محــل الإثبـــات  


محــل الإثبـــات  

       ا ـ ما هو محل الإثبات :

       33 ـ محل الاثبات هو مصدر الحق وليس الحق ذاته : قدمنا ان محل الإثبات ليس هو الحق المدعى به ، شخصياً كان هذا الحق أو عينياً ، بل هو المصدر الذى ينشئ هذا الحق .

      $47والمصادر التى تنشئ الحقوق ، أيا كانت ، لا تعدو أن تكون إما تصرفاً قانونياً(acte juridique) وإما واقعة قانونية (fait juridique) على النحو الذى بيناه فيما تقدم .

       34 ـ بل هو مصدر أية رابطة قانونية : والمدعى به لا يقتصر على أن يكون قيام حق ، بل قد يكون انقضاء هذا الحق ، مثل ذلك أن يرفع شخص على آخر دعوى بدين وثبت وجوده ، فيدفع المدعى عليه الدعوى بانقضاء الدين ، ففى هذا الدفع يصبح المدعى عليه مدعيا ويقع عليه عبئ إثبات انقضاء الدين . ومثل ذلك أيضاً أن يرفع شخص على مالك عقار دعوى ثبوت حق انتفاع له على هذا العقار أو حق ارتفاق وثبت هذا الحق ، فيدفع المدعى عليه الدعوى بانقضاء حق الانتفاع أو حق  الارتفاق . وفى جميع هذه الأحوال يكون المدعى به فى الدفع ليس وجود الحق ، شخصيا كان أو عينياً ، بل زواله . وزوال الحق كوجوده يرجع إما إلى تصرف قانونى وغما إلى واقعة قانونية فمحل الإثبات هنا أيضاً هو التصرف القانونى أو الواقعة القانونية .

       وقد يكون المدعى به ليس وجود حق أو زواله ، بل وصفاً قانونيا يلحق وجود الحق أو زواله ، أى يلحق التصرف القانونى أو الواقعة القانونية . أما ما يلحق الواقعة القانونية فمثله أن تكون الواقعة المتمسك بها عملا غير مشروع ثم توصف بأن الدافع لارتكابها هو الدفاع الشرعى عن النفس ، فهذا الوصف أيضاً هو واقعة قانونية يجب إثباته على النحو الذى تثبت به الواقعة القانونية الأصلية . وأما ما يلحق بالتصرف القانونى ـ غير الأوصاف المعروفة المعدلة لآثار الالتزام ـ فمثله أن يكون التصرف عقدا ويتمسك الخصم بأنه باطل أو بأنه قابل للابطال أو بأنه قد فسخ . وأسباب البطلان منها ما يرجع للتراضى ومنها ما يرجع للمحل ومنها ما يرجع للسبب ، وهذه كلها جزء من التصرف القانونى تثبت على النحو الذى يثبت به . وأسباب القابلية للإبطال منها ما يرجع للأهلية ومنها ما يرجع لعيوب الإرادة من غلط وتدليس واكراه واستغلال ، وهذه كلها وقائع قانونية تثبت على النحو الذى تثبت به الواقعة القانونية . وأسباب الفسخ قد تكون تصرفاً قانونياً بأن يختار العاقد فسخ العقد بارادته ، وقد تكون واقعة قانونية بألا يقوم العاقد بتنفيذ التزامه فى عقد ملزم للجانبين.

       $48 35 ـ محل الاثبات ليس إلا التصرف القانونى أو الواقعة القانونية : ويتبين من ذلك كله أن محل الإثبات لا يعدو أن يكونتصرفاً قانونياً أو واقعة قانونية . فالى هذين مرد نشوء الحق وزواله وتعديله واوصافه القانونية . بل إلى هذين مرد كل الروابط القانونية ، أيا كانت هذه الروابط .

       ومن ثم لا معدى لمن يقوم بالإثبات من أن يثبت أحد أمرين . إما تصرفاً قانونياً أو واقعة قانونية([1]) . ومتى أثبت ذلك ، كان على القاضى أن يستخلص مما ثبت ما يرتب القانون عليه من الآثار .

       36 ـ عنصرا الادعاء ـ الواقع والقانون : فالادعاء بحق أو بأية رابطة قانونية أما القضاء ينقسم إذن إلى عنصرين :

$49(1) عنصر الواقع ، وهو مصدر الحق المدعى به ، أى التصرف القانونى أو الواقعة القانونية التى أنشأت هذا الحق . وهذا العنصر هو وحده الذى يطالب المدعى باثباته . والإثبات هنا يتناول مسائل موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها ، إلا فيما يرسمه القانون من قواعد قانونية للإثبات يلتزم القاضى بتطبيقها وفى السماح للخصوم باثبات هذه المسائل . فمثلا إذا رفع المشترى على البائع دعوى بتثبيت ملكيته للعقار الذى اشتراه ، فان ثبوت عقد البيع مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض ، ولكن وجوب غثبات البيع إذا زادت قيمته على عشرة جنيهات بالكتابة أو بما يقوم مقامها مسألة قانونية تخضع لهذه الرقابة . (2) عنصر القانون ، وهو استخلاص الحق من مصدره بعد أن يثبت الخصم هذا المصدر ، أى تطبيق القانون على ما ثبت لدى القاضى من الواقع . وهذا من عمل القاضى وحده ، لا يكلف الخصم إثباته , فالقانون لا يكلف أحداً هذا الإثبات ، بل على القاضى أن يبحث من تلقاء نفسه عن القواعد القانونية الواجبة التطبيق على ماثبت عنده من الواقع فيطبقها . وهو فى تطبيقها يخضع لرقابة محكمة النقض([2]) ففى المثل المتقدم ن بعد إثبات عقد البيع بالكتابة ، يكون على القاضى أن يستخلص منه التزاماً فى ذمة البائع بنقل ملكية العقار المبيع للمشترى ، وعلى القاضى أن يستخلص أيضاً أن الملكية لا تنتقل فعلا إلى المشترى إلا بتسجيل عقد البيع . وكل هذه مسائل قانونية يقضى بها دون أن يكلف أحداً من الخصمين باثباتها ، فهى ليست محلا للاثبات إذ المفروض أن القاضى هو  $50 أول من يعلم القانون وقد ناطت الدولة به تطبيقه . بل إن القاضى لا يستطيع أن يمتنع عن القضاء بحجة أنه لا توجد أحكام قانونية يمكن تطبيقها ، وإن امتنع عد امتناعه نكولا عن أداء العدالة (deni de justice) .

       37 ـ تفسير القانون يلحق بعنصر القانون ، ويقع عبؤه على القاضى لا على الخصم : وقد يقع أن تكون أحكام القانون غامضة ، فنكون فى حاجة إلى التفسير . وعلى القاضى أيضاً يقع عبء هذا التفسير لا على الخصم . فالقاضى هو المنوط به تفسير القانون وتطبيقه تطبيقاً صحيحاً على الواقع الذى ثبت أمامه بالطرق القانونية . وإذا كان الخصم يجتهد فى أن يقنع القاضى بتفسير للقانون يكون فى مصلحته ، فليس هذا من جهة الخصم إثباتاً لأحكام القانون ، بل هى محاولة يبذلها لحمل القاضى على أن يفهم القانون الفهم الذى يتفق مع مصحلته . وهى محاولة لم يكلف القانون الخصم بها ، ولم يرسم لها طرقاً معينة كما رسم لإثبات الواقع . وهى بعد محاولة قد تنجح وقد تفشل ، وللقاضى فيها القول الفصل . وآية ذلك أن القاضى فى تفسير القانون يستطيع أن يحكم بعلمه ، وهو لا يستطيع ذلك فى إثبات الواقع . بل هو فى القانون وفى تفسيره لا يحكم إلا بعلمه ، وهذا العلم هو مصدره الوحيد لمعرفة القانون . وغنى عن البيان أنه يستعين فى تحصيل هذا العلم بمراجعة نصوص القانون ، وما وضعه الفقه من شرح لهذه النصوص ، وما قرره القضاء من مبادئ فى تطبيقها . ولكنه فى النهاية يعتمد على فهمه الشخصى لأحكام القانون ، لا يقيده فى ذلك فقه مبسوط أو قضاء سابق . وإنما يكون فى هذا الفهم الشخصى خاضعاً لرقابة المحكمة العليا ، فتعقب على قضائه فيما ترى التعقيب عليه([3]) .

