جزاء المسئولية
( التعويض )
640 – صورتان للتعويض : جزاء المسئولية هو التعويض ، وهذا الجزاء أما أن يقوم في صورته العادية المألوفة ، وأما أن تعتوره ملابسات وأوصاف فنخرجه إلى صورة معدلة .
ونستعرض كلا من هاتين الصورتين .
المطلب الأول
التعويض في صورته العادية المألوفة
641 – طريقة التعويض وكيفية تقديره : نبحث أمرين : ( 1 ) كيف يعين القاضي طريقة التعويض ( mode de reparation ) ( 2 ) وكيف يقدر القاضي مدى التعويض ( evaluation des dommages – interets ) .
1 – طريقة التعويض :
642 – النصوص القانونية : تنص المادة 171 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
” 1 – يعين القاضي طريقة التعويض تبعا للظروف ، ويصح أن يكون التعويض مقسطا كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا ، ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا ” .
” 2 – ويقدر التعويض بالنقد ، على أنه يجوز للقاضي ، تبعا للظروف وبناء على طلب المضرور ، أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه ، أو أن يحكم بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع ، وذلك على سبيل التعويض ( [1] ) ” .
ويتبين من هذا النص أن الأصل في التعويض أن يكون تعويضاً نقدياً . ذلك أن التعويض ( reparation ) بمعناه الواسع إما أن يكون تعويضاً عينياً وهذا هو التنفيذ العيني ( execution en nature ) وإما أن يكون تعويضاً بمقابل ( reparation par equivalent ) والتعويض بمقابل إما أن يكون تعويضاً غير نقدي ( reparation non – pecuniaire ) أو تعويضاً نقدياً ( reparation pecuniaire ) .
643 – التنفيذ العيني : التعويض العيني أو التنفيذ العيني هو الوفاء بالالتزام عيناً . ويقع هذا كثيراً في الالتزامات العقدية ( [2] ) . أما في المسئولية التقصيرية فيمكن كذلك في قليل من الفروض أن يجبر المدين على التنفيذ العيني . ذلك أن المدين في المسئولية التقصيرية قد اخل بالتزامه القانوني من عدم الأضرار بالغير دون حق . وقد يتخذ الإخلال بهذا الالتزام صورة القيام بعمل تمكن إزالته ومحو أثره ، كما إذا بنى شخص حائطا في ملكه ليسد على جاره الضوء والهواء تعسفاً منه ، ففي هذه الحالة يكون الباني مسئولا مسئولية تقصيرية نحو الجار بتعويض ما أحدثه من الضرر ، ويجوز هنا أن يكون التعويض عينياً بهدم الحائط على حساب الباني ، أو عن طريق التهديد المالي . وهذا ما قصد إليه القانوني المدني الجديد عندما ينص في الفقرة الثانية من المادة 171 على أنه ” يجوز للقاضي ، تبعاً للظروف ، وبناء على طلب المضرور ، أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه ” .
والقاضي ليس ملزماً أن يحكم بالتنفيذ العيني . ولكن يتعين عليه أن يقضي به إذا كان ممكناً . وطالب به الدائن ، أو تقدم به المدين .
644 – التعويض غير النقدي : وفي الكثرة الغالبة من الأحوال يتعذر التنفيذ العيني في المسئولية التقصيرية . فلا يبقى أمام القاضى إلا أن يحكم بالتعويض . وليس من الضروري أن أن يكون التعويض نقداً ، وإن كان هذا هو الغالب . فيجوز للقاضي أن يحكم بان يدفع للدائن بسند أو بسهم تنتقل إليه ملكيته ويستولى على ريعته تعويضاً له عن الضرر الذي أصابه . كما يجوز للقاضي ، في حالة ما إذا هدم صاحب السفل سفله دون حق وامتنع من أن يعيد بناءه ، أن يأمر ببيع السفل لمن يتعهد ببنائه ( أنظر م 860 فقرة أولى ) . وفي دعاوى السب والقذف يجوز للقاضي أن يأمر على سبيل التعويض بنشر الحكم القاضي بإدانة المدعى عليه في الصحف ، وهذا النشر يعتبر تعويضاً غير نقدي عن الضرر الأدبي الذي أصاب المدعى عليه . وهذا ما عناه القانون المدني الجديد عندما نص في الفقرة الثانية من المادة 171 على أنه يجوز للقاضي ” أن يحكم باداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع وذلك على سبيل التعويض ” . بل إن الحكم بالمصروفات على المدعى عليه في مثل هذه الأحوال ، والاقتصاد على ذلك ، قد يعتبر تعويضاً كافياً عن الضرر الأدبي الذي أصاب المدعى ، وهو تعويض غير نقدي لأن الملحوظ فيه هو المعنى الذي يتضمنه .
645 – التعويض النقدي : وهذا هو التعويض الذي يغلب الحكم به في دعاوى المسئولية التقصيرية . فإن كل ضرر – حتى الضرر الأدبي – يمكن تقويمه بالنقد . ففي جميع الأحوال التي يتعذر فهيا التنفيذ العيني ، ولا يرى القاضي فيها سبيلا إلى تعويض غير نقدي ، يحكم بتعويض نقدي . والتعويض النقدي هو الأصل . ومن ثم نصت الفقرة الثانية من المادة 171 من القانون المدني الجديد على أنه ” يقدر التعويض بالنقد ” .
والأصل أيضاً أن يكون التعويض النقدي مبلغاً معيناً يعطي دفعة واحدة . ولكن ليس ثمة ما يمنع القاضي من الحكم ، تبعاً للظروف ، بتعويض نقدي مقسط أو بإيراد مرتب مدى الحياة . والفرق بين الصورتين أن التعويض المقسط يدفع على أقساط تحدد مددها ، ويعين عددها ، ويتم استيفاء التعويض بدفع آخر قسط منها . أما الإيراد المرتب مدى الحياة ، فيدفع هو أيضاً على أقساط تحدد مددها ، ولكن لا يعرف عددها لأن الإيراد يدفع ما دام صاحبه على قيد الحياة ولا ينقطع إلا بموته . ويحكم القاضي بتعويض مقسط إذا رأى أن هذه هي الطريقة المناسبة للتعويض . ويتحقق ذلك مثلا إذا كان المدعى قد أصيب بما يعجزه عن العمل مدة معينة من الزمن ، فيقضي له بتعويض مقسط حتى يبرأ من أصابته . ويحكم القاضي بإيراد مرتب مدى الحياة إذا كان العجز عن العمل – كلياً أو جزئياً – عجزاً دائماً ، فيقضي للمضرور بإيراد يتقاضاه ما دام حياً ، تعويضاً له مما أصابه من الضرر بسبب هذا العجز الكلي أو الجزئي ( [3] ) . ولما كان المسئول هو المدين بهذا التعويض المقسط أو بهذا الإيراد المرتب ، وكان الدين المترتب في ذمته يبقى مدداً قد تطول ، فقد يرى القاضي أن يلزمه بتقديم تأمين . وهذا هو ما تقضي به الفقرة الولى من 171 من القانون المدني الجديد . إذ تنص على أنه ” يعين القاضي طريقة التعويض تبعاً للظروف ، ويصح أن يكون التعويض مقسطاً كما يصح أن يكون ايراداً مرتباً ، ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بان يقدم تأميناً ” . وليس هناك ما يمنع القاضي من أن يحكم على المسئول بدفع مبلغ من المال إلى شركة تأمين مثلا لتحويله إلى إيراد مرتب يعطي للمضرور ، ويكون هذا بمثابة التأمين للدائن .
فإذا تعذر التنفيذ العيني والتعويض غير النقدي ، وتعين الحكم بتعويض نقدي ، ولم تستدعى الظروف أن يكون هذا التعويض مقسطاً أو إيراداً مرتباً ، رجع القاضي إلى الأصل وهو الحكم بمبلغ معين من المال يعطيه المسئول للمضرور دفعة واحدة .
2 – تقدير التعويض
646 – النصوص القانونية : تنص المادة 170 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
” يقدر القاضي مدي التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقا لأحكام المادتين 221 ، 222 ، مراعياً في ذلك الظروف الملابسة ، فان لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدي التعويض تعيينا نهائيا ، فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير ( [4] ) ” .
والمادتان 221 و 222 المشار إليهما في النص قد سبق إيرادهما . ونعيد ذكرهما هنا زيادة في الإيضاح .
تنص المادة 221 على ما يأتي : ” 1 – إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو بنص في القانون ، فالقاضي هو الذي يقدره ، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به ، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعه الدائن أن يتوقا ببذل جهد معقول . 2 – ومع ذلك إذا كان الالتزام مصدره العقد ، فلا يلتزم لمدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيما إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد ” .
وتنص المادة 222 على ما يأتي : ” 1 – يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضا ، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق ، أو طالب الدائن به أمام القضاء . 2 – ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب ” .
647 – مقياس التعويض الضرر المباشر : ويتبين من هذه النصوص أن التعويض مقياسه الضرر المباشر . فالتعويض في أية صورة كانت – تعويضاً عينياً أو بمقابل ، وتعويضاً نقدياً أو غير نقدي ، وتعويضاً مقسطاً أو ايراداً مرتباً أو رأس مال – يقدر بمقدار الضرر المباشر أحدثه الخطأ ، سواء كان هذا الضرر مادياً أو ادبيا ، وسواء كان متوقعاً أو غير متوقع ، وسواء كان حالا أو مستقبلا ما دام محققاً . وقد تقدم ذكر هذا كله عند الكلام في ركن الضرر .
والضرر المباشر يشتمل على عنصرين جوهريين هما الخسارة التي لحقت المضرور ( damnum emergens ) والكسب الذي فاته ( lucurm cessans ) . فهذان العنصران هما اللذان يقومهما القاضي بالمال . فلو أن شخصاً أتلف سيارة مملوكة لآخر . وكان صاحب السيارة اشتراها بألف وحصل على وعد من الغير أن يشتريها منه بمائتين وألف ، فالألف هي الخسارة التي لحقت صاحب السيارة ، والمائتان هو الكسب الذي فاته . وكلاهما ضرر مباشر يجب التعويض عنه .
ولا يدخل في الحساب عند تقدير التعويض أن يكون الضرر متوقعاً أو غير متوقع . ففي المسئولية التقصيرية يشمل التعويض كل ضرر مباشر ، متوقعاً كان هذا الضرر أو غير متوقع . أما في المسئولية العقدية فيقتصر التعويض على الضرر المتوقع في غير حالتي الغش والخطأ الجسيم . وقد تقدم بيان ذلك .
648 – الظروف الملابسة التي من شأنها أن تؤثر في تقدير التعويض : وتقول المادة 170 أن القاضي يراعى في تقدير التعويض ” الظروف الملابسة ” . ويقصد بالظروف الملابسة هنا الظروف التي تلابس الضرر لا الظروف التي تلابس المسئول . فالظروف الشخصية التي تحيط بالمضرور وما قد أفاده بسبب التعويض ، كل هذا يدخل في حساب القاضي عند تقديره للتعويض . أما الظروف الشخصية التي تحيط بالمسئول وجسامة الخطأ الذي صدر منه ، فلا يدخل في الحساب ، على خلاف في الرأي بالنسبة إلى جسامة الخطأ .
فالظروف الشخصية التي تحيط بالمضرور تدخل في الاعتبار ، لأن التعويض يقاس بمقدار الضرر الذي أصاب المضرور بالذات ، فيقدر على أساس ذاتي ( in concreto ) لا على أساس موضوع ( in abstracto ) . ويكون محلا للاعتبار حالة المضرور الجسمية والصحية . فمن كان ” عصبياً ” ، فإن الانزعاج الذي يتولاه من حادث يكون ضرره أشد بكثير مما يصيب شخصاً سليم الأعصاب ومن كان مريضا ” بالسكر ” ويصاب بجرح ، كانت خطورة هذا الجرح أشد بكثير من خطورة الجرح الذي يصيب السليم ( [5] ) . كذلك يكون محلا للاعتبار حالة المضرور العائلية ، فمن يعول زوجة وأطفالا يكون ضرره أشد من ضرر الاعزب الذي لا يعول إلا نفسه . ويدخل أيضاً في الاعتبار حالة المضرور المالية : وليس ذلك معناه أن المضرور إذا كان غنياً أو فقيراً ، وإنما الذي يدخل في الاعتبار هو اختلاف الكسب الذي يفوت المضرور من جراء الإصابة التي لحقته ، فمن كان كسبه اكبر كان الضرر الذي يحيق به أشد ( [6] ) .
وقد يفيد المضرور من التعويض الذي تقاضاه من المسئول . مثل ذلك أن يتلف شخص متاعاً قديماً مملوكاً لآخر فيعوضه عنه متاعاً جديداً . فعلى المضرور أن يدفع إلى المسئول بالمتاع القديم التالف ( laisse pour compte ) حتى لا يجمع بين المتاعين القديم والجديد ( [7] ) . ويبقى بعد ذلك أنه افاد بالفرق بين قيمة الجديد وقيمة القديم . ومن رأينا أن المضرور يرد هذا الفرق للمسئول طبقاً لقواعد الإثراء بلا سبب ، على الأقل إذا كان في استطاعة المسئول أن يعوض المتاع القديم بمتاع قديم مثله فلم يفعل وأعطى المضرور المتاع الجديد ( [8] ) .
أما الظروف الشخصية التي تحيط بالمسئول فلا تدخل في الحساب عند تقدير التعويض . فإذا كان المسئول غنياً لم يكن هذا سبباً في أن يدفع تعويضاً أكثر ، أو كان فقيراً لم يكن هذا سبباً في أن يدفع تعويضاً أقل ( [9] ) . وسواء كان المسئول لا يعول إلا نفسه أو يعول أسرة كبيرة ، فهو يدفع التعويض بقدر ما أحدث من الضرر ، دون مراعاة لظروفه الشخصية . إذ العبرة في تحديد مدى الضرر بالظروف الشخصية التي تحيط بالمضرور لا بالمسئول ( [10] ) . كذلك لا يزيد في مقدار التعويض أن يكون المسئول قد امن على مسئوليته بدعوى أن شركة التأمين هي التي ستدفع التعويض . ولا يدخل في الحساب ما قد يفيد المسئول من كسب بسبب الضرر الذي أحدثه ، فاللص الذي يستعين بالمسروق في مواجهة أزمة مالية حلت به فينتفع انتفاعاً كبيراً لا يكون مسئولا إلا بمقدار ما سرق لا بمقدار ما أفاد ( [11] ) .
والأصل أنه لا ينظر إلى جسامة الخطأ الذي صدر من المسئول عند تقدير التعويض . وإذا تحققت المسئولية ، قدر التعويض بقدر جسامة الضرر لا يقدر جسامة الخطأ . ومهما كان الخطأ يسيراً فإن التعويض يجب أن يكون عن كل الضرر المباشر الذي أحدثه هذا الخطأ اليسير . ومهما كان الخطأ جسيماً فإن التعويض يجب إلا يزيد عن هذا الضرر المباشر . وهذا هو مقتضى فصل التعويض المدني عن العقوبة الجنائية ، فالتعويض المدني شيء موضوعي لا يراعى فيه إلا الضرر ، والعقوبة الجنائية شيء ذاتي تراعى فيه جسامة الخطأ . هذا هو الأصل ، ولكن القضاء يدخل عادة في اعتباره جسامة الخطأ في تقدير التعويض . وهذا شعور طبيعي يستولى على القاضي ، فما دام مقدار التعويض موكولا إلى تقديره فهو يميل إلى الزيادة فيه إذا كان الخطأ جسيما وإلى التخفيف منه إذا كان الخطأ يسيراً . وعلى هذا يسير القضاء في مصر وفي فرنسا ، وقد سبق لنا بيان ذلك ( [12] ) .
649 – الضرر المتغير والوقت الذي يقدر فيه ( [13] ) : نفرض أن الضرر متغير منذ أن وقع إلى يوم النطق بالحكم . مثل ذلك شخص صدمته سيارة بخطأ سائقها ، فاصيب بكسر في يده ، وعندما طالب بالتعويض كان الكسر قد تطور فأصبح أشد خطورة مما كان ، وعند صدور الحكم كانت خطورته قد اشتدت وانقلب إلى عاهة مستديمة . لا شك في أن القاضي يدخل في حسابه عند تقدير التعويض تطور الإصابة من يوم وقوعها إلى يوم صدور الحكم ، فيقدر الضرر باعتبار أن الكسر قد انقلب إلى عاهة مستديمة ( [14] ) .
كذلك لو خف الضرر من يوم وقوعه إلى يوم صدور الحكم ، وأصبح الكسر أقل خطورة مما كان في أول أمره ، حسب القاضي التعويض مراعياً ما كان عليه الكسر من خطر ثم ما طرأ عليه من تحسن ( [15] ) .
فالعبرة إذن في تقدير التعويض بيوم صدور الحكم ، اشتد الضرر أو خف .
أما إذا كانا لضرر لم يتغير منذ وقوعه إلى يوم صدور الحكم ، والذي تغير هو سعر النقد الذي يقدر به التعويض أو أسعار السوق بوجه عام فالعبرة بالسعر يوم صدور الحكم ، ارتفع هذا السعر منذ وقوع الضرر أو انخفض ( [16] ) . على أنه إذا كان المضرور قد أصلح الضرر بمال من عنده ، فإنه يرجع بما دفعه فعلا ، مهما تغير السعر يوم صدور الحكم .
650 – النفقة المؤقتة : وقد يرى القاضي أثناء نظر دعوى المسئولية أن المضرور في حاجة قصوى إلى نفقة موقتة ( provision ) يدفعها له المسئول من حساب التعويض الذي سيقضي له به في النهاية . فيجوز للقاضي عندئذ أن يحكم بهذه النفقة مع مراعاة الشروط الآتية :
1 – أن يكون مبدأ المسئولية قد تقرر ، ولم يبق إلا تقدير التعويض .
2 – أن تكون عناصر تقدير التعويض لا تزال ، لإعدادها ، في حاجة إلى مدة طويلة .
3 – أن يكون المضرور في حاجة ملحة إلى هذه النفقة .
4 – أن يكون المبلغ الذي يقدره القاضي للنفقة أقل من مبلغ التعويض الذي ينتظر أن يقدر به الضرر ( [17] ) .
