تكييف الالتزام برد ما أخذ دون حق


تكييف الالتزام برد ما أخذ دون حق

829 – تحليل حالتي دفع غير المستحق وردهما إلى قاعدة الإثراء بلا سبب : قدمنا أن دفع غير المستحق ليس إلا صورة من صور الإثراء بلا سبب .

ونحلل الآن كلا من حالتيه لنبين ذلك في وضوح .

فالحالة الأولى ، وهي حالة دفع دين غير مستحق وقت الوفاء به ، تنطوي على عمل من أعمال الوفاء قد شابه عيب يجعله قابلا للإبطال . فالدافع لدين غير مستحق إما أن يكون قد دفع عن غلط – وكالغلط التدليس – أو عن إكراه ، وإما أن يكون ناقص الأهلية . ولما كان الوفاء عملا قانونيا ( acte juridique ) فهو قابل للإبطال لهذا العيب الذي شابه . وللدافع إذن أن يبطله . ومتى بطل زال السبب الذي نقل القيمة المدفوعة من ذمة الدافع إلى ذمة المدفوع له . فيثرى المدفوع له دون سبب على حساب الدافع . ومن ثم يسترد الدافع ما دفع بمقتضى قاعدة الإثراء ( [1] ) .

وترد أيضاً الحالة الثانية إلى قاعدة الإثراء بلا سبب . ففيها يفي الدافع بدين مستحق الأداء ، ثم يزول سبب استحقاق الدين بتحقق الشرط الفاسخ أو بفسخ العقد أو بإبطاله . فالوفاء الذي كان العقد سبباً له أصبح الآن دون سبب بزوال العقد . ومن ثم يبطل الوفاء . ومتى بطل زال السبب الذي نقل القيمة المدفوعة من ذمة الدافع إلى ذمة المدفوع له . فيرى المدفوع له ، هنا أيضاً ، دون سبب على حساب الدافع ، ويسترد الدافع ما دفع بمقتضى قاعدة الإثراء .

ولما كان الوفاء يبطل في الحالتين كعمل قانوني ، فهو لا يبقى إذن إلا كواقعة مادية ، هي الواقعة التي ترتب عليها إثراء المدفوع له وافتقار الدافع ، ومن ثم فهي الواقعة التي تنشيء الالتزام برد المدفوع بغير حق .

وإذا كان دفع غير المستحق ، على ما رأينا ، صورة من صور الإثراء بلا سبب ، إلا إنها صورة تتميز بالخاصية الآتية : قيمة الافتقار فيها تعدل قيمة الإثراء . فالدافع قد افتقر بقيمة ما دفع ، والمدفوع له قد أثرى بهذه القيمة ذاتها . ومن ثم يسترد الدافع ما دفع ( [2] ) . هذا هو الأصل ، ويستثنى منه ما إذا كان المدفوع له ناقص الأهلية . فينظر إلى القيمة التي انتفع بها فعلا وقد تنقص عن القيمة التي أخذها . فلا يرد إلا القدر الذي انتفع به ( م 186 ) ، وسنرى تفصيل ذلك فيما يلي .

830 – التمييز بين دين في الذمة وعين معينة بالذات : ويمكن التمييز ، في دفع غير المستحق ، بين ما إذا كانت القيمة التي نقلها الدافع إلى المدفوع له ديناً في الذمة أو عيناً معينة بالذات . ففي الأمثلة التي سقناها فيما تقدم كانت القيمة المنقولة ديناً في الذمة ، فلما زال سبب الإثراء لم يبق للدفاع إلا دعوى شخصية يرجع بها على المدفوع له هي دعوى استرداد المدفوع بغير حق . أما اذاكانت القيمة عيناً معينة بالذات ، كما إذا كان المدفوع عقاراً باعه صاحبه وسلمه للمشتري ثم فسخ البيع لعدم استيفاء الثمن ، فإن العقار بفسخ البيع تعود ملكيته للبائع . إذ هو عين معينة بالذات وليس ديناً في الذمة ومن ثم يكون للدفاع في هذه الحالة ، إلى جانب دعوى استرداد المدفوع بغير حق وهي دعوى شخصية . دعوى عينية هي دعوى الاستحقاق ( [3] ) .


 ( [1] ) جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ليس دفع غير المستحق سوى تطبيق خاص للقاعدة العامة في الإثراء بلا سبب . فالوفاء يدين تصرف قانوني يجب أن تجتمع له الشروط الواجب توافرها في سائر التصرفات القانونية . فيشترط أن يكون بوجه خاص خلواً مما يعيب الرضاء من غلط أو تدليس أو إكراه ، وأن يصدر ممن تتوافر لديه أهلية الوفاء . فإذا شاب الرضاء عيب من هذه العيوب أو تخلف شرط الأهلية كان الوفاء غير صحيح . ويعتبر من تسلم ما أوفى به أو أدى على هذا الوجه قد أثرى دون سبب ، ويصبح ملزما بالرد وفقاً لقواعد الإثراء ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 448 ) .

 ( [2] ) جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” يلتزم من يتسلم غير المستحق برد ما يؤدي إليه . وليس ترتيب هذا الالتزام إلا تطبيقاً للقواعد العامة في الإثراء . فمما لا ريب فيه أن من يقبض غير المستحق يثري دون سبب ما دام وفاء من أدى قد وقع غير صحيح . وأقل قيمة ينبغي ردفها هي مقدار المبلغ الذي سلم بغير حق . ومع ذلك فليس ثمة محل للمفاضلة بين قيم شتى ، إذ الأمر ينحصر في قيمة واحدة . فالمبلغ الذي يدفع يمثل قيمة ما أثرى به المدين وما نقص من مال الدائن في آن واحد ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 459 ) ( المصدر محامي شركات )..

 ( [3] ) قارن ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 459 ) . وقد يجوز التفريق من بعض الوجوه بين قاعدة الإثراء بلا سبب في ذاتها وبين تطبيقها في حالة دفع غير المستحق . فيراعى أن الإثراء بلا سبب يسلتزم دخول ما يثرى به المدين في ذمته الملاية ، ولا يلزم بالرد إلا بمقتضى التزام شخصي . وعلى النقيض من ذلك لا يترتب على دفع غير المستحق انتقال ملك ما يؤدي دون حق إلى المدين ودخوله في ذمته . ذلك أن هذا الوفاء ، وهو قابل للبطلان بحكم الحال ، لا يكون من شأنه تقل الملك . فالمدين يلتزم برد ما تلقى عيناً لا بمقتضى التزام شخصي ، بل بمقتضى استحقاق الغير له . على أن هذا الفارق الفقهي البحث لا يحول دون اعتبار أحكام دفع غير المستحق تطبيقاً لقاعدة الإثراء بلا سبب من حيث مضمون الفكرة بوجه عام . ومن المحقق أن من يتسلم غير المستحق يتعين عليه رده بمقتضى التزام يقع على عاتقه طبقاً لهذه القاعدة ، دون أن يكون هناك محل للتفريق بين ما إذا كان من تسلم حسن النية أو سيئها ، وما إذا كان ما سلم من القيميات أو المثليات .

نقلا عن محامي أردني

وللمزيد تعرف على كيفية توكيل محامي

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s