قوة البينة والقرائن في الإثبات
181 – قوة مطلقة وقوة محدودة : تقضي المادة 400 من التقنين المدني بأن التصرف القانوني ، في غير المواد التجارية ، لا يجوز إثباته بالبينة إذا زادت قيمته علي عشرة جنيهات أو كان غير محدد القيمة .
فالقوة المحدودة في الإثبات للبينة والقرائن إنما هي في ميدان التصرفات القانونية المدنية . ويستخلص من ذلك أن للبينة والقرائن قوة مطلقة في الإثبات خارج هذا الميدان . فتكون لها هذه القوة المطلقة في الوقائع القانونية المادية ( faits juridiques materiels ) وفي التصرفات القانونية التجارية ( actes juridiques commerciaux ) .
الفرع الأول
قوة الإثبات المطلقة للبينة والقرائن
المبحث الأول
الوقائع القانونية المادية
182 – طبيعة الوقائع المادية تستعصي علي فرض الكتابة للإثبات : هناك فرق واضح بين التصرف القانوني والواقعة المادية .
فالتصرف القانوني إرادة تتجه إلي إحداث أثر قانوني معين فيرتب القانون عليها هذا الأثر ، ولما كانت هذه الإرادة لها مظهر خارجي هو التعبير ، فإن القانون اقتضي ألا يكون إثبات هذا التعبير ، كقاعدة عامة ، إلا عن طريق الكتابة ، وذلك لاعتبارين أساسيين : ( 1 ) لأن التعبير عن إرادة تتجه لإحداث أثر قانوني أمر دقيق ، قد يغم علي الشهود فلا يدركون معناه ، ولا يؤدون الشهادة 341 فيه بالدقة الواجبة ، وسنعود إلي هذا الاعتبار عند الكلام في إثبات التصرف القانوني . ( 2 ) والتصرف القانوني ، فوق ذلك ، هو الذي تستطاع تهيئة الدليل الكتابي ( prevue preconstituee ) عليه وقت وقوعه ، ومن ثم كان اشتراط الكتابة لإثباته أمرا ميسوراً .
أما الواقعة المادية فلا يقوم في شأنها أي من الاعتبارين المتقدمين . فهي تحدث ، وتراها الناس ، فلا تختلف أفهامهم كثيرا في روايتها كما وقعت ، إذ هي ليست من الدقة والتعقيد بالمنزلة التي رأيناها للتصرف القانوني . وهب أن واقعة مادية كانت من الدقة بحيث تختلف أفهام الناس في إدراكها ، فهل يكون ميسوراً تسجيلها بالكتابة عند وقوعها؟ قليل من الوقائع هو الذي يتيسر فيه ذلك . وقد عمد المشرع إلي الخطير من هذه الوقائع ، كالميلاد والموت ، فأوجب تسجيله بالكتابة علي نحو خاص ( [1] ) . أما الكثرة الغالبة من الوقائع المادية التي تحدث آثاراً قانونية فلا يتيسر إثباتها بالكتابة . فيكفي إذن إثباتها بالبينة وبالقرائن . بل بنفتح في إثباتها جميع أبواب الإثبات ، وبخاصة باب المعاينة فهو من أرحب الأبواب للوقوف عليها ( [2] ) .
183 – أنواع الوقائع المادية : والوقائع المادية التي تحدث آثاراً قانونية كثيرة متنوعة .
342 منها ما يكون مصدراً للالتزام ، كالعمل غير المشروع ( [3] ) . والبناء والغراس في الإثراء علي حساب الغير ، والقيان بأعمال مادية في الفضالة ، والجوار والقرابة في الالتزامات القانونية .
ومنها ما يكون سببا لكسب الحقوق العينية ، كالموت والميلاد في الميراث ( وهذان يراعي في إثباتهما أوضاع خاصة كما قدمنا ) ، والحيازة ، والاستيلاء ، والبناء والغراس في الالتصاق ، ومضي الزمن في التقادم ، والجوار في الشفعة .