المطلب الثاني
التعويض في صورته المعدلة الموصوفة
651 – حالات ثلاث : ما قدمناه في التعويض هو حكمه في صورته العادية المألوفة . ولكن هذا الحكم قد يعدل منه وصف يلحقه ، فيكون للتعويض صورة أخرى معدلة موصوفة . ويقع هذا في حالات ثلاث : ( الحالة الأولى ) أن يتفق الطرفان قبل تحقق المسئولية على تعديل الأحكام التي قدمناها . ( والحالة الثانية ) أن يؤمن المسئول على مسئوليته المحتملة قبل تحققها . ( والحالة الثالثة ) أن ينفتح أمام المضرور طريقان للتعويض عن الضرر الذي أصابه .
وتتميز الحالتان الأولى والثانية عن الحالة الثالثة بأن الوصف الذي لحق التعويض في الحالتين الأوليين يتصل بالمسئول ، أما الوصف الذي لحق التعويض في الحالة الثالثة فيتصل بالمضرور .
ونتكلم في هذه الحالات الثلاث : ( 1 ) الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية ( 2 ) التأمين على المسئولية ( 3 ) اجتماع طريقين للتعويض .
1 – الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية
652 – نطاق الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية : إذا تحققت المسئولية التقصيرية فإن الاتفاق على تعديل أحكامها إعفاء أو تخفيفاً أو تشديداً جائز إطلاقاً . ويكون في الغالب بمثابة صلح ، والصلح جائز فيما هو ليس من النظام العام . فإذا صدر خطأ من شخص سبب ضرراً لآخر ، فللمضرور أن يعفي المسئول من التعويض ، ويكون بذلك قد نزل عن حقه . ويصح أيضاً أن يتفق المضرور مع المسئول أن يتقاضى منه تعويضا أقل مما يستحق ، فيعفيه من التعويض عن بعض الضرر . ويكون هذا إما نزولا من المضرور عن بعض حقه ، أو هو صلح بينه وبين المسئول إذا كان هذا ينازع في مبدأ المسئولية أو في مقدار التعويض . ويصح أخيراً أن يعطي المسئول المضرور تعويضاً أكثر مما يستحق . ويكون متبرعاً بما زاد .
وليس فيما قدمناه محل للنزاع ، وإنما النزاع في الاتفاق بين الطرفين مقدماً وقبل تحقق المسئولية . وهذا هو نطاق الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية قد يقال كيف يقع ذلك ولا يعرف أحد مقدماً من هو الشخص الذي سيضره بعمله غير المشروع ، فإن هذا إذا تيسر في المسئولية العقدية ، إذ العقد يجمع منذ البداية بين المسئول والمضرور ، فهو ليس بميسور في المسئولية التقصيرية ، إذ أن الطرفين لا يعرف أحدهما الآخر إلا عند وقوع الضرر ، فلا يتصور لاتفاق بينهما إلا بعد تحقق المسئولية ؟ وإذا كان هذا صحيحاً في الكثرة الغالبة من الأحوال . فإنه يتصور في بعض أحوال المسئولية التقصيرية أن يعرف شخص من يحتمل أن يضر به من الناس بعمل غير مشروع . فقد تقوم أوضاع تجمع بين أشخاص يحتمل أن يكون فيهم في المستقبل مسئول ومضرور . مثل ذلك الجيران ، كل جار بالنسبة إلى جاره يحتمل أن يكون مسئولا ومضروراً ، فيتصور اتفاق الجيران على تعديل أحكام المسئولية التقصيرية عند تحققها . مثل ذلك أيضاً صاحب المصنع والملاك المجاورون ، ومصلحة السكك الحديدية وملاك الأراضي التي تمر السكك الحديدية بجوارها ، وملاك الحيوانات التي تجتمع في مكان واحد لاحتمال أن تؤذى الحيوانات بعضها بعضاً ، وأصحاب السيارات إذا دخلت في سباق لاحتمال أن تتحقق المسئولية التقصيرية فيما بينها ، ومدير الشركة والشركاء فيما عسى إن يرتكب المدير من خطأ تقصيري ، والنقل المجاني فيما بين الناقل والمنقول . يتصور إذن أن هؤلاء يتفقون فيما بينهم على التعديل من أحكام المسئولية التقصيرية .
ويجب التمييز بين الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية والاتفاق على ضمان المسئولية . فالاتفاق على ضمان المسئولية مثله أن يؤمن المسئول عن مسئوليته في شركة تأمين . ويشبه ذلك أن يتفق صاحب البناء مع مقاول تعهد بهدم البناء أن يكون ضامناً لما عسى أن يتحقق من مسئولية صاحب البناء بسبب الهدم ، وأن تتفق الحكومة مع ناد رياضي أن يضمن لها ما عسى أن يتحقق من مسئوليتها بسبب الألعاب الرياضية التي يقوم بها النادي . والفرق بين الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية والاتفاق على ضمان المسئولية أن الاتفاق الأول يقوم مباشرة بين المسئول والمضرور . وقد يرفع المسئولية أصلاً عن المسئول قبل المضرور . أما الاتفاق الثاني فيقوم بين المسئول الأصلي ومسئول آخر يضمنه ، لا ليرفع المسئولية عن المسئول الأصلي ، بل ليؤكدها بضم مسئول إليه يتحمل في ا لنهاية المسئولية إذا تحققت دون أن ينتقص ذلك من حق المضرور في الرجوع على المسئول الأصلي .
والاتفاق على التعديل من أحكام المسئولية إما أن يكون اتفاقاً للاعفاء من المسئولية أو للتخفيف منها ، وإما أن يكون اتفاقاً للتشديد من المسئولية . ونستعرض كلا من الحالتين .
653 – الاتفاق على الإعفاء من المسئولية التقصيرية أو على التخفيف منها : هذا الاتفاق قد يرمى إلى الإعفاء من المسئولية بتاتاً . وقد يرمى إلى التخفيف منها ، إما بإنقاص مدى التعويض فلا يعوض إلا عن بعض الضرر دون بعض ، وإما بتحديد مبلغ معين كشرط جزائي يكون هو مبلغ التعويض مهما بلغ الضرر ، وإما بتقصير المدة التي ترفع فيها دعوى المسئولية .
وقد كفل القانون المدني الجديد بيان حكم هذه الاتفاقات ، فنصت الفقرة الثالثة من المادة 217 على ما يأتي : ” ويقع باطلا كل شرط يقضي بالإعفاء من المسئولية المترتبة على العمل غير المشروع ( [18] ) ” .
والقضاء في مصر وفي فرنسا جرى على هذا المبدأ ، لا بالنسبة إلى الإعفاء من المسئولية فحسب ، بل أيضاً بالنسبة إلى التخفيف منها في صورة المختلفة ( [19] ) وتعليل ذلك أن أحكام المسئولية التقصيرية من النظام العام ، والقانون هو الذي يتكفل بتقريرها . فهي ليست كأحكام المسئولية العقدية التي هي من صنع المتعاقدين ، فيستطيعان أن يحورا فيها وأن يعفيا منها . فلا يجوز إذن الاتفاق على الإعفاء من المسئولية التقصيرية أو على التخفيف منها سواء من حيث مدى التعويض أو من حيث الشرط الجزائي أو من حيث مدة الدعوى . وقد رأينا في المسئولية العقدية أن كل هذا جائز في غير العمد والخطأ الجسيم .
أما الفقه في فرنسا فيناقش القضاء منتقدا إياه ، ويرى أن غير الجائز من هذه الاتفاقات هو الاتفاق الخاص بالمسئولية التقصرية إذا ترتبت على العمد أو الخطأ الجسيم وكذلك إذا ترتبت على خطأ يسير ولحق الضرر الجسم دون المال . فإن الاتفاق على الإعفاء من المسئولية التي تترتب على تعمد الأضرار بالغير أو ما هو بمنزلة هذا التعمد ( الخطأ الجسيم ) ، أو على التخفيف من هذه المسئولية ، يكون مخالفاً للنظام العام . كذلك الأمر إذا كان الضرر يلحق الجسم لا المال ، ولا ترتب على خطأ يسير ، فإن جسم الإنسان لا يجوز إن يكون محلا للاتفاقات المالية . لكن إذا كان الضرر يلحق المال ويترتب على خطأ يسير ، فليس في القواعد العامة ما يمنع من الاتفاق على الإعفاء من المسئولية فيها ، ومن باب أولى من الاتفاق على التخفيف من المسئولية في أية صورة من صور التخفيف ( [20] ) .
ومهما يكن من أمر فالقانون الجديد صريح في بطلان الاتفاق على الإعفاء من المسئولية التقصيرية أو على التخفيف منها . وهو في ذلك يؤيد القضاء في مصر وفي فرنسا على النحو الذي أسلفناه .
654 – الاتفاق على التشديد في المسئولية التقصيرية : وقد يكون الاتفاق من شأنه أن يشدد في المسئولية التقصيرية . مثل ذلك أن يتفق الطرفان على أن يكون الخطأ مفترضاً في جانب المسئول في حالات لا يفرض فيها القانون الخطأ . ومثل ذلك أيضاً الاتفاق على مسئولية المدين حتى لو لم يرتكب خطأ .
ويبدو أنه إذا كان الاتفاق على التخفيف من المسئولية أو الإعفاء منها مخالفاً للنظام العام ، فإن الاتفاق على التشديد فيها لا يخالف النظام العام ، فيكون مشروعاً . يؤيد ذلك ما قضت به الفقرة الأولى من المادة 217 من القانون المدني الجديد من أنه ” يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة ” ( [21] ) . وغنى عن البيان أن المسئولية ذاتها لا تتحقق بقيام الحادث المفاجئ والقوة القاهرة لانعدام علاقة السببية . فإذا كان من الممكن أن يتحمل الشخص بالاتفاق تبعة مسئولية لم تتحقق ، فيتحمل التبعة ( risqué ) لا المسئولية ويكون بمثابة المؤمن ، فمن باب أولى يستطيع أن يتفق على التشديد من مسئولية قد تحققت .
2 – التأمين على المسئولية
655 – متى يجوز التأمين على المسئولية : التأمين على المسئولية يفضل الإعفاء من المسئولية ، لأنه في الوقت الذي يزيح فيه عن عاتق المسئول عبء المسئولية لا يحرم المضرور من حقه في التعويض . وهو ميسر بفضل انتشار شركات التأمين ، ومن ثم فهو كثير الوقوع في الحياة العملية .
ويجوز للشخص أن يؤمن على مسئوليته المترتبة على الخطأ ، سواء كان هذا الخطأ عقدياً أو تقصيرياً ، وسواء كان الخطأ التقصيري مفترضا أو ثابتاً ، وسواء كان الخطأ الثابت يسيراً أو جسيماً ولكن لا يجوز التأمين على المسئولية المترتبة على الخطأ العمد ، إذا لا يجوز لأحد أن ييسر لنفسه السبيل إلى الغش . وإنما يجوز التأمين على المسئولية عن عمل الغير ، حتى لو ارتكب هذا الغير خطأ عمداً ، ذلك أن المسئول عن الغير لم يؤمن من المسئولية عن غشه هو بل عن غش الغير ، فالخطأ الشخصي الذي يؤمن نفسه منه هو خطأ مفترض لا خطأ عمد ( [22] ) .
ونرى من ذلك أن الشخص يستطيع أن يؤمن على مسئوليته في مختلف صورها ، فيما عدا المسئولية عن الخطأ العمد الذي يصدر منه شخصياً .
وننظر الآن فيما يأتي : ( 1 ) علاقة المؤمن ( شركة التأمين ) بالمؤمن له ( المسئول ) ( 2 ) علاقة المؤمن بالمضرور ( 3 ) علاقة المؤمن بمن صدر منه الخطأ في التأمين على المسئولية عن عمل الغير .
656 – علاقة المؤمن بالمؤمن له : هذه العلاقة ينظمها عقد التأمين . وهو يرتب التزامات في ذمة المؤمن ( شركة التأمين ) . وأخرى في ذمة المؤمن له ( المسئول ) .
( 1 ) التزامات المؤمن : أما التزامات المؤمن فتتلخص في ضمان المسئولية التي قد تترتب في ذمة المؤمن له ، وهي المسئولية التي كانت محلا للتامين . والأصل أن المؤمن ضامن لكل ما ينجم عن هذه المسئولية من تكاليف . فمتى طولب المؤمن له مطالبة ودية أو قضائية بتعويض عن ضرر هو مسئول عنه وكان داخلا في دائرة التأمين ، بدا التزام المؤمن ينتج أثره ، سواء دخل المؤمن في الدعوى أو لم يدخل ، ووجب عليه أن يكفل للمؤمن له نتائج هذه المطالبة ولو كانت على غير أساس . فإن الذي يضمنه المؤمن ليس هو مسئولية المؤمن له فحسب . بل كل مطالبة توجه ضده في شأن هذه المسئولية ( [23] ) .
فإذا ثبتت المسئولية قبل المؤمن له ، وجب على المؤمن أن يدفع له ما ثبت في ذمته من تعويض بسبب هذه المسئولية ( [24] ) . والقاعدة أن المؤمن يلتزم بالضمان بقدر ما تحقق من مسئولية المؤمن له دون زيادة ، حتى لو كان عقد التأمين يشتمل على شرط يجعل المؤمن ضامناً لمبلغ معين وكان هذا المبلغ يزيد على التعويض الذي ثبت في ذمة المؤمن له . فلو كان هذا المبلغ ألفا وكانت قيمة التعويض ثمانمائة ، فإن المؤمن يضمن الثمانمائة دون الألف ( [25] ) .
وتعليل ذلك أن عقد التأمين من المسئولية هو عقد تأمين لا عقد ادخار ، فهو معقود لتعويض الخسارة على المؤمن له ، فلا يجوز أن يكون مصدر ربح له ، وهذا بخلاف عقد التأمين على الأشخاص هو عقد ادخار لا عقد تأمين ، فيجوز أن يزيد مبلغ التأمين على مقدار الخسارة .
( 2 ) التزامات المؤمن له : ويلتزم المؤمن له بدفع أقساط التأمين في مواعيدها وبغير ذلك من الالتزامات التي ترتبها وثيقة التأمين .
ويصح الاتفاق في الوثيقة على إعفاء المؤمن من الضمان إذا كان المؤمن له دون رضاء من المؤمن قد دفع إلى المضرور تعويضاً أو اقر له بالمسئولية . ولكن لا يجوز التمسك بهذا الاتفاق إذا كان ما أقر به المؤمن له مقصوراً على واقعة مادية ، أو إذا ثبت أن المؤمن له ما كان يستطيع أن يرفض تعويض المضرور أو أن يقر له بحقه دون أن يرتكب ظلماً بيناً ( [26] ) .
657 – علاقة المؤمن بالمضرور : كان المشروع التمهيدي للقانون المدني الجديد ينص في المادة 832 منه على ما يأتي : ” لا يجوز للمؤمن أن يدفع لغير المصاب مبلغ التأمين . المتفق عليه كله أو بعضه ما دام المصاب لم يعوض بما لا يجاوز هذا المبلغ عن الأضرار التي نشأت عنها مسئولية المؤمن له ” . فكان هذا النص يجعل للمصاب ( المضرور ) دعوى مباشرة قبل المؤمن ، إذ كان يلزم المؤمن إلا يدفع لغير المضرور مبلغ التأمين ما دام المضرور لم يعوض . ومؤدى هذا النص أن المضرور الذي لم يتقاض التعويض من المسئول ( المؤمن له ) يستطيع أن يتقاضاه مباشرة من المؤمن في حدود مبلغ التأمين ،دون أن يشترك معه دائنوا المؤمن له ، لأنه يرجع على المؤمن بالدعوى المباشرة لا بدعوى المدين .
ولكن هذا النص قد حذف ، وترك الأمر لقانون اخص يصدر فيما بعد . وحتى يصدر هذا القانون معيداً لهذا النص لا يمكن القول بأن للمضرور دعوى مباشرة قبل المؤمن . فلا يرجع على المؤمن إلا بطريق الدعوى غير المباشرة ، وذلك بان يستعمل دعوى مدينه المؤمن له ، وفي هذه الحالة يشاركه دائنو المؤمن له شركة غرماء إذ هو لا يمتاز عنهم ( [27] ) .
658 – علاقة المؤمن بمن صدر منه الخطأ في التأمين على المسئولية عن عمل الغير : يحدث أن المؤمن له لا يكون هو من صدر منه الخطأ ، ولكنه يكون مسئولا عن عمل الغير الذي صدر منه الخطأ ، ويتحقق ذلك في مسئولية المكلف بالرقابة عمن هم في رقابته ومسئولية المتبوع عن التابع . فإذا دفع المسئول عن عمل الغير التعويض للمضرور ، ورجع به على المؤمن ، إلا يجوز لهذا أن يرجع به على الغير الذي صدر منه الخطأ كما كان يرجع المسئول نفسه ؟
سنرى فيما يلي أنه إذا اجتمع للمضرور طريقان للتعويض أحدهما هو طريق التأمين ، جاز له أن يجمع بينهما . فيرجع بالتعويض على الغير الذي ارتكب الخطأ لأن هذا الخطأ هو الذي تحققت به المسئولية ، ويرجع على المؤمن بمبلغ التأمين بمقتضى عقد التأمين الذي دفع أقساطه . فهو يجمع بين الحقين لأن لكل حق مصدراً غير المصدر الذي قام عليه الحق الآخر ، فمصدر الحق في التعويض الخطأ الذي ارتكبه الغير ، ومصدر الحق في مبلغ التأمين العقد الذي أبرمه مع المؤمن .
ولكن يغلب في العمل أن يشترط المؤمن في عقد التأمين أن ينزل المؤمن له عن دعواه قبل من صدر منه الخطأ إلى المؤمن . فيكون هذا بمثابة الحلول الإتفاقي ( [28] ) . فإذا لم يوجد شرط كهذا لم يبق إلا تطبيق القواعد العامة ، وتطبيقها يؤدى إلى أن المؤمن لا يحل محل المؤمن له في الرجوع على الغير الذي صدر منه الخطأ ، لا حلولا اتفاقياً لأن عقد التأمين لم يرد فيه شرط الحلول ، ولا حلولا قانونياً لأن الحلول القانونين لا يكون إلا بنص والنص غير موجود ( [29] ) .
