

والمقياس الشخصي يستلزم أن ننظر إلى شخص المعتدي نفسه ، لا إلى التعدي في ذاته . أو نحن ننظر إلى التعدى من خلال شخص المتعدى . فنبحث هل ما وقع منه يعتبر بالنسبة إليه انحرافاً في السلوك ، أي في سلوكه هو . فقد يكون على درجة كبيرة من اليقظة وحسن التدبير ، فأقل انحراف في سلوكه يكون تعدياً . وقد يكون دون المستوى المعادي في الفطنة والذكاء ، فلا يعتبر متعدياً إلا إذا كان الانحراف في سلوكه انحرافاً كبيراً بارزاً . وقد يكون في المستوى العادي المألوف . فالتعدي بالنسبة إليه لا يكون انحرافاً في السلوك بهذا القدر من البروز أو على تلك الدرجة من الضآلة ، ولكنه انحراف إذا وقع يعتبره جمهور الناس انحرافاً عن السلوك المألوف . والمقياس الشخصي على هذا النحو لا شك في عدالته . فهو يأخذ كل شخص بجريرته ، ويقيس مسئوليته بمعيار من فطنته ويقظته . وهو في الوقت ذاته يربط ما بين الخطأ القانوني والخطأ الأدبي . فالشخص لا يكون قد ارتكب خطأ قانونياً إلا إذا احس أنه ارتكب خطأ أدبياً . فضميره دليله ووازعه ، يشعره بما يهم أن يرتكب من خطأ ، ويثنيه عنه ، أو يسجله عليه ولكن المقياس الشخصي فيه عيب جوهري لا يصلح معه أن يكون مقياساً منضبطاً وافياً بالغرض . فهو يقتضي أن ننسب الانحراف في السلوك إلى صاحبه ، فننظر إلى الشخص ، ونكشف عما فيه من يقظة وما خلص له من فطنة ، وما درج عليه من عادات . وهذا كله أمر خفي ، بل لعله أن يكون من الخفاء بحيث يستعصى على الباحث المدقق كشفه . ثم هو بعد ذلك يختلف من شخص إلى شخص فالانحراف عن السلوك المألوف ، تراه الناس في العادة انحرافاً محققاً ، يكون تعدياً بالنسبة إلى شخص ذى فطنة أو شخص عادي ، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى شخص دون الاثنين في الفطنة . فما ذنب ذحية هذا الانحراف ؟ وما الذي يعنيه – وقد حاق به الضرر – من أن يكون المتسبب فيه شخصاً فوق المستوى العادي أو دون هذا المستوى وهل التعويض جزاء جنائي ينظر فيه إلى شخص المجرم قبل أن ينظر إلى الجريمة . فيصيب المجرم في نفسه قبل أن يصيبه في ماله ؟ أو هو جزاء مدني ينظر فيه إلى التعدي قبل أن ينظر إلى المتعدى ، فيصيب المسئول في ماله قل أن يصيبه في نفسه ؟ لا شك في أن التعويض جزاء مدني لا عقوبة جنائية . ولا شك كذلك في أن الدائن بمقتضى العمل غير المشروع ، كالدائن بمقتضى العقد ، ما تعنيه الظواهر النفسية بقدر ما تعنيه الظواهر الاجتماعية . فالخطأ كالإرادة شيء اجتماعي قبل أن يكون ظاهرة نفسية ، وكما يقف الدائن في العقد عند الإرادة الظاهرة يستخلص منها الإرادة الباطنة دون أن يعبأ بما يكنه مدينه من سريرة خفية ، كذلك الدائن في العمل غير المشروع ينبغي أن يقف عند الانحراف عن السلوك المألوف لا يعبأ بما ينطوي عليه مدينه من تراخ أو يقظة .

من أجل هذا كله رجح لأخذ بالمقياس المجرد دون المقياس الشخصي . فيقاس الانحراف بسلوك شخص تجرده من ظروفه الشخصية . هذا الشخص المجرد هو الشخص العادي الذي يمثل جمهور الناس ، فلا هو خارق الذكاء شديد اليقظة فيرتفع إلى الذروة ، ولا هو محدود الفطنة خامل الهمة فينزل إلى الحضيض : وهو الشخص الذي اتخذناه من قبل مقياساً للخطأ العقدي في الالتزام ببذل عناية ، حيث يطلب من المدين في الأصل أن يبذل عناية الرجل العادي . وهو شخص عرفه القانون الروماني ، وسماه برب الأسرة العاقل ( bon pere de famille ) ننظر إلى المألوف من سلوك هذا الشخص العادي ، ونقيس عليه سلوك الشخص الذي نسب إليه التعدي . فإن كان هذا لم ينحرف في سلوكه عن المألوف من سلوك الشخص العادي . فهو لم يتعد ، وانتفى عنه الخطأ ، ونفض المسئولية عن كاهله . أما إذا كان قد انحرف ، فمهما يكن من أمر فطنته ويقظته ، فقد تعدى ، وثبت عليه الخطأ ، وترتبت المسئولية في ذمته . بهذا وحده يسلم لنا مقياس منضبط صالح واف بالغرض . فلا نحن في حاجة إلى البحث عن خبايا النفس والكشف عن خفايا السرائر ، ولا المقياس يختلف في تطبيقه من شخص إلى شخص . بل يصبح التعدي أمراً واحداً بالنسبة إلى جميع الناس ، إذ أن معياره لا يتغير . فإذا جاوز الانحراف المألوف من سلوك الناس صار تعدياً ، يستوي في ذلك أن يصدر من فطن ذكي أو وسط عادي ، أو خامل غبي . ويصبح الخطأ شيئاً اجتماعياً لا ظاهرة نفسية ، فتستقر الأوضاع ، وتنضبط الروابط القانونية ( [4] ) .

ولا نريد في دفاعنا عن المقياس المجرد – وهو المقياس الذي أخذ به الجمهور من رجال الفقه والقضاء – أن تخفى ما ينطوي عليه من تسليم جزئي بقيام المسئولية على تحمل التبعة ( risqué ) . ذلك أن الشخص الذي هو دون المستوى العادي من الفطنة واليقظة . إذا اخذ بهذا القياس ، كان عليه أن يتحمل تبعة نشاطه فيما ينزل فيه عن المستوى العادي . فقد يكون استنفد ما وسعه من جهد ، وبذل ما في طاقته من حرص ويقظة ، ولكن ذلك كله لم ينهض به إلى مستوى الشخص العادي . فبعد انحرافه عن هذا المستوى تعديا ، ويصبح مسئولا . ومسئوليته هنا إذا كانت تقوم على خطأ قانوني بالنسبة إلى المقياس المجرد ، فهي لا تقوم على أي خطا بالنسبة إلى المقياس الشخصي ، ومن هنا يجيء تحمل التبعة . فكأن المطلوب من الناس جميعاً ، وهم مأخوذون بهذا المقياس المجرد ، أو يبلغوا من الفطنة واليقظة ما بلغ أوساطهم من ذلك . فمن علا عن الوسط كان علوه غنما ، ومن نزل عنه كان نزوله غرما . هكذا يعيش الإنسان في المجتمع ، وهذا هو الثمن الذي يدفعه للعيش فيه .

529 – التجرد من الظروف الداخلية لا من الظروف الخارجية : وهذا المقياس المجرد – مقياس السلوك المألوف من الشخص العادي – قد تجرد كما قلنا من جميع الظروف الذاتية الملابسة لشخص المتعدى ، إذ هي ظروف داخلية متصلة به ، فهو مأخوذ بمقياس السلوك المألوف من الشخص العادي حتى لو كان هو محدود الذكاء ، قليل الفطنة ، ضعيف الإدراك ( [5] ) ، وهو مأخوذ به أيضاً حتى لو كان بطيء الحركة ، خامل الهمة ، بليد الطبع . و هو مأخوذ به كذلك حتى لو كان عنيف التصرف ، ثائر الطبع ، عصبي المزاج – ولو أن سائق السيارة ليلا في المدينة كان ضعيف النظر ، أو كان صبياً صغيراً في السنن أو كان ريفياً لم يتعود القيادة في المدن ، أو كان امرأة لا تضبط أعصابها ، فإن شيئاً من هذا لا يغير من وجه المسألة . فما زال السائق مأخوذاً بمقياس السلوك المألوف من الشخص العادي . والشخص العادي هنا رجل سليم النظر . تعود القيادة ، يستطيع عند الاقتضاء أن يضبط أعصابه . هذه هي الصفات التي ألفتها الناس ، وما تنتظر بحق أن يكون عليها سائق السيارة ليلا في المدينة .

نقول : سائق السيارة ليلا في المدينة ، ولم نقل سائق السيارة إطلاقاً دون تحديد . ذلك أن الشخص العادي الذي جعل مقياساً مجرداً ، إذا كنا قد جردناه من جميع الظروف الملابسة لشخص المتعدى إذ هي ظروف داخلية تتصل بهذا الشخص بالذات ، فليس لنا أن نجرده من الظروف الخارجية إذ هي ظروف عامة تتناول جميع الناس . فلا نجرده أولاً من ظروف الزمان . فهو يسوق السيارة ليلا . وظرف الزمان هذا ظرف عام خارجي ، لا ينفرد به ، بل يستوي فيه مع سائر سائقي السيارات . ولا نجرده ثانياً من ظروف المكان . فهو يسوق السيارة في المدينة . وظرف المكان هذا هو أيضاً ظرف عام خارجي كظرف الزمان . وهناك ظروف أخرى خارجية عامة قد تحيط بسائق السيارة ، فيجب الاعتداد به ، وعدم التجرد منها . فهو قد يسوق سيارته في منعطفات ضيقة ، أو في شوارع مزدحمة بالناس ، أو على أرض مبللة . ففي مثل هذه الظروف الخارجية يجب عليه أن يصطنع الحيطة والأناة في السير . وهو قد يسوق سيارته في شوارع فسيحة أو في طرق خالية من الناس ، أو يخترق صحراء في طريق ممهد ، ففي مثل هذه الظروف الخارجية لا ضير عليه إذا هو أسرع .

نستظهر إذن مما قدمناه القاعدة الآتية : إن الشخص العادي ، الذي نجعل سلوكه المألوف مقياساً للخطأ . يجب أن يتجرد من الظروف الداخلية الذاتية الملابسة لشخص المتعدى دون أن يتجرد من الظروف الخارجية العامة التي تحيط بالتعدى . وأهم الظروف الخارجية العامة التي لا يجوز التجرد منها هي ظروف الزمان وظروف المكان .

وقبل أن نترك هذا الموضوع ، نعود إلى ظروف ثلاثة سبق أن اعتبرناها ظروفاً داخلية شخصية يجب التجرد منها . وهي ظرف السن ، وظرف الجنس ، وظرف الحالة الاجتماعية . فقد أسلفنا أن سائق السيارة ، حتى لو كان صبياً أو امرأة أو ريفياً ، يجب أن يقاس سلوكه بسلوك الرجل العادي المجرد من هذه الظروف الثلاثة . وإذا صح هذا النظر في شأن قيادة السيارة . حيث لا يختص بهذا العمل الصبيان أو النساء أو الريفيون دون غيرهم ، فإنه لا يصح في شأن الأعمال التي تعتبر عادة من أعمال الصبيان أو النساء أو أهل الريف ، فإن الصبي الصغير إذا لعب مع رفقائه لا ينبغي أن يقاس سلوكه بسولك الشخص الناضج في السن . كذلك المرأة إذا باشرت عملا تباشره النساء عادة . كالتعليم والتوليد والتمريض ، لا يقاس سلوكها فيه بسلوك الرجل . والريفي الساذج . وهو يعيش في قريته النائية عيشته المألوفة ، لا يقاس سلوكه بسلوك المتحضر المثقف ، ذلك أن الصبي الصغير فيما يقوم به من أعمال الصبيان ، والمرأة فيما تباشره من أعمال النساء ، والريفي فيما يسكن إليه من حياة قروية ، ينبغي أن يعتبر كل منهم منتمياً إلى طبقة قائمة بذاتها ، فيتجرد ، من كل طبقة من هذه الطبقات الثلاث ، شخص عادي يكون سلوكه المألوف هو المقياس الذي يقاس به سلوك جميع الأفراد التي تنتمي إلى هذه الطبقة . فالمقياس المجرد للصبيان ، فيما هو من أعمال الصبيان ، صبي مثلهم ، يتجرد عن الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بصبي بالذات . والمقياس المجرد للسناء ، فيما تباشر النساء عادة من أعمال ، امرأة منهن من وسطياتهن تتجرد عن الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بامرأة بالذات . والمقياس المجرد لأهل القرى ، فيما يدخل في حياتهم الريفية ، قروى منهم ومن أوسطهم يتجرد عن الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بقروى بالذات . أما قيادة السيارة فلا تدخل في أعمال الصبيان ، ولا هي من الأعمال التي تباشرها النساء عادة ، وليست محصورة في أهل القرى . لذلك كانت ظروف السن والجنس والحالة الاجتماعية بالنسبة إليها ظروفاً داخلية شخصية لا ظروفاً خارجية عامة . ومن ثم يتبين أن الظرف الواحد قد يكون ظرفاً داخلياً شخصياً بالنسبة إلى شيء معين ، ثم ينقلب إلى ظرف خارجي عام بالنسبة إلى شيء آخر . وفي هذه النسبية التي نقول بها ما يجعل المقياس المجرد أوفر مرونة وأكثر مطاوعة لمقتضيات الظروف ( [6] ) .