ومنها ما يحدث آثاراً قانونية أخري ، كانتزاع الحيازة في قطع التقادم ، واستعمال حقوق الارتفاق بعد تركها ، وتنفيذ الالتزامات عن طريق أعمال مادية ( [4] ) . والعمل بالإعسار أو بالفقه( [5] ) أو بالعيوب الخفية أو بالبيع في 343 الشفعة ( [6] ) أو بغير ذلك من الوقائع ( [7] ) ، والتواطؤ ، والغلط والتدليس ( [8] ) والإكراه والاستغلال ، والعرف إذا كان ملحوظا في العقد .
فالقاعدة العامة في هذه الوقائع المادية ، التي أوردنا بعض أمثلة منها ، أنه يجوز إثباتها بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن . فللبينة والقرائن إذن ، في ميدان الوقائع المادية ، قوة مطلقة في الإثبات تستوي في ذلك مع الكتابة ، بل قد تزيد عليها من ناحية الحاجة إليها .
184 – وقائع مادية تستوقف النظر : وهناك حالات للوقائع المادية تحتاج إلي إمعان في النظر .
فهناك وقائع مختلطة ( faits mixtes ) ، يقوم فيها العمل المادي إلي جانب التصرف القانوني ، وذلك كالوفاء والإقرار ، فهذه حكمها في الإثبات حكم التصرفات القانونية لا تثبت فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة . أما الاستيلاء 344 فواقعة مختلطة ، ولكن يغلب فيها طابع العمل المادي ، ومن ثم تثبت بالبينة والقرائن .
وهناك وقائع مركبة ( faits complexes ) ، كالشفعة وهذه تجتمع فيها جملة من الوقائع : الجوار وهو واقعة مادية تثبت بجميع الطرق ، وبيع العين المشفوع فيها وهو بالنسبة إلي الشفيع واقعة مادية أيضا تثبت بجميع الطرق ، وإرادة الأخذ بالشفعة وهذا تصرف قانونية لا يثبت إلا بالكتابة بل لا بد من طريق خاص في التعبير عن الإرادة هنا بينه القانون .
والحيازة واقعة مادية ( [9] ) ، ولكن قد يداخلها تصرف قانوني . فإذا أراد المالك أن يثبت أن الحائز للعين هو مستأجر منه ، وجب عليه أن يثبت عقد الإيجار بالكتابة إذا زاد علي النصاب . أما إذا أراد إثبات أن الحائز لا يقوم بأعمال الحيازة لحسابه الشخصي بل باعتباره مستأجراً فلا يستطيع التملك بالتقادم ، كان كل من الحيازة والإيجار واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( [10] ) .
345 والغير في التصرف القانوني يجوز له إثبات هذا التصرف بجميع الطرق لأنه ليس طرفا فيه ، فهو بالنسبة إليه واقعة مادية ( [11] ) . وحتي فيما بين المتعاقدين قد يقع ليس فيما إذا كان المطلوب إثباته تصرفا قانونيا فلا يثبت إلا بالكتابة ، أو واقعة مادية فتثبت بجميع الطرق ( [12] ) .
346 وفي الإخلال بالتزام عقدي ، يجوز إثبات العمل المادي الذي كون واقعة 347 الإخلال بجميع الطرق لأنه واقعة مادية ( [13] ) . أما العقد الذي أخل به فهو تصرف قانوني ، لا يجوز إثباته فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة .
وفي التبديد وغيره من الجرائم التي تستند إلي عقود مدنية ، لا يجوز إثبات هذه العقود فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة . ومن ثم نري أن الإخلال بالتصرف القانوني قد يكون واقعة مادية ، وأن الجريمة قد تنطوي علي تصرف قانوني ( [14] ) .
348 وقطع التقادم إذا تم بواقعة مادية ، كالعودة إلي استعمال حق الارتفاق ، يثبت بجميع الطرق وإذا تم بتصرف قانوني ، كالاعتراف بحق الارتفاق أو دفع الفوائد والأقساط ، فلا يجوز الإثبات فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة ( [15] ) .
والشركة الفعلية ( societe de fait ) واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( [16] ) .
ودفع غير المستحق تصرف قانوني يجب إثباته بالكتابة فيما زاد علي النصاب ( [17] ) .