$51 38 ـ متى يصبح القانون مسألة موضوعية يتعين على الخصم اثباته ـ العادة الاتفاقية والقانون الاجنبى : على أن القانون يصبح مسألة موضوعية ، فيتعين على الخصم إثباته ، ولا يخضع القاضى فى تطبيقه لرقابة محكمة النقض ، فى موضعين :

       ( أولا ) إذا كانت هناك قاعدة تقوم على العادة الاتفاقية (usage conventionnel) وتعتبر شرطاً مفترضاً فى العقد لا حاجة إلى التصريح به فتصبح القاعدة فى هذه الحالة شرطاً من شروط العقد ، شأنها فى الإثبات شأن سائر شروط العقد يتعين على من يتمسك بها أن يقوم باثباتها . فاذا سلم بها الخصم الآخر لما استفاض من شهرتها العامة (notoriete publique) ، أخذ بها القاضى كمسألة موضوعية ثابتة . وإن نازع الخصم فيها ، كان على ذى المصلحة من الخصوم أن يثبتها ، ويكون ذلك بجميع الطرق ولو بالبينة أو بقول أهل العلم بها ([4]) . ذلك أن هذا القاعدة ، وإن كانت تدخل ضمن قانون العقد ، إلا أنها تصبح مسألة واقع لا مسألة قانون ، إذ ترد فى النهاية إلى إرادة المتعاقدين المفترضة ، فهما قد ارتضيا فرضاً ما ألفته الناس فى التعامل من الشروط ([5]) .

       ثم إن المراد إثباته هنا ليس هو أن المتعاقدين قد ارتضيا القاعدة شرطاً من شروطالعقد ، فان التراضى على ذلك مفروغ منه بحكم أن القاعدة تقوم على العادة التى ألفتها الناس فى التعامل ، وإلا لوجب أن يكون إثباتها بالكتابة فيما يجب إثبات التصرف القانونى فيه بهذه الطريقة . ولكن الإثبات ينصب فى هذه الحالة على مجرد وجود العادة الاتفاقية وقيامها المادى (sa materialite) ، وهذه $52  واقعة مادية تثبت بجميع الطرق كما قدمنا . ويخلص من ذلك أن التعرف على القاعدة التى تقوم على العادة الاتفاقية لا يخضع لرقابة محكمة النقض ، بل يصبح مسألة واقع لا تعقيب فيها على محكمة الموضوع .

       وهذا بخلاف القاعدة القانونية التى يكون مصدرها العرف (coutume) لا العادة (usage) ، فهذه مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض , وقد عارض بارتان([6]) بين العادة والعرف من حيث الإثبات . فالعادة ، على ما عرفت ، عنصر من عناصر الواقع ، يتمسك بها الخصم فعليه إثباتها ، كما يفعل فى سائر شروط العقد الصريحة أو الضمنية . أما العرف فقاعدة قانونية . شأنها فى الإثبات شأن القواعد القانوينة التى يكون مصردها التشريع . وليست القاعدة القانونية التى تقوم على العرف فى حاجة إلى الإثبات أكثر من حاجة القاعدة القانونية التى تقوم على التشريع . كلتا القاعدتين قانون واجب التطبيق (opinion juris vel necessitates) يتعين على القاضى البحث عنه من تلقاء نفسه لتطبيقه ، دون حاجاة إلى إثباته من جانب الخصوم([7]) .

$53(ثانياً) إذا كان القانون الطبق قانوناً أجنبياً بمقتضى قاعدة من قواعد الإسناد . مثل ذلك أن يطبق القاضى القانون الفرنسى فى الحكم بصحة عقد زواج فرنسى بفرنسية . فهنا توجد مسألتان : (1) مسألة قانون ، هى قاعد افسناد التى تقضى بالرجوع فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج إلى قانون كل من الزوجين ، وهى جزء من نصوص التقنين المدنى المصرى (م 12 من التقنين المدنى الجديد) ، ويخضع القاضى فى تطبيقها لرقابة محكمة النقض . (2) ومسألة واقع ، هى أحكام القانون الفرنسى (وهو قانون كل من الزوجين) الخاصة بصحة الزواج ، وهذه تكون محلا للإثبات ، ويكلف الخصم ذو المصلحة إثباتها ، ومتى ثبتت وأخذ بها القاضى فإنه لا يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض فى التعرف على أحكام القانون الأجنبى . وهنا أيضاً نرى أن القانون ـ القانون الأجنبى ـ يصبح مسألة موضوعية يتعين على الخصم إثباته ، ويعتبر فى هذه الحالة واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ، ويدخل فى ذلك رأى أهل العلم بالقانون الأجنبى والنصوص الرسمية لهذا القانون وما يقترن بهذه النصوص من تفسير فقهى وقضائى .

$54  وعلى هذا جرى القضاء المصرى([8]) مقتدياً فى ذلك بالقضاء الفرنسى([9]) . والفقه فى فرنسا منقسم فى هذه المسألة . فريق يؤيد القضاء الفرنسى لأسباب ترجع فى الغلب إلى اعتبارات عملية إذ لا يتيسر للقاضى فى كثير من الأحوال أن يلم بالقانون الأجنبى([10]) . وفريق آخر يعارض القضاء الفرنسى ويعتبر تطبيق قانون أجنبى مسألة قانون لا مسألة واقع ، لأن القانون لا تتحول طبيعته فيصبح واقعاً لمجرد أن قاضياً أجنبياً يطبقه بمقتضى قاعدة إسناد فى قانونه الوطنى ([11]) . وهناك من الفقهاء من يرى وجوب اعتبار تطبيق القانون الأجنبى مسألة قانون ، ولكنه مع ذلك يقر موقف القضاء الفرنسى للضرورات العملية ([12]) . والفقه  $55  فى مصر منقسم انقسام الفقه فى فرنسا ([13]) .