530 – عبء الإثبات في ركن التعدي : والتعدي على الوجه الذي بسطناه ، إذا وقع من شخص فألحق ضرراً بآخر ، كان على المضرور عبء إثبات وقوعه من المتعدى . فإن المسئولية هنا قد ترتبت على عمل شخصي صدر من المسئول ، وقد أسلفنا أن المسئولية عن الأعمال الشخصية تقوم على خطأ واجب الإثبات . فعلى الدائن في هذه الحالة أن يثبت أن المدين قد انحرف عن السلوك المألوف للرجل العادي ، فترتبت المسئولية في ذمته . وهذا هو عين ما قررناه في المسئولية العقدية . فقد قدمنا أن الدائن في العقد هو الذي يثبت إخلال المدين بالتزامه العقدي ، كما أن المدين هو الذي يثبت أنه قام بالتزامه ( [7] ) . وهنا ، في المسئولية التقصيرية ، يثبت الدائن أن المدين قد أخل بالتزامه القانوني ، فلم يصطنع الحيطة الواجبة في عدم الإضرار بالغير ، بأن انحرف عن السلوك المألوف للرجل العادي فألحق الضرر بالدائن ( [8] ) .

531 – حالات ثلاث تجعل التعدي عملا مشروعا : وإذا اثبت الدائن في المسئولية التقصيرية وقوع التعدى من المدين . رجع عليه بتعويض الضرر الذي أحدثه هذا التعدي . إلا أن المدين يستطيع أن يزيل عن التعدي صفة عدم المشروعية . فيقلبه إلى عمل مشروع لا يوجب مسئوليته . إذ هو أثبت أنه وقت أن ارتكب هذا العمل كان في إحدى حالات ثلاث : حالة الدفاع الشرعي ( etat de legitime defense ) . أو حالة تنفيذ لأمر صادر من الرئيس ( execution d’un ordre emanant d’un superieur hierarchique ) .

وقد عرض القانون المدني الجديد لهذه الحالات الثلاث بنصوص صريحة . وهي حالات نقلت عن القانون الجنائي ، وتعتبر هناك أسباباً للإباحة . ونستعرضها هنا في إيجاز .

532 – حالة الدفاع الشرعي : نصت المادة 166 من القانون المدني الجديد على أنه ” من أحدث ضرراً وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو ماله ، أو عن نفس الغير أو ماله ، كان غير مسئول ، على ألا يجاوز في دفاعه القدر الضروري ، وإلا أصبح ملزماً بتعويض تراعى فيه مقتضيات العدالة ( [9] ) ” .

فالدفاع الشرعى عن النفس أو المال يبيح التعدى ويجعله مشروعاً . ولكن يجب في ذلك توافر الشروط المعروفة للدفاع الشرعي وهي : ” ( أولاً ) أن يكون هناك خطر حال على نفس الدافع أو ماله ، أو على نفس الغير أو مال هذا الغير إذا كان عزيزاً عليه إلى درجة كبيرة . ولا يشترط وقوع الاعتداء على النفس أو المال بالفعل ، بل يكفي أن يكون قد وقع فعل يخشى منه وقوع هذا الاعتداء . ويترك هذا لتقدير الدفاع متى كان هذا التقدير مبنياً على أسباب معقولة ( [10] ) . ( ثانياً ) أن يكون إيقاع هذا الخطر عملا غير مشروع . فليس لمن ألقى القبض عليه بطريق قانوني أن يقاوم رجال الشرطة بحجة الدفاع الشرعي . ( ثالثاً ) أن يكون دفع الاعتداء بالقدر اللازم دون مجاوزة أو افراط . فإن جاوز الشخص حدود الدفاع الشرعي كان متعدياً ، وثبت في جانبه الخطأ . ولكن هذا الخطأ من جانب المعتدى عليه يقابله خطأ من جانب المعتدى ، فتكون مسئولية من جاوز حدود الدفاع الشرعي مسئولية مخففة ، والتعويض الذي يدفعه ” تراعى فيه مقتضيات العدالة ” كما يقضى النص ، وذلك طبقاً لقواعد المسئولية عن الخطأ المشترك ، وسيرد ذلك ذلك .

ومتى توافرت شروط الدفاع الشرعي ، كان دفع الاعتداء باعتداء مثله لا يعتبر تعدياُ ، بل هو عمل مشروعي لا تترتب عليه المسئولية . ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . ويمكن تخريج هذا الحكم على أحد وجهين :

 ( الوجه الأول ) أن دفع الاعتداء إذا اعتبر تعدياً فثبت الخطأ في جانب المعتدى عليه ، فإنه يبقى بعد ذلك أن هذا الخطأ قابله من جانب المعتدى خطأ اكبر منه ، إذ كان هو البادئ . والقواعد المعروفة في نظرية الخطأ المشترك تجعل الخطأ الأكبر يستغرق الخطأ الاصغر . ولكن تخريج الحكم على هذا الوجه لا ينفي التعدى في جانب المعتدى عليه ، إذ يعتبر دفعه للاعتداء خطأ وإن استغرقه خطأ أكبر منه .

 ( الوجه الثاني ) أن دفع الاعتداء لا يعتبر تعدياً ، وليس هو بخطأ أصغر استغرقه خطأ أكبر منه . بل هو عمل مباح مشروع . وتطبيق المقياس المجرد الذي يقاس به ركن التعدى يؤدي إلى هذه النتيجة . فما هو السلوك المألوف للشخص العادي إذا دهمه خطر ؟ إنه يدفع دون شك هذا الخطر بما وسعه من جهد ، مراعياً في ذلك تناسباً معقولا بين الخطر الذي يتهدده والوسيلة التي يدفع بها الاعتداء . فإذا لم ينحرف المعتدى عليه عن هذا السلوك لم يكن متعدياً . أما إذا انحرف عنه ، بأن لم يراع التناسب المعقول بين الخطر والوسيلة لدفعه ، اعتبر عمله تعدياً يخفف منه الاعتداء الذي بودئ به طبقاً لقواعد الخطأ المشترك .

ونحن نؤثر هذا التخريج ، لأنه هو الذي يتمشى مع المقياس المجرد لكن التعدي على النحو الذي أسلفناه ( [11] ) .

533 – حالة تنفيذ أمر صادر من الرئيس : نصت المادة 167 من القانون المدني الجديد على أنه ” لا يكون الموظف العام مسئولا عن عمله الذي اضر بالغير إذا قام به تنفيذا لأمر صدر إليه من رئيس ، متي كانت أطاعه هذا الأمر واجبة عليه ، أو كان يعتقد أنها واجبة ، وأثبت أنه كان يعتقد مشروعية العمل الذي وقع منه ، وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة ، وانه راعي في عمله جانب الحيطة ( [12] ) ” .

فإطاعة أمر صادر من الرئيس يجعل التعدي عملا مشروعاً بشروط ثلاثة : ( أولاً ) أن يكون من صدر منه العمل موظفاً عاملا ( [13] ) . ( ثانياً ) أن يكون قد صدر له أمر بتنفيذ هذا العمل من رئيس ، ولو غير مباشر ، طاعته واجبة عليه . وليس يكفي أن يعتقد الموظف أن طاعة الرئيس واجبة – وهذا ما كان المشروع التمهيدي للقانون الجديد يكتفي به – بل يجب إلى ذلك أن يعتقد أن طاعة الأمر ذاته الذي صدر إليه من الرئيس واجبة . فقد يصدر رئيس واجب طاعته إلى مرؤوسه أمراً غير واجب الطاعة ، فلا يجوز للمرؤوس في هذه الحالة أن ينفذ هذا الأمر غير المشروع ، وإلا كان تعدياً تترتب عليه مسئولية الموظف . مثل ذلك أن يصدر مأمور المركز أمراً لأحد الضباط بالقبض على متهم وحبسه دون أن يستصدر بذلك أمراً من النيابة العامة . ( ثالثاً ) أن يثبت الموظف أمرين : أولهما أنه كان يعتقد مشروعية الأمر الذي نفذه وأن هذا الاعتقاد مبنى على أسباب معقولة لا على مجرد الظن ( [14] ) . والثاني أنه راعى في عمله جانب الحيطة ، فلم يرتكب العمل إلا بعد التثبت والتحرى .

بهذه الشروط وفي هذه الحدود يكون تنفيذ الموظف لأمر غير مشروع عملا مشروعاً لا يوجب مسئوليته ، وإن كان يوجب بطبيعة المقياس المجرد ، مقياس السلوك المألوف من الشخص العادي . فإن الشخص العادي إذا وجد في الظروف التي حددتها الشروط المشار إليها لا يجد بداً من تنفيذ أمر رئيسه ، فالموظف إذن لم ينحرف عن هذا السلوك المألوف ، فلا يكون متعدياً ولا تترتب مسئوليته ( [15] ) .

وما يقال في إطاعة أمر الرئيس يقال أيضاً في إطاعة أمر القانون . فيكفي أن يكون الموظف العام قد اعتقد بحسن نية أنه قام بالعمل تنفيذا لما أمرت به القوانين أو لما اعتقد أن اجراءه داخل في اختصاصه ، وأن يثبت أن اعتقاده هذا مبنى على أسباب معقولة وانه لم يقدم العلى العمل إلا بعد التثبت والتحري ، حتى يكون عمله مشروعاً لأنه لم ينحرف به عن السلوك المألوف للرجل العادي ( [16] ) .

534 – حالة الضرورة : نصت المادة 168 من القانون المدني الجديد على أن ” من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر ، محدقا به أو بغيره ، لا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا ( [17] ) ” .