3 – اجتماع طريقين للتعويض
659 – كيف يجتمع طريقان للتعويض : قد يوجد لدى المضرور طريقان يستطيع سلوكهما لتعويض ما أصابه من ضرر . مثل ذلك أن يكون قد امن نفسه في إحدى شركات التأمين مما يصيبه من ضرر في جسمه أو في ماله عن طريق التأمين على الحياة أو التأمين من الحوادث أو التأمين من الحريق أو التأمين من الخسائر أو التأمين من المسئولية . ومثل ذلك أيضاً أن يكون الضرر الذي يصيبه من شأنه أن يرتب له حقاً في نفقة أو إيراد في ذمة الغير .
ونستعرض كلا من الحالتين : حالة اجتماع التعويض مع مبلغ التأمين وحالة اجتماع التعويض مع النفقة أو الإيراد ( [30] ) .
660 – اجتماع التعويض مع مبلغ التأمين : إذا أصيب شخص بضرر في جسمه أو في ماله ، وكان مؤمناً نفسه من هذا الضرر ، فقد رأينا أن التحليل القانونين يؤدي إلى النتيجة الآتية : للمضرور حقان ، حق قبل المسئول عن هذا الضرر في التعويض ومصدر هذا الحق الخطأ الذي ارتكبه المسئول ، وحق قبل شركة التأمين في مبلغ التأمين ومصدر هذا الحق العقد الذي تم بينه وبين الشركة . فإذا كان مؤمناً على حياته أو على ما عسى أن يصيبه من جراء الحوادث . ووقع الضرر الذي امن نفسه منه ، فهو – أو ورثته – يرجع بمبلغ التأمين على الشركة وبالتعويض على من كان مسئولا عن إحراق المنزل أو إغراق البضاعة أو تحقيق المسئولية ، ويجمع بذلك في هذه الحالات أيضاً بين الحقين .
ولا يجوز الاعتراض على هذا التحليل القانونين بان المضرور يكون بذلك قد جمع بين تعويضين عن ضرر واحد ، ذلك أنه لم يتقاض إلا تعويضاً واحداً من المسئول عن الضرر الذي أصابه ، أما مبلغ التأمين فليس مقابلا للتعويض ، بل هو مقابل لأقساط التأمين التي دفعها للشركة ( [31] ) .
كذلك لا يجوز لشركة التأمين أن ترجع على المسئول بتعويض بحجة أن خطأه هو الذي ألزمها بدفع مبلغ التأمين للمضرور ، ذلك أن الذي ألزمها بدفع مبلغ التأمين ليس هو خطأ المسئول بل هو عقد التأمين ( [32] ) .
661 – اجتماع التعويض مع الفقه أو الإيراد : قد يكون الضرر الذي أوجب التعويض للمضرور سبباً في ترتيب حق آخر له . مثل ذلك عامل في مصنع تسبب عامل آخر في إصابته ، فيستحق العامل المضرور قبل رب المصنع مبلغاً يقدره قانون إصابات العمل جزافاً كما رأينا ، ويستحق في الوقت ذاته تعويضاً كاملا قبل العامل المسئول عن الحادث ، فهل له أن يجمع بين التعويضين ؟ مثل آخر شخص اثيب بما اقعده عن العمل ، فاستحق تعويضاً قبل المسئول عن هذه الإصابة ونفقة عند من تجب عليه النفقة له بسبب عجزه عن العمل ، فهل يجمع بين التعويض والنفقة ؟
يختلف الأمر هنا عن حالة اجتماع التعويض مع مبلغ التأمين . فقد قدمنا أن مبلغ التأمين ليس مقابلا للتعويض ، بل هو مقابل لأقساط التأمين التي سبق دفعها . ولكن المبلغ الجزافي الذي يدفعه رب المصنع للعامل عند إصابته ، والنفقة التي يدفعها من تجب عليه النفقة ، لا مقابل لهما إلا عجز المضرور عن العمل بسبب الحادث الذي أصابه ، فالصبغة الغالبة عليهما هي التعويض عن هذا العجز . لذلك لا يجوز أن يجمع المضرور بين تعويضين ، فهو إذا تقاضى التعويض الجزافي أو النفقة . لم يرجع على المسئول إلا بما بقى من الضرر دون تعويض ، ويرجع رب المصنع أو الملزم بالنفقة على المسئول بما التزم بدفعه للمضرور لأن المسئول هو المتسبب في ذلك ( [33] ) . أما إذا رجع المضرور بكل التعويض على المسئول . فلا يجوز له أن يرجع بشيء على صاحب المصنع ( [34] ) أو الملزم بالنفقة .
كذلك لا يستطيع الموظف ، إذا أصيب في حادث تكون الحكومة مسئولة عنه ، أن يجمع بين التعويض الكامل عن هذا الحادث وبين معاش استثنائي يرتبه القانون على سبيل التعويض ، بل يجب إنقاص مبلغ المعاش الاستثنائي . سواء كان في صورة إيراد مدى الحياة أو في صورة مكافأة إجمالية من مبلغ التعويض الكامل المستحق للموظف ( [35] ) لكن إذا قبض الموظف معاشه العادي طبقاً لقانون المعاشات ، فإنه يستطيع الجمع بينه وبين التعويض الكامل ، لأن المعاش العادي كمبلغ التأمين إنما استحق لقاء الاستقطاعات الدورية التي أخذت من مرتب الموظف ( [36] ) .
أما إذا كان المضرور قد تلقى صدقة أو إحساناً من الغير مواساة له فيما أصابه من ضرر ، فلا يجوز للمسئول أن ينقص من مبلغ التعويض الذي يلزمه مقدار هذه الصدقة ، فإن صاحب الصدقة قد تبرع بها للمضرور لا للمسئول .
الفصل الثاني
المسئولية عن عمل الغير
والمسئولية الناشئة عن الأشياء
662 – المسئولية تقوم لا على خطأ واجب الإثبات بل على خطأ مفترضي : بسطنا قواعد المسئولية بوجه عام ، فاستعرضنا أركانها وفصلنا أحكامها . وجرينا فيما قدمناه على أن الخطأ الذي تقوم عليه المسئولية هو خطأ واجب الإثبات ، يثبته مدعى المسئولية وهو المضرور .
وننتقل الآن إلى حالات خاصة في المسئولية يجمعها أنه تقوم كلها لا على خطأ واجب الإثبات ، بل على خطأ مفترض على خلاف في الرأي سنفصله فيما يلي . وقد توخى المشرع فيها أن ييسر على المضرور التعويض عما أصابه من الضرر ، فأزاح عن عاتقه عبء إثبات الخطأ .
وقد قسم القانون المدني الجديد هذه الحالات إلى قسمين : قسم للمسئولية عن عمل الغير وآخر للمسئولية الناشئة عن الأشياء . ونستعرض كلا منهما .
الفرع الأول
المسئولية عن عمل الغير
663 – حالتان : يكون الشخص مسئولا عن عمل الغير في حالتين : ( الحالة الأولى ) هي حالة من تجب عليه رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة ويكون مسئولا عن الأعمال الصادرة من هذا الشخص .
( والحالة الثانية ) هي حالة المتبوع ويكون مسئولا عن أعمال التابع .
المبحث الأول
مسئولية من تجب عليه الرقابة عمن هم في رقابته ( * )
( Responsabilite de surveillant du fait de son surveille )
664 – النصوص القانونية : كانت المادة 151 من القانون المدني الوطني القديم تنص على ما يأتي :
” وكذلك يلزم الإنسان بضرر الغير الناشئ عن إهمال من هم تحت رعايته أو عن عدم الدقة والانتباه منهم أو عن عدم ملاحظته اياهم ” .
وكانت المادة 213 من القانون المدني المختلط القديم تنص على ما يأتي :
” يلزم الشخص كذلك بضرر الغير الناشيء عن تقصير من هم في رعايته أو عن إهمالهم أو عن عدم الدقة والانتباه منهم أو عن عدم ملاحظته إياهم ” .
وكانت هذه النصوص معيبة من وجوه متعددة : ( 1 ) فهي من حيث الصياغة كانت قلقة مضطربة ، إذ تعرض تارة لمسئولية متولى الرقابة عمن هم تحت رعايته بناء على خطأ مفترض ، وتعرض طوراً لمسئولية متولى الرقابة بناء على خطأ ثابت في جانبه ، مع أن المقصود هو المسئولية الأولى ( [37] ) . ( 29 ثم هي لم تبين في أي الأحوال وبأي الشروط يصبح الشخص متولياً الرقابة على غيره . ( 3 ) وهي أخيراً لم توضح أساس المسئولية ، وهل هي قائمة على خطأ مفترض ، وهل هذا الافتراض يقبل إثبات العكس ( [38] ) .
فجاء القانون المدني الجديد بنصوص تجنب فيها هذه العيوب ، إذ نص في المادة 173 على ما يأتي :
” 1 – كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة ، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع . ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز ” .
” 2 – ويعتبر القاصر في حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشر سنة ، أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته . وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معمله في المدرسة أو المشرف على الحرفة ، مادام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف . وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج ” .
” 3 – ويستطيع المكلف بالرقابة أن تخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة ، أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية ( [39] ) ” .
ونبحث في صدد هذا النص أمرين : ( 1 ) متى تتحقق مسئولية متولى الرقابة ( 2 ) الأساس الذي تقوم عليه هذه المسئولية .
المطلب الأول
متى تتحقق مسئولية متولى الرقابة
665 – شرطان لتحقق المسئولية : تتحقق المسئولية إذا تولى شخص الرقابة على شخص آخر . وصدر ممن هو تحت الرقابة عمل غير مشروع ثبت في جانبه فأوجب مسئوليته . ومن ثم يكون متولى الرقابة مسئولا عن هذا العمل غير المشروع .
فتحقق المسئولية يستلزم إذن شرطين : ( 1 ) تولى شخص الرقابة على شخص آخر . ( 2 ) صدور عمل غير مشروع ممن هو تحت الرقابة .
1 – تولى الرقابة
666 – الالتزام بالرقابة : لا تتحقق المسئولية إلا إذا قام التزام بالرقابة . ومصدر هذا الالتزام إما أن يكون القانون أو الاتفاق كما يقول النص . مثل القانون الأب يتولى رقابة ابنه ، ومثل الاتفاق مدير مستشفى للأمراض العقلية يتولى رقابة مرضاه . فلا يكفي إذن أن يتولى شخص بالفعل رقابة شخص آخر حتى يكون مسئولا عنه ، بل يجب أن يكون هناك التزام قانونين أو اتفاقي بتولى هذه الرقابة . وقيام هذا الالتزام هو الذي ترتب عليه مسئولية متولى الرقابة .
وعلة هذا الالتزام كما جاء في النص ، حاجة الشخص الموضوع في رقابة غيره إلى هذه الرقابة ، إما بسبب قصره ، وإما بسبب حالته العقلية ، وإما بسبب حالته الجسمية . فالقاصر في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره . والمجنون والمعتوه وذو الغفلة في حاجة إلى الرقابة بسبب حالتهم العقلية . والأعمى والمقعد والمشلول في حاجة إلى الرقابة بسبب حالتهم الجسمية . ومن هؤلاء من يتولى القانون إقامة رقيب عليهم ، كالقاصر والمجنون والمعتوه وذى الغفلة يضعهم القانون في رقابة الآباء أو أولياء النفس . ومنهم من تقوم الرقابة عليه بالاتفاق مع متولى الرقابة ، كمدير المستشفى والممرض يتفق معهما على تولى رقابة المرضى ( [40] ) .
أما الرقابة التي لا تقوم بسبب القصر أو الحالة العقلية أو الحالة الجسمية ، كرقابة السجان على المسجونين ورقابة رئيس الحزب السياسي على أعضاء حزبه ( [41] ) ، فلا تترتب عليها هذه المسئولية .
667 – الحالات التي يقوم فيها الالتزام بالرقابة : لم يحصر القانون الحالات التي يتولى فيها شخص الرقابة على غيره ، واكتفى بان قرار أن هذه الحالات تقوم إذا قام التزام بالرقابة قانوناً أو اتفاقاً والرقابة في الأصل تقوم على القاصر . فإذا بلغ سن الرشد انحلت عنه . إلا إذا وجد ما يدعو لبسط الرقابة عليه وهو بالغ . فنستعرض إذن هاتين الحالتين : حالة القصر وحالة البلوغ .
( 1 ) القاصر : اظهر حالات الرقابة هي كما قدمنا حالة القاصر . وقد عنى المشرع بها فخصص لها الفقرة الثانية من المادة 173 إذ يقول : ” ويعتبر القاصر في حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشرة سنة ، أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته . وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معلمه في المدرسة أو المشرف في الحرفة ما دام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف ، وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج ” .
فالقصر إلى سن الخامسة عشرة – وهي سن بلوغ الحلم في الشريعة الإسلامية – يعتبر في حاجة إلى الرقابة اطلاقاً . ويكون عادة حتى بلوغ هذه السن في كنف من يقوم بتربيته . والذين يقومون بتربيته هم أولاً الأب إذا وجد ، فهو الولى الشرعي على النفس ، وهو المكل قانوناً بالرقابة على ولده . فإذا لم يوجد الأب تولى الرقابة القائم على تربية الولد . ويكون غادة ولى النفس من جد أو عم أو غيرهما . وقد تنتقل تربية الولد ، ولو بطريق الاتفاق الضمني ، من ولى النفس إلى الأم . وذلك كله إلى سن الخامسة عشرة . فإن بلغها الولد ، وتحرر فوق ذلك من قيود التربية ، ولم يعد يعيش في كنف أحد ، وأصبح يكسب عيشه بنفسه ، فلا يكون أحد مسئولا عنه . وهذه مسألة واقع لا مسألة قانون . أما إذا بقى يعيش في كنف من يقوم على تربيته بعد بلوغه الخامسة عشرة – وعبء الإثبات هنا على مدعى المسئولية – فالقائم على تربيته هو متولى الرقابة عليه ، قانونا إن كان ولى النفس واتفاقاً إن كان غيره ، ويبقى مسئولا عنه إلى أن يبلغ الود سن الرشد ، أو إلى أن ينفصل في معيشة مستقلة فلا يعود يعيش في كنف أحد ويتحرر من قيود الرقابة . والاستقلال في المعيشة هنا لا يعني حتما الاستقلال في المسكن ، فقد يكون الولد مقيما مع أبيه في مسكن واحد ولكنه مستقل عنه في المعيشة وليس للأب إشراف على تربيته فلا يكون مسئولا عنه ، وقد لا يكون الولد مقيما مع أبيه في مسكن واحد ولكن الأب يبقى مشرفاً على تربيته فيكون مسئولا ( [42] ) .
ونرى من ذلك أن القاصر إلى سن الخامسة عشرة يجب أن يكون في رقابة أحد هو المسئول عنه ، ويكون الأب ، فإن لم يوجد فولى النفس ، إلا إذا انتقلت الرقابة اتفاقاً إلى الأم ( [43] ) أو إلى غيرها . وبعد أن يبلغ الولد الخامسة عشرة ، فإن ظل يعيش في كنف من يقوم على تربيته بقى هذا مسئولا عنه ، إلى أن ينفصل الولد في معيشة مستقلة أو إلى أن يبلغ سن الرشد .
والولد وهو في كنف القائم على تربيته يكون في مرحلة التعليم . فإن ذهب إلى المدرسة انتقلت الرقابة عليه – وقت وجوده بالمدرسة فقط – إلى معلم الفصل ما دام فيه أو إلى رئيس المدرسة ما دام في المدرسة ( [44] ) وإذا كانت المدرسة من مدارس الدولة ، كانت الدولة مسئولة عن المعلم أو الرئيس مسئولية المتبرع عن التابع ( [45] ) وإن أخذ الولد يتعلم حرفة ، انتقلت الرقابة عليه إلى من يشرف على تعليمه الحرفة مدة وجوده تحت إشرافه . ولا ضرورة لوجود عقد صريح بالتمرين على الحرفة ، فالتمرين الفعلي يستخلص منه عقد ضمني ، وهذه مسألة واقع يترك تقديرها لقاضي الموضوع . ومتى فرغ الولد في يومه من المدرسة أو من تعلم الحرفة ، عادت الرقابة عليه إلى القائم على تربيته وكان هو المسئول عنه ( [46] ) . ونرى من ذلك أن الولد ما دام في مرحلة التربية يكون دائماً تحت الرقابة ، وتنتقل الرقابة عليه من شخص إلى آخر بحسب الأحوال على النحو الذي قدمناه .
وقد يكون القاصر بنتاً تتزوج قبل بلوغها سن الرشد ، فتنتقل الرقابة عليها ممن كان قائماً على تربيتها إلى زوجها ، وهو الذي يكون مسئولاً عنها ما دامت قاصراً فإذا كان الزوج نفسه تقوم عليه الرقابة ، لقصره أو لأي سبب آخر ، فإن متولي الرقابة على الزوج يتولى الرقابة أيضاً على الزوجة ، ويكون مسئولاً عن كل منهما . فإذا ما بلغ الزوج سن الرشد ، ولم تبلغها الزوجة ، صار الزوج هو المتولي الرقابة على زوجته .
( 2 ) البالغ سن الرشد . فإذا بلغ الولد سن الرشد تحرر من الرقابة ، حتى لو كان لا يزال في دور التعلم وحتى لو بقى يعيش في كنف ذويه . ولا يكون أحد مسئولاً عنه . لا في البيت ولا في المدرسة ولا في الحرفة ذلك أنه ببلوغه سن الرشد أصبح في غير حاجة إلى الرقابة ، والتزام الرقابة إنما يقوم بقيام الحاجة إليه . وكذلك تتحرر الزوجة من رقابة زوجها ، أو رقابة متولي الرقابة على زوجها . متى بلغت سن الرشد ، إذ تصبح في غير حاجة إلى الرقابة كما قدمنا .
