حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير
113 ـ تعريف مبدئى للغير : الغير هنا ـ كالغير فى حجية الورقة الرسمية ـ هو كل شخص يجوز أن يسرى فى حقه التصرف القانونى الذى تثبته الورقة ، ومن ثم يصح أن يحتج عليه بهذه الورقة كدليل على التصرف الذى يراد أن يسرى فى حقه . وهو بوجه عام الخلف العام والخلف الخاص والدائن .
وسنرى أن (( الغير )) تضيق دائرته فى حجية تاريخ الورقة العرفية([1]) .
ونستعـرض حجيـة الورقـة العرفيـة بالنسبـة إلى الغـير ـ كمـا استعرضناها فيما بين الطرفيـن ـ ( ا ) من حيث صحـة صدورهـا من صاحب التوقيـع . ( ب ) ومـن
197 حيث صحة الوقائع التى وردت بالورقة . ونضيف مسألة ثالثة لها هنا أهميـة خاصـة : ( جـ ) ومن حيث صحة التاريخ الذى تحمله الورقة .
114 ـ ( ا ) حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير من حيث صدورها ممن قوع عليها : هى نفس الحيجة فيما بين الطرفين على النحو الذى قدمناه . فتعتبر الورقة العرفية ، بالنسبة إلى الخلف العام ( الوارث والموصى له بجزء من التركة ) والخلف الخاص والدائن ، صادرة من صاحب التوقيع إلى أن ينكر ـ صاحب التوقيع لا الغير ـ صدروها منه دون حاجة إلى أن يطعن فيها بالتزوير([2]) . أما إذا اعترف بالورقة أو سكت ، فقد أصبحت الورقة حجية عليه وعلى الغير معاً ، وإذ أراد هو ، أو أراد الغير ، إنكارها بعد ذلك فلا سبيل إلا الطعن بالتزوير([3]) .
وإذا احتج بالورقة العرفية بعد موت صاحب التوقيع على الوراث أو الموصى له أو الخلف الخاص أو الدائن ، فان هؤلاء لا يطلب منهم إنكار صريح ، كما كان يطلب من صاحب التوقيع ، لإسقاط حجية الورقة العرفية ، بل يتكفى من أى منهم ، حتى لا تكون الورقة حجة عليه إلا بعد التحقيق ، أن يحلف يميناً بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هى لمن تلقى عنه الحق .
198 وهذا بعد كل ما يستطيع أن يؤكده ، فلا يطلب منه أكثر من ذلك([4]) .
115 ـ ( ب ) حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير من حيث صحة الوقائع التى وردت بها : وهنا الحجية أيضاً هى نفس الحجية فيما بين الطرفين على النحو الذى قدمناه . فللوارث مثلا أن يثبت صورية الورقائع الورادة فى الورقة العرفية وفقاً للقواعد المقررة فى للإثبات. وكذلك يفعل الخلف الخاص والدائن ، ويلاحظ هنا أن كلا من هذين يعتبر من الغير فى الصورية ، فله أن يثبتها بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن([5]) .
ولهؤلاء جميعاً أن يدفعوا التصرف القانونى الذى تثبته الورقة العرفية بجميع الدفوع الموضوعية والشكلية التى كانت لصاحب التوقيع . فلهم أن يطلبوا إبطال 199 التصرف لنقص الأهلية أو للغلط أو التدليس أو الاكراه أو الاستغلال ، ولهم أن يدفعوا ببطلان التصرف لعدم مشروعية المحل أو السبب أو لعدم استيفاء الشكل ، ولهم أن يتمسكوا بانقضاء الالتزام بالوفاء أو بغيره من أسباب الانقضاء ، إلى غير ذلك من الدفوع .
أما صحة التاريخ الذى تحمله الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير فله شأن آخر ، وهو م ننتقل الآن إليه .
116 ـ ( جـ ) حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير من حيث صحة التاريخ الذى تحمله الورقة : هذه هى أهم مسألة فى حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير . فالورقة العرفية تحمل تاريخاً معيناً ، يفترض فيما بين الطرفين أنه هو التاريخ الصحيح حتى يثبت العكس . فهل للتاريخ هذه الحجية بالنسبة إلى الغير ؟
ظاهر أن هذا لا يمكن التسليم به . فقد يكون الطرفان متواطئين فى تقديم التاريخ أو فى تأخيره لتحقيق غرض معين . يتواطآن فى تقديم التاريخ حتى يتفاديا مثلا الطعن بالدعوى البولصية من دائن تاريخ سنده متقدم على البيع الذى تشهد به الورقة العرفية فيقدمان تاريخ الورقة حتى يكون البيع أسبق من سند الدائن فلا يستطيع هذا أن يطعن فى البيع بالدعوى البوليصية . أويقدمان تاريخ البيع حتى لا تطعن الورثة بأنه وقع فى مرض الموت . وقد يتواطآن فى تأخير التاريخ حتى يتفاديات الطعن فى التصرف بنقص الأهلية ، فيؤخرا تاريخ الورقة ليخفيا أن أحد المتعاقدين كان قاصراً وقت التعاقد([6]) .
فالمعقول إذن ألا يكون تاريخ الورقة العرفية حجة على الغير إلا إذا كان ثابتاً على وجه قاطع ، وعلى هذا جرى نص القانون . وحتى نتناول هذه المسألة بالبحث نستعرض أولا نص القانونن ، ثم نحدد ثانياً من هو المقصود بالغير ، ثم نبين ثالثاً ما هى الأوراق العرفية التى تخضع لتطبيق القاعدة ، ثم نتكلم أخيراً فى الطرق التى يصبح بها التاريخ ثابتاً فى هذه الأوراق.
200 117 ـ ( أولا ) النصوص القانونية : تنص المادة 395 من التقنين المدنى على ما يأتى :
(( 1 ـ لا تكون الورقة العرفية حجة على الغير فى تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت . ويكون تاريخ الورقة ثابتاً : ( ا ) من يوم أن تقيد بالسجل المعد لذلك ( ب ) من يوم أن يثبت مضمونها فى ورقة أخرى ثابتة التاريخ ( جـ ) من يوم أن يؤشر عليها موظف عـام مختص ( د ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة ، أو من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد من هؤلاء أن يكتب أو يبصم لعلة فى جسمه ، وبوجه عام من يوم وقوع أى حادث آخر يكون قاطعاً فى أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه )) .
(( 2 ـ ومع ذلك يجوز للقاضى تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على الخالصات)) ([7]) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى القديم المادتين 228 ـ 229/293 ـ 294([8])
201 ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 11 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 456 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 152 ، وفى التقنين المدنى للمملكة المتحدة الليبية الادة 382([9])
ـ ويقابل 202 فى التقنين المدنى الفرنسى1328([10]) .
118 ـ ( ثانياً ) من هو المقصود (( بالغير )) فى تاريخ الورقة العرفية : ليس (( الغير )) بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية هو نفس (( الغير )) بالنسبة إلى حجية البيانات الأخرى الواردة فى هذه الورقة . فقد رأينا أن الغير فى الحالة الثانية هو بوجه عام الخلف العام والخلف الخاص والدائن ، أى كل شخص يجوز ان يحتج عليه بها . أما الغير بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية فهو أخص من ذلك . ويجب أن نستمد تحديد منطقته من الوضع الذى هو فيه .
ويحسن قبل أن نحدد هذا (( الغير )) أن نحدد أولا من لا يعتبر (( غيراً )) ، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تحديد (( الغير )) .
119 ـ من لا يعتبر (( غيراً )) بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية : لا يعتبر (( غيراً )) ، فيحتج عليه بتاريخ الورقة العرفية وذلك إلى أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ ، كل من كان ممثلا فى التصرف الذى تشهد به الورقة . ومن ثم لا يعتبر (( غيراً )) :
(1 ) الطرفان فى الورقة العرفية ، فهذان يكون التاريخ العرفى للورقة حجة عليهما . فاذا كان أحدهما قاصراً أو محجوراً عليه ، واتفق الطرفان على تأخير التاريخ حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر ، أو على تقديمه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر، أو على تقديمه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت الحجر ، كان التاريـخ المؤخر أو المقدم حجة عليهما ، إلا أن يثبت ذو المصلحة منهما أن التاريخ غير صحيح . ولما كان 203 تأخير التاريخ أو تقديمه قد وقع هنا تهرباً من أحكام القانون ، فانه يجوز إثبات ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن([11]) .
(2) الأصيل إذا كان أحد أطراف الورقة العرفية هو نائبه ، سواء كانت النيابة اتفاقية كالوكيل أو قضائية كالحارس القضائى أو قانونية كالولى والوصى والقيم . فتاريخ الورقة العرفية التى يوقعها النائب يكون حجة على الأصيل ولو لم يكن تاريخاً ثابتاً ، إلا إذا أثبت الأصيل عدم صحة التاريخ وأنه قدم مثلا حتى لا ينكشف أن التصرف صدر فى وقت كانت النيابة فيه قد انقضت ، وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن بسبب ما انطوى عليه تقديم التاريخ من الغش . وهو لا يعتبر (( غيراً )) لأنه كان ممثلا فى التصرف الذى أبرمه النائب لحسابه ، فيكون التاريخ العرفى لهذا التصرف حجة عليه إلى أن ثبت أنه غير صحيح([12]) .
(3) الوراث وكل خلف عام كالموصى له بحصة من التركة . ذلك أن الخلف العام يعتبر مثلا فى جميع العقود التى يبرمها السلف ، فتسرى فى حقه هذه التصرفات أياً كان تاريخها إلى يوم موت المورث . وما دام أنه كان ممثلا فى التصرف ، فلا يعتبر (( غيراً )) بالنسبة إلى تاريخه . فالبيع المدون فى ورقة عرفية الصادر من المورث يكون حجة فى تاريخه العرفى على الوراث كما هو حجة على المورث ، ومن ثم لا تعتبر العين المبيعة جزءاً من التركة يمتد إليها حق الوراث([13]) . وإذا باع شخص داراً بورقة عرفية غير ثابتة التاريخ ، وكان هذا التاريخ يكون حجة على السفيه وعلى ورثته جميعاً ، ولا يستطيع أحد منهم أن ينقضى هذه الحجية إلا إذا أثبت أن التاريخ قد قدم عمداً حتى يصور البيع واقعاً فى وقت لم يكن فيه البائع محجوراً عليه ، وأن التاريخ الحقيقى كان بعد تسجيل قرار الحجر ( م 114 ـ 115 مدنى ) . ولما كان تقديم التاريخ فى هذه الحالة يعتبر غشاً ، فيجوز للوارث إثبات عدم صحته بجميع الطرق([14]) .
205 والوارث لا يعتبر (( غيراً )) بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية كما قدمنا ، يستوى فى ذلك أن يدفع البيع الصادر من مورثه بمقولة إنه صدر بعد تسجيل قرار الحجر للسفه ، أو بمقولة أنه صدر من المورث وهو فى مرض الموت . فى الحالتين معاً يكون التاريخ غير الثابت حجة عليه . وفى الحالتين معا يستطيع أن يثبت عدم صحة التاريخ بجميع طرق الإثبات ، ما دام أن هذا التاريخ قد قدم غشاً لإخفاء أن البيع إنما صدر بعد تسجيل قرار الحجر أو صدر فى مرض الموت . ولا يعتد ـ فى صدد حجية التاريخ ـ بأن الوارث فى حالة الحجر إنما يهاجم البيع باعتباره خلفاً لمورثه فيستمد منه هذا الحق كما لو كان المورث هو الذى يهاجم البيع ، وهو فى حالة مرض الموت إنما يهاجم البيع بمقتضى حق له خاص (droit proper) استمده من القانون ضد المشترى والمورث جميعاً . لا يعتد بهذا الفرق ، قلنا ، فى صدد حجية التاريخ ، وإنما يعتد به فى صدد سريان البيع . فاذا أثبت الوارث أن البيع قد صدر بعد تسجيل قرار الحجر ، جاز له ، باسم مورثه ، أن يطلب إبطال البيع للسفه . أما إذا أثبت أن البيع قد صدر فى مرض الموت ، جاز له ، باسمه هو لا باسم مورثه ، أن يطلب عدم سريان البيع فى حقه فيما زاد على ثلث التركة . وهذا بخلاف حجية التاريخ ، فيستوى فيها أن يهاجم الوراث التصرف الصادر من مورثه المحجور بمقتضى حق استمده منه وخلفه عليه ، أو يهاجم التصرف الصادر من مورثه وهو فى مرض الموت بمقتضى حق شخصى استمده من القانون . ففى الحالتين توافرت له المصلحة فى مهاجمة التصرف . وإذا كانت هذه المصلحة قد استمدها من مورثه فى الحالة الأولى ومن شخصه فى الحالة الثانية ، فان هذا لا يمنع من أنه ليس (( غيراً )) فى الحالتين ، فيحتج عليه فيهما معاً بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من مورثه 206 إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح([15]) .
والذى أوقع اللبس فى هذه المسألة هو الخلط ما بين (( الغيرية )) فى سريان التصرف (( والغيرية )) فى ثبوت التاريخ . فالوارث ، فى تصرفات مورثه الصادرة فى مرض الموت ، يعتبر (( غيرا )) من ناحية سريان هذه التصرفات فى حقه ، فهى لا تسرى عليه فيما يجاوز ثلث التركة . ولا يعتبر (( غيراً )) من ناحية ثبوت التاريخ ، 207 فيحتج عليه بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من مورثه إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح([16]) .
أما القضاء المصرى فى هذه المسألة فهو متردد مضطرب . بدأ يأخذ بالرأى الصحيح . ثم رجع عنه إلى الرأى الخاطئ . ثم وقف بين الرأيين : فهو من الناحية العملية على هدى من أمره إذ يجعل تاريخ التصرف الصادر فى مرض الموت حجة على المورث إلى أن يثبت عدم صحته ، وهو من الناحية الفقهية يبدو أنه خلط ـ ولا يزال يخلط ـ بين (( الغيرية )) فى سريـان التصرف و (( الغيرية )) فى ثبوت التاريخ([17]) .
208 وتأثر التقنين المصرى الجديد بهذا القضاء فى مرحلته الأخيرة . فنصت الفقرة الثانية من المادة 916 على ما يأتى : (( وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانونى قد صدر من مورثهم وهو فى مرض الموت ، ولهم إثبات ذلك بجميع 209 الطرق . ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً )) . فالأصل أن الوارث يحتج عليه بتاريخ التصرف الصادر من مورثه ، ولو لم 210 يكن هذا التاريخ ثابتاً . ولكن إذا ادعى أن التصرف قد صدر من مورثه وهو فى مرض الموت ، كانت له مصلحة فى إثبات عدم صحة التاريخ وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن ، لما ينطوى عليه تقديم تاريـخ التصـرف 211 من غش أريد به الإخلال بحقه الشخصى فى الميراث . إلى هنا ونص التقنين الجديد مستقيم . لكن تأتى بعد ذلك العبارة الأخيرة 😦 ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً )) ([18]) . وهى عبارة غير صحيحة على إطلاقها . إن أريد بها ـ كما هو ظاهر العبارة ـ إن التاريخ العرفى للتصرف الصادر من المورث لا يحتج به على الورثة ، فهذا غير صحيح , وقد رأينا أن هذا التاريخ حجة على الوارث إلى أن يثبت عدم صحته . وإن أريد بها ـ كما هو التأويل المستخلص من سياق النص ـ أن التاريخ العرفى لا يحتج به على الوارث إلى الحد الذى يمنعه من إثبات العكس بل يجوز له ما دام التاريخ غير ثابت أن 212 يقيم الدليل على عدم صحته ، فهذا صحيح ، ولكن فيم الحاجة إلى إيراد هذا
213
ونرى من ذلك أن الدائن العادي هد يعنيه التاريخ الذي صدر فيه تصرف مدينه ، ولكن لا ليكون ” غيراً ” ما دام المدين قد مثله في هذا التصرف ، بل لأن له مصلحة تخول له ، مع بقاء التاريخ العرفي حجة عليه ، أن يثبت عدم صحته . ويتحقق ذلك في دعويين : الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية .
أما في الدعوى غير المباشرة فالدائن يطال بحق لمدينه المعسر ، تعمد هذا المدين عدم المطالبة به إضراراً بدائنه ، أو في القليل أهمل في المطالبة غير مبال بما يترتب على هذا الإهمال من مساس بالضمان العام الذي لدائنه على أمواله . هنا يتقدم الدائن ، نائباً عن المدين والنيابة أضفيت عليه بحك القانون ، لمطالبة مدين مدينه بهذا الحق . فهو يعمل بمقتضى ماله من ضمان عام على أموال مدينه ، ولا يزال باقياً في هذه المرحلة التمهيدية لم يجتزها إلى مرحلة التنفيض ، ومن ثم لا يكون الدائن في هذه الحالة ” غيراً ” إلى تاريخ الأوراق العرفية الصادرة من مدينه إلى مدين المدين . فإذا تقدم مدين المدين ، في الدعوى غير المباشرة ، بورقة عرفية صادرة من المدين تفيد إبراءه من الدين مثلا ، كان التاريخ العرفي لهذه الورقة حجة على الدائن كما هو حجة على المدين . فالدائن ليس ” عيراً ” بالنسبة إلى تاريخ هذه الورقة ، ولا يشترط أن يكون هذا التاريخ ثابتاً ليكون حجة عليه ، وذلك لسببين : أولهما أن الدائن إنما يعمل نائبا عن المدين فما يحتج به على المدين يحتج به على الدائن . والسبب الثاني أن الدائن في الدعوى غير المباشرة لم يفعل غير أن يحافظ على ضمانه العام ، فهو لم ينتقل كما قدمنا إلى مرحلة التنفيذ كما هو شأن الدائن الحاجز الذي انتقل بالحجز إلى هذه المرحلة ، فإذا سلم أن الدائن الحاجز يصبح بالحجز ” غيراً ” كما سنرى ، فإن ذلك لا يستتبع أن يكون الدائن الذي يباشر الدعوى غير المباشرة من ” الغير ” ( [19] ) . على أنه يلاحظ أن الدائن إذا لم يكن 214 ” غيراً ” في الدعوى غير المباشرة ، وأنه يحتج عليه بالتاريخ العرفي للورقة المثبتة للأبراء الصادرة من مدينه ، إلا أنه يستطيع – كما يستطيع المدين – أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ وأنه قدم حتى يقع الإبراء في وقت سابق على رفع الدعوى غير المباشرة . وله في هذه الحالة أن يثبت تقديم التاريخ بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن لما انطوى عليه من الغش . وعمد ذلك يستطيع أن يطعن في الإبراء بالدعوى البولصية ليجعله غير سار في حقه
215
. وننتقل الآن إلى الدعوى البولصية . وفيها أيضاً لا يعتبر الدائن من ” الغير ” . فهو ، وإن لم يكن يعمل في هذه الدعوى – كما كان يعمل في الدعوى غير المباشرة – كنائب عن المدين ، بل يعمل باسمه الشخصي ، إلا أنه لا يزال دائناً عادياً لم ينتقل بعد إلى مرحلة التنفيذ . صحيح هو يعمل بمقتضى حق خاص أعطاه له القانون ، ولكن شأنه في ذلك هو شأن الوارث الذي طعن في تصرفات مورثه الصادرة في مرض الموت ، كلاهما يعمل بمقتضى حق خاص به وهذا الحق الخاص هو الذي تقوم عليه مصلحته في الطعن . ولا يزال الدائن الذي يباشر الدعوى البولصية واقفاً عند مرحلة التمهيد للتنفيذ ، شأنه في ذلك شأن الدائن الذي يباشر الدعوى غير المباشرة ، كلاهما يعمل بمقتضى حق الضمان العام ، وكلاهما دون مرتبه الدائن لحاجز الذي انتقل بالحجز إلى مرحلة التنفيذ . وفي المثال المتقدم إذا أبرأ المدين مدينه من الدين بورقة عرفية تاريخها غير ثابت ، كان هذا التاريخ حجة على الدائن ، لا عند مباشرته الدعوى غير المباشرة فحسب ، بل أيضاً عند مباشرته للدعوى البولصية . ويستطيع الدائن هنا أيضاً أن يثبت عدم صحة التاريخ ، بجمع الطرق ، ليصل إلى إثبات أن تاريخ الإبراء متأخر – لا عن تاريخ مباشرته للدعوى غير المباشرة كما كان يفعل عندما كان يباشر هذه الدعوى – بل عن تاريخ نشوء حقه وهو الآن يباشر الدعوى البولصية .ونرى من ذلك أن الدائن في الدعوى البولصية ليس ” غيراً ” ، فيحتج عليه بالتاريخ العرفي لتصرف مدينه ، إلى أن يثبت عدم صحته ( [20] ) . ونطبق هذا الحكم على مثل آخر : 216 يبيع المدين بورقة عرفية سيارة يملكها ، فيطعن الدائن في هذا التصرف بالدعوى البولصية . فلا الدائن يعتبر ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية ، ولا المشترى يعتبر ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية فلما قدمناه . وينبني على ذلك أن هذا التاريخ يكون حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً ، وذلك إلى أن يقيم الدليل على أنه قد قدم غشاً ليكون سابقا علي حقه تفادياً للدعوى
البولصية . وأما أن المشترى لا يعتبر ” غيرا ” بالنسبة إلى تاريخ نشوء حق الدائن ، فذلك لأن المشترى قد تركز حقه في السيارة التي اشتراها ولم يتركز حق الدائن في هذه السيارة بالذات ، إذ هي لا تعدو 217 أن تكون داخلة في ضمانه العام وليس له عليها حتى الآن حق الدائن الحاجز . فليس ثمة تعارض بين حق الدائن وحق المشترى الذي تركز في السيارة بعينها ، وهذا التعارض شرط في ” الغير كما سنرى . وينبني على أن المشترى لا يعتبر ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ نشوء حق الدائن أن هذا التاريخ يكون ، هو أيضاً ، حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً ، وذلك إلى أن يقيم الدليل على أنه قد قدم غشاً ليكون سابقاً على تاريخ بيع السيارة تمكينا للدائن من مباشرة الدعوى البولصية ( [21] ) .
