التنفيذ العينى
( Execution en nature – Execution directe )
405 – متى يكون التنفيذ العينى وكيف يكون : نبدأ ببيان متى يكون التنفيذ العينى للالتزام ، ثم نذكر كيف يكون هذا التنفيذ .
758
الفصل الأول
متى يكون التنفيذ العينى
406 – النصوص القانونية : تنص المادة 403 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” 1 – يجبر المدين ، بعد أعذاره طبقاً للمادتين 219 و 220 على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً ، متى كان ذلك ممكناً ” .
” 2 – على أنه إذا كان فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين ، جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدى ، إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً ( [1] ) ” .
ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق . ولكن حكم الفقرة الأولى كان 759 معمولا به دون نص ، أما حكم الفقرة الثانية فمستحدث وهو منقول عن التقنين الألمانى( [2] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى ، فى التقنين المدنى السورى المادة 204 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 246 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 206 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى 249 ( [3] ) .
407 – شروط أربعة : ويستخلص من النص المتقدم أن هناك شروطاً أربعة لاقتضاء التنفيذ العينى :
( أولا ) أن يكون التنفيذ العينى ممكناً .
( ثانيا ) أن يطلبه الدائن أو يتقدم به المدين .
760
( ثالثا ) ألا يكون فيه إرهاق للمدين ، أو يكون فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيما .
( رابعا ) أن يعذر المدين .
408 – الشرط الأول – أن يكون التنفيذ العينى ممكنا : فإذا أصبح هذا التنفيذ مستحيلا ، سواء رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبى أن كانت بخطأ المدين ، لم تعد هناك جدوى من المطالبة بالتنفيذ العينى ، ورجع الدائن بالتعويض إذا كانت الاستحالة بخطأ المدين ، أو انقضى الالتزام دون تعويض إذا رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبى . مثل ذلك هلاك الشيء محل الالتزام ، أو صيرورة العمل الذى التزم به المدين مستحيلا .
ويعتبر التنفيذ العينى غير ممكن إذا كان إجراؤه يقتضى تدخل المدين الشخصى ويأبى المدين أن يقوم بتنفيذ التزامه ، ويتحقق ذلك على وجه خاص فى عمل الرسام والممثل والفنان بوجه عام وفى كل عمل فنى كعمل الطبيب وعمل المهندس . فإذا لم يلجأ القاضى إلى طريق التهديد المالى ، أو لجأ إليه ولم ينتج ، لم يبق إلا اعتبار التنفيذ العينى غير ممكن ، ولا مناص إذن من مجاوزته والالتجاء إلى طريق التعويض .
أما فى الالتزام بنقل حق عينى ( م 204 مدنى ) ، وفى الالتزام بعمل تسمح طبيعته أن يقوم حكم القاضى فيه مقام التنفيذ كتنفيذ وعد بالبيع ( م 210 مدنى ) . فالتنفيذ العينى ممكن بحكم القانون أو بحكم القاضى . وفى الالتزام بالامتناع عن عمل ، إذا أخل به المدين وأقدم على العمل ، أصبح التنفيذ العينى مستحيلا ، ولكن التعويض العينى –بإزالة ما وقع مخالفاً للالتزام ( م 212 مدنى ) – قد يكون ممكناً ، وقد يضاف غليه تعويض نقدى عن الضرر الذى حدث بفعل المدين .
فإمكان التنفيذ العينى يرجع إذن إلى طبيعة الالتزام ومداه والوسائل المادية اللازمة لهذا التنفيذ( [4] ) .