ومع ذلك قد تدعو الحاجة إلى الرقابة على من بلغ سن الرشد ، رجلاً كان أو امرأة . فلو أصيب البالغ سن الرشد بجنون أو بعته أو كان ذا غفلة ، قامت الرقابة عليه لتجدد الحاجة إليها نظراً لحالته العقلية . ويتولى الرقابة في هذه الحالة ولي النفس . أو الزوج ، أو الزوجة ( إذا كان هو الموضوع تحت الرقابة ) ، أو من تنتقل الرقابة إليه اتفاقاً كمدير المستشفي أو الطبيب أو الممرض أو من يقوم بالرقابة من الأقرباء ( [47] )
كذلك لو أصيب البالغ سن الرشد بمرض أعجزه ، وجعله في حاجة إلى الرقابة نظراً لحالته الجسمية ، كأن كف بصره أو صار معقداً أو أصيب بالشلل ، تولى الرقابة عليه أتفاقاً من يتولى الإشراف على شؤونه الشخصية من زوج أو زوجة أو قريب أو مدير مستشفي أو طبيب أو ممرض أو نحو ذلك . ويكون هذا مسئولاً عنه ما بقى في رقابته .
صدور عمل غير مشروع ممن هو تحت الرقابة
668 – العمل غير المشروع يقع ممن هو تحت الرقابة ، لا يقع عليه :
فإذا قام الالتزام بالرقابة وتحدد طرفاه – متولي الرقابة والخاضع للرقابة –وجب لتحقق مسئولية متولي الرقابة أن يصدر عمل غير مشروع من الشخص الخاضع للرقابة :الولد أو التلميذ أو صبى الحرفة أو المجنون أو الأعمى أو نحو ذلك .
والعمل غير المشروع يجب أن يقع من الشخص الخاضع للرقابة ، لا أن يقع عليه . أما إذا وقع عليه فليست هناك مسئولية مفترضة . مثل ذلك يصيب أجنبي تلميذاً بالأذى في وقت يكون فيه التلميذ في رقابة رئيس المدرسة . فلا يكون هذا الرئيس مسئولاً عن خطأالأجنبي إلا في حدود القواعد العامة للمسئولية ، فيجب إذن إثبات خطأ في جانب الرئيس حتى يكون مسئولاً كذلك لا يكون الرئيس مسئولاً إلا على أساس خطأ يجب إثباته في جانبه إذا كان التلميذ قد ألحق الأذى بنفسه ، لأن العمل غير المشروع في هذه الحالة إذا كان قد أحدث ضرر أفقد وقع هذا الضرر على التلميذ لا منه ( [48] ) . فالواجب إذن البدء بإثبات خطأ في جانب الشخص الخاضع للرقابة طبقاً للقواعد العامة ، حتى تتحقق مسئولية هذا الشخص . وقد تتحقق مسئوليته في بعض الحالات عن طريق افتراض خطأ في جانبه ، كما لو كان يسوق سيارة فدهس أحد العابرة ، فهو مسئول عن خطأ مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس ، ومتولي الرقابة عليه مسئول عنه على أساس خطأ مفترض افتراضاً يقبل إثبات العكس . فإذا ما تحققت مسئولية الخاضع للرقابة على أساس خطأ ثابت أو على أساس خطأ مفترض ، قامت إلى جانبها مسئولية متولي الرقابة . ونري من ذلك أن المسئولية الثانية لا تجب المسئولية الأولي ، ولكن تقوم إلى جانبها .
669 – حالة ما إذا كان الخاضع للرقابة غير مميز : وقد يكون الخاضع للرقابة غير مميز –صبياً غير مميز أو مجنوناً أو معتوهاً – فكيف يمكن إثبات وقوع عمل غير مشروع منه وهو لا يجوز في حقه الخطأ لانعدام التمييز فيه؟ نص الفقرة الأولي من المادة 173صريح في هذه المسألة إذ يقول : ” ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز ” . والخطأ الذي وقع هنا من غير المميز هو خطأ قام ركنه المادي أي ركن التعدي ، دون ركنه المعنوي أي ركن التمييز . ولذلك وصفه النص ” بالعمل الضار ” دون العمل غير المشروع أو الخطأ .
والذي يلفت النظر في مسئولية متولي الرقابة عن أعمال غير المميز أنها ، خلافاً للمسئولية عن أعمال المميز ، مسئولية أصلية لا تبعية . ذلك أن مسئولية متولي الرقابة عن أعمال المميز هي مسئولية تبعية ، تقوم بقيام مسئولية الشخص الموضوع تحت الرقابة . أما إذا كان هذا غير مميز ، فلا يمكن القول في هذه الحالة إن مسئوليته قد تحققت فتتحقق تبعاً لها مسئولية متولي الرقابة . بل الواجب أن يقال إن مسئولية متولي الرقابة هنا هي مسئولي أصلية قامت مستقلة ، وأساسها خطأ مفترض في جانب المسئول . ولا تستند هذه المسئولية إلى مسئولية غير المميز ، فإن هذا كما رأينا لا يكون مسئولاً إلا مسئوليةموضوعية مخففة عند تعذر الرجوع على متولي الرقابة ( م 164 فقرة 2 ) ( [49] ) .
المطلب الثاني
الأساس الذي تقوم عليه مسئولية متولي الرقابة
670 – مسائل أربع :متى تحققت مسئولية متولي الرقابة على النحو الذي قدمناه ، قامت مسئوليته على أساس خطأ مفترض ( [50] ) . والافتراض هنا قابل لإثبات العكس . فيستطيع متولي الرقابة أن يرفع المسئولية عنه بنفي الخطأ . ويستطيع كذلك رفع المسئولية بنفي علاقة السببية ، بأن يثبت السبب الأجنبي . فإذا لم ينف علاقة السببية ولم ينف الخطأ تحققت مسئوليته ، ولكن هذه المسئولية كما رأينا لا تجب مسئولية الشخص الخاضع للرقابة وهو الذي صدر منه العمل غير المشروع .
فعلينا أن نعالج مسائل أربعا ( 1 ) ما هو الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة ( 2 ) كيف ينفي هذا الخطأ المفترض ( 3 ) كيف ينفي علاقة السببية ( 4 ) أثر قيام المسئوليتين في وقت وأحد :مسئولية متولي الرقابة ومسئولية الخاضع للرقابة .
671 – ما هو الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة : الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة هو الإخلال بهذا الواجب بما ينبغي من العناية . فإذا ارتكب القاصر مثلاً عملاً غير مشروع ، افترضنا أن من يتولى الرقابة عليه قد قصر في رقابته ، فمكنه بهذا التقصير من ارتكاب هذا العمل . ويتسع افتراض الخطأ لمدى أبعد ، فيفترض أيضاً أن متولي الرقابة قد أساء تربية الشخص المعهود إليه رقابته ، فهيأ له بسوء التربية سبيل العمل غير المشروع ( [51] ) ونرى من ذلك أن القاصر مثلاً إذا ارتكب عملاً غير مشروع . وكان من يتولى عليه ويقو م على تربيته هو أبوه ، فالمفروض أن الأب إما أن يكون قد قصر في رقابة ولده ، أو أنه أساء تربيته ، أو أنه ارتكب الخطأين معاً :قصر في الرقابة وأساء التربية .
ويلاحظ أن افتراض هذا الخطأ لا يقوم إلا في العلاقة ما بين متولي الرقابة والمضرور ، فهو افتراض قرره القانون لصالح المضرور تجاه متولي الرقابة ، ولا يجوز أن يقوم ضد الشخص الخاضع للرقابة . ومن ثم لا يجوز لا للمضرور ولا لمتولي الرقابة أن يحتج به قبل الشخص الخاضع للرقابة ، بل يجب للرجوع على هذا إثبات خطأ في جانبه ( [52] ) .
ويلاحظ أيضاً أنه لا مانع من اجتماع هذه المسئولية القائمة على خطأ مفترض والمسئولية القائمة على خطأ واجب الإثبات . ويتقدم هو لإثبات خطأ في جانبه ، فيمنعه بذلك من نفي الخطأ المفترض . كذلك لا مانع من اجتماع هذه المسئولية ومسئولية المتبرع عن التابع . فإذا عمل قاصر في خدمة شخص وارتكب خطأ أضر بالغير ، قام إلى جانب مسئوليته القائمة على خطأ ثابت مسئوليتان أخريان الخطأ في كل منهما مفترض : مسئولية والد القاصر وتقوم على خطأ مفترض افتراضاً يقبل إثبات العكس كما رأينا ، ومسئولية المخدوم الذي يعمل القاصر في خدمته وتقوم في بعض الآراء على الخطأ مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس كما سنرى . ويجوز للمضرور أن يرجع على كل من متولي الرقابة والمخدوم بكل التعويض ، ومن دفع منها التعويض رجع بنصفه على الآخر . وهذا كله دون إخلال برجوع كل منهما على القاصر بما دفعه للمضرور .
672 – كيف ينفي متولي الرقابة الخطأ المفترض : رأينا أن الفقرة الثالثة من المادة 173تنص على ما يأتي : ” ويستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة ” . فالخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة هو إذن خطأ مفترض افتراضاً قابلاً لإثبات العكس . ويستطيع متولي الرقابة – وهو الذي يحمل عبء الإثبات ما دام الخطأ مفترضاً في جانبه – أن ينفي هذا الخطأ عنه بأنه يثبت أنه قام بواجب الرقابة بما ينبغي من العناية ، وأنه أتخذ الاحتياطات المعقولة ليمنع من نيطت به رقابته من الإضرار بالغير فإن فعل ذلك ، انتفي الخطأ المفترض في جانبه ، وارتفعت عنه المسئولية ( [53] ) على أن القيام بواجب الرقابة يشمل كما رأينا إحسان التربية ، وخاصة إذا كان متولي الرقابة أبا وأما . . ونبني على ذلك أنه لا يكفي أن يثبت الأب أنه قام بواجب الرقابة باتخاذ الاحتياطات المعقولة ، فلا يزال افتراض أنه أساء تربية ولده قائماً في جانبه ، ولا يلزم المضرور أن يثبت أن الأب أساء التربية ، بل الأب هو الذي يثبت أنه لم يسئ تربية ولده ( [54] ) . وجملة القول إن متولي الرقابة عليه أن يثبت أنه لم يرتكب تقصيراً في الرقابة في خصوص الخطأ الذي صدر ممن هو في رقابته ، وأنه بوجه عام لم يسئ تربيته .
673 – كيف ينفي متولي الرقابة علاقة السببية : وليس الخطأ في جانب متولي الرقابة هو وحده المفترض ، بل تفترض معه أيضاً علاقة سببية ما بين هذا الخطأ المفترض وبين العمل غير المشروع الذي صدر ممن هو تحت الرقابة . ذلك أنه إذا لم تفترض علاقة سببية تبعاً لافتراض الخطأ ، لكان افتراض الخطأ عبثاً لا يجدي . فإن المضرور إذا أعفى من إثبات الخطأ في جانب متولي الرقابة ، ثم طولب بإثبات علاقة السببية ما بين هذا الخطأ والعمل غير المشروع الذي وقع ممن قامت عليه الرقابة ، لأضطر وهو في صدد إثبات علاقة السببية أن يثبت الخطأ أيضاً . إذ تقضى طبيعة الأشياء أن من يثبت العلاقة ما بين أمرين يثبت في الوقت ذاته الأمرين اللذين تقوم العلاقة بينهما . فتكون قد بدأنا بإعفاء المضرور من إثبات الخطأ ، ثم طالبناه بعد ذلك بإثباته ، فسلبناه باليسار ما أعطيناه باليمين ( [55] ) .
فعلاقة السببية إذن مفترضة ، لا يكلف المضرور بإثباتها ، ومتولي الرقابة هو الذي يكلف بنفيها . والنص صريح في هذا المعنى ، إذ تقول الفقرة الثالثة من المادة 173في عبارتها الأخيرة إن المكلف بالرقابة يستطيع أن يتخلص من المسئولية إذا هو ” أثبت أن الضرر كان لا بد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية ” . ويكفي في ذلك أن يثبت أن هذا الضرر قد وقع دون أن يكون لوقوعه أية علاقة بالخطأ المفترض في جانبه . فوقوعه بالنسبة إلى متولي الرقابة لا بالنسبة إلى من هو تحت الرقابة ( [56] ) ، كان بسبب أجنبي ، بأن قامت قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو وقع خطأ من المضرور أو خطأ من الغير ، وكان من شأن هذا أن تقع الصلة ما بين التقصير في جانب متولي الرقابة وبين الضرر الذي أصاب المضرور ، بأن كان هذا الضرر يقع حتى لو أتخذ متولي الرقابة كل الاحتياطات المعقولة لمتعة؛فلم يكن الخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة هو السبب في حدوث الضرر . مثل ذلك أن يقع الحادث الذي سبب الضرر وقوعاً مفاجئاً بحيث لم يكن من الممكن توقعه ولا من المستطاع تلافيه ( [57] ) .
ويخلص من ذلك أن متولي الرقابة ترتفع عنه المسئولية بأحد أمرين ، إما بأن ينفي الخطأ المفترض في جانبه فينعدم ركن الخطأ ، وإما بأن يثبت السبب الأجنبي على النحو الذي قدمناه فينعدم ركن السببية . وفي الحالتين يبقى من أحدث الضرر . وهو من قامت عليه الرقابة ، مسئولاً عن العمل غير المشروع الذي صدر منه . وفقاً للقواعد العامة في المسئولية ( [58] ) .
674 – قيام مسئولية الشخص الخاضع للرقابة إلى جانب مسئولية متولي الرقابة :
وغنى عن البيان أن قيام مسئولية متولي الرقابة على النحو الذي بيناه لا يمنع من أن تقوم إلى جانبها مسئولية الشخص الخاضع للرقابة ، وهو الشخص الذي صدر منه العمل غير المشروع . ويستطيع المضرور إذن أن يرجع على من ارتكب الخطأ بالذات إن كان عنده مال ، فإن استوفي منه كل التعويض المستحق فلا رجوع له بعد ذلك على متولي الرقابة . وإذا رجع على متولي الرقابة واستوفي منه كل التعويض ، فلا رجوع له بعد ذلك على من ارتكب الخطأ ( [59] ) . والذي تجب مراعاته هو ألا يستولي المضرور على تعويضين عن ضرر وأحد ، بل يستوفي تعويضاً واحداً ، إما من متولي الرقابة ، وإما ممن ارتكب الخطأ ، وإما منهما معاً مسئولين أمامه بالتضامن .
ويغلب أن يرجع المضرور على متولي الرقابة لأنه هو المليء . لكن يجوز للمضرور أن يرجع على من ارتكب الخطأ كما قدمناه ، وفي هذه الحالة لا يرجع من ارتكب الخطأ بشيء على متولي الرقابة ، لأن الخطأ الذي أوجب المساءلة هو خطأ الأول لا خطأ الثاني . أما إذا رجع المضرور على متولي الرقابة ، جاز لهذا أن يرد على من ارتكب الخطأ . فإن كان من ارتكب الخطأ مميزاً رجع عليه متولي الرقابة بكل ما دفعه . ولا يقسم التعويض بينهما لأن الخطأ هو خطأ الأول كما سبق القول . وإن كان غير مميز ، فلا رجوع لمتولي الرقابة عليه بشيء . لأن عديم التمييز غير مسئول عن الخطأ . ولا يترتب في ذمته إلا مسئولية مخففة نحو المضرور لا نحو متولي الرقابة بشروط بيناها فيما تقدم . ويعتبر متولي الرقابة في هذه الحالة هو المسئول الأصلي . وهذا هو الذي تعنيه المادة 175من القانون الجديد . إذ تنص على ما يأتي : ” للمسئول عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها هذا الغير مسئولاً عن تعويض الضرر ” ( [60] ) . والمسئول عن عمل الغير هو متولي الرقابة والمتبوع وسنرى أن المتبوع يرجع على التابع بما دفع من التعويض ، أما متولي الرقابة فقد رأينا أنه يرجع على المميز ، ولا يرجع على غير المميز ، وهذه هي حدود مسئولية الغير عن تعويض الضرر التي أشار إليها النص .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 239 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يعين القاضي طريقة التعويض تبعاً للظروف ، ويصح أن يكون التعويض ايراداً مرتباً ، ويجوز في هذه الحالة إلزام المدين بأن يقدم تأميناً . 2 – ويقدر التعويض بالنقد ، على أنه يجوز للقاضي ، تبعاً للظروف ، وبناء على طلب المصاب ، أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه ، أو أن يحكم بأداء أمر معين وذلك على سبيل التعويض ” . وفي لجنة المراجعة عدلت الفقرة الأولى في الجزء الأخير منها على الوجه الآتي : ” ويصح أن يكون التعويض مقسطاً كما يصح أن يكون ايراداً مرتباً . ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأميناً ” ، واستبدلت كلمة ” المضرور ” بكلمة ” المصاب ” في الفقرة الثانية . وأصبح رقم المادة 175 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ أضيفت إلى الفقرة الثانية عبارة ” متصل بالعمل غير المشروع ” للحد من إطلاق العبارة الأخيرة ما دام التطبيق العملي لهذا النص هو نشر الحكم أو الاعتذار من وقاعة سب مثلا ، فيكون نطاق الحكم واضحاً غير مجهل . وأصبح رقم المادة 171 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 395 – ص 398 ) .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” 1 – ليست المسئولية التقصيرية بوجه عام سوى جزاء للخروج على التزام يفرضه القانون : هو التزام عدم الأضرار بالغير دون سبب مشروع . وإذا كان التنفيذ العيني هو الأصل في المسئولية التعاقدية ، فعلى النقيض من ذلك لا يكون لهذا الضرب من التنفيذ – وهو يقتضي إعادة الحال إلى ما كانت عليه كهدم حائط بني بغير حق أو بالتعسف في استعمال حق – إلا منزلة الاستثناء في نطاق المسئولية التقصيرية . 2 – فالتنفيذ بمقابل أي من طريق التعويض المالي هو القاعدة العامة في المسئولية التقصيرية . والأصل في التعويض أن يكون مبلغاً من المال . ومع ذلك يجوز أن تختلف صوره ، فيكون مثلا إيراداً مرتباً يمنح لعامل تقعده حادثة من حوادث العمل عن القيام بأوده ، ويجوز للقاضي في هذه الحالة أن يلزم المدين بأن يقدم تأميناً أو أن يودع مبلغاً كافياً لضمان الوفاء بالايراد المحكوم به ، وينبغي التمييز بين التعويض من طريق ترتيب الايراد وبين تقدير تعويض موقوت مع احتمال زيادته فيما بعد بتقدير تعويض إضافي ( أنظر المادة 237 من المشروع ) . هذا ويسوغ للقاضي فضلا عما تقدم أن يحكم في أحوال استثنائية بأداء أمر معين على سبيل التعويض ، فيأمر مثلا بنشر الحكم بطريق اللصق على نفقة المحكوم عليه ( أو يكتفي بأن ينوء في الحكم بأن ما وقع من المحكوم عليه يعتبر افتراء أو سبا : المادة 1409 من التقنين الهولندي ) لتعويض المقذوف في حقه عن الضرر الأدبي الذي أصابه ، وغنى عن البيان أن مثل هذا التعويض لا هو بالعيني ولا هو بالمالي ، ولكنه قد يكون انسب ما تقتضيه الظروف في بعض الصور ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 396 – ص 397 ) .
