تفسير العقد
386 – النصوص القانونية : نصت المادة 150 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
” 1 – إذا كانت عبارة العقد واضحة ، فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين ” .
” 2 – أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعني الحرفي للألفاظ ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل ، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ، وفقا للعرف الجاري في المعاملات ( [2] ) ” .
ونصت المادة 151 على ما يأتي :
” 1 – يفسر الشك في مصلحة المدين ” .
” 2 – ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن ( [3] ) ” .
ويقابل هذه النصوص ، النصوص الآتية في القانون المدني القديم :
م 138 / 199 : ” يجب أن تفسر المشارطات علىحسبالغرض الذي يظهر أن المتعاقدين قصدوه مهما كان المعنى اللغوي للألفاظ المستعملة فيها مع ما يقتضيه نوع المشارطة والعرف الجاري ” .
م 139 / 200 : ” وهكذا يكون التفسير في الشروط المعلق عليها إبقاء المشارطة أو تأييدها ” .
م 140 / 201 : ” في حالة الاشتباه يكون التفسير بما فيه الفائدة للمتعهد ” .
ولم يستحدث القانون الجديد في تفسير العقد قواعد لم تكن في القانون القديم . ولم يعد أن قنن القضاء المصري فيما جاوز النصوص القديمة . فأورد الفقرة الأولى من المادة 150 ملزمة بعدم الانحراف عن عبارة العقد إذا كانت واضحة ، وقضاء محكمة النقض جرى على هذا المبدأ كما سنرى . واورد الفقرة الثانية من المادة 151 في تفسير عقود الاذعان ، وقد جرى القضاء المصري على هذا المبدأ كما رأينا عند الكلام في عقود الاذعان .
ولكن القانون الجديد ، مع ذلك ، أبرز في وضوح أن التفسير يتجه إلى الإرادة الظاهرة أكثر من اتجاهه إلى الإرادة الباطنة ، بان أوجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين والاستهداء في ذلك بتطبيعة التعامل والعرف الجاري ، وهذه عوامل موضوعية تجعل الإرادة الظاهرة هي المصدر الذي تستخلص منه الإرادة الباطنة .
387 – البحث في تفسير العقد يأتي بعد البحث في انعقاد العقد وفي صحته : ويلاحظ بادئ الأمر أن البحث في تفسير العقد إنما يأتي بعد البحث في انعقاد العقد والبحث في صحته . إذ لا جدوى من تفسير العقد إلا إذا كان صحيحاً ، حتى يكون قابلا للتنفيذ ( [4] ) .
ونطاق البحث في انعقاد العقد وصحته غير نطاق البحث في تفسير العقد لتحديد اثاره . ففي انعقاد العقد وصحته يدور البحث حول الإرادة التي يؤخذ بها هل هي الإرادة الباطنة أو الإرادة الظاهرة ، فإذا كانت هي الإرادة الباطنة فهل اتفقت أو انحرفت عن الإرادة الظاهرة لنتعرف هل هي صحيحة أو معيبة ، وهل تطابقت الارادتان تطابقاً تاماً حتى تخلص منهما إرادة مشتركة للمتعاقدين . أما في تفسير العقد لتحديد اثاره . فنحن بعد أن نكون قد استخلصنا الإرادة المشتركة للمتعاقدين ، نقف عند هذه الإرادة الظاهرة لتفسير معانيها ، ما وضح منها وما غمض ، مفترضين أن هناك تطابقاً بينها وبين الإرادة الباطنة حتى يقوم الدليل على العكس . وسنعود إلى هذه المسألة بتفصيل أو فيما يلي .
388 – القانون والواقع في تفسير العقد : ويعنينا أن نبين منذ الآن ما يعتبر في تفسير العقد قانوناً يخضع لرقابة محكمة النقض ، وما يعتبر واقعاً لا يخضع لرقابتها .
ويمكن حصر مسائل القانون في تفسير العقد في المسائل الثلاث الآتية :
( أولاً ) هناك قواعد نص عليها القانون في تفسير العقد . وهذه القواعد يلتزم القاضي باتباعها تحت رقابة محكمة النقض ، فإذا خرج عليها نقض حكمه لمخالفته للقانون . ويستخلص من نصوص القانون الجديد المتقدم ذكرها أن قواعد التفسير الملزمة قانوناً ثلاث :
( 1 ) ما نص عليه القانون ( م 150 فقرة 1 ) من أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين . فالانحراف عن عبارة العقد الواضحة فيه مخالفة للقانون . وسنعرض فيما يلي لهذه القاعدة تفصيلا ، ونبين إلى أي حد تنبسط رقابة محكمة النقض في ذلك .
( 2 ) ما نص عليه القانون ( م 150 فقرة 2 ) من أنه إذا كان هناك محل لتفسير العقد وجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ . فالعبرة بالإرادة الحقيقية ( الباطنة ) على أن يكون ههذ الإرادة هي الإرادة المشتركة للمتعاقدين ( [5] ) على النحو الذي سنفصله فيما يلي . وهذه قاعدة قانونية ملزمة لا يجوز الخروج عليها عند تفسير العقد . فالقاضي الذي يقرر في حكمه أن المتعاقدين ارادا شيئاً معيناً ، وكان هذا الشيء جائزاً قانوناً ، ثم يصرح بعد ذلك بأنه لا يقضي بما أراد المتعاقدان بل بما تقضي به العدالة ، يكون قد خالف القانون وينقض حكمه ( [6] ) . أما ما ذكره النص بعد ذلك من الاستهداء في تعرف النية المشتركة للمتعاقدين بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات ، فهذه قواعد ليست ملزمة وإنما يستأنس بها القاضي . وهو حر في إلا يتبعها إذا رأى أن اتباعها لا يجدي ولا يؤدي به إلى تعرف نية المتعاقدين . وهو إذا جهر بذلك لا ينقض حكمه .
( 3 ) ما نص عليه القانون ( م 151 ) من أن الشك يفسر في مصلحة المدين ، مع استثناء عقود الاذعان ففيها لا يجوز أن يكون التفسير ضاراً بمصلحة الطرف المذعن . فهذه هي أيضاً قاعدة قانونية ملزمة في تفسير العقد ، إذا خالفها القاضي نقض حكمه . وسنرى فيما يلي مدى تطبيق القاعدة ، ومتى يمكن القول بأن هناك شكاً في إرادة المتعاقدين ، ولكن نلاحظ منذ الآن أن تحديد معنى الشك ومتى يمكن القول بأن الشك موجود هو أيضاً من مسائل القانون يخضع لرقابة محكمة النقض .
( ثانياً ) إذا التزم القاضي في تفسير إرادة المتعاقدين القواعد القانونية الملزمة التي تقدم ذكرها ، فهو يكشف عن هذه الإرادة وله سلطة التقدير في الكشف عنها ، وهذه سلطة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض كما سنرى . ولكنه يتقيد قانوناً – ويخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض – بقاعدة جوهرية بسطتها محكمة النقض في كثير من أحكامها . ذلك أن قاضي الموضوع عندما يستخلص إرادة المتعاقدين من الواقع الذي ثبت عنه ، يجب أن يكون هذا الواقع ثابتاً من مصادر موحجودة فعلا لا وهما ، غير مناقضة للثابت في الدعوى ، وتؤدى عقلا لاستخلاص الواقعة التي ثبتت عند القاضي . فإذا اثبت القاضي مصدراً للواقعة وهمياً لا وجود له ، أو موجوداً ولكنه مناقض لوقائع أخرى ثابتة ، أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاص الواقعة منه كما فعل هو ، كان حكمه مخالفاً للقواعد القانونية في الإثبات ووجب نقضه ( [7] ) .
( ثالثاً ) متى كشف القاضي عن إرادة المتعاقدين ، ملتزماً في ذلك القواعد القانونية التي تقدم ذكرها ، كيفها بعد ذلك التكييف القانونين الصحيح غير متقيد بتكييف المتعاقدين ، ثم رتب على هذا التكييف اثاره القانونية . وهو خاضع في التكييف ومارتبه عليه من آثار الرقابة محكمة النقض . لأنه يطبق ا لقانون على الواقع ، وتطبيق القانون يعد من المسائل القانونية ( [8] ) .
أما ما يعتبر من الواقع في تفسير العقد ولا يخضع لرقابة محكمة النقض ، فهو هذه السلطة التقديرية التي للقاضي في الكشف عن إرادة المتعاقدين واستخلاصها من الوقائع الثابتة أمامه في الدعوى . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( [9] ) .
إلى حالات ثلاث في تفسير العقد ، ووضع لكل حالة قاعدة قانونية ملزمة . فإذا كان تعبارة العقد واضحة لم يجز الانحراف عن المعنى الظاهر . أما إذا كانت غير واضحة فيجب تبين الإرادة المشتركة للمتعاقدين . فإذا قام شك في تبين هذه الإرادة فسر الشك لمصلحة الملتزم في غير عقود الإذعان .
ونبحث الآن بالتفصيل كلا من هذه الحالات الثلاث .
1- عبارة العقد واضحة
390 – القاعدة آلت تتبع في التفسير : رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 150 تقضي بأنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين . وهذا النص ليس إلا تقنيناً لقضاء محكمة النقض عندنا . فإن هذه المحكمة ، وقد جرت في ذلك على نهج محكمة النقض الفرنسية ، تفرق في العقد بين الشرط الظاهر والشروط الغامضة ليستخلص منها إرادة المتعاقدين على الوجه الذي يؤدي إليه اجتهاده . أما في تفسير شروط الظاهرة فلا تجيز محكمة النقض لقاضي الموضوع أن ينحرف عن معناها الظاهر إلى معنى آخر . ويعتبر الانحراف عن عبارة العقد الواضحة تحريفاً لها ومسخاً وتشويهاً مما يوجب نقض الحكم .