فالشروط التي يتطلبها النص حتى تتحقق حالة الضرورة هي : ( أولاً ) أن يكون الشخص الذي سبب الضرر ، هو أو غيره ، مهدداً بخطر حال . ولا فرق بين خطر يهدد النفس وخطر يهدد المال من حيث المسئولية المدنية . أما المسئولية الجنائية فلا ترتفع إلا إذا كان الخطر يهدد النفس ( م 61 عقوبات ) . ( ثانياً ) أن يكون هذا الخطر الحال مصدره أجنبي ، فلا يد فيه لمن سبب الضرر ولا لمن وقع عليه الضر رز فإذا كان الخطر مصدره من سبب الضرر فإن الحاقه الضرر بالغير لكي يتقى خطراً هو الذي جلبه على نفسه يعتبر تعدياً يوجب مسئوليته كاملة . وإذا كان الخطر مصدره هو من وقع عليه الضرر ، فإن دفع الخطر ولو بإلحاق ضرر بمن كان مصدراً لهذا الخطر يعتبر دفاعاً شرعياً يعفي من المسئولية أصلاً . ( ثالثاً ) أن يكون الخطر المراد تفاديه اشد بكثير من الضرر الذي وقع . ونرى هنا وجوب التمييز بين فروض أربعة : الفرض الأول أن يكون الضرر الذي وقع لا يعد شيئاً مذكوراً بجانب الخطر المراد تفاديه . فالشخص الذي يخشى الغرق لا يحجم عن إتلاف مال زهيد القيمة ، كأن يقتلع شجرة مملوكة للغير يمسك بها حتى ينقذ نفسه من الغرق . فإذا ارتفع الخطر إلى هذا الحد من الجسامة ، ونزل الضرر إلى هذا الحد من التفاهة ، أمكن القول إن الخطر هنا يعد قوة قاهرة تنفي المسئولية بتاتاًن فلا يرجع صاحب الشجرة بدعوى المسئولية التقصيرية ، وكل ما يرجع به هو دعوى االاثراء بلا سبب إذا توافرت شروطها . والفرض الثاني أن يكون الخطر المراد تفاديه اشد بكثير من الضرر الذي وقع ، وهذا هو الفرض المألوف في حالة الضرورة فالشخص الذي يستولى على دواء لا يملكه ، يعالج به نفسه من مرض دهمه ، يتفادى خطر المرض ، وهو في العادة اشد بكثير من الخسارة التي تصيب صاحب الدواء . ولم يبلغ الخطر منزلة القوة القاهرة – ومن ثم وجب التفريق بين القوة القاهرة وحالة الضرورة – ولكن المريض الذي استولى على الدواء يعتبر في حالة ضرورة ملحة تعفيه من المسئولية التقصيرية ، وإن كانت لا تعفيه من رجوع صاحب الدواء عليه بدعوى الإثراء بلا سبب . والفرض الثالث أن يكون الخطر المراد تفاديه اشد من الضرر الذي وقع ، ولكنه لم يبلغ حد القوة القاهرة ولا حد الضرورة الملحة فالشخص الذي يتلف مالا للغير ذا قيمة لا يستهان بها ، ليطفئ حريقاً شبت في داره ، لا يعفي من المسئولية التقصيرية جملة واحدة . وتقدر الضرورة بقدرها ، فيلزمه الاقاضي بتعويض مناسب ، أي بتعويض مخفف ، عن المسئولية التقصيرية – وهذا ما يقضي به النص صراحة – إلى جانب رجوع صاحب المال عليه بدعوى الإثراء بلا سبب . والفرض الرابع أن يكون الخطر المراد تفاديه مساوياً للضرر الذي وقع ، أو دونه في الجسامة ، وفي هذه الحالة لا يجوز لشخص أن يلحق بغيره ضرراً ليتفادى خطراً لا يزيد على هذا الضرر . ومن فعل ذلك كان متعدياً ، وتحققت مسئوليته التقصيرية كاملة ( [18] ) . ونحن في التمييز ما بين هذه الفروض الأربعة إنما نقيس المسئولية بمقياسها المجرد ، وهو السلوك المألوف للشخص العادي ، فحيث وقع انحراف عن هذا السلوك قامت المسئولية .

ولم يقع انحراف في الفرضين الأول والثاني ، لذلك لم تقم المسئولية . ووقع انحراف في الفرض الثالث ، ولكن خفف منه قيام الضرورة ، فجاء النص مخففاً للمسئولية . ووقع الانحراف كاملا في الفرض الرابع ، لم يخفف منه ضرورة تبرره ، فكانت المسئولية من أجل ذلك مسئولية كاملة ( [19] ) .

2 – الركن المعنوي : الإدراك

535 – مناط المسئولية التمييز : الإدراك هو الركن المعنوي في الخطأ . فلا يكفي ركن التعدي ليقوم الخطأ ، بل يجب لقيامه أن يكون من وقعت منه أعمال التعدي مدركاً لها . ولا مسئولية دون تمييز . فالصبي غير المميز ، والمجنون ، والمعتوه عتهاً تاماً ، ومن فقد رشده لسبب عارض كالسكر والغيبوبة والمرض ، والمنوم تنويماً مغنيطيسياً ، والمصاب بمرض النوم ، كل هؤلاء لا يمكن أن ينسب إليهم خطأ لأنهم غير مدركين لأعمالهم .

وهذه مسألة كاد الإجماع ينعقد عليها منذ تقررت في القانون الروماني ، وانتقلت منه إلى العصور الوسطى ، ومن هذه إلى العصور الحديثة . واعتبر سقوط المسئولية عن عديم التمييز من الناحيتين الجنائية والمدنية معاً خطوة خطاها القانون إلى الإمام .

536 – ركن الإدراك ينفي الخطأ عن عديم التمييز : ولكن تيار النظرية المادية في المسئولية التقصيرية ، وهي النظرية التي تبني المسئولية على تحمل التبعة لا على الخطأ . بدا في العهد الأخير يعيد إلى ميدان البحث مسئولية عديم التمييز . فأنصار النظرية المادية يقولون بالمسئولية حتى إذا انعدم التمييز ، فغير المميز إذا لم يكن قادراً على ارتكاب الخطأ يستطيع إحداث الضرر . والمسئولية عندهم إنما تقوم على الضرر . ونعوا إلى المتمسكين بالخطأ أساساً للمسئولية أن منطقهم يستلزم عدم المساءلة إذا انعدم التمييز . وأشاروا إلى حالات يكون من القسوة فيها إلا يعوض عديم التمييز إذا كان واسع الثراء ما أحدثه من ضرر جسيم لفقير معدم . فعمد بعض أنصار المسئولية المبنية على الخطأ إلى تعديل موقفهم من عديم التمييز . ورأوا في المقياس المجرد الذي اتخذوه معياراً للتعدى ما ظنوه يعينهم على القول بمسئولية عديم التمييز في نطاق الخطأ . فقالوا إن عديم التمييز ليس قادراً فحسب على إحداث الضرر ، بل هو أيضاً قادر على ارتكاب الخطأ . إذ الخطأ عندهم له ركن واحد هو التعدي والتعدي له هذا المقياس المجرد الذي سبق بيانه . وعديم التمييز . صغيراً غير مميز كان أو مجنوناً أو معتوهاً أو غير ذلك ، إذا قيس سلوكه بالسلوك المألوف للشخص العادي . بدا انحرافه ، ووضح شذوذه . ولم يدع مجالا للقول بأنه يتصرف تصرف المميزين . فهو إذا صدر منه عمل يضر بالغير ، كان العمل تعدياً يستوجب المساءلة . أما انعدام التمييز فهو ظرف داخلي شخصي لا يجوز أن يقوم له اعتبار . وقد تقدم أنه يجب تجريد الشخص العادي الذي جعل مقياساً للتعدي من جميع الظروف الداخلية الشخصية .

ونبادر إلى القول إنه حتى لو قيل إن الخطأ ليس له إلا ركن واحد هو ركن التعدي ، فإن المقياس المجرد لهذا الركن لا يسعف في نظرنا القائلين بمسئولية عديم التمييز . فقد قدمنا أنه لا يصح اعتبار ظرف عام تشترك فيه طائفة من الناس ظرفاً داخلياً خاصاً بكل فرد من أفراد هذه الطائفة . عند تقدير ما يصدر عادة عن هذه الطائفة من أعمال . فالصبية والنساء والريفيون مقياسهم المجرد ، في الأعمال التي تصدر منهم في العادة ، لا يتجرد من عوامل السن والجنس والحالة الاجتماعية . ومقياس كل طائفة من هؤلاء شخص من أوسطهم ينتمي إلى الطائفة بالذات ، فلا يتجرد من المميز العام لهذه الطائفة ، وإن تجرد من الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بفرد منها بعينه . وكذلك عديمو التمييز هم أيضاً طائفة من الناس تشترك في مميز عام هو انعدام التمييز ، فلا يجوز أن يتجرد مقياسهم من هذا التمييز في تقدير الأعمال التي تصدر منهم في العادة ولما كان عديمو التمييز لا يتصور فيهم أن يتصرفوا تصرف المميزين ، فإن كل عمل يصدر منهم ، مهما كان غريباً شاذاً ، يدخل ضمن أعمالهم المعتادة ، ويجب إلا يتجرد المقياس فيه من عامل انعدام التمييز ( [20] ) . فإذا قيس سلوكهم في أي عمل يصدر منهم إلى السلوك المألوف من شخص عديم التمييز ، فإن هذا السلوك لا ينحرف عن مقياسه ، ولا يعتبر تعدياً . وعلى هذا الوجه يكون عديم التمييز غير مسئول .

هذا كله لو قيل إن الخطأ لا ينطوي إلا على ركن التعدي . والصحيح في نظرنا أن للخطأ ركناً آخر هو ركن الإدراك . ولا تزال المسئولية المدنية ، مهما جردناها من العوامل الأدبية ، مرتبطة بهذا العامل الأدبي لا يجوز أن تنفك عنه . فهي تقوم على التمييز . والشخص الذي لا يدرك ما يصدر عنه من عمل لا تجوز مساءلته لا ادبياً ولا جنائياً ولا مدنياً ، مادامت المسئولية تقوم على الخطأز وهذا هو فضل النظرية الشخصية . فهي تربط المسئولية بالخطأن وتربط الخطأ بالتمييز ، فتشيع في المسئولية عاملا أدبياً لا يجوز الاستغناء عنه ، إذ هو عنصر ذاتي يخفف من حدة العنصر الموضوع الذي يهيمن على مقياس الشخص المجرد ( [21] ) .

ويبقى أخيراً أن نلاحظ أن التمييز في المسئولية التقصيرية لا يكيف على أنه أهلية يجب توفرها . كالأهلية في العقد ، إنما التمييز هو ركن الإدراك في الخطأ . وبدونه لا يكون التعدي خطأ . وقد سبق ذكر ذلك عند الكلام في الأهلية .

ونستعرض الآن ركن الإدراك في الشخص الطبيعي ، ثم في الشخص المعنوي .

1 – الشخص الطبيعي :

537 – النصوص القانونية : نصت المادة 164 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :

1 – يكون الشخص مسئولا عن أعماله غير المشروعة متى صدرت منه وهو مميز ” .

2 – ومع ذلك إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ، ولم يكن هناك من هو مسئول عنه . أو تعذر الحصول على تعويض من المسئول ، جاز للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل ، مراعيا في ذلك مركز الخصوم ( [22] ) ” .

538 – التمييز ضروري وهو في الوقت ذاته يكفي – عديمو التمييز : فالأصل إذن أن الشخص ، حتى يكون مسئولا مسئولية تقصيرية ، يجب أن يكون مميزاً . والتمييز ضروري ، وهو في الوقت ذاته يكفي . أما أنه يكفي فيظهر ذلك في أن الصبي المميز يكون مسئولا مسئولية تقصيرية كاملة دون حاجة إلى أن يكون قد بلغ سن الرشد . وأما أنه ضروري فيظهر ذلك في أن الشخص غير المميز لا يكون مسئولا عن أعماله الضارة ، لأن الإدراك ركن في الخطأ ، فلا خطا من غير إدراك . وهذا الحكم ينطبق على كل شخص غير مميز ، أياً كان السبب في انعدام التمييز .

فالصبي غير المميز ، وهو الذي لم يبلغ الساعة من عمره ( [23] ) ، لا تصح مساءلته مساءلة تقصيرية . أما من بلغ السابعة فيفرض فيه التمييز وتصح مساءلته حتى يقوم الدليل على انعدام التمييز فيه لمرض عقلي أو لسبب عارض .

كذلك المجنون ( [24] ) لا تصح مساءلته ( [25] ) . ويفرض في المجنون استصحاب حالة الجنون ، إلا أن يقوم الدليل على أنه ارتكب العمل الضار وهو في لحظة من لحظات الافاقة ( intervalles lucides ) .

والمعتوه عتها كاملا عديم التمييز فلا تصح مساءلته . أما المعتوه المميز فتجوز مساءلته حتى لو كان محجوراً لتوافر ركن الإدراك فيه .

أما ذو الغفلة والسفيه ، ولو كانا محجورين ، والأصم والأبكم والأعمى ، ولو تعين لواحد منهم مساعد قضائي طبقاً لأحكام المادة 117 من القانون المدني الجديد . فتجوز مساءلتهم جميعاً ، لأنهم يدركون ما يصدر عنهم من أعمال ، ويميزون بين الخير والشر ( [26] ) .

وتنتفي المسئولية حتى لو كان انعدام التمييز يرجع إلى سبب عارض يزول . كالمنوم تنويماً مغنيطيسياً والمصاب بمرض النوم والمدمن على السكر أو المخدرات والمصاب بالصرع ونحو ذلك فمتى ثبت أن الشخص الذي ارتبك العمل الضار كان فاقد الوعي أو منعدم التمييز وقت ارتكابه لهذا العمل . فإنه لا تصح مساءلته لأن ركن الإدراك غير قائم .