( [2] ) فمن التزم بعقد أن ينقل حقاً عينياً أو أن يقوم بعمل أو أن يمتنع عن عمل يتيسر في كثير من الأحوال إجباره على تنفيذ التزامه . فالبائع ، وقد التزم بنقل ملكية المبيع ، يجبر على تنفيذ التزامه ، وتنتقل الملكية إلى المشتري بتسجيل عقد البيع ، فإن امتنع البائع عن التصديق على إمضائه أمكن اصدار حكم ضده بإثبات البيع ، وبتسجيل هذا الحكم تنتقل الملكية إلى المشتري . والمقاول الذي التزم ببناء منزل ، إذا امتنع عن تنفيذ التزامه ، أمكن أن يجبر على ذلك بان يبني الدائن المنزل على حسابه . ومن التزم بعقد إلا يفتح نافذة على جاره ، ففتحها ، أمكن إجباره على سدها ولو بمصروفات على حسابه . أما إذا كان العمل الذي التزم به المدين يقتضي تدخله الشخصي ، فيمكن الوصول إلى التنفيذ العين عن طريق التهديد المالي المنصوص عليه في المادتين 213 و 214 من القانون المدني الجديد .
( [3] ) استئناف مختلط في 14 يونية سنة 1905 م 17 ص 334 – وفي 30 ديمسبر سنة 1908 م 21 ص 93 . وفي 5 يونية سنة 1912 م 24 ص 388 . وقد يعتبر التعويض المقسط إلى أن يبرأ المضرور من إصابته إيراداً مرضاً ، ولكن لا إلى مدى الحياة ، بل إلى حين البرء من الإصابة .
( [4] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 237 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” يقرر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقاً لأحكام المادتين 299 و 300 ، مراعياً في ذلك الظروف وجسامة الخطأ . فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يحدد مدى التعويض تحديداً كافياً ، فله أن يحتفظ للمصاب بالحق في أن يطالب خلال مدة معقولة بإعادة النظر في الحكم ” . وفي لجنة المراجعة أدخلت تعديلات على النص تجعله أكثر تحقيقياً للمعنى المقصود ، فأصبح النص في المشروع النهائي ( المادة 174 ) على الوجه الآتي : ” يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين 299 و 300 ، مراعياً في ذلك الظروف وجسامة الخطأ . فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعييناً نهائياً ، فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير ” . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استبدلت عبارة ” مراعياً في ذلك الظروف الملابسة ” بعبارة ” مراعياً في ذلك الظروف وجسامة الخطأ ” لأن جسامة الخطأ تدخل في عموم لفظ الظروف . ولما اعترض على النص بأن في تطبيقه خروجاً على قاعدة حجية الأحكام إذ أنه يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطلب خلال مدة معينة إعادة النظر في التقدير ، أجيب على هذا الاعتراض بأنه إذا كان الحكم نهائياً انتهى الأمر ، وإنما إذا رأى القاضي أن الموقف غير جلي ، واحتفظ في حكمه للمضرور بالرجوع بتعويض تكميلي خلال مدة يعينها ، فلا يتنافى ذلك مع قاعدة حجية الأحكام . وأصبح رقم المادة 170 ، ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 390 – ص 395 ) .
ويقابل هذا النص في القانون الجديد نص المادتين 121 / 179 على الوجه الآتي : ” التضمينات عبارة عن مقدار ما أصاب الدائن من الخسارة وما ضاع عليه من الكسب ، بشرط أن يكون ذلك ناشئاً مباشرة عن عدم الوفاء ” .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد نص القانون الجديد ما يأتي : ” يحجد النص مدى الضرر الذي ينجم عن الفعل الضار . ويقدر التعويض ، وفقاص للقاعدة العامة في المادة 299 من المشروع ( لا تقرأ المادة 300 ) . ويكفي أن يشار في هذا المقام إلى أن التعويض يتناول ما أصاب الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، متى كان ذلك نتيجة مألوفة للفعل الضار . وينبغي أن يعتد في هذا الشأن بجسامة الخطأ وكل ظرف آخر من ظروف التشديد أو التخفيف . والواقع أن جسامة الخطأ لا يمكن الاغضاء عنها في منطق المذهب الشخصي أو الذاتي . ولذلك تجري التقنينات الحديثة على إقرار هذا المبدأ وتطبقه في أحوال شتى . فمن ذلك مثلا تفريق التقنين التونسي والمراكشي بين خطأ المدين وتدليسه فيما يتعلق بتقدير التعويض . وقد استظهرت المادتان 107 / 98 من هذين التقنين حكم هذه التفرقة ، فنصتا على أنه يتعين على المحكمة أن تغاير في تقدير التعويض تبعاً لما إذا كان أساس المسئولية خطأ المدين أو تدليسه . ويفرق التقنين البولوني كذلك بين التدليس والخطأ الجسيم من ناحية وبين الخطأ اليسير من ناحية أخرى ، فيقرر في المادة 160 أنه ” يعتد في تقدير الضرر المادي بقيمة الشيء وفقاً للسعر الجاري ” فضلا عما له من قيمة خاصة لدى المضرور عند توافر سوء النية أو الإهمال الفاحش ” . ويقضي تقنين الالتزامات السويسري بانقاص التعويض عدالة إذا كان الخطأ يسيراً وكانت موارد المدين محدودة ، فينص في الفقرة الثانية من المادة 44 على أنه ( إذا لم يكن الضرر ناشئاً من جراء فعل عمد أو إهمال جسيم أو رعونة بالغة ، فللقاضي أن ينقص التعويض عدالة متى كان استيفاؤها يعرض المدين لضيق الحال ) . وقد لا يتيسر للقاضي أحياناً أن يحدد وقت الحكم مدى التعويض تحديداً كافياً ، كما هو الشأن مثلا في جرح لا تستبين عقباه إلا بعد انقضاء فترة من الزمن ، فللقاضي في هذه الحالة أن يقدر تعويضاً موقوتاً بالتثبيت من قدر الضرر المعلوم وقت الحكم ، على أن يعيد النظر في قضائه خلال فترة معقولة يتولى تحديدها . إذا انقضى الأجل المحدد ، أعاد النظر فيما حكم به ، وقضى للمضرور بتعويض إضافي إذا اقتضى الحال ذلك . وعلى هذا سار القضاء المصري ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 392 – ص 393 ) .
( [5] ) والشخص الذي فقد إحدى عينيه ، ثم فقد العين الأخرى في حادث ، يكون الضرر الذي يصيبه بفقد العين الأخرى وصيرورته مكفوف البصر أشد بكثير من الضرر الذي يصيب من كان سليم العيني فيفقد عنيا واحدة . ومن كان عنده استعداد لمرض السل أو لغيره من الأمراض ، وأصيب في حادث ، قد تكون هذه الإصابة سبباً لأصابته بالمرض الذي هو مستعد له ، فلا يقال إن هذا الضرر لا يسال عنه المدعى عليه لأن شخصاً سليماً في مكان المضرور كان لا يصاب بهذا المرض ، إذ العبرة بشخص المضرور لا بشخص مجرد ( أنظر في هذا المعنى استئناف مختلط في 29 مارس سنة 1944 م 56 ص 97 ) .
ويقرب من ذلك أن يكون الضرر أصاب الشيء لا الشخص ، فتكون البلدية مسئولة عما أحدثته أعمال الحفر في مبنى قائم حتى لو كان هذا المبنى قديما وغير متين ، ولو كان جديداً أو متيناً لما تصدع ( استئناف مختلط في 17 يونية سنة 1948 م 60 ص 149 ) .
( [6] ) ويدخل في الاعتبار حالة المضرور المهنية . فالحريق الذي يصيب بناء اتخذه تاجر يمارس مهنته فيه يحدث ضرراً أشد مما يصيب شخصاً اتخذ هذا البناء مسكناً له . ويختلف الضرر باختلاف المهنة ، فمرسم المهندس غير عيادة الطبيب وغير مكتب المحامي .
( [7] ) استئناف مختلط في 30 مارس سنة 1904 م 16 ص 180 .
( [8] ) قارن : استئناف مختلط في 23 يونية سنة 1927 م 39 ص 566 – مازو 3 فقرة 2403 – فقرة 2404 .
( [9] ) ويستثنى من ذلك الضرر إذا وقع من شخص غير مميز ، ولم يكن هناك من هو مسئول عنه أو تعذر الحصول على تعويض من المسئول ، فيجوز إلزام غير المميز بتعويض عادل ( م 164 فقرة 2 ) ، وقد رأينا أن الحالة المالية لكل من المسئول والمضرور ومقدار يسار كل منهما يكون محل اعتبار في تقدير التعويض .
( [10] ) ومع ذلك أنظر : استئناف مختلط في 24 مايو سنة 1905 م 17 ص 297 – وفي 16 ديسمبر 1908 م 21 ص 68 .
( [11] ) ولا يقال إنه يكون مسئولا عما أفاد بدعو الإثراء بلا سبب ، فحكم هذه الدعوى أن يدفع المدين أقل القيمتين ، وقد دفع اللص أقل القيمتين بدفعه قيمة المسروق .
وعلى العكس من ذلك يدخل في الحساب ما أفاد به المضرور من جراء الضرر الذي وقع عليه . وقد قضت محكمة النقض بأنه لا خطأ في أن تراعى المحكمة في تقدير التعويض المستحق للموظف المفصول بغير حق ما قد يفيده من التحرر من أعباء الوظيفة ( نقض مدني في 3 فبراير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 378 ص 709 ) . وقضت أيضاً بأنه إذا كان الثابت في الحكم المطعون فيه أن الضرر الذي يشكو منه طالب التعويض ويدعى لحوقه به من جراء تنفيذ مشروع للري كان موقتا ثم زال سببه ، وأن المدعى سيفيد من المشروع المذكور في المستقبل فائدة عظمى تعوض عليه الضرر حتما في زمن وجيز ، ثم تبقى له على ممر الزمن ، وبناء على ما استخلصته المحكمة من ذلك قضت بأنه ليس هناك محل للتعويض ، فإنها لا تكون قد أخطأت ( نقض مدني في 4 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 130 ص 356 ) .
( [12] ) وقد كان القضاء يصرح بذلك في أول الأمر ( استئناف مختلط في أول مايو سنة 1902 م 14 ص 278 – وفي 9 ابريل سنة 1903 م 15 ص 238 ) ، ثم سكت عن التصريح . بل هو الآن يصرح في بعض الأحيان بان جسامة الخطأ لا دخل لها في تقدير التعويض . ولكن الواقع غير ذلك ، فالقاضي لا يستطيع أن يتحامى إدخال جسامة الخطأ عاملا في تقدير التعويض ، ويظهر ذلك بنوع خاص في تقدير التعويض عن الضرر الأدبي حيث ينفسح مجال التقدير . ويظهر ذلك أيضاً عند تقسيم التعويض على مسئولين متعددين كما لو اشترك عدة أشخاص في ارتكاب الخطأ ، وكما لو كان المضرور أو الغير قد ارتكب خطأ يخفف من مسئولية المدعى عليه ، ففي هذه الأحوال يقسم القضاء التعويض عليهم جميعاً ويراعى في التقسيم جسامة الخطأ الذي صدر من كل منهم ، وقد تقدم بيان ذلك .
وقد يقال إن القانون المدني الجديد لمي جعل جسامة الخطأ عاملا في تقدير التعويض ، فقد كان المشروع التمهيدي ( م 237 ) ينص صراحة على تقدير التعويض بحسب جسامة الخطأ ، ولكن هذا النص قد حذف في جلنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ، مما يخرج جسامة الخطأ على أن تكون عاملا في تقدير التعويض . على أن ما نقلناه من مناقشات لجنة القانون المدني بشان المادة 170 ( أنظر آنفاً فقرة 646 في هالهامش ) صريح في أن اللجنة عندما حذفت عبارة ” جسامة الخطأ ” واستبدلت بها عبارة ” الظروف الملابسة ” إنما راعت أن جسامة الخطأ تدخل في عموم هذه الظروف ، فلم ترد أن تستبعد جسامة الخطأ من أن تكون عاملا في تقدير التعويض ( أنظر مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 393 – ص 394 ) .
( [13] ) يجب التمييز بين الضرر المتغير والضرر الذي لا يتيسر تعيين مداه تعييناً نهائياً وقت النطق بالحكم . ففي الحالة الثانية يجوز للقاضي أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب في خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير ، وفقاً لنص المادة 170 ، وقد سبق بيان ذلك عند الكلام في ركن الضرر . أما في الحالة الأولى فإن الضرر يكون متغيراً منذ أن وقع إلى يوم النطق بالحكم . ولا شيء يمنع من أن تجتمع الحالتان : يكون الضرر متغيراً منذ وقوعه ، وبقى يوم النطق بالحكم لا يتيسر تعيين مداه تعييناً نهائياً . وعندئذ نطبق أحكام كل من الحالتين ، ويختار القاضي الوقت الذي يقدر فيه الضرر وفقاً لما سنبينه ، ثم يحتفظ في حكمه بحق المضرور في أن يطالب في خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير وفقاً لما سبق أن بيناه .
( [14] ) وقد يشتد الضرر لسبب لا يرجع إلى خطأ المسئول ، كما إذا فقد المضرور إحدى عينيه في حادث ، ثم فقد الأخرى في حادث آخر . فالمسئول عن الحادث الأول يرى الضرر الذي أحدثه قد اشتد بوقوع الحادث الثاني ، فقد كان هذا الضرر في أول أمره هو فقد المضرور عينا واحدة مع بقاء الأخرى سليمة ، ثم تطور الضرر في الشدة فأصبح هو فقد هذه العين ذاتها مع زوال الأخرى . فهل يكون في هذه الحالة مسئولا عن اشتداد الضرر ؟ الظاهر أنه غير مسئول ، لأن اشتداد الضرر لا يرجع إلى خطئه هو ، بل يرجع إلى خطأ المسئول عن الحادث الثاني . وهذا المسئول هو الذي عوض عن زيادة الضرر الناشئ عن فقد المضرور لعينه الثانية بعد أن فقد العين الأولى . وقد سبق بيان ذلك .
( [15] ) وإذا خف الضرر قبل صدور الحكم فإن المسئول يستفيد من ذلك ، حتى لو كان التحسن لا يرجع إلى تطور الإصابة في ذاته بل إلى سبب أجنبي ، كما إذا كان المضرور في حادث أصيب في حادث آخر فمات ، فإن المسئول عن الحادث الأول يستفيد من موت المضرور إذ هو غير مسئول عنه ، وقد وضع الموت حداً للضرر الذي ترتب على الحادث الأول ، فاستفاد هو من ذلك .
( [16] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه كلما كان الضرر متغيراً تعين على القاضي النظر فيه لا كما كان عندما وقع ، بل كما صار إليه عند الحكم ، مراعياً التغير في الضرر ذاته من زيادة راجع أصلها إلى خطأ المسئول أو نقص كائناً ما كان سببه ، ومراعياً كذلك التغير في قيمة الضرر بارتفاع ثمن النقد أو انخفاضه وبزيادة أسعار المواد اللازمة لإصلاح الضرر أو نقصها . ذلك أن الزيادة في ذات الضرر التي يرجع أصلها إلى الخطأ والنقص فيه أياً كان سببه غير منقطعي الصلة به . أما التغير في قيمة الضرر فليس تغيراً في الضرر ذاته . وإذا كان المسئول ملزماً يجبر الضرر كاملا ، فإن التعويض لا يكون كافياً لجبره إذا لم يراع في تقيدره قيمة الضرر عند الحكم . ومن ثم كان لا وجه للقول بأن تغير القيمة لا يمت إلى الخطأ بصلة ، كما لا وجه للقول بان المضرور ملزم بالعمل على إصلاح الضرر فإذا هو تهاون فعليه تبعة تهاونه ، فإن التزام جبر الضرر واقع على المسئول وحده ، ولا على المضرور أن ينتظر حتى يوفى المسئول التزامه ( نقض مدني في 17 ابريل سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 185 ص 398 : منزل ظهر بمبانيه خلل راجع إلى تسرب المياه من أنابيب تالفة لمصلحة التنظيم ، وتقاضى صاحب المنزل تعويضاً كاملا عن إصلاح الخلل بحسب تكاليفه وقت الحكم ، وكانت قد ارتفعت ، وتعويضاً كاملا عن خلو بالمنزل ، ولم ينظر إلى أن المالك كان عليه أن يبادر إلى إصلاح الخلل بنفسه دون أن ينتظر ) – ويؤخذ على الحكم أنه لم يدخل في الحساب تهاون المضرور في إصلاح الخلل ، وهذا ضرر غير مباشر ( أنظر تعليق الدكتور سليمان مرقص في مجلة القانون والاقتصاد سنة 19 ) .
( [17] ) أنظر في الموضوع مازو 3 فقرة 2426 – فقرة 2428 .
( [18] ) أنظر تاريخ هذا النص آنفاً فقرة 437 في الهامش .
