متى يمكن التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد


متى يمكن التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد

494 – نطاق الدفع بعدم التنفيذ ونطاق الحق في الحبس : جعل القانون الجديد الحق في الحبس هو الأصل ، وجعل الدفع بعدم التنفيذ هو تطبيق هذا الأصل في دائرة العقود الملزمة للجانبين ( [1] ) .

فالأصل إذن هو الحق في الحبس . قررته المادة 246 مبدأ عاماً ، فجرت على الوجه الآتي :

 ” 1 – لكل من ألتزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به ، مادام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به ، أو مادام الدائن لم يقم بتقديم تامين كاف للوفاء بالتزامه هذا ” .

 ” 2 – ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشيء أو محرزه ، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فان له أن يمتنع عن رد هذا الشيء حتى يستوفي ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئا عن عمل غير مشروع ” .

فالنص يفترض شخصين ، كل منهما دائن للأخر ومدين له ، والتزام كل منهما مترتب على التزام الآخر ومرتبط به . فيكون هذا الارتباط أساساً للحق في الحبس . فمن حاز بعقد أو بغير عقد شيئاً مملوكاً للغير ، كالمودع عنده والمستعير والمرتهن رهن حيازة والمغتصب والحائز بحسن نية ، وأنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، كان له أن يرجع بهذه المصروفات على الوجه الذي بينه القانون . ومن ثم يوجد حائز الشيء ومالكه . والحائز مدين للمالك يرد الشيء ودائن له باسترداد المصروفات . والارتباط واضح ما بين الالتزام برد الشيء والالتزام باسترداد المصروفات . لذلك يجوز للحائز أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يتقاضى من المالك حقه . وهذا هو الحق في الحبس . وهو بهذا العموم يتسع ليدخل في نطاقه الدفع بعدم تنفيذ العقد . فالبائع مدين بتسليم المبيع ودائن بالثمن ، فمن حقه أن يحبس العين حتى يستوفى الثمن . وهذا تطبيق للحق في الحبس في عقد ملزم للجانبين ، وهو في الوقت ذاته تطبيق للدفع بعدم تنفيذ العقد ( [2] ) .

ومن ثم يكون الدفع بعدم التنفيذ فرعاً عن الحق في الحبس . فحيث يطبق الحق في الحبس في نطاق العد الملزم للجانبين كان هذا هو الدفع بعدم التنفيذ . فإذا خرج عن هذا النطاق عاد حقاً في الحبس لا دفعاً بعدم تنفيذ العقد . فالحبس للمصروفات الضرورية أو النافعة في عقود العارية والوديعة ورهن الحيازة وفي غير عقد أصلاً لا يكون دفعاً بعدم التنفيذ بل حقاً في الحبس . وإذا زال العقد بسبب البطلان أو الفسخ أو بأي سبب آخر ، وتعين على كل من المتعاقدين أن يرد ما استولى عليه ، جاز لكل منهما أن يحبس ما أخذه ما دام المتعاقد الآخر لم يرد إليه ما تسلمه منه أو يقدم ضماناً لهذا الرد . وهذا هو أيضاً حق في الحبس لا دفع بعدم التنفيذ لأن العقد قد زال ( [3] ) .

فالدفع بعدم التنفيذ ، كالفسخ ، محصور إذن في العقود الملزمة للجانبين ، وقد صرحت بذلك المادة 161 التي تقدم ذكرها ( [4] ) .

495 – الالتزام الذي يدفع بعدم تنفيذه يجب أن يكون واجب التنفيذ حالا : ولا يكفي أن يكون هناك عقد ملزم للجانبين ، بل يجب أيضاً أن يكون الالتزام الذي يدفع بعدم تنفيذه التزاماً واجب التنفيذ حالاً .

فالدفع بعدم تنفيذ التزام طبيعي – كما إذا سقط بالتقادم أحد الالتزامين المتقابلين في عقد ملزم للجانبين – لا يجوز ، لأن في هذا إجباراً بطريق غير مباشر على تنفيذ التزام طبيعي غير واجب التنفيذ .