218
120 – من يعتبر ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية :
بعد أن استعرضنا من لا يعتبر ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية ، ننتقل الآن إلى من يعتبر ” غيراً . ونبادر إلى القول إن ” الغير ” ، الذي يتطلب القانون أن يكون تاريخ الورقة العرفية ثابتاً ليكون حجة عليه ، يجب ألا يكون ممثلا في التصرف الذي تشهد به الورقة . وقد رأينا أن الأصيل والوارث والدائن العادي : كلهم ممثلون في التصرف فلا يعتبرون من ” الغير “
ولم يبق الآن إلا الخلف الخاص ، وهو من انتقل إليه من السلف مال معين بالذات . ويسرى في حقه ، كما رأينا في الجزء الأول من هذا الوسيط ( [22] ) ، تصرفات السلف المتعلقة بهذا المال إذا كانت سابقة على انتقال المال إلى الخلف ، ولا تسري إذا كانت لاحقة . فتاريخ التصرف إذن له أهمية بالغة ، بل هو المحور الذي يدور عليه سريان التصرف في حق الخلف أو عدم سريانه . ولما كان من اليسير على السلف أن يضيع على الخلف حقه ، بأن يعطي لغيره حقاً يتعارض مع هذا الحق ، وحتى يجعل تصرفه سارياً على الخلف يؤخر تاريخ التصرف بحيث يصبح سابقاً على تاريخ انتقال المال للخلف ، لذلك اشترط القانون ، تفادياً لهذا الغش الذي يعظم صرره بقد ما يسهل وقوعه وبقدر ما يصعب تجنبه ، أن يكون تاريخ التصرف ثابتاً حتى يحتج به على الخلف .
فالغير إذن في تاريخ الورقة العرفية هو الخلف الخاص . والخلف الخاص هو الذي يتلاءم وضعه مع ” الغيرية ” فيما نحن بصدده : شخص يخلف آخر في مال معين بالذات ، وتكون تصرفات السلف نافذة في حقه على هذا المال قبل تاريخ معين ، فلا يكون تاريخ هذه التصرفات حجة عليه إلا إذا كان ثابتاً وسابقاً على هذا التاريخ .
ويلحق بالخلف الخاص ، في هذه ” الغيرية ” ، الدائن إذا تركز حقه في مال للمدين معين بالذات . فيصبح ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ التصرفات التي تصدر من المدين في هذا المال . ولا يتركز حق الدائن في مال للمدين معين بالذات إلا إذا حجز الدائن على هذا المال . والحجز هو الحلقة الأولى في مرحلة التنفيذ . أما 219 قبل الحجز ، حتى لو باشر الدائن الدعوى غير المباشرة أو الدعوى البولصية ، فإنه لا يزال في مرحلة سابقة على مرحلة التنفيذ ، وإن كانت تمهد لها . ذلك أن الدائن في الدعوى غير المباشرة وفي الدعوى البولصية لم يتركز حقه بعد على مال للمدين معين بالذات ، بل هو لا يزال يستعمل حقه في الضمان العام على أموال مدينه ، فلا يعتبر من الغير كما قدمنا . فإذا انتقل إلى مرحلة التنفيذ بأن حجز على المال الذي باشر بالنسبة إليه الدعوى غير المباشرة أو الدعوى البولصية اعتبر من الغير . ووضعه ، كوضع الخلف الخاص ، يتلاءم مع هذه ” الغيرية ” . فهو مثله قد تركز حقه في مال معين بالذات هو المال الذي حجزه ويخشى من تلاعب المدين في هذا المال بالتصرف فيه وتقديم تاريخ التصرف ليصير سابقاً على الحجز ، فاشترط القانون ليسرى التصرف في حق الدائن الحاجز أن يكون ثابت التاريخ وسابقاً على تاريخ الحجز .
أما الدائن لمدين شهر إفلاسه أو إعساره فهذا لم يصل بعد إلى مرحلة التنفيذ ، ومن ثم لا يكون غيراً بالنسبة إلى تاريخ التصرفات التي تصدر من مدينه المفلس أو المعسر .
ونرى من ذلك أن الغير ، بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية ، هو الخلف الخاص ، ويلحق به الدائن الحاجز ( [23] ) ، ولا تعتبر غيراً دائن المدين المفلس أو المعسر . فنتكلم في كل من هؤلاء .
220
121 – الخلف الخاص يعتبر من الغير : نفرض أن صاحب سيارة باعها من آخر بعد ثابت التاريخ . فالمشتري يكون ، في هذه السيارة ، خلفاً 221 خاصاً للبائع . ولا يحتج عليه بأي تصرف آخر في السيارة يصدر من البائع إذا كان تاريخه غير ثابت . فلو أن بائع السيارة باعها مرة أخرى إلى مشتر ثان ، فإن المشتري الأول يكون من الغير بالنسبة إلى تاريخ هذا التصرف . ومن ثم فإن تاريخ البيع الثاني إذا كان عرفياً لا يحتج به بتاتاً على المشترى الأول ، ويفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن هذا البيع الثاني قد صدر بعد البيع الأول ، حتى لو كان تاريخه سابقاً على ذلك . وإذا كان تاريخ البيع الثاني ثابتاُ ، احتج به على المشتري الأول . فإن كان سابقاً على تاريخ عقده ، فضل المشترى الثاني ، و إلا فضل المشترى الأول ( [24] ) . فإذا لم يكن تاريخ البيع الأول ثابتاً ، وكان البيع الثاني تاريخه هو الثابت ، فضل المشترى الثاني لأنه هو الذي تعتبر ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ البيع الأول ، ولا يكون هذا التاريخ حجة عليه لأنه تاريخ غير ثابت . فإذا لم يكن أي من البيعين تاريخ ثابت ، لم يعتبر أن من المشتريين ” غيراً ” فيحتج على كل منهما بالتاريخ العرفي الصادر للآخر ، ولكن يكون لكل منهما أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ ليدل بذلك على أنه هو صاحب التاريخ الأسبق . وغنى عن البيان إن كل هذا إنما يكون إذا لم يسلم البائع السيارة لأحد من المشتريين ، فإن تسلمها أحدهما ملكها ، إما بعقد البيع إذا كان هو السابق ، وإما بالحيازة في المنقول إذا كان هو اللاحق .
وقد أورد التقنين المدني جملة من التطبيقات التشريعية للخلف الخاص الذي يعتبر من الغير ، نذكر منها :
1 – نصت الفقرة الأولى من المادة 604 على أنه ” إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة اختياراً أو جبراً إلى شخص آخر ، فلا يكون الإيجار نافذاً في حق هذا الشخص إذا لم يكن له تاريخ ثابت سابق على التصرف الذي نقل الملكية ” . فهنا انتقلت ملكية العين المؤجرة إلى خلف خاص ، فلا يحتج عليه بتاريخ الإيجار إلا إذا كان ثابتاً .
2 – نصت المادة 1117 على أنه ” يشترط لنفاذ رهن المنقول في حق الغير ، 222 إلى جانب انتقال الحيازة ، أن يدون العقد في ورقى ثابتة التاريخ يبين فيها المبلغ المضمون بالرهن والعين المرهونة بياناً كافياً ، وهذا التاريخ الثابت يحدد مرتبة الدائن المرتهن ” . فإذا ارتهن المنقول دائنان ، متعاقبان ، كان كل منهما ” غيراً ” بالنسبة إلى تاريخ الآخر ، فلا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت ، ومن ثم كان التاريخ الثابت هو الذي يحدد مرتبة الدائن المرتهن .
3 – نصت المادة 305 في حوالة الحق على أنه ” لا تكون الحوالة نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قلبها المدين أو أعلن بها ، على أن نفاذها قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ ” . فالمحال له خلف خاص في الحق الذي انتقل إليه من المحيل ، ولا يحتج عليه في حوالة أخرى صادرة من المحيل إلا بالتاريخ الثابت لهذه الحوالة . فإن تمت الحوالة الأخرى بإعلان إلى المدين فهذا الإعلان تاريخه ثابت لا محالة . وإن تمت بقبول المدين ، فالتاريخ الثابت لهذا القبول هو الذي يعتد به .
4 – نصت المادة 1123 على أنه ” 1 – لا يكون رهن الدين نافذاً في حق المدين إلا بإعلان هذا الرهن إليه أو بقبوله له وفقاً للمادة 305 – 2 – ولا يكون نافذاً في حق الغير إلا بحيازة المرتهن لسند الدين المرهون ، وتحسب للرهن مرتبته من التاريخ الثابت للإعلان أنو القبول ” . وليس رهن الدين إلا تطبيقا لحوالة الحق . فصاحب الحق يتصرف فيه بالحوالة بيعاً أو رهناً أو بأي تصرف آخر . وهنا أيضاً المحال له ، وهو الدائن المرتهن ، خلف خاص في الحق إلا بالتاريخ الثابت على النحو الذي قدمناه في حوالة الحق .
ويحسن ، قبل أن نترك ” الخلف الخاص ” ، أن نلاحظ أننا لم نجعله في الأمثلة التي قدمناها خلفاً خاصاً في عقار ، بل عيناه مشترياً أو مرتهناً لمنقول أو دين لأن العقار يستلزم إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ ، هي التسجيل أو القيد ، وسنرى أنه يشترط في التجرد ” للغيرية ” ألا يكون القانون قد تطلب إجراءات أخرى إلى جانب التاريخ الثابت ( [25] ) .
223
133 – الدائن الحاجز يعتبر من الغير : قدمنا أن الدائن الحاجز ، في المال المحجوز ، يكون في وضع الخلف الخاص على هذا المال . وهو إن لم يكن كالخلف الخاص ذا حق عيني في المال المحجوز إذ لا يزال حقه شخصياً ، إلا أنه ركز حقه في هذا المال بالحجز ، وأصبح القانون يحميه من تصرفات مدينه التالية للحجز كما يحمي الخلف الخاص ( [26] ) . ومن ثم يصبح ” غيراً ” في تاريخ الورقة العرفية الصادرة من المدين لتشهد على تصرفه في المال المحجوز ، فلا يحتج عليه بهذا التاريخ إلا إذا كان ثابتاً ، ولا يحتج عليه بالتاريخ العرفي ، بل يفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن هذا التاريخ تال للحجز فلا ينفذ التصرف في حقه حتى لو كان التاريخ العرفي المدون في الورقة سابقاً على الحجز ويستوي فيما قدمناه أن يكون الحجز على منقول أو على دين للمدين في ذمة الغير ( حجز ما للمدين لدى الغير ) أو على عقار .
أما في الحجز على المنقول فتنص المادة 508 من تقنين المرافعات على أنه ” تصبح الأشياء محجوزة بمجرد ذكرها في محضر الحجز ولو لم يعين عليها حارس ” . فكل تصرف يصدر من المدين في المال المحجوز بعد حجزه على هذا النحو لا يكون تاريخه حجه على الدائن الحاجز إلا إذا كان ثابتاً وسابقاً على توقيع الحجز . فإن 224 كان التاريخ غير ثابت ، أو كان ثابتاً ولكنه تال لتوقيع الحجز ، فإن التصرف لا ينفذ في حق الدائن الحاجز .
وفي حجز ما للمدين لدى الغير يحصل الحجز بإعلان إلى المحجوز لديه ينهاه فيه الدائن عن الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه إياه ( م 547 مرافعات ) . ومن ذلك الوقت يصبح الدائن الحاجز ” غيراً ” ، وكل تصرف يصدر من المدين في الحق المحجوز لا يكون تاريخه حجة على الدائن الحاجز إلا إذا كان ثابتاً سابقاً على توقيع الحجز . فإذا أبرز المحجوز لديه ورقة عرفية تتضمن إبراءه من الدين أو قبولا منه بحوالة صدرت من المحجوز عليه أو غير ذلك من التصرفات وكان تاريخ هذه الورقة العرفية غير ثابت أو كان ثابتاً ولكنه تال لتوقيع الحجز ، فإن التصرف لا ينفذ في حق الدائن الحاجز . وهناك رأي يذهب إلى لا أن الدائن الحاجز في حجز ما للمدين لدى الغير لا يعتبر ” غيراً ” ، ولكن هذا الرأي أصبح اليوم مرجوحاً بعد صدور التقنين المدني الجديد وفيه نصان يقضيان يجعل الدائن الحاجز في مرتبة تضاهي مرتبة الخلف الخاص مع مراعاة طبيعة حقه من أنه ليس بحق عيني . النص الأول يجعل الدائن الحاجز يشترط مع المحال له إذا سبق حجزه الحوالة ، إذ تقضي الفقرة الأولى من المادة 314 بأنه ” إذا وقع تحت يد المحال عليه حجز قبل أن تصبح الحوالة نافذة في حق الغير ، كانت الحوالة بالنسبة إلى الحاجز بمثابة حجز آخر ” . وهذا النص ، وكان موجوداً في تقنين المرافعات القديم ، يعتبر فوق ذلك أن الدائن الحاجز هو من الغير بالنسبة إلى المحال له . والنص القاني يجعل حجز ما للمدين لدى الغير مانعاً من المقاصة بالدين المحجوز ، إذ تقضي المادة 367 بأنه ” 1 – لا يجوز أن تقع المقاصة اضراراً بحقوق كسبها الغير 2 – فإذا أوقع الغير حجزاً تحت يد المدين ، ثم أصبح المدين دائناً لدائنه ، فلا يجوز له أن يتمسك بالمقاصة أضراراً بالحاجز ” . ولا يكون ذلك إلا إذا كان للدائن الحاجز حق كسبه على الدين المحجوز يمنع من وقوع المقاصة ، وهذا الحق قذ صرح به النص : ” حقوق كسبها الغير ” ، وهو ذاته الذي يجعل الدائن الحاجز في مرتبة تضاهي مرتبة الخلف الخاص مع مراعاة طبيعة حقه من أنه حق شخصي لا حق عيني كما قدمنا ( [27] ) .
225 وفي الحجز على العقار يكسب الدائن الحاجز على العقار المحجوز حقوقا صريحة واضحة تجعله في مرتبة الخلف الخاص وتمنحه الحماية ذاتها فيعتبر ” غيراً ” ، 226 ولا يحتج عليه بتاريخ التصرف الصادر من المدين إلا إذا كان ثابتا . فإن كان التاريخ غير ثابت ، أو كان ثابتا ولكنه تال للحجز ، لم يسر التصرف في حق الدائن الحاجز ، شأنه في ذلك شأن الخلف الخاص . وتطبيقا لهذه القاعدة تنص الفقرة الأولى من المادة 615 من تقنين المرافعات على أنه ” يترتب على تسجيل التنبيه اعتبار العقار محجوزاً ” . ثم تنص الفقرة الأولى من المادة 616 من هذا التقنين على أنه ” لا ينفذ تصرف المدين أو الحائز في العقار ولا يما يترتب عليه من رهو أو اختصاص أو امتياز في حق الحاجزين ولو كانوا دائنين عاديين ، ولا في حق الدائنين المشار إليهم في المادة 637 ، ولا الراسي عليه المزاد ، إذا كان التصرف أو الرهن أو الاختصاص أو الامتياز قد حصل شهره بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية ” ( [28] ) ثم تنص المادة 621 على أن ” عقود الإيجار الثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه تنفذ في حق الحاجزين والدائنين المشار إليهم في المادة 637 والراسي عليه المزاد ، وذلك بغير إخلال بأحكام القانون المتعلقة بعقود الإيجار الواجبة الشهر . أما عقود الإيجار غير الثابته التاريخ قبل تسجيل التنبيه 227 فلا تنفذ في حق من ذكروا إلا إذا كانت من أعمال الإدارة الحسنة . وتنص أخيراً المادة 624 على أن ” المخلصات عن الأجرة المعجلة والحوالة بها يحتج بها على الدائن الحاجز والدائنين المشار إليهم في المادة 637 والراسي عليه المزاد ، إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه ، وذلك بغير الا بأحكام القانون المتعلقة بالمخالصات الواجبة الشهر ، فإذا لم تكن ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه فلا يحتج بها إلا لمدة سنة ” ( [29] ) .
ويلاحظ أن الدائن المرتهن في الرهن الرسمي ، في خصوص الإيجار الصادر من الراهن وفي خصوص المخالصات عن الأجرة المعجلة والحوالة بها ، يعامل معاملة الدائن الحاجز ( م 1045 و 1064 مدني ) ، لأن الراهن لا تغل يده بالرهن الرسمي عن إيجار العقار المرهون ولا عن قبض الأجرة المعجلة والحوالة بها ، فيصبح شأن الدائن المرتهن في هذه التصرفات شأن الدائن العادي ، وكالدائن العادي أيضاً لا يكون له حق خاص على العقار المرهون يتعارض مع الإيجار وقبض الأجرة والحوالة بها إلا إذا بدأ التنفيذ فيجل التنبيه ( [30] ) . أما الدائن المرتهن في الرهن الحيازي فيعليه أن يستثمر الشيء المرهون استثماراً كاملا ويتولى إدارته ( م 1104 و 1106 مدني ) ، ومن ثم يتعارض وضعه هذا مع حق الراهن في افجار وقبض الأجرة ، فيعتبر ” غيراً ” في هذه التصرفات منذ تسلم الشيء المرهون ، ولا يحتج عليه بالتاريخ إلا إذا كان ثابتاً ( [31] ) .
228
123 – الدائن إذا أفلس مدينه أو أعسر لا يعتبر من الغير : متى أفلس المدين التاجر وشهر إفلاسة ، رفعت يده عن إرادة أمواله ( م 216 تجاري ) وتصرفاته ، في خلال المدة السابقة على الحكم بشهر الإفلاس منذ العشرة الأيام السابقة على تاريخ توقفة عن الدفع ، الخاصة بتبرعات أو بوفاء دون غير حالة على أي وجه كان هذا الوفاء أو بوفاء ديون حلى بغير النقود أو الأوراق التجارية أو بترتيب حقوق رهن أو اختصاص على أمواله ، تكون كلها باطلة ( م 227 تجاري ) . أما وفاء الديون الحالة بنقود أو أوراق تجارية و المعاوضات فتكون قابلة للإبطال إذا وقعت بعد تاريخ التوقف عن الدفع 228 تجاري ) – ولكن بالرغم من كل ذلك لا نرى أن دائن التفليسة يعتبر من الغير في التصرفات 229 المصادرة من المدين المفلس . فالحكم بشهر الإفلاس ليس إلا تمهيداً للتنفيذ الجماعي . ودائن المفلس ، لمجرد شهر إفلاي مدينه ، لم يدخل بعد في مرحلة التنفيذ ، كما دخل الدائن الحاجز . والإفلاس لا يعدل الحجز ، وكل ما نتج عنه أن غلت يد المفلس في إدارة أمواله ، وحل محله الدائنون الذين تكتلوا في مجموعة يمثلها السنديك . وهذا لا يغير من مركزهم كدائنين عاديين لم يصلوا بعد إلى مرحلة التنفيذ ، فهم لا يزالون يستعملون حقهم العام في الضمان ، شأنهم في ذلك شأن الدائن الذي يباشر الدعوى البولصية .
ومن ثم يكون التاريخ العرفي للتصرفات الصادرة من المدين المفلس حجة على دائنيه ، ولو كانت تصرفات مدنية ( أي غير تجارية ) . ويكون لهؤلاء ، بداهة ، الحق في إثبات عدم صحة هذا التاريخ وإثبات التاريخ الحقيقي لهذه التصرفات فيعطي عندئذ لكل تصرف حكمه القانوني : ما صدر في المدة المشتبه فيها ، وما صدر بعد توقف المدين عن الدفع ، وما صدر بعد الحكم بشهر الإفلاس ( [32] ) .
