سقوط دعوى استرداد غير المستحق
849 – وجهان خاصان للسقوط :
دعوى استرداد غير المستحق تخضع للقواعد العامة في انقضائها وفي سقوطها . غير أن لها وجهين للسقوط خاصين بها : أو لهما إذا كان المدفوع له حسن النية وجرد من سند الدين أو من تأميناته أو ترك دعواه تسقط بالتقادم ( م 184 ) . والوجه الثاني سقوط الدعوى بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير مستحق بحقه في الاسترداد ( م 187 ) .
1 – تجرد المدفوع له حسن النية من سند الدين أو من تأميناته
أو تركه دعواه تسقط بالتقادم
850 – النصوص القانونية :
نصت المادة 184 على أنه ” لا محل لاسترداد غير المستحق إذا حصل الوفاء من غير المدين وترتب عليه أن الدائن ، وهو حسن النية ، قد تجرد عن سند الدين أو مما حصل عليه من التأمينات أو ترك دعواه قبل المدين الحقيقي تسقط بالتقادم . ويلتزم المدين الحقيقي في هذه الحالة بتعويض الغير الذي قام بالوفاء ( [1] ) .
وهذا النصل اشتمل وأوفي من النص الذي كان في القانون القديم مقابلاً له . فقد كانت المادتين 148 / 209 من القانون القديم تنصان على أنه ” لا يكون الرد مستحقاً إذا دفع إنسان دين شخص آخر غلطاً لدائن ذلك الشخص ، وقبضه الدائن المذكور معتقداً صحة الدفع ، وانعدم سند الدين . وإنما يجوز الرجوع بالمدفوع على المدين الحقيقي ” . ووجه الشمول في النص الجديد أنه لم يقتصر على حالة انعدام سند الدين ، بل شمل التجرد من سند الدين بصفة عامة ، والحق بهذه الحالة ما يعادلها : التجرد من تأمينات الدين وترك الدعوى تسقط بالتقادم ( [2] ) .
851 – التجرد من سند الحق أو من التأمينات : والمفروض أن غير المدين دفع الدين للدائن ، وكان هذا حسن النية وقت استيفاء حقه ، فأعدم سند الدين ، أو سلمه للدافع ولم يستطيع إرجاعه ، أو أغفل المحافظة عليه بأي وجه من الوجوه ، أو تجرد من تأمينات الدين بأن أغفل قيد الرهن ، أو لم يجدد القيد ، أو نزل عن الرهن . أو أبرأ ذمة الكفيل ، أو نحو ذلك ففي كل هذه القروض يسقط حق الدافع في الرجوع على المدفوع له بدعوى غير المستحق ، لأن هذا الحق قد تعارض مع حق آخر لشخص حسن النية هو المدفوع له ، وقد تجرد من سند الدين أو من التأمينات اعتماداً على استيفائه لحقه . فالمدفوع له لم يقصر ، والمقصر هو الدافع إذ دفع الدين غلطاً وغلطه هذا ينطوي على ضرب من التقصير . هذا التعارض بين الحقين هو الذي جعل الغلبة لحق المدفوع له حسن النية ، ورجع كفة غير المقصر على كفة المقصر .
852 – ترك الدعوى تسقط بالتقادم :
ويلتحق بذلك إلى أن يكون الدائن قد ترك دعواه قبل المدين الحقيقي تسقط بالتقادم بعد أن اطمأن إلى استيفاء لحقه . فهنا أيضاً يتعارض الحقان ، ويرجع حق الدائن حسن النية ، فلا يجوز للدافع الرجوع عليه ، لأنه إذا رجع واسترد ما دفع ، لم يستطع الدائن الرجوع على المدين الحقيقي لتقادم دعواه ، شأنه في ذلك شأن الدائن الذي تجرد من سند الدين أو من تأميناته ( [3] ) .
853 – رجوع الدافع على المدين الحقيقي بدعوى الإثراء :
وإذا كان يدافع لا يحق له الرجوع على المدفوع له بدعوى غير المستحق . فإن الطريق البقى أمامه مفتوحاً للرجوع على المدين الحقيقي بدعوى الإثراء بلا سبب ، فقد دفع له دينه ، فأثرى هذا بقدر ما افتقر ذاك . وقد ورد في المذكرة الإيضاحية في هذا الصدد ما يأتي : ” على أن الغير لا يظل محروماً من حق الرجوع بما أداه . فالمدين الحقيقي وقد قضى دينه بفضل هذا الوفاء يلتزم قبله بالتعويض وفقاً لأحكام الإثراء بلا سبب . وقد يخشى في حالة سقوط الدين بالتقادم من تواطؤ الدائن مع الغير على تصوير مخالصة يقدم تاريخها للإبهام بحصول الوفاء قبل انقضاء مدة السقوط . وبذلك يكون التحايل قد هيأ للغير حق الرجوع على المدين ، ويلوح أنه ينبغي أن يكون للمخالصة تاريخ ثابت في مثل هذه الحالة درء لمثل التحايل ( [4] ) ” .