كذلك لا يجوز الدفع بعدم تنفيذ التزام مدني غير حال . فالبائع لا يستطيع أن يحبس العين لعدم استيفاء الثمن إذا كان الثمن مؤجلا ، إلا إذا كان الأجل قد سقط طبقاً لأحكام المادة 273 ( أنظر المادة 459 ) . ولا يمنع حلول الالتزام أن يكون القاضي قد منح المدين نظرة الميسرة ( delai de grace ) ، فللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن من المشتري حتى لو منح القاضي للمشتري أجلا لدفع الثمن ، ولا يمتنع الحبس إلا إذا كان الأجل ثابتاً باتفاق الطرفين ( [5] ) . أما إذا كان العقد يوجب على أحد المتعاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر ، فلا يحق له أن ينتفع من هذا الدفع إذ يتعين عليه أن يفي بما التزم به دون أن ينتظر وفاء المتعاقد الآخر ( [6] ) .

المبحث الثاني

كيف يمكن التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد

496 – عدم ضرورة الإعذار : لا يحتاج المتمسك بالدفع إلى إعذار المتعاقد الآخر قبل أن يتمسك بالدفع وهذا بخلاف المطالبة بفسخ العقد فإن الإعذار قبلها واجب على التفصيل الذي بيناه فيما تقدم . على أن التمسك بالدفع معناه امتناع المتمسك عن تنفيذ التزامه ، وفي هذا إعذار كاف للمتعاقد الآخر بوجوب تنفذ الالتزام الذي في ذمته ( [7] ) . وقد يكون الإعذار واجباً لا للتمسك بالدفع ، بل لتوليد الالتزام الذي يخول عدم تنفيذه حق التمسك بالدفع ، كما إذا كان هذا الالتزام هو التزام بتعويض عن التأخر لا ينشأ إلا بالاعذار طبقاً للقواعد العامة .

497 – ترك الأمر إلى تقدير المتمسك بالدفع تحت رقابة القضاء : ويترك الدفع بعدم التنفيذ لتقدير المتعاقد الذي يتمسك به ، وذلك بخلاف الفسخ فقد تقدم أنه موكول لتقدير القضاء . ذلك أن الدفع بعدم التنفيذ أقل خطراً من الفسخ ، فهو لا يحل العقد ، بل يقتصر على وقت تنفيذه .

على أن الدفع بعدم التنفيذ قد يكون مرده في آخر الأمر إلى القضاء . ذلك أنه إذا تمسك أحد الطرفين بالدفع وامتنع عن تنفيذ التزامه ، فإن الطرف الآخر يستطيع أن يرفع الأمر إلى القضاء ، وللقاضي تقدير موقف من يتمسك بالدفع فيقره أو لا يقره . ويتبين من ذلك أنه إذا لم يلجأ المتمسك بالدفع إلى القضاء منذ البداية ، فذلك يرجع في الواقع إلى أنه يتمسك بدفع لا بدعوى ، وطبيعة الدفع تجعل المتمسك به في غير حاجة إلى رفع دعوى ، بل هو الذي ترفع عليه الدعوى فيتمسك عند ذلك بالدفع .

فالتمسك بالدفع يمر إذن على دورين : الدور الأول وهو دور غير قضائي يمتنع فيه المتمسك بالدفع عن تنفيذ التزامه ، وهذا مجرد امتناع لا يحتاج فيه إلى عمل ايجابي . والدور الثاني وهو الدور القضائي لا يتحقق إلا إذا رفع المتعاقد الآخر دعوى يطلب فيها تنفيذ التزام المتعاقد الأول . ففي هذا الدور تتحقق رقابة القضاء . فإذا اقر القاضي المتمسك بالدفع على دفعه ، فإن هذا لا يمنعه من الحكم عليه بالتنفيذ ، ولكن يقرن الحكم بشرط هو أن يقوم المدعى بتنفيذ التزامه في الوقت ذاته . وقد يأخذ الدفع صورة أشكال في التنفيذ إذا ما أراد المحكوم له تنفيذ الحكم قبل أن يقوم بتنفيذ التزامه .