230
وكالإفلاس الإعسار . وقد نصت المادة 257 من التقنين المدني على أنه ” متى سجلت صحيفة دعوى الإعسار ، فل يسري في حق الدائنين أي تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد في التزاماته ؛ كما لا يسرى في حقهم أي وفاء يقوم به المدين ” . ويتبين من ذلك أن حكم شهر الإعسار له أثر حكم شهر الإفلاس في غل يد المدين عن التصرف في أمواله . ولكننا لا نرى – هنا أيضاً – أن دائن المدين المعسر يعتب من الغير في التصرفات الصادة رمن مدينه . فالحكم بشهر الإعسار ، كالحكم بشهر الإفلاس ، ليس إلا تمهيداً للتنفيذ ، ولم يدخل الدائنون بعد في مرحلة التنفيذ لمجرد الحكم بشهر إعسار مدينهم . بل لعل إنعدام ” الغيرية ” في الإعسار أولى منه في الإفلاس ، إذ ليس في الإعسار تصفية جماعية كما في الإفلاس ، بل يبقى كل دائن موكولا إلى الأجراءات الفردية التي يتخذها وحده ، فلا يتكتل الدائنون في مجموعة يمثلها السنديك . وما الإعسار ، على الوجه الذي نظم به في التقنين المدني الحديد ، إلا الدعوى البولصية ، أحكم تنظيمها ، ورتبت مراحلها ، وحددت مواعيدها ، ويسر فيها عبء الإثبات ، فانضبطت آثارها ، ووضحت معالمها . فإذا كان الدائن في الدعوى البولصية لا يعتبر من ” الغير ” كما قدمنا ، فليس غريباً إلا يعتبر أيضاً من ” الغير ” في الإعسار . ومن ثم يكون التاريخ العرفي للتصرف الصادر من المدين المعير حجه على دائنه . ويكون للدائن الحق في إثبات التاريخ الحقيق لهذا التصرف ، فإن كان لاحقاً لتسجيل صحيفة دعوى الإعسار ، لم يسر في حقه ( [33] ) .
231
124 – الشروط الواجب توافرها في توافرها في ” الغير ” : ويخلص مما قدمناه أن ” الغير ” في ثبوت التاريخ آل يعدو أن يكون الخلف الخالص أو الدائن الحاجز . ويشترط في ً الغير ” ، خلفاً كان أو دائناً ، شروط ثلاثة :
( 1 ) أن يكون هو نفسه ذا تاريخ ثابت . وقد رأينا فيما أسلفناه أن الخلف الخاص ، حتى لا يحتج عليه بغير التاريخ الثابت ، يجب أن يكون تاريخه هو ثابتاً ، فإذا تنازع المشتريان للمنقول ، ولم يكن أي من المشتريين أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ فإذا لم يكن ” الغير ” خلفاً خاصاً ، كان دائناً حاجزاً ، ومن الواضح أن الدائن الحاجز له دائما تاريخ ثابت .
232
( 2 ) أن يكون القانون آل يتطلب إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ . ومن أجل ذلك تركنا عمداً ، كنا سبقت الإشارة ، عند الكلام في الخلف الخاص ، مشتري العقار والمرتهن له . ذلك أن القانون يتطلب في بيع العقار إجراء آخر هو التسجيل ، وفي رهن العقار إجراء آخر هو القيد . ومن ثم كانت المفاضلة بين المشتريين لعقار واحد ليست بالأسبقية في التاريخ الثابت بل بالأسبقية في التسجيل ، وكان المفاصلة بين المرتهنين لعقار واحد ليست هي أيضاً بالأسبقية في التاريخ الثابت بل بالأسبقية في القيد .
233
( 3 ) أن يكون ” الغير ” ، خلفاً كان أو دائناً ، حسن النية فإذا أسرع المشتري الثاني للمنقول في إثبات تاريخ البيع الصادر له وهو يعلم أن البيع الأول سابق على عقده وأن لم يكن ثابت التاريخ ، فالمفاضلة لأول وهله بين المشتريين تقضى بتفضيل المشتري الثاني ثابت التاريخ على المشترى الأول غير ثابت التاريخ . ولكن إذا استطاع المشترى الأول أن يثبت علم المشترى الثاني وقت شرائه المنقول بسبق بيعه من آخر ، فإنه يثبت بذلك أن المشترى الثاني ليس حسن النية ، فيختل في هذا المشترى الثاني شرط من شروط ” الغير ” ومن ثم يحتج عليه بتاريخ البيع الأول وأن لم يكن ثابتاً ( [34] ) .
234
125 – ( ثالثاً ) الأوراق العرفية التي تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ : يخضع لقاعدة ثبوت التاريخ كل ورقة عرفية تعد للإثبات مقدماً كدليل كامل ، على أن يكون الدليل الكتابي واجباً ، وعلى أن يستثنى من ذلك الخالصات .
ومن ثم لا تسرى هذه القاعدة في الأحوال الآتية :
1 – إذا لم تكن هناك ورقة عرفية أصلا لإثبات التصرف القانوني . وذلك كما لو وجد تصرف قانون غير مكتوب وأشير إليه في البيانات الواردة في ورقة رسمية ، فلا يقال إن لهذا التصرف القانون تاريخاً ثابتاً هو تاريخ الورقة الرسمية ، لأن التصرف دانه غير ثابت في ورقة عرفية .
2 –إذا كانت هناك ورقة عرفية دليلا كتابياً على التصرف ، ولكن هذه الورقة لم تعد مقدماً للإثبات . فدفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية لا تسرى عليها قاعده ثبوت التاريخ . أما الرسائل فإذا أعدت مقدماً للإثبات سرت عليها القاعدة ، وكذلك إذا لم تعد مقدماً للإثبات متى مصلحة أن تكون دليلا كتابياً 235 كاملا فإنها تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ استثناء مما تقدم ( [35] ) .
3 – إذا كانت هناك ورقة عرفية ، ولكنها ليست دليلا كاملا . وذلك كمبدأ الثبوت بالكتابة ، فهو ، كقاعدة عامة لا يشترط فيه التاريخ الثابت على النحو المقرر في الدليل الكامل ، ليكون حجة على الغير . وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في مبدأ الثبوت بالكتابة ( [36] ) .
236 4 – إذا كانت هناك ورقة عرفية تعتبر دليلا كاملا ، ولكن الدليل الكتابي يكون غير واجب . ويتحقق ذلك في المسائل التجارية ، فهذه يجوز فيها دائما الإثبات بالبينة والقرائن ، فإذا وجدت ورقة عرفية اتخذت دليلا كتابياً فلا يشترط أن يكون تاريخها ثابتاً ليكون حجة على الغير ( [37] ) . ويتحقق ذلك أيضاً في الورقة العرفية المعدة لإثبات التزام قيمته لا تزيد على عشرة جنيهات ، لأن الإثبات الكتابي هنا أيضاً غير واجب ( [38] ) . ويتحقق ذلك أخيراً فيما إذا كانت الورقة العرفية تثبت واقعة مادية لا تصرفاً قانونياً ، أو تصرفاً قانونياً يسرى في حق الغير باعتباره واقعة مادية ( [39] ) ، ففي إثبات الوقائع المادية لا يجب الدليل الكتابي .
5 – إذا كان الورقة العرفية التي يقدمها الخصم دليلا كتابياً كاملا هي مخالصة من دين ، فلا يشترط في المخالصات التاريخ الثابت لتكون حجة على الغير بتاريخها . وقد كان القضاء المصرى فلي ظل التقنين المدني القديم ( [40] ) ، وكذلك 237 القضاء في فرنساً ، يستثني المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ ، لما في اشتراط التاريخ الثابت في الخالصات من صعوبات عملية ( [41] ) . فمن اشترى داراً مؤجرة سرى في حقه المخالصات بالأجرة الصادرة من البائع للمستأجر ولو لم تكن ثابتة التاريخ ، إلا إذا كانت الأجرة عن مدة مستقبلة تزيد على ثلاث سنوات فيشترط التسجيل . والدائن الذي يحجز تحت يد مدين المدين حجز ما للمدين لدى الغير يحتج عليه بالتاريخ العرفي للمخالصات الصادرة من المدين ، فتسرى هذه المخلصات في حقه إذا كان تاريخها سابقاً على الحجز ( [42] ) . وفي جميع الأحوال يجوز للغير الذي يحتج عليه بالتاريخ العرفي للمخالصة أن يثبت بجميع الطرق أن هذا التاريخ غير صحيح وأنه قدم أو أخر غشاً من طرفي الخالصة للاضرار بحقه . وقد أقر التقنين المدني الجديد هذا الاستثناء بنص صريح ، فنصت الفقرة الثانية من المادة 395 على أنه ” يجوز للقاضي ، تبعاً للظروف ، ألا يطبق حكم هذه المادة على الخالصات ” . فجعل النص التقدير إلى القاضي في خصوص الخالصات ، إن رأى أن هناك صعوبات عملية كافية تمنع من توافر التاريخ الثابت لم يطلبه ، و إلا أخضع الخالصات كغيرها من الأوراق العرفية على الغير ( [43] ) و ( [44] )
238
126 – ( رابعاً ) الطرق القانونية التي يصبح بها التاريخ ثابتاً :
الأصل أن التاريخ العرفي للورقة جزء من هذه الورقة العرفية ، فمضمونه هو أيضاً جزء من الاتفاق الذي تشهد به هذه الورقة . فطرفا الورقة قد اتفقا ، فيما اتفقا عليه ، على أن يكون تاريخ اتفاقهما هو كذا . ومن ثم كان هذا التاريخ العرفي حجة عليهما ، شأنه شأن سائر أجزاء الاتفاق ( [45] ) . ولكل منهما أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ بالطرق المقررة قانوناً كما سبق القول . أما الغير ، على التحديد الذي يسطناه ، فهذا التاريخ العرفي ، بالنسبة إلى الغي ر ، ليس صحيحاً . ولا يستطيع الطرفان إثبات التاريخ الصحيح في مواجهة الغير إلا بطريق من الطرق التي عينها القانون ، وهي الطرق التي يصبح بها التاريخ ثابتاً فيكون حجة على الغير .
239
وقد ذكر التقنين الجديد من هذه الطرق خمسة على وجه التحديد ، ثم عم أحد هذا التخصيص فذكر أن التاريخ يكون ثابتا من يوم وقوع أي حادث آخر فيكون قاطعا في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه . ومن ثم يكون التاريخ ثابتا على وجه من الوجوه الآتية :
( 1 ) من يوم أن تقيد الورقة العرفية بالسجل المعد لذلك . وقد نظمت اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق الطريق العادي لإثبات التاريخ على هذا الوجه . فنصت المادة 31 من هذه اللائحة على أن تقوم مكاتب التوثيق بعد أداء الرسم المقرر بإثبات تاريخ المحررات العرفية بكتابة محضر يثبت فيه تاريخ تقديم المحرر ورقم إدراجه في الدفتر المعد لذلك ، ويختم بخاتم المكتب ، ويوقعه الموثق . ذلك أن هناك في مكتب التوثيق دفتراً تدرج فيه المحررات التي أثبت تاريخها بأرقام متتابعة ، ويبين في هذا الدفتر أسماء ذوى الشأن ومحال إقامتهم وموضوع المحرر وأداء الرسم ، ويوقعه الموثق وصاحب الشأن عند تسلم المحرر ( م 32 من اللائحة ) ، كما يوجد فتر هجائي للفهارس ( م 33 من اللائحة ) . ويسلم مكتب التوثيق شهادة لمن يطلبها بحصول إثبات تاريخ الورقة العرفية ( م 34 من اللائحة ) .
هذه هي الإجراءات العادية لإثبات التاريخ من طريق قيد الورقة العرفية بسجل معد لذلك . وتوجد طرق أخرى لقيد الورقة العرفية في سجل رسمي فيكون تاريخها ثابتا من يوم هذا القيد ، نذكر منها طريقين : التصديق على التوقيعات والتسجيل .
وقد نظم قانون التوثيق أيضاً التصديق على التوقيعات . فقضت المادة 21 من لائحته بأن يقوم الموثق بالتصديق على توقيعات ذوى الشأن في المحررات العرفية ، بحضور شاهدين بالغين عاقلين معروفين له يتأكد بشهادتهما من شخصية ذوي الشأن . ويوقع هؤلاء أمام الموثق على الورقة العرفية ، ويكتب الموثق محضراً في ذيل الورقة يذكر فيه أسماءهم ومحال إقامتهم وحصول التوقيع منهم أمامه وأسماء الشهود ومهنهم ومحال إقامتهم . ويوقع هذا المحضر الشهود والموثق ، ثم يوضع عليه خاتم المكتب ورقم إدراجه في دفتر تدرج فيه محاضر التصديق على التوقيعات بأرقام متتابعة ( م 24 – 25 من اللائحة ) . وعند إتمام 240 التصديق تسلم الورقة العرفية إلى صاحب الشأن ، ويصبح تاريخ المحضر المدون بذيلها هو تاريخها الثابت .
والتسجيل إجراء آخر لإثبات التاريخ ، عن طريق قيد الورقة العرفية في سجل معد لذلك . وهنا القيد يكون كاملا ، ويتم التسجيل الآن بالتصوير الفوتوغرافي . فكل ورقة عرفية مسجلة تكون ثابتة التاريخ من يوم تسجيلها على الأقل . بل إنه لما كان التسجيل لا يكون إلا بعد التصديق على التوقيع ، فتاريخ الورقة المسجلة يثبت من يوم التصديق على التوقيع ، ولا يتأخر إلى يوم التسجيل .
( 2 ) من يوم أن يثبت مضمون الورقة العرفية في ورقة أخرى ثابتة التاريخ وذلك بأن تذكر الورقة العرفية ، مع تحديد موضوعها تحديداً معيناً لها مانعاً للبس ، في ورقة رسمية – لأن الورقة الرسمية ثابتة التاريخ بحكم رسميتها كما قدمنا – أو في أية ورقة عرفية تكون ثابتة التاريخ بوجه من الوجوه القانونية . وعند ذلك تكسب الورقة العرفية تاريخاً ثابتاً هو التاريخ الثابت للورقة الأخرى التي جرى فيها ذكر الورقة الأولى ( [46] ) . مثل ذلك أن يذكر في ورقة تثبت عقد بيع – رسمية 241 وعرفية مصدق فيها على التوقيع – توكيل عرفي صادر من البائع إلى وكيل بيع بالنيابة عنه ، فهذا التوكيل العرفي إذا كانت غير ثابت التاريخ يصبح ، بذكره في ورقة البيع ثابتة التاريخ ، ذا تاريخ ثابت هو تاريخ ورقة البيع ( [47] ) .
( 3 ) من يوم أن يؤشر على الورقة العرفية موظف عام مختص . مثل ذلك أن تقدم الورقة العرفية في قضية فيؤشر عليها القاضي أو كاتب الجلسة ، أو تقدم في تحقيق فيؤشر عليها المحقق ، أو تقدم في جرد رسمي فيؤشر عليها مندوب الجرد ، أو تقدم لصرف نقود بها فيؤشر عليها مندوب الخزانة العامة . وتكسب المراسلات المسجلة تاريخاً ثابتاً هو تاريخ ختم مصلحة البريد إذا أمكن التثبت منه بالرجوع إلى السجلات الرسمية التي سجلت فيها هذه المراسلات . أما المراسلات غير المسجلة فلا يثبت تاريخها من ختم مصلحة البريد ، لأنه لا توجد سجلات رسمية يمكن الرجوع إليها للتثبت من صحة التاريخ . والتاريخ الذي يضعه المحكمون في أحكامهم لا يعتبر تاريخاً ثابتاً ( [48] ) ، وكذلك تأشير الخبير على ورقة عرفية وذكره الورقة في محضر أعماله لا يكسبها تاريخاً ثابتاً ، لأن المحكمين والخبراء لا يعتبرون موظفين عامين ولا يمكن التثبت من صحة التاريخ الذي وضعوه على الورقة العرفية ( [49] ) . هذا ما لم يكن الخبير موظفاً عاماً ، كما هو شأن الخبراء والموظفين في وزارة العدل .
( 4 ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة العرفية أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة أصبع . أما الخط والامضاء المعترف بصدروهما من الشخص المتوفى فأمرهما واضح ، ذلك أن الورقة العرفية التي تحمل خطاً أو إمضاء لشخص متوفي لا بد أن تكون قد صدرت قبل وفاة هذا الشخص ، فتاريخها 242 ثابت من وقت الوفاة ( [50] ) . ويستوي أن يكون الشخص المتوفى طرفاً في الورقة أو شاهد أو كفيلا أو غير ذلك ، فالحكمة قائمة في جميع هذه الأحوال ( [51] ) . على أن مجرد وجود خط لشخص متوفى في الورقة لا يكفي لإثبات التاريخ ، بل يجب أيضاً أن تكون الورقة قد وقعت منذ وجود هذا الخط ، إذ يحتمل أن يعهد إلى شخص في كتابة ورقة عرفية فيكتبها ، ولكنها تبقى مشروعاً دون توقيع إلى أن يتوفى الكاتب ، ثم يوقع ذوو الشأن الورقة بعد وفاته ، فلا تكون الورقة ثابتة التاريخ من يوم الوفاة . وهذا ما لم تكن الورقة تعتبر دليلا من غير توقيع ، كالتأشير على سند الوفاء .
بقى الختم وبصمة الاصبع . أما أن الختم يثبت تاريخ الورقة التي تحمل بصمته ، فأمر كان مقرراً في التقنين المدني الأهلي السابق ، وتابعه في ذلك التقنين المدني الجديد . وهو محل للنظر ، إذ أن بقاء الختم بعد وفاة صاحبه واحتمال التوقيع بهذا الختم بعد الوفاة شيء يقع . وقد كان التقنين المدني المختلط لا يذكر أن ختم المتوفى يثبت تاريخ الورقة العرفية ( [52] ) . ومهما يكن من أمر فإنه يجوز ، بالرغم من وجود بصمة الختم في الورقة ، إثبات أن التوقيع بالختم لم يتم إلا بعد الوفاة ( [53] ) . 243 وبصمة الاصبع أدق من بصمة الختم ، فهي أقرب إلى إثبات تاريخ الورقة العرفية التي تحمل هذه البصمة لشخص متوفى . على أن احتمال توقيع الورقة العرفية ببصمة شخص متوفى بعد وفاته لا يزال قائماً وإن كان احتمالا بعيداً ، وهو أبعد على كل حال من احتمال التوقيع بالختم بعد وفاة صاحبه ( [54] ) .
( 5 ) من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد ممن لهم على الورقة العرفية أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة اصبع أن يكتب أو يبصم لعلة في جسمه . والمثل المألوف لهذه الحالة أن تبتر يد شخص في تاريخ معروف ، فتكون الورقة العرفية التي وقعها بيده قبل أن تبتر ذات تاريخ ثابت هو تاريخ هذا البتر . وهذا صحيح بالنسبة إلى الخط والامضاء وبصمة الاصبع . أما الختم فيمكن التوقيع به بعد بتر اليد ، بل بعد بتر اليدين معاً ، إذ يجوز أن يوقع به غير صاحبه ، فلا تكسب الورقة منه تاريخاً ثابتاً في المثال المتقدم . وقد تكون العلة في الجسم التي تستحيل معها الكتابة شيئاً آخر غير البتر كالشلل .
وقد عمم التقنين المدني الجديد بعد التخصيص كما قدمنا ، فذكر أن الورقة العرفية تكون ثابتة التاريخ من يوم وقوع أي حادث آخر – غير الحوادث التي تقدم ذكرها – يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه . مثل ذلك الجنون العارض ، فقد يوقع شخص سليم العقل ورقة عرفية ، ثم يصاب بالجنون بعد ذلك ، فمن يوم ثبوت عزله في مستشفى أو في مكان آخر يكون تاريخ الورقة ثابتاً ، مع أن الجنون ليس علة في الجسم – وهذا ما اقتصر النص على ذكره – بل هو علة في العقل ( [55] ) .
244
وقد كان التقنين المدني السابق يفسره الفقه والقضاء على النحو الذي قدمناه . فهو ، بالرغم من أنه لم يورد في المادة 299 / 294 إلا بعض طرق إثبات التاريخ – قيد الورقة في سجل عام واثر معترف به لشخص متوفى وتأشير على الورقة من موظف عام مختص – فإن هذه الطرق لم تحمل على إنها وردت على سبيل الحصر . ومن ثم لا يكون هناك فرق بين التقنين القديم والتقنين الجديد في طرق إثبات التاريخ ( [56] ) .
245
أما التقنين المدني الفرنسي فقد اقتصر على طرق ثلاثة لإثبات التاريخ ، ذكرها على سبيل الحصر ، وهي :
( 1 ) تسجيل الورقة العرفية وفقاً لإجراءات معينة ( enregistrement ) ( 2 ) ذكر مضمون الورقة العرفية في ورقة رسمية ( 3 ) توقيع معترف به من شخص متوفى ، طرفاً كان أو شاهداً ( [57] ) .