ونحن ، مع ذلك ، لا نتردد فى اعتبار تطبيق أحكام القانون الأجنبى مسألة قانون لا مسألة واقع . فان القاضى ، إذا أمره قانونه الوطنى بتطبيق أحكام قانون أجنبى ، وجب أن يعتبر أحكام هذا القانون الأجنبى بالنسبة إلى القضية التى يطبق فيها هذه الأحكام جزءاً من قانونه الوطنى . فعليه إذن أن يبحث من تلقاء نفسه عن أحكام القانون الأجنبى الواجبة التطبيق فى هذه القضية . وله أن يصدر فى هذه الأحكام عن علمه الشخصى . ولا يجوز له أن يمتنع عن تطبيق أحكام القانون الأجنبى عن علمه الشخصى . ولا يجوز له أن يمتنع عن تطبيق أحكام القانون الأجنبى بدعوى عدم إمكان الاهتداء إليها ، وإلا عد امتناعه نكولا عن أداء العدالة (deni de justice) . بل ويكون فى تطبيقه لأحكام القانون الأجنبى ، كما هو فى تطبيقه لقاعدة الاسناد التى أمرته بتطبيق هذه الأحكام ، خاضعاص لرقابة محمة النقض . وتفسر هذه المحكمة القانون الأجنبى ، لا طبقاً لرأيها الشخصى ، بل وافقاص لما تفسره به محاكم البلد الذى ينسب إليه هذا القانون وبخاصة المحكمة العليا منها . ونحن إنما نذهب إلى هذا ارأى لأنه لا يصح أن تتغير طبيعة القانون فيصبح واقعاً ، سواء كان هذا القانون قانوناً وطنياً أو كان  $56  قانوناً أجنبياً يأمر القانون الوطنى بتطبيقه فيصبح جزءاً منه فى حدود هذا التطبيق . والذى دعا إلى القول بنزول مرتبة القانون الأجنبى إلى حد أن يكون واقعاً لا قانوناً أمران . ( الأمر الأول ) يرجع إلى التاريخ . فقد كان القانون الأجنبى فى الماضى لا يعامل معاملة القانون الوطنى . وإذا أجيز تطبقه فعلى اعتبار أنه واقع لا قانون . فلا يفترض العلم به ، ولا يبحث القاضى عن أحكامه من تلقاء نفسه بل يجب على الخصم إثباتها ، ولا يحضع القاضى فى تطبيقه هذه الأحكام لرقابة محكمة النقض ، وإذا امتنع عن تطبيقه لم يعد ناكلا عن أداء العدالة . وكان هذا يرجع إلى نظرية عتيقة تقول بأن القانون الأجنبى إنما يطبق على سبيل المجاملة الدولية (ex comitatte gentuum) وقد هجرت هذه النظرية هجراناً تاماً وعفا عليها الزمن ، ففيم الإبقاء على بعض آثارها والاصرار على عدم رد اعتبار القانون الأجنبى ! ([14]) . (والأمر الثانى) يرجع إلى العمل . فقد يصعب فى بعض الأحوال أن يهتدى القاضى من تلقاء نفسه إلى أحكام القانون الأجنبى ، ومن ثم كان تكليف الخصم باثبات هذه الأحكام تيسيراً لتغيير طبيعة القانون . على أن مهمة القاضى فى هذا الصدد ، بعد انتشار العلم ، لم تصبح من العسر على ما كانت منه فى الماضى . وبعد ، فلا يوجد ما يمنع القاضى من الاستعانة بالخصم صاحب المصلحة فى الاهتداء إلى أحكام القانون الأجنبى ، ومصلحة الخصم أكبر دافع له فى ذلك ، على أن يبقى القاضى هو صاحب القول الفصل فى التعرف على

أحكام القانون الأجنبى ،$57 خاضعاً فى ذلك لرقابة محكمة النقض ([15]) .

       ب ـ الشروط الواجب توافرها فى محل الاثبات :

       39 ـ طائفتان من الشروط : والواقعة المراد إثباتها يجب أن تتوافر فيها جملة من الشروط ، يمكن تقسيمها إلى طائفتين : (1) طائفة من الشروط بداهتها تغنى عن الإطالة فيها ، وهى أن تكون الواقعة محددة (determine) وغير مستحيلة (comteste) . (2) وطائفة أخرى نصت عليها المادة 156 من تقنين المرافعات الجديد على الوجه الآتى : (( يجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى ، منتجة فيها ، جائزاً قبولها )) .

       40 ـ شروط بديهية : : أما أن تكون الواقعة المراد إثباتها محددة فهذا بديهى ، فالواقعة غير المحددة لا يستطاع إثباتها . ولو أن شخصاً طالب بدين أو بملكية وأسس دعواه على عقد لم يحدد ماهيته ، أهو بيع أو صلح أو قسمة أو غير ذلك من العقود التى يصح أن تكون مصدراً للدين أو سبباً للملكية ، فان الواقعة التى يريد إثباتها لا تكون محددة تحديداً كافياً ، فلا يصح السماح باثباتها إلا بعد أن تحدد . وكون الواقعة محددة تحديداً كافياً مسألة موضوعية تخضع لرقابة محكمة النقض ([16]) .

       وأما أن تكون الواقعة المراد إثباتها غير مستحلية ، فهذا أيضاً بديهى ، $58 فالمستحيل لا يصح عقلا طلب إثباته . والاستحالة ترجع إلى أحد أمرين : إما استحالة التصديق عقلا وإما استحالة الإثبات . فالأولى كالعمى يدعى أنه رأى هلال رمضان ، والمنجم يدعى أنه أوتى علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله ، ومجهول النسب يدعى بنوته إلى من لا يكبره فى السن . والثانية ترجع إلى أن الواقعة المراد إثباتها هى فى ذاتها قابلة للتصديق عقلا ولكن لا سبيل إلى إثباتها ، كمن يدعى واقعة مطلقة بأن يقول أنه لم يكذب قط أو أنه يؤدى فريضة الصلاة طوال حياته . فهاتان واقعتان إحاهما سلبية والأخرى إيجابية ، وكلتاهما واقعة مطلقة هى متصورة التصديق ولكن إثباتها مستحيل ، فلا يجوز قبولها واقعة للإثبات . ولا يرجع ذلك إلا إلى أن الواقعة مطلقة اى خالية من التحديد. ومن ثم ترى أن استحالة الاثبات تتلاقى مع عدم التحديد ، ويصبحان شرطاً واحداً . فالواقعة يجب أن تكون محددة كما قدمنا ، فان لم تكن محددة لا يجوز قبولها للإثبات ، لا لأنها غير محددة فحسب ، بل لأنها أيضاً يستحيل إثباتها . ومن ثم نرى أيضاً أن استحالة الإثبات ترجع إلى عدم تحديد الواقعة لا إلى أنها واقعة سلبية . فالواقعة السلبية المحددة ـ كالواقعة الإيجابية المحددة لا يستحيل إثباتها ، فيجوز قبولها للإثبات . مثل ذلك شخص يطالب آخر برد غير المستحق وثبت أنه لم يكن مديناً بما دفعه للمدعى عليه ، فهنا الواقعة السلبية محددة ، وهى عدم المديونية فى دين

معين ، وما على المدعى إلا أن يثبت أن هذا الدين الذى دفعه مصدره عقد باطل أو عقد قد فسخ أو أن الدين قد سبق الوفاء به أو نحو ذلك([17]) .

.

$59هذا وكون واقعة المراد إثباتها مستحيلة التصور عقلا أو مستحيلة الإثبات مسألة موضوعية ، ولكن محكمة النقض تستطيع أن تنفذ إلى بسط قدر من الرقابة من طريق القصور فى التسبيب . 

       ويجب أخيراً أن تكون الواقعة المراد إثباتها غير معترف بها . وهذا أيضاً شرط بديهى ، إذ لا محل لإثبات واقعة معترف بها . فالاعتراف إقرار ، والإقرار كما سنرى إعفاء من الإثبات ، فتكون الواقعة محل الادعاء قد أعفى مدعيها  $60 من إثباتها فأصبحت بذلك ثابتة ([18]) . لذلك يكون الأصح القول إن الواقعة المعترف بها قد أصبحت ثابتة ، لا أنها واقعة غير قابلة للإثبات . ويتضح الفرق بين القولين فى أن الواقعة المعترف بها لا تصبح ثابتة إلا بالنسة إلى المقر إذ الإقرار حجة قاصرة عليه ، أما بالنسبة إلى الغير فلم يقم الدليل عيها ومن ثم يصح إثباتها ، ولو كانت غير قابلة للإثبات لما صح ذلك ([19]) . وغنى عن البيان أن البت فى كون الواقعة معترفاً بها مسألة موضوعية لا رقابة فيها لمحكمة النقض .