539 – نطاق انعدام المسئولية لانعدام التمييز : وانعدام المسئولية لانعدام التمييز ذو نطابق ضيق . إذ يجب لانعدام المسئولية أن يكون الشخص قد انعدم فيه التمييز انعداماً تاماً بغير خطأ منه وأن يكون عديم التمييز هو المسئول وحده عن خطا غير مفروض ، ويترتب على ذلك ما يأتي :

 ( أولاً ) ما سبق أن قدمناه من أن المعتوه المميز وذا الغفلة وغيرهما من ناقصي التمييز تصبح مساءلتهم لأن التمييز فيهم لم ينعدم انعداماً تاماً .

 ( ثانياً ) إذا كان انعدام التمييز ليسبب عارض ، كالخمر والمخدرات ونحو ذلك . فإن عديم التمييز لا تنتفي مسئوليته إلا إذا كان سبب انعدام التمييز لا يرجع إلى خطأ منه . فإذا ثبت أن من فقد التمييز لسكر أو لمخدر كان يعلم أن السكر أو المخدر يفقده التمييز . فإنه يكون مسئولا عن عمله حتى لو ارتكبه وهو فاقد الوعي . وفاقد التمييز لسبب عارضه هو الذي يحمل عبء الإثبات ، فعليه أن يثبت أنه فقد التمييز بغير خطا منه . ولا يكلف المضرور أن يثبت أن فقد التمييز كان خطا من المسئول ( [27] ) .

 ( ثالثاً ) ويجب لانعدام المسئولية أن يكون عديم التمييز في مكان المسئول . فإن كان في مكان المضرور ، ونسب إليه إهمال ساعد على وقوع الضرر . فلا يرى القضاء المصري في بعض أحكامه أن يسقط هذا الإهمال من اعتباره عندما يزن المسئولية ، بل يعتبر أن هذا الإهمال هو خطا من المضرور عديم التمييز يستوجب تخفيف المسئولية طبقاً لقواعد الخطأ المشترك ( [28] ) .

 ( رابعاً ) ويجب أن يكون عديم التمييز في مكان المسئول وحده . فإذا وجد مسئول عنه كالأب أو المعلم أو نحو ذلك ( [29] ) ، فلا بد من نسبة الخطأ إلى عديم التمييز حتى تتحقق بذلك مسئولية المسئول عنه ، ويكون هذا مسئولا عن خطا الغير لا عن خطئه الشخصي . وسيأتي بيان ذلك بتفصيل أوفى .

 ( خامساً ) ويجب أخيراً ألا تكون مسئولية عديم التمييز قائمة على خطا مفروض فرضاً لا يقبل إثبات العكس . فإن كان عديم التمييز مسئولا عن تابعه أو عن أشياء في حراسته كحيوان أو آلة ميكانيكية . وأخذنا بالرأي الذي يقول إن المسئولية في هذه الحالة تقوم على خطأ مفروض فرضاً لا يقبل إثبات العكس . فإن الخطأ المفروض يكون قائماً في جانب عديم التمييز ، ولا ينفيه انعدام تمييزه . مثل ذلك الصغير غير المميز يكون مسئولا عمن هم في خدمته مسئولية المتبوع عن التابع ، وقد فرض الخطأ في جانبه ولو أنه عديم التمييز ( [30] )

540 – مسئولية عديم التمييز في حالات استثنائية : ثم إن القانون الجديد قد تدارك ما قد ينجم من ضرر من وراء انتفاء المسئولية لانعدام التمييز حتى فى هذا النطاق الضيق الذي رسمنا حدوده فيما تقدم . فقضى فى الفقرة الثانية من المادة 164 بأنه ” إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ، ولم يكن هناك من هو مسئول عنه ، أو تعذر الحصول على تعويض من المسئول ، جاز للقاضى أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل ، مراعياً فى ذلك مركز الخصوم ” .

ونبادر إلى القول بأن مسئولية عديم التمييز هنا لا يمكن أن تكون مبنية على خطأ . فالخطأ كما قلنا ركنه الإدراك ، وعديم التمييز لا إدراك عنده . وإنما تقوم المسئولية فى هذه الحالة على تحمل التبعة . فالشخص غير المميز ، بالشروط التي وردت فى النص ، يتحمل تبعة ما يحدثه من ضرر . ولذلك جاءت مسئوليته مشروطة ومخففة .

فهي أولاً مسئولية مشروطة . وشرطها ألا يجد المضرور سبيلاً للحصول على التعويض من شخص آخر غير عديم التمييز . والغالب أن يكون عديم التمييز موكولاً إلى رقابة شخص يكفله فالصغير غير المميز يكون عادة في كفالة أبيه أو جده أو أمه أو أحد من أقاربه والمجنون يكون في كفالة أحد من هؤلاء أو في كفالة أحد المستشفيات المعدة لعلاج الأمراض العقلية . فالمعهود إليه بالرقابة على غير المميز هو المسئول عما يحدثه غير المميز من ضرر كما سنرى . فإن وجد . كان هو المسئول وحده نحو المضرور ، ورجع المضرور عليه بالتعويض كاملاً . أما إذا لم يوجد ، أو وجد ولكنه استطاع أن ينفى الخطأ عن نفسه إذ هو خطأ قابل لإثبات العكس كما سيأتي ، أو لم يستطع نفى الخطأ ولكنه كان معسراً لم يستطع المضرور أن يحصل منه على التعويض ، فعند ذلك يرجع المضرور بالتعويض على عدم التمييز نفسه .

ومسئولية عديم التمييز في هذه الحالة مسئولية مخففة . فهو لا يكون مسئولاً حتماً عن تعويض ما أحدثه من الضرر تعويضاً كاملاً . ذلك لأن مسئوليته لا تقوم على خطأ كما قدمنا ، بل على تحمل التبعة ، فالقانون لا يحمله التبعة عن أعماله الضارة إلا في حدود عادلة . وأهم ما يراعيه القاضى في تقدير التعويض هو مركز الخصوم من الغني والفقر . فهو يقضى بتعويض كامل إذا كان عديم التمييز موفور الثراء وكان المضرور فقيراً معدماً وأصيب بضرر جسيم بسبب العمل الذي صدر من عديم التمييز . وهو يقضى ببعض التعويض إذا كان عديم التمييز ميسر العيش من غير وفر وكان المضرور في حاجة إلى التعويض ويجب على القاضى في هذه الحالة أن يترك لعديم التمييز من ماله مورداً كافياً للنفقة على نفسه وعلى من تجب عليه نفقتهم . وقد لا يقضى بتعويض أصلاً – لأن الحكم بالتعويض في الحالة التي نحن بصددها جوازى لا وجوبى – إذا كان عديم التمييز فقيراً لا مال عنده ، وبخاصة إذا كان المضرور في سعة من العيش . ويكون كذلك محل اعتبار في تقدير التعويض مقدار ما بذله المضرور من العناية لتوقي الضرر الذي أصابه من عديم التمييز ، فإن تعريض المضرور نفسه في غير حيطة لما عسى أن ينزل به من جراء عبث شخص لا تمييز عنده يعد خطأ منه قد يستغرق في بعض الحالات ما أتاه عديم التمييز . ولا عبرة بجسامة ما صدر من عديم التمييز من عمل ، فهو فاقد الإدراك ويستوي أن يصدر عنه الجسيم وغير الجسيم ( [31] ) . ولكن جسامة الضرر قد تكون محل اعتبار في تقدير التعويض ، فإن كان الضرر جسيماً بدا التعويض عنه أكثر عدلاً وأعلى قيمة . ويسترشد القاضى بوجه عام بجميع الظروف التي تلابس القضية يستعين بها على تقدير التعويض العادل .

والقانون المدنى الجديد . في استحداثه لهذه المسئولية الخاصة التي لم يكن القانون المدنى القديم يعرفها ( [32] ) . قد جارى في ذلك كثيراً من التقنينات الحديثة ( [33] ) .

ب – الشخص المعنوى

541 – جواز مساءلة الشخص المعنوى : المبدأ الذي استقر عليه القضاء والفقه في مصر هو جواز مساءلة الشخص المعنوى عن الأخطاء التي يرتكبها ممثلوه عند القيام بإدارة شؤونه . ولم يقع تردد في هذا المبدأ . وإذا كانت المسئولية الجنائية للشخص المعنوي يصعب التسليم بها لصعوبة تصور عقوبة جنائية تنزل بالشخص المعنوي إلا فيما يتعلق بالغرامة والمصادرة والحل ، فإن المسئولية المدنية يسهل التسليم بها . فإنها تقع في مال الشخص المعنوي والأمثلة كثيرة على الأخطاء التي يرتكبها ممثلو الشخص المعنوي . فيصبح هذا مسئولاً عنها : مدير شركة يفصل عاملاً في وقت غير لاحق فتكون الشركة مسئولة عن هذا الفصل ، سائق قطار يدهس أحد المارة بإهماله فتكون مصلحة السكك الحديدية مسئولة عن إهمال السائق . عامل البريد يضيع رسالة عهد إليه بتسليمها إلى صاحبها فتكون مصلحة البريد مسئولة عن العامل ( [34] ) .

ولما كان الشخص المعنوي يختلف عن الشخص الطبيعي في أنه لا يمكن أن ينسب له التمييز . فإن كثيراً من الأحكام تجعل مسئولية الشخص المعنوي عن أعمال ممثليه هي مسئولية المتبوع عن التابع . فتصل بذلك إلى تقرير المسئولية بالتضامن بين الشخص المعنوي وممثليه .

على أن هناك أحوالاً يصعب فيها الوصول إلى مساءلة الشخص المعنوى عن هذا الطريق غير المباشر . فقد يحدث أن الخطأ الذي يوجب المساءلة يكون قراراً صادراً من إحدى هيئات الشخص المعنوي ( مجلس إدارة الشركة أو جمعيتها العامة مثلاً ) . فلا يد إذن من نسبة الخطأ مباشرة إلى الشخص المعنوي ذاته . كذلك قد يكون الخطأ بحيث لا تجوز نسبته إلا إلى الشخص المعنوي . كما إذا قوضيت شركة لمنافسة تجارية غير شريفة أو لتقليد مزور ( [35] ) ففي مثل هذه الأحوال تكون مسئولية الشخص المعنوي مسئولية عن عمل شخصي ، لا مسئولية المتبوع عن تابعه . ولابد حينئذ من الاقتصار على ركن التعدى في الخطأ دون ركن التمييز . ويكفى لتحديد ما إذا كان الشخص المعنوى قد أخطأ أن يقاس تصرفه إلى تصرف شخص معنوى مجرد فى الظروف الخارجية التي تصرف فيها ، فإذا انحرف عن هذا المقياس المادى . كان هناك خطأ ، وتحققت المسئولية ( [36] ) .

542 – مساءلة الشخص المعنوى العام ( [37] ) : وقد يكون الشخص المعنوي المراد مساءلته هو الدولة ذاتها أو شخص معنوي عام كمجلس من مجالس المديريات أو المجالس البلدية أو غيره من الأشخاص العامة . وتتحقق مسئولية الشخص المعنوي في مصر على النحو الذي تتحقق به مسئولية الأفراد والهيئات الخاصة . وقواعد المسئولية التقصيرية واحدة للفريقين . ذلك أن الأقضية التي تقوم على هذه المسئولية بالنسبة إليهما معاً تدخل في اختصاص القضاء العادى؛ ولم يمتد حتى اليوم اختصاص محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة إلى مسئولية السلطات العامة عن أعمالها المادية ، ولا يزال هذا الاختصاص مقصوراً على المسئولية عن القرارات الإدارية . والقضاء العادى في مصر يطبق على مسئولية الدولة والسلطات العامة قواعد المسئولية التقصيرية التي يطبقها على الأفراد والهيئات الخاصة . وقد وصل في بعض الحالات إلى جعل الدولة مسئولة عن الخطأ مسئولية شخصية لا مسئولية المتبوع عن التابع ( [38] ) .