وأعمال الفضالة بالنسبة إلي رب العمل وقائع مادية يجوز لهذا إثباتها بجميع الطرق ، حتي لو كان من بين هذه الأعمال تصرف قانوني قام به الفضولي . ولا يجوز إثبات هذا التصرف القانوني ، فيما بين الفضولي ومن تعاقد معه ، إلا بالكتابة فيما زاد علي النصاب ( [18] ) .
( [1] ) وضع القانون نظاما خاصا لإثبات المواليد والوفيات بقيدها في سجلات خاصة يجوز الحصول علي مستخرجات منها ( القانون رقم 130 لسنة 1946 ) وكذلك نصت لائحة المحاكم الشرعية علي طرق معينة تثبت بها الوفاة والوراثة أمام تلك المحاكم ( م 355 – 361 ) .
وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يمكن إثبات الوفاة إلا بمستخرج من سجل الوفيات ( 15 أبريل سنة 1897 م 9 ص 272 ) ونصت المادة 30 من التقنين المدني علي أنه ” 1 – تثبت الولادة والوفاة بالسجلات الرسمية المعدة لذلك . 2 – فإذا لم يوجد هذا الدليل ، أو تبين عدم صحة ما أدرج بالسجلات ، جاز الإثبات طريقة أخري ” .
( [2] ) استئناف مختلط 23 فبراير سنة 1899 م 11 ص 33( خدمات أديت هي السبب في الالتزام ) – 25 مايو سنة 1899 م 11 ص 239 – 9 أبريل سنة 1902 م 14 ص 224 – 15 مايو سنة 1947 م 59 ص 198 – والمعاينة لها صور متنوعة ، فقد تكون ثابتة في محضر انتقال المحكمة للمعاينة ، أو في تقرير الخبير الذي انتدبته المحكمة في دعوي إثبات الحالة ، أو في محضر تحقيق جنائي أو إداري ، أو غير ذلك .
( [3] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن اختلاس الورثة بعض أعيان التركة يثبت بجميع الطرق ( 16 سنة 1930 م 42 ص 200 ) . وقضت أيضا بأنه يمكن إثبات العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب بجميع الطرق( 4 فبراير سنة 1892 م 4 ص 165 – 5 يناير سنة 1893 م 5 ص 161 – 9 ديسمبر سنة 1946 م 59 ص 37 ) .
( [4] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه يجوز إثبات التصرف القانوني بالقرائن إذا كان قد بديء في تنفيهذ بعمل مادي ، وذلك دون نظر لقيمة ما تم من أعمال التنفيذ المادية ( 10 فبراير سنة 1944 م 56 ص 58 ) – وقضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأن البدء في التنفيذ إذا كان ماديا ، كالبدء في البناء جاز إثباته بجميع الطرق ، وإن كان تصرفا قانونيا كالوفاء فلا يثبت بالبينة إذا زاد علي عشرة جنيهات ( 7 مارس سنة 1926 المحاماة 7 رقم 18 ص 34 ) .
ويقرب من ذلك أن يكون مظهر التعبير عن الإرادة ، لا عمل تنفيذا ماديا ، بل وضعا ماديا يستخلص منه الرضاء . ويبدو أنه يجب التمييز ، في هذا الوضع المادي ، بين التعبير عن الإرادة في ذاته ويكفي فيه الوضع المادية ، وبين إثبات هذا التعبير ولا يجوز إلا بالكتابة إذا زادت قيمة التصرف علي عشرة جنيهات ( قارن الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 395 – 396 والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات وفقرة 170 وفقرة 190 ) . فالقسمة مثلا عقد لا يجوز إثباته إلا بالكتابة فيما جاوز النصاب ( استئناف مختلط 28 ديسمبر سنة 1905 م 18 ص 56 ) ، حتي لو استخلصت القسمة ضمنا من أعمال مادية تدل عليها ، ما لم تكن هذه الأعمال المادية هي تنفيذ فعلي للقسمة ( قارن محكمة الاستئناف المختلطة في 10 يونية سنة 1947 م 59 ص 246 – 20 مايو سنة 1948 م 60 ص 121 ) – وانظر أيضا التجديد الضمني للإيجار ، إذ البقاء في العين المؤجرة يعتبر عملا ماديا تنفيذيا للإيجار الجديد .