       41 ـ شروط أساسية : ونعرض الآن للشروط الأساسية التى ورد ذكرها فى المادة 156 من تقنين المرافعات الجديد ، وهى الشروط الثلاثة الآتية : (1) أن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالحق المطالب به (pertinent) . (2) أن تكون منتجة فى الإثبات (concluant) . (3) أن تكون جائزة الإثبات قانوناً (admissible) ([20]) .

       $61 42 ـ الواقعة متعلقة بالحق المطالب به : إذا كانت الواقعة المراد إثباتها هى ذاتها مصدر الحق المطالب به ، كما إذا تمسك البائع بعقد البيع لمطالبة بالثمن فيكون عقد البيع هو ذاته مصدر التزام المشترى بالثمن ، فان الواقعة فى هذه الحالة لا يمكن إلا أن تكون معلقة بالحق المطالب به وهو فى الوقت عينه منتجة فى الإثبات . ومن ثم لا يظهر ظهوراً واضحاً أهمية هذين الشرطين ـ كون الواقعة متعلقة بالحق وكونها منتجة فى الإثبات ـ فى هذه الحالة وهو حالة الإثبات المباشر (prevue directe) . وإنما تظهر أهميتهما فى حالة الإثبات غير المباشر (prevue indirecte) ، إذا انصب الإثبات ، لا على الواقعة ذاتها مصدر الحق ، بل على واقعة أخرى قريبة منها . ذلك أن الإثبات غير المباشر يقوم على فكرة تحويل الدليل (deplacement de prevue) من الواقعة الأصيلة إذ يتعذر إثباتها إلى واقعة بديلة هى التى يتيسر فيها الإثبات .

       فلا بد فى هذه الحالة ـ حالة الإثبات غير المباشر بتحويل الدليل ـ أن تكون الواقعة البديلة ، وهى الواقعة المراد إثباتها ، لا قريبة (voisin) من الواقعة الأصيلة فحسب ، بل يجب أيضاً أن تكون متصلة (connexe) بها اتصالا وثيقاً . وهذا الاتصال الوثيق هو الذى يجعل الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالحق المطالب به ، إذ أن اتصالها بالواقعة الأصيلة التى هى مصدر الحق يجعل إثباتها متعلقاً باثبات الواقعة الأصيلة ، فيصبح إثبات الواقعة البديلة من شأنه أن يجعل إثبات الواقعة الأصيلة قريب الاحتمال ([21]) .     

       مثل ذلك أن يقدم المستأجر مخالصات بأجرة عن جميع المدد السابقة على المدة التى يطالبه المؤجر بأجرتها ، ويرمى من وراء ذلك أن يثبت أنه يدفع الأجرة $62بانتظام ولم يخل بالتزمه طوال المدد السابقة . فهذه واقعة متصلة بواقعة الوفاء بالأجرة عن المدة المطالب بأجرتها ، فهى إذن متعلقة بالدعوى . ولكنها غير منتجة فى الإثبات ، لن دفع الأجرة عن مدد سابقة لا يفيد دفعها عن مدة لاحقة([22]) وقد تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة أيضاً فى الإثبات ، كأن يقدم المستأجر مخالصات بالأجرة عن مدد لاحقة للمدة التى يطالب المؤجر بأجرتها ، فهبذه واقعة ليست هى ذاتها واقعة الوفاء بالجرة المطالب بها بل هى واقعة متصلة بها فهى متعلقة بالدعوى ، ثم هى منتجة فى الإثبات فإن التقنين المدنى الجديد (م 587) يعتبرها قرينة على الوفاء بالأجرة المطالب بها إلا إذا أثبت المؤجر عكس ذلك ([23]) .

       وكون الواقعـة متعلقـة بالدعـوى مسألـة موضوعية لا تخضـع لرقابة محكمـة

النقض ([24]) .

       43 ـ الواقعة منتجة فى الإثبات : رأينا فى المثلة المتقدمةمتى تكون الواقعة متعلقة بالدعوى ومتى تكون منتجة فى الإثبات . فالواقعة المتعلقة بالدعوى هى الواقعة البديلة التىيكون إثباتها من شأنه أن يجعل إثبات الواقعة الأصيلة قريب الاحتمال . والواقعة المنتجة فى الإثبات هى الواقعة البديلة التى يؤدى إثباتها إلى إثبات الواقعة الأصيلة . ويتبين من ذلك أن إنتاج الواقعة فى الإثبات مرتبة أعلى $63من تعلق الواقعة بالدعوى . فكل واقعة متعلقة بالدعوى لا تكون ضرورة منتجة فى الإثبات ، ولكن كل واقعة منتجة فى الإثبات تكون حتماً متعلقة بالدعوى . فمن طالب بملكية عين وتقدم بواقعة التقادم الطويل سبباً لملكية ، إذا أدعى أنه حاز العين مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ، فهذه واقعة منتجة فى الإثبات ، بل هى الواقعة الأصيلة ذاتها ، وهى بالضرورة متعلقة بالدعوى . أما إذا ادعى أن حيازته للعين كانت لمدة تقل عن خمس عشرة سنة ، فهذه واقعة متعلقة بالدعوى ولكنها غير منتجة فى الإثبات .

       وقد يقال لماذا يشترط فى الواقعة هذان الشرطان معاً ، وأحدهما ـ وهو الإنتاج ـ يستغرف الآخر ، فكان يكفى أن يشترط وحده ؟ وهذا صحيح من الناحية النظرية . وكن يحسن ، من الناحية العملية ، فصل الشرطين أحدهما عن الآخر . فقد يطلب الخصم إثبات هذه الواقعة قبولا مبدئياً ،حتى إذا تبين فيما بعد أنها غير منتجة فى الإثبات رفض القاضى استمرار السير فى إثبات الواقعة أو أضاف اليها وقائع أخرى تتساند معها . أما إذا أدمج الشرطان فى شرط واحد ، وكان لا بد من أن تكون الواقعة منتجة من مبدأ الأمر ، لم يستطع القاضى قبول إثبات الواقعة قبولا مبدئياً ، فيتعطل بذلك طريق الإثبات ([25]) .

       وكون الواقعة منتجة فى الإثبات مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض إلا من حيث قصور التسبيب . أما إذا بنى عدم الإنتاج فى الإثبات على أسباب قانونية ، كأن كانت الواقعة المراد إثباتها إنما تنسب إذا صحت إلى مالك البناء لا إلى حارسه والمسئول قانوناً هو الحـارس لا المالك ، أصبــح الأمـر متعلقـاً $64بمسألة من مسائـل القانون مما يخضع لرقابــة محكمة النقض ([26]) .