أما في فرنسا فمجلس الدولة هو صاحب الولاية العامة في جميع المنازعات الإدارية . فدخل في اختصاصه النظر في مسئولية الدولة مسئولية تقصيرية . وأخذت قواعد هذه المسئولية تتحور بالتدريج عندما تغير ميدان تطبيقها من النطاق المدني الخاص إلى النطاق الإداري العام . وقد كان مجلس الدولة الفرنسي بادئ الأمر يضيق من مسئولية الدولة عندما كان يتطلب خطأ على قدر معين من الجسامة لمساءلة الدولة ، وعندما كان يفرق بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي . ثم انتهى إلى التوسع في هذه المسئولية عندما ترك المبادئ المدنية ووضع مبادئ إدارية خاصة ، فجعل الدولة مسئولية عن الخطأ في سير العمل الإداري ( faute du service ) لا في الخطأ المصلحي ( faute de service ) فحسب ، ووصل بهذه المسئولية في بعض الحالات إلى حد جعل الدولة مسئولة عن تبعات الأعمال التي تولد أخطاراً جسيمة كالأشغال العامة ( travaux publics ) فبنى المسئولية في هذه الحالات على مبدأ تحمل التبعة ( risque ) .

543 – رقابة محكمة النقض على ركن الخطأ : ولمحكمة النقض الرقابة على قيام ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية . وإذا كان التعدى كعمل مادي يعتبر من مسائل الواقع . إلا أن وصفه القانوني بأنه تعد لأنه انحراف عن المألوف من سلوك الشخص العادى يعتبر من مسائل القانون . كذلك انتفاء المسئولية في حالة الدفاع الشرعى وتنفيذ أمر الرئيس وحالة الضرورة ، واشتراط التمييز لقيام الخطأ ، والحدود التي يسأل فيها عديم التمييز ، كل هذا يعتبر من مسائل القانون ويخضع لرقابة النقض ( [39] ) .


 ( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 230 من المشروع التهيدي على الوجه الآتي : ” كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكب الخطأ بتعويض الضرر ” . وفي لجنة المراجعة عدلت المادة تعديلا لفظياً فصارت مطابقة للنص الوارد في القانون الجديد ، وأصبحت المادة 167 ف يالمشروع النهئاي . وقد وافق عليها مجلس النواب ، ثم لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تحت رقم 163 ، ثم مجلس الشيوخ . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 353 – ص 356 ) .

وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” تنص المادة 230 من المشروع ( م 163 من القانون الجديد ) في عبارة أكثر ما تكون ايجازا ووضوحاً حكم المسئولية التقصيرية في عناصرها الثلاثة . فترتب الإلزام بالتعويض على ( كل خطأ سبب ضرراً للغي ر 9 . فلا بد أن من توافر خطأ وضرر ثم علاقة سببية تقوم بينهما . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 354 ) .

وتقابل المادة 163 من القانون الجديد المادة 151 من القانون الوطني القديم والمادة 212 من القانون المختلط القديم . وهذا نص كل منهما :

م 151 من القانون الوطني القديم : ” كل فعل نشأ عن ضرر للغير يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر . . . . ” .

م 212 من القانون المختلط القديم : ” كل فعل مخالف للقانون يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر الناشيء عنه ما لم يكن الفاعل غير مدرك لأفعاله ، سواء لعدم تمييزه بالنسبة لسنه أو لأي سبب آخر ” .

 ( [2] ) أنظر المادة 321 من القانون المختلط القديم ، وتقول : ” كل فعل مخالف للقانون . . ” . وقد سبق ذكرها .

 ( [3] ) وهذه هي عبارة بلانيول ذاتها : La fauto est un manquement a une obligation preexistante ( بلانيول 2 فقرة 863 ) .

 ( [4] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ويعني لفظ ( الخطأ ) في هذا المقام عن سائر النعوت والكنى التي تخطر للبعض في معرض التعبير كاصطلاح ( العمل غير المشروع ) ، أو ( العلم المخالف للقانون ) أو ( الفعل الذي يحرمه القانون ) الخ . . فهو يتناول الفعل السلبي ( الامتناع ) والفعل الايجابي ، وتنصرف دلالته إلى مجرد الإهمال والفعل العمد على حد سواء . وغنى عن البيان أن سرد الأعمال التي يتحقق فهيا معنى خطا في نصوص التشريع لا يكون من ورائه إلا إشكال وجه الحكم ، ولا يؤدي قط إلى وضع بيان جامع مانع . فيجب أن يترك تحديد الخطأ لتقدير القاضي . وهو يسترشد في ذلك بما يستخلص من طبيعة نهي القانون عن الإضرار من عناصر التوجيه ، فثمة التزام يفرض على الكافة عدم الإضرار بالغير ، ومخالفة هذا النهي هي التي ينطوي فيها الخطأ . ويقضي هذا الالتزام تبصراً في التصرف ، يوجب أعماله بذل عناية الرجل الحريص ( إقرأ الرجل العادي ) .

وقد أقر التقنين النمساوي هذا الضابط التوجيهي إقراراً تشريعياً ، فنص في المادة 1297 على أنه ( يفترض فيمن يتمتع بقواه العاقلة أن تتوافر لديه درجة الانتباه والعناية التي تتوقع في سواد الناس . ويتحقق معنى الخطأ في كل عمل ينشأ عنه ضرر بحقوق الغير إذا لم يلتزم من وقع منه هذا العمل تلك الدرجة ) . وقد عرض التقنين البولوني ، بعد أن وضع المبدأ العام في المسئولية التقصيرية ، لصورة التحريض والإعانة على الإضرار وصورة الافادة من الضرر . فقرر في المادة 136 مسئولية من يحرض شخصاً آخر على لااضرار بالغير أو يعينه على ذلك ، كما قرر مسئولية من يفيد عن بينة من ضرر يصيب الغير ، أما حكم الصورة الأولى ، وهي الخاصة بمسئولية الشريك ، فلا وجه للشك فيه ، لأن الاشتراك في ذاته يعتبر خطأ مستقلا ، ولكن حكم الصورة الثانية لا يزال محلا للنظر من وجوه ، فإذا لم يكن قد وقع ممن أثرى على هذا النحو خطأ معين ، ولم يجاوز أمره حدود الانتفاع عن بينة من ضرر أصاب الغير ، فلا تجوز مساءلته إلا بمقتضى قواعد الاثراء بلا سبب ( أنظر المادة 50 من تقنين الالتزامات السويسري ) ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 354 – ص 355 ) .

 ( [5] ) بحيث لا يصل ضعف الإدراك إلى حد انعدام التمييز ، وإلا انعدم الركن المعنوي للخطأ . وسنرى ذلك فيما يلي :

 ( [6] ) ولا يقتصر تطبيق المقياس المجرد على الخطأ غير العمدي ( الإهمال أو التقصير ) نفى الخطأ العمدي أيضاً يطبق المقياس المجرد . ولا يكفى لتطبيقه أن يقال إن الشخص العادي في سلوكه مألوف لا يقصد الإضرار بالغير ، فيكون الخطأ العمد انحرافاً عن هذا السلوك المألوف ( أنظر مازو 1 فقرة 439 ) . ذلك أن من يتعمد الإضرار بالغير لا يكون مخطئاً في جميع الأحوال . فالتاجر الذي ينافس تاجراً آخر منافسة شريفة لا يكون مسئولا حتى لو تعمد الإضرار بمنافسة . وإنما يكون من يتعمد الإضرار بالغير متعديا إذا هو انحرف في سلوكه عن السلوك المألوف للشخص العادي . فها نحن هنا نطبق المقياس المجرد ، ولا يعنينا عنه قصد الإضرار بالغير . ( قارن الدكتور سليمان مرقص في الفعل الضار فقرة 30 ) .

 ( [7] ) أنظر آنفاً فقرة 429 .

 ( [8] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ولما كان الأصل في المسئولية التقصيرية بوجه عام أن تناط بخطأ يقام الدليل عليه ، لذلك ألقى عبء الإثبات فيها على عاتق المضرور ، وهو الدائن ، ويراعى أن المشروع لم يبلغ في هذه الناحية شأو التقنين السوفيتي في ابتناء تلك المسئولية على أساس الخطأ المفروض . فقد انتهى هذا التقنين ، تفريعا على ذلك ، إلى تقرير قاعدة أخرى بشان الإثبات فقضى في المادة 403 بان ( من اضر بالغير في شخصه أو ماله يلزم بتعويض الضرر ، ويبرأ من التزامه هذا إذا أقام الدليل على أنه لم يكن في مقدوره أن يتقى هذا الضرر ، أو أنه كانت له سلطة إحداثه قانونا ، أو أنه حدث من جراء سبق إصرار المضرور أو إهماله الفاضح ) . ويراعى من ناحية أخرى أن الشقة بين أحكام المشروع وبين المسئولية على ساسا تبعة المخاطر المستحدثة لا تزال أبعد مدى ، مما يفرق تلك الأحكام عن المسئولية على أساس الخطأ المفروض . ذلك أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد لا تقتضي تطوراً يبلغ في عمقه مثل هذا المدى . وقصارى ما هناك أن المشروع قنع بتطبيق المسئولية على أساس الخطأ المفروض في نطاق الأحكام الخاصة بالمسئولية عن عمل الغير والمسئولية الناشئة عن الأشياء . أما المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة فلا يوجد في شأنها سوى تشريعات خاصة تناولت تنظيم مسائل بلغت من النضوج ما يؤهلها لهذا الضرب من التنظيم ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 395 ) .

 ( [9] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 233 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” من أحدث ضرراً وهو في حالة دفاع شرعي ، سواء تعلق هذا الدفاع به أو بغيره ، كان غير مسئول ، عن ألا يجاوز في ذلك القدر الضروري ، وإلا أصبح ملزماً بتعويض تراعى فيه مقتضيات العدالة ” . وفي لجنة المراجعة تناقش الأعضاء فيما هو الدفاع الشرعي ، واستقر الرأي على أن الدفاع الشرعي هو المحدد بشروطه في القانون الجنائي ، وقد أصبح نص المادة النهائي كما يأتي : ” من أحدث ضررا وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عن غيره كان غير مسئول ، على ألا يجاوز في دفاعه القدر الضروري ، وإلا أصبح ملزماً بتعويض تراعى فيه مقتضيات العدالة ” . وأصبح رقمها 170 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اقترح النص ، في حالة مجاوزة حدود الدفاع الشرعي ، على أن يكون التعويض بقدر المجاوزة ، فأجيب بأن نص المشروع يفيد هذا المعنى ومن المتفق عليه أن التعويض يقتصر على مقدار المجاوزة في الدفاع ، وقد وافقت اللجنة على هذا التفسير ، ثم استعيضت عبارة ” في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عن غيره ” بعبارة ” في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله ” لإظهار أن الدفاع يشمل المال أيضاً وتمشياً مع الأحكام المقررة في هذا الشأن في قانون العقوبات . وأصبح رقم المادة 166 . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 369 – ص 372 ) . أنظر أيضاً الفقرة الأولى من المادة 72 من المشروع الفرنسي الإيطالي .

ولا يوجد مقابل لهذا النص في القانون القديم ، ولكن القاعدة كمان معمولاً بها ، والقانون الجديد لم يفعل غير أن قنن أحكام القضاء في ذلك . وورد نصوص في قانون العقوبات عن الدفاع الشرعي نذكر منها ما يأتي :

م 245 عقوبات : ” لا عقوبة مطلقاً على من قتل غيره أو اصابة بجراح أو ضربه أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله ” . ( وتراجع المواد من 246 إلى 250 وقد بينت الظروف التي ينشأ عنها هذا الحق والقيود التي يرتبط بها ) .