498 – تمسك كل ، المتعاقدين بالدفع : وقد يتمسك كل من المتعاقدين بالدفع ويمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بالتنفيذ . فإذا رفع أحدهما دعوى على الآخر يطالبه بالتنفيذ ، حكم القاضي على المدعى عليه بأن ينفذ التزامه بشرط أن يقوم المدعى من جانبه بتنفيذ التزامه .

498 – تمسك كل من المتعاقدين بالدفع : وقد يتمسك : لمن المتعاقدين بالدفع ويمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بالتنفيذ . فإذا رفع أحدهما دعوى على الآخر يطالبه بالتنفيذ ، حكم القاضي على المدعى عليه بأن ينفذ التزامه بشرط أن يقوم المدعى من جانبه بتنفيذ التزامه .

وتجوز الاستعانة بإجراءات العرض الحقيقي لمعرفة المتخلف عن الوفاء من المتعاقدين ( [8] ) . فإذا تبين القاضي أن أحد المتعاقدين متعنت ، فإن كان المدعى رفض دعواه ، وإن كان المدعى عليه حكم عليه بالتنفذ دون شرط . أما إذا كان كل من المتعاقدين متعتناً ، أو ظهر ألا أحد مهما متعنت ولكن لا يثق أحدهما بالآخر ، ولم يلجأ أحد لإجراءات العرض الحقيقي ، لم يبق للخلاص من هذا الموقف إلا أن يحكم القاضي بأن يودع كل من المتعاقدين ما التزم به في خزانة المحكمة أو تحت يد شخص ثالث ، وفي هذا ما يجعلهما ينفذان التزاميهما في وقت واحد .

المبحث الثالث

ما يترتب من الأثر على الدفع لعدم تنفيذ العقد

أ – فيما بين المتعاقدين :

499 – وقف التنفيذ في غير الالتزام بتسليم عين : إذا توافرت شروط الدفع بعدم التنفيذ ، فإن المتمسك بالدفع لا يجبر على تنفيذه التزامه ، بل يبقى هذا الالتزام موقوفاً ، دون أن يزول كما في الفسخ .

فإذا كان الالتزام الموقوف هو التزام بنقل حق عيني ، كالتزام البائع بنقل الملكية ، كان البائع أن يمتنع عن مساعدة المشتري في تسجيل العقد حتى لا تنتقل الملكية إليه ، وإذا كان التزاماً بعمل ، كالتزام المقاول بإقامة مبنى ، كان للمقاول أن يتوقف عن أعمال البناء . وإذا كان التزاماً بامتناع عن عمل كتعهد تاجر بالكف عن مباشرة التجارة في حي معين منعاً للمزاحمة ، كان للتاجر أن يستمر في مباشرة التجارة في هذا الحي .

ويلاحظ في الالتزام بالامتناع عن عمل أن هناك أحوالاً لا يتصور فيها وقف الالتزام ، كما إذا تعهد ممثل أو مغن أن يمتنع عن أحياء حفلة معينة لقاء مبلغ من المال . فإذا تأخر المدين عن دفع هذا المال ، فإنه لا يسع الدائن إلا خرق هذا الالتزام فيحيي الحفلة إذا استطاع ذلك ، ويكون هذا فسخاً للعقد لا وقفاً له ، لأن طبيعة الالتزام لا تتحمل الوقف . وهذا الحكم ينطبق أيضاً في الالتزام بعمل إذا كان القيام بهذا العمل واجباً في وقت معين وإلا فات الغرض المقصود منه ، كما إذا تعهد صانع بإنجاز مصنوعات لعرضها في معرض عام يقام في وقت معين ، فإذا وقف الصانع تنفيذ التزامه إلى أن يفوت ميعاد المعرض لأنه لم يستوف أجره ، كان هذا بمثابة الفسخ .

