الالتزام بالامتناع عن عمل
( Obligation de ne pas faire )
438 – النصوص القانونية : تنص المادة 212 من التقنين المدنى على ما يأتى :
ذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفا للالتزام . وله أن يطلب من القضاء ترخيصا فى أن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين ” ( [1] ) .
796
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق الفقرة الثانية من المادة 117 / 174( [2] ) . ولا فرق فى الحكم بين التقنينيين الجديد والقديم .
ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 213 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 252 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 215 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 250 فقرة 3( [3] ) .
439 – أمثلة للالتزام بالامتناع عن عمل : والالتزام بالامتناع عن عمل له أمثلة كثيرة . فبائع المتجر قد يلتزم بعدم منافسة المشترى فى المتجر الذى باعه منه ، فيكون التزامه بعدم المنافسة التزاما بالامتناع عن عمل . وإذا استخدم مهندس فى مصنع ، وتعهد المهندس ألا يعمل فى مصنع منافس ، فهذا أيضاً التزام بالامتناع عن عمل . ومقدم العمل إذا التزم ألا يقدم عمالا غير منتمين 797 لنقابتهم يكون قد التزم بالامتناع عن عمل . والممثل أو المغنى إذا تعهد ألا يمثل أو ألا يغنى فى غير مسرح معين يكون قد التزم بالامتناع عن عمل . كذلك البائع والمؤجر يتعهد كل منهما بعدم التعرض للمشترى أو للمستأجر ، فهذا التزام بالامتناع عن عمل . وفى كل هذه الأمثلة نرى الالتزام بالامتناع عن عمل مصدره العقد .
وقد يكون مصدر هذا الالتزام هو القانون . فالجار ملتزم ألا يضر بجاره ضرراً فاحشاً ، فهذا التزام قانونى بالامتناع عن عمل . والطبيب والمحامى ملتزمان بعدم إفشاء سر المهنة ، والتزامهما عن عمل ، يترتب على الإخلال به مسئولية الإثراء بلا سبب .
والالتزام بالامتناع عن عمل ، كالالتزام بنقل حق عينى ، هو التزام بتحقيق غاية . ومن ثمي كون الالتزام بعدم الإضرار بالغير عن خطأ ، وهو التزام ببذل غاية ، ليس التزاماً بالامتناع عن عمل ، إذ هو فى حقيقته التزام باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير ، فهو التزام بعمل ( [4] ) .
440 الإخلال بالالتزام بالامتناع عن عمل : وما دام المدين ممتنعاً عن العمل الذى التزم بالامتناع عنه ، فهو قائم بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً . ويتغير الموقف إذا أخل بهذا الالتزام ، وأتى العمل الممنوع . عند ذلك لا يكون هناك مجال إلا للتعويض . أما التنفيذ العينى نفسه فقد أصبح مستحيلا بمجرد الإخلال بالالتزام ( [5] ) .
وقد لا يمكن إلا التعويض النقدى . مثل ذلك إذا أفشى المحامى أو الطبيب سر المهنة ، فهى مثل هذه الحالة لا يكون أمام الدائن إلا أن يطالب بتعويض نقدى .
وقد يكون التعويض عينياً لا نقدياً ، ويتم ذلك بإزالة المخالفة التى وقعت 798 إخلالا بالالتزام . والفرق بين التنفيذ العينى والتعويض العينى أن الأول يكون قبل وقوع الإخلال به ، والثانى يكون بعد وقوع الإخلال بالالتزام فإزالة المخالفة تكون هى التعويض العينى . مثل ذلك أن يضر الجار بجاره ضرراً فاحشاً بإقامة حائط يسد عليه منافذ النور والهواء ، عند ذلك يجوز الدائن أن يطلب التعويض العينى بإزالة هذا الحائط ، فإذا امتنع المدين عن الإزالة ، جاز للدائن أن يطلب من القضاء إزالة الحائط على نفقة المدين ( [6] ) . وهذا ما تنص عليه المادة 212 وقد تقدم ذكرها . ويلاحظ هنا أن الدائن لا يحق له ، حتى فى حالة الاستعجال ، أن يقوم بالإزالة دون استصدار حكم على أن يرجع إلى القضاء بعد ذلك ، خلافاً لما رأيناه فى الالتزام بنقل حق عينى وفى الالتزام بعمل حيث يكون له هذا الحق . ذلك أن إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام بالامتناع عن عمل أمر لا يخلو من العنف ، فلا يصح للدائن أن يتولاه بنفسه دون استصدار حكم بذلك ، وهنا نرى المبدأ القاضى ألا يستأدى الدائن حقه ( Se Faire Justice ) يطبق تطبيقاً مخالفا للالتزام دون استصدار حكم بذلك على أن يرجع إلى القضاء بعد إزالة المخالفة ، ولكن هذا النص حذف فى لجنة المراجعة للاعتبارات المتقدمة الذكر ( [7] ) .