       44 ـ الواقعة جائزة الاثبات قانونا : ويجب أخيراص أن تكون الواقعة جائزة الإثبات قانوناً . والقانون قد لا يجيز إثبات واقعة تحقيقاً لأغراض مختلفة . ومن هذه الأغراض ما يمت إلى النظام العام والآداب ، كالمحافظة على سر المهنة ([27]) وتحريم دين المقامرة والربا الفاحش وبيع المخدرات وعدم جواز إثبات صحة القذف ونحو ذلك ([28]) . وقد تمت هذه الأغراض إلى الصياغة الفينة ، كما هو الأمر فى الوقائع التى تصطدم مع قرينة قاطعة قررها القانون . مثل ذلك حجية الأمر المقضى ، فلا يجوز إثبات واقعة مخالفة لما هو ثابت فى حكم قضائى . ومثل ذلك أيضاً أن يطلب حارس الشئ إثبات أنه لم يرتكب خطأ مع أن القانون يقيم مسئوليته على خطأ فى جانبه مفروض فرضاً غير قابل لإثبات العكس ([29]) . وكون الواقعة جائزة الإثبات قانوناً مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض،$65 لأن عدم جواز إثبات الواقعة يرجع دائماً إلى حكم فى القانون يمنع من هذا الإثبات . وهذا بخلاف كون الواقعة متعلقة بالدعوى وكونها منتجة فى الإثبات ، فقد رأينا أنها فى الصل مسائل موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض ([30]) .


([1]) فلا يكون الحق ذاته محلا للإثبات كما قدمنا . وقد جاء فى الموجز للمؤلف (ص 649 ـ ص 650) تأكيداً لهذه القاعدة الهامة ما يأتى : ((ويعنينا أن نشدد فى بيان أن الأمر الذى يكون محلا للإثبات هو مصدر الحق لا الحق ذاته . فإن الغفلة عن هذه القاعدة الجوهرية يوقع فى كثير من الخلط . وينبنى على ذلك أن الالتزام ذاته لا يكون محلا للإثبات ، فهو لاثبت أو ينتفى ، بل هو يستخلص من مصدره ، ومصدر الالتزام وحدث هو الواقعة القانونية التى تكون محلا للإثبات ، فالدائن الذى يريد إثبات التزام فى ذمة مدينه عليه أن يثبت مصدر هذا الالتزام ، هل هو عقد أو إرادة منفردة ، أو هو عمل غير مشروع ، أو هو إثراء على حساب الغير ، أو هو واقعة طبيعية يرتب عليها القانون إنشاء هذا الالتزام . وهذه هى مصادر الالتزام التى بيناها فى أول هذا الكتاب ، ونرى من ذلك أن الأمر الذى يكون محلا للإثبات بالنسبة لجميع الحقوق هو الواقعة القانونية (fait juridique) دائماً ، فان الواقعة القانونية هى مصدر لكل الحقوق كما بينا . وهى إما أن تكون واقعة طبيعية أو واقعة اختيارية ، والواقعة الاختيارية إما أن تكون عملا مادياً أو عملا قانونياً ، والعمل القانونى إما أن يكون عقدا أو إرادة منفردة ، على التفصيل الذى قدمناه )) .

       هذا وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : (( يتعين أن يقام الدليل على كل واقعة قانونية يدعى بها وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى القانون المدنى ، متى نوزعت هذه الواقعة او انكرت صحتها. والجوهرى فى هذا الصدد هو ان الإثبات يرد على الواقعة القانونية ذاتها بوصفها مصدراً للحق أو الالتزام ، دون هذا الالتزام أو ذاك الحق . وغنى عن البيان أن تفصيل هذه الفكرة أشكال بأغراض الفقه منه بأغراض التقنين )) . ثم لما تليت المادة 536 من المشروع التمهيدى فى لجنة المراجعة ، ونصها : (( على الدائن إثبات الالتزام )) هو إثبات مصدر الالتزام . (انظر فى كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 349 ـ ص 350) .

([2]) وذلك على عكس العنصر الأول ، عنصر الواقع ، فهو كما قدمنا مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض . وقد وازن بارتان (أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 2 مكرر 4 ) بين منطقة الإثبات ـ وهو منطقة الواقع ـ ومنطقة الطعن بالنقض ـ وهو منطقة القانون ـ وعارض إحداهما بالأخرى.

       ولاحظ بارتان بحق ( أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 3 ) أن القاعدة التى تقضى بوجوب أن يبحث القاضى من تلقاء نفسه عن القواعد القانونية الواجبة التطبيق هى التى تؤسس قاعدة أخرى معروفة تقضى بجوز إثارة وجوه الطعن جديدة (moyens nouveaux) فى الاستئناف دون النقض . ذلك أن قاضى محكمة أول درجة ملزم بالبحث ، جاز لمحكمة الاستئناف ن من تلقاء نفسها كذلك ، أن تتدارك هذا النقض . ومن ثم جاز للخصوم أيضاً أن يثيروا وجوها قانونية جديدة لم تسبق لهم إثارتها أمام محكمة أول درجة ، لأن هذه المحكمة كان من الواجب عليها أن تثير هذه الوجوه القانونية من تلقاء نفسها .

                                                                                                                   ( م 4 الوسيط ج 2 )

([3]) وقد قضت محكمة النقض ( الدائة المدنية ) بأنه لكى ينتج الإقرار اثره القانونى يجب أن يكون متعلقاً بواقعة لا بالتطبيق القانونى ، لأن تفسير القانون وتطبيقه على واقعة الدعوى هو من شأن المحكمة وحدها لا من شأن الخصوم . وإذن فإن إقرار المطعون عليهما بالطباق المادة 37 من القانون رقم 71 لسنة 1946 على الوصية موضوع النزاع لا يقيد المحكمة فى شئ ( 22 أكتوبر سنة 1953 مجموع أحكام محكمة النقض السنة الخامسة رقم 5 ص 62 ) .

       هذا وقد يدور النزاع ، لاحول معرفة القانون أو تفسيره ، بل حول تاريخ نشره ، وتاريخ النشر واقعة مادية تثبت بجميع الطرق وبخاصة عن طريق البحث فى الجريدة الرسمية ( قارب بيدان وبرو 9 فقرة 1142 ص 209 ـ ص 210 ) .

([4]) بيدان وبرو 9 فقرة 1145 ص 213 .

([5]) وقد قضت محكمة مصر ( الدائرة الاستئنافية ) بأنه يجوز تفسير العقد المكتوب بالرجوع إلى العادات المتبعة فى التجارة ، والتى يكون من شأنها تغيير نتائج العقد الاعتيادية غير المذكورة فيه . وهذه العادات يصح إثباتها بالبينة . وينتج عن ذلك أنه إذا امتلك دباغان عقاراً شائعاً بينهما لحاجات صناعتهما ، صح الحكم ، تبعاً للعادة عند أرباب طائفتهما ، بأن من يكون منهما قد أقام معملا على العقار بعد الامتلاك ، له الحق فى طلب تثبيت ملكيته له خاصة ولو لم يكن ثمة شرط صريح ( 11 أبريل سنة 1905 المجموعة الرسمية 6 رقم 68 ) .

([6]) تعليق بارتان على أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 3 مكرر .