ومت ثبت التاريخ على وجه من الوجوه المتقدمة الذكر في التقنين المدني المصري ، صار هذا التاريخ الثابت هو الحجة على الغير ، لا التاريخ العرفي الذي يسبقه . ولكن تصبح حجيته على الغير أقوى من حجية التاريخ العرفي على طرفي الورقة ، ذلك أن الغير لا يستطيع أن يدحض حجية التاريخ الثابت 246 إلا عن طريق الطعن بالتزوير ، أما من كان طرفاً في الورقة فيستطيع أن يدحض حجية التاريخ العرفي بإثبات أن هذا التاريخ غير صحيح دون حاجة إلى الطعن بالتزوير . وإذا قام تنازع بين ورقتين لهما تاريخ ثابت في يوم واحد ، فإن أمكن تعيين الورقة الأسبق فضل صاحبها . ويتحقق ذلك إذا كان طريق ثبوت التاريخ بالقيد في السجل ، وعينت ساعة القيد أو أعطيت الورقتان رقمين مسلسلين ، فالورقة الأسبق في الساعة أو في الرقم المسلسل هي التي يفضل صاحبها . وإذا لم يمكن تعيين الورقة الأسبق ، كما لو كانت الورقتان قد وقعهما شخص واحد توفى واتخذ تاريخ وفاته تاريخاً ثابتاً لكل من الورقتين نف صاحب الورقة المكلف بإثبات أسبقيته يتقدم عليه صاحب الورقة الأخرى لأن الأول قد عجز عن إثبات هذه الأسبقية ( [58] ) .
([1]) (( والغير )) ـ كما هو معروف ـ يختلف تحديده تبعاً لأوضاعه المختلفة . فالغير فى حجية الورقة العرفية قد حددناه ، وسنحدده تحديداً آخر فى التاريخ الثابت ، وفى حجية الشئ المقضى ، وفى الصورية . وله تحديد خاص يختلف عما تقدم فى أثر العقد أو سريانه وفى التسجيل . وهو فى كل وضع من هذه الأوضاع يتحدد على نحو يتلاءم مع هذا الوضع . والفكرة المشتركة فى كل هذه الأوضاع أن أثراص قانونياً معيناً قد يمتد لشخص تقضى المبادئ العامة للقانون بحمايته من أن يمتد إليه ، فيعتبر من (( الغير )) بالنسبة إلى هذا الأثر .
([2]) ونص التقنين الجديد أدق فى هذا المعنى من نص التقنين القديم . فقد كان النص القديم يقضى بألا تكون الأوراق العرفية (( حجة على غير المتعاقدين بها إلا إذا كان تاريخها ثابتاً ثبوتاً رسمياً )) ، فكان النص يوهم أن الورقة العرفية لا تكون حجة فى جميع مشتملاتها على الغير إلا إذا كانت ثابتة التاريخ . أما نص التقنين الجديد فيقضى بألا تكون (( الورقة العرفية حجة على الغير فى تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت ))، فهى إذن فى غير التاريخ حجة على الغير دون حاجة لتاريخ ثابت . وقد كان المشروع الأولى الذى وضعه الاستاذ استنويت فى الإثبات يتضمن نصاً صريحاً فى هذا المعنى ، ولكن حذف هذا النص فى المشروع التمهدى اكتفاء باستنباط الحكم من مضمون نص المادة 395 ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 64 مكررة ص 90 وفقرة 63 ص 86 هامش رقم 1 ) .
([3]) أنظر مقالا للأستاذ سليمان مرقس فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات منشوراً فى مجلة القانون والاقتصاد السنة 14 ص 259 . وسنعود للإشارة إلى هذا المقال القيم .
([4]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( فليس فى الوسع ، إزاء ما يفرق هذين المركزين ، إلا ان يباح للوارث أو الخلف الاكتفاء بنفى علمه بأن الخط أو افمضاء أو الختم أو البصمة لمن تلقى عنه حقه ، دون أن يقف موقف الإنكار صراحة . على أنه رؤى من الأنسب اقتفاء أثر المادة 1223 من التقنين الكندى ، فنص على وجوب تعزيز إقرار الوراث أو الخلف بيمين يؤديها درءاً لما يحتمل من تعسف هذا أو ذاك فى استعمال الرخصة المخولة له . وقد آثر المشروع استعمال عبارة التقنين الهولندى ، فنص على أنه يكتفى من الوارث أو الخلف أن يقرر أنه لا يعلم أن الإمضاء لمورثه ، دون أن يجتزئ من الـوارث بنفى العلم بإمضاء مورثه . فإذا أنكرت نسبة الورقة العرفية صراحة ، أو نفى الوراث أو الخلف علمه بذلك ، زالت عنها مؤقتاً قوتها فى الإثبات ، وتعين على من يريد التمسك بها أن يقيم الدليل على صحتها باتباع الإجراءات الخاصة بتحقيق الخطوط . وقد جرى القضاء المصرى على ذلك رغم خلو التقنين الراهن من نص خاص فى هذا الشأن ( استئناف مختلط 7 يناير سنة 1936 م 48 ص 69 )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 369 ـ ص 370 )
([5]) أنظر الأستاذ سليمان مرقس فى مقاله فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 256 ـ ص 257 ) ، وقد جاء فيها ما يأتى : (( . . . حتى بالنسبة لهؤلاء الأشخاص المقصودين بالغير فى المادة 228 ( م 395 جديد ) يكون المحرر العرفى حجية بذاته ، ولا يحتاج إلى ثبوت تاريخه بوجه رسمى إلا لإمكان الاحتجاج بتاريخه فقط . فمثلا إذا صرفنا النظر عن أحكام قانون التسجيل يكون الدائن المرتهن من الغير الذين يجوز لهم التمسك بالمادة 228 بالسبة لعقد البيع العرفى الصادر من الراهن ، فلا يمكن الاحتجاج عليه بتاريخ البيع ، ولكن هذا لا يمنع المشترى من الاحتجاج عليه بحصول البيع ومن اعتبار نفسه حائزاً للعقار المرهون ، ومع ما يترتب على ذلك من ثبوت حق التطهير له ومن وجوب اتخاذ الإجراءات ضده )) ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 256 ـ ص 257 ) .
([6]) الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 63 ص 88 .
([7]) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 530 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : (( 1 ـ لا تكون الورقة العرفية حجة على الغير إلا إذا كان لها تاريخ ثابت . 2 ـ ويكون لها تاريخ ثابت : ( ا )من يوم أن تقيد بالسجل المعد لذلك ( ب ) من يوم أن يثبت مضمونها فى ورقة أخرى ثابتة التاريخ ( جـ ) من يوم أن يؤشر عليها موظف عام مختص أو عضو من أعضاء الهيئة القضائية ( د ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة يكون معترفاص بها ، أو من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد من هؤلاء أن يكتب أو يبصم لعلة فى جسمه ( ﻫ ) من يوم وقوع أى حادث آخر يكون قاطعاً فى أن الورقة قد صدرت قبل وقوع هذا الحادث . 3 ـ ومع ذلك يجوز للقاضى ، تبعاً للظروف ، ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات )) . وفى لجنة المراجعة أدمجت الفقرتان الأولى والثانية فى فقرة واحدة ، وعدل صدر المادة للوصول إلى المعنى المقصود فأصبح : (( لا تكون الورقة العرفية حجة على الغير فى تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت )) ، وأدمج البند ( ﻫ ) فى البند ( د ) مع إضافة عبارة تجعل البند ( ﻫ ) المدج حكماً عاماً بعد تخصيص . وأصبح النص بذلك مطابقاً لما استقر عليه نهائياً فى التقنين الجديد ، وأدمح فى المشروع النهائى تحت رقم 408 . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 395 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 372وص 375 ـ ص 376 ) .
([8]) كانت المادة 228/293 من التقنين المدنى القديم تنص على ما يأتى : (( لكنها ( المحررات الغير الرسمية ) لا تكون حجة على غير المتعاقدين إلا إذا كان تاريخها ثابتا ثبوتا رسميا )) . وكانت المادة 229/294 تنص على ما يأتى : (( ثبوت التاريخ يكون إما بقيد المحررات المذكورة فى سجل عمومى بتمامها أو ملخصها فقط إذا كانت مؤشراً عليها بما يفيد حصول التسجيل . وكذلك يكون التاريخ ثابتاً إذا كان فى المحررات خط أو إمضاء أو ختم لإنسان توفى أو كانت عليه إشارة من أحد المأمورين العموميين المختصين بذلك أو من أحد القضاة ونحوهم )) .
ولم يستحدث التقنين الجديد شيئا . ولكن النص الجديد جاء أدق فى الصياغة ، فثبوت التاريخ لازم لحجية التاريخ وحده ، وسبل إثبات التاريخ أكثر تنوعاً وأوسع إحاطة . على أن التقنين الجديد لم يفعل إلا أنه قنن القضاء المصرى فى كل هذا .
([9]) التقنينات المدنية العربية : قانون البينات السورى م 11 . 1 ـ لا يكون السند العادي حجة على الغير إلا إذا كان له تاريخ ثابت 20 ـ ويكون له تاريخ ثابت : ا ) من يوم أن يصادق عليه الكاتب العدل . ب ) من يوم أن يثبت مضمونه فى ورقة أخرى ثابتة التاريخ . جـ ) من يوم أن يؤشر عليه حاكم أو موظف مختص . د ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على السند أثر ثابت أو معترف به منخط أو توقيع أو ختم أو بصمة أصبع ، أو من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد هؤلاء أن يكتب أويبصم لعلة فى جسمه . ﻫ ) من يوم وقوع أى حادث آخر يكون قاطعاً فى أن السند قد صدر قبل وقوعه . 3 ـ ومع ذلك يجوز للمحكمة تبعا للظروف ألا تطبق هذه المادة على الوصولات . 4 ـ لا تشمل أحكام هذه المادة الأسناد والأوراق التجارية ولو كانت موقعة أو مظهرة من غير التجار لسبب مدنى ، وكذلك أسناد الاستقراض الموقعة لمصلحة تاجر برهن أو بدون رهن مهما كانت صفة المقترض .
وقد وقع القانون السورى فى عدم الدقة التى وقع فيها المشروع التمهيدى للتقنين المصرى : فالسند العرفى لا يكون حجة على الغير إلا إذا كان له تاريخ ثابت ، وذلك بالنسبة إلى تاريخه وحده لا بالنسبة إلى مشتملاته .
التقنين المدنى العراقى م 456 ( مطابقة لنص التقنين المصرى فيما عدا فروقاً لفظية طفيفة ) .
تقنين أصول المحاكمات المدينة اللبنانى م 152 ـ لا يعد السند ذو التوقيع الخاص صحيح التاريخ إلا بالنظر إلى المتعاقدين ، ولا يعد صحيح التاريخ بالنظر إلى الغير إلا من يوم إخضاعه لمعاملة التسجيل أو من يوم إثباته فى سند رسمى أو من يوم وفاة أحد الموقعين أو من يوم إدراج خلاصته فى سند رسمى ـ إن أحكام هذه المادة لا تشمل المواد التجارية ، فالرهونات التجارية والسفاتج والسندات المكتوبة لأمر والتحاويل ( الشكات ) تعد من المواد التجارية عند تطبيق الفقرة السابقة وإن تكن موقعة أو مظهرة من غير التجار لسبب مدنى ، وكذلك السندات ذات التوقيع الخاص المختصة بعمليات تسليف عملها التاجر إما على المكشوف أو مقابل رهن أية كانت صفة المقترض .
التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 382 ( مطابقة لنص التقنين المصرى الجديد ) .
ويتبين من استعراض هذه النصوص ألا فرق فى الأحكام فى هذه المسألة ما بين التقنينات المدنية العربية المختلفة ، وقد أحسن القانون السورى واللبنانى صنعاً فى النص صراحة على إخراج الأوراق والرهون التجارية من أحكام
هذه المادة .
([10]) وتنص المادة 1328 من التقنين المدنى الفرنسى على ما يأتى : (( السندات العرفية لا يكون لها تاريخ ثابت يحتج به على الغير إلا من يوم تسجيلها ، أو من يوم وفاة من وقعها أو وفاة أحد ممن وقعوها ، أو من يوم أن أدرج مضمونها فى أوراق رسمية حررها موظفون عامون وذلك كمحاضر وضع الأختام أو محاضر الجرد )) .
(Les actes sous seing prive n’ont de date certaine contre les tiers que du jour ou ils ont ete enregistres, du jour de la mort de celui ou de l’un de ceux qui les ont souscrits, ou du jour ou leur substance est constatee dans des actes dresses par des officiers publics, tells que procesverbaux de scelles ou d’inventaire).
([11]) ديمولومب 29 فقرة 512 ـ فقرة 513 ـ لوران 5 فقرة 320 ـ فقرة 322 و 19 فقرة 296 ـ بودرى وبارد 4 فقرة 2349 ـ فقرة 2350 ـ الأستاذ سليمان مرقس فى مقاله فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات ـ مجلة القانون والاقتصاد 14 ص ص 266 ـ محكمة استئناف مصر فى 27 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 47 ص 70 ـ 27 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 48 ص 72 ( يجوز للقيم على المحجور عليه ، كما يجوز للمحجور عليه نفسه إذا زالت عنه أسباب الحجر ، أن يطعن فى صحة التواريخ الموضوعة على العقود العرفية التى لم يكن لها تاريخ ثابت سابق على الحجر ، إلا أن عبء الإثبات فى جميع ذلك يقع على عاتق القيم أو المحجور عليه ، فلهما إقامة الدليل بكافة الطرق القانونية بما فيها البينة والقرائن على وقوع الغش فى المحررات المشار إليها بتقديم أو تأخير التواريخ الموضوعة عليها ) .
كذلك التاريخ العرفى لمخالصة تمت ما بين شخص قد بلغ سن الرشد ووصيه يكون حجة على الأول ، إلى أن يثبت عدم صحة التاريخ وأنه أخر حتى لا يقع فى مدة سابقة على الفصل نهائياً فى الحساب وفقاً للمادة 35 من قانون المحاكم الحسبية .
أنظر مثلا آخر أورده بودرى وبارد لشخص رتب إيراداً لشخص آخر مدى حياة شخص ثالث ، بورقة تاريخها غير ثابت يسبق موت الشخص الثالث بأكثر من عشرين يوماً ، فيكون هذا التاريخ حجة على الدائن بالإيراد إلى أن يثبت أنه قدم ليكون سابقا على الموت بهده المدة تطبيقاً لأحكام المادة 1975 من التقنين المدنى الفرنسى ( بودرى وبارد 4 فقرة 2350 ـ ص 80 ) .
([12]) ديمولومب 29 فقرة 216 فقرة 216 ـ لوران 19 فقرة 301 ـ أوبرى ورو 12 ص 242 ـ بودرى وبارد 4 فقرة 2351 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 ص 1483 ـ بيدان ويرو 9 فقرة 1221 ص 300 ـ ص 301 ـ الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 96 ـ استئناف مختلط 6 مايو سنة 1915 م 27 ص 325 ـ 12 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 68 ـ 31 يونية سنة 1922 م 34 ص 452 ـ 7 يونية سنة 1928 م 40 ص 411 ـ 9 يناير سنة 1930 م 42 ص 165 .
([13]) نقض مدنى 13 فبراير سنة 1941 مجلة القانون والاقتصاد 11 ـ 23 ـ 32 .
([14]) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن التاريخ العرفى للسند الموقع عليه من المورث حجة على ورثته ، ما لم يطعنوا فى صحة التاريخ بحصوله خطأ سهواً أو عمداً أو ما لم يطعنوا بتزويره ( 10 أبريل سنة 1928 المحاماة 8 رقم 547 ص 907 ) . وقضت هذه المحكمة أيضاً بأنه وإن كان للوراث الصادر لمصلحته التصرف أن يتمسك فى وجه باقى الورثة بالتاريخ العرفى الذى وضعه المورث ، إلا أن لهؤلاء الورثة الحق فى أن يثبتوا بكافة الطرق القانونية ومنها قرائن الأحوال أن هذا التاريخ لا يتفق مع الحقيقة وأنه وضع بقصد الإبهام لجعل صدور التصرف وقت بعيد عن الشبهات ( 14 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 260/2 ص 550 ) . وقضت محكمة النقض بأن الموصى له بحصة فى التركة لا يعتبر (( غيراً )) فى معنى المادة 228 ( 395 جديد ) إذا هو ادعى أن العقد الصادر من الموصى إنما صدر بعد طلب الحجر عليه وبأن تاريخه مغاير للحقيقة ، إذ هو خلف عام يدعى ما كان يملك سلفه ممثلا فى شخص القيم عليه أن يدعيه . ولكن لما كان هذا الادعاء ادعاء بغش واحتيال على القانون ، كان إثباته بأى طريق من طرق الإثبات جائزاً له جوازه لسلفه ، وكان عليه عبء الإثبات لأنه مدع والبينة على من ادعى ، فان هو أثبته سقطت حجية التاريخ العرفى للعد ، وإن لم يثبته بقيت هذه الحجية ( نقض مدنى 25 ديسمبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 248 ص 507 ) . هذا ويلاحظ أن الموصى له بحصة من التركة إذا لم يستطع إثبات التاريخ الحقيقى ، فقامت حجية التاريخ العرفى فى حقه ، يستطيع ، مع التسليم بأن التصرف صدر قبل تسجيل قرار الحجر ، أن يتمسك بالمادة 115 فقرة 2 مدنى فيثبت أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ ( وفى حالة الحجر للجنون أو العته يتمسك بالمادة 114 فقرة 2 فيثبت أن حالة الجنون أو العته كانت شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها ) .
أنظر أيضاً بودرى وبارد 4 فقرة 2353 ـ فقرة 2354 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 325 ـ ص 226 وهامش رقم 106 .
([15]) وما نقرره فى هذه المسألة يخالف ما سبق أن قررناه فى الموجز ( فقرة 638 ص 669 ) ، ويخالف ما أجمع عليه الفقه فى مصر من أن الوراث يعتبر (( غيراً )) فى التصرفات الصادرة من مورثه فى مرض الموت : أنظر الأستاذ محمد كامل مرسى فى تصرفات المريض مرض الموت فقرة 23 ص 297 ـ الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى أصول الالتزامات فقرة 200 ص 296 ـ الأستاذ شفيق شحاته فى الالتزامات ( بالفرنسية ) ص 109 ـ الأستاذ محمد على عرفة فى حجية المحررات العرفية بمجلة القانون والاقتصاد 10 ص 164 ـ الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 219 ص 224 ( وهو يعتبر الوارث من الغير ولكن يلقى عليه عبء إثبات التاريخ الصحيح ، وفى هذا القول تناقض يرجع إلى أن الوراث متى ألقى عليه عبء إثبات التاريخ الصحيح فقد صار التاريخ العرفى حجة عليه إلى أن يثبت عدم صحته ، وهذا معناه أنه لا يعتبر (( غيرا )) بالنسبة إلى هذا التاريخ العرفى ) .
وقد أخذ الفقه المصرى يتحول عن هذا الرأى الخاطئ الذى يذهب إلى اعتبار الوارث من الغير فى التصرفات الصادرة من مورثه فى مرض الموت . ويرجع الفضل فى هذا التحول إلى الأستاذ سليمان مرقس ، فقد أثبت فى مقاله القيم : ( قوة المحررات العرفية فى الإثبات وحجية تاريخها على الوراث الذى يطعن بصدورها فى مرض الموت : مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 287 ـ ص 304 ) ، خطأ الرأى الشائع فى الفقه المصرى ، ثم خلص من ذلك إلى التنبيه لما لهذا الرأى الخاطئ من أثر عملى سئ ، فقال : (( إن الأخذ بهذه النظرية ( النظرية التى تعتبر الوارث فى تصرفات المريض مرض الموت من الغير ) يترتب عليه أن كل شخص يموت عقب مرض كان يخشى منه هلاكه ـ وهذا هو الغالب فى الموت ـ ولو لم يطل هذا المرض غير أيام قليلة ، لا يمكن الاحتجاج على ورثته بتاريخ الحررات العرفية التى صدرت منه طوال حياته إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتا بوجه رسمى . ومعنى ذلك أنه يتعين على كل من يتعامل مع آخر بورقة عرفية أن يسجل تاريخها فى الحال ، خشية أن يمرض المتعامل معه قبل موته مباشرة ، ولو بعد عمر طويل ، فيتعذر الاحتجاج على ورثته بتاريخ هذه الورقة . وبتعبير آخر أن القول بأن وارث المريض مرض الموت يعتبر من الغير بالنسبة لتاريخ المحررات الصادرة من المورث يجعل من الناحية العملية تسجيل التاريخ ضرورة لازمة فى كافة المحررات العرفية وفى جميع الأحوال . فيصبح شرط تسجيل التاريخ قاعدة عامة ، خلافاً لما قصده المشرع من جعله حماية استثنائية . ولا يخفى ما ينطوى عليه هذا التعميم من إرهاق للمتعاملين ومن عرقلة للمعاملات )) ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 299 ـ ص 300 ) . أنظر أيضاً الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 97 هامش رقم 1 .