391 – العبارة الواضحة قد تكون محلا للتفسير : ولا يفهم من ذلك أن العبارة إذا كانت واضحة فلا يجوز تفسيرها . بل إن القاضي قد يجد نفسه في حاجة إلى تفسير العبارات الواضحة ، مهما بلغ وضوحها ، وسلس معناها ، وارتفع عنها اللبس والابهام ، ذلك أن وضوح العبارة غير وضوح الإرادة . فقد تكون العبارة في ذاتها واضحة ، ولكن الظروف تدل على أن المتعاقدين أساء استعمال هذا التعبير الواضح ، فقصدا معنى وعبرا عنه بلفظ لا يستقيم له هذا المعنى بل هو واضح في معنى الآخر . ففي هذه الحالة لا يأخذ القاضي بالمعنى الواضح للفظ ، ويجب عليه أن يعدل عنه إلى المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان . وهو بذلك يفسر اللفظ الواضح ، بل وينحرف عن معناه الظاهر دون أن يحرفه أو يمسحه أو يشوهه . ولكن لا يجوز للقاضي أن يفعل ذلك إلا بشرطين :
( الشرط الأول ) هو أن يفرض بادئ الأمر أن المعنى الواضح من اللفظ هو ذات المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان ، فلا ينحرف عنه إلى غيره من المعاني إلا إذا قام أمامه من ظروف الدعوى ما يبرر ذلك .
( والشرط الثاني ) هو أنه إذا عدل عن المعنى الواضح إلى غيره من المعاني لقيام أسباب تبرر ذلك ، رجب عليه أن يبين في حكمه هذه الأسباب . وفي هذا تقول محكمة النقض : ” لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود والشروط والقيود المختلف عليها بما تراه هي أوفى بمقصود المتعاقدين ، مستعينة في ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها . ولها بهذه السلطة أن تعدل عن المدلول الظاهر إلى خلافه ، بشرط أن تبين في أسباب حكمها لما عدلت عن هذا الظاهر إلى خلافه ، وكيف أفادت تلك الصيغ هذا المعنى الذي اقتنعت به ورجحت أنه هو مقصود العاقدين ، بحيث يتضح من هذا البيان إنها قد أخذت في تفسيرها باعتبارات مقبولة يصح عقلا استخلاص ما استخلصته منها . فإن قصر حكمها في ذلك كان باطلا لعدم اشتماله على الأسباب الكافية التي يجب قانوناً أن ينبني عليها ( [10] ) ” .
392 – رقابة محكمة النقض في تفسير العبارات الواضحة : ويتبين مما قدمناه أن محكمة النقض تبسط رقابتها على محكمة الموضوع في تفسير العبارات الواضحة عن طريق رقابة أسباب الحكم . فإذا التزمت محكمة الموضوع المعنى الواضح للفظ الظاهر لم تكن في حاجة إلى تسبيب حكمها بأكثر من أن تذكر أن هذا هو المعنى الواضح وهو الذي يعبر عن مقصود العاقدين . أما إذا عدلت عن هذا المعنى الواضح إلى معنى آخر تعتبر أنه هو الذي قصد إليه المتعاقدان ، وجب عليها أن تبين في أسباب الحكم لم كان هذا العدول . ومحكمة النقض تراقب الأسباب ، فإن اقتنعت بأن العدول قد قام على اعتبارات تسوغه سلم الحكم من النقض ، وإلا نقض لقصور التسبيب ( [11] ) .
ويبدو أن تقدير ما إذا كانت العبارة واضحة أو غامضة يدخل أيضاً في رقابة محكمة النقض ، وإلا جاز للقاضي أن يفسر العبارة الواضحة بما يخرجها عن معناها الظاهر دون أن يذكر الأسباب التي تبرر ذلك ، بل يكتفي بتقرير أن العبارة غامضة ، وأن المعنى الذي استخلصه هو مقصود المتعاقدين ، وأن هذا وذاك يدخل في سلطان تقديره الموضوعي دون تعقيب عليه من محكمة النقض .
393 – هل الأخذ بالمعنى الظاهر للفظ الواضح اخذ بالإرادة الظاهرة : وبعد أن بسطنا القاعدة في تفسر العبارة الواضحة للعقد ، يحق لنا أن نتساءل : ما دام القاضي لا ينحرف عن المعنى الظاهر للفظ الواضح ، وقد ألزمه القانون ذلك بصريح النص ( [12] ) ، فهل لنا أن نفهم أن القانون قد أخذ في هذه الحالة بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة ، ما دام لا يجيز الانحراف عن الأولى ؟
إن الإطلاق الذي رأيناه في نص القانون قد تقيد بما قدمناه من أن القاضي له أن يعدل عن المعنى الظاهر للفظ الواضح إلى معنى آخر يقتنع بأنه هو المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان ، ما دام يورد الأسباب المعقولة التي تبرر ذلك . ويستخلص من هذا أن القاضي لا يأخذ في العبارة الواضحة بالإرادة الظاهرة إلا على أساس أن هذه الإرادة هي ذات الإرادة الباطنة . وإذا قام دليل على أن هناك تغايراً ما بين الإرادتين ، وجب عليه أن يأخذ بالإرادة الباطنة دون الإرادة الظاهرة مع ذكر هذا الدليل في أسباب الحكم .
ومن ذلك نرى أن القانون المدني الجديد – وقد نهج في هذا نهج محكمة النقض كما قدمنا – لم يأخذ بالإرادة الظاهرة إلا مفترضاً إنها هي ذاتها الإرادة الباطنة . فالإرادة الظاهرة عنده هي الدليل على الإرادة الباطنة ، ولكنها دليل يقبل إثبات العكس ، ومتى ثبت العكس فالعبرة بالإرادة الباطنة .
2 – عبارة العقد غير واضحة
394 – البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين : تقول الفقرة الثانية من المادة 150 : ” أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ” .
أما أنه لا يجوز الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ فواضح . وإذا كنا لا نقف عند هذا المعنى وعبارة العقد واضحة كما رأينا ، فأولى بنا إلا نقف عنده وعبارة العقد غير واضحة ، لا تنصرف إلى معنى واحد ظاهر ، بل تحتمل أكثر من معنى . وأما أن العبرة إنما تكون بالإرادة المشتركة للمتعاقدين ، لا بالإرادة الفردية لكل منهما ، فهذا واضح أيضاً ، لأن الإرادة المشتركة هي التي التقى عندها المتعاقدان ، فهي التي يؤخذ بها ، دون اعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية لم يتلاق معه المتعاقد الآخر فيها ( [13] ) .
ولكن أين نجد هذه الإرادة المشتركة ، أو النية المشتركة ؟ تشعبت الآراء في ذلك . فمن الفقهاء من يرى أن هذه النية المشتركة التي تكون محلا للتفسير لا يمكن إلا أن تكون الإرادة الظاهرة التي توافق عليها طرفا العقد . وذلك أن التسفير لا يكون إلا في العقد الصحيح كما قدمنا ، وما دام العقد صحيحا فلا بد أن تكون الإرادة الظاهرة التي توافق عليها طرفا العقد مطابقة للإرادة الباطنة ، وإلا لداخل العقد عيب من عيوب الإرادة ولما كان صحيحاً . فلا يجوز إذن أن يكون تفسير العقد وسيلة لتغليب الإرادة الباطنة على الإرادة الظاهرة ، وإنما يكون التفسير وسيلة لاستخلاص الإرادة الباطنة من الإرادة الظاهرة ، فالإرادة الظاهرة وحدها هي التي تكون محلا للتفسير على أساس إنها مطابقة للإرادة الباطنة ( [14] ) . ويؤخذ على هذا الرأي أنه يفترض عند تفسير العقد أن تكون الإرادة الظاهرة مطابقة حتما للإرادة الباطنة . وهذا إن صح في الكثرة الغالبة من الأحوال ، إلا أنه يقع أحياناً أن يكون المتعاقدان قد قصدا أمراً متفقاً عليه ، ولكن عبرا عنه تعبيراً غير دقيق ، فتنحرف هنا الإرادة الظاهرة المشتركة عن الإرادة الباطنة المشتركة ، ولا نكون في هذا الفرض في منطقة صحة العقد ، فالعقد صحيح والمتعاقدان متوافقان تمام التوافق على أمر واحد . وإنما نكون في منطقة تفسير العقد ، مع ما بين الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة في تفسير العقد . ومن ثم يكون الرأي الذي يذهب إلى وجوب اعتبار الإرادة الظاهرة عند تفسير العقد مطابقة حتما للإرادة الباطنة ، وجعل الإرادة الظاهرة على هذا الأساس هي دائماً محل التفسير ، رأياً فيه إطلاق يجدر تقييده . والصحيح أن يقال إ ، الإرادة الظاهرة هي التي تعبر في العادة عن الإرادة الباطنة ، والمفروض عند تفسير العقد أن الارادتين متحدتان ، فيكون الأصل أن الإرادة الظاهرة هي محل التفسير ، ما لم يقم الدليل على أن الإرادة الظاهرة لا تعبر تعبيراً دقيقاً عن الإرادة الباطنة . وأن بين الإرادتين تغايراً ، فتكون العبرة في هذه الحالة بالإرادة الباطنة لا بالإرادة الظاهرة ، وتكون الأولى لا الثانية هي محل التفسير .