( [5] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن العلم بقيام حالة السفه والإقدام علي التعامل مع السفيه وقت قيامها للاستفادة منها والرغبة في الهروب من أحكام القانون ، كل هؤلاء من الوقائع التي يصح إثباتها بكافة الطرق القانونية ومنها البينة والقرائن ( 7 نوفمبر سنة 1937 المحاماة 18 رقم 244 ص 461 ) .
( [6] ) استئناف مختلط أول مايو سنة 1902 م 14 ص 275 – 6 أبريل سنة 1904 م 16 ص 182 – 5 مارس سنة 1940 م 52 ص 174 .
( [7] ) وقد قضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأنه يجوز إثبات واقعة انتشار الاختراع بكافة الطرق القانونية لأنها من الوقائع المادية ، والأدوات المطبوعة والكتولوجات يجوز أن يستنتج منها القرائن التي تشير إلي انتشار الاختراع ( 15 يناير سنة 1935 المحاماة 15 رقم 329 / 2 ص 396 ) .
( [8] ) ويجوز إثبات التدليس بجميع الطرق حتي فيما بين المتعاقدين ( نقض مدني 18 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 252 ص 708 – 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 73 ص 199 – 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 74 ص 200 – استئناف مختلط 4 فبراير سنة 1891 م 3 ص 172 – 21 ديسمبر سنة 1893 م 6 ص 64 – 4 يناير سنة 1900 م 12 ص 68 – 13 نوفمبر سنة 1924 م 37 ص 9 – محكمة أسيوط الكلية 12 يونية سنة 1937 المحاماة 18 رقم 132 ص 261 ) – ومما يدخل في إثبات التدليس إثبات الفوائد الربوية ، فيجوز إثباتها بجميع الطرق بشرط أن تكون هناك قرائن قوية علي وجودها ( استئناف أهلي 29 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية 18 رقم 69 – استئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1889 م 2 ص 97 – 25 نوفمبر سنة 1896 م 9 ص 37 – 22 ديسمبر سنة 1897 م 10 ص 48 – أول فبراير سنة 1899 م 11 ص 111 – 8 فبراير سنة 1900 م 12 ص 108 – 29 مارس سنة 1900 م 12 ص 183 – 13 أبريل سنة 1905 م 17 ص 207 – 9 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 69 25 مايو سنة 1932 م 44 ص 338 ) .
( [9] ) وقد قضت محكمة النقض بأن وضع اليد واقعة مادية العبرة فيه بما يثبت قيامه فعلا فإذا كان الواقع يخالف ما هو ثابت من الأوراق ، فيجب الأخذ بهذا الواقع واطراح ما هو غير حاصل وإذن فلا علي المحكمة إذا هي أحالت دعوي منع التعرض علي التحقيق ، وكلفت المدعي فيها إثبات وضع يده الذي ينكره عليه خصمه ، ولو كان بيده محضر تسليم رسمي في تاريخ سابق ( نقض مدني 15 يونية سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 152 ص 611 ) – وقضت أيضا بأنه لما كان وضع اليد واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ، وكان القانون لا يشترط مصدراً معينا يستقي منه القاضي الدليل ، فإنه لا حرج علي المحكمة إذا هي أقامت قضاءها في هذا الخصوص علي ما استخلصته من أوراق أو مستندات تمليك أو حتي من أقوال وردت في شكوت إدارية( نقض مدني 19 فبراية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 73 ص 500 ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن تملك حق ارتفاق مستمر ظاهر بالتقادم يجوز إثباته بجميع الطرق ( 15 مايو سنة 1939 م 42 ص 500 ) ، وقضت أيضا بأن البقاء في العين المؤجرة أو إخلاءها واقعة مادية تثبت بجميع الطرق ( 23 أبريل سنة 1896 م 8 ص 249 ) .