وقد سار الدكتور عبد المنعم فرج الصدة فىكتابه الإثبات ( ص 139 ـ ص 143 ) على هذا الرأى الصحيح ، وختم بيانه فى هذه المسألة بالعبارة الآتية : (( يخلص من هذا أن الوراث يعتبر بحسب الأصل خلفاً عاماً لمورثه، يسرى فى حقه ما كان ساريا فى حق مورثه . ولكن الشارع جعل حق الوراث متعلقاً بالتركة من وقت مرض الموت . فخوله حق الطعن فى تصرفات مورثه أثناء هذا المرض . وبهذا يصبح الوراث من الغير بالنسبة إلى أثر هذه التصرفات ، فلا تنفذ فى حقه إلا بالقدر الذى تنفذ به الوصية . ولكن لا يعتبر من الغير بالمعنى المقصود فى المادة 395 مدنى ، فيكون تاريخ التصرف العرفى حجة عليه بوصفه خلفا عاما ، إلى أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ . ولما كان الغرض من تغيير التاريخ فى هذه الحالة هو الغش والاحتيال على القانون ، فانه يجوز للوارث أن يثبت هذا الاحتيال بجميع الطرق القانونية )) ( الإثبات ص 143 ) .
([16]) وسنرى أن هذا يصدق أيضاً على الدعوى البولصية . فالدائن ، فى طعنه بالدعوى البوليصية على التصرف الصادر من المدين ، يعتبر ( غيراً ) من ناحية سريان هذا التصرف فى حقه ، فلا يسـرى عليـه . ولا يعتبـر (( غيراً )) من ناحية ثبوت التاريخ ، فيحتج عليه بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من المدين إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح .
ويتبن من ذلك أن الوارث ، بالنسبة إلى التصرفات الصادرة فى مرض الموت ، وللدائن ، بالنسبة إلى الدعوى البولصية ، إنم يعتبران من الغير فى خصوص سريان أثر العقد لا فى خصوص ثبوت التاريخ .
([17]) نقول إن القضاء المصرى فى هذه المسألة مر بمراحل ثلاث :
ففى المرحلة الأولى كان يأخذ بالرأى الصحيح ، ويقرر أن الوراث فى تصرفات مورثه فى مرض الموت لا يعتبر من (( الغير )) من حيث تاريخ التصرف ، فيحتج عليه بهذا التاريخ إلى أن يثبت عدم صحته . فقضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن التاريخ العرفى لتصرف صدر من المورث فى مرض الموت حجة على ورثته لأنهم يمثلونه ( 24 مايو سنة 1922 المحاماة 4 رقم 635 ص 847 ) ـ وقضت محكمة استئناف مصر بأن التاريخ العرفى للعقد الصادر من المورث فى مرض موته حجة على الوراث باعتباره متلقياً حقه من المورث ( 19 مارس سنة 1922 المحاماة 3 رقم 5 ص 15 ) . وقضت هذه المحكمة أيضاً بأن الوراث يخلف المورث فى كل ماله وما عليه بالنسبة إلى الحق الموروث ، وبأن العقد العرفى الصادر من المورث فى مرض الموت حجة على الوراث ، وبأن للوراث ما كان لمورثه وعليه ما عليه فللوراث الطعن فى تاريخ هذا العقد باعتبار أنه وضع خطأ بطريق العمد أو السهو ، فإذا هو لم يطعن وجب الأخذ بالتاريخ العرفى ( 10 أبريل سنة 1928 المحاماة 8 رقم 457 ص 907 ) .
وفى المرحلة الثانية رجع عن هذا الرأى الصحيح إلى الرأى الخاطئ الذى ساد بعد ذلك فى الفقه المصرى . وكان الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر فى دوائرها المجتمعة هو المؤذن بهذا التحول ، مع أن هذا الحكم لا يعرض (( للغيرية )) من ناحية ثبوت التاريخ بل يعرض لها من ناحية سريان التصرف . فقد فصل فى مسألة اختصاص القضاء الشرعى أو القضاء الوطنى عند الطعن فى الوقف بوقوعه فى مرض الموت ، فجاء فى أسباب حكمه ما يأتى : (( … أن الوقف ( فى مرض الموت ) فى ذاته صحيح ، وأن الواقف أهل للتصرف بالتبرع وغيره . ولكن لأمر خارج عنه وعن ذاتية عقده رتب الشارع ثم القانون حكما لنفاذ الوقف أراد به صيانة حق الوراث ، لا بصفته وارثاً يمثل مورثه فى كل حقوفه وعهوده ، بل بصفته أجنبياً (tiers) تعلقت له فى ذمة الواقف حقوق ، شأنه فى ذلك شأن الدائن الذى سن القانون لحمايته دعوى إبطال التصرفات من وقف أو بيع أو غير ذلك … )) . ( استئناف مصر الدوائر المجتمعة فى 5 أبريل سنة 1928 المحاماة 8 رقم 460 ص 755 ) . وظاهر أن الحكم عندما عرض لوارث الواقف فى مرض الموت بصفته أجنبياً (tiers) إنما يتحدث عنه فى معرض نفاذ الوقف فى حقه لا فى معرض ثبوت التاريخ . ومع ذلك توهمت بعض المحاكم أن الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف عنت أن يكون الوراث (( غيراً )) حتى فى تاريخ التصرف الصادر من المورث فى مرض موته. فقضت محكمة استئناف مصر بأن التاريخ العرفى للتصرف المطعون فيه لا عبرة به مطلقاً بعد أن صدر حكم الدوائر المجتمعة بتاريخ 5 أبريل سنة 1928 الذى قطع بأن الوراث الذى يطعن ضد سائر الورثة بمرض الموت يعتبر أجنبياً تعلقت له فى ذمة المورث حقوق ( 27 مايو سنة 1929 المحاماة 9 رقم 527 ص 976 ) . وكان قد صدر قبل ذلك ، بل وقبل حكم الدوائر المجتمعة ، حكم من محكمة مصر الكلية الوطنية فى هذا المعنى الخاطئ ، يقضى بأن الوارث الذى يعطيه القانون حق الطعن فى تصرفات مورثه بمرض الموت يكسب بذلك من جانب المشرع نفسه حقاً شرعياً يجعله ينقلب من طبقة الخلف إلى طبقة الغير ، فلا يحتج عليه إلا بالأوراق ثابتة التاريخ ( 29 مايو سنة 1927 المحاماة 9 رقم 539 ص 996 ) . وتوالت الأحكام ، بعد صدور حكم الدوائر المجتمعة ، تجعل الوراث (( غيرا )) فى التاريخ العرفى لتصرفات مورثه الصادرة فى مرض الموت ، فلا يكون هذا التاريخ حجة عليهم ، ولا يكلفون بإثبات عدم صحته . ولا يحتج عليهم إلا بالتاريخ الثابت : استئناف مصر 12 فبراير سنة 1930 المحاماة 10 رقم 340 ص 682 ـ 14 يونية سنة 1936 المحاماة 17 رقم 198 ص 415 ـ محكمة الاسكندرية الوطنية 16 نوفمبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 283 ص 568 ـ محكمة الجيزة الجزئية 23 مايو سنة 1939 المحاماة 20 رقم 239 ص 686 . وقد احتج بعض هذه الأحكام بأن الوراث ذا النصيب المضمون (heritier reservataire) فـى القانـون الفرنسـى يعتـبر (( غيرا )) فى التاريخ العرفى للهبات التى تصدر من مورثه ، ولكن الصحيح أن الوارث لا شأن له فى ذلك ، والموهوب لهم فيما بينهم هم الذين يعتبرون من (( الغير )) .
وفى المرحلة الثالثة ـ وهى املرحلة الحالية ـ وقف القضاء المصرى موقفا صحيحا من الناحية العلمية ، ولكنه غير واضح من الناحية الفقهية . وقد بدأت محكمة استئناف مصر هذا الموقف بأن قضت بأن الوراث يعتبر فى حكم الغير بالنسبة إلى جميع التصرفات الصادرة من المورث إضراراً بحقوقه المكتسبة بحكم القانون ـ وهذا صحيح ، ومعناه أن الوارث يعتبر (( غيرا )) من حيث سريان هذه التصرفات لا من حيث عدم الاحتجاج بالتاريخ العرفى . ولكن المحكمة بنت على ما قدمته أن الوراث لا يصح ، والحالة هذه ، أن يحتج عليه بالتاريخ العرفى الموضوع على التصرفات الصادرة من المورث إضراراً بحقه ـ وهذا خطـأ ، لأن الـوارث لا يعتبـر (( غيرا )) من حيث التاريخ ، فيحتج عليه إذن بالتاريخ العرفى . ثم عقبت المحكمة بأ للوارث الحق فى أن يثبت بكافة الطرق ومنها قرائن الأحوال أن التاريخ لا يتفق مع الحقيقة وأنه وضع بقصد الإيهام بصدور التصرف فى وقت بعيد عن الشبهات ـ وهذا خطأ آخر منوجهة نظر المحكمة ، لأن الوارث ما دام قد اعتبر (( غيرا )) فى تاريخ التصرف فلا يصح الاحتجاج عليه بالتاريخ العرفى ولا يجوز تكليفه بإثبات عدم صحة هذا التاريخ إذ هو لا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت . ولكن الصدفة أرادت أن يكون هذا الخطأ الثانى قد صحح الخطأ الأول من انلاحية العملية ، فصار التاريخ العرفى يحتج به على الوارث ثم أجيز للوارث أن يثبت عدم صحته . وكان الواجب حيئنذ أن يعتبر الوارث من الناحية الفقهية خلفاً لا غيراً من حيث التاريخ العرفى ، ولكن المحكمة سمته مع ذلك (( غيراً )) وإن كانت قد استبقت له خصائص الخلف ( أنظر محكمة استئناف مصر 14 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 260 ص 550 ) . وعلى هذه الوتيرة ـ وهذا التكييف الفقهى الخاطئ ـ توالت الأحكام بعد ذلك . تكون المحررات العرفية الصادرة من المورث حجة عليه . إلا أن هناك حالات يكون الوارث فيها من الغير بالنسبة للتصرفات الصادرة من مورثه . ففى هذه الحالات لأجل أن يستفيد الوارث ـ باعتباره من الغير ـ بالقرينة الواردة فى المادة 228 مدنى ( 395 جديد ) التى تمنع الاحتجاج بالمحررات غير الرسمية على غير المعاقدين إلا إذا كان تاريخها ثابتاً ثبوتاً رسمياً ، يجب عليه أن يثبت أنه من الأغيار الذين خول لهم القانون التمسك بهذه القرينة ، لا أن يفرض نفسه فرضا فى مركز الغير ويتمسك بهذه القرينة بغير إثبات ما يدعيه . فإذا طعن ورثة فى سند صادر من مورثهم لزوجته اعتماداً على أن السند تحرر فى مرض الموت ، فهم فى هذا الوضع وإن كانوا يعتبرون من الغير بالنسبة للتصرف الصادر من مورثهم فى مرض موته ، إلا أنهم فى طعنهم هذا يكونون فى مركز المدعـين ، ومن ثم فقد وجب عليهـم أن يثبتـوا أن التصـرف المطعـون فيـه قد وقـع فعـلا فـى مـرض الـموت )) ( 23 فـبرايـر سنـة 1936 المجموعـة الرسميـة 37
( م 14 الوسيط ـ جـ 2 )
ص 69 ) . ولم تفعل محكمة النقض إلا أن جارت هذا الاتجاه ، خلافا لما ظنه الأستاذ سليمان مرقس ( مقاله فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات المنشور فى مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 302 ـ ص 304 وكتابه فى أصول الإثبات ص 97 هامش رقم 1 ) . فقضت بأن الوارث بعتبر فى حكم الغير فيما يختص بالتصرفات الصادرة من مورثه فى مرض الموت إضراراً بحقه المستمد من القانون ـ ونبادر إلى القول بأن هذه (( غيرية )) من حيث نفاذ التصرف ، ولكن محكمة النقض بنت عليها (( غيرية )) من حيث حجية التاريخ ، فعقبت على ما قدمته بأن للوارث أن يطعن على هذا التصرف ، وأن يثبت مطاعنه بجميع طرق الإثبات ، وإذا لم يكن التاريخ المدون بالتصرف ثابتا رسميا فان له ، مع تمسك الوارث الذى صدر لمحصلته هذا التصرف بتاريخه العرفى ، أن يثبت حقيقة هذا التاريخ بجميع طرق الإثبات أيضا ( نقض مدنى 23 يناير سنة 1941 المحاماة 21 رقم 371 ص 879 ) . ولم يتحرر هذا الموقف كثيراً فى الأحكام التالية . فقد عادت محكمة النقض تقول : (( إن الوارث لا يعتبر فى حكم الغير فيما يختص بالتصرف الصادر من مورثه إلا إذا كان هذا التصرف واقعا فى مرض الموت اضراراً بحقه الشرعى فى الميراث ، فإذا كان التاريخ المدون بالتصرف غير ثابت رسميا وكان سابقا على بدء هذا المرض ، فان كل ما للوارث هو أن يثبت بجميع الطرق أن التاريخ غير صحيح وأنإبرام العقد إنما كان فى مرض الموت ( نقضى مدنى 18 ديسمبر سنة 1941 المحاماة 22 رقم 227 ص 661 ) . والواقع أن محكمة النقض لا تزال فى موقف غير واضح من الناحية الفقهية . وهى ، وإن كانت من الناحية العملية قد عالجت الموقف بما عالجته محكمة استئناف مصر فجعلت التاريخ العرفى حجة على الوراث وأجازت له أن يثبت بجميع طرق الإثبات عدم صحته ، لم تجعله مع ذلك خلفا من حيث التاريخ العرفى . ومنعها من التصريح بهذا الأمر فى وضوح ما لمحته من الشبهة . ذلك أن الوراث (( غير )) من حيث سريان التصرف ، فهل يستتبع ذلك أن يكون (( غيراً )) من حيث حجية التاريخ العرفى ؟ وهل معنى (( الغيرية )) هنا يقتصر على أن التاريخ العرفى يكون حجة عليه إلا إذا تولى إثبات عدم صحته ؟ لا يبدو من أحكام محكمة النقض أنها تجبيب على هذين السؤالين بالنفى إجابة صريحة ، وكان هذا هو الواجب : أنظر محكمة النقض 13 فبراير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 101 ص 322 ـ وقارن 15 أبريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 49 ص 132 ـ وانظر 30 فبراير سنة 1949 المحاماة 29 رقم 504 ص 1106 . ولذلك لم يدهشنا ـ كما أدهش الأستاذ سليمان مرقس وهو يعتقد كما قدمنا أن محكمة النقض تأخذ بالرأى الصحيح الذى يقول به ـ أن تعود المحكمة فتقرر أن الوراث لا يعتبر فى حكم الغير إلا إذا كان طعنه على التصرف الصادر من مورثه هو أنه ، وإن كان فى ظاهره بيعا منجزاً ، إلا أنه يخفى فى حقيقته وصية إضراراً بحقه فى الميراث ، أو أنه صدر فى مرض موت المورث فيعتبر إذ ذاك فى حكم الوصية ، لأنه فى هاتين الصورتين يستمد الوارث حقه من القانون مباشرة حماية له من تصرفات مورثه التى قصد بها الاحتيال على قواعد الإرث التى تعتبر من النظام العام ( نقض مدنى 21 ديسمبر سنة 1950 المحاماة 31 رقم 285 ص 984 ) . أنظر فى هذه المسألة مقال الأستاذ سليمان مرقس فى مجلة القانون والاقتصاد السنة الرابعة عشرة ، وكتابه فى أصول الإثبات ص 97 هامش رقم 1 ، والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 139 ـ ص 142 .
على أننا ـ إنصافاً لمحكمتنا العليا ـ ننقل حكما واحد لها يبدو أنها فيه قررت الرأى الصحيح فى هذه المسألة . فقد قضت بأن الوارث ـ بحكم كونه خلفا عاما لمورثه ـ لا يمكن أن يعد من (( الغير )) فى معنى المادة 228 مدنى ( 395 جديد ) ، بل حكمه ـ بالنسبة إلى المحررات غير الرسمية التى يكون المورث طرفا فيها ـ حكم مورثه . فتاريخها يكون ـ بحسب الأصل ـ حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً ثبوتا رسميا ، سواء كانت صادرة إلى وارث أو إلى غير وارث . ولكن إذا ادعى الوارث أن تصرف المورث كان غشا واحتيالا على القانون إضراراً بحقه الشرعى فى الميراث ، فطعن فثيه بأنه صدر فى مرض الموت وأن تاريخه غير صحيح ، فيجوز له أن يثبت مدعاه ن ويكون عليه عبء الإثبات إذ هو مدع والبينة على من ادعى ، وتطلق له كل طرق الإثبات إذ المضرور بالغش لم تكن له خبرة فيه فلا وجه للتضييق عليه فى ثباته بحصره فى طريق دون طريق . فإذا كانت المحكمة حين قضت ببطلان البيع الصادر من المورث إلى بعض ورثته قد أسست ذلك على أن المدعين الذين يطعنون فى العقد بصدوره فى مرض الموت ، وهم ورثة البائع ، ولا يحاجون بتاريخ عقد البيع غير المسجل بزعم أنهم من الغير ، وجعلت التحقق من قيام حالة مرض الموت منوطا بالتاريخ الثابت ثبوتا رسميا دون التاريخ الأول ( العرفى ) ، غير آبهة لدفاع من صدر لهم العقد بعدم قيام حالة مرض الموت فى ذلك التاريخ غير الثابت رسميا ، فإن حكمها بذلك يكون مخالفا للقانون ، إذ هذا التاريخ يكون حجة على هؤلاء الورثة إلى أن يثبتوا عدم صحته ( نقض مدنى 21 أكتوبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 329 ص 648 ) . ولكن لا مناص من الإشارة إلى أن هذا الحكم القيم سبقته وتلته الأحكام التى أسلفنا ذكرها .
([18]) وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى خصوص هذه العبارة ما يأتى : (( ولا يحتج عليهم بتاريخ التصرف إلا إذا كان ثابتاً لأنهم يعتبرون من الغير بالنسبة له )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 298 ) .
أما الدائن المرتهن فهو من الغير بالنسبة إلى دائن مرتهن آخر ، إلا إذا كان التفاضل بينهما لا بثبوت التاريخ كما في المنقول ، بل بالقيد كما في العقار ، فعند لذك نخرج من منطقة ثبوت التاريخ إلى منطقة القيد كما سنرى ( أنظر في هذه المسألة بودري وبارد 4 فقرة 2361 – بيدان ويرو ) فقرة 1221 ص 302 ) – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1484 ص 926 – ص 927 ) .
( [19] ) أنظر في أن الدائن لا يكون طغيراً ” في الدعوى غير المباشرة لا رومبير 6 م 1328 فقرة 35 ديمولومب 29 فقرة 542 – لوران 19 فقرة 326 وفقرة 328 – هيك 8 فقرة 250 – بودري وبارد 4 فقرة 2358 – بيدان وبرو ) فقرة 1221 ص 301 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 129 ص 139 – استئناف مختلط 3 يونية سنة 1926 م 38 ص 463 .
ويذهب الأستاذ سليمان مرقس إلى أن الدائن في الدعوى غير المباشرة يعتبر من ” الغير ” ، لأن الدائن يرفع هذه الدعوى لمصلحة نفسه فيصبح له حق خاص على موضوعها ، واستعمال الدعوى غير المباشرة ” يجعل حق الدائن يتعلق بالمال موضوع هذه الدعوى ، فيصبح هذا المال محبوسا عن المدين تحت يد القضاء ، فلا يجوز للمدين أن يتصرف فيه ولا أن يعمل بشأنه أي عمل يضر الدائن أو بعبارة أخرى كما يقول لابيه يترتب على رفع الدعوى غير المباشرة ما يترتب على الحجز من آثار . وما دام الأمر كذلك فيكون مركز الدائن رافع الدعوى غير المباشرة كمركز الدائن الحاجز حجزاً تنفيذياً ، وبالتالي فإنه يشبه مركز الخلف الخاص من حيث إنه يعتبر في حكم خلف المدين على الحق موضوع الدعوى بالنسبة لتصرفات المدين السابقة على رفع الدعوى ، ويعتبر من الغير بالنسبة للتصرفات اللاحقة فيضره مجرد تقديم تاريخ هذه التصرفات . وهو لذلك يجب أن يعتبر – خلافاً للرأي السائد – من الغير الذين لا تكون المحررات العرفية حجة عليهم بتاريخها إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتاً بوجه رسمي ” ( الأستاذ سليمان مرقس في مقاله قوة المحررات العرفية في الإثبات مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 277 – ص 278 – وانظر أيضاً كتابه في أصول الإثبات فقرة 67 ص 103 ) .