والفرض الأخير الوارد في المذكرة الإيضاحية يمكن تصويره على النحو الآتي : سقط الدين بالتقادم ، فعمد الدائن إلى التواطؤ مع أجنبي أعطاه مخالصة بالدين ، وجعل تاريخ المخالصة سابقاً على سقوط الدين بالتقادم فصوره بذلك شخصاً دفع الدين عن المدين قبل تقادمه ، فيستطيع الرجوع إذن على المدين بما دفع ، إذ لم تتقادم دعواه المبينة على الإثراء بلا سبب بالرغم من تقادم دعوى المدين . وبفضل هذا التواطؤ يستطيع الدائن أن يحصل بطريق غير مباشر على حق سقط بالتقادم . لذلك وجب أن تكون المخالصة ثابتة التاريخ لجواز الاحتجاج بها على المدين ، فيمتنع التواطؤ ولا يستطيع الدائن أن يقدم تاريخ المخالصة ليقع في وقت لم يكن الدين قد تقادم فيه .
2 – سقوط الدعوى بثلاث سنوات
854 – النص القانوني : تنص المادة 187على أنه ” تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد . وتسقط الدعوى كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي يشأ فيه هذا الحق ( [5] ) ” .
ويلاحظ أن دعوى غير المستحق – وهي فرع عن دعوى الإثراء بلا سبب وتترتب مثلها على التزام لا ينشأ بإرادة صاحبه – تتقادم بعين المدة التي تتقادم بها دعوى الإثراء بلا سبب .
855 – السقوط بأقصر المدتين :
ويتبين من النص أن دعوى غير المستحق تسقط بأقصر المدتين الآتيتين :
( 1 ) ثلاث سنوات تسرى من اليوم الذي يعلم فيه الدافع بحقه في الاسترداد . فلا يبدأ سريان التقادم هنا من يوم قيام الالتزام في ذمة المدفوع له ، بل من اليوم الذي علم فيه الدافع بأنه دفع ديناً غير مستحق عليه . ولما كان الدافع لا يعلم عادة بذلك إلا بعد انقضاء مدة من قيامه بالدفع ، فإن سريان هذا التقادم القصير يبدأ في الغالب متأخراً عن سريان التقادم الطويل الذي سيأتي بيانه . وقد يتفق مبدأ السريان في كل من المدتين إذا كان الدافع لم يدفع عن غلط ، بل دفع مكرهاً أو كان ناقص الأهلية ، فإنه يكون عندئذ عالماً بحقه في الاسترداد وقت قيام هذا الحق .
( 2 ) خمس عشرة سنة من يوم قيام الالتزام . ويقوم الالتزام من يوم دفع غير المستحق كما سبق أن بينا . وقد يبدو أن هذه المدة أطول بكثير من المدة الأولي ، وأن الدعوى تتقادم بالمدة الأولى قبل تقادمها بالمدة الثانية, وهذا صحيح في الكثرة الغالبة من الأحوال . ولكن قد يقع – كما رأينا في دعوى الإثراء – أن الدافع لا يعلم بغلطة إلا بعد مدة طويلة ، إذا فرضناها أكثر من اثنتي عشرة سنة ، فإن الدعوى تتقادم في هذه الحالة بخمس عشرة سنة من وقت قيام الالتزام قبل تقادمها بثلاث سنوات من وقت علم الدافع بحقه في الاسترداد . وهذا ما قدره القانون الجديد فتحوط له كما تحوط في دعوى الإثراء ( [6] ) .
( [1] ) تاريخ النص :ورد هذا النص في المادة 253 من المشروع التمهيدي كما هو . وأقرته لجنة المراجعة على أصله تحت رقم 189 . ووافق مجلس النواب عليه دون تعديل . ثم وافقت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ عليه دون تعديل وأصبح رقمه 184 . ووافق مجلس الشيوخ عليه دون تعديل ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 455 – ص 456 ) .