م 251 – عقوبات : ” لا يعفى من العقاب بالكلية من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصداً إحداث ضرر اشد مما يستلزمه هذا الدفاع . ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية أن يعده معذوراً إذا رأى لذلك محلا وأن يحكم عليه بالحبس بدلا من العقوبة المقررة في القانون ” .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ولمن أحدث الضرر كذلك أن يتنصل من تبعة عمله ويدفع المسئولية عن نفسه . . . إذا اثبت توافر سبب من أسباب الإباحة وهي ثلاثة : الدفاع الشرعي ، وصدور أمر من رئيس ، والضرورة : أما حالة الدفاع الشرعي فقد عرفها التقنينان التونسي والمراكشى في المادتين 104 – 95 بأنها ( حالة يجبر فيها الشخص على العمل لدرء اعتداء حال غير مشروع موجه إلى شخصه أو ماله ، أو موجه إلى شخص الغير أو ماله ) . فمن يقوم بالدفاع الشرعي في مثل هذه الحالة ، فيحدث ضرراً للمعتدى ، لا يكون مسئولا ، ولا يعتبر ما وقع منه خطا يوجب المسألة . وقد نص التقنين الألماني صراحة على ذلك ، فقضى في المادة 227 بأن ” كل عمل يفرض على الشخص جبراً في سبيل الدفاع عن النفس لا يعتبر مخالفاً للقانون ” . ولم يقتصر القانون البرتغالي على تخويل الشخص حق الدفاع عن نفسه فحسب ، بل جاوز هذه الحدود ، وجعل من ذاك الدفاع واجباً يقع على عاتق من يشهد الاعتداء . وليس هذا الواجب مجرد واجب أدبي ، وإنما هو واجب قانوني تترتب عليه تبعات قانونية . وقد نصت المادة 2368 من هذا التقنين على أن ” كل من يمتنع عن مقاومة عمل غير مشروع ، وكان لا يعرض نفسه لخطر لو أنه قاومه ، يسأل عن التعويض مسئولية احتياطية ” . وبديهي أن المسئولية لا ترتفع في حالة الدفاع الشرعي إلا إذا كان من ألجئ إليه قد اقتر على القدر اللازم لدفع الخطر في غير إفراط . فإذا جاوز هذا القدر اعتبر ما وقع منه من قبيل الخطأ ، وقاسم المعتدى بذلك تبعة خطأ مشترك يتردد بينهما . وفي هذه الصورة يقضي للمضرور بتعويض عادل ولكنه تعويض مخفف يقدره الثاني وفقاً لقواعد الخطأ المشترك ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 378 – ص 379 ) .

 ( [10] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يشترط في القانون لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد وقع اعتداء على النفس أو المال بالفعل ، بل يكفي أن يكون قد وقع فعل يخشى منه وقوع هذا الاعتداء . وتقدير الدفاع أن الفعل يستوجب الدفاع يكفي فيه أن يكون مبنياً على أسباب معقولة من شأنها أن تبرر ذلك . وما دامت العبرة في التقدير بما يراه الدافع في ظروفه التي يكون فيها ، فإن رأى المحكمة وهي تصدر الحكم في الدعوى يجب إلا يحسب له حساب في ذلك . وإذن فقول الحكم بأن المتهم لم يصب لا هو ولا أ؛د من الأهالي بأية إصابة ، وأن قصد العساكر المجني عليهم من إطلاق النار وتصويب البندقية إليه كان مجرد التهديد – هذا القول على اطلاقه لا يصلح سبباً لنفي ما تمسك به المتهم من أنه كان في حالة دفاع شرعي ، إذ هو لو كان اعتقد في الظروف التي كان فيها أن العيار الذي أطلق كان مقصوداً به أصابته أو إصابة أحد ممن كانوا معه بمحل الواقعة لكان اعتقاده له ما يبرره ولكن كافياً في تبرير فعل القتل الذي وقع منه ( نقض جنائي في 28 ديمسبر سنة 1942 المحاماة 24 رقم 98 ص 321 – أنظر أيضاً نقض جنائي في 5 ابريل سنة 1943 المحاماة 25 رقم 83 ص 493 ) . وقضت كذلك بأنه إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن المتهم لم يطلق المقذوف الناري الذي أصاب المجنى عليه إلا حين رآه عند الفجر في زراعته يسرق منها فهذا ، متى كانت الاصابة غير مميتة ، مما يسوغ القول بأن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن ماله ( نقض جنائي في 18 يناير سنة 1943 المحاماة 24 رقم 149 ص 460 ) .

 ( [11] ) أنظر جازو 1 فقرة 489 – هذا ولو أخذنا بالتخريج الأول ، واعتبرنا دفع الاعتداء خطأ استغرقه خطأ أكبر ، فتعذر تبرير الإعفاء من المسئولية التقصيرية في حالة الضرورة ، ولكان العمل الضار الذي يقع في هذه الحالة خطا قائماً لم يقابله خطا يستغرقه من جانب المضرور ( أنظر فقرة 534 فيما يلي ) .

 ( [12] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 234 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – لا يكون الموظف العام مسئولا عن عمله الذي اضر بالغير ، إذا قام به تنفيذاً لأمر صدر إليه من رئيس تجب عليه طاعته أو من رئيس يعتقد أن الطاعة واجبة له . 2 – على من أحدث الضرر أن يثبت أنه كان يعتقد مشروعية العمل الذي قام به ، بأن يقيم الدليل على أنه راعى في ذلك جانب الحيطة وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة ” . وفي لجنة المراجعة أبدلت عبارة ” من رئيس تجب طاعته أو من رئيس يعتقد أن الطاعة واجبة له ” بعبارة ” من رئيس نظامي متى كانت اطاعة هذا الأمر واجبة عليه أو متى كان يعتقد إنها واجبة ” ، وذلك لأن الرئيس ليس هو الذ يتجب طاعته ، بل الأمر الذي صدر من هذا الرئيس هو الذي تجب له الطاعة . وأصبح رقم المادة 172 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ حذفت كلمة ” نظامي ” لأنها تزيد ، وادمجت الفقرة الثانية في الفقرة الأولى بعد أن عدلت على الوجه الآتي : ” وأثبت أنه كان يعتقد مشروعية العمل الذي وقع منه وكان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة ، وأنه راعى في عمله جانب الحيطة ” وقد توخت اللجنة في التعديل إلا تفصل بين شقي الحكم فضلا يثير في لاذهن أن الأمر لا يعدو مجرد الإثبات كما كان يفهم ذلك من النص قبل التعديل ، فالواقع أن المسئولية لا ترتفع إلا إذا توافرت جميع العناصر التي يتضمنها النص ” . وأصبح رقم المادة 167 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 373 – ص 376 ) .

ولم يشتمل القانون المدني القديم على نص في هذه المسألة ، ولكن القضاء كان يسير على مقتضى هذا الحكم لانطباقه على القواعد العامة ( أنظر استئناف مختلط في 3 مارس سنة 1898 م 10 ص 174 – وفي 21 يونية سنة 1923 م 35 ص 521 ) .

ويشتمل قانون العقوبات على نص يقابل نص القانون المدني الجديد ، هو المادة 63 ، وتجري على الوجه الآتي :

 ” لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميرى في الأحوال الآتية : ( أولاً ) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه اطاعته أو اعتقد إنها واجبة . ( ثانياً ) إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن اجراءه من اختصاصه . وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة ” .

وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وترتفع المسئولية كذلك إذا كان العمل الضار قد وقع تنفيذاً لأمر صادر من رئيس إداري لانتفاء الخطأ في هذه الصورة . ويشترط لاعمال هذا الحكم شرطان . فيجب أولاً أن يكون محدث الضرر موظفاً عاما . ويجب ثانياً أن يكون العمل الضار قد وقع تنفيذاً لأمر صادر من رئيس إداري ولو لم يكن الرئيس المباشر . وعلى من أحدث الضرر أن يقيم الدليل ، لا على اعتقاده وجوب طاعة هذا الرئيس فحسب ( وقد رأينا أن المشروع النهائي جعل الطاعة واجبة أيضاً للآمر الصادر من الرئيس ) ، بل وكذلك على اعتقاده وجوب تنفيذ الأمر الصادر منه . وعليه كذلك أن يقم الدليل على أن اعتقاده هذا كان مبنياً على أسباب معقولة وانه راعى جانب الحيطة فيما وقع منه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 379 ) .

 ( [13] ) ولما كان القانون المدني القديم لم يشتمل على نص في هذه المسألة كما قدمنا ، فقد كان الفضاء لا يجعل صفة الموظف العام أمراً ضرورياً ( استئناف مختلط في 3 مارس سنة 1898 م 10 ص 174 – محكمة مصر المختلطة في 9 مارس سنة 1925 جازيت 17 رقم 18 من 24 ) . وكان يبحث هل الوكيل يكون مسئولا شخصياً وهو ينفذ تعليمات موكله ( استئناف مختلط في 17 مارس سنة 1920 م 32 ص 302 – وف ي 10 مايو سنة 1922 م 34 ص 389 ) ، وهل مدير الشركة يكون مسئولا شخصياً وهو ينفذ قرارات مجلس الإدارة ( استئناف مختلط في 28 مايو سنة 1900 م 12 ص 279 ) ، فكان يقضي بأن هؤلاء يكونون مسئولين متى كانوا يعلمون أن العمل الذي ينفذونه هو عمل غير مشروع .

 ( [14] ) وظاهر أنه لو اتضح أن الموظف العام كان يعلم عدم مشروعية العمل الذي ارتكبه ، فإنه يكون مسئولا ( استئناف مختلط في 21 يونية سنة 1923 م 35 ص 521 وقد سبقت الإشارة إلى هنا الحكم ) .

 ( [15] ) أنظر مازو 1 فقرة 497 .

 ( [16] ) أنظر المادة 63 من قانون العقوبات الفقرة ( ثانياً ) – وانظر في الموضوع : استئناف مختلط في 27 ديسمبر سنة 1923 م 36 ص 106 .

هذا وإذا كان الأمر الصادر من رئيس إداري يجعل العمل مشروعاً ، فإن الترخيص الإداري لا يعفى من المسئولية المدنية . فإذا حصل صاحب المصنع على رخصة بإدارة مصنعه بعد استيفائه الشروط المقررة ، فإنه يبقى مسئولا إذا اضر الغير بخطئه ، ولا يستطيع أن يدفع مسئوليته بأنه حصل على ترخيص بإدارة المصنع واستوفى الشروط التي تطلبتها الإدارة ( مازو 1 فقرة 498 ) .

 ( [17] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 235 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” من سبب ضرراً للغير ، وقاية لنفسه أو لغيره من ضرر محدق يزيد كثيراً على الضرر الذي سببه ، لا يكون ملزماً إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسب ” . واقرت لجنة المراجعة هذا النص ، وأصبح رقم المادة 172 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليه . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ عدل النص حتى أصبح مطابقاً للنص الوارد في القانون الجديد ، وأصبح رقم المادة 168 . ووافق عليه مجلس الشيوخ كما عدلته لجنته . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 377 – ص 381 ) . وانظر أيضاً في هذه المسألة المادة 77 فقرة 2 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادة 228 من القانون الألماني ، والمادة 52 فقرة 2 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 130 من القانون البولوني .

ولم يشتمل القانون المدني القديم على نص يقابل هذا النص في القانون المدني الجديد . ولكن قانون العقوبات تضمن النص الآتي :