([7]) وقد كانت القاعد القانونية التى تقوم على العرف تعتبر فى الماضى عنصراً من عناص الواقع يتعين على الخصم إثباتها، شأنها فى ذلك شأن العادة الاتفاقية . ويرجع السبب فى ذلك إلى رغبة المحشين (Glossateurs) فى أن تتغلب قواعد القانون الرومانى على قواعد العرف المحلية (droits coutumiers locaux) . فقواعد القانون الرومانى لا حاجة إلى إثباتها بل القاضى يبحث عنها من تلقاء نفسه ليطبقها ، أما قواعد العرف فهذه لا يطبقها القاضى إلا إذا أثبت الخصوم قيامها ، وبذلك تتغلب قواعد القانون الرومانى على قواعد العرف . ثم بقى العمل على ذلك فى فرنسا طوال القرن التاسع عشر لسبب آخر غير فكرة تغليب قواعد القانون الرومانى التى أصبحت غير ذات موضوع بعد صدور التقنين المدنى الفرنسى . ذلك أن مدرسة الشراح على المتون (recole de l’exegese) ، التى ظلت سائدة طوال ذلك القرن ، كانت تعتبر أن القواعد القانونية لا تستمد إلا من التشريع ، فالتشريع وحده هو الذى يبحث عنه القاضى من تلقاء نفسه لتطبيقه دون حاجة إلى إثباته من جانب الخصوم ، أما العرف فيتعين على الخصوم إثباته . ولما اندثرت هذه المدرسة فى أوائل القرن العشرين ، اتجه الفقه الفرنسى اتجاهاً آخر ، تحت تأثير جنى (Geny) وسالى (Saleilles) والفقه الجرمانى ، فاعتبر القاعدة القانونية التى تقوم على العرف فى قوة القاعدة القانونية التى تقوم على التشريع (opinion juris vel necessitates)  كلتاهما قانون واجب التطبيق يتعين على القاضى البحث عنه من تلقاء نفسه لتطبيقه ( بيدان وبرو 9 فقرة 1144 ص 211 ـ ص 212 ) على أن هناك فارقاً عملياً بين العرف والتشريع . فالتشريع أمر التعرف عليه ميسرو ، فهو محصور فى عبارات مكتوبة ، يصدر من هيئة معينة ، وفى يوم معين ، وينشر فى سجل معروف ، ومن ثم يسهل استيعابه . أما العرف فيتكون على مر الزمن ، لا يعرف كيف بدأ ، ولا متى انتهى ، فيصعب فى بعض الأحوال الاستيثاق منه . لذلك كان من مصلحة الخصم الى يتمسك بالعرف ويستطيع إثباته أن يثبته للقاضى ، حتى لا تضيع عليه الفرصة إذا كان القاضى يجهل هذا العرف ولا يستطيع العثور عليه من تلقاء نفسه . على أنه بالرغم من هذا الفراق العملى ، يبقى العرف قانوناً لا يطالب الخصم بإثباته ِ، وعلى القاضى أن يبحث عنه ، ويقضى فيه بعلمه ، ولمحكمة النقض أن تعقب عليه إذا هو طبق عرفاً غير موجود أو أغفل عرفاً قائماً ، سواء تنبه إلى ذلك أو لم يتنبه ( بيدان وبرو 9 فقرة 1144 ص 212 ـ الأستاذ عبد الباسط جمعيى فى نظام الإثبات فى القانون المدنى المصرى فقرة 59 ـ فقرة 62 ) ، ويذهب الدكتور عبد المنعم فرج الصدة (ص 26) ، مسايراً فى ذلك الأستاذين حامد فهمى وحمد حامد فهمى فى كتاب (( النقض )) ( فقرة 16 وفقرة 17 ) إلى أن العرف إذا كان محلياً (( فإن افتراض علم القاضى به يصبح غير معقول ، وبالتالى يكون على الطرف الذى يستند إليه أن يثبته . وفى هذه الحالة يأخذ العرف حكم الواقعة التى يتعين إثباتها ، فيكون أمر التثبت من قيامه متروكاً للقاضى ، فلا يخضع فيه لرقابة محكمة النقضى ، أما تطبيق هذا العرف بعد أن ثبت قيامه فيخضع لرقابة محكمة النقض )) .

([8]) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن من يتمسك بقانون أجنبى يجب عليه أن يثبته وجوداً ومعنى (استئناف مختلط 9 يونية سنة 1892 م 4 ص 255) . انظر أيضاً حكماً آخر فى هذا المعنى ( استئناف مختلط 24 مايو سنة 1933 م 45 ص 297 ) . وقد جرى قضاؤنا المختلط ـ وكان القضاء الذى تتاح له فرصة تطبيق القوانين الأجنبية قبل استكمال المحاكم الوطنية لولايتها ـ فى هذا مجرى القضاء الفرنسى ( قارن الدكتور محمد عبد المنعم رياض فى مبادئ القانون الدولى الخاص طبعة ثانية فقرة 433 ) . والمستقبل كفيل بمعرفة ما سيجرى عليه قضاؤنا الوطنى فى هذه المسألة بعد أن استكمل ولايته ، وهل سحذو حذو القضاء الختلط فى تقليده للقضاء الفرنسى ، أو يسير هى طريق مستقل مهتدياً بالمبادئ العلمية السيمة .

([9]) انظر محكمة النقض الفرنسية (مدني) فى 6 فبراير سنة 1843 سيريه 1843 ـ 1 ـ 209 ـ حكماً ثانياً في 16 مايو سنة 1888 داللوز 1888 ـ 1 ـ 305 ـ حكماً ثالثاُ (دائرة العرايض) فى 19 فبراير سنة 1929 سيريه 1930 ـ 1 ـ 49 ـ حكماً رابعاً فى 7 مارس سنة 1938 داللوز الأسبوعى 1938 ـ 258 ـ حكماً خامساً فى 22 مارس سنة 19444 داللوز 1944 ـ 145 ـ حكماص سادساً فى 25 مايو سنة 1948 داللوز 1948 ـ 357 .  

([10]) باتيفول فقرة 323 ص 340 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 479 ـ ديمولومب 29 فقرة 185 ـ بودرى وبارد 2055 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1409 ص 831 ـ ص 832 ـ بلانيول وريبير وبولانجييه 2 فقرة 2164 ـ دي باج ( القه البلجيكى ) 3 فقرة 706 . وانظر فى القانون المقارن رسالة الدكتور محمد صادق فهمى ص 344 ـ ص 348 . وانظ أيضاً نبواييه فى مجلة القانون الدولى والتشريع المقارن 1928 فقرة 6 .

([11]) مورى فى القواعد العامة فى تنازع القوانين ص 69 ـ بارتان فى مبادئ لاقانون الدولى الخاص جزء 1 فقرة 107 ـ فارى سوميير 2 فقرة 1110 ـ فاليرى فقرة 139 ـ أرمانجون 1 فقرة 141 .

([12]) مارتى رسالة من تولوز فقرة 96 ـ ليريبور ييجونيير فى القانون الدولى الخاص طبعة ثالثة ص 249 .

([13]) أكثر الفقه فى مصر على أن تطبيق القانون الأجنبى يعتبر مسألة من مسائل القانون ، تصريحا ( الدكتور عبد المنعم فرج الصدة ص 29 ـ ص 30 ويذهب إلى وجوب اعتبار تطبيق القانون الجنبى مسألة من مسائل القانون وقد (( تكون معاونة الخصم في بيان حكم القانون الأجنبيى لازمة من الناحية العملية ، ولكن هذا لا ينزل بالقانون الأجنبي إلى مستوى الواقعة ، ثم انه إذا كان القانون الوطنى يقضى بتطبيق القانون الأجنبى على نزاع معين ، فإن هذا يقتض تطبيقه على الوجه الصحيح وذلك بأن تكون مخالفته والخطأ فى تفسيره محل رقابة من محكمة النقض . أما الصعوبة المزعومة فى الإلمام بالقانون الأجنبى فلم يعد لها وجود بعد ما نراه اليوم بين ختلف الدول من صلات علمية ساعدت على تبادل المجموعات القانونية والقضائية والمؤلفات الفقهية بصورة شاملة )) . انظر ايضاً نفس المؤلف ص 27 ـ ص 28 فيما جرى عليه العمل فى هذه المسألة فى انجلترا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا ) ، أو تلميحاً (الدكتور محمد عبد المنعم رياض فى مبادئ القانون الدولى الخاص المصرى طبعة ثانية فقرة 432 ـ فقرة 433 ـ الدكتور حامد زكى فى القانون الدولى الخاص المصرى طبعة أولى فقرة 167 ـ فقرة 168 ـ الأستاذ أحمد نشأت رسالة الإثبات فقرة 20 ـ الدكتور سليمان مرقس فى أصول الإثبات فى المواد المدنية فقرة 19 ص 18 ) ـ والقليل يذهب إلى أن تطبيق القانون الأجنبى يعتبر مسألة من مسائل الواقع ( الدكتور عبد السلام ذهنى فى نظرية الإثبات 1 ص 94 ـ وبخاصة الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 55 ـ ص 57 ويذهب إلى اعتبار القانون الأجنبى واقعة ، إذ أن القاضى لا يفترض فيه علم قانون غـير =

([14]) بارتان على أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 3 مكرر 4 ـ انظر أيضا بيدان وبرو 9 فقرة 1143 .