ومن الفقهاء من يرى أن النية المشتركة للمتعاقدين تتمثل في الإيجاب الموجه من الموجب إلى الطرف الآخر ، مفهوماً على النحو الذي اخذ به الطرف الآخر أو كان يستطيع أن يأخذ به ( [15] ) . فالإيجاب يصدر من الموجب ، ويتلقاه الطرف الآخر ، ويفهمه أو كان يستطيع أن يفهمه على نحو معين . فهذا الفهم الحصل فعلا أو المستطاع تحصيله هو الذي نقف عنده لأنه هو القدر المتيقن الذي تلاقى عنده المتعاقدان . وعيب هذا الرأي أنه يفترض أن التعاقد يتم عن طريق تعبير تام نهائي يتلقاه من وجه إليه هذا التعبير . ولكن الذي يقع في العمل غير ذلك . فالمتعاقدان يتفاوضان ، ويتساومان ، ويتبادلان تعبيرات غير نهائية ، ثم ينتهيان آخر الأمر إلى تعبير واحد يرتضيانه معاً ، ولسنا نعلم من منهما صاحبه ، فهو ثمرة مفاوضات دارت بينهما ، ولكن منهما نصيبه فيه .
ويذهب سالي ( Saleilles ) إلى أن الإرادة المشتركة للمتعاقدين هي هذه الإرادة القانوينة التي يجمع القاضي عندها إرادة كل من المتعاقدين ، بعد أن يقارب ما استطاع ما بين الإرادتين ، دون أن يضحى إحداهما لمصلحة الأخرى . وظاهر أن هذا الرأي يستبدل بالإرادة الحقيقية للمتعاقدين الرادة ليست لهما ، بل هي إرادة من صنع القاضي ، هو الذي يقوم بنسج خيوطها ثم يفرضها عليهما فرضاً ( [16] ) .
ونحن نؤثر إلا ننحاز لرأي من هذه الآراء ، وأن نستبقى للمسألة بساطتها الأولى . فنقول إن الأمر لا يعدو أن يكون هناك مظهر خارجي للتعبير عن إرادة مشتركة للمتعاقدين ، أي إرادة ظاهرة المفروض فيها أنه تكشف عن إرادة باطنة . فإذا لم يقم دليل على غير ذلك ، وجب أن نستخلص الإرادة الحقيقية للمتعاقدين – وهي النية المشتركة التي نبح عنها – من هذه الإرادة الظاهرة عن طريق معايير نستهدي بها ، هي التي نتولى الآن الكلام فيها .
395 – العوامل التي يستهدي بها القاضي للكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين : ويستهدي القاضي للكشف عن هذه النية المشتركة بعوامل مختلفة ذكر القانون الجديد بعضاً منها لأهميته ، فهو يستهدي ” بطبيعة التعامل ، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات ” ( م 150 فقرة 2 ) . وغنى عن البيان أن القانون الجديد لم يذكر ما ذكر من هذه العوامل على سبيل الحصر . فإلى جانب ما ذكر توجد عوامل أخرى لم يذكرها ويصح أن يستهدي بها القاضي .
ويمكن بوجه عام أن نميز بين عوامل يفسر بها القاضي عبارات العقد بالرجوع إلى العقد ذاته ونسميها بالعوامل الداخلية ، وأخرى يفسر بها العقد وهي خارجة عنه ونسميها بالعوامل الخارجية . والكثرة الغالبة من هذه العوامل هي عوامل موضوعية لا عوامل ذاتية ، يطمئن إليها القاضي في تفسير العقد التماساً لاستقرار التعامل . إذ هو يستدل على النية المشتركة للمتعاقدين – وهذه مسألة نفسية خفية – بعوامل مادية ظاهرة . ونتكلم في كل من العوامل الداخلية والعوامل الخارجية .
396 – العوامل الداخلية في تفسير العقد : ذكر القانون منها طبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ، ونضيف إلى هذين قواعد أخرى يستأنس بها القاضي في تفسير العقد بالرجوع إلى العقد ذاته ، ذكرها القانون المدني الفرنسي لا على سبيل الإلزام بل على سبيل الإرشاد . من ذلك ما إذا تحملت العبارة أكثر من معنى واحد ، فتحمل على المعنى الذي يجعلها تنتج أثراً قانونياً ( م 1157 مدني فرنسي ) . ومن ذلك أيضاً أن عبارات العقد يفسر بعضها بعضاً ( م 1161 مدني فرنسي ) . ومن ذلك أخيراً أن تخصيص حالة بالذكر لا يجعلها تنفرد بالحكم ( م 1164 مدني فرنسي ) . ونقول كلمة موجزة في كل من هذه العوامل .
فالعقد يفسر بحسب طبيعة التعامل ، أي بحسب طبيعة العقد وموضوعه . فإذا احتسب العبارة معاني مختلفة ، اختار القاضي المعنى الذي تقتضيه طبيعة العقد أو نوع المشارطة . إذ المعقول أن المتعاقدين قصدا أن العقد محكوماً بالقواعد التي تقضتيها طبيعته ما لم يصرحا بخلاف ذلك . فإذا اشترط المعير في عارية الاستعمال أن يرد المستعير الشيء أو مثله ، فلا يفسر ذلك على أن المتعاقدين أرادا عارية استهلاك ، بل قصد المعير أن يلزم المستعير في حالة هلاك الشيء برد مثله لا بأن يدفع تعويضاً ( [17] ) . وإذا كانت العبارة عامة ، فإنها تحدد بالرجوع إلى الموضوع الذي تم التعاقد عليه . إذ المعقول أن المتعاقدين لا يريدان أن يخرجا عن هذا الموضوع إلا إذا كانت عبارتهما صريحة في مجاوزته . فإذا تخارج أحد الورثة عن نصيبه في الميراث ، فسر ذلك بأنه يتنازل عن جميع حقوقه في التركة التي يتخارج فيها حتى لو كان بعض هذه الحقوق مجهولا منه ، ولكن لا يشمل التخارج حقوقاً موروثة من تركة أخرى ( [18] ) .
ويستهدي القاضي بما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين . والأمانة ( loyaute ) واجب على المتعاقد ، والثقة ( confiance ) حق له . وبيان ذلك أن من وجه إليه الإيجاب يجب أن يفهم عبارته بما تقتضيه الأمانة في التعامل . فإذا كان هناك خطأ في التعبير أو لبس ، واستطاع أن يتبين ذلك أو كان يستطيع أن يتبينه ، فالأمانة في التعامل تقضي عليه إلا يستغل ما وقع من ابهام في التعبير ، ما دام أنه قد فهمه على حقيقته أو كان يستطيع أن يفهمه . ويقابل هذا الواجب حق . فلمن وجه إليه الإيجاب أن يطمئن إلى العبارة بحسب ظاهرها ، وأن يعتبر هذا المعنى الظاهر هو المعنى الذي قصد إليه الموجب . وهذه هي الثقة المشروعة ، وتنطوي على معنى الأخذ بالإرادة الظاهرة في تفسير العقد .
وإذا احتملت العبارة أكثر من معنى واحد ، وكان أحد هذه المعاني هو الذي ينتج أثراً قانونياً ، حملت العبارة على هذا المعنى ، إذ إعمال الكلام خير من إهماله . فإذا سلم شخص لآخر أرضاً مملوكة له في مقابل دين ، واشترط الدائن أن يستولى على ريع الأرض في نظير الفوائد وألا يرد الأرض إلى صاحبها إلا عند سداد الدين ، فإذا فسر هذا العقد بأنه غاروقة – إذ هو يجمع خصائصها – فإنه لا ينتج أثراً قانونياً ، لأن الغاروقة قد ألغيت بإلغاء الأراضي الخراجية . فيفسر على أنه رهن حيازة ، ولا يسمح للدائن أن يستولى على ما يزيد عن الحد الأقصى الذي يجوز الاتفاق عليه في الفوائد ( [19] ) .
وعبارات العقد يفسر بعضها بعضاً . فلا يجوز عزل العباراة الواحدة عن بقية العبارات ، بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءاً من كل هو العقد . فقد تكون هناك عبارة مطلقة ، وتحددها عبارة سابقة أو لاحقة . وقد تقرر العبارة أصلاً يرد عليه استثناء يذكر قبلها أو بعدها . وقد تكون العبارة مبهمة ، وتفسرها عبارة وردت في موضع آخر . فإذا باع شخص مفروشات منزله ، ثم عين هذه المفروشات في مكان آخر من العقد ، فإن خصوص العبارة الثانية يحدد من عموم العبارة الأولى ، إذ الخاص يقيد العام . ولا يدخل في المبيع ما لم يذكر في المفروضات المعينة ، حتى لو كان داخلا ضمن مفروشات المنزل . وإذا قام التناقض بين عبارتين ، اجتهد القاضي في التوفيق بينهما . فلو أمكنه أعمال العبارتين معاً فعل ، وإلا اجتهد في إعمالهما إلى أقصى حد دون إرهاق للفظ أو قسر له على غيره معناه . فإذا كان التناقض يستعصى معه الجمع بين العبارتين على أية صورة ، اختار العبارة التي يظهر له أن المتعاقدين كانا يريدانها دون الأخرى ( [20] ) .
وتخصيص حالة بالذكر لا يجعلها تنفرد بالحكم . فإذا باع شخص أرضا زراعية ، وكان من توابعها مواش خصت بالذكر في عقد البيع ، فليس هذا معناه أن المواشي وحدها هي التي تدخل ضمن الشيء المبيع ، فكل التوابع الأخرى من آلات زراعية ومخازن ومبان ونحو ذلك يدخل أيضاً . أما تخصيص المواشي بالذكر فقد يكون لأن المتعاقدين خشيا أن يقوم شك في أن المبيع يشملها فصرحا بذلك حسما للنزاع ، أو لأنهما يعلقان أهمية خاصة على هذه المواشي فأفرداها بالذكر . ونرى من ذلك أن هذه القاعدة نقيض للقاعدة السابقة التي تقضي بأن الخاص يقيد العام . فقواعد التفسير قد تتضارب ، وعلى القاضي أن يختار القاعدة الملائمة لتفسير العقد الذي يدعى لتفسيره .