500 – وقف التنفيذ في الالتزام بتسليم عين : وإذا كان الالتزام الموقوف هو التزام بتسليم عين ، حبس المتمسك بالدفع العين حتى يستوفى حقه من المتعاقد الآخر . مثل ذلك البائع لا يسلم العين المبيعة حتى يستوفى الثمن . وهنا يختلط الدفع بعدم التنفيذ بالحق في الحبس . وقد قضت المادة 247 بما يأتي : ” 1 – مجرد الحق في حبس الشيء لا يثبت حق امتياز عليه . 2 – وعلى الحابس أن يحافظ على الشيء وفقا لأحكام رهن الحيازة وعليه أن يقدم حسابا عن غلته . 3 – وإذا كان الشيء المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف ، فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء في بيعه وفقا للأحكام المنصوص عيها في المادة 119 ، وينتقل الحق في الحبس من الشيء إلى ثمنه ” . هذا ويتحمل المالك تبعة التلف أو الهلاك بسبب أجنبي ، وقد نصت المادة 460 على أنه ” إذا هلك المبيع في يد البائع وهو حابس له كان الهلاك على المشتري ما لم يكن المبيع قد هلك بفعل البائع ” . وإذا انفق الحابس مصروفات ضرورية أو نافعة استردها طبقاً لأحكام المواد 980 – 982 .

ويبقى الحق في الحبس حتى لو قام المتعاقد الآخر بتنفيذ جزء من التزامه ، وهذا ما يعبر عنه بان الحق في الحبس لا يقبل التجزئة . ومع ذلك يجب إلا يتعسف من له الحق في الحبس فيستمر حابساً للعين إذا كان الجزء الباقي من الالتزام دون تنفيذ من التفاهة بحيث لا يبرر استمرار الحبس ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

وينقضي الحق في الحبس إذا قام المتعاقد الآخر بالتزامه أو إذا خرج الشيء من حيازة الحابس باختياره .

وقد قضت المادة 248 بما يأتي : ” 1 – ينقضي الحق في الحبس بخروج الشيء من يد حائزة أو محرزه . 2 – ومع ذلك يجوز لحابس الشيء ، إذا خرج الشيء من يده خفية أو بالرغم من معارضته ، أن يطلب استرداده ، إذا هو قام بهذا الطلب خلال ثلاثين يوما من الوقت الذي علم فيه بخروج الشيء من يده وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه ” .

501 – وقف التنفيذ في العقود الزمنية : وليس هناك ما يمنع من التمسك بالدفع بعدم تنفيذ العقد في العقود الزمنية . فيجوز للمستأجر أن يمتنع عن دفع الأجرة عن المدة التي حرم فيها الانتفاع بالعين المؤجرة ( أنظر م 565 و م 568 و م 569 و م 570 و م 572 ألخ ألخ ) . وكل وقف في تنفيذ التزام المؤجر يحدث نقصاً في مقدار هذا الالتزام زف إذا تأخر المستأجر في دفع الأجرة ، فتمسك المؤجر بالدفع بعدم التنفيذ ومنع المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مدة من الزمان ، اعتبر المؤجر أنه لم ينفذ نهائياً – لا مؤقتاً – التزامه في حدود المدة التي منع فيها المستأجر من الانتفاع ، فينقص التزامه بهذا المقدار ، ولا يمتد عقد الإيجار مدة تقابل المدة التي وقف فيها المؤجر تنفيذ العقد ( [9] ) .

ب – بالنسبة إلى الغير :

502 – متى يسري الدفع في حق الغير : يسري الدفع في حق الغير إذا كان هذا الغير قد كسب حقه بعد ثبوت الحق في التمسك بالدفع . مثل ذلك أن يتأخر المشتري عن دفع الثمن ، فيتمسك البائع بالدفع ويحبس العين المبيعة . فكل من كسب حقاً من المشتري على العين المبيعة بعد التمسك بالدفع يسري في حقه الدفع . فإذا باع المشتري العين إلى مشتر ثان أو رهنها لدائن مرتهن ، جاز للبائع أن يبقى حابساً للعين في مواجهة المشتري الثاني أو الدائن المرتهن ( [10] ) .