وسنرى أن الأستاذ سليمان مرقس لا يعتبر الدائن في الدعوى البولصية من الغير ، وهو على حق فيما ذهب إليه من ذلك . ويتعذر التسليم بعد هذا بان يكون الدائن في الدعوى غير المباشرة من ” الغير ” بينما هو في الدعوى البولصية ، والدائن فيها لا يمثل المدين بتاتا ، يعتبر ” خلفا ” . ويؤسس الأستاذ سليمان مرقس ما ذهب إليه من اعتبار الدائن في الدعوى غير المباشرة ” غيرا ” على أنه يكون بمثابة الدائن الحاجز . ولسنا من هذا الرأي . فالدائن في الدعوى غير المباشرة لا يزال كما قدمنا في المرحلة التمهيدية التي تسبق التنفيذ ، ولم يصل بعد إلى مرتبة الدائن الحاجز الذي بدأ التنفيذ فعلا . والمدين في الدعوى غير المباشرة لم تغل يده من التصرف في ماله ، بخلاف المدين في الحجز فإن يده مغلولة عن التصرف منذ توقيع الحجز و تنتهي الدعوى غير المباشرة إلى دخول الحق في مال المدين فيبدأ عند ذلك الدائن في التنفيذ عليه بالحجز ، أما الحجز فيؤدي مباشرة إلى أن يستوفى الدائن حقه من المال المحجوز ( أنظر في هذا المعنى الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 139 وخامش رقم 2 ) . ويخشى الأستاذ سليمان مرقس من القول بأن الدائن في الدعوى غير المباشرة لا يعتبر من الغير لأن ” القول بهذا الرأي يسمح للمدين الذي رفع دائنه الدعوى باسمه أن يتواطأ مع مدينه ، فيعطيه محرراً عرفيا مثبتا لمخالصة أو لإبراء أو استبدال أو مقاسة ، فيحتج بها مدين المدين على الدائن ، ويفوت عليه بذلك المصلحة التي كان يسعى إليها من وراء استعمال الدعوى غير المباشرة ” ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 276 ) . ويبدو أن هذه الخشية لا محل لها ، فإن المدين إذا تواطأ من مدينه على هذا النحو ، استطاع الدائن أن يطعن في التصرف بالدعوى البولصية وقد توافرت شروطها ، فالمدين معسر ، والتصرف مفقر وتال لحق الدائن ، والتواطؤ موجود .
( [20] ) وهذا الرأي يخالف إجماعاً يكاد ينعقد عليه الفقه الفرنسي : ديمولومب 29 فقرة 550 – لوران 16 فقرة 461 – هيك 7 فقرة 219 – بودري وبارد 1 فقرة 691 و 4 فقرة 2360 – كولان وكابيتان ومورانديير 2 ص 749 – بلانيول وريبير ورادوان 7 فقرة 957 – بيدان وبرو 9 فقرة 1221 ص 302 – دي باج 3 فقرة 227 ( الفقه البلجيكي ) ، واجماعا مماثلا يكاد ينعقد عليه الفقه المصري : دي هلتس فقرة 68 – الأستاذ عبد السلام ذهني في الأدلة 1 ص 223 – ص 225 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 221 – الأستاذ محمد علي عرفة في مقاله في حجية المحررات العرفية مجلة القانون والاقتصاد 10 ص 167 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 125 – الموجز فقرة 638 ( وقد كنا في الموجز نساير هذا الاجماع ) . أنظر أيضاً محكمة الاستئناف المختلطة 13 فبراير سنة 1901 م 13 ص 198 .
ونحن هنا ، في مخالفتنا لهذا الاجماع ، نوافق الأستاذ سليمان مرقس فيما ذهب إليه من أين الدائن لا يعتبر ” غيرا ” في الدعوى البولصية ( أنظر مقاله المعروف في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 297 – ص 283 وكتابه في الإثبات ص 104 هامش رقم 2 ) . وإليه يرجع الفضل ، هنا أيضاً ، في تحرير المسألة وتجليتها ، لا ضد إجماع الفقه المصري فحسب ، بل أيضاً ضد إجماع الفقه الفرنسي . ومما يتقدم به لتأييد رأيه ما يأتي : ” إن القول بأن الدائن في هذه الحالة ( حالة الدعوى البولصية ) يخاصم مدينه ويتهمه بالغش ويطلب اعتبار تصرفه غير نافذ في حقه لا يتعين أن يترتب عليه اعتبار الدائن من الغير بمعنى المادة 228 ( 395 جديد ) ، وذلك لأنه إذا كان يكفي لاعتبار الدائن من الغير في الصورية أن يخاصم مدينه ، فالأمر ليس كذلك في عرف المادة 228 ، ولان الدائن إذا اتهم المدين بالغش فما ذلك إلا للاستحصال على حكم باعتباره من الغير بالنسبة لنفاذ أثر التصرف المطعون فيه . وأن مجرد طلبه ذلك يؤكد أنه ليس من الغير ما دام لم يحصل على هذا الحكم . فهو عند رفع الدعوى لا يزال يعتبر في حكم الخلف ، ويكون تاريخ المحرر العرفي المثبت للتصرف المطعون فيه حجة عليه إلى أن يثبت عدم صحته ” ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 281 ) .
والحجة الرئيسية التي يتقدم بها أصحاب الرأي القائل باعتبار الدائن من الغير في الدعوى البولصية هي أن الدائن يرفع هذه الدعوى بمقتضى حق له خاص استمده من القانون لا من مدينه ، وهو بهذا الحق يهاجم المدين لا يمثله . وقد رأينا – عند الكلام في مرض الموت – أن هذا الحق الخاص لا يقلب الخلف فيكون ” غيرا ” ، فهو لم يقلب الوارث ” غيرا ” إذ يهاجم التصرف الصادر من مورثه في مرض الموت . وإنما يتقصر على أن يجعل للدائن ” مصلحة ” في الطعن . ولولا وجود هذه المصلحة لما استطاع أن يهاجم تصرف مدينه في الدعوى البولصية ، ولا تصرف مورثه في مرض الموت . وهذه المصلحة تارة يستمدها من شخصه بمقتضى الحق الخاص الذي منحه إياه القانون كما نرى الآن في الدعوى البولصية وكما رأينا في مرض الموت ، وطورا يستمدها من سلفه بعد أن يخلفه عليها كما رأينا من قبل في حالة الحجر وفي حالة الدعوى غير المباشرة .
على أن انصار الرأي القائل بأن الدائن يعتبر من الغير في الدعوى البولصية مختلفون فيما بينهم . فالأستاذ عبد المنعم فرج الصدة مثلا يذهب إلى أنه ” إذا لم يكن تاريخ التصرف ثابتا وسابقا على الدين فلا يحتج به على الدائن ويعتبر لاحقا للدين ” ( الإثبات ص 134 ) . وهو في هذا الرأي منطقي مع مذهبه ، فمقتضى القول بأن الدائن يعتبر من الغير هو ألا يكون تاريخ التصرف المطعون فيه حجة عليه إذا لم يكن ثابتا . أما الأستاذ أحمد نشأت فلا يرى ” القول بأن تصرف المدين لا يسري على الدائن العادي إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل الدين ، لأن الأصل أن الدائن العادي مقيد بجميع تصرفات مدينه السابقة واللاحقة للدين ، وبالتالي ثابتة التاريخ وغير ثابتة التاريخ ، فلا يصح استثناء شيء منها إلا إذا ثبت أن هناك غشا ” ( الإثبات 1 ص 226 ) . وهنا يجعل الأستاذ نشأت الدائن من ” الغير ” في الدعوى البولصية ، ولكنه في الوقت ذاته يبيح لمن تصرف له المدين أن يحتج عليه بالتاريخ العرفي إلى أن يثبت الدائن عدم صحة هذا التاريخ . وفي هذا تناقض رأينا له نظيراً في الاحتجاج بالتاريخ العرفي للتصرف الصادر في مرض الموت ( أنظر في الرد على الأستاذ أحمد نشأت أصول الإثبات للأستاذ سليمان مرقس ص 104 هامش رقم 2 والإثبات للأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 134 هامش رقم 2 ) .
( [21] ) ويتبين من ذلك أن الدائن في الدعوى البولصية إما أن يكون تاريخه ثابتا أو غير ثابت . فإذا كان تاريخه ثابتا ، وكان تاريخ التصرف المطعون فيه ثابتا أيضاً ، فلا بد لنجاح الدعوى البولصية من أن يكون تاريخ الدائن هو الأسبق . وإن كان تاريخ التصرف غير ثابت احتج به بالرغم من ذلك على الدائن ، إلا أن يثبت هذا أن التاريخ الصحيح متأخر عن تاريخه الثابت – وإذا كان تاريخ الدائن غير ثابت ، فإن كان تاريخ التصرف ثابتا ، جاز للمتصرف له أن يثبت بجميع الطرق أن التاريخ العرفي للدائن غير صحيح وأن التاريخ الحقيقي متأخر عن تاريخ التصرف . أما إذا لم يكن هناك تاريخ ثابت لا للدائن ولا للمتصرف له ، فلكل منهما أن يثبت بجميع الطرق أن تاريخه هو الأسبق ، ولا تنجح الدعوى البولصية إلا إذا كان الدائن هو الذي يمكن من إثبات ذلك ( قارن الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 126 – وقارن أيضاً نظرية العقد للمؤلف ص 784 هامش رقم 2 ) .
( [22] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 350 ص 548 .
( [23] ) ونحن نؤثر أن نقف عند هذا التحديد العملي للغير . أما التحديدات الفقهية فكثيرة : أ ) من ذلك ما تقدم به أوبرى ورو من أنه يعتبر غيراً ” كل من لم يكن طرفاً في الورقة العرفية التي يراد تقدير حجيتها في الإثبات ، ويكون له باسمه الخاص ، بمقتضى القانون أن بمقتضى اتفاق ابرم أو شرط وضعه أحد طرفي الورقة ، حقوق عينية أو شخصية يتعرض وجودها أو سلامتها للخطر لو سرى عليه ما تشهد به الورقة من تصرف قانونين أو واقعة قانونية ” ( أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 224 – ص 225 ) .
” … tous ceux qui n’ont pas figure dans l’acte sous seing prive don’t il s’agit d’apprecier la force probante , et qui se trouvent, soit en vertu de la loi, soit en vertu d’une convention passee ou d’une disposition faite par l’une des parties signataires, investis, en leur proper nom, de droits reels ou personnels don’t l’existence ou l’efficacite serait compromise , si la monvention ou le fait juridique constate par cet acte pouvait leur etre oppose .’
ب ) ومن ذلك أيضاً ما نراه في كولان وكابيتان ومورانديير من أن ” الغير في معنى المادة 1328 هم الأشخاص الذين لم يكونوا اطرافا في التصرف ، وكسبوا من أحد المتعاقدين حقوقا يضرها هذا التصرف الذي تشهد به الورقة العرفية لو أن أسبقية التصرف قد ثبتت ” ( كولان وكابيتان وموارنديير 2 فقرة 749 ص 501 – أنظر أيضاً جان ماري اسول ( Aussel ) رسالة في الغير في القانون المدني الفرنسي مونبلييه سنة 1952 ص 229 – ص 232 ) .
” Les tiers de l’article 1328 , ce sont les personnes n’ayant pas figure dans l’acte et ayant acquis de l’un des contractants des droits auxquels porterait prejudice l’acte relate par l’ecrit prive , si l’anteriorite de cet acte etait etabli ” .
ج ) ومن ذلك أيضاً التحديد الذي يقول به الأستاذ سليمان مرقس من ” أن الغير بالمعنى المقصود في المادة 228 ( 395 جديد ) يشمل كل شخص لم يكن طرفا في المحرر العرفي ولا ممثلا فيه ، وكان حاصلا بمقتضى عمل قانونين صادر لمصلحته من أحد موقعي المحرر أو بمقتضى نص القانون على حق خاص متعلق بمال معين من أموال الشخص الملتزم بهذا المحرر ، بحيث يؤثر في حقه هذا ، التصرف المدون في المحرر العرفي ، لو صح أن تاريخه سابق على تاريخ هذا الحق ” ( المقال المنشور في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 286 ) .
د ) هذا وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن الغير في حكم المادة 228 من القانون المدني ( 395 جديد ) التي لا تعتبر المحررات العرفية غير ثابتة التاريخ ثبوتاً رسمياً حجة عليه هو الشخص الذي ليس طرفا في المحرر العرفي ويعطيه القانون أو الاتفاق مع طرفي المحرر حقا ذاتياً عينيا أو شخصياً يصير في خطر من جهة قيامه أو التمتع به إن سرى عليه حكم ما يثبت بالمحرر العرفي ( استئناف مصر 26 أبريل سنة 1936 المحاماة 17 رقم 95 ص 210 – أنظر في هذا المعنى بودري وبارد 4 فقرة 2362 ) .
هـ ) ويذهب بيدان وبرو ( جزء 9 فقرة 1221 ) إلى أنه يشترط في الشخص ليكون ” غيراً ” شرطان : ( أولاً ) ألا يكون طرفا في الورقة العرفية أو ممثلا فيها ( ثانياً ) وأن يتمسك بحق يضره التصرف الذي تشهد به الورقة لو كان سابقاً عليه .
وبعد فهذه جملة صالحة من خير ما قبل في تحديد ” الغير ” ، ويمكن أن يضاف إليها غيرها مما قيل في ذلك . ولكننا لا نزال نؤثر أن نقول : إن ” الغير ” في ثبوت التاريخ هو الخلف الخاص والدائن الحاجز على النحو الذي قدمناه .
ومن الخير إلا نتوسع في رسم منطقة الغير في ثبوت التاريخ ، وألا نتشدد في هذه القاعدة . فهي قاعدة كان يمكن الاستغناء عنها ، والاكتفاء بإلقاء عبء إثبات الأسبقية في التاريخ على المدعى . على أن القاعدة ليست قديمة ، ولم تعرف في القانون الفرنسي القديم إلا في النصف الأول من القرن السابع عشر . وحتى بعد أن عرفت لم يكن لها من الأهمية والشأن في القانون الفرنسي القديم ما أضفى عليها بعد ذلك في القانون الفرنسي الحديث ( أنظر في ذلك بودري وبارد 4 فقرة 2346 ) .
( [24] ) على أنه إذا كان تاريخ كل من المشتريين ثابتا في يوم واحد ، ولم يعرف أيهما اسبق ، فالمكلف منهما بإثبات اسبقيته يعتبر عاجزاً عن هذا الإثبات ، ويفضل عليه صاحب . ويذهب الأستاذ أحمد نشأت أن لكل منهما أن يثبت أنه صاحب التاريخ الأسبق ، كما في حالة ما إذا لم يكن لأي منهما تاريخ ثابت ( الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 234 وفقرة 296 ) .
( [25] ) أما المستأجر فلا يعتبر خلفا خاصا للمؤجر ، إذ لم ينتقل إليه حق عيني على العين المؤجرة . ومن ثم لا يكون ” غيراً ” بالنسبة إلى مستأجر آخر لنفس العين ، ولا تكون المفاضلة بين المستأجرين المتعددين لعين واحدة بالاسبقية في التاريخ الثابت كما تكون المفاضلة بين المشترين المتعددين لمنقول واحد فيما أسلفنا . . . وقد وضعت المادة 573 من التقنين المدني قاعدة أخرى للمفاضلة ، فنصت على ما يأتي : ” 1 – إذا تعدد المستأجرون لعين واحدة فضل من سبق منهم إلى وضع يده عليها دون غش ، فإذا كان مستأجر عقار قد سجل عقده وهو حسن النية قبل أن يضع مستأجر آخر يده على العقار المؤجر أو قبل أن يتجدد عقد إيجاره ، فإنه هو الذي فضل . 2 – فإذا لم يوجد سبب لتفضيل أحد المستأجرين فليس لهم فيما تعارضت فيه حقوقهم إلا طلب التعويض ” . ( قارن الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 237 ) .
( [26] ) قارن ما يقول الأستاذان أوبرى ورو في معنى أن الدائن الحاجز يعتبر من ” الغير ” : ” إن الدائن الذي يحجز على أموال مدينه إنما يستعمل حقا يستمده من القانون لا من المدين . فهو يعمل ضد المدين . ومن الواضح أنه يكون من ” الغير ” من حيث أنه يدافع عن الحجز بما يجلب من نفع وبما ينتج من أثر ضد تصرفات المدين ” . ( أوبرى ورو 12 ص 237 هامش رقم 121 – أنظر أيضاً : لارومبيير 6 م 1328 فقرة 18 – ديمولومب 29 فقرة 548 – تولييه 8 فقرة 251 – فقرة 252 ) .
( [27] ) وقد انقسم الفقه الفرنسي في اعتبار الدائن ” غيراً ” في حجز ما للمدين ، فمن الفقهاء من يذهب إلى هذا الرأي : أوبري ورو 12 فقرة 756 وهامش رقم 122 – لارومبيير 6 م 1328 فقرة 22 – هيك 8 فقرة 251 – ديمولومب 29 فقرة 551 – لوران 19 فقرة 324 ( بلجيكي ) – بودري وبارد 4 فقرة 2360 ص 91 – بيدان وبرو 9 ص 302 هامش رقم 4 – دي باج 3 ص 743 ( بلجيكي ) . ومنهم من يذهب إلى عكس ذلك : تولييه 8 فقرة 251 – ديرانتون 13 فقرة 133 – ماركاديه 5 م 1328 . ونرى من ذلك أن الأغلبية في الفقه الفرنسي تعتبر الدائن ” غيراً ” . وكذلك الحال في الفقه المصري : دي هلتس تحت لفظ actes فقرة 79 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 271 – ص 273 وفي كتابه أصول الإثبات ص 102 – 103 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 130 هامش رقم 1 – الأستاذ محمد حامد فهمي في التنفيذ فقرة 218 ، وانظر عكس ذلك الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 223 – فقرة 224 .
أما القضاء الفرنسي فيذهب إلى أن الدائن في حجز ما للمدين لا يعتبر ” غيراً ” ، ودفعه إلى هذا الموقف رغبته في أن يجعل المخالصات الصادرة من المدين المحجوز عليه إلى المدين المحجوز لديه سارية في حق الدائن الحاجز ولو لم تكن ثابتة التاريخ . ولكن المخالصات لها شأن آخر ، فسنرى إنها بمقتضى نص صريح تسري بتاريخها العرفي في حق ” الغير ” ولو لم يكن هو الدائن في حجز ما للمدين ، وذلك لاعتبارات عملية . ويلجأ القضاء الفرنسي في تبرير موقفه إلى القول بأن مركز الدائن الحاجز في حجز ما للمدين يعدل مركز الدائن الذي يرفع الدعوى غير المباشرة على مدين مدينه . والفرق واضح بين المركزين : فالدائن الذي يرفع الدعوى غير المباشرة إنما يعمل باعتباره نائباً عن المدين ، ورفع الدعوى ليس من شأنه أن يغل يد المدين عن التصرف في حقه ، وما ينتج من الدعوى لا يصل إليه الدائن مباشرة بل لا بد من الحجز عليه . أما الدائن الحاجز فيحجز بمقتضى حق له خاص وهو في ذلك يهاجم المدين لا ينوب عنه ، ثم إن الحجز يغل يد المدين عن التصرف في حقه المحجوز عليه لدى مدين المدين ، وما ينتج من الحجز يصل إليه الدائن مباشرة دون حاجة إلى إجراء آخر . ولا فرق ما بين الحجز التنفيذي وحجز العقار من جهة وحجز ما للمدين لدى الغير من جهة أخرى : كل هذه حجوز يدخل بها الدائن في مرحلة التنفيذ ، وما حجز ما للمدين لدى الغير من جهة أخرى : كل هذه حجوز يدخل بها الدائن في مرحلة التنفيذ ، وما حجز ما للمدين لدى الغير إلا ضرب من الحجز التنفيذي تكيف على نحو يتلاءم مع طبيعة الدين المحجوز عليه ( بودري وبارد 4 ص 91 ناقلا عن لارومبيير ) . قارن الأستاذ أحمد نشأت 1 في الإثبات فقرة 223 – فقرة 224 .
ومع ذلك فقد تأثرت محكمة الاستئناف المختلطة بالقضاء الفرنسي ، إذ قضت بأن الحاجز إنما يمثل مدينه في الدعوى التي يرفعها على المحجوز لديه بثبوت دين المدين في ذمته ، ولذلك لا يكون له إلا سلوك طرق الإثبات الجائزة للمدين ، كما يجوز للمحجوز لديه أن يحتج عليه بالأوراق العرفية الصادرة من المحجوز عليه ولو لم يكن تاريخها ثابتاً قبل الحجز ( استئناف مختلط 2 يناير سنة 1930 م 42 ص 140 – 31 يناير سنة 1934 م 46 ص 150 – أنظر الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 130 هامش رقم 2 ) .