( [2] ) وكان القضاء المصري يفسر عبارة ” وانعدم سند الدين ” التي وردت في القانون القديم تفسيراً ضيقاً . فقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه ” إذا دفع المشتري الثمن لدائن مرتهن ، ثن استحق المبيع أو أبطل البيع لخرجت العين من يده ، كان دفعه الثمن للدائن المرتهن قائماً على غير سبب ، وله أن يسترد الثمن الذي دفعه . ولا يمنعه من ذلك أن يكون الدائن قد عمد إلى شطب الرهن بعد أن استوفي حقه ، فإن نص القانون إنما يمنع الاسترداد في حالة انعدام السند ، أي في حالة زواله بحيث يصبح مستحيلاً على الدائن أن يثبت حقه . وما لم يشتمل شطب الرهن أي في حالة زواله بحيث يصبح مستحيلاً على الدائن أن يثبت حقه . وما لم يشتمل شطب الرهن على النزول صراحة عن الرهن ذاته فإنه لا يفقد الدائن حقه في الرهن . ولا يزال السند المنشئ للحق باقياً على كل حال يستطيع به الدائن أن يرجع على مدينه ( استئناف مختلط 23 نوفمبر سنة 1899 م 12 ص 27 ) . ومع ذلك فقد توسعت محكمة الاستئناف المختلطة أخيراً في التفسير فقاست على ” انعدام السند ” تقادم الدين ، إذ قضت بأنه ” في تطبيق المادة 209 من القانون المدني المختلط المتعلقة باسترداد غير المستحق يقاس على حالة انعدام السند حالة تقادم الدين ” ( استئناف مختلط 15 ديسمبر سنة 1932 م 45 م ص 72 ) .
( [3] ) وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” إذا قام غير المدين بوفاء الدين معتقداً أنه ملزم بأدائه ، فمن حقه أن يسترد ما أدى وفقاً للقواعد الخاصة بدفع ما لا يستحق سواء أكان الدائن حسن النية أن سيئها . ومع ذلك فقد رؤى اختصاص الدائن حسن النية بقسط من الرعاية ، فأقسط عنه الالتزام بالرد على استيفائه ما أدى للغير إلحاق ضرر بحقه ، إما من ناحية الواقع بسبب تجرده من سند الدين أو من التأمينات المخصصة للوفاء به ، وإما من ناحية القانون بسبب سكوته عن مطالبة المدين الحقيقي وتقادم دعواه قبله تفريعاً على ذلك . فالحق أن المقارنة بين الغير الذي أدى ديناً لم يكن ملزماً بأدائه وبين الدائن حسن النية وقد تجرد من سند دينه معتقداً صحة الوفاء تنتهي دون شك إلى توجيه ما ينبغي لمصالح الأخير من أسباب الحماية والتغلب . وقد أخذ التقنين الحالي ( القديم ) بهذا الحكم ولو أنه أفرغه في عبارة يعوزها الوضوح ، إذا ” انعدم سند الدين ” دون أن يتناول بصريح النص حالات هامة كالتقادم وضياع التأمينات ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 455 ) .
( [4] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 455 ( المصدر محامي شركات ). .
( [5] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 260 من المشروع التمهيدي مع اختلاف لفظي طفيف . واقرته لجنة المراجعة على أصله تحت رقم 192 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليه دون تعديل تحت رقم 192 . ثم وافقت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ على النص مع حذف كلمة ” بالتقادم ” وأصبح رقمه 187 . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما عدلته اللجنة التحضيرية . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 463 – ص 464 ) . ويلاحظ أن كلمة ” بالتقادم ” إذ حذفت لأنها لا ضرورة لها ، وسقوط دعوى غير المستحق بثلاث سنوات كسقوطها بخمس عشرة سنة إنما يأتي عن طريق التقادم .
وللمزيد تعرف على كيفية توكيل محامي
( [6] ) وتسقط الدعوى بثلاث سنوات من وقت العلم لو كان المدفوع له سئ النية بل وحتى لو استعمل طرق الغش للاستيلاء على ما أخذ . على أن محكمة النقض قضت في ظل القانون القديم أن الدعوى تسقط بخمس عشرة سنة لا بخمس سنوات ( المدة القصيرة في الدعاوى التجارية ) متى كان المدفوع له قد استعمل أساليب الغش حتى استخلص لنفسه ما أخذه من الدافع . وهذا هو المبدأ الذي قررته محكمة النقض : إذا كانت المحكمة قد ارتكنت في قضائها للمدعى على المدعى عليه برد ما استلبه بطريق الغش على ما حصلته من فهم الواقع في الدعوى والتحقيقات المتعلقة بها من أنه قد استعمل أساليب الغش حتى استخلص لنفسه من المدعى بلا وجه حق ولا مسوغ المبلغ الذي ألزمته برده ، فإنه ذلك كاف وحده لصحة قضائها دون حاجة لبحث وتكييف العلاقة القانونية التي توسل بها الخصم إلى التدليس الذي ارتكبه . وإذن فلا يقبل الدفع بسقوط هذه الدعوى لمضى خمس سنين على اعتبار أن المعاملة بين المدعى عليه إنما كانت تجارياً ، لأن الغش الذي أثبت المحكمة وقوعه بهدم كل اعتبار لهذه المعاملة ” ( نقض 23 مارس سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 174 ص 532 ) .
نقلا عن محامي أردني