ويمكن تعليل ذلك بأن المشتري لم ينقل إلى خلفه حقوقاً أكثر مما له ، وقد كانت حقوقه خاضعة لحق البائع في حبس العين ، فتنتقل هذه الحقوق إلى الخلف خاضعة لهذا الحق . ولا يستطيع المشتري أن ينقل حقاً لا يملكه ، وفاقد الشيء لا يعطيه . وهذا هو المبدأ الذي قررناه في انتقال الالتزام إلى الخلف الخاص . 503 – متى لا يسري الدفع في حق الغير . ولا يسري الدفع في حق الغير إذا كان الغير قد كسب حقه قبل ثبوت الحق في التمسك بالدفع . فإذا فرض أن شخصاً ، بعد أن رهن منزله رهناً رسمياً ، سلمه إلى مستأجر بعقد إيجار غير ثابت التاريخ ، ثم باعه ، وأراد المشتري تسلم المنزل قبل إنتهاء عقد الإيجار ، فإن للمستأجر أن يرجع بالتعويض على المؤجر وأن يحبس العين في


 ( [1] ) أنظر في القانون المدني القديم في العلاقة ما بين الدفع بعدم التنفيذ باعتباره أصلاً والحق في الحبس باعتباره يتفرع عن هذا الأصل ، نظرية العقد للمؤلف فقرة 668 .

 ( [2] ) وإذا أغفلنا فكرة الارتباط ، واكتفينا بأن يكون هناك شخصان كل منهما مدين للأخر ، وأريد أن يكون لكل منهما الحق في أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إلى أن يقوم الآخر بتنفيذ ما عليه من التزام ، أمكن أن يتحقق هذا عملا بأحد طريقين : الطلبات الفرعية وحجز الدائن تحت يد نفسه .

هذا ويمكن أن ندرك أيضاً ما يقوم من الارتباط الوثيق بين نظم قانونية أربعة : المقاصة والفسخ والدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس . وهي نظم ترجع كلها إلى فكرة واحدة هي تقابل الالتزامات . فحيث يوجد شخصان كل منهما مدين للأخر ، يكون من العدل أن يستوفى كل منهما ماله من حق مما عليه من دين – وهذه هي المقاصة والفسخ – أو في القليل يقف وفاء ما عليه من دين حتى يستوفى ما له ، حق – وهذا هو الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس . ومما يثبت أن هذه النظم القانونية مبنية على أساس واحد أن الرومان كانوا يعالجونها علاجاً واحداً هو الدفع بالغش ، يستعملونه في المقاصة والدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس . والحق في الحبس ، كالدفع بعدم التنفيذ ليس إلا دفعاً ، وقد أعطاه القانون الجديد وصفه الحقيقي ، وخلع عنه لباس الحق العيني الذي كان يرتديه في عهد القانون القديم فيشوه طبيعته ( أنظر نظرية العقد للمؤلف ص 713 هامش رقم 1 ) .

 ( [3] ) وقد كان هذا الحكم منصوصاً عليه في المادة 224 من المشروع التمهيدي ، وقد حذفتها لجنة المراجعة لأنها مجرد تطبيق للقواعد العامة في الحق في الحبس ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 331 في الهامش ) . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( أنظر آنفاً فقرة 479 في الهامش ) .

 ( [4] ) قارن المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 332 فقرة 1 وص 334 فقرة 4 ) . وانظر في هذا المعنى الدكتور حلمي بهجت بدوي بك فقرة 359 – فقرة 360 – رسالة الدكتور صلاح الدين الناهي في الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 80 وفقرة 97 – وانظر أيضاً في هذا المعنى استئناف مختلط في 12 فبراير سنة 1936 م 48 ص 123 .

هذا وقد أورد القانون المدني الجديد تطبيقات جزئية متفرقة لمبدأ الدفع بعدم التنفيذ ، نذكر منها المواد 457 و 459 و 605 .