397 – العوامل الخارجية في تفسير العقد : ذكر القانون منها العرف الجاري في المعاملات ، ونضيف إليه الطريقة التي ينفذ بها العقد .
فالعقد يفسر طبقاً لما يقتضيه العرف الجاري في التعامل . إذ المعقول في المسائل التي توطد فيها عرف أن يفرض في المتعاقدين انهما عالمان به وقد ارتضياه ، وإلا لصرحا بمخالفته . فإذا كانت عبارات العقد مبهمة وجب تفسيرها في ضوء هذا العرف . وقد قضت محكمة النقض بأن القاضي يفسر العقد مع مراعاة ما يقتضيه نو عالمشارطة والعرف الجاري ، فله أن يقضي بأن إنشاء بلكون من حديد مفرغ في طبقة ثانية من منزل لا يعتبر بناء معطلا لحق ارتفاق الجار المرتفق بالمطل والنور والهواء ( [21] ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن العرف يقضي بأن يكون اجر السمسار 2 .5 % من قيمة الصفقة ( [22] ) . والعرف يكون عاماً ( [23] ) ، لكن إذا تنازع عرف عام مع عرف خاص تغلب العرف الخاص ( [24] ) . ويجب أن يكون العرف مستقراً ( [25] ) . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بان العادة التي تقضي بأن يكون نزح البئر في جهة رمل الإسكندرية على المستأجر ليست عادة مستقرة فلا يحكم بها ( [26] ) . ويجب أن يكون العرف غير مخالف لا للقانون ولا للنظام العام ولا للآداب ( [27] ) . ولا يطبق العرف ، كما تقول محكمة النقض ( [28] ) ، إلا عندما تستغلق نصوص القانون أو يسكت المتعاقدون عن تنظيم في ناحية مما تعاقدوا عليه أو ينظمونه في غموض . وهناك مسائل يجري فيها العرف مجرى القانون ، كما في المسائل التجارية والمعاملات البحرية وعقود التأمين والحساب الجاري ونحو ذلك ، ففي هذه المسائل يرجع القاضي إلى العرف لا لتفسير نية المتعاقدين فحسبن بل أيضاً لتكملة العقد ذاته وتحديد نطاقه كما سنرى . ويلاحظ أن العرف عندما يكون عاملا من عوامل تفسير العقد غير العرف عندما يكون مصدراً من مصادر القانون ، فإن القاضي إذا خالف العرف في الحالة الأولى لم يكن حكمه عرضة للنقض ، أما العرف في الحالة الثانية فهو قانون إذا خالفه القاضي نقض حكمه .
وقد تتضح إرادة المتعاقدين من الطريقة التي ينفذان بها العقد . فإذا قاما بتنفيذ العقد على نحو معين مدة من الزمن ، فسرت إراداتهما المشتركة في ضوء طريقة التنفيذ التي تراضيا عليها . مثل ذلك أن يغفل عقد الإيجار ذكر مكان دفع الأجرة ، وتقضي القواعد العامة في هذه الحالة بأن الأجرة تدفع في محل المستأجر ، ولكن المستأجر يعاد مدة كافية من الزمن أن يدفع الأجرة في محل المؤجر ، فيحمل ذلك على أن المتعاقدين أرادا أن تدفع الأجرة في هذا المحل ( [29] ) .
398 – بأية إرادة يؤخذ في تفسير العقد : ويخلص مما قدمناه أن القاضي في تفسير العقد الغامض يأخذ بالنية المشتركة للمتعاقدين ، ويستخلصها عن طريق معايير موضوعية تمكنه من الكشف عنها . فلا هو يأخذ بالإرادة الظاهرة المحضة . ولا هو لا يأخذ بالإرادة الباطنة المحضة . وإنما يأخذ بالإرادة الباطنة التي يستطيع التعرف عليها ( volonte reconnaissable ) ( [30] ) .
ونرى من ذلك أن القانون الجديد ، في حالتي العقد الواضح والعقد الغامض ، لا يعتد بالإرادة الظاهرة إلا على اعتبار إنها دليل على الإرادة الباطنة . وهو على كل حال دليل يقبل إثبات العكس .
3 – قيام الشك في التعرف على إرادة المتعاقدين
398 – يفسر الشك في مصلحة المدين – مبررات هذه القاعدة : وضع القانون نصاً ريحاً في هذه الحالة – الفقرة الأولى من المادة 1512 – بقضى بأن يفسر الشك في مصلحة المدين . فإذا قام شاك في مدى التزام المدين بعقد ، فسر هذا الشك في مصلحته ، واخذ بالتفسير الأضيق في تحديد هذا المدى . ويبرر هذه القاعدة الاعتبارات الآتية :
( أولاً ) إذا كنا نأخذ بالتفسير الأضيق في تحديد مدى التزام المدين ، فذلك لأن الأصل براءة الذمة ، والالتزام هو الاستثناء ، والاستثناء إلا يتوسع فيه . هذا إلى أن النية المعقولة عند الملتزم هو أن يلتزم إلى أضيق مدى تتحمله عبارات العقد ، فلا يمكن إن يكون هناك توافق بين إرادة الدائن وارادة المدين إلا في حدود هذا المدى الضيق .
( ثانياً ) ثم إن الدائن هو المكلف بإثبات الالتزام ، فإذا كان هناك شك في الالتزام من حيث مداه ، واراد الدائن الأخذ بمدى واسع ، كان عاجزاً عن إثبات ذلك ، فلا يبقى إلا الأخذ بالمدى الضيق لأنه هو وحده الذي قام عليه الدليل . فتكون القاعدة على هذا الاعتبار قاعدة في الإثبات لا قاعدة في التفسير ( [31] ) .
( ثالثاً ) ويقال أيضاً في تبرير القاعدة إن الالتزام يمليه الدائن لا المدين . فإذا املاه مبهماً يحوم حوله الشك فالخطأ خطاه ، ووجب أن يفسر الالتزام لمصلحة المدين ، إذ كان في مقدور الدائن أن يجعل الالتزام واضحاً لا يجول الشك فيه . ومزية هذا الاعتبار أنه يفسر لم نص القانون على أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان لمصلحة الطرف المذعن حتى لو كان دائناً . فإن عقد الإذعان يمليه الطرف القوي على الطرف المذعن في جميع مشتملاته ، فتكون التزامات هذا الطرف القوي هي أيضاً من إملائه ، فتفسر هذه الالتزامات لا لمصلحته بل لمصلحة الطرف المذعن وهو هنا الدائن .
399 – نطاق تطبيق القاعدة : وللقاعدة المتقدمة نطاق محدد تطبق فيه ، ويرد عليها في حدود هذا النطاق استثناء معين .
أما نطاقها فهو أن يكون هناك شك في التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين : مجرد شك ، بأن يتراوح تفسر العقد بين وجوه متعددة كل وجه منها محتمل ، ولا تريح لوجه على وجه . أما إذا استحال التفسير ، ولم يستطع القاضي أن يتبين ولو وجها واحداً لتفسير العقد مهما كان جانب الشك فيه ، فهذه قرينة على أنه ليست هناك نية مشتركة للمتعاقدين التقيا عندها ، بل أراد كل منهما شيئا لم يرده الآخر ، فلم ينعقد العقد . ولا بد ، من وجهة أخرى ، أن يكون الشك مما يتعذر جلاؤه . فإذا أمكن القاضي أن يكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين – مهما كان هذا عسيراً – واستطاع أن يزيح عنها ، وجب عليه تفسير العقد بمقتضى هذه النية المشتركة ، ولو كان التفسير في غير مصلحة المدين ( [32] ) .
أما الاستثناء الذي يرد على القاعدة فهو ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 151 من أنه ” لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ” . فيجب إذ أن يكون التفسير لمصلحته دائماً ، ولو كان دائناً ، على خلاف القاعدة التي نحن بصددها من أن التفسير عند الشك لا يكون لمصلحة المتعاقد إلا إذا كان مديناً . وقد مر بيان ذلك عند الكلام في عقود الإذعان ( [33] ) .
400 – تطبيقات للقاعدة : فإذا وجد القاضي نفسه في نطاق تطبيق القاعدة طبقها . وفسر العقد الملزم لجانب واحد لمصلحة الجانب الملتزم . وفسر العقد الملزم للجانبين لمصلحة أي من المتعاقدين يكون مديناً في الالتزام الذي يفسره ، فيكون التفسير تارة لمصلحة أحد المتعاقدين وطوراً لمصلحة الآخر .
فإذا كان هناك شك في وجوب إعذار المدين ، فسر هذا الشك في مصلحته ووجب الإعذار ( [34] ) . وإذا قام شك فيما إذا كان الشرط الجزائي مستحقا في حالة التأخر عن التنفيذ أو هو غير مستحق إلا في حالة عدم التنفيذ ، كان الشرط غير مستحق إلا في حالة عدم التنفيذ ( [35] ) . وإذا كان المدين ملتزماً بإنشاء طرق معينة دون تحديد لكيفية إنشاء هذه الطرق ومن يلتزم بصيانتها ، كان المدين أن يتبع ما هو أيسر عليه واخذ مؤونة ( [36] ) . وإذا اشترطت العمولة عند تمام كل صفقة ولم يذكر متى تدفع ، كان الدفع عند تنفيذ الصفقة لا عند عقدها ( [37] ) .