( [28] ) قضت محكمة النقض – قبل صدور تقنين المرافعات الجديد – بان تسجيل التنبيه بنزع الملكية لا ينشيء للدائن العادي نازع الملكية حقا عينيا على العقار يجيز له ( باعتباره غيرا ) أن يتمسك بعدم تسجيل التصرفات الصادرة من المدين قبل تسجيل التنبيه في صدد الاحتجاج بعدم نفاذ تلك التصرفات عليه ، بل كل ما في الأمر أن هذا الدائن يصبح بهذا التسجيل ممن يشملهم لفظ ” الغير ” الذين أشارت إليهم المادة 228 من القانون المدني ( 395 جديد ) ، فلا يصح الاحتجاج عليه بالعقود العرفية إلا إذا كان تاريخها ثابتا قبل تاريخ تسجيل التنبيه . أما إذا كان التصرف موضوع النزاع له تاريخ ثابت سابق على تسجيل التنبيه ، فإنه يعتبر تصرفا نافذا بالنسبة للدائن العادي ومانعاً له من التنفيذ على العين المتصرف فيها ، ولا يجوز له طلب إبطاله إلا إذا اثبت حصوله تواطؤا بين المتصرف والمتصرف له إضراراً بحقوقه هو ، وهذا حتى على فرض أن تسجيل التنبيه يمنع المدين من التصرف في العقار الجاري نزع ملكيته ( نقض مدني 9 يناير سنة 1933 ملحق مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 73 – مجموعة عمر 1 رقم 93 ص 165 ) . أما إذا كان المباشر للتنفيذ دائنا له حق مقيد ، فكانت محكمة النقض ( نقض مدني 19 ديسمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 309 ص 988 ) تعتبره ” غيرا ” في معنى قانون الشهر ، فكل تصرف للمدين لم يشهر قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية لا يكون ساريا في حقه . وقد قضى تقنين المرافعات الجديد ( م 616 ) على هذا الخلاف ، إذ جعل مناط سريان تصرف المدين في حق الدائن ذي الحق المقيد وفي حق الدائن العادي على السواء هو شهر التصرف قبل تسجيل التنبيه ( الأستاذ محمد حامد فهمي في التنفيذ فقرة 341 وما بعدها – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 132 هامش رقم 1 ) .
( [29] ) ويلاحظ أن توقيع الدائن لأي حجز من هذه الحجوز الثلاثة – الحجز التنفيذي وحجز ما للمدين والحجز العقاري – لا يمنع سائر الدائنين من التدخل في إجراءات الحجز ، ومتى تدخلوا اصبحوا هم أيضاً من ” الغير ” ، شأنهم في ذلك شأن الدائن الحاجز الأول ( مقال الأستاذ سليمان مرقس في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 273 – ص 274 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 123 – استئناف مختلط 7 يونية سنة 1938 م 50 ص 352 ) .
( [30] ) أما إذا تعارض حقه كدائن مرتهن مع حق شخص آخر ، كدائن مرتهن ثان أو مشتر أو نحو ذلك ، فإنه يصبح من الغير بالنسبة إليه . ولكن لما كان القانون يستوجب هنا إجراء آخر غير ثبوت التاريخ ، القيد أو التسجيل ، فإن المفاضلة بينهما تكون ، لا بالأسبقية في التاريخ ، بل بالاسبقية في القيد أو التسجيل . ولذلك يحسن إخراج هذه الحالة من منطقة الغير ، وقصر المنطقة على الحالات التي يستوجب فيها القانون ثبوت التاريخ دون أي إجراء آخر ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
( [31] ) والدائن الحاجز يعتبر من ” الغير ” بالنسبة إلى الدائن ذي حق مقيد ، كدائن مرتهن ودائن له حق اختصاص . فلا يسري في حق الدائن الحاجز هذا الحق المقيد إلا إذا كان شهره ( وهو طبقا ثابت التاريخ ) سابقا على توقيع الحجز . وكل من يحل محل الدائن المرتهن يعتبر الدائن الحاجز بالنسبة إليه من ” الغير ” . فإذا أدى كفيل للمدين ، في دين مضمون برهن ، الدين للدائن أن المرتهن وحل محله في رهنه ، فإن عقد الكفالة الذي يستند إليه في الحلول لا يحتج بتاريخه على الدائن الحاجز إلا إذا كان تاريخا ثابتا سابقا على وفائه للدين ( ديمولومب 29 فقرة 553 – بودري وبارد 4 فقرة 2361 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 232 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 274 – ص 275 ) . كذلك الدائن صاحب حق الاختصاص إذا كان حقه ، في ظل التقنين المدني القديم حيث كان ذلك جائزا ، مبنيا على حكم غيابي قبله المحكوم عليه فامتنع سقوطه بانقضاء ستة شهور ، فإن هذا الدائن لا يحتج على الدائن الحاجز بتاريخ الورقة العرفية التي تثبت قبول المحكوم عليه الحكم الغيابي إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتاً ( استئناف مختلط 6 مارس سنة 1934 م 46 ص 198 – 25 مارس سنة 1936 م 48 ص 199 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 231 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 274 ) .
وهناك دائن اعتبره القانون في حكم الدائن الحاجز ، فيعتبر من الغير كالدائن الحاجز . ذلك أن المادة 842 فقرة أولى من التقنين المدني الجديد نصت على ما يأتي : ” لدائني كل شريك أن يعارضوا في أن تتم القسمة عينا أو أن يباع المال بالمزاد بغير تدخلهم . وتوجه المعارضة إلى كل الشركاء ، ويترتب عليها الزامهم أن يدخلوا من عارض من الدائنين في جميع الإجراءات ، وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقهم . ويجب على كل حال إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة ” . ويستفاد من هذا النص أن دائن الشريك إذا عارض في أن تتم إجراءات القسمة بغير تدخله ، فكل قسمة تتم بعد هذه المعارضة ولا يدخل فيها الدائن لا تكون نافذة في حقه . لذلك يكون الدائن المعارض بمثابة الدائن الحاجز بالنسبة إلى تاريخ القسمة ، وهذا بحكم نص القانون . فلا يحتج إذن بتاريخ القسمة على الدائن المعارض إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتا وسابقا على معارضته . أما إذا كان التاريخ غير ثابت فلا يحتج به على الدائن المعارض ولو كان سابقا على معارضته ، وتكون القسمة في هذه الحالة غير نافذة في حق هذا الدائن .
وقد عالج الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد ( 14 ص 275 ) ، هذه المسألة في ظل التقنين القديم . ولاحظ أن الدائن ، إذا رفع دعوى القسمة باسم مدينه بدلا من أن يعارض طالبا التدخل ، فإنه لا يعتبر من ” الغير ” وفقا للراي السائد ( لا لرأيه هو ) . فيحتج عليه بالتاريخ غير الثابت لأن تصرف أجراه المدين في نصيبه الشائع ، ومن ذلك إجراء القسمة ذاتها . ويستطيع المدين إذن أن يحتج بالتاريخ العرفي لقسمة انفرد بها دون تدخل دائنه بالرغم من رفع الدائن دعوى القسمة باسم مدينه ، ولا يستطيع ذلك إذا عارض الدائن . ويعيب الأستاذ سليمان مرقس على هذه النتيجة إنها تجعل لمعارضة الدائن أثراً ابلغ من رفعه للدعوى غير المباشرة . ولسنا نرى بأسا في ذلك ، فإن الدائن إذا اختار الدعوى غير المباشرة فقد اختار أن يعمل نائبا عن مدينه ، فعليه أن يحتمل أثر جميع تصرفات مدينه ومنها إجراء القسمة دون تدخله . أما إذا اختار الدائن أن يتدخل في القسمة التي يجريها مدينه ، فهو لا يعمل في هذه الحالة باسم مدينه ، بل يعمل باسمه الشخصي ، وقد خوله القانون في هذه الحالة بنص صريح أن يتدخل في إجراءات القسمة وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقه .
( [32] ) والرأي الذي يذهب إلى أن الدائن للمدين المفلس لا يعتبر من ” الغير ” هو الرأي الراجح في الفقه والقضاء الفرنسيين : يونييه فقرة 697 – ابوري ورو 12 فقرة 756 فقرة 236 – لارومبيير 6 م 1328 فقرة 36 – ديمولومب 29 فقرة 543 – بلانيول وريبير وجابولود فقرة 1484 – بيدان وبرو 9 فقرة 1221 ص 301 – ليون كان ورينو 7 فقرة 477 – محكمة النقض الفرنسية 15 يونية سنة 1843 سيريه 43 – 1 – 467 – 4 يوليه سنة 1854 دالوز 54 – 1 – 223 – 28 يونية سنة 1875 داللوز 75 – 1 – 469 – محكمة استئناف الجزائر 18 فبراير سنة 1888 داللوز 88 – 1 – 473 – محكمة باستيا 26 أكتوبر سنة 1903 داللوز – 1905 – 20 – 361 . أنظر عكس ذلك : لوران 19 فقرة 330 – فقرة 331 – بودري وبارد 4 فقرة 2360 ص 92 – تالير فقرة 1679 – وقارن حكم محكمة النقض الفرنسية 27 يناير سنة 1886 المنشور في حوليات القانون التجاري سنة 1886 – 1887 2 ص 21 في الهامش .
ويذهب جمهور الفقهاء في مصر إلى الرأي العكسي ، فيقولون بأن الدائن للمدين المفلس يعتبر من الغير : الأستاذ محمد صالح في الإفلاس والصلح الوافي فقرة 60 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 278 ص 279 وفي كتابه أصول الإثبات فقرة 67 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 127 . ويميل الأستاذ أحمد نشأت ( الإثبات 1 فقرة 228 ) إلى عدم اعتبار دائن المدين المفلس من ” الغير ” .
( [33] ) وهناك ” غير ” أجنبي أصلاً ( penitus extranei ) لا يعنيه في شيء تاريخ الورقة العرفية . فلو أن عليا أجر داراً لمحمد ، فإن صاحب الدار المجاورة – إذا لم يكن وارثاً لأي من المتعاقدين ولا دائنا له ولا خلفاً خاصاً على الدار لعلي – يكون غيراً اجنبياً أصلاً عن عقد الإيجار . فلا يعنيه تاريخ الورقة العرفية التي تشهد بالعقد ، اهو تاريخ ثابت أم غير ثابت ، وإذا كان غير ثابت فهل هو تاريخ صحيح أو تاريخ قدم أو آخر ، فعقد الإيجار لا يسري في حقه أصلاً ولم يتحقق أي احتمال في أن يسري في حقه . لذلك إذا قلنا أن تاريخ الإيجار ولو كان غير ثابت حجة عليه 8 ، أو قلنا بل هو ليس حجة ، فالقولان سيان في حقه ، ولن يختلف مركزه في قول عنه في الآخر . فلا جدوى إذن من اقحام هذا ” الغير ” في مسألة التاريخ الثابت للنظر فيما إذا كان يعد ” غيراً ” أو لا يعد ، فإنه خارج بتاتاً عن هذه الدائرة ( ديمولومب 29 فقرة 526 – بوتييه فقرة 699 – بودري وبارد 4 فقرة 2348 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 268 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 217 ) .
على أنه قد يقع أن هذا ” الغير ” – وهو أجنبي أصلاً عن العقد كما رأينا – يرى نفسه في وضع يتأثر فيه بالعقد ، إذ يستطيع اتخاذه سبباً لكسب حق ، أو يصبح العقد بحكم ظروف لاحقة سبباً للانتقاص من حق له . عند ذلك قد يعنيه تاريخ العقد ، اهو ثابت أم غير ثابت ، وهل قدم أو آخر . وفي رأينا أنه يظل ، حتى في هذه الأحوال ، خارجاً عن نطاق ” الغيرية ” التي لا يحتج فيها إلا بالتاريخ الثابت . ومن ثم يحتج عليه بالتاريخ العرفي للورقة ، وله أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ بجميع الطرق إذا كان هنا غش . ونأتي بأمثلة توضح ذلك :
1 – هب أن علياً في المثل المتقدم باع داره من محمد بدلا من أن يؤجرها . فصاحب الدار المجاورة يبقى اجنبياً أصلاً عن البيع كما هو أجنبي أصلاً عن الإيجار . ولكنه سيري نفسه في وضع يتأثر فيه بهذا البيع ، إذ يستطيع اتخاذه سببا – وهو جار – لكسب حق وهو أخذ الدار المبيعة بالشفعة . فهل يحتج عليه بالتاريخ العرفي للبيع في هذه الحالة ، ويفرض في هذا التاريخ أنه صحيح ، حتى يثبت بجميع الطرق أنه قدم ليقع البيع في وقت لم يكن هو فيه مالكا للدار المجاورة المشفوع بها ، بفرض أن طرفي الورقة قد تواطأ على تقديم التاريخ احتيالا منهما لمنعه من الأخذ بالشفعة ؟ أو يعتبر أن هذا التاريخ العرفي ليس حجة عليه ، فلا يكلف نفسه عبء إثبات عدم صحته ، ويفرض فرضا غير قابل لإثبات العكس أن البيع لاحق لتملكه للدار المجاورة ، ويتمسك بوجوب أن يكون التاريخ ثابتاً ليكون حجة عليه ؟ ظاهر أن الرأي الأول – يحتج عليه بالتاريخ العرفي إلى أن يثبت عدم صحته – هو الرأي الصحيح .
2 – وهب أن علياً الذي باع الدار من محمد لم يكن يملكها . فالمالك الحقيقي للدار يعتبر ” غيرا ” أجنبياً أصلاً عن هذا البيع ، لا يسري عليه ولا يتأثر به . ولكن هذا البيع ، بحكم ظروف لاحقة ، أصبح سبباً للانتقاص من حقه ، بل لزواله . فقد حاز محمد الدار ، وهو حسن النية ، وفي يده البيع ، وهو سبب صحيح ، وبقى حائزاً للدار خمس سنوات هي مدة التقادم القصير ، فملك الدار بهذا التقادم . نعرف أن الفقرة الثالثة من المادة 969 من التقنين المدني الجديد تشترط أن يكون السبب الصحيح ” مسجلا طبقا للقانون ” . ولكن هذا شرط حادث . ففي القانون الفرنسي لا يشترط التسجيل ، وكان الأمر كذلك في عهد التقنين المدني المصري القديم لا سيما في العهد السابق على العمل بقانون التسجيل ( قبل أول يناير سنة 1924 ) . فنفرض إننا لا نزال في هذا العهد سابق حتى يستقيم لنا الفرض . فهل يحتج على المالك الحقيقي بالتاريخ العرفي للبيع ، ويرجع إلى خمس سنوات مضين عند بدء الحيازة ، إلى أن يثبت بجميع الطرق أن هذا التاريخ قد قدم عمدا ليساير الحيازة في مبدئها وأن البيع لم يصدر في الحقيقة إلا بعد ذلك ؟ أو يعتبر أن هذا التاريخ العرفي ليس حجة عليه ، فلا يكلف نفس عبء إثبات عدم صحته ، ويفرض فرضا غير قابل لإثبات العكس أن البيع تال لبدء الحيازة ، ويتمسك بوجوب أن يكون تاريخ البيع ثابتا ليكون حجة عليه ؟ ظاهر هنا أيضاً أن الرأي الأول – يحتج عليه بالتاريخ العرفي للبيع إلى أن يثبت عدم صحته – هو الرأي الصحيح . ومع ذلك فقد اجمع الفقه الفرنسي على الرأي العكسي ( أوبري ورو طبعة خامسة جزء 2 فقرة 218 ص 547 – جيلوار فقرة 567 – هيك 14 فقرة 451 – بودري وتيسييه 28 فقرة 677 – بلانيول وريبير وبولانجيه 1 فقرة 3166 – محكمة النقض الفرنسية 18 يناير سنة 1899 سيريه 1901 – 1 – 415 – أنظر مع ذلك بوتييه فقرة 99 ) . على أن الأمر ، إذا نظر إليه من الناحية العملية ، يبدو ميسور الحال . فمحمد الذي يتمسك بالتقادم سيثبت أنه حاز الدار خمس سنوات وكان في يده سبب صحيح منذ البداية ، وفي هذا إثبات لتاريخ البيع . فكيف يقال له بعد ذلك : لا يجوز لك أن تثبت صحة هذا التاريخ العرفي ، ولا يجوز أن تحتج على المالك الحقيقي إلا بالتاريخ الثابت ، وهو إنما يثبت واقعة مادية هي صدور البيع في تاريخ معين ! فليس المالك الحقيقي هو الذي يثبت عدم صحة التاريخ العرفي ، بل المتمسك بالتقادم هو الذي يثبت صحته ، وفي الفرضين لا يشترط أن يكون التاريخ ثابتا . هذا ونلاحظ أن البيع في هذا المثل ، وفي المثل السابق أيضاً ، إنما ينتج اثراً ، بالنسبة إلى المالك الحقيقي أو بالنسبة إلى صاحب الدار المجاورة ، باعتباره واقعة مادية ( fait materiel ) لا باعتباره تصرفاً قانونياً ( acte juridique ) .
3 – وهب أن العقد الذي تم بين على ومحمد هو عقد قرض ، فاقترض على من محمد مبلغا من النقود بورقة عرفية تاريخها غير ثابت . لا شك في أن زيداً – وهو شخص لا هو خلف عام ولا خلف خاص ولا دائن – يعتبر ” غيرا ” أجنبياً أصلاً عن القرض ، فلا يعنيه تاريخه في شيء . ولكن قد يقع ، بحكم ظروف لاحقة ، أن زيداً يتأثر بهذا القرض انتقاصا من حقوقه ( وفي المثل السابق كان التأثر عن طريق زوال الحق إطلاقاً ) ، فيهب له على مالا ، ويشترط في الهبة أن يوفي زيد الموهوب له بديون الواهب الموجود وقت الهبة . فهل يحتج على زيد في هذه الحالة بالتاريخ العرفي للقرض ، وهو سابق على الهبة ، فيلتزم زيد بوفاء هذا القرض ، إلا أن يثبت أن التاريخ العرفي للقرض قد قدم عمداً ليكون سابقاً على الهبة وأن التاريخ الحقيقي لا حق لا سابق ؟ أو يعتبر زيد أن هذا التاريخ العرفي ليس حجة عليه ، فلا يكلف نفسه عبء إثبات عدم صحته ، ويفرض فرضا غير قابل لإثبات العكس أن القرض تال للهبة ، ويتمسك بوجوب أن يكون تاريخ القرض ثابتا ليكون حجة عليه ؟ ظاهر هنا أيضاً أن الرأي الأول – يحتج عليه بالتاريخ العرفي للقرض إلى أن يثبت عدم صحته – هو الرأي الصحيح ( قارن في هذه المسألة أوبري ورو 12 ص 233 ) .
( [34] ) وقد أورد الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد ( 14 ص 281 – ص 282 ) تطبيقاً حسناً لهذا الشرط . فهو بعد أن قرر أن الدائن في الدعوى البولصية لا يعتبر ” غيراً ” ، استثار اعتراضاً على هذا الرأي فقال : ” وقد يعترض على هذا الرأي بأن الدائن يستطيع ، بدلا من الالتجاء إلى الدعوى البولصية حيث نكلفه بإثبات عدم صحة تاريخ المحرر المثبت للتصرف الذي اضر به ، أن يتجاهل حصول هذا التصرف ويوقع الحجز على المال المتصرف فيه باعتبار أنه لا يزال مملوكا لمدينه ، فيترتب له بالحجز حق خاص على المال المحجوز عليه يجعله في حكم الغير بمعنى المادة 228 ( م 395 جديد ) ، فيكفيه أن يتمسك بعدم ثبوت تاريخ المحرر المثبت للتصرف إذا أريد الاحتجاج به عليه . فيكون هذا المذهب في تفسير القانون مشجعا للدائنين على أن يسلكوا الطريق المعوج الذي يفتحه لهم سوء النية . ولكن يرد على ذلك . . . بأنه إذا كان الدائن حاصلا على سند تنفيذي وأوقع الحجز بمقتضى هذا السند وتمسك بالمادة 228 بصفته حاجزاً حتى لا يكون تاريخ التصرف العرفي حجة عليه ، فأن المتصرف إليه بهذا المحرر يجوز له أن يثبت علم الدائن بهذا التصرف قبل توقيع الحجز ، فيثبت بذلك سوء نيته . ومتى ثبت سوء نية الدائن فإنه لأي جوز له أن يستفيد من المادة 228 ، لأن المشرع لا يمكن إني حمي سوء النية ، ولا أن يكون قد أراد بالمادة 228 ( م 395 جديد ) حماية الأشخاص الذين يتخذون القانون ستاراً لارتكاب الغش ” .