( [10] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت المحكمة بعد أن نفت صفة الظهور عن وضع يد المدعي ، وبعد أن قررت أن شهوده لم يبينوا صفة وضع يده ، فأثبتت بذلك عجزه عن إثبات ظهوره ، مظهر المالك ، قد استطردت فقالت إن المدعي عليه يقول إن المدعي إنما وضع يده بصفته مستأجراً وإن ظروف الدعوي وملابساتها وأوراقها تدل علي صدق قوله ، فذلك من المحكمة ليس حكما بقيام عقد الإيجار بين طرفي الدعوي حتي كان يصح النعي عليها أنها خالفت فيه قواعد إثبات عقد الإيجار ، بل هو استكمال لما ساقته نفيا لما ادعاه المدعي من أنه في وضع يده علي المنزل كان ظاهراً بمظهر المالك ( نقض مدني 16 يناير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 140 ص 303 ) . ولكن إذا أريد إثبات الحيازة ذاتها عن طريق تصرفات قانونية لا عن طريق أعمال مادية ، كما إذا تمسك الخصم لإثبات حيازته بعقد مقايضة وقع علي الأرض المتنازع عليها ، فإنه لا يجوز إثبات عقد المقايضة إلا بالكتابة ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1902 م 14 ص 319 ) . انظر في هذه المسألة أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 312 والهامش رقم 9 – هيك 8 فقرة 280 – لوران 19 فقرة 432 – ديمولومب 30 فقرة 20 – بودري وبارد 3 فقرة 2521 .
( [11] ) وفي رأينا ان هذه القاعدة ليست تطبيقا للقاعدة التي تقضي بأنه يجوز الإثبات بجميع الطرق عند قيام مانع من الحصول علي الكتابة . فالمانع من الحصول علي الكتابة الذي يبرر الإثبات بغيرها يجب أن يكون كما سنري مانعا ذاتيا ، أي في قضية بذاتها ، لا مانعا موضوعيا عاما يتحقق في جميع الأقضية . وهنا المانع موضوعي عام لا ذاتي خاص ، إذ أن كل ” غير ” ليس طرفا في العقد يتعذر عليه الحصول علي دليل كتابي ، ومن ثم تكون هذه القاعدة مستقلة عن قاعدة قيام المانع ، وتتلخص في أن الغير يجوز له إثبات التصرف القانوني بجميع الطرق إذا كان هذا التصرف يعتبر النسبة إليه واقعة مادية ( قارن استئناف مختلط 22 يناير سنة 1890 م 2 ص 386 – 16 مارس سنة 1916 م 28 ص 207 – 8 فبراير سنة 1917 م 29 ص 206 ) . ويترتب علي ذلك أنه يجوز للشفيع – وبيع العقار المشفوع فيه يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية – أن يثبت بالبينة أن الثمن الوارد في هذا العقد أعلي من الثمن الحقيق بقصد منعه من استعمال حقه في الأخذ بالشفعة ، وللمحكمة أن تقضي عليه بدفع الثمن الذي ثبت من شهادة الشهود ومن تقدير الخبراء أنه هو الثمن الحقيقي ( استئناف أهلي 23 فبراير سنة 1909 المجموعة الرسمية 10 رقم 87 ) . ويترتب علي ذلك أيضا أن المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير – وعقد الاشتراط يعتبر بالنسبة إليه تصرفا قانونيا لا واقعة مادية – لا يجوز له أن يثبت هذا العقد إذا زادت قيمته علي عشرة جنيهات إلا بالكتابة . وكذلك يفعل الدائن إذا كان المدين قد التزم نحوه بإرادته المنفردة ، لأن هذه الإرادة تعتبر تصرفا قانونيا بالنسبة إلي الدائن ، وسيأتي بيان ذلك .
( [12] ) وعلي القاضي أن يتبين ما إذا كان المطلوب إثباته تصرفا قانونيا أو واقعة مادية ، ثم يجري بعد ذلك حكم القانون . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم الابتدائي قد قضي بإلزام المدعي عليه بمبلغ معين علي أنه ثمن بضاعة ، مقيما هذا القضاء علي ثبوت حصول اتفاق شفوي بين المدعي والمدعي عليه لا حق للعقد المكتوب بينهما في شأن توريد هذه البضاعة ، وأن المدعي عليه قد تخلف عن تسلمها برغم دعوته إلي ذلك بإنذار وجهه إليه المدعي ، ثم جاءت محكمة الاستئناف فاستظهرت من صحيفة الدعوي وأوراقها ودفاع طرفيها أنها مؤسسة علي هذا الاتفاق المدعي لا علي العقد المكتوب بين طرفيها ، وقضت برفضها بناء علي أن المدعي قد عجز عن إثبات حصول هذا الاتفاق ، فإنها لا تكون قد أخطأت . ولا يقبل من المدعي أن ينعي عليها أنها قد مسخت دعواه إذا اعتبرتها مؤسسة علي الاتفاق المذكور في حين أنها دعوي بتعويض عن عدم تنفيذ العقد المكتوب ، ما دام المبلغ الذي طلبه إنما كان بناء علي الاتفاق الخاص الذي زعم أنه تم بينه وبين المدعي عليه بعد العقد المكتوب بينهما . لا علي أساس هذا العقد ( نقض دني 16 يناير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 137 ص 298 ) .