( [1] ) بعض المراجع : ديريه ( Dereux ) في تفسير التصرفات القانونية رسالة من باريس سنة 1905 – جونو ( Gounot ) رسالة من ديجون سنة 1912 – جني ( Geny ) في طرق التفسير طبعة ثانية سنة 1919 – سالي ( Saleilles ) في الالتزامات في القانون الألماني – وفي إعلان الإرادة – بلانيول وريبير وغسمان 1 فقرة 373 – فقرة 375 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 449 – فقرة 459 – الدكتور الشيتي في تكوين العقد وتفسيره في القانون المصري الجديد رسالة تقدم بها إلى معهد القانون المقارن بجامعة باريس سنة 1949 – حامد فهمي ( باشا ) والدكتور محمد حامد فهمي بك في النقض في المواد المدنية والتجارية – والتون 1 ص 362 – ص 394 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 826 وما بعدها – الدكتور حلمي بهجت بدوي بك فقرة 185 وما بعدها – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت بك فقرة 346 وما بعدها .
( [2] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 21 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق ، فيما عدا بعض خلافات لفظية طفيفة وفيما عدا عبارة ” وبالغرض الذي يظهر أن المتعاقدين قد قصداه ” فقد تضمنها نص المشروع التمهيدي . وقد حذفت هذه العبارة في لجنة المراجعة اكتفاء بعبارة ” فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ” ، وأجريت بعض تعديلات لفظية ، فأصبح النص مطابقاً لنص القانون الجديد ، وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم المادة 154 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وكذلك وافقت عليه لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تحت رقم المادة 150 . ثم وافق عليه مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 295 – ص 298 ) .
( [3] ) أنظر تاريخ النص آنفاً فقرة 118 .
( [4] ) ويلاحظ الدكتور الشيتي في رسالته ” تكوين العقد وتفسيره في القانون المصري الجديد ” ( ص 45 – ص 46 ) أن نظرية التفسير ضرورية للبحث في انعقاد العقد وفي صحته وفي تحديد اثاره ، إذ يتوقف على تفسير التعبير عن الإرادة لكل من المتعاقدين معرفة ما إذا كانت هاتان الارادتان متطابقتين ، وهذا هو انعقاد العقد ، وما إذا كانت الإرادة الظاهرة تتفق مع الإرادة الباطنة ، وهذه هي صحة العقد ، وما هو مدى هاتين الارادتين المتطابقتين الصحيحتين ، وهذا هو تفسير العقد لتحديد اثاره . ويستخلص الدكترو الشبني من ذلك الأهمية البالغة التي لنظرية التفسير ، ويعتبر أنها هي المحك الذي يميز ما بين النظم القانونية المختلفة .
( [5] ) استئناف وطني في 11 مايو سنة 1905 الاستقلال 4 ص 345 – استئناف مختلط في 11 يونية سنة 1908 م 20 ص 270 – وفي 15 يونية سنة 1911 م 23 ص 373 – وفي 7 فبراير سنة 1917 م 29 ص 204 – وفي 16 نوفمبر سنة 1921 م 34 ص 14 – وفي 29 ديسمبر سنة 1927 م 40 ص 12 – وفي 6 ديسمبر سنة 1934 م 47 ص 53 .
( [6] ) استئناف مختلط في 20 مارس سنة 1940 م 92 ص 221 – نقض فرنسي في 31 أكتوبر سنة 1923 سيريه 1924 – 1 – 159 – وفي 5 ديمسبر سنة 1927 سيريه 1928 – 1 – 138 .
( [7] ) نقض مدني في أول مارس سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 168 ص 328 – أنظر أيضاً ما قررته محكمة النقض من أنه إذا كان لقاضي الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى من دلائلها المقدمة له تقديماً صحيحاً ، ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ، إلا أنه متى اثبت لهذا الفهم دليلا وهمياً لا وجود له ، أو كان موجوداً ولكنه مناقض لما أثبته ، أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاص هذا الفهم منه ، فإن حكمه يقع إذن تحت رقابة محكمة النقض لمخالفته لقواعد الإثبات القانونية . فإذا انتحل الحكم للحادث الضار سبباً تقصيرياً لا يمكن استخلاصه فعلا من عناصر التحقيق التي كانت أمام المحكمة تعين نقضه ( نقض مدني في 27 مارس سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 235 ص 630 ) .
( [8] ) تالامون ( Talamon ) في رقابة محكمة النقض على تفسير العقود وتطبيقها رسالة من باريس سنة 1926 – مارتي ( Marty ) في التمييز بين الواقع والقانون أمام محكمة النقض رسالة من تولوز سنة 1929 – حامد فهمي باشا والدكتور محمد حامد فهمي بك في النقض في المواد المدنية والتجارية فقرة 299 وما بعدها .
وقد قضت محكمة النقض بأن من حقها أن تشرف على محكمة الموضوع فيما تعطيه من الأوصاف والتكييف القانونين لما تثبته في حكمها من الوقائع ، وذلك لتعرف ما إذا كان هذا التكييف قد جاء موافقاً للقانون أم مخالفاً له . فإذا ادعى بائع قطعة من الأرض إلى زوجته بعقد مسجل بثمن معين اقر بقبضه أن هذا البيع هو في الحقيقة وصية ، واستدل على ذلك بإقرار قدمه صادر له من المشترية تبيح له فيه الانتفاع بالعين المبيعة مدة حياته وتصرح فيه بأنه في حالة وفاتها قبله تعود ملكية القدر المبيع إليه ، وتمسكت هي في دفع هذه الدعوى بورقة صادرة من البائع بعد تاريخ الإقرار الصادر منها بمدة طويلة يتنازل لها فيه عن ريع الأرض المبيعة ، واعتبرت المحكمة هذا التنازل مكيفاً للعقد المتعلق بالملكية الوارد في إقرار المشترية ومتمما لعقد البيع بجميع أركانه زعماً بأنها بعد هذا التنازل تكون قد نقلت ملكية الرقبة والمنفعة معاً الىالمشترية ، فهذا الاعتبار لا يمكن حسبانه تفسيراً لعقد البيع ولا لإقرار المشترية أو تنازل البائع ، وإنما هو وصف وتكييف للعقد ، أغفلت المحكمة فيه عنصراً هاماً هو ما نص عليه في إقرار المشترية من عودة الملكية إلى البائع إذا ما توفيت هي قبله ، ويكون لمحكمة النقض أن تصحح تكييف هذا العقد على موجب قيام هذا العنصر الذي لا خلاف على ثبوته ولا على دلالته ، فتعتبره وصية لا بيعاً صحيحاً ( نقض مدني في 2 مارس سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 108 ص 192 ) – والمتعاقدان قد يخطئان في تكييف العقد جهلا أو عمداً ، والتعمد يكون عادة لاخفاء غرض غير مشروع ، كربا فاحش يستتر تحت اسم إيجار أو بيع ( استئناف وطني في 29 ديسمبر سنة 1908 المجموعة الرسمية 10 رقم 85 ) ، وكرهن حيازة يستتر تحت اسم بيع وفاء في القانون المدني القديم ، وكشركة مخاصة هي في الواقع قرض ( استئناف مختلط في 8 مايو سنة 1901 م 13 ص 306 ) ، وكبيع هو في الواقع تأمين لدين على البائع للمشتري ( زقازيق استئنافي في 12 نوفمبر سنة 1908 الحقوق 23 ص 30 ) ، وقد يوصف الصلح بأنه وكالة ( استئناف وطني في 14 نوفمبر سنة 1922 المجموعة الرسمية 25 رقم 52 / 1 – أنظر أيضاً استئناف مختلط في 2 يناير سنة 1919 م 31 ص 93 – وفي 10 مايو سنة 1924 م 36 ص 364 – وفي 24 فبراير سنة 1926 م 38 ص 294 ) .
وكثيراً ما تستتر الوصية تحت اسم آخر ، كالبيع ، فعلى محكمة الموضوع أن تتبين إرادة المتصرف ، وأن تكيف هذه الإرادة التكييف القانونين الصحيح خاضعة في ذلك لرقابة محكمة النقض ( أنظر نظرية العقد للمؤلف ص 928 هامش رقم 1 وفيه إشارة لأحكام كثيرة لمحكمة استئناف مصر تكيف التصرف تارة بأنه وصية وطوراً بأنه بيع – ويضاف إلى هذه الأحكام ما يأتي : استئناف مصر في 27 يناير سنة 1935 المحاماة 16 رقم 23 ص 48 – وفي 21 مايو سنة 1935 المحاماة 16 ص 301 – وفي 31 ديسمبر سنة 1935 المحاماة 17 رقم 55 ص 112 – وفي 17 فبراير سنة 1 937 المحاماة 17 رقم 589 ص 1178 – وفي 2 مارس سنة 1937 المحاماة 17 رقم 159 ص 1181 – وفي 7 ديسمبر سنة 1937 المحاماة 18 رقم 359 ص 737 – وفي 13 يناير سنة 1938 المحاماة 19 رقم 162 ص 373 – وفي 25 ابريل سنة 1939 المحاماة 19 رقم 532 ص 1424 .