( [19] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بما يأتي : ” اجمع الفقهاء على انش رط الإعفاء من المسئولية عن الخطأ التعاقدي باطل إذا كان الخطأ بالغاً جسامة الغش أو الخطأ الفاحش ، أما إذا كان الخطأ يسيراً فبين الفقهاء خلاف ، فمنهم من يقول بصحة الشرط ، ومنهم من يقول ببطلانه . أما شرط الإعفاء عن الخطأ اللاتعاقدي فهو باطل إجماعاً وفي كل الأحوال ” ( استئناف مصر الوطنية في 12 فبراير سنة 1928 المحاماة 9 رقم 25 / 2 ص 44 ) . أنظر أيضاً : استئناف وطني في 10 فبراير سنة 1910 المجموعة لارسمية 11 رقم 92 ص 245 – وفي 25 يولية سنة 1922 المحاماة 2 رقم 161 / 1 ص 480 – استئناف مختلط في 16 وفي 20 فبراير سنة 1902 م 14 ص 154 – وفي 17 يونية سنة 1 914 م 26 ص 428 – وفي 10 فبراير سنة 1915 م 27 ص 155 – وفي 29 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 97 – وفي 11 مايو سنة 1922 م 33 ص 322 – وفي 10 يناير سنة 1924 م 36 ص 140 – وفي 6 مايو سنة 1926 م 38 ص 396 – وفي 6 فبراير سنة 1930 م 42 ص 259 .
وانظر في القضاء الفرنسي مازو 3 فقرة 2570 .
( [20] ) أنظر في الفقه الفرنسي وفي نقد القضاء الفرنسي مازو 3 فقرة 2571 – فقرة 2576 .
( [21] ) تاريخ النص : ورد هذا النص كما هو في الفقرة الأولى من المادة 295 من المشروع التمهيدي . ولم يحدث فيه تعديل لا أمام لجنة المراجعة ( م 224 من المشروع النهائي ) ، ولا أمام مجلس النواب ، ولا أمام لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ( م 217 ) ، ولا أمام مجلس الشيوخ ( الأعمال التحضيرية 2 ص 552 – ص 554 ) .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” ليست أحكام المادة 295 إلا تقنيناً للقواعد التي جرى القضاء المصري على اتباعها في هذا الشأن ، فقد يجعل عبء المسئولية أشد وقراً بالاتفاق على تحمل تبعة الحادث الفجائي ، وبهذا يكون المدين مؤمناً للدائن من وجه . وقد تخفف المسئولية على نقيض ذلك باشتراط الإعفاء من تبعة الخطأ التعاقدي إلا أن تكون قائمة على غش أو خطأ جسيم . فليس للأفراد حرية مطلقة في الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية ، فكما أن الاتفاق على الإعفاء من الخطأ الجسيم والغش لا يجوز المسئولية التعاقدية ، كذلك يمتنع اشتراط الإعفاء من المسئولية التقصيرية أياً كانت درجة ويعتبر مثل هذا الاشتراط باطلا لمخالفته للنظام العام ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 553 ) .
( [22] ) ويقرب ذلك من الاتفاق على الإعفاء من المسئولية العقدية ، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 217 على ما يأتي : ” وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسئولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو عن خطأه الجسيم . ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه ” .
وكذلك في التأمين من الحريق نصت المادة 768 على أنه ” 1 – يكو المؤمن مسئولا عن الأضرار الناشئة عن خطأ المؤمن له غير المتعمد . وكذلك يكون مسئولا عن الأضرار الناجمة من حادث مفاجئ أو قوة قاهرة . 2 – أما الخسائر والأضرار التى يحدثها المؤمن له عمدا أو غشا ، فلا يكون المؤمن مسئولا عنها ولو أتفق على غير ذلك ” . ونرى من المقابلة بين هذا النص والنص المتقدم أن المسئولية عن الخطأ الجسيم لا يجوز الإعفاء منها ، ولكن يجوز التأمين عليها .
( [23] ) أو كما يقول هيمار ( Hemard ) إن الحادث المؤمن ضده ( sinister ) هو المطالبة ذاتها ، قضائية كانت أو غير قضائية ( Le sinister est l’attaque meme, judiciare ou extrajudiciairo ; Hemard t .2 no . 556 ) .
وكان المشروع التمهيدي للقانون المدني الجديد يتضمن نصوصاً في التأمين من المسئولية ، حذفت في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اكتفاء بالقواعد العامة إلى أن يصدر تشريع خاص يعالج مسائل التأمين في مختلف صوره ، وقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 830 من هذا المشروع ما يأتي : ” لا ينتج التزام المؤمن أثره إلا إذا قام المصاب بمطالبة المؤمن له وديا أو قضائياً بعد الحادث المبين في العقد ” .
( [24] ) ويجوز للمؤمن ، قبل ثبوت المسئولية ، أن يتدخل في الدعوى ، كما يجوز إدخاله إلا إذا اشترط عدم جواز ذلك ( مازو 3 فقرة 2671 ) . بل يجوز للمؤمن أن ينص في وثيقة التأمين على احتفاظه وحده بالحق في مباشرة الدعوى ( أنظر م 830 فقرة 3 من المشروع التمهيدي للقانون المدني الجديد ) .
( [25] ) وقد يتفق المؤمن والمؤمن له على التخفيف من هذه المسئولية ، فلا يدفع المؤمن إلا نسبة معينة من التعويض الذي يلزم به المؤمن له عندما تتحقق مسئوليته ( 80 % مثلا ) ، وهذا ما يسمى بشرط الخسارة المكشوفة ( clause de decouvert obligatoire ) . أو يتفقان على إلا يدفع المؤمن من التعويض إلا ما زاد على مبلغ معين ( خمسين جنيها مثلا ) ، فإذا كان التعويض خمسين جنيهاً أو أقل التزم به المؤمن له دون رجوع على المؤمن ، أما إذا زاد التعويض على خمسين جنيها فإن المؤمن يدفع مقدار الزيادة ، وهذا ما يسمى بشرط الخسارة المهدرة ( clause do franchise d’avarie ) . أو على العكس من ذلك يتفقان على إلا يدفع المؤمن ما زاد من التعويض على مبلغ معين ( خمسمائة جنيه مثلا ) ، فإذا كان التعويض خمسمائة أو أقل دفعه المؤمن كله ، أما إذا زاد على الخمسمائة فإن المؤمن لا يدفع إلا خمسمائة ويتحمل المؤمن له مقدار الزيادة . ( أنظر في وجوه التخفيف المختلفة مازو 3 فقرة 2661 – 2 إلى فقرة 2670 ) .
( [26] ) أنظر في هذا المعنى المادة 831 من المشروع التمهيدي للقانون المدني الجديد ، وقد حذفت في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ كما قدمان .
( [27] ) ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بان المضرور في حادث أو خلفاءه يستطيعون الرجوع مباشرة على المؤمن للشخص المسئول عن هذا الحادث ، ويترتب على ذلك أنه عندما يثبت خطأ المسئول عن الحادث ثبوتاً صحيحاً ، فلا تستطيع شركة التأمين أن تدفع دعوى المضرور إلا في حدود مبلغ التعويض المتفق عليه في عقد التأمين وهي الحدود المرسومة لمسئوليتها ( استئناف مختلط في 8 مارس سنة 1939 م 51 ص 187 ) . وانظر في هذا المعنى أيضاً : استئناف مختلط في 18 ابريل سنة 1935 م 47 ص 257 – وفي 19 يناير سنة 1938 م 50 ص 105 .
والقول بان للمضرور دعوى مباشرة قبل شركة التأمين دون نص لا يمكن تخريجه وفقاً للقواعد العامة إلا عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير ، فيقال إن المؤمن له عندما تعاقد مع شركة التأمين اشترط لمصلحة المضرور ، فصار لهذا حق مباشر قبل شركة التأمين . ويرجع في ذلك لوثيقة التأمين لينظر هل يمكن أن يستخلص من نصوصها هذا الاشتراط .
( [28] ) وقد نص القانون المدني الجديد على حلول قانون فيما يتعلق بالتامين من الحريق ، فقضت المادة 771 بما يأتي : ” يحل المؤمن قانوناً بما دفعه من تعويض عن الحريق في الدعاوى التي تكون للمؤن له قبل من تسبب بفعله في الضرر الذي نجمت عنه مسئولية المؤمن ، ما لم يكن من أحدث الضرر قريباً أو صهراً للمؤمن له ممن يكنون معه في معيشة واحدة أو شخصاً يكون المؤمن له مسئولا عن أفعاله ” . ولكن هذا النص خاص بالتأمين من الحريق ، وهو كما نرى يمنع صراحة من الحلول إذا كان من أحدث الضرر شخصاً يعتبر المؤمن له مسئولا عن أفعاله .
( [29] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يجوز للمؤمن أن يرجع باسمه عن طريق الدعوى المباشرة على المسئول عن الضرر ، لا تمسكا بالقواعد العامة في المسئولية المدنية ، ولا احتجاجا بالحلو القانونين ( استئناف مختلط في 15 ديسمبر سنة 1938 م 45 ص 74 – وانظر أيضاً : استئناف مختلط في 21 فبراير سنة 1934 م 46 ص 178 ) . ولكن يجوز أن يكون للمؤمن دعوى مباشرة إذا كان المؤمن له قد نزل للمؤمن عن دعواه ( استئناف مختلط في 15 ديسمبر سنة 1932 م 45 ص 74 – وفي 21 فبراير سنة 1934 م 46 ص 178 – وفي 8 ديسمبر سنة 1935 م 48 ص 272 – وفي 20 مايو سنة 1936 م 48 ص 278 ) .
ومع ذلك قارن استئناف مختلط في 15 فبراير سنة 1923 جازيت 14 رقم 10 ص 12 وسنعود إلى ذلك فيما يلي .
( [30] ) وقد يجتمع التعويض مع الدية في قانون تحقيق الجنايات الوطني القديم ( أنظر م 56 من هذا القانون ) ، إذ التعويض غير الدية ( محكمة الاستئناف الوطنية في 11 مارس سنة 1897 الحقوق 12 ص 239 – محكمة أسيوط في 7 أكتوبر سنة 1901 المجموعة الرسمية 4 رقم 21 ص 51 ) .
( [31] ) وإذا كان عقد التأمين عقداً احتمالياً بالنسبة إلى المؤمن له – فهو قد يتقاضى مبلغاً اكبر من مجموع الأقساط التي دفعها إذا وقع الحادث المؤمن منه وقد لا يتقاضى شيئاً أصلاً إذا لم يقع – فإن العقد بالنسبة إلى الشركة ليس بالعقد الاحتمالي لأن الشركة تعوض خسارتها عند بعض المؤمن لهم بمكسبها عند بعض آخر ، وهي في مجموع صفقاتها غير خاسرة ، وقد أقامت عملها على هذا الأساس . أما الحادث المؤمن منه فليس حادثاً تعوض عنه شركة التأمين ، بل هو شرط يجب على الشركة عند تحققه أن تدفع للمؤمن له مبلغ التأمين .
إذن يجب التسليم بان المضرور يستطيع أن يجمع بين الحقين ، حقه في التعويض ضد المسئول ، وحقه في مبلغ التأمين ضد الشركة . وكل من الحقين له مصدر مستقبل عن مصدر الحق الآخر ، فاحدهما مصدره العمل غير المشروع والآخر مصدره العقد .
وإذا كان التشريع الفرنسي الصادر في 13 يولية سنة 1930 قد نص في المادة 36 منه ، في التأمين على الأشياء ، على حلول شركة التأمين محل المضرور في الرجوع على المسئول بمقدار مبلغ التأمين الذي دفعته الشركة ، فليس ذلك إلا مراعاة لاعتبار عملي هو إلا يكون التأمين على الأشياء مصدر ربح للمؤمن له ، فيتقاضى التعويض ومبلغ التأمين معاً ، لئلا يغريه ذلك على إتلاف الشيء الذي امن عليه . وإذا كان هذا التشريع في المادة 55 منه ، في التأمين على الأشخاص قد نص على عدم حلول شركة التأمين محل المضرور في الرجوع على المسئول ، فذلك إنما هو رجوع إلى تطبيق القواعد العامة من جواز الجمع بين الحقين كما قدمنا ، بعد أن انتفى الاعتبار العملي الذي كان يمنع من الجمع بينهما ، إذ قل أن يصيب الشخص نفسه طمعاً في مبلغ التأمين ، وإذا هو فعل فمن السهل افتضاح أمره .
وقد طبق القانون المدني الجديد مبدأ عدم حلول الشركة محل المؤمن له في التأمين على الحياة ، فنص في المادة 765 على أنه ” في التأمين على الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ التايمن حق في الحلو محل المؤمن له أو المستفيد في حقوقه قبل من تسبب في الحادث المؤمن منه أو قبل المسئول عن هذا الحادث ” ، ويتبين من هذا النص أن المؤمن له ، في التأمين على الأشخاص ، يجمع بين مبلغ التعويض ومبلغ التأمين . كذلك قرر القانون الجديد مبدأ حلول الشركة محل المؤمن في التأمين من الحريق ، فقد رأينا أن المادة 771 تنص على أنه ” يحل المؤمن قانوناً بما دفعه من تعويض عن الحريق في الدعاوى التي تكون للمؤمن له قبل من تسبب بفعله في الضرر الذي نجمت عنه مسئولية المؤمن ، ما لم يكن من أحدث الضرر قريباً أو صهراً للمؤمن له ممن يكونون معه في معيشة واحدة أو شخصا يكون المؤمن له مسئولا عن أفعاله ” . ويتبين من هذا النص أن المؤمن له ، في التأمين على الأشياء ، لا يجمع في الأصل بين الحقين ، وأن الشركة تحل محله في الرجوع على المسئول إلا إذا كان التأمين يشمله ضمناً .
( [32] ) وقد رأينا محكمة الاستئناف المختلطة تقضي بأنه لا يجوز للمؤمن إن يرجع باسمه عن طريق الدعوى المباشرة على المسئول عن الضرر ، إلا إذا كان المؤمن له قد نزل له عن دعواه ( أنظر آنفاً فقرة 658 في الهامش ) . وقد قضت أيضاً ، في ظل القانون القديم حيث لا يوجد نص على حلول المؤمن محل المؤمن له في التأمين على الأشخاص ( استئناف مختلط في 21 مايو سنة 1939 م 51 ص 356 ) . وقضت كذلك بان المسئول عن الحريق لا يستطيع أن يتخلص من نتائج هذه المسئولية قبل المضرور بدعوى أن المضرور قد امن على نفسه من حريق ، بل ولا بحجة أنه قد استولى على مبلغ التأمين من المؤمن ( استئناف مختلط في أول مارس سنة 1916 م 28 ص 180 ) . ومع ذلك فقد قضت هذه المحكمة بأنه لا يصح ، كمبدأ عام ، المنازعة ف يحق المؤمن في الرجوع ، باسمه أو باسم المؤمن له ، بدعوى المسئولية على المسئولين عن وقوع الحادث المؤمن منه ( استئناف مختلط في 15 فبراير سنة 1923 جازيت 14 رقم 10 ص 12 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) .
( [33] ) محكمة مصر الجزئية المختلطة في 28 مارس سنة 1929 جازيت 20 رقم 209 ص 200 – قارن استئناف مختلط في 15 يناير سنة 1925 م 37 ص 165 .
( [34] ) كذلك لا يجوز الجمع بين مطالبة رب المصنع بالتعويض بمقتضى قانون أصابات العمل والتعويض طبقاً للقواعد العامة في المسئولية . وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يجوز الجمع بين أحكام قانون أصابات العمل باعتباره من القوانين الخاصة وأحكام القانون العام في المطالبة بتعويض الضرر المدعى به ، لأن القانون الأول مجال تطبيقه الأحوال التي أراد فيها المشرع أن يرعى جانب العمل نظراً لمخاطر العمل بعدم تحميله عبء إثبات خطأ صاحب العمل أو تقصيره عند المطالبة بالتعويض . فإذا ما لجأ العامل إلى أحكام هذا القانون واتخذها سنداً له في طلب التعويض ، فإنه لا يصح له بمقتضى المادة الرابعة أن يتمسك بأي قانون آخر ضد صاحب العمل ما لم يكن الحادث المطلوب عنه التعويض قد نشأ عن خطأ فاحش . ولكن إذا كان المدعى بنى طلب التعويض على قانون أصابات العمل ، ثم طالب بتعويض بناء على قواعد المسئولية العامة ، وطلب الحكم له بالتعويضين على اعتبار انهما طلبان أصليان ، فاستبعدت المحكمة تطبيق قانون أصابات العمل ، فإنه يكون من المتعين عليها أن تنظر في الطلب المؤسس على القانون العام ( نقض مدني في 14 مايو سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 156 ص 436 ) .
( [35] ) وقد قضت محكمة النقض بأن حادث وفاة المستخدم التي يترتب عليها التزام الحكومة بالمكافأة الاستثنائية لأرملته وأولاده بموجبة قانون المعاشات قد يترتب عليها أيضاً التزام من يكون مسئولا عن الحادث بالتعويض الذي يستحق بموجب القانون المدني . ولما كان قانون المعاشات قد رتب استحقاق المكافأة الاستثنائية على وقوع الحادثة ، واجاز زيادتها تبعاً لظروف الحال ، فإنه يكون قد بين أن غرضه هو أن يجبر بقدر معلوم الضرر الواقع لأرملة المستخدم وأولاده . فهذان الالتزامان ، وإن كانا مختلفين في الأساس القانونين ، هما متحدان في الغاية ، وهي جبر الضرر الواقع للمضرور . وهذا الجبر ، وإن وجب أن يكون كاملا مكافئاً لمقدار الضرر ، فإنه لا يجوز أن يكون زائداً عليه ، إذ أن كل زيادة تكون إثراء لا سبب له . ومن ثم فإنه عند ما تكون الحكومة مسئولة أيضاً عن التعويض الذي أساسه القانون المدني يكون من المتعين خصم مبلغ المكافة الاستثنائية من كامل مبلغ التعويض المدني المستحق . وهذا النظر يتفق وما قرره الشارع في حالة مماثلة ، فإن قانون أصابات العمل رقم 65 سنة 1936 الذي قرر التزام صاحب العمل – على غرار التزام الحكومة بقانون المعاشات – بان يدفع بقدر معلوم كذلك تعويضاً للعامل المصاب ، نص على عدم الجمع بين هذا التعويض والتعويض المستحق بموجب القانون المدني ( نقض مدني في 3 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 95 ص 251 ) . وقضت أيضاً بان استناد الحكم المطعون فيه إلى المادة 33 من قانون المعاشات ( رقم 5 لسنة 1909 ) دون المادة 39 منه لا يؤثر على سلامة النظر الذي ذهب إليه باعتبار أن المكافأة التي منحتها الطاعنة المطعون عليه هي مكافأة استثنائية بقدر معلوم استحقها وفقاً لهذا القانون كتعويض على مجرد الإصابة التي لحقته وأقعدته عن مواصلة العمل في خدمة الحكومة ، وأن حقه في التعويض الكامل الجابر للضرر الذي لحقه يظل مع ذلك قائماً وفقاً لأحكام القانون المدني إذا كانت هذه الإصابة قد نشأت من خطأ تسأل عنه الطاعنة ( نقض مدني في 27 أكتوبر سنة 1949 طعن رقم 34 سنة 18 قضائية ) .