([15]) وقد نظم المجمع العلمى للقانون الدولى الإجراءات التى يستطيع بها القاضى معرفة أحكام القوانين الأجنبية وذلك بواسطة الطرق السياسية (الدكتور عبد الحميد أبو هيف فى القانون الدولى الخاص فقرة 302) .

       وفى القانون الإنجليزى تفترض مطابقة القانون الأجنبى لقانون المحكمة ، إلا إذا ادعى الخصوم غير ذلك وأثبتوا ما ادعوه . وفى هذا تيسير عملى على القاضى فيما إذا عجز عن الاهتداء إلى أحكام القانون الأجنبى . وشبيه بذلك ما ورد فى المشروع التمهيدى للتقنين المدنى ( وقد حذف النص فى المشروع النهائى) من أنه ((فى جميع الحالات التي ستقرر فيها أن قانوناً أجنبياً هو الواجب التطبيق يطبق القانون المصرى ، إذا كان وجود القانون الأجنبى أو مدلوله غير ممكن إثباته )) (مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 314 ـ ص 315) .

([16]) انظر فى الواقعة المحددة فى القوانين والتشريعات المختلفة رسالة الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 313 ـ ص 358 .          

([17]) وقد قضت محكمة النقض الدائة المدنية بأن الإعسار هو حالة قانونية تستفاد من أن أموال الشخص ليست كافية للوفاء بديونه المستحقة عليه . وهو بهذا المعنى لا يوقم على نفى مطلق يتعقذر إثباته ، بل يقوم على أمر واقع له علاماته التى تشهد عليه . على أن المقرر فى الإثبات أن إذا كانت الواقعة المدعاة سلبية وكانت منضبطة النفى كان على مدعيها إثبات خلافها متى أمكنه تحويلها إلى قضية موجبة . فإذا لم يكن ذلك ممكناً أو كانت الواقعة غير منضبطة النفى ، فإن مدعيها يعتبر عاجزاً عن إثبات دعواه . وعلى ذلك فلا مخالفة لقواعد الإثبات إذا اعتبر الحكم المشفوع منه عاجزاص عن إثبات إعسار الشفيع لأنه لم يقم دليلا على هذا الاعسار (31 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 33 ص 80 ) . ويؤخذ من هذا الحكم أن الواقعة السلبية ، حتى لو لم يمكن تحويلها إلى قضية موجبة أو كانت واقعة غير منضبطة النفى ، لا يعفى مدعيها من عبء الإثبات بل يعتبر =

= عاجزاً عن إثبات دعواه وجاء فى الموجز للمؤلف (ص 650 ) فى هذا الصدد ما يأتى : (( ولا يهم أن تكون الواقعة التى يتمسلك بها إيجابية أو سلبية فقد تكون الواقعة سلبية ولكنها محددة تحديداً كافياً فتكون قابلة للإثبات . مثل ذلك أن يثبت الدائن أن المدين الملزم بحراسة شئ معين لم يقم بحراسته ، وعدم القيام بالحراسة واقعة سلبية ، ولكن الدائن يستطيع إثبات هذه الواقعة عن طريق إثبات واقعة إيجابية ، بأن يثبت مثلا أن المدين كان فى جهة أخرى فى الوقت الذى كان ينبغى أن يكون موجوداً بجانب الشئ لحراسته ـ وقد تكون إيجابية ولكنها غير محددة فلا تكون قابلة للإثبات )) .

       وأشار بودرى وبارد إلى أن السبب فى الخطأ الذى شاع من أن الواقعة السلبية لا يجوز إثباتها يرجع إلى نص فى القانون ارومانى أساء المحشون (glossateurs) فى العصور الوسطى فهمه . فإن هذا النص يقضى بأن عبء الإثبات يقع على من يدعى لا على من ينكر (Ei incumbit probatio qui negat) . والمدعى الذى يقع عليه عبء الإثبات قد يدعى واقعة إيجابية أو واقعة سلبية ، وهو المكلف بالإثبات فى الحالتين . ففسر المحشون النص بتحويره إلى معنى آخر ، هو أن الدلي على من يثبت (qui dicit) لا على من ينفى (qui negat) ، وذهبوا إلى أن النفى هنا معناه الواقعة السبية ، ومن ثم لا تكون الواقعة السلبية جائزة الإثبات (بودرى وبارد 3 فقرة 2065 ـ فقرة 2066 ـ أنظر أيضاً : تولييه 8 فقرة 16 ـ فقرة 19 ـ ديرانتون 13 فقرة 2 ـ ديمولومب 29 فقرة 192 ـ فقرة 193 ـ لوران 19 فقرة 95 ـ كولان وكابيتان ولامور انديير 2فقرة 719 ص 486 ـ ص 487 ـ بلانيول وريبير وبولانجييه 2 فقرة 2168 ـ الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 49 ـ ص 92 ) .

       ويلاحظ على كل حال أن القاضى فى إثبات الوقائع السلبية لا يتطلب دليلا فى قوة الدليل الذى يتطلبه فى إثبات الوقائع الإيجابية ( أوبرى ورو 12 فقرة 749وهامش رقم 18 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1419 ص 845 ) .

       وانظر رسالة الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ( فى الواقعة السلبية ص 211 ـ ص 222 وفى الواقعة المستحيلة ص 293 ـ ص 304 ) .

       وانظر فى الشهادة على النفى فى الفقه الإسلامى الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاء ص 21ـ ص 28 .

([18]) ولذلك قضت محكمة النقض ( الدائرة المدينة) بأن القانون إنما يكلف المدعى إقامة الدليل على دعواه ، إلا إذا سلم له خصمه بهاأو ببعضها فإنه يعفيه بذلك من إقامة الدليل على ما اعترف به .فإذا اعترف شخص بأن الأرض موضوع النزاع أصلها من أملاك الحكومة الخاصة، ولكنه يملكها بالتقادم ، ثم بحثت المحكمةمع ذلك مستندات ملكية الحكومة لهذه الأرض وقضت بعدم كفايتها لإثبات الملكية ، فقد خالفت القانون (23 نوفمبر سنة 1933 ملحق مجلة القانون والإقتصاد 4 ص15 ) .

([19]) انظر الموجز ص 650 ـ ص 651 ـ والأستاذ عبد الباسط جميعى ص 47 ـ ص 48 .