وتخضع محكمة النقض هذه التصرفات لرقابتها تارة عن استظهار نية المتصرف وهي مسألة موضوعية ، ولكن محكمة النقض تشترط في استظهار النية كما رأينا أن تكون الوقائع التي استخلصت منها هذه النية قائمة علىمصادر موجودة غير متناقضة ومؤدية إلى النتيجة التي قررتها في حكمها ( نقض مدني في 25 مايو سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 126 ص 227 ) ، ونية المتصرف تقوم عليها علامات كثيرة كاستمرار وضع يد البائع على العين واستغلالها إلى حين وفاته وكفقر المشتري وعدم قدرته على دفع الثمن المسمى في العقد وكعدم تسجيل العقد وكاستمرار قيام البائع بدفع الأموال الأميرية أو العوائد من تاريخ البيع إلى تاريخ وفاته ( استئناف مصر في 31 مارس سنة 1940 المحاماة 22 رقم 229 ص 664 ) – وطوراً عن طريق اخضاع التكييف القانونين للتصرف لرقابتها ، وقد رأينا في الحكم السابق ذكره الصادر في 3 مارس سنة 1933 إنها كيفت التصرف وصية لا بيعاً ، وفي حكم آخر كيفته هبة لاة وصية ، فقضت بأنه وإن كان لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تفسير العقود المختلف على معناها بحسب ما تراه أدنى إلى نية المتعاقدين ، مستيعنة في ذلك بجميع وقائع الدعوى وظروفها ، إلا أنه إذا أدى هذا التفسير إلى إعطاء العقد وصفا قانونيا خاطئاً ، فإن حكمها في ذلك يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض التي يجب عليها في هذه الحالة تصحيح ما وقع من الخطأ ، فإذا صدر عقد من شخص إلى حفيده ببيع قطعة من الأرض له ، نص فيه على أن البائع باع تلك الاطيان لحفيده بيعاً قطعياً لا رجوع فيه ونزل له عنها في مقابل ثمن قدره كذا قبضه من المشتري ، وأنه سلم الاطيان للمشتري لكي يضع يده عليها ويزرعها ويبيع محصولاتها الخاصة بنفسه إلى غير ذلك ، وسجل هذا العقد تسجيلا تاماً ، واستمر البائع واضعاً يده على الاطيان ، ثم تنازع مع المشتري على ملكيتها ، ودفع لديى القضاء بأن هذا العقد وصية وأنه سبق أن أخذ ورقة ضد من المشترى مقتضاها أن تبقى الأطيان تحت يده هو يستغلها لحين وفاته ولكن هذه الورقة ضاعت منه ، إذا حصل ذلك وحكمت محكمة الموضوع باعتبار هذا العقد وصية بناء على ما بان لها من الظروف التي لابست تحرير العقد وحالة البائع وظرف المشتري ومركزه بالنسبة للبائع وبقاء العين تحت يد صاحبها ، كان حكمها خاطئاً في تطبيق القانون ووجب علىمحكمة النقض تصحيحه باعتبار هذا العقد عقد تبرع منجز أي هبة مستترة في صورة بيع ، فهي هبة صحيحة ( نقض مدني في 2 يونية سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 53 ص 118 ) .
وقد كان تكييف التصرف على أنه وصية أو هبة أو بيع في القانون المدني القديم أمراً محيراً ( أنظر إلى ما جاء في ذلك من الضوابط نظرية العقد للمؤلف ص 928 في آخر الحاشية رقم 1 وتجد الأحكام مشارا إليها في أسفل ص 932 – ص 933 ) . وتضمن القانون الجديد نصاً في هذه المسألة هو المادة 917 وتقضي بأنه ” إذا تصرف شخص لأحد ورثته ، واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته ، اعتبر التصرف مضافا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك ” . ويبرر مسلك القانون الجديد وميله إلى ترجيح جانب الوصية على جانب البيع أو الهبة ، مما يؤدي في الغالب إلى تقييد التصرف ، أن باعث القضاء على التساهل في تفسير التصرف على ا ،ه بيع أو هبة لا على أنه وصية قد انعدم ، فقد كان القضاء يرجح جانب البيع أو الهبة على جانب الوصية لما كانت أحكام الوصية تضيق عن الايصاء لوارث ، فكان القضاء يعالج بهذا التساهل عيباً في القانون ليصحح وصايا لها ما يبررها في ظروف الأسرة تحت ستار إنها بيوع أو هبات منجزة . أما اليوم فقد عدل المشرع المصري من أحكام الوصية ، فأجاز الوصية لوارث فيما لا يزيد على ثلث التركة وجعلها كالوصية لغير الوارث ، فلم يعد هناك مقتض لتسمية التصرفات بغير أسمائها الحقيقية ، وما دامت الوصية السافرة للوارث جائزة ، فلا محل إذن للوصية المستترة .
وقد كانت محكمة النقض ، قبل القانون المدني الجديد ، جعل احتفاظ المتصرف بايحازة العين لا بحقه في الانتفاع بها مدى حياته قرينة قضائية على أن التصرف وصية – قبل أن تصبح في القانون الجديد قرينة قانونية – لاسيما إذا اقترن ذلك باشتراط عدم تصرف المشتري في الرقبة طول حياة البائع : أنظر في هذا ا لمعنى نقض مدني في 14 مايو سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 158 ص 445 – وفي 11 مارس سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 36 ص 69 – وفي 29 ابريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 307 ص 612 – وفي 3 نوفمبر سنة 1949 طعن رقم 43 سنة 18 قضائية لم ينشر – ومع ذلك أنظر : نقض مدني في 13 ابريل سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 179 ص 547 – وفي 8 يونية سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 188 ص 547 ( إقرار الغى شرط المنع من التصرف ) – وفي 18 ابريل سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 66 ص 153 – وفي 16 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 75 ص 171 – وفي 3 فبراير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 379 ص 710 – وفي 19 مايو سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 422 ص 781 – وفي 29 ديسمبر سنة 1949 طعن رقم 73 سنة 18 قضائية لم ينشر – كذلك قضت محكمة النقض بأن عدم تسجيل العقد قرينة على أنه وصية ( نقض مدني في 16 نوفمبر سنة 1939 مجموعة عمر 3 رقم 4 ص 11 – وفي 14 مايو سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 158 ص 445 – وفي أول ابريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 43 ص 107 – وفي 16 ديسمبر سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 83 ص 231 – وفثي 16 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 78 ص 174 – وفي 2 مارس سنة 1950 طعن رقم 83 سنة 18 قضائية لم ينشر . ومع ذلك أنظر : نقض مدني في 18 ابريل سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 413 ص 764 – وانظر في أن تنازل البائع عن ورقة الضد يدل على تنجيز العقد : نقض مدني في 23 مارس سنة 1 950 طعن رقم 126 سنة 18 قضائية ، وفي أن تسليم البائع العقد للمشتري وتخليه من الحيازة له قبل الوفاة ( حتى لو ثبت أن العقد لم يسجل وأن ثمناً لم يدفع ) يدل على التنجيز وعلى تخلي المورث عن فكرة الرجوع في التصرف : نقض مدني في 11 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 286 ص 564 – وفي 16 مارس سنة 1950 طعن رقم 51 سنة 19 قضائية لم ينشر ، وفي أن التصرف يعتبر وصية إذا كان البائع قد أصدر عقد البيع منفرداً ولم يقبض ثمناً ولم يسلمس العقد للمشترين بل احتفظ به طوال حياته : نقض مدني في ) مارس سنة 1950 طعن رقم 122 سنة 18 قضائية لم ينشر ، وانظر في الهبة بعوض وهي سافرة : نقض مدني في 22 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 82 ص 178 ، وفي الهبات المستترة في صورة سندات : نقض مدني في 23 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 62 ص 210 – وفي 28 يناير سنة 1934 مجموعة عمر 4 رقم 21 ص 47 – وفي 29 ابريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 55 ص 152 – وفي ) نوفمبر سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 156 ص 437 .
ومن ذلك نرى أن القرينة القانونية التي أقامها القانون الجديد – وهي احتفاظ المورث بالحيازة وبحقه في الانتفاع مدى حياته – هي الشيء الثابت في هذه المسألة . وهي قرينة قابلة لإثبات العكس ، فيجوز إثبات أن التصرف بيع أو هبة لا وصية بتقديم قرائن في هذا المعنى ، كتسجيل التصرف والتنازل عن شرط منع التصرف وتبرير الاحتفاظ بحيازة العين عن طريق أن المشتري قاصر وأن البائع باشر الحيازة نيابة عنه وغير ذلك من الظروف التي تعارض قرينة التصرف وصية .
والذي يعنينا أن تقرره هنا هو أن لمحكمة النقض رقابة تامة على التكييف القانونين للعقد . وقد قضت بأن تمليك كل من الزوجين الآخر ماله بعد وفاته هو تبادل منفعة معلق على الخطر والضرر ، ولا غرض منه سوى حرمان ورثة كل منهما من حقوقه الشرعية في الميراث ، وهو من قبل الرقى المحرمة شرعا ( نقض مدني في 14 يونية 1934 مجموعة عمر 1 رقم 199 ص 499 – وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم عند الكلام في التركة المستقبلة فقرة 217 ) . وقضت أيضاً بأن العقد الذي يزيد فيه ما يدفع من الثمن نقداً عما يدفع منه عينا هو بيع لا مقايضة ، فتكييف محكمة المضووع العقد على هذا النحو لا غبار عليه ( نقض مدني في 30 مايو 1935 مجموعة عمر 1 رقم 273 ص 814 ) .