ومع ذلك فقد قضت محكمة النقض بان المعاش الخاص المقرر لرجال الجيش بقانون المعاشات العسكرية رقم 59 لسنة 1930 عن اصابتهم بعمل العدو أو بسبب حوادث في وقائع حربية أو في مأموريات امروا بها لا علاقة لها بالتعويض الذي يستحقه صاحب المعاش قبل من سبب له الإصابة عن عمد أو تقصير منه ، وذلك لاختلاف الأساس القانونين للاستحقاق في المعاش عنه في التعويض ( نقض جنائي في 8 ديسمبر سنة 1941 مجموعة عمر الجنائية 5 رقم 317 ) . وهذا الحكم قد حاد عن المبدأ الصحيح الذي قررناه ، وقد انتقده بحق الدكتور سليمان مرقص في تعليقه المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 17 العدد الثاني .
( [36] ) نقض مدني في 3 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 95 ص 251 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم في الحاشية السابقة . ويقرر الحكم ، في المسألة التي نحن بصددها ، ما يأتي : ” ولكن المكافأة العادية التي تستحقها ورثة المستخدم عند وفاته وفاة طبيعية والتي لا علاقة لها بالحادثة ولا بالتعويض المستحق عنها ، فهذه تبقى مستحقة للورثة بالإضافة إلى التعويض ” .
( [37] ) الموجز للمؤلف فقرة 345 .
( [38] ) ومع ذلك فإن هذه النصوص ، على ما فيها من عيوب ، كانت خيراً من مثيلتها في القانون المدني الفرنسي ( م 1384 ) التي لم تضع قاعدة عامة ، بل اقتصرت على ما ذكر طوائف من المسئولين على سبيل الحصر ( أنظر مازو 1 فقرة 712 – فقرة 719 ) .
( [39] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 241 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : 1 – كل من يجب عليه قانوناً أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة ، بسبب صره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية ، يكون ملزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع . ويبقى هذا الالتزام قائماً حتى لو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز . 2 – ويستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية استئناف إذا اثبت أنه قام بواجب الرقابة ، أو اثبت أن الضرر كان لا بد واقعاً حتى لو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية ” . وفي لجنة المارجعة عدلت المادة ، بعد أن أصبح رقمها 177 في المشروع النهائي ، على الوجه الآتي : ” 1 – كل من تولى رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة ، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية ، يكون ملزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع . ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز . 2 – ويعتبر القاصر في حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشرة سنة أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته . وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معلمه في المدرسة أو في الحرفة ما دام القصار تحت اشراف المعلم ، وتنتقل الرقابة على الزوجة القصارة إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج . 3 – ويستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا اثبت أنه قام بواجب الرقابة ، أو اثبت أن الضرر كان لا بد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية ” . وقد قام هذا التعديل على الاعتبارين الايتين : ( أولاً ) تجنب جعل المسئولية على من يجب عليه قانوناً رقابة شخص ، فإن هذا من شأنه أن يثير فكرة الولاية على النفس وأحكامها في الشريعة الإسلامية مما قد لا يتفق تماما مع فكرة الرقابة في القانون الحديث . ( ثانياً ) حدد في التعديل إلى أي سن يكون الصبي في حاجة إلى الرقابة ومتى تنتقل الرقابة الىالمعلم في المدرسة أو في الحرفة وإلى من تنتقل الرقابة على الزوجة القاصر . وقد اشير في لجنة المراجعة إلى تدرج في التشدد في افتراض الخطأ ، فتارة ينتفي الافتراض بإثبات عدم الخطأ ، وطوراً بإثبات عدم القدرة على منع العمل غير المشروع ، وثالثة بإثبات السبب الأجنبي وهذا ينفي علاقة السببية لا ينفي افتراض الخطأ . ويبدو عند التامل أن دفع المسئولية إنما يكون باحد أمرين : إما بنفي الخطأ وإما بنفي علاقة السببية . ففي الحالة الأولى من هذه الحالات الثلاثة المتدرجة قد انتفى الخطأ ، وفي الحالتين الثانية والثالثة قد انتفت علاقة السببية ( أنظر : نقض مدني في 19 نوفمبر سنة 1934 المحاماة 15 رقم 94 / 1 ص 198 وسنعود إلى هذا الحكم فيما يلي ) . وقد وافق مجلس النواب على النص كما ورد في الشمروع النهائي . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ جرت مناقشات طويلة انتهت إلى إضافة كلمة ” المشرف ” في الفقرة الثانية وإلى استبدال عبارة ” كل من يجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة شخص ” بعبارة ” كل من تولى رقابة شخص ” لأن مناط المسئولية هو وجود التزام بالرقابة والالتزام في هذه الحالة إما أن يكون مصدره الاتفاق أو نص القانون . وأصبح رقم المادة 173 . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 405 – ص 412 ) .
( [40] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” يفصل نص المشروع ما ورد من النصوص في التقنين المصري الحالي من وجوه ثلاثة . فهو يحدد أولاً فكرة الرقابة تحديداً بيناً . ويراعى أن نصوص التقنين الحالي ، وإن كانت تفضل من هذه الناحية نصوص التقنين الفرنسي ، من حيث تدارك ما اعتور أحكام هذا التقنين من نقص في بيان من لهم حق الرقابة ، إلا إنها في صياغة هذه الفكرة قد بالغت في الإيجاز والاقتضاب . وقد عمد المشروع إلى تحليل الالتزام بالرقابة ، فبين علته ومصدره . فقد يحتاج الإنسان إلى الرقابة إما بسبب قصره ، وإما بسبب حالته العقلية أو الجسمية . ولهذا يشرف الأب أو من يقوم مقامه على ابنه القاصر ما بقى الابن محتاجاً إلى الرقابة . ويقدر القاضي تبعاً للظروف ما إذا كانت حياة القاصر إلى هذه الرقابة لا تزال قائمة . وكذلك يقوم مباشر العمل على رقابة صبيانه ، والمعلم على رقابة تلاميذه ، والرقيب أو الممرض على رقابة من نيطت به رقابتهم من المجانين أو الزمنى ، ما بقى هؤلاء الأشخاص جميعاً في حاجة إلى تلك الرقابة بسبب حالتهم العقلية أو الجسمانية . أما فيما يتعلق بمصدر الالتزام بالرقابة فهو في الأصل نص القانون ، فأحكام قانون الأحوال الشخصية هي التي تلقى عبء الرقابة على الأب أو الأم أو الوصى على حسب الأحوال . وقد يفرض الالتزام بالرقابة بمقتضى اتفاق خاص ، كما هو الشأن في الحارس ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 406 – ص 407 ) .
( [41] ) وقد قضت محكمة القاهرة الجزئية المختلطة بأن رئيس الحزب السياسي لا يعتبر مسئولا لا عن الأعمال الجماعية لحزبه ولا عن الأعمال الفردية لأعضاء الحزب ( 15 يونية سنة 1910 جازيت 1 ص 159 ) .
( [42] ) وكان القانون المدني القديم : كما رأينا ، غير صريح في بيان الأحوال والشروط التي يعتبر فهيا الأب متولياً الرقابة على ابنه . ومن ثم اضطربت أحكام القضاء في ذلك .
فهناك من الأحكام ما ساير القانون المدني الفرنسي ( م 1384 ) ، فجعل الأب متولياً الرقابة على ابنه ما دام الابن قاصراً لم يبلغ سن الرشد وكان مقيماً مع أبيه . من ذلك ما قضت به محكمة استئناف مصر الوطنية من أن الأب يبقى مسئولا مدنياً عن الأضرار التي تحصل من ابنه إلى حين بلوغه سن الرشد ، ولا يشترط لتحقيق هذه المسئولية إلا إقامة القاصر مع أبيه ( 31 ديسمبر سنة 1931 المحاماة 12 رقم 494 ص 990 – أنظر أيضاً : استئناف مصر الوطنية في 7 مارس سنة 1933 المحاماة 14 رقم 178 / 2 ص 351 ) – وقضت كذلك بان رعاية الأب تقوم على ابنه لتحقيق أمرين اساسيين : أولهما إذا كان الابن منصبا مع والده ، والثاني إذا كان قاصراً عن درجة البلوغ ( استنئاف مصر الوطنية في 2 مايو سنة 1940 المحاماة 20 رقم 610 ص 1358 ) . وقضت محكمة أسيوط الكلية بأنه لما كان منشأ مسئولية الآباء عن أعمال ابنائهم سلطة الآباء سالفة الذكر ، فتكون هذه المسئولية ملازمة لهذه السلطة ، فتزول بزوالها ، وتقوم بوجودها . ولهذا قيد الشارع الفرنسي هذه المسئولية في المادة 1384 بقيدين ، الأول إقامة الوالد مع ابنه ، وثانيهما كون الابن قاصراً . فإذا كان الولد رشيداً يدير أمور نفسه ، أو كان الولد غير مقيم مع والده كأن ألحق بالجيش قبل بلوغه سن الرشد ، أو كان والده غائباً عنه غيبة منقطعة ، فلا سلطة للأب في هذه الأحوال ، وبالتالي فلا مسئولية ( 8 نوفمبر سنة 1933 المحاماة 14 رقم 222 / 2 ص 425 ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بألا مسئولية على الأب عن أعمال ابنه الذي بلغ سن الرشد ( استئناف مختلط في 3 يناير سنة 1906 م 18 ص 83 ) .
وهناك أحكام ربطت تولى الأب الرقابة على ابنه بسن الولاية على النفس وهي خمس عشرة سنة . من ذلك ما قضت به محكمة النقض من أن المادة 151 من القانون المدني ( القديم ) إذ نصت في الفقرة الثانية علىمساءلة الإنسان عن تعويض الضرر الناشئ للغير ” عن إهمال من هم تحت رعايته ” . . . قد دلت بوضوح على أن هذه المسئولية التي قررتها استثناء وخروجاً على الأصل إنما تقوم على ما للمسئول من سلطة على من باشر ارتكاب الفعل الضار وما تقتضيه هذه السلطة من وجوب تعهده بالحفظ والمراقبة لمنع الضرر عنه ومنعه من الأضرار بالغير . وإذا كانت السن إحدى موجبات الحفظ ، فتأتي المسئولية من ناحيتها هو كون سن من باشر ارتكاب الفعل الضار يقتضي وضعه تحت حفظ غيره ، ولا اعتبار هنا للسن المحددة في القانون للولاية على المال ، فإن الحفظ ( garde ) الذي هو أساس المسئولية بمعناها لغة وقانوناً متعلق مباشرة بشخص الموضوع تحت الحفظ ، إذ قد يكون الإنسان قاصراً فيما يختص بماله ، ومع ذلك لا ولاية لأحد على نفسه ، ولا سلطة فيما يختص بشخص . وإذن ففي دعوى التعويض المرفوعة على مقتضى المادة المذكورة لا يكون تعرف من وقع منه الضرر إلا لمعرفة هل هذه السن توجب وضعه تحت حفظ من رفعت عليه الدعوى أم لا فالحكم إذا أسس قضاءه برفض دعوى التعويض المرفوعة على والد المتهم على ما تبينته المحكمة ، أن المتهم قد تجاوزت سنه الحد الذي تنتهي به ولاية أبيه على نفسه ، يكون قد أصاب ولم يخطئ ( نقض جنائي في 4 يناير سنة 1943 المحاماة 24 رقم 100 ص 326 ) . وقضت في حكم آخر بان الحكم المطعون فيه إذ اعتبر الوالد مسئولا عن عمل ابنه بعد أن كان قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره ، وكانت سنه وقت الحادثة أكثر من تسع عشرة سنة ، واذ قال إن الابن يبقى في حفظ أبيه حتى يبلغ إحدى وعشرين سنة ، يكون قد أخطأ ، لأن حق الحفظ بالنسبة للصغير مرتبط بالولاية على النفس ، وينتهي بانتهائها ، ولا شأن له بالمال ولا بنفس الولاية على المال ( نقض جنائي في 3 مايو سنة 1943 المحاماة 24 ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وانظر تعليق الدكتور سليمان مرقص في مجلة القانون والاقتصاد 16 ص 145 – ص 161 . وتعليقاً له آخر في مجلة القانون والاقتصاد 19 العددين الأول والثاني ) . وقضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأن الولد لا يكون تحت رعاية الأب متى تجاوز الخامسة عشرة من عمره اخذاً برأي الصاحبين في الولاية على النفس ، ويكون مسئولا وحده عن كل أعماله المتعلقة بنفسه والتي لا علاقة لها بأمواله ، فيسأل عن عدم احتياطه وإهماله ، كما أنه ابتداء من هذه السن أيضاً مسئول عن جرائمه كما تقضي بذلك المادة 66 عقوبات . وعلى ذلك كان من الخطأ القول بمسئولية الأب حتى بلوغ الابن سن الرشد القانونين ، أي سن الحادية والعشرين ( 11 يولية سنة 1933 المحاماة 14 رقم 219 / 2 ص 420 – أنظر أيضاً : محكمة السيدة زينب في 14 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 26 / 2 ص 59 – محكمة دكرنس في 26 يونية سنة 1935 المحاماة 16 رقم 44 ص 108 ) .
وهناك حكم أخذ بما استقر عليه القانون المدني الجديد ، إذ قضت محكمة العطارين بأن مسئولية الأب عن ابنه لا تفترض بعد بلوغ الابن سن الواحدة والعشرين ، وإنما يحتفظ القاضي بحرية التقدير فيما بين الخامسة عشرة والواحدة والعشرين ( 25 يولية سنة 1933 المحاماة 15 رقم 137 / 2 ص 299 ) . ويقرب من هذا حكم محكمة الاستئناف الوطنية المنشور في صلب حكم محكمة النقض الجنائية في 17 فبراير سنة 1947 مجموعة عاصم للنقض الجنائي 2 – 27 – 21 .
ويرى الدكتو سليمان مرقص أن القانون المدني القديم لم يكن يحدد سناً معينة تقف عندها مسئولية الأب المفترضة عن ابنه ، وقد تقوم هذه المسئولية حتى بعد بلوغ الابن سن الرشد متى كان باقياً تحت رعاية أبيه وفي كنفه ( أنظر تعليقه المشار إليه في مجلة القانون والاقتصاد 16 ص 148 – ص 149 . وانظر تعليقاً آخر له في مجلة القانون والاقتصاد 13 ص 338 – ص 344 ) .
( [43] ) وقد يكون للأم الرقابة على ولدها إذا كان لا يزال في سن الحضانة ، فمتى انتهت هذه السن بقيت الرقابة للأب وحده . وقد قضت محكمة بورسعيد الجزئية المختلطة بأن الأب دون الأم هو المسئول عن أفعال ولده عندما يبلغ سن التمييز ( سبع سنوات ) ، لأن الأب هو وحده الذي يتولى الرقابة على ولده منذ أن يبلغ هذه السن ( 15 يونية سنة 1929 جازيت 20 رقم 191 ص 177 ) .
وقد قضت محكمة مصر الوطنية بأن أم القاصر مسئولة عنه ولو لم تكن هي الوصية عليه ( 7 فبراير سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 119 / 2 ص 332 ) .
( [44] ) وقد قضت محكمة النقض بألا خطأ إذا نفي الحكم تقصير الوالد في ملاحظة ابنه بناء على أن الحادثة التي وقعت من هذا الابن قد حصلت أثناء وجوده في المدرسة بمنأى عن والده الذي يقيم في بلد آخر وفي رعاية غيره من القائمين بشؤون المدرسة ( نقض مدني في 19 نوفمبر سنة 1934 المحاماة 15 رقم 94 / ص 198 ) . وقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن مسئولية الوالد عن أفعال ابنه المضرة بالغير ترتفع عنه متى كان ابنه بعيداً عن رقابته . مسئولاً برعاية المدرسة التي تتولى أمر تعليمه ، فالاعتداء الذي يقع من ابنه أثناء وجوده بالمدرسة بسبب عدم المراقبة والملاحظة لا يجعل الوالد مسئولاً بطريق التضامن مع إدارة المدرسة لأنها هي المسئولة عن تلاميذها من وقت دخولهم المدرسة إلى وقت انصرافهم ( 13 مايو سنة 1931 المحاماة 12 رقم 128 ص 239 ) . ولا يكون الأب مسئولاً ما دام ابنه بعيداً عن رقابته ، مشمولاً برعاية المدرسة ، حتى لو كان الاعتداء الصادر من الابن قد وقع على المعلم نفسه الذي انتقلت إليه الرقابة .
ومع ذلك قد تتحقق مسئولية الأب عن خطـأ يرتكبه الابن وهو في المدرسة ، إذا كان خطأ الابن مسبوقاً بخطأ ثابت في جانب الأب . وقد قضت محكمة السين الفرنسية بأنه ولو أن الابن القاصر يقيم بعيداً عن والده بمدرسة بقسمها الداخلي ، إلا أن مسئولية الأب تتحقق إذا ثبت أن العمل الذي ارتكبه الابن كان مسبوقاً بخطأ ارتكبه الأب نتيجة سوء تربيته ، كما لو عود ابنه على استعمال الأسلحة النارية ، واشتري له مسدساً ، وسمح له بحمله داخل المدرسة . وتقوم مسئولية الأب بجانب مسئولية مدير المدرسة التي ترتبت على عدم رقابة حمل هذا السلاح واستعماله ( 15 مارس سنة 1930 المحاماة 11 رقم 67 ص 109 ) .
( [45] ) انظر في مسئولية المدرسين المفترضة ومسئولية الدولة التي تحل محلها في القانون الفرنسي ، ثم في القانون 5 أبريل سنة 1937 الذي جعل مسئولية المدرس في فرنسا تقوم على خطأ واجب الإثبات لا على خطأ مفترض ، مع حلول الدولة محل مدرسيها في بعض الحالات ، إلى مازو 1 فقرة 784 – فقرة 851 – 51 .