وقضت محكمة النقض أيضا بأن ما يخلفه مورث ما لورثته مما كان في حيازته ماديا من عقار أو منقول أو نقد ، وكذلك استيلاء وارث ما علي شيء من مال التركة ، عقاراً كان أو منقولا أو نقداً – كل ذلك من قبيل الوقائع التي لا سبيل لإثباتها إلا بالبينة . وإنما الذي يطلب فيه الدليل الكتابي هو العمل القانوني التعاقدي الذي يراد أن يكون حجة علي شخص ليس عليه أو علي من هو مسئول قانونا عنهم دليل قانوني يدل عليه . وإذن فلا يصح الطعن في الحكم بمقوله إنه أخطأ في قبول شهادة الشهود علي وجود المبلغ المتروك وتحديده مع أنه ليس في الدعوي دليل يفيد أن المورث ترك مالا نقداً أو يفيد أن المبلغ المتروك عن هذا الوارث هو كذا غير إقرار الطاعن نفسه ( نقض مدني 23 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 267 ص 792 ) .
وقضت أيضا بأنه إذا كان من أدلة تزوير العقد أن المنسوب إليها صدوره منها كانت قد تصرفت في بعض الأطيان التي وردت في العقد ، فإنه يجوز إثبات هذا التصرف بالبينة والقرائن مهما كانت قيمته ، لأنه يعتبر – بالنسبة إلي أدلة التزوير – واقعة مادية ( نقض مدني 31 ديسمبر سنة 1942 مجموعة عمر 4 رقم 15 ص 36 ) .
وقضت أيضا بأن القانون لم يحرم علي المحكمة إثبات صحة الختم الموقع به علي بشهادة الشهود ، وإنما هو حرم عليها إثبات المشارطة المتعلقة بها الورقة بهذا الوسيلة . فمن حق المحكمة أن تستنتج صحة الختم في ذاته متي ثبت لديها أن صاحبه قد وقع به الورقة المطعون فيها بشخصه ( نقص مدني 8 مارس سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 219 ص 584 ) . ولكن توقيع صاحب الختم بختمه علي الورقة ينطوي علي تصرف قانوني يثبت بالكتابة ( نقض فرنسي 18 يوليه سنة 1906 سيريه 1906 – 1 – 488 – بودري وبارد 4 فقرة 2522 ص 219 ) .
وقضت أيضا بأنه إذا قضت المحكمة لبعض الملاك المشتاعين بملكية بعض الأعيان المشتركة مفرزة ، وبنت حكمها علي أن كلا منهم قد استقل بوضع يده علي جزء معين من الملك الشائع حتي تملكه بمضي المدة ، مستدلة علي ذلك بالبينة والقرائن ، فهذا الحكم لا يعتبر مؤسسا علي التقرير بوقوع تعاقد علي قسمة بين الشركاء ، ولذلك لا يصح النعي عليه أنه قد خالف القانون إذ هو لم يستند إلي دليل كتابي علي القسمة ( نقض مدني 4 أبريل سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 59 ص 147 ) .
انظر طريقة توكيل محامي
وقضت أيضا بأن الدعوي المرفوعة علي سيد وخادمه بطلب الحكم عليهما متضامنين بتعويض عن سرقة الخادم استودعت السيد هي دعويان : دعوي الجريمة المنسوبة إلي الخادم وإثباتها جائز بكل طرق الإثبات إذ هي واقعة مادية وغير متوقفة علي عقد الوديعة ، ودعوي موجهة إلي اليد بمسئوليته عن الخارج إذ هو تابع له وهذه ليس مطلوبا فيها إثبات عقد الوديعة علي السيد ، ومن ثم يجوز إثبات محتويات العلبة بالبينة والقرائن ( نقض مدني أول مايو سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 198 ص 432 ) .