م 61 عقوبات : ” لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى ” .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ويراعى اخيراً أن حالة الضرورة قد تستتبع التخفيف من المسئولية أو نفيها . فهي تؤدي إلى التخفيف إذا لم يكون للمضرور نصيب في قيامها . ويظل محدث الضرر مسئولا في هذه الحالة ، ولكنه لا يكون ملزماً إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسباً ، باعتبار أنه أجلئ إلى ارتكاب العمل الضار وقاية لنفسه أو لغيره من ضرر محدق اشد خطراً . فهو من هذه الناحية أيسر تبعة وأخف وزراً . أما الغير الذي وقع الضرر وقاية له فيكون مسئولا قبل محدث الضرر أي قبل المضرور وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب ، وينبغي التحرز ، في هذا المقام ، في التفريق بين حالة الضرورة وبين القوة القاهرة من ناحية ، وبين هذه الحالة وحالة الدفاع الشرعي من ناحية أخرى . ففي حالة الضرورة يكون لمحدث الضرر مندوحة عن إحداثه لو أنه وطن نفسه على تحمل الضرر الذي كان يتهدده . أما القوة القاهرة فهي على النقيض من ذلك تلجئ إلى الإضرار الجاء لا قبل للفاعل بدفعه . ثم أن الخطر الداهم الذي يقصد إلى توقيه في حالة الضرورة لا يكون للمضرور يد في إحداثه . ويختلف عن ذلك وضع المضرور في حالة الدفاع الشرعي ، فهو بذاته محدث ذلك الخطر . ويتفرع على ما تقدم أن حالة الضرورة قد تختلط بحالة الدفاع الشرعي إذا كان العمل الضار لم يدفع إليه خطر خارجي ، وإنما استلزمه خطر صادر من المضرور نفسه . ففي مثل هذه الحالة تنتفي المسئولية بتاتاً ، ويكون للضرورة حكم الدفاع الشرعي من هذا الوجه . وقد لمح التقنين الألماني هذه التفرقة ، فنص في المادة 228 على ا ، ( كل من اتلف أو خرب شيئاً مملوكاً للغير لدرء خطر يتهدده أو يتهدد غيره من جراء هذا الشيء لا يعد بذلك مخالفاً للقانون ، متى كان الإتلاف أو التخريب قد استلزمه دفع الخطر وكان الضرر متناسباً مع هذا الخطر . فإذا كان الفاعل قد أحدث الخطر بفعله سئل عن تعويض الضرر ) . وقد اتبع التفنين البولوني هذه التفرقة نفسها مع اختلاف في التعبير ، فنص في المادة 140 على أن ( كل من خرب أو اتلف شيئاً مملوكا للغير ، أو قتل أو جرح حيواناً مملوكا للغير ، وقاية لنفسه أو لغيره من خطر يتهدده أو يتهدد هذا الغير مباشرة من جراء هذا الشيء أو ذاك الحيوان لا يسأل عما يحدث من ضرر ، إذا كان لم يستجلب هذا الخطر ، وكان الفعل الذي ترتب عليه الضر لازماً ) . ويلاحظ أن التقنينين المتقدم ذكرهما يفرقان بين حالة إحداث الخطر من جراء شيء يملكه المضرور وبين حالة إحداث الخطر بخطأ من وقع الضرر منه . ففي الحالة الأولى تنتفي المسئولية بتاتاً ، في حين أنها تظل في الحالة الثانية كاملة غير منقوصة . على أن المشروع قد عرض لحالة أدق من الحالتين السابقتين ، فواجه صورة من صور الخطر تنجم عن ظروف خارجية لا يكون لمحدث الضرر أو المضرور يد فيها ، وقضى بتخفيف المسئولية في هذه الصورة عوضاً عن الإبقاء عليها أو نفيها في جملتها . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 379 – ص 380 ) .

أنظر في حالة الضرورة : مازو 1 فقرة 492 – فقرة 495 – ديموج 3 فقرة 240 و 6 فقرة 628 وما بعدها – سافاتييه 1 فقرة 98 وما بعدها ، وكذلك مقالا له نشر في مجموعة من الدراسات في القانون المدني لذكرى كابيتان ص 729 – وما بعدها – ريبير في القاعدة الأدبية في الالتزامات المدنية فقرة 46 – بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 567 – لالو فقرة 302 وما بعدها – لالمان ( Lallement ) رسالة من باريس سنة 1922 – ابوف ( Aboaf ) رسالة من باريس سنة 1941 – ستارك ( Starck ) رسالة من باريس سنة 1947 .

 ( [18] ) نقض أول فبراير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 488 ص 963 – وفي 17 نوفمبر سنة 1941 المحاماة 22 رقم 158 ص 468 .

 ( [19] ) بقيت مسألة أخيرة في ركن التعدى ، هي المقارنة ما بين وضعين لا تتحقق المسئولية في أي منهما مع إنهما وضعان مختلفان . فهناك وضع لم يقم فيه ركن التعدي فانتفى الخطأ ، ووضع انتفت فيه علاقة السببية لقيام السبب الأجنبي . ويخطئ من يظن أن هذين الوضعين متماثلان ، لا شك في أن قيام السبب الأجنبي تنتفي به المسئولية ، فلا محل عندئذ للبحث عما إذا كان هناك خطأ ، فهو حتى إذا كان موجوداً لا تتحقق به المسئولية . ولكن العسك غير صحيح . فإن السبب الأجنبي إذا لم يقم ، بقى محل للبحث هل الخطأ منتف أو موجود .

وتظهر الأهمية العملية لما تقرره في حالة ما إذا كان الخطأ مفروضاً فرضاً قابلا لإثبات العكس ، كما في مسئولية من تولى الرقابة على الغير . فإن المسئولية في هذه الحالة لا يطلب منه إثبات السبب الأجنبي ( cause etrangece ) ، بل يكفي أن يثبت انتفاء الخطأ ( absence de faute ) . وهذه مرحلة أيسر في الإثبات إذ يستطيع من فرض في جانبه الخطأ أن يثبت أن الطريق الذي سلكه لم ينحرف فيه عن الطريق المألوف الذي يسلكه الشخص العادي ، وبذلك ينتفي الخطأ . أما من يثبت السبب الأجنبي فإنه يثبت أن الطريق الذي سلكه هو الطريق الوحيد الذي كان يتحتم عليه أن يسلكه . والفرق ظاهر بين الوضعين .

فانتفاء الخطأ هو إذن مرحلة وسطى بين مرحلتين : وقوع الخطأ وقيام السبب الأجنبي ( أنظر مازو 1 فقرة 624 – فقرة 633 ) .

 ( [20] ) فالمجانين مقياسهم المجرد ، فيما هو من أعمال المجانين ، مجنون منهم تقاس تصرفاتهم إلى تصرفاته . ويلاحظ أن كل عمل يصدر من المجنون يعتبر من أعمال المجانين ، وأن المجانين سواسية في انعدام التمييز ، فأي مجنون يصلح أن يكون هو المقياس المجرد .

 ( [21] ) أنظر بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 968 – كولان وكابيتان ص 222 – ص 224 – بلانيول وريبير وغسمان 1 فقرة 498 – الموجز للمؤلف ص 325 – ص 327 – مصطفى مرعى بك ص 49 – ص 52 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت بك ص 311 – ص 313 – أنظر عكس ذلك مازو 1 فقرة 456 وما بعدها – الدكتور سليمان مرقص في الفعل الضار ص 35 – ص 37 – ومع ذلك أنظر ص 64 الدكتور عبد المعطي خيال بك مذكرات غير مطبوعة مشار إليها في مؤلف حشمت بك ص 312 .

هذا وقد بينا ما ينطوي عليه مقياس الشخص المجرد من تسليم جزئي يتحمل التبعة ، فلو قلنا بمساءلة عديم التمييز ، لسلمنا بالنسبة إليه بنظرية تحمل التبعة تسليماً كاملاً .

 ( [22] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 231 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يكون الشخص مسئولا عن أعماله غير المشروعة متى صدرت منه وهو مميز ، حتى لو لم يكن أهلاً للتعاقد . 2 – إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ، وتعذر رجوع المصاب بالتعويض على من نيضت به الرقابة على هذا الشخص ، جاز للقاضي انيلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل ، مراعياً في ذلك مركز الخصوم . 3 – إذا أحدث شخص ضرراً في وقت فقد فيه التمييز التزم بتعويض الضرر ، ما لم يثبت أنه كان قد فقد التمييز بغير خطأ منه ” . وفي لجنة المراجعة اقترحت تعديلات اللفظية ، واقترح أيضاً تعديل عبارة ” تعذر الرجوع على المسئول ” بعبارة ” تعذر الحصول على تعويض من المسئول ” حتى يتبين بوضوح أن التعذر ينصب على جواز الرجوع قانوناً وعلى إمكان الحصول على التعويض فعلا . ونوقشت الفقرة الأخيرة من المادة ، ورؤى بعد المناقشة أن تحذف هذه الفقرة لعدم الحاجة إليها ، ولأنها لو أقرت لوجب البحث في الحالة التي يفقد الشخص التمييز فيها بغير خطأ منه فيما إذا كان هذا الشخص يبقى مسئولا بمقتضى الفقرة الثانية ، وقد رأت اللجنة أن المسئولية تبقى في هذه الحالة ولكن كل ذلك يستفاد من تطبيق القواعد العامة فلا حاجة إلى هذه الفقرة الأخيرة . وقد أصبح نص المادة بعد هذه التعديلات كالآتي : ” 1 – يكون الشخص مسئولا عن أعماله غير المشروعة متى صدرت منه وهو مميز ولو لم يكن هناك أهلاً للالتزام بالعد . 2 – ومع ذلك إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ، ولو لم يكن هناك هو مسئول عنه أو تعذر الحصول على تعوض من المسئول ، جاز للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل ، مراعياً في ذلك مركز الخصوم ” . وأصبح رقم المادة 168 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ حذف من الفقرة الأولى عبارة ” ولو لم يكن أهلاً للالتزام بالعقد ” لأنها تزيد لا تقتضيه ضرورة ( المؤلف : ويمكن القول بأن في هذا الحذف تجنباً للخلط بين الأهلية وركن الإدراك في الضرر ) . ووافقت اللجنة على الفقرة الثانية ولو أن حكمها مخالف للقواعد المعمول بها ، وإنما تقضي به العدالة ، وله سند من الشريعة الإسلامية . إذ جاء في المادة 916 من المجلة ما يأتي : ” وإذا أتلف صبي مال غيره فيلزم الضمان من ماله ، فإن لم يكن له مال ينتظر إلى حال يساره ، ولا يضمن وليه ” . ولما اعترض في اللجنة على التعبير ” بتعويض عادل ” أجيب على هذا الاعتراض بأن مبدأ مسئولية الصبي غير المميز مأخوذ من الشريعة الإسلامية ، وهو في الواقع مبدأ جديد على القانون المدني ، والتعويض العادل أريد به أن يكون أقل من التعويض العادي وأن تراعى فيه اعتبارات قد لا تراعى في التعويض العادي . فوافقت اللجنة على إبقاء التعبير كما هو . وأصبح رقم المادة 164 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 356 – ص 361 ) .

وفي القانون المدني القديم نصت المادة 212 من القانون المختلط على ما يأتي : ” كل فعل مخالف للقانون يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر الناشئ عنه ، ما لم يكن الفاعل غير مدرك لأفعاله ، سواء لعدم تمييزه بالنسبة لسنه أو لا يسبب آخر ” .

أنظر أيضاً المادتين 75 و 76 من المشروع الفرنسي الإيطالي والمادة 54 من قانون الالتزامات السويسري والمادتين 138 و 143 من قانون الالتزامات البولوني والمادة 122 الفقرتين الثانية والثالثة من القانون اللبنانين .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” جعل التمييز مناطاً للأهلية ( المؤلف : وقد بينا عدم الدقة في هذا القول ) في المسئولية التقصيرية . فمتى كان الشخص قادراً على تمييز الخير من الشر وجبت مساءلته عن خطئه ، فمرجع الأمر في هذا الشأن فكرة ذاتية أو شخصية يناط بها الحكم ولو وقع العمل الضار بعد فقد التمييز بصورة موقوتة متى كان هذا الفقد راجعاً إلى خطا الفاعل ، ويتعين على محدث الضرر ، إزاء ذلك ، أن يقيم الدليل على أن زوال التمييز طرأ عليه بغير خطأ منه إذا أراد أن يدفع المسئولية عن نفسه . فالخطأ يفترض في هذه الحالة ، والضرر لا يأتي إلا في المرتبة الثانية من حيث تسلسل النتائج ووصل رباط السببية بها ، إذ هو ينجم عن فقد التمييز وهذا بدوره يترتب على الخطأ . وقد أورد التقنينان التونسي والمراكشي تطبيقاً لهذا الحكم فنصا في المادتين 102 / 93 على أن ( حالة السكر لا ترفع المسئولية المدنية في الالتزامات الناشئة عن الجنح وأشباهها ، متى كانت هذه الحالة اختيارية . وترتفع المسئولية إطلاقاً إذا كان السكر غير اختياري ، ويقع عبء الإثبات على عاتق المدعى عليه ) . ويختلف عن ذلك حكم زوال التمييز بغير خطأ ممن أحدث الضرر ، إذ تستبدل بتلك الفكرة الذاتية فكرة موضوعية أو مادية . وإذا كانت المسئولية تظل قائمة في هذا القرض فهي مسئولية مخففة . وعلى هذا النحو تستأثر المسئولية الموضوعية أو المادية بالصدارة على المسئولية الشخصية أو الذاتية دون أن تحل محلها على وجه كامل وفلا تترتب مسئولية من زال عنه التمييز إلا بتوافر شرطين : أولهما أن يتعذر على المصاب الرجوع بالتعويض على من نيطت به الرقابة على من أحدث الضرر ، إما لعدم إقامة الدليل على مسئوليته وإما لإعساره . والثاني أن يسمح مركز الخصوم للقاضي بأن يقرر للمضرور تعويضاً عادلا . فيجوز رفض الحكم بالتعويض إذن ، إذا لم يكن غير المميز قادراً على ادائه ، بل ويجوز عند الاقتدار انقاص التعويض عدالة حتى يكون في حدود سعته . ويراعى في ذلك كله مركز المضرور نفسه من الناحية المادية وجسامة الخطأ ( ؟ ) ومدى الضرر ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 357 – ص 358 ) .