وكثيرا ما يكون هذا التعويض العينى غير كاف لتعويض الضرر تعويضاً كاملا ، فيضاف إليه تعويض نقدى . ففى مثل الحائط الذى أقامه الجار إضراراً بجاره وأزيل على نفقته بحكم من القضاء ، يلاحظ أن الإزالة وحدها قد لا تكفى إذ يغلب أن يكون الجار قد أصابه ضرر من قيام الحائط المدة التى كان فيها قائماً ، وهذا الضرر لا علاج له إلا التعويض النقدى ، فيحكم القاضى بإزالة الحائط وبتعويض نقدى عما حدث من الضرر للجار إذا كان هناك مقتض لذلك .
ويلاحظ أخيراً أن التعويض العينى ، حتى إذا كان ممكنا ، قد يكون مرهقا 799 للمدين ولا ينجم عن الاقتصاد على التعويض النقدى ضرر جسيم يلحق الدائن . مثل ذلك أن يقيم الجار بناء فيجوز بحسن نية على جزء من الأرض الملاحقة ، فللمحكمة فى هذه الحالة ، بدلا من أن تأمر بإزالة البناء ، أن تقتصر على تعويض صاحب الأرض الملاصقة تعويضا نقديا ، بأن ينزل هذا عن ملكية الجزء المشغول بالبناء فى نظير تعويض عادل ( م 928 مدنى ) وقد سبق تفصيل ذلك ( [8] ) .
ويصح أيضاً الالتجاء إلى طريق التهديد المالى إذا تكرر الإخلال بالالتزام ، أو كان هذا الإخلال مستمراً ، وذلك إلى أن يزيله المدين بنفسه .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 289 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : ” إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل ، وأخل بهذا الالتزام ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام . وله أن يطلب من القضاء ترخيصاً فى أن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين وفى حالة الاستعجال يكون له أن يزيل المخالفة دون ترخيص ” . وفى لجنة المراجعة حذفت العبارة الأخيرة ” وفى حالة الاستعجال . . . ” لأن هذا الحكم قد يوقع فى اضطراب يحسن تجنبه ، وأصبح رقم 212 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 534 – ص 536 ) .
( [2] ) كانت الفقرة الثانية : ” ومع ذلك يجوز للدائن أن يتحصل على الإذن من المحكمة بعمل ما تعهد به المدين أو بإزالة ما فعله مخالفاً لتعهده مع إلزامه بالمصاريف ، وهذا وذاك مع مراعاة الإمكان بحسب الحوال ” .
( [3] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 213 ( مطابقة للمادة 212 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى م 252 : إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل ، وأخل بهذا الالتزام ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام مع التعويض إذا كان له محل . ( ولم يرد فى نص التقنين العراقى أن يطلب الدائن من القضاء ترخيصاً فى أن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين ، ولكن ليس فى المبادئ العامة للتقنين العراقى ما يمنع من هذا الطلب ) .
التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 250 فقرة 3 : كما يحق له أن يطلب إزالة ما أجرى خلافا لموجب الامتناع ، وذلك على حساب الديون . ( ولا فرق فى الحكم بين التقنينيين اللبنانى والمصرى ) .
( [4] ) أنظر آنفاً فقرة 424 فى الهامش .
( [5] ) هذا إذا كان العمل الممنوع عملا واحداً لا يتكرر . أما إذا كان عملا يتكرر ، فللقاضى أن يدير باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار الإخلال بالالتزام ، إذا كان هذا ممكناً . وفى هذه الحالة يكون المنع تنفيذاً عينيا للالتزام عن المستقبل ( ديموج 6 فقرة 145 ص 152 ) .
( [6] ) وليس من الضرورى أن يجيب القاضى الدائن إلى طلبه ، بل للقاضى سلطة التقدير ، تقديرى من المناسب الاقتصار على الحكم بتعويض نقدى ( أنظر فى هذه المعنى ديموج 6 فقرة 146 ص 155 ) .
( [7] ) أنظر آنفاً ، فى تاريخ نص المادة 212 ، فقرة 438 فى الهامش .
المصدر- توكيل محامي
( [8] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل ، فمجرد إخلاله بالتزامه يرتب مسئوليته ، ويكون بذلك ملزماً بأداء تعويض نقدى . وقد يكون الوفاء العينى ( اقرأ التعويض العينى ) ممكناً من طريق إزالة ما استحدث إخلالا بالالتزام ، وفى هذه الحالة يكون للدائن أن يستصدر إذناً من القضاء بأن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين . وأخيراً تحسن الإشارة إلى أمرين : أولهما جواز الجمع بين التنفيذ ( التعويض ) العينى والتعويض النقدى عند أول إخلال يقع من المدين . والثانى جواز العدول عن التنفيذ ( التعويض ) العينى ولو كان ممكناً والاكتفاء بالتعويض النقدى وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 279 ( م 203 فقرة 2 مدنى ) إذا كان يصيب المدين من جراء التنفيذ على هذا الوجه ضرر فادح ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 535 ) . أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 508 .