أما الوعد بالزواج ( promesse de marriage ) فرأي يذهب فيه إلي أنه واقعة مختلطة يمتزج فيها العمل المادي بالتصرف القانوني . ورأي آخر يذهب إلي أنه لما كان الوعد بالزواج غير ملزم فهو لا يعدو أن يكون واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( أنظر في هذه المسألة juris – classeur 151 – م 1341 – 1344 فقرة 36 – فقرة 42 ) .
( [13] ) أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 313 – ص 314 – ديمولومب 30 فقرة 17 – لوران 19 فقرة 433 – هيك 8 فقرة 480 – بودري وبارد 4 فقرة 2521 – كذلك يمك إثبات مدي الضرر الذي ترتب علي الإخلال بالالتزام الطرق لأنه واقعة مادية . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن إثبات الأشياء الضائعة وقيمتها في حادث سكة حديدية جائز بجميع الطرق ( 11 مارس سنة 1897 م 9 ص 196 ) .
( [14] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الدليل لا ارتباط له بالمسئولية في حد ذاتها ، وإنما يتعلق بذات الأمر المطلوب إثباته . فقد تكون المسئولية تعاقدية ومع ذلك يكون الإثبات فيها بالبينة والقرائن في حالة التعهد بعدم فعل شيء عندما يرغب المتعهد له إثبات مخالفة المتعهد لتعهده ، وقد تكون المسئولية جنائية أو تقصيرية ومع ذلك يكون الإثبات فيها بالكتابة حتما بالنسبة للعقد المرتبط بها إذا كانت قيمته تزيد علي ألف قرش في غير المواد التجارية والأحوال الأخري المستثناة كما هي الحال في جريمة خيانة الأمان ( نقض مدني 29 فبراير سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 34 ص 75 ) . انظر أيضا : استئناف أهلي أول مارس سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 رقم 47 – استئناف مختلط 10 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 50 .
وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة الجنائية ) بأن المحاكم وهي تفصل في الدعاوي الجنائية لا تتقيد بقواعد الإثبات الواردة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤها في الواقعة الجنائية يتوقف علي وجوب الفصل في مسألة مدنية تكون عنصراً من عناصر الجريمة المطلوب منها الفصل فيها . فإذا هي في واقعة سرقة قد عولت في إدانة المتهم علي شهادة الشهود بأنه هو الذي باع المسروق لمن ضبط عنده ، فلا تثريب عليها في ذلك ولو كانت قيمة المبيع تزيد علي العشرة الجنيهات ، وذلك لأن سماعها الشهود لم يكن في مقام إثبات تعاقد المتهم مع المشتري ، وإنما كان في خصوص واقعة مادية بحتة جائز إثباتها بالبينة والقرائن وغير ذلك من طريق الإثبات المختلفة ، وهي مجرد اتصال المتهم بالأشياء المسروقة قبل انتقالها من يده إلي يد من ضبطت عنده بغض النظر عن حقيقة سند هذا الانتقال الذي لم يكن يدور حوله الإثبات ، لأنه مهما كان لا يؤثر في الدعوي ( نقض جنائي 27 يناير سنة 1941 المحاماة 21 رقم 362 ص 759 ) .
( [15] ) أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 314 وهامش رقم 11 وهامش رقم 12 .
( [16] ) استئناف مختلط 14 مايو سنة 1902 م 14 ص 297 .
( [17] ) فإذ 1 ا أعدم الدائن الذي قبض غير المستحق سند الدين وهو حسن النية ، فلمن دفع غير المستحق أن يرجع علي المدين الحقيقي بدعوي الإثراء ( م 184 مدني ) وفي هذه الحالة يعتبر انشغال ذمة المدين الحقيقي بالدين واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 192 ص 239 ) .
( [18] ) انظر الجزء الأول من هذا الوسيط فقرة 861 – فقرة 862 .
المصدر: محامي في الأردن