 ( [23] ) نصت الفقرة الثانية من المادة 45 من القانون المدني الجديد على أن ” كل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقداً للتمييز ” .

 ( [24] ) أنظر في مسئولية المجنون : وينز ( Weenz ) مقال له في المجلة الانتقادية سنة 1935 ص 87 – نيجي ( Neagu ) رسالة من باريس سنة 1929 – ليموزوني ( Limouzoanu ) رسالة من ديون سنة 1932 .

 ( [25] ) استئناف مختلط في 17 مارس سنة 1897 م ) ص 241 .

 ( [26] ) استئناف مختلط في 6 ابريل سنة 1882 بوريللي م 213 رقم 11 .

 ( [27] ) رأينا أن المشروع التمهيدي تضمن نصاً يقضي بأن فاقد التمييز لسبب عارض هو الذي يثبت أنه كان قد فقد التمييز بغير خطأ منه . وقد حذف هذا النص في المشروع النهائي اكتفاء بتطبيق القواعد العامة . ونرى أن الأصل في المميز أنه إذا فقد التمييز لسكر أو لمخدر يكون قد عرف ذلك في نفسه من قبل ، فأقدامه على السكر والمخدرات يعد خطأ منه ، إلا إذا اثبت أنه كان مضطراً أو أنه لم يعهد في نفسه من قبل أن يفقد الوعي . ويترتب على ذلك أن المصاب بمرض النوم أو الصرع لا حاجة به أن يثبت أن فقد التمييز لم يكن بخطأ منه ، فإن أمره واضح . وكثير من التقنينات الحديثة تقرر الحكم الذي تضمنه النص المحذوف من المشروع التمهيدي : أنظر م 102 / 93 من القانونين التونسي والمراكشي والمادة 54 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 138 من قانون الالتزامات البولوني .

 ( [28] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كان هناك خطا مشترك من سائق السيارة وهو يسير بسرعة ومن جهة الشمال ومن المضرور وهو طفل صغير سنه ست سنوات وقد تركه أبوه في الشارع فدهسته السيارة ، فإن مسئولية السائق ( ومخدومته ) تنزل إلى النصف باعتبار أن هناك خطا مشتركا من السائق ومن والد الطفل الذي ترك طفله في الشارع ( استئناف مختلط في 15 ديسمبر سنة 1948 م 61 ص 28 – وانظر أيضاً استئناف مختلط في 15 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 74 – وفي 5 مارس سنة 1931 م 43 ص 266 ) . ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا تبين أن حادثة ما ترجع إلى خطأ مشترك بين سائق الترام والمصاب ، وكان المصاب المنسوب إليه الخطأ صبياً غير مميز ، فإن شركة الترام وسائقها يسألان متضامنين قبل المصاب ( الطفل ) عن التعويض كاملا ، ولا يخفف من مسئوليتهما ما هو منسوب للصغير من الخطأ ، لأن الخطأ لا تصح نسبته له . وللشركة إذا شاءت أن ترجع على والد الصغير بمقتضى قواعد التضامن ( استئناف مختلط في 24 مايو سنة 1922 م 34 ص 426 ) . أنظر في نقد هذا الحكم الأخير مصطفى مرعي بك في المسئولية المدنية فقرة 61 . ونرى أن عمل الطفل إذا لم يعتبر خطا فهو على كل حال عمل مادي تجب مراعاته عند تقدير خطا المسئول .

 ( [29] ) وهذا هو الغالب ، لأن عديم التمييز يكون عادة في كفالة شخص يراقبه ويكون مسئولا عنه . ومن ثم تخف في العمل حدة انتفاء المسئولية عند انعدام التمييز .

 ( [30] ) وقد قضت محكمة النقض بما يأتي : ” حيث إن المادة 152 من القانون المدني ( القديم ) ، إذ نصت بصفة مطلقة على أنه يلزم السيد بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أفعال خدمته متى كان واقعاً منهم في حال تأدية وظائفهم ، قد أفادت أنه لا يجب ثبوت أي تقصير أو إهمال من جانب المتبوع الذي يلزم بالتعويض ، بل يكفي لتطبيقها أن يقع الخطأ المنتج للضرر من التابع أثناء تأدية وظيفته ، فتصح إذن مساءلة القاصر بناء عليها عن تعويض الضرر الذي ينشأ من أعمال خدمة الذين عينهم له وليه أو وصيه أثناء تأدية أعمالهم لديه . ولا يحق للمساءل فى هذه الحالة أن يرد على ذلك بأنه هو بسبب عدم تمييزه لصغر سنه لا يمكن أن يتصور أي خطأ في حقه ، إذ المسئولية هنا ليست عن فعل وقع من القاصر فيكون للإدراك والتمييز حساب ، وإنما هي عن فعل وقع من خادمه أثناء تأدية أعماله في خدمته ” . ( نقض جنائى في 25 مايو سنة 1942 مجموعة عمر للأحكام الجنائية 5 رقم 411 ص 665 – مصطفى مرعى بك فى المسئولية المدنية فقرة 61 مكررة ) .

 ( [31] ) قارن ما ذكر خطأ فى المذكرة الإيضاحية من مراعاة جسامة الخطأ ( أنظر آنفاً فقرة 537 في الهامش ) . وأنظر في الاعتبارات التي يراعيها القاضى في تقدير التعويض المادة 1310 من القانون النمساوى ، وهي تذكر خطأ المسئول وإهمال المضرور في درء الخطر عنه وخطأ .

 ( [32] ) ولما كان النص الذي يقرر هذه المسئولية قد استحدثه القانون المدنى الجديد ، فليس له أثر رجعى . والعبرة باليوم الذي وقع فيه العمل الضار ، فإن كان قبل يوم نفاذ القانون الجديد ( 15 أكتوبر سنة 1949 ) فالقانون القديم هو الذي يسرى ولا مسئولية على عديم التمييز ، وإلا فإن القانون الجديد هو الذي يسرى وتتحقق مسئولية عديم التمييز المخففة .

 ( [33] ) أنظر المادتين 75 و 76 من المشروع الفرنسى الإيطالى والمادة 829 من القانون الألمانى والمادة 1310 من القانون النمساوى والمادة 54 من قانون الالتزامات السويسرى والمادة 122 من القانون اللبناني والمادة 406 من القانون السوفييتى والمادة 187 من القانون الصيني والمادة 2377 من القانون البرتغالى والمادة 2047 من القانون الإيطالي الجديد وقانون 16 أبريل سنة 1935 في بلجيكا .

وفي الفقه الإسلامي إذا كان الإتلاف مباشراً لا يشترط فيه التعمد أو التعدى ” حتى أن طفلاً يوم ولد لو انقلب على مال إنسان فأتلفه يلزم الضمان ، وكذا المجنون الذي لا يفيق إذا مزق ثوب إنسان يلزمه الضمان : الهندية ” ( الموجز في النظرية العامة للالتزامات للمؤلف ص 327 هامش رقم 1 ) .

 ( [34] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في أحكام كثيرة بمسئولية الشركات عن أعمال ممثليها ، وذلك كشركات السكك الحديدية ( استئناف مختلط في 28 أبريل سنة 1896 م 8 ص 255 – وفي مارس سنة 1906 م 18 ص 137 ) ، وشركات التزام ( استئناف مختلط في 19 مايو سنة 1928 م 40 ص 3709 ، وشركات الملاحة ( استئناف مختلط في أول أبريل سنة 1903 م 15 ص 221 ) ، وشركات المياه والنور والغاز ( استئناف مختلط في 14 يونية سنة 1913 م 25 ص 447 ) .

والوقف يعتبر شخصاً معنوياً وناظر الوقف هو الممثل له ، فيكون الوقف مسئولاً عن اخطاء ناظر . وقد قضت محكمة النقض بأن الوقف بأحكامه المقررة في الفقه الإسلامي هو في فقه القانون المدنى شخص اعتبارى تكاملت فيه مقومات الشخصية القانونية . والشخص الاعتبارى كما أن له وجوداً افترضه القانون له إرادة مفترضة هي إرادة الشخص الطبيعي الذي يمثله . فالخطأ اذي يقع من ممثله بصفته هذه يعتبر بالنسبة إلى الغير الذي أصابه الضرر خطأ من الشخص الاعتبارى . فالحكم الذي يرتب المسئولية على جهة الوقف عن خطأ وقع من الناظر عملاً بالمادة 151 من القانون المدنى ( القديم ) لايكون مخطئاً ( نقض مدنى في 11 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 287 ص 565 ) . على أن محكمة الاستئناف المختلطة قد قضت بأنه لا يكون الوقف مسئولاً عن خطأ الناظر إذا لم يكن معيناً من قبل المستحقين لأن الناظر في هذه الحالة لا يكون تابعاً للوقف ( استئناف مختلط في 19 يونية سنة 1930 م 42 ص 576 – وانظر أيضاً استئناف مختلط في 19 يونية سنة 1930 م 42 ص 576 – وانظر أيضاً استئناف مختلط في 24 ديسمبر سنة 1879 المجموعة الرسمية للمحاكم المختلطة 5 ص 83 ) . وسنرى أنه يمكن مساءلة الشخص المعنوى مباشرة لا باعتباره متبوعاً ، وعلى هذا الوجه تسقط الحجة التي وردت في الحكم من أن ناظر الوقف إذا لم يعينه المستحقون لا يكون تابعاً للوقف .

 ( [35] ) بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 973 .

 ( [36] ) بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 972 – فقرة 973 – كولان وكابيتان 2 فقرة 374 .

 ( [37] ) أنظر في مسئولية السلطات العامة : دويز ( duez ) في مسئولية السلطة العامة – تيرار ( Tirard ) رسالة من باريس 1906 – ديبير ( Debeyre ) رسالة من ليل سنة 1936 – كليار ( colliard ) رسالة من إكس سنة 1938 .

 ( [38] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بمسئولية الدولة عن الخطأ الذي ترتكبه في أعمال الري ( استئناف مختلط في 24 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 74 – وفي 21 مايو سنة 1901 م 13 ص 315 – وفي 17 أبريل سنة 1930 م 42 ص 428 ) ، وفي أعمال الطرق والتنظيم ( استئناف مختلط في 10 يونية سنة 1896 م 8 ص 327 – وفي 22 مارس سنة 1900 م 12 ص 177 – وفي 18 فبراير سنة 1906 م 28 ص 127 ) ، وفي أعمال البوليس والأمن ( استئناف مختلط في 25 أبريل سنة 1901 م 13 ص 263 – وفي 4 نوفمبر سنة 1914 م 27 ص 7 – وفي 11 مايو سنة 1918 م 30 ص 420 ) ، وفي أعمال الجمرك ( استئناف مختلط في 18 أبريل سنة 1900 م 12 ص 192 – وفي 21 يونية سنة 1911 م 23 ص 379 – وفي 4 يناير سنة 1923 م 35 ص 130 م 35 ص 130 ) . وقضت كذلك بمسئولية المجالس البلدية ( استئناف مختلط في 4 مايو سنة 1892 م 4 ص 294 ) .

 ( [39] ) وقد قضت محكمة النقض بأن تحقيق حصول الفعل أو الترك أو عدم حصوله هو من الأمور الواقعية اتلي تدخل في سلطة قاضى الموضوع ، ولا معقب على تقديره ، أما ارتباط الفعل أو الترك بالضرر الناشئ ارتباط المسبب بالسبب والمعلول بالعلة ، وكذلك وصف ذلك الفعل أو الترك بأنه خطأ أو غير خطأ ، فهما كالهما من المسائل القانونية التي يخضع في محلها قاضى الموضوع لرقابة محكمة النقض ( نقض مدنى في 11 يناير سنة 1934 المحاماة 14 ص 219 ) أنظر أيضاً الدكتور سليمان مرقص في الفعل الضار ص 54 – ص 55 – بلانيول وريبير وبولانجيه فقرة 956 وفقرة 967 .

نقلا عن محامي أردني

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s