أنظر في أن سوء النية هو مجرد علم ” الغير ” بسبق وجود الورقة التي يراد أن يحتج بها عليه ” بودري وبارد 4 فقرة 2374 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 235 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 68 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 131 . وكثير من الفقهاء في فرنسا يذهبون إلى أنه لا يكفي مجرد العلم بسبق وجود الورقة ، بل يجب أيضاً أن يكون ” الغير ” قد ارتكب غشا كأن يكون قد تواطأ مع من صدرت منه الورقة إضراراً بحق من يحتج بها : أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 245 – ص 246 وهامش رقم 137 – لامور مبيير 6 م 1328 فقرة 39 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1485 .
( [35] ) وهذا ما يبود أن الفقه الفرنسي يذهب إليه ويقرره دون مناقشة : أنظر أوبري ورو 12 فقرة 760 ( ثالثاً ) ص 297 – بودري وبارد 4 فقرة 2377 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1505 – دي باج ( بلجيكي ) 3 فقرة 792 – أنظر أيضاً في هذا المعنى الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 279 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 132 ص 145 – ص 146 .
ونحن نتردد في التسليم بهذا الاستثناء . ذلك أن ثبوت التاريخ إنما اشترطه القانون في الأوراق العرفية حتى يتفادى بهذا الشرط تواطؤ أطراف الورقة على تقديم التاريخ الحقيقي أو تأخيره . وهذا يقع أكثر ما يقع في الأوراق التي تعد مقدما للإثبات ، ففيها يتوجه الطرفان إلى هذه الحيلة وتتهيأ لهم الفرصة في تغيير التاريخ الحقيقي . أما الورقة العرفية التي تستخدم للإثبات عرضا دون أن تكون قد أعدت في الأصل لهذا الغرض ، فقل أن يخطر في بال من حررها ، إذا عنى بكتابة تاريخها ، أن يقدم هذا التاريخ أو يؤخره . وإذا وقع ذلك ، أو وقع أن محرر الورقة أخطأ غير عامد في التاريخ ، ففي هذه الأحوال النادرة لا يوجد مانع من القول بأن التاريخ العرفي للورقة – حتى لو كانت رسالة – يبقى حجة على الغير ، وللغير بطبيعة الحال أن يثبت بجميع الطرق أن التاريخ العرفي الذي تحمله الرسالة غير صحيح ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد فقرة 66 ، وقارن بودري وبارد 4 فقرة 2379 ) .
( [36] ) ذلك أن مبدأ الثبوت بالكتابة يكون في الغالب ورقة لم تعد للإثبات مقدما ، وقد ذكرنا أن الأوراق التي لم تهيأ للإثبات لا يشترط فيها ثبوت التاريخ . أما في فرنسا فيقع كثيراً أن ورقة عرفية تهيأ للإثبات دليلا كاملا ثم لا تصلح إلا مبدأ ثبوت بالكتابة ، وذلك كالورقة التي تشهد على عقد ملزم للجانبين ولا تحرر من نسخ تتعدد بتعدد ذوي المصالح المتميزة ، وكالورقة التي تشهد على عقد ملزم لجانب واحد ولا تحمل عبارة الاعتماد المعروفة ، فهذه وتلك يشترط فيهما ، حتى كمبدأ ثبوت بالكتابة ، ثبوت التاريخ ليكون هذا التاريخ حجة على الغير ، لا ،هما اعدتا مقدماً للإثبات . فالعبرة إذن بالاعداد مقدماً للإثبات لا بأن الورقة دليل كامل أو مبدأ ثبوت بالكتابة ، فهناك دليل كامل لا يشترط فيه ثبوت التاريخ لأنه لم يعد مقدما للإثبات كالدفاتر والأوراق المنزلية ، وهناك على العكس من ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة يشترط فيه ثبوت التاريخ لأنه كان قد اعد مقدماً للإثبات كالورقة العرفية التي لم تتعدد نسخها في القانون الفرنسي ( قارن أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 223 هامش رقم 101 ( ثالثاً ) – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1486 – دي باج 3 فقرة 893 ثالثاً – قارن أيضاً الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 66 ص 93 – ص 94 و الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 132 ص 145 ) .
( [37] ) ويترك الأمر فيها لتقدير القاضي : أوبري ورو 12 فقرة 756 مكررة ص 247 . ويرجع في ذلك إلى الدفاتر التجارية والمراسلات وغيرها . أما المسائل التجارية التي أوجب القانون فيها الإثبات بالكتابة ، كالرهن التجاري ( م 76 تجاري ) ، فيجب أن يكون التاريخ ثابتا ليكون حجة على الغير ( بودري وبارد 4 فقرة 2377 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 274 ) .
( [38] ) أنظر عكس ذلك جوسران 2 فقرة 191 – الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 66 ص 94 هامش رقم 3 – وغني عن البيان أنه في الصور الأخرى التي لا يكون فيها الدليل الكتابي واجباً ولم توجد ورقة عرفية للإثبات – كما إذا وجد مانع من الحصول على الكتابة أو فقدت الكتابة بقوة قاهرة – لا محل لاشتراط التاريخ الثابت لأن الورقة العرفية ذاتها غير موجودة . وهذا الفرض يرد إلى الحالة الأولى حين لا تكون هناك ورقة عرفية أصلاً لإثبات التصرف القانوني ، وقد سبق ذكرها .
( [39] ) وذلك كالأمثلة التي أوردناها في حالة الغير الأجنبي أصلاً ( penitus extranei ) حين يحتج عليه بتصرف قانونين باعتباره واقعة مادية ( البيع باعتباره عنصرا من عناصر الأخذ بالشفعة أو باعتباره سببا صحيحا في التقادم القصير : أنظر ص 230 هامش رقم 1 ) .
( [40] ) استئناف مصر 22 يناير سنة 1936 المحاماة 17 رقم 57 ص 116 – استئناف مختلط 7 نوفمبر سنة 1901 م 14 ص 6 – محكمة الفشن 17 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 57 . ومع ذلك إذا عملت محاسبة بين الغير وصاحب الإيصالات غير ثابتة التاريخ ، فلا يجوز لصاحب الإيصالات الادعاء بإيصالات أخرى قد سها عليه ادخالها في الحساب ، إنما يجوز الأخذ بها إذا كانت ثابتة التاريخ وسابقة على تاريخ المحاسبة ( محكمة مصر الوطنية 24 ابريل سنة 1927 المحاماة 7 رقم 471 ص 821 ) .
( [41] ) ولأن المخالصات تعتبر عادة عملا من أعمال الإدارة ، وهذا بخلاف الوفاء مع الحلول أو الإبراء من الدين أو التجديد أو الصلح أو نحو ذلك فهذه أعمال تصرف : أنظر في هذا المعنى أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 233 – ص 235 .
( [42] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1484 ص 926 – وانظر في أن المحجوز لديه لا تحوطه شبهة إذا قدم مخالصة حتى بعد توقيع الحجز ، وتحوط الشبهة المحال عليه في حوالة الحق إذا لم يقدم المخالصة عند إعلانه بالحوالة أو عقب هذا الإعلان ، إلى أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 237 – ص 238 وهامش رقم 122 .
( [43] ) أنظر الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 133 – هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : ” وقد سبق أن أشار البعض بوجوب استثناء المخالصات من أحكام ثبوت التاريخ بمقتضى نص خاص استنادا إلى ما جرى عليه القضاء . وقد اقر القضاء من عهد بعيد عرف التعامل في عدم اشتراط قيد المخالصات اقتصادا للنفقات – بيد أن نطاق هذا العرف يتناول المخالصات العادية فحسب دون المخالصات التي ترتب حقا في الحلول . ولذلك احتاط المشروع الفرنسي الإيطالي ( م 283 ) فجعل للقاضي سلطة تقدير يعتد في أعمالها بما يعرض من ظروف ، وقد رؤى احتذاء هذا المشروع ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 374 – ص 375 ) .
( [44] ) هذا وعدا هذه الأحوال الخمس هناك حالتان :
( في احداهما ) قد يوجد التاريخ الثابت ، ومع ذلك لا يكفي ليكون حجة على الغير . وهي الحالة التي سبق أن ذكرناها عندما يتطلب القانون إجراء آخر للحجية على الغير ، كالتسجيل والقيد وإعلان الحوالة أو قبولها . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : ” إن المادة 530 من المشروع لا تطبق إذا كان الغير قد كفلت له الحماية بمقتضى نصوص خاصة ، كالنصوص المتعلقة باشتراط التسجيل أو التسليم في تمليك المنقولات ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 373 ) .
( وفي الحالة الأخرى ) على العكس من الحالة الأولى قد لا يوجد التاريخ الثابت ، ومع ذلك يكفي التاريخ العرفي ليكون حجة على الغير . ويتحقق ذلك إذا لم يتمسك الغير بوجوب أن يكون التاريخ ثابتا ونزل عن حقه في ذلك على نحو واضح لا لبس فيه . وذلك أن قاعدة ثبوت التاريخ إنما وضعت لحماية الغير ، فهي ليست قاعدة من النظام العام . ومن ثم يجوز للغير عدم التمسك بها والتسليم بالتاريخ العرفي الذي يحتج به عليه ( أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 245 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1486 – بيدان وبرو 9 فقرة 1222 ص 304 ) . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : ” أن المادة 530 من المشروع لا تطبق . . . إذا كان من يحتج عليه بالتاريخ قد اعترف بصحته صراحة أو ضمنا أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته للواقع ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 373 ) .
( [45] ) وهناك فرق بين طبيعة التاريخ العرفي الذي تحمله الورقة العرفية وطبيعة التاريخ الرسمي فالتاريخ الأول جزء من الاتفاق كما قدمنا ، فهو جزء من التصرف القانونين . أما الثاني فواقعة مادية يشهد بها الموظف العام الذي تولى توثيق التاريخ : أنظر في هذا المعنى أوبري ورو 12 فقرة 56 ص 1270 هامش رقم 101 .
( [46] ) وفي فرنسا – حيث اقتصر النص على ذكر الورقة الرسمية لإثبات مضمون الورقة العرفية بها كطريق من طرق إثبات التاريخ ، ولم يذكر النص إلى جانب الورقة الرسمية الورقة العرفية ثابتة التاريخ كما ذكر نص التقنين المصري ذلك – غلب الرأي القائل بأن الموظف العام يجب أن يكون قد اطلع على الورقة العرفية عند إيراد مضمونها في الورقة الرسمية ( أنظر لوران 19 فقرة 285 – دي باج 3 فقرة 797 ) . أما في مصر – حيث يجوز إثبات تاريخ ورقة عرفية عن طريق ذكر مضمونها في ورقة عرفية أخرى تكون ثابتة التاريخ – فلا يشترط إذن الإطلاع على الورقة العرفية الأولى لا عند إيراد مضمونها في الورقة العرفية الثابتة التاريخ ولا عند إيراد مضمونها في الورقة الرسمية ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 71 مكرر ص 110 – ص 111 ) . وإيراد مضمون ورقة عرفية في ورقة أخرى ثابتة التاريخ يجعل تاريخ الورقة الأولى ثابتا ، ولكن لا يعفي من تقديم الورقة ذاتها ولا يكتفي بمضمونها الوارد في الورقة الأخرى ، فالاتفاق الشفوي لا يكسب تاريخاً ثابتاً إذا ورد مضمونه في ورقة ثابتة التاريخ ( الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 153 – ص 154 ) .
وقد قضت محكمة النقض بأن ورود المحرر العرفي في محرر آخر ثابت التاريخ من شأنه أن يجعله ثابت التاريخ من يوم ثبوت التاريخ الذي ورد فيه ( نقض مدني 6 ابريل سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 106 ص 414 ) .
( [47] ) ولكن التاريخ الثابت لتوكيل لا يكسب التصرفات ذات التاريخ اللاحق التي أبرمت بناء على هذا التوكيل تاريخا ثابتا ( استئناف مختلط 10 مايو سنة 1906 م 18 ص 249 ) . كذلك موت الموكل لا يجعل لتصرف أمضاه الوكيل نيابة عنه تاريخا ثابتا ( استئناف مختلط 23 يناير سنة 1912 م 25 ص 196 ) .
( [48] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بعدم اعتبار التاريخ الذي يضعه المحكمون في أحكامهم ثابتاً ثبوتاً رسميا ، فيجوز الطعن فيه بكل الطرق القانونية بما فيها قرائن الأحوال ( 8 نوفمبر سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 28 ) .
( [49] ) الموجز للمؤلف ص 671 و ص 672 . أنظر عكس ذلك الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 288 .
( [50] ) بشرط أن يكون وقت الوفاة ثابتاً ، كأن تدل عليه شهادة مستخرجة من سجل اولفيات ( استئناف مختلط 15 ابريل سنة 1897 م 9 ص 272 ) .
( [51] ) استئناف مختلط 4 ديسمبر سنة 1889 م 2 ص 56 – 22 مايو سنة 1901 م 13 ص 325 .
( [52] ) وقد جرى القضاء المختلط على عدم الاعتراف بثبوت التاريخ عن طريق بصمة ختم لمتوفى ، ولو ثبت أن الختم قد اعدم بمجرد الوفاة ( استئناف مختلط 7 فبراير سنة 1935 م 47 ص 150 – 20 نوفمبر سنة 1945 م 58 ص 8 – أنظر أيضاً : 15 ابريل سنة 1897 م 9 ص 272 – أول ابريل سنة 1908 م 20 ص 158 – 16 يونية سنة 1931 م 43 ص 450 ) .
( [53] ) وهذه مسألة واقع تقدرها محكمة الموضوع ( نقض مدني 27 ابريل سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 120 ص 206 ) . ومما يدل على سهولة التحايل على إثبات التاريخ عن طريق بصمة ختم المتوفى أن قانون التسجيل الصادر في سنة 1923 – وقد نص على استثناء المحررات العرفية من أحكامه متى كان تاريخها ثابتاً قبل العمل به – لم يكد يصدر حتى بادرت الناس إلى إثبات تواريخ عقودها عن طريق تزوير بصمة ختم لشخص متوفى ، وظلوا على هذا النحو مدة طويلة . فصدر القانون رقم 30 لسنة 1942 يقضي بأنه ” لا يقبل بعد 31 ديسمبر سنة 1942 تسجيل المحررات المتقدم ذكرها والتي لا يستند في إثبات تاريخها إلا إلى وجود إمضاء أو اختم فيها لإنسان توفى ” . والظاهر من التسوية بين الإمضاء والختم في مظنة التزوير أن الناس لجأوا أيضاً إلى تزوير امضاءات المتوفين كما زوروا اختامهم . وانتقلت أحكام هذا القانون الأخير إلى قانون الشهر العقاري الذي حل محل قانون التسجيل ( أنظر في هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 113 هامش رقم 1 ) .
( [54] ) الموجز للمؤلف ص 670 – ص 671 .
( [55] ) كما يكفي في ثبوت التاريخ تقديم الورقة في قضية بحيث تتناولها المرافعة ولو لم يؤشر عليها بما يفيد ذلك ( محكمة الإسكندرية الوطنية 21 يناير سنة 1931 المحاماة 11 رقم 489 ص 975 – أنظر أيضاً محكمة النقض الدائرة المدنية في 30 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 276 ص 831 ) . ويعتبر التاريخ الثابت للورقة في هذه الحالة وقت تقديمها إلى المحكمة ، ويثبت ذلك بشهادة من قلم الكتاب ( استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1933 م 45 ص 55 ) . وقد قضت محكمة النقض أيضاً بأن العقد إذا ذكره الطرفان محدداً في إنذارات رسمية ، فإنه يكتب التاريخ الثابت لهذه الإنذارات ( نقض مدني 13 ابريل سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 119 ص 205 ) .
ويمكن القول أن ثبوت علم ” الغير ” بالورقة العرفية ، يجعل لها تاريخاً ثابتاً له حجيته على هذا الغير من وقت علمه بالورقة . ومما يساعد على هذا القول ما قدمناه من أن قاعدة ثبوت التاريخ ليست من النظام العام ، فيجوز أن يعترف ” الغير ” بصحة التاريخ غير الثابت أو ينزل عن التمسك بوجوب أن يكون التاريخ ثابتاً . أما في فرنسا فيصعب القول بذلك ، لأن طرق إثبات التاريخ هناك مذكورة على سبيل الحصر كما سنرى ( أنظر في هذا الطريق من إثبات التاريخ بلانيول ويبير وجابولد 7 فقرة 1845 – بيدان وبرو 9 فقرة 1222 ص 304 ) .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وقد توسع التقنين الإيطالي في بيان الوسائل التي تقدمت الإشارة إليها . وذكر من بينها بوجه خاص حالة طروء عجز جسماني يحول دون الكتابة ( كبتر الأعضاء أو الشلل الكلي ) . أما التقنين المراكشي ( م 425 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 283 ) فقد أثراً سرد هذه الوسائل على سبيل المثال ، حتى يتيسر للقاضي أن يعتد بسائر ما لم يرد في النص من الإمارات البينة الدالة على اسبقية تاريخ الورقة العرفية . بيد أن ينبغي التنويه بأن كفالة الغرض الذي كان يرمي إليه التقنين المصري والتقنين الفرنسي ، وسد ذرائع التحكم ، يوجبان على القاضي عدم الاجتزاء بتأسيس حكمه على وقائع يترجح معها مجرد احتمال مطابقة التاريخ للواقع ، ويقتضيانه تسبيب حكمه وإسناده إلى وقائع قاطعة . ولذلك استظهر المشروع دلالة المقصود في هذا الشأن فنص على أن التاريخ يكون ثابتاً ( من يوم وقوع أي حادث مماثل من حيث الطبيعة يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوع هذا الحادث ) ، محتذياً مثال المادة 425 من التقنين المركشي ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 374 ) .
وللمزيد تعرف على كيفية توكيل محامي
( [56] ) وتأييداً لذلك قضت محكمة النقض بأن وسائل إثبات التاريخ الواردة بالمادة 229 مدني ( قديم ) ليست واردة بها على وجه الحصر . فإذا قدمت ورقة ما في قضية ، وتناولتها المرافعة بالجلسة التي نظرت فيها تلك القضية ، فهذا يكفي لاعتبار تاريخ الورقة ثابتاً من يوم تلك الجلسة ( نقض مدني 30 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 276 ص 821 وهو الحكم الذي سبقت الإشارة إليه ) . وقضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأن المادة 229 مدني ( قديم ) لم تذكر طرق إثبات التاريخ على سبيل الحصر ، وعلى ذلك يجوز أن يكسب المحرر تاريخاً ثابتاً إذا ورد ذكره في محرر رسمي ( 25 يونيه سنة 1929 المحاماة 9 رقم 607 ص 1122 ) . وقضت هذه المحكمة أيضاً بأن المشرع المصري ، على خلاف المشرع الفرنسي ، يعتبر وسائل إثبات التاريخ المنصوص عليها أمثلة يجوز القياس عليها ( 21 يناير سنة 1931 المحاماة 11 رقم 485 ص 975 ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بثبوت التاريخ من ذكر أن الورقة قدمت لخزانة المحكمة لتحصيل الرسوم ( أول مارس سنة 1893 م 5 ص 138 ) وبثبوت تاريخ عملية ورد ذكرها في دفتر من دفاتر التجار المنتظمة ( 19 مايو سنة 1903 م 15 ص 101 ) . وقد ورد في الموجز للمؤلف ( ص 671 – ص 672 ) في هذا المعنى ما يأتي : ” على أن الطرق الثلاثة المتقدمة لم تذكر على سبيل الحصر ، فكل طريق آخر يمكن التثبت به من تاريخ السند العرفي يصلح طريقاً لإثبات تاريخ هذا العقد ” .
ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في بعض أحكامها بأن وسائل إثبات التاريخ ( في التقنين السابق ) قد وردت على سبيل الحصر : استئناف مختلط 6 مايو سنة 1914 م 26 ص 375 – 10 مايو سنة 1917 م 29 ص 458 . وقضت محكمة أبو حمص بأن النشر عن ضياع عقد في إحدى الصحف ليس من طرق إثبات التاريخ المنصوص عليها قانوناً ، وهي على الرأي الراجح واردة في المادة 229 مدني ( قديم ) على سبيل الحصر ( 30 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 28 / 2 ص 61 ) . ولعل هذا يفسر ما ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي من ” وسائل إثبات التاريخ . . . وردت في التقنين المصري ( م 294 مختلط ) والتقنين الفرنسي ( م 1328 ) على سبيل الحصر ، تيسيرا لتثبت الغير من ذلك ، ودفعا لتحكم القضاء . بيد أن الفقه يعني على مذهب الحصر هذا جموده ، ولا سيما أنه يقتضى بطبيعة الحال عدم التوسع في تفسير النصوص ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 374 ) .
( [57] ) اوبرى ورو 12 ص 243 – ص 244 – بودري وبارو 4 فقرة 2369 – بلانيول ويبير وجابولد 7 فقرة 1485 ، وانظر أيضاً فقرة 1483 حيث ينتفدون السياسة التشريعية في حصر طرق إثبات التاريخ .
( [58] ) اوبرى ورو 12 ص 246 – وانظر أيضاً الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 75 ، والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 140 .
نقلا عن محامي أردني