فالفقرتان الثانية والثالثة من المادة 457 تقضيان بأنه ” 2 – فإذا تعرض أحد للمشتري مستندا إلى حق سابق على البيع أو آيل من البائع ، أو إذا خيف على المبيع أن ينزع من يد المشتري ، جاز له ما لم يمنعه شرط في العقد أن يحبس الثمن حتى ينقطع التعرض أو يزول الخطر . ومع ذلك يجوز للبائع في هذه الحالة أن يطالب باستيفاء الثمن على أن يقدم كفيلا . 3 – ويسري حكم الفقرة السابقة في حالة ما إذا كشف المشتري عيبا في المبيع ” .

وتنص المادة 459 على أنه : ” 1 – إذا كان الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع في الحال فللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي ما هو مستحق له ولو قدم المشتري رهنا أو كفالة . هذا ما لم يمنح البائع المشتري أجلا بعد البيع . 2 – وكذلك يجوز للبائع أن يحبس المبيع ولو لم يحل الأجل المشترط لدفع الثمن إذا سقط حق المشتري في الأجل طبقا لأحكام المادة 273 ” .

وتنص المادة 605 على أنه : ” 1 – لا يجوز لمن انتقلت إليه ملكية العين المؤجرة ولم كن الإيجار نافذاً فى حقه أن يجبر المستأجر على الإخلاء إلا بعد التنبيه عليه بذلك فى المواعيد المبينة فى المادة 563 . 2 – فإذا نبه على المستأجر بالإخلاء قبل انقضاء الإيجار فإن المؤجر يلتزم بأن يدفع للمستأجر تعويضاً ما لم يتفق على غير ذلك ، ولا يجبر المستأجر على الإخلاء إلا بعد أن يتقاضى التعويض من المؤجر أو ممن انتقلت إليه الملكية نيابة عن المؤجر أو بعد أن يحصل على تأمين كاف للوفاء بهذا التعويض ” . والجديد في هذا النص الأخير أنه يجعل المستأجر وهو دائن بالتعويض للمؤجر يحسب العين على المالك ، أو قل إن حق الحبس قبل المؤجر ينفذ في حق المالك .

 ( [5] ) ولا يكفي أن يكون العقد ملزماً للجانبين وأن يكون الالتزام الذي يدفع بعدم تنفيذه التزاماً واجب التنفيذ حالا ، بل يجب إلى ذلك ألا يساء استعمال الدفع . فلا يجوز لمتعاقد أن يتمسك بالدفع إذا كان هو البادئ بعدم تنفيذه ، أو إذا تسبب في عدم تنفيذ الالتزام الآخر . كذلك لا يجوز التمسك بالدفع إذا كان المتعاقد الآخر قد قام بمعظم التزامه ولم يبق إلا جزء يسير لا يبرر امتناع المتعاقد الأول عن القيام بالتزامه . وكل ما يحق للمتعاقد الأول أن يفعله هو أن يبقى دون تنفيذ جزءاً من التزامه يقابل الجزء غير المنفذ من التزام المتعاقد الآخر بفرض أن الالتزام الأول قابل للتجزئة . كذلك لا يجوز أن يمتنع المشتري عن دفع الثمن بحجة أن هناك خطراً يتهدد العين إذا كان هذا الخطر ليس بجدي ، ولا أن يمتنع المستأجر عن دفع الأجرة بحجة أنه يطالب المؤجر بترميمات ينكرها عليه .

وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصاً يجري على الوجه الآتي : ” على أنه لا يجوز للمتعاقد أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا كان ما لم ينفذ من الالتزام المقابل ضئيلاً بحيث يكون امتناعه عن التنفيذ غير متفق مع ما يجب توافره من حسن النية ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 331 ) . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ومهما يكن من شيء فليس يباح للعاقد أن سيء استعمال هذا الدفع . فلا يجوز له أن يتمسك به ليمتنع عن تنفيذ التزامه إذا كان الالتزام المقابل كاد أن يكمل نفاذه ، وأصبح ما لم ينفذ منه ضئيلاً لدرجة لا تبرر اتخاذ هذا الإجراء ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 333 ) . وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة لأنه مجرد تطبيق لنظرية التعسف في استعمال الحق ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 334 ) – أنظر في هذه المسألة رسالة الدكتور صلاح الدين الناهي في الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 174 – وانظر في أحوال يسقط فيها الدفع بعدم التنفيذ نظرية العقد للمؤلف فقرة 670 .