( [9] ) وقد قررت محكمة النقض هذا المبدأ في أحكام كثيرة ، من ذلك ما قضت به من أن استظهار نية المتعاقدين من ظروف الدعوى ووقائعها مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع ولارقابة لمحكمة النقض عليه فيه ، فله أن يستخلص من نص عقد البيع ومن ظروف الدعوى وأحوالها أن العاقدين قصدا به أن يكون البيع تاما منجزا بشرط جزائي ، ولم يقصدا أن يكون بيعاً بعربون أو بيعاً معلقاً على شرط فاسخ ( نقض مدني في 5 يناير 1933 مجموعة عمر 1 رقم 91 ص 163 ) . وقضت كذلك بأن تفسير العقود هو من شؤون محكمة الموضوع ، فلها أن تقرر معناها على أي وجه تراه مفهوما من صيغتها وتعتبره متفقا مع قصد المتعاقدين ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي تأخذ به ( نقض مدني في 2 فبراير 1933 مجموعة عمر 1 رقم 95 ص 171 ) . وقضت أيضاً بان استظهارنية المتصرف مسألة موضوعية لا مدخل فيها لمحكمة النقض ما دامت الوقائع التي سردتها المحكمة في حكمها والظروف التي بسطتها فيه تؤدي إلى النتيجة القانونية التي قررتها ( نقض مدني في 25 مايو 1933 مجموعة عمر 1 رقم 126 ص 2227 ) . وقضت بأن لقاضي الموضوع السلطة التامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له تقديماً صحيحاً ، وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر ، وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه منها ، واستخلاص ما يرى أنه هو واقعة الدعوى دون أن يكون لمحكمة النقض أية رقابة عليه في ذلك ولو أخطأ في نفس الأمر ، لأن خطأه يكون في فهم الواقع في الدعوى لا في فهم حكم القانون في هذا الواقع ، ومحكمة النقض لا تنظر إلا في مسائل القانون . ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا صورة واحدة هي أن يثبت القاضي مصدراً للواقعة التي يستخلصها يكون وهمياً لا وجد له ، أو يكون موجوداً ولكنه مناقض لما اثبته ، أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاص الواقعة منه كما فعل هو ( نقض مدني أول مارس 1934 مجموعة عمر 1 رقم 168 ص 328 ) . وقضت أنه بحسب قاضي الموضوع أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يذكر دليلها ، وما عليه أن يتتبع الخصوم في مناحي أقوالهم ومختلف حججهم وطلباتهم ويرد استقلال على كل قول أو حجة أو طلب اثاروه في مرافتهم ، ما دام قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه التعليل الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات ( نقض مدني في 31 مايو 1934 مجموعة عمر 1 رقم 189 ص 414 ) .
أنظر أيضاً في هذا المعنى أحكاماً كثيرة نذكر منها : نقض مدني 17 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 72 ص 1402 – وفي 13 ابريل سنة 1 933 مجموعة عمر 1 رقم 119 ص 205 – وفي 21 ديسمبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 155 ص 291 – وفي 22 فبراير سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 167 ص 327 – وفي 27 ديسمبر سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 215 ص 520 – وفي 21 مارس سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 238 ص 646 – وفي 13 يناير سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 83 ص 240 – وفي 11 يناير سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 22 ص 51 – وفي 21 مارس سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 46 ص 40 – وفي 18 ابريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 52 ص 177 – وفي 6 يونية سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 66 ص 231 – وفي 24 أكتوبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 72 ص 259 – وفي 2 يناير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 87 ص 10 وفي 11 ديسمبر سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 130 ص 393 – وفي 29 أكتوبر سنة 1942 مجموعة عمر رقم 182 ص 488 – وفي 18 فبراير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 28 ص 58 – وفي 13 مايو سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 57 ص 154 – وفي 27 يناير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 94 ص 251 – وفي 3 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 97 ص 256 – وفي 17 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 99 ص 264 – وفي 2 مارس سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 106 ص 274 – وفي 15 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 207 ص 567 – وفي 17 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 253 ص 680 .
هذا ويلاحظ أن تفسير إرادة المتعاقدين لا يكون مسألة موضوعية إذا أخذنا بنظرية الإرادة الظاهرة ، فإن تفسير هذه الإرادة يكون إذن مسألة قانونية كتفسير نصوص القانون ذاته ، ويكون التفسير في هذه الحالة خاضعاً لرقابة محكمة النقض ( نظرية العقد للمؤلف ص 927 هامش رقم 2 ) .
( [10] ) نقض مدني في 10 مارس سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 41 ص 83 – قضت محكمة النقض أيضاً بأن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفهم نصوص العقد وما قصده العاقدان منها دون أن تنقيد بألفاظها ، وليس لمحكمة النقض أية رقابة عليها في ذلك ما دامت قد بينت في أسباب حكمها وجهة نظرها وما دعاها إلى الأخذ بما أخذت به في قضائها ، ولماذا لم تأخذ بظاهر ألفاظ العقد ، وما هي الظروف والملابسات التي رجحت عندها ما ذهبت إليه ( نقض مدني في 10 مارس سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 42 ص 84 ) . وقضت أيضاً بأنه مهما يقل بأن للمحكمة أن تعدل عن المعنى الظاهر للعقد إلى ما تراه هي أنه مقصود العاقدين ، فلا شك في أنه يكون عليها إذا ما رأت أن تأخذ بغير ظاهر العقد أن تبين في حكمها لم عدلت عن المدلول الظاهر إلى خلافه ، وكيف أفادت صيغته المعنى الذي أخذت به ورجحت أنه مقصود العاقدين ، بحيث يتضح من هذا البيان إنها قد اعتمدت في تأويلها إياه على اعتبارات مقبولة يصح معها استخلاص ما استخلصته منها . فإذا هي لم تفعل . كان حكمها معيباً بصور أسبابه ( نقض مدني في 3 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 18 ص 36 ) . وقضت أيضاً بأنه إذا لم تأخذ المحكمة بظاهر مدلول عبارة وردت في ورقة من أوراق الدعوى ، وأوردت في أسباب حكمها الاعتبارات التي دعتها إلى ذلك ، وكانت هذه الاعتبارات مقبولة عقلا ، فلا يصح النعي على حكمها إنها مسخت الورقة التي قصدت لتفسيرها أو إنها حرفت معناها ( نقض مدني في 4 ابريل سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 57 ص 144 ) .
أنظر أيضاً في هذا المعنى : نقض مدني في 29 ديسمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 89 ص 161 – وفي 7 ديسمبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 149 ص 283 – وفي 5 يناير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 312 ص 1020 – وفي 22 يونية سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 375 ص 1155 – أنظر كذلك ” النقض في المواد المدنية والتجارية ” لحامد فهمي باشا والدكتور محمد حامد فهمي بك فقرة 102 والأحكام المشار إليها فيه ، وانظر فقرة 103 وفقرة 104 من هذا الكتاب في نقد قضاء محكمتي النقض المصرية والفرنسية في هذه المسألة وإلى رأي خاص لمؤلفي هذا الكتاب .
وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية هذا المذهب في أحكامها ، وعنها أخذت محكمة النقض المصرية كما أسلفت الإشارة : أنظر نقض فرنسي في 15 ابريل سنة 1872 داللوز 72 – 1 – 176 – وفي أول يوليو سنة 1886 داللوز 87 – 1 – 217 – وفي 3 فبراير سنة 1886 داللوز 86 – 1 – 469 – وفي 21 ديسمبر سنة 1891 داللوز 92 – 1 – 104 – وفي 27 نوفمبر سنة 1901 سيريه 1903 – 1 – 267 – وفي 26 يناير سنة 1914 سيريه 1917 – 1 – 127 – وفي 28 مارس سنة 1921 سيريه 1922 – 1 – 79 – وفي 16 مارس سنة 1925 سيريه 1925 – 1 – 166 – وفي أول يولية سنة 1926 سيريه 1926 – 1 – 286 – وفي 21 يولية سنة 1930 – سيريه 1930 – 1 – 365 – وانظر في تحليل قضاء محكمة النقض الفرنسية والعهود الثلاثة التي مر بها هذا القضاء كتاب ” النقض في المواد المدنية والتجارية ” لحامد فهمي باشا والدكتور محمد حامد فهمي بك فقرة 89 – فقرة 101 .
هذا ولعل فيما قدمناه من جواز تفسير العبارة الواضحة رداً على ما استدركه الدكتور أبو عافية ( في رسالته في التصرف المجرد نسخة عربية ص 284 هامش رقم 8 ) على القانون المدني الجديد ، فقد ذهب إلى أن الفقرة الأولى من المادة 150 تمنع من تفسير العبارة الواضحة للعقد . وقد رأينا أن هذا النص في القانون الجديد لمي قصد به إلا تقنين قضاء محكمة النقض في هذه المسألة ، تمنع وليس . من تفسير العبارة الواضحة بالشرطين اللذين بيناهما .
( [11] ) وإلى هذا تشير المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي إذ تقول : ” ويلاحظ اخيراً أن القاضي ينبغي أن يلجا إلى الوسائل المادية دون غيرها لاستخلاص إرادة المتعاقدين الذاتية ، سواء أكان هناك محل لتفسير العقد أم لا . فليس للقاضي المدني ما يتمتع به القاضيالجنائي من حرية في تكوين عقيدته . وغنى عن البيان أن مراعاة هذه القاعدة الهامة مسألة من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض – أنظر قضاء هذه المحكمة فيما يتعلق بقصور الأسباب ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 297 فقرة 3 ) .
( [12] ) وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي تأييداً لذلك ما يأتي : ” لا ريب أن إرادة المتعاقدين هي مرجع ما يرتب التعاقد من آثار . بيد أن هذه الإرادة ، وهي ذاتية بطبيعتها ، لا يمكن استخلاصها إلا بوسية مادية أو موضوعية ، هي عبارة العقد ذاتها . فإذا كانت هذه العبارة واضحة ، لزم أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة المتعاقدين المشتركة ، وليس يجوز الانحراف عن هذا التعبير لاستقصاء ما أراده العاقدان حقيقة من طريق التفسير أو التأويل . تلك قاعدة يقتضى استقرار التعامل حصراً بالغاً في مراعاتها ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 296 فقرة 1 ) .