( [46] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن الوالد مسئول عن ولده القاصر ، ولو كان هذا الولد تلميذاً ، ما دام قد ارتكب العمل خارج المدرسة وفي وقت لم يكن فيه تحت ملاحظة معلمية 291 مايو سنة 1916 الشرائع 3 رقم 221 ص 611 – حقوق 32 ص 2 ) .
( [47] ) وقد قضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأنه إذا ارتكب المجنون جرماً كان والده مؤاخذاً مدنياً عن عمله ( 19 مايو سنة 1930 المحاماة 11 رقم 41 ص 75 ) – وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الزوج يسأل عن زوجته وهي تسوق السيارة وهو إلى جانبها ، وكان يستطيع أن يحد من سرعتها ( 24 ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 137 – وهذا يجوز أن تكون مسئولية الزوج هي مسئولية المتبوع عن تابعه ، وبخاصة إذا لم تكن الزوجة قاصراً ) .
( [48] ) هذا ما لم يعتبر رئيس المدرسة مسئولاً عن سلامة التلاميذ مسئولية عقدية ، فيكون مسئولاً عما يلحقه التلميذ من الأذى بنفسه إلا إذا أثبت السبب الأجنبي . ويعتبر رئيس المدرسة مسئولاً عن سلامة التلاميذ بوجه خاص في أثناء الرحلات المدرسية .
وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية ( 24 ديسمبر سنة 1939 المحاماة 20 رقم 493 ص 1166 ) بأن إدارة المدرسة التي ترتب أمر رحلة التلاميذ مدرستها الابتدائية تلتزم قبل أهليهم برعايتهم ، وعلى ذلك فهي ضامنة سلامتهم وردهم إليهم ، وتكون مسئولية عن كل ما يصيبهم في هذه الرحلة مسئولية عقدية تترتب عليها بمجرد إصابتهم ، وعليها هي يقع عبء إثبات عذرها ، بأن تثبت أن مندوبيها في الرحلة قاموا بواجب الملاحظة المفروضة عليهم على وجه مرضى ، وأن تقصيراً لم يقع منهم ، وان أية مراقبة مهما بلغت درجتها من الشدة ما كانت لتحول دون وقوع الحادث للتلميذ . ويلاحظ في شأن هذا الحكم أن المحكمة عندما طالبت إدارة المدرسة بنفي المسئولية لم تكن واضحة في تعيين الأمر الذي يطلب من الإدارة إثباته . فقد ذكرت أن الإدارة تثبت أن مندوبيها في الرحلة قاموا بواجب الملاحظة المفروض عليهم على وجه مرضى وان تقصيراً لم يقع منهم . وهذا لا يكفي ، فالمسئولية عقدية ولا تنتفي إلا بإثبات السبب الأجنبي ، لا بمجرد نفي الخطأ ، والذي ينتفي بمجرد نفي الخطأ هو المسئولية عن الضرر الذي وقع من التلميذ لا الضرر الذي يقع عليه . ولكن المحكمة ذكرت بعد ذلك أن إدارة المدرسة يجب عليها أن تثبت أن أية مراقبة مهما بلغت درجتها من الشدة ما كانت لتحول دون وقوع الحادث للتلميذ . ومعنى ذلك أن إدارة المدرسة يجب عليها أن تثبت القوة القاهرة ، والقوة القاهرة بسبب أجنبي تنتفي به المسئولية العقدية . ويمكن تخريج حكم المحكمة على هذا الوجه ، لولا التضارب الذي ورد في عباراتها ( أنظر تعليقاً على هذا الحكم للدكتور سليمان مرقص في محله القانون والاقتصاد 13 ص 344 – ص 346 ) .
( [49] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وينص المشروع على أن مسئولية الشخص عما يقع ممن نيطت به رقابتهم تظل قائمة ، ولو كان محدث الضرر غير مميز . وهو بذلك يقرر الحكم المتبع في ظل التقنين الحالي . يبد أنه رؤى من الأنسب أن ينص صراحة على هذا الحكم ، إذ قد يكون في عدم تمييز الفاعل الأصلي ، وارتفاع مسئولية تفريعاً على ذلك ، مدخل للشك عند التطبيق ، باعتبار أن المسئولية التبعية لا تقوم إلا مستندة إلى مسئولية أصلية . ولكن الواقع أن مسئولية المكلف بالرقابة في هذه الحالة ليست من قبيل المسئوليات التبعية ، بل هي مسئولية أصلية أساسها خطأ مفترض ، وهي بهذه المثابة مسئولية شخصية أو ذاتية . أما غير المميز فهو الذي تقع على عاتقه مسئولية مادية أو موضوعية يتحقق فيها معنى التبعية عند تعذر رجوع المصاب بالتعويض على المكلف بالرقابة ، وهو المسئول بطريق الإصالة مسئولية ذاتية أو شخصية ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 407 ) .
وقد رأينا فيما قدمناه أن متولي الرقابة لا يكون مسئولاً عن عمل غير المميز إلا إذا كان هذا العمل قد استوفي الركن المادي للخطأ وهو التعدي ، دون الركن المعنوي وهو التمييز فالعمل المشروع الذي يصدر من عديم التمييز لا يوجب مساءلة متولي الرقابة ، لأن هذا العمل ليس بتعد . وإنما تقوم مسئولية متولي الرقابة إذا كان العمل الصادر من عديم التمييز الركن المادي للخطأ دون الركن المعنوي ( أنظر في هذا المعني تعليقاً للدكتور سليمان مرقص في مجلة القانون والاقتصاد 13 ص 337 – ص 338 ) .
( [50] ) ومع ذلك فقد كان القانون المدني القديم اقل وضوحاً في إقامة المسئولية على الخطأ مفترض . ومن ثم قضت بعض الأحكام في عهد هذا القانون بأن مسئولية متولي الرقابة تقوم على خطأ ثابت لا على خطأ مفترض . من ذلك ما قضت به محكمة الاستئناف المختلطة من أنه لا يوجد خطأ مفترض في جانب متولي الرقابة ، بل يجب إثبات خطأ الأب إذا كان ابنه قاصر قد اختلس رخصة قيادته ( 22 مايو سنة 1940 م 52 ص 281 – وانظر أيضاً :استئناف مختلط في 8 مايو سنة 1930 م 42 ص 486 – وفي 8 فبراير سنة 1939 م 51 ص 148 ) . فإذا ترك الأب السيارة لابنه الصغير بالرغم من أن هذا لايتقن فن قيادة السيارات ، ارتكب الأب خطأ ثابتاً لا خطأ مفترضاً ( استئناف مختلط في 19 أبريل سنة 1939 م 51 ص 263 ) .
أما القانون المدني الجديد فهو قاطع في التصريح بأن مسئولية متولي الرقابة تقوم على خطأ مفترض .
( [51] ) أنظر في هذا المعني مازو 1 فقرة 767 ويتبين من ذلك أن مسئولية متولي الرقابة تقوم على خطأ شخصي في جانبه ، فهو ليست مسئولية عن الغير كمسئولية المتبوع عن التابع ، بل هي مسئولية ذاتية قامت على خطأ شخصي افتراضنا أن متولي الرقابة قد ارتكبه فعلاً .
( [52] ) وهذا ما لم يقم في جانب الشخص الخاضع للرقابة خطأ مفترض من نوع آخر ، كما لو كان يسوق السيارة فدهس أحد العابرة وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .
( [53] ) ومما يتنافى مع اتخاذ الاحتياطات المعقولة أو يغيب الأبواب ويتركا ولدهما وحيداً ، أو أن يمارس ألعاباً خطرة ، أو يتركاه يقود دراجة أو سيارة من قبل أن يتقن القيادة ( انظر مازو فقرة 774 – فقرة 777 ) .
( [54] ) وقد قضت محكمة أسيوط الكلية في هذا المعنى بأن المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي أباحت للآباء درء المسئولية عن أعمال أبنائهم إذا أقاموا الدليل على أنه ما كان في استطاعتهم منع الحادث الذي سبب الضرر . من المتفق عليه أنه مع هذه الإباحة فإن مسئولية الآباء تظل قائمة إذا حصل منهم خطأ سابق للحادثة ولولاه لما وقعت ، كسوء التربية والتغاضي عن هفوات وإظهار جانب اللين لهم . وان نص المادة 151 من القانون المدني المصري ( القديم ) لم تذكر شيئاً عن هذه الإباحاة ، ولهذا يجب الرجوع لنص المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي التي ذكرت تفصيلاً شروط مسئولية الآباء عن أفعال أبنائهم على أنه ما دام أن مبنى المسئولية هو واجب التربية والمراقبة ، فلا محل لمسئوليتهم متى تبين أنهم قاموا بأداء هذين الواجبين على الوجه الأكمل ( 8 نوفمبر سنة 1933 المحاماة 14 رقم 222 / 2 ص 425 ) .
( [55] ) انظر في هذا المعنى مازو 1 فقرة 769 .
( [56] ) أما إذا كان الضرر قد وقع بسبب أجنبي بالنسبة إلى من هو تحت الرقابة ، فإن مسئولية هذا لا تتحقق ، ولا تقوم تبعاً لذلك مسئولية متولي الرقابة .
( [57] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا قدرت محكمة الموضوع ظروف الحادث الذي وقع من تلميذ داخل المدرسة ، وقررت ألا مسئولية على ناظر المدرسة فيه لأنه وقع مفاجأة ، فإنها بذلك تكون قد فصلت في نقطة موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها… أما الزعم بأن المفاجأة لا يمكن اعتبارها في القانون المصري ( القديم ) سبباً معفياً من المسئولية المدنية ما دام لم ينص عليها فيه ، فذلك لا يعبأ به ، إذ الأمر ليس بحاجة إلى نص خاص ، بل يكفي فيه تطبيق مبادئ القانون العامة التي منها وجوب قيام علاقة السببية بين الخطأ والحادث الذي انتج الضرر . وبغير ذلك لا يمكن الحكم بالتعويض على مرتكب الخطأ . القول بحصول الحادث مفاجأة معناه أن الفعل كان يقع ولو كانت الرقابة شديدة إذ ما كان يمكن تلافيه يحال . ومفهوم ذلك بداهة أن نقص الرقابة لم يكن هو السبب الذي انتج الحادث ، بل كان وقوعه محتملاً ولو مع الرقابة الشديدة ( نقص في 19 نوفمبر سنة 1934 المحاماة 15 رقم 94 / ص 198 ) . وقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن مسئولية المربي ترتفع إذا حصل الحادث فجأة ، وإنما بشرط في ذلك أن يكون عدم استطاعة تلافيه غير ناتجة عن إهمال ( 13 مايو سنة 1931 المحاماة 12 رقم 128 ص 239 ) . وقضت المحكمة أيضاً بأنه يجب لاعتبار مسئولية الأب عن فعل ابنه الذي هو تحت رعايته قائمة أن يثبت مبدئياً حصول الخطأ من هذا الابن وان يكون هذا الخطأ نتيجة لعدم ملاحظته ، أو بعبارة أخرى يشترط قيام الارتباط بين الخطأ الأب في ملاحظة ابنه والحادث الذي وقع منه . ويقع عبء إثبات انعدام رابطة السببية بين الخطأ والحادث على عاتق الأب ( استئناف مصر الوطنية في 2 مايو سنة 1940 المحاماة 20 رقم 610 ص 1385 ) . وقضت محكمة الزقازيق الكلية بألا مسئولية إلا إذا كان هناك إهمال أو تقصير في الرقابة وكانت هناك علاقة ارتباط مباشر بين الخطأ والحادث الذي يطلب عنه التعويض . فإذا كان الحادث ليس متوقعاً ولا ممكناً تلافيه ولا التكهن بوقوعه لسرعة حصوله وعدم وجود مقدمات له ، أو كان مباغته والمراقبة ما كانت لتحول دون وقوع الحادث ، فلا تكون هناك مسئولية ( 25 فبراير سنة 1935 المحاماة 16 رقم 342 ص 740 ) .
هذا ويلاحظ أنه إذا أثبت المضرور خطأ في جانب متولي الرقابة ، استغني بذلك عن المسئولية القائمة على خطأ مفترض ، وعاد إلى القواعد العامة في المسئولية ، ولا يجدي متولي الرقابة في هذه الحالة أن يتمسك بأن الحادث الذي هو محل المساءلة كان نتيجة ظرف فجائي . قد قصدت محكمة النقض إلى تقرير هذا المبدأ عند ما قضت بأنه ليس للمعلم أن يتمسك بأن الحادث التي هي محل المساءلة كانت نتيجة ظرف فجائي ليتخلص من المسئولية إلا إذا أثبت أنه قام بواجب المراقبة المفروضة عليه . ومن الخطأ تخلي المعلم عن هذه المراقبة وعهده بها إلى تلميذ عمره سبع سنوات ( نقض مدني في 31 أكتوبر سنة 1946 مجموعة عمره رقم 105 ص 234 ) . وعبارة الحكم غير دقيقة ، والمقصود أنه لا يجوز التمسك بأن الحادث كان نتيجة ظرف مفاجئ إذا أثبت المضرور تقصيراً في جانب متولي الرقابة . وعلى هذا الأساس تقوم وقائع القضية ، فقد كلف المعلم تلميذاً عمره سبع سنوات بمراقبة التلاميذ وكتابة اسم من يحدث ضجة منهم ، فلما كتب اسم أحد التلاميذ تغيظ هذا منه ، وقذفه بسن ريشة أفقدت عينه اليمنى الإبصار ، فاعتبرت المحكمة أن هناك خطأ ثابتاً في جانب المعلم ، إذ عهد لتلميذ في هذه السن بالمراقبة ، فلا يجدي المعلم أن يتمسك بأن الحادث مفاجئ ما دام قد ثبت خطأ في جانبه ( أنظر تعليقاً على هذا الحكم للدكتور سليمان مرقص في مجلة القانون والاقتصاد 19 العددين الأول والثاني ) .
( [58] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” فإذا أقيم الدليل على خطأ من وقع منه الفعل الضار ترتبت مسئوليته وفقاً لأحكام القواعد العامة . أما من نيطت به الرقابة عليه فيفترض خطؤه باعتبار أنه قصر في أداء واجب الرقابة . ولكن يجوز له ، رغم ذلك ، أن ينقض هذه القرينة بإحدى وسيلتين :فإما أن يقيم الدليل على انتفاء الخطأ من ناحيته ، بأن يثبت أنه قام بقضاء ما يوجبه عليه التزام الرقابة وان خطأ من أحدث الضرر يرجع إلى سبب غير معلوم لا ينبغي أن يتحمل تبعه ، وفي هذا الوضع تكون قرينة افتراض الخطأ قرينة غير قاطعة تنقض بإثبات العكس . وإما أن يترك قرينة الخطأ قائمة ، ونفي علاقة السببية ، بأن يقيم الدليل على أن الضرر كان لا بد واقعاً حتى لو قام بواجب الرقابة بما ينبغي له من حرس وعناية . وفي كلتا الحالتين ترتفع عنه المسئولية ، إما بسبب انتفاء الخطأ ، وإما بسبب انتفاء علاقة السببية ، وبديهي أن الفاعل الأصلي وهو من وقع منه الفعل الضار ، تظل مسئولية قائمة وفقاً لأحكام القواعد العامة ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 408 ) .
( [59] ) ويجوز أن يرجع على الاثنين معاً . بل يجوز أن يفعل ذلك في محكمة أول درجة ، ثم يقتصر في الاستئناف على أحدهما فلا يختصم إلا متولي الرقابة مثلاً ( استئناف مختلط في 25 يناير سنة 1883 المجموعة الرسمية للمحاكم المختلطة 8 ص 55 ) .
( [60] ) تاريخ النص :ورد هذا النص في المادة 343 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” للمسئول عن عمل الغير حق الرجوع عليه بالقدر الذي يكون فيه هذا الغير مسئولاً عن تعويض الضرر ” وقد أقرت لجنة المراجعة النص على أصله ، وأصبح رقمه المادة 179 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استبدلت عبارة ” في الحدود ” بكلمة ” بالقدر ” وأصبح رقم المادة 175 . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 421 – ص 422 ) .
– – وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” إذا ترتبت مسئولية الشخص عن عمل غيره ، انطوى هذا الوضع على وجود شخصين يسألان عن ذات الدين مع اختلاف الخطأ المنسوب إلى كل منهما ، أولهما محدث الضرر ويسأل بناء على خطأ ثابت يقام الدليل عليه ، والثاني هوالمسئول عنه ( وهو المكلف بالرقابة أو المتبوع ) ويسأل على أساس الخطأ المفروض . ومؤدي ذلك أن كليهما يلزم بالدين ذاته إلزاماً مبتدأ دون أن يكونا متضامنين في أدائه ( المؤلف :الصحيح أنهما متضامنان ) ، باعتبار أن أحدهما مدين أصلي والآخر مدين تبعي أو احتياطي . فإذا رجع المضرور على محدث الضرر واستوفي منه التعويض الواجب ، وفقت المسألة عند هذا الحد ، لأن وفاء المدين الأصلي بالدين يدرأ مسئولية المدين التبعي أو الاحتياطي عنه . بيد أن المضرور غالباً ما يؤثر الرجوع على المدين الاحتياطي ، إذ يكون أكثر اقتداراً أو يساراً . ومتى قام هذا المدين بأداء التعويض ، كان له أن يقتضيه ممن أحدث الضرر . ذلك أن هذا الأخير هو الذي وقع منه الفعل الضار ، فهو قبل المسئول عنه بأن يؤدي إليه ما أحتمل من التعويض من جزاء هذا الفعل ، ويماثل هذا الوضع مركز المدين الأصلي من الكفيل . على أن هذه الأحكام لا تطبق إلا حيث يتوافر التمييز في محدث الضرر ، كما فرض هذا في الصورة المتقدمة . فإذا فرض على النقيض من ذلك أن محدث الضرر غير أهل للمساءلة عن عمله غير المشروع ، فليس للمسئول عنه أن يرجع عليه بوجه من الوجوه ، لأنه يكون في هذه الحالة مديناً أصدأ ، وينعكس الوضع فلا يلزم من وقع منه الفعل الضار إلا بصفة تبعية أو احتياطية ، كما تقدم بيان ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 421 – 422 ) .
نقلا عن محامي أردني