 ( [6] ) وقد كان هناك نص في المشروع التمهيدي يجزي حتى في هذه الحالة أن يمتنع المتعاقد المكلف بالتنفيذ أولاً عن التنفيذ إذا أصاب المتعاقد الآخر نقص في ماله بعد إبرام العقد ، فكانت المادة 223 من هذا المشروع تجري على النحو الآتي : ” في العقود الملزمة للجانبين ، إذا أصاب أحد المتعاقدين نقص في ماله بعد إبرام العقد ، أو إذا طرأ على مركزه المالي ما يخشى معه أن يكون عاجزاً عن تنفيذ التزامه ، جاز للمتعاقد الآخر إذا كان هو المكل بتنفيذ العقد أولاً ، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الأول بتنفيذ ما تعهد به أو يعطي ضماناً كافياُ لهذا التنفيذ . فإذا لم يتم التنفيذ أو يعط الضمان في وقت مناسب جازت المطالبة بفسخ العقد ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 331 في الهامش ) .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” ومع ذلك فقد أجيز له ( أي المتعاقد المكلف بالتنفيذ أولاً ) استثناء أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم العاقد الآخر بوفاء ما تعهد به أو يقدم ضماناً كافياً لهذا الوفاء ، إذا أصاب هذا العاقد بعد إبرام العقد نقص في ماله من شأنه أن يؤثر في يساره أو طرأ عليه من الضيق ما قد يقعد به عن تنفيذ ما التزم به . وينبغي التحرز من اعتبار هذا الاستثناء مجرد تطبيق للمادة 396 من المشروع ، وهي التي تناولت سرد مسقطات الأجل وحصرتها في الإعسار أو الإفلاس وضعف التأمينات الخاصة والامتناع عن تقديم ما وعد بتقديمه منها . فالحالة التي يسري عليها حكم الاستثناء أقل جسامة من ذلك ، فهي تفترض نقصاً بليغاً في مال العاقد ، ولكنه نقص لا يستتبع الإفلاس أو الإعسار ، ومن ثم انزلت هذه الحالة منزلة الاستثناء ، فلو لم تكن لها هذه الخصوصيات لانتهى أمرها إلى إسقاط الأجل ، وبذلك يحل الوفاء بالالتزامات المتقابلة جميعاً وينبغي تنفيذها في أن واحد نزولا على أحكام القواعد العامة . فإذا لم يقم المتعاقد الذي استهدف مركزه للخطر بالوفاء بما التزم به أو بتقديم ضمان كاف في مدة معقولة ، كان للمتعاقد معه إلا يقتصر على إيقاف العقد ، بل له أن يجاوز ذلك إلى طلب الفسخ . ويعتبر هذا الحكم استثناء من القواعد العامة في الفسخ أيضاً لأن الالتزام الذي تخلف العاقد عن الوفاء به لم يصبح مستحق الأداء ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 333 – ص 334 ) – ولكن هذا النص في المشروع التمهيدي حذفته لجنة المراجعة في المشروع النهائي ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 331 في الهامش ) . ولما كان نصاً استثنائياً فلا مجال لتطبيقه بعد حذفه ( أنظر في هذا الموضوع رسالة الدكتور صلاح الدين الناهي في الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 166 – فقرة 167 ) .

 ( [7] ) أنظر استئناف مختلط في 13 ابريل سنة 1922 م 34 ص 330 .

 ( [8] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 333 فقرة 2 – وانظر آنفاً فقرة 495 في الهامش ) .

 ( [9] ) أنظر في هذا الموضوع رسالة الدكتور عبد الحي حجازي في عقد المدة ص 166 – ص 177 .

 ( [10] ) أنظر أيضاً المادة 605 فقرة 2 في تمسك المستأجر بحبس العين المؤجرة في مواجهة من انتقلت إليه ملكيتها . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( أنظر آنفاً فقرة 493 في الهامش ) .

نقلا عن محامي أردني

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s