([20]) وقد كان تقنين المرافعات القديم ينص على شرطين من هذه الشروط الثلاثة ـ أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى وأن يكون جائزاً قبولها ـ فى مواضع متفرقة ( م 153 / 171 ـ 165/186 ـ 177/200 ـ 178/203 ـ 179/ 204 ـ 182/207 ) ، وذلك فى الاستجواب واليمين والتحقيق والطعن بالتزوير . ولكن نص تقنين المرافعات الجديد أكمل الناقص من الشروط وجمعهاكلها فى نص واحد . أما تقنينالمرافعات الفرنسى ( م 253 ـ 254 فى التحقيق بالبيئة ) فقد ذكر شرطين : أن تكون الواقعة منتجة وجائزة القبول . ويلاحظ أن المكان الذى يجبأن ينص فيه على هذه الشروط هو التقنين المدنى لا تقنين المرافعات ، لأن هذه الشروط من القواعد الموضوعية فى الاثبات لا من القواعد الشكلية .

([21]) انظ فى هذا المعنى بارتان على أوبرى ورو جزء ذ2 فقرة 749 هامش رقم 10 مكرر ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1146 ـ الدكتور عبد المنعم فرج الصدة فقرة 37 ص 39 ـ ص 40 .

       هذا وفكرة تحويل الدليل (deplacement de prevue) هى التى تقوم عليها القرائن القانونية ، فهذه القرائن تنطوى على تحويل الدليل من واقعة إلى أخرى ويكون ذلك بمقتضى نص فى القانون .

([22]) ومثل ذلك أيضاً ـ فى القضاء الإنجليزى ـ أن يقوم تاجر بتوريد بضاعة لآخر ، فيدعى هذا أن التاجر ورد له صنفاً رديئاً ، فيتقدم التاجر لإثبات أن كل عملائه الآخرين الذين اعتاد توريد هذه البضاعة لهن يمتدحون بضاعته . فهذه واقعة متعلقة بالدعوى وإن لم تكن منتجة ، فيقبل إثباتها ، لأنها وإن لم تكن حاسمة إلا أنها تضيف إلى عناصر الإقناع عنصراً جديداً له فائدته ، وقد يؤدى إذا أضيف لعناصر أخرى إلى تكوين مجموعة من القرائن القضائية لصالحه (انظر فى هذا المثل الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 282 والأستاذ عبد الباسط جميعى ص 56) .

([23]) أما إذا أراد المستأجر تقديم الدليل على أنه وفى بديون أخرى غير أقساط الأجرة للمؤجر ، فهذه واقعة لا تتصل إطلاقاً بواقعة الوفاء بالأجرة ، فتكون لا هى منتجة فى الإثبات ولا هى متعلقة بالدعوى ، فلا يجوز قبول إثباتها.

([24]) ويقول الأستاذ عبد الباسط جميعى (ص 57) إن لمحكمة الموضوع أن ترفض اعتبار الواقعة متعلقة بالدعوى ولو توافق الطرفان على أنها متعلقة . أما إذا توافق الطرفان على أها غير متعلقة ، فلا يسمح القاضى بإثباتها ، لا لأن توافق الطرفين يجعلها غير متعلقة بالدعوى ، بل لأن حياد القاضى يقبضيه ألا يقبل دليلا اتفق الخصمان على استبعاده .

([25]) الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 59 ـ ص 60 ، ويأتى بأمثلة لذلك دعوى إثبات الحالة (م 188 مرافعات) ، والدعاوى التى ترفع بطلب انتقال المحكمة لمعاينة معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء إذا كان يخضى من زوال هذه المعالم ( م 187 مرافعات ) ، والدعاوى التى ترفع بطلب سماع شاهد يوشك أن يموت أو يزمع سفراً قد لا يعود منه أو لا يعود قريباً ( م 222 مرافعات ) ، ورفع الدعوى للاستيثاق لحق يخشى زوال دليله ( م 4 مرافعات ) . وقول أيضاً غن القاضى يغربل الوقائع غربلة أولى ليتخير منها ما هو متعلق بالدعوى فيجعله فى وعاء الإثبات ، ثم يغربلها غربلة ثانية ليستبقى منها ما هو منتج فى الإثبات .

([26]) انظر الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 61 هامش رقم 2 والمراجع المشار إليها . وانظر فى أن الواقعة يجب أن تكون منتجة (relecant) فى القانون الانجليزى الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 264 ـ ص 284 .

([27]) تشتمل المواد من 206 إلى 209 من تقنين المرافعات على سلسلة من القيود فى جواز الإدلاء بالشهادة . فتمنع المادة 206 الموظفين والمستخدمين والمكلفين بخدمةعامة من أن يشهدوا ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل إلى علمهم فى أثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانون ولم تأذن السلطة المختصة فى إذاعتها . وتمنع المادتان 207 و 208 من علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم من طريق منته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ، ما لم يكن ذكرها له مقصوداصبه فقط ارتكاب جناية أو جنحة ، وذلك إلا إذا طلب منهم ذلك من أسرها لهم . وتمنع المادة 209 أحد الزوجين من أن يفشى بغير رضاء الآخر ما أبلغه إليه أثناء الزوجية ولو بعد انقضائها ، إلا فى حالة رفع دعوى من أحدهما على صاحبه أو إقامة دعوى على أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر . ويلاحظ هنا أن الممنوع ليس هو إثبات الواقعة فى ذاتها ، بل إثبات الواقعة من طريق شهادة شاهد معين ، فعدم جواز القبول لا ينصب إذن على الواقعة بل ينصب على الدليل ( الدكتتور عبد المنعم فرج الصدة فقرة 35 ص 38 )

([28]) ولكن يجوز لمن لا يريد ترتيب أثر قانونى على هذه الوقائع أن يثبت عدم مشروعيتها لأن هذا هو الذى يتفق مع النظام العام والآداب .

([29]) ببيدان وبرو 9 فقرة 1171 ـ وانظر فى جواز إثبات الواقعة قانوناً فى القانون الانجليزى الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 305 ـ 312 .

([30]) والفرق بين كون الواقعة غير منتجة فى الإثبات وكونها غير جائزة افثبات أنها عند ما تكون غير منتجة فى الإثبات فان ذلك يرجع إلى شئ فى طبيعتها ، إذا الواقعة فى ذاتها لا تؤدى إلى إثبات المطلوب ، إما لسبب موضوعى كالحيازة لمدة تقل عن خمس عشرة سنة ، وإما لسبب قانونى كالتعويض بسبب انهدام البناء يطلب من مالكه لا من حارسه . والواقعة عند ما تكون غير جائزة افثبات فإن ذلك يرجع لا إلى شئ فى طبيعتها ، بل إلى عارض قانونى يمنع من جواز إثباتها ، ولو لم يقم هذا المانع أو لو زال لكانت الواقعة جائزة الإثبات .

       ويحسن أيضاً أن نميز بين عدم جواز قبول الدعوى وعدم جواز قبول الواقعة وعدم جواز قبول الدليل . فالدعوى لا يجوز قبولها لأسباب معروفة ، كأن تكون مرفوعة من غير ذى صفة أو من غير ذى أهلية . فإذا كانت الدعوى مقبولة وتقدم الخصم بواقعة لإثباتها ، فقد تكون هذه الواقعة غير جائزة الإثبات لسب موضوعى أو لسبب قانونى على النحو الذى قدمناه . فإذا كانت الواقعة جائزة الإثبات ، فقد يتطلب القانون لإثباتها دليلا كتابياً فتكون البينة أو القرائن دليلا غير مقبول ( انظر فى هذه المسألة الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 65 ـ ص 66 ) .

نقلا عن محامي أردني

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s