( [13] ) وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وإذا كانت عبارة العقد غير واضحة أو مبهمة بحيث تحتمل في جزئياتها أو في جملتها أكثر من معنى ، تعين الالتجاء إلى التفسير . والجوهري في هذا هو كشف الإرادة المشتركة للعاقدين ، لا الإرادة الفردية لكل منهما ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 296 – ص 297 ) .
( [14] ) ويقول الدكتور محمود أبو عافية في هذا المعنى ، بعد أن ينعي على الفقهين الفرنسي والمصري الخلط بين صحة التصرفات القانونية وتفسيرها ، ما يأتي : ” وهذا خطأ بين يجب استبعاده بفصل هاتين المسالتين إحداهما عن الأخرى للسبب السابق ذكره ، وهو أن تحديد أثر التصرف مسألة لا توضع إلا بعد التسليم بصحته ، وصحة التصرف نفترض بدورها اتفاق الإرادة المعلنة مع الإرادة الحقيقية ، بل يجب التقيد بمضمون الإرادة المعلنة . . . يجب إذن فصل المنطقة التي يعمل فيها مبدأ اتفاق الإرادة المعلنة مع الإرادة الحقيقية كشرط لصحة التصرف عن منطقة المبدأ المتعلق بتحديد أثر التصرف . والنتيجة التي تترتب على ذلك هي أنه ما دام التعبير عن الإرادة صحيحاً فتفسيره لتحديد أثره لا يجوز أن يكون وسيلة لتغليب الإرادة الحقيقية على الإرادة المعلنة ، وإنما وسيلة الاستخلاص الإرادة الحقيقية من صيغة التعبير . ولا نزاع في أن للقاضي عندئذ أن يصرف النظر عن المعنى الحرفي للألفاظ المستعملة ليهتم فقط بمعناها المقصود ف يالحقية والذي يتبين من مجموع الظروف الخارجية التي لابست التعبير . ولكن القاضي عندما يفعل ذلك لا يغفل التعبير عن الإرادة وإنما يفسره ” ( التصرف المجرد : نسخة عربية ض 283 – ص 284 ) .
أنظر أيضاً في تحديد منطقة كل من الغلط والتفسير ولكن مع جعل الإرادة الباطنة أساساً لكل منهما الدكتور حلمي بهجت بدوي بك فقرة 186 .
( [15] ) أنظر في هذا المعنى الدكتور الشيتي في رسالته في ” تكوين العقد وتفسيره في القانون المصري الجديد ” ص 58 .
( [16] ) سالي : في الالتزامات في القانون الألماني ( المادة 157 ص 228 وما بعدها ) – وانظر انتقاد الدكتور الشيني لرأي سالي في رسالته في ” تكوين العقد وتفسيره ف يالقانون المصري الجديد ” ص 55 حاشية رقم 23 .
( [17] ) أنظر أيضاً : استئناف مختلط في 25 يونية سنة 1932 م 44 ص 392 – نقض فرنسي في 11 نوفمبر سنة 1901 داللوز 1903 – 1 – 213 .
( [18] ) أنظر نظرية العقد للمؤلف فقرة 834 .
( [19] ) أنظر في هذا المعنى المادة 1105 من القانون المدني الجديد . وانظر في أمثلة أخرى نظرية العقد للمؤلف فقرة 833 .
( [20] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت المحكمة – في دعوى طلب إثبات صحة تعاقد دفعها المدعي عليه بأن الاتفاق الذي تم بينه وبين المدعى على البيع قد عدل عنه وزال أثره – قد بسطت الوقائع كما استخلصتها من الأوراق ، ثم حصلت من المكاتبات التي تبودلت بين محاميي الطرفين أن المدعى أنكر التعاقد منذ حصوله ، مستعينة على ذلك بإيراد ألفاظ وعبارات من تلك المكاتبات مؤدية إلى محا حصلته ، فلا عليها إذا كانت لم تقف عندما ورد في مكاتبة منها على سلان محامي المدعى عليه مفيداً أن موكله يرى أن المدعى لا ينكر البيع وإنما ينازع في تفصيلاته فقط ، إذ المحكمة حين تفسر المحررات إنما تفسرها كما تفهمها هي ، وهي إذ تعالج تفسير محررات متبادلة مترابطة إنما تعتبرها بما تفيده من جملتها لابما تفيده عبارة معينة من عباراتها ( نقض مدني في 16 أكتوبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 220 ص 469 ) – أنظر أيضاً نظرية العقد للمؤلف فقرة 835 .
( [21] ) نقض مدني في 27 أكتوبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 65 ص 173 .
( [22] ) 30 ديسمبر سنة 1931 م 43 ص 109 .
( [23] ) استئناف مختلط في 23 فبراير سنة 1910 م 22 ص 162 .
( [24] ) مسينا جزء 1 فقرة 61 .
( [25] ) استئناف مختلط في 15 فبراير سنة 1916 م 28 ص 154 .
( [26] ) 20 يناير سنة 1915 م 27 ص 130 .
( [27] ) استئناف مختلط في 5 يناير سنة 1926 م 38 ص 161 .
( [28] ) نقض مدني في 28 مارس سنة 1940 مجموعة عمر 4 رقم 47 ص 141 .
( [29] ) أنظر في القضاء المصري نظرية العقد للمؤلف فقرة 828 .
هذا وقد تتضح إرادة المتعاقدين عن طريق أي عامل آخر خارجي عن العقد . مثل ذلك ما قضت به محكمة النقض من أنه إذا كانت المحكمة ، حين قالت أن العقد المتنازع عليه عقد قر ضلا بيع خلافاً لظاهره ، قد أقامت ذلك على أن نية طرفية كانت منصرفة إلى القرض لا إلى البيع ، مستخلصة هذه النية من ورقة الضد التي عاصرت تحرير العقد ومن التحقيق الذي أجتره في الدعوى والقرائن الأخرى التي اوردتها استخلاصاً لم يرد عليه طعن الطاعن في حكمها ، فيتعين رفض هذا الطعن ( نقض مدني في 3 ابريل سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 180 ص 390 ) .
( [30] ) وهذا يقرب من النظرية الألمانية المعروفة بنظرية الثقة ( Vertauenstheorie ) التي أشار إليها الدكتور الشيتي في رسالته ” في تكوين العقد وفي تفسير في القانون المصري الجديد ” ص 51 – ص 53 . وقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك .
( [31] ) وتشير المذكرة الإيضاحية إلى هذا الاعتبار فيما يأتي : ” إذا عرض ما يدعو إلى تفسير العقد ، وبقى الشك يكتنف إرادة المتعاقدين المشتركة رغم إعمال أحكام التفسير التي تقدمت الإشارة إليها ، فسر هذا الشك في مصلحة المدين دون الدائن . تلك قاعدة أساسية أخذت بها اغلب التقنينات ، وهي ترد إلى أن الأصل في الذمة البراءة ، وعلى الدائن أن يقم الدليل على وجود دينه باعتبار أنه يدعى ما خالف هذا الأصل ، فإذا بقى شك لم يوفق الدائن إلى إزالته فمن حق المدين أن يفيد منه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 299 ) .
( [32] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الاشتباه في الغرض المقصود من المشارطة الذي يجب معه تفسير المشارطة بما فيه الفائدة للمتعهد هو الاشتباه الذي يقوم في نفس القاضي لخلو الدعوى من دليل مقنع . فإذا كان المستفاد من الحكم أن المحكمة قد استخلصت في اقتناع تام من أدلة الدعوى المرفوعة على المشتري بمطالبته بثمن القطن المبيع له أنه تسلم المبيع ، ثم قضت بإلزامه بالثمن ، فإن حكمها يكون سليما ولا غبار عليه ( نقض مدني في 14 ديسمبر سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 169 ص 478 ) .
( [33] ) أنظر آنفاً فقرة 118 – ومما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وينبغي كذلك تفسير ما يغمض من الشروط فيها على وجه لا يضر بالمذعن ، دائناً كان أو مديناً ، إذ ليس له ، على كلا الحالتين ، يد في هذا الغموض ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 271 ) .
( [34] ) استئناف مختلط في 20 نوفمبر سنة 1902 م 15 ص 11 .
( [35] ) استئناف مختلط في 27 مارس سنة 1902 م 14 ص 242 – وفي 11 يونية سنة 1908 م 20 ص 270 .
( [36] ) استئناف مختلط في 19 نوفمبر سنة 1914 م 27 ص 29 .
( [37] ) محكمة اسكندرية الكلية التجارية المختلفطة في 13 فبراير سنة 1922 جازيت 12 رقم 287 ص 165 – أنظر أيضاً استئناف مصر الوطنية في 25 يناير سنة 1932 المحاماة 12 رقم 25 ص 73 – محكمة مصر الكلية الوطنية في 21 ابريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 126 ص 267 – استئناف مختلط في 17 مايو سنة 1900 م 12 ص 262 – وفي 6 يونيه سنة 1901 م 13 ص 362 – وفي 20 نوفمبر سنة 1902 م 15 ص 11 – وفي 18 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 94 – وفي 8 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 53 – وفي 11 ديسمبر سنة 1934 م 47 ص 59 – وفي 22 ابريل سنة 1936 م 48 ص 239 – وفي 21 ابريل سنة 1937 م 49 ص 200 – وفي 11 يونية سنة 1940 م 52 ص 298 – أنظر أيضاً نظرية العقد للمؤلف فقرة 840 ص 948 .
نقلا عن محامي أردني