761
وكثيراً ما ترجع الاستحالة إلى ميعاد تنفيذ الالتزام . ذلك أن الالتزام قد لا يكون فى تنفيذه جدوى إذا جاوز التنفيذ ميعاداً معيناً ، كممثل تخلف عن التمثيل فى الميعاد المحدد ، وكإدارة معرض لم تقدم لأحد العارضين مكاناً للعرض التزمت بتقديمه حتى انقضت أيام العرض . فإذا فات الميعاد الذى يجرى فيه تنفيذ الالتزام ، أصبح التنفيذ العينى غير ممكن حكما ، ولا مناص إذن من الاقتصار على طلب التعويض . وفى غير الحالة المتقدمة ، قد لا يحدد ميعاد للتنفيذ ، فيستطيع الدائن حينئذ أن يحدد للمدين ميعاداً مناسباً وينذره فى الوقت ذاته أنه لن يقبل الوفاء إذا جاوز هذا الميعاد ، فيمتنع التنفيذ العينى بعد هذا الميعاد إلا إذا أثبت المدين ألا ضرر منه على الدائن ( [5] ) .
409 – الشرط الثانى – أن يطلب الدائن التنفيذ العينى أو يتقدم به المدين : إذا طلب الدائن التنفيذ العينى ، وكان ممكنا ، فليس للمدين أن يمتنع عن ذلك مقتصراً على التقدم بتعويض ، بل يجبر على التنفيذ العينى أى على أداء عين ما التزم به ( in specie, ad rem ipsam )( [6] ) . وكذلك إذا تقدم المدين بالتنفيذ العينى –ويكون فى هذه الحالة ممكناً بطبيعة الحال – فليس للدائن أن يرفضه ويطلب التعويض مكانه ، بل تبرأ ذمة المدين بالتنفيذ العينى الكامل ، 762 رضى به الدائن أو أباه ( [7] ) .
فإذا لم يطلب الدائن التنفيذ العينى –حتى إذا كان ممكناً – واقتصر على طلب التعويض ، ولم يعرض المدين من جهته أن يقوم بتنفيذه التزامه عيناً ، فإن يستعاض عن التنفيذ العينى بالتعويض . ويقوم هذا على أساس اتفاق ضمنى بين الدائن والمدين ، فما دام الدائن لم يطلب التنفيذ العينى وطلب التعويض فكأنه ارتضى هذا مكان ذلك ، وما دام المدين لم يعرض التنفيذ العينى فكأنه قبل أن يدفع التعويض مكانه ، فيقع الاتفاق بين الجانبين على التعويض عوضاً عن التنفيذ العينى ( [8] ) .
ونرى من ذلك أن التعويض ليس التزاماً تخييريا أو التزاما بدليا بجانب التنفيذ العينى العينى . فليس للالتزام إلا محل واحد ، هو عين ما التزم به المدين أى 763 التنفيذ العينى . ولا يملك الدائن وحده أو المدين وحده أن يختار التعويض دون التنفيذ العينى ، فالتعويض إذن ليس بالتزام تخبيرى . ولا يملك المدين وحده أن يتقدم بالتعويض بدلا من التنفيذ العينى ، فالتعويض إذن ليس بالتزام بدلى ( [9] ) . ولكن يجوز أن يستبدل بالتنفيذ العينى التعويض النقدى ، لا بإرادة الدائن وحده ، ولا بإرادة المدين وحده ، ولكن باتفاقهما معاً إذا بقى التنفيذ العينى ممكناً ، أو بحكم القانون إذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلا بخطأ المدين . وفى هاتين الحالتين لا يكون التعويض النقدى إلا بديلا عن التنفيذ العينى ، فالالتزام هو هو لم يتغير ، وإنما استبدل بمحله محل آخر باتفاق الطرفين أو بحكم القانون ( [10] ) . أما إذا أصبح 764 التنفيذ العينى مستحيلا بغير خطأ المدين ، فقد انقضى الالتزام ، لأن محله أصبح مستحيلا باستحالة التنفيذ العينى ، ولأنه لا محل للتعويض النقدى لانتفاء المسئولية .
410 – الشرط الثالث – ألا يكون فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين ، أو يكون فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيما : وقد يكون التنفيذ العينى ممكناً ، ومع ذلك يعدل عنه المدين بإرادته وحده ، ويقتصر على دفع تعويض نقدى ، على أن يتوافر لذلك شرطان :
( أولا ) أن يكون فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين . والإرهاق ينطوى على معنى العنت الشديد ، ولا يكفى فيه مجرد العسر والكلفة والضيق ، بل يجب أن يكون التنفيذ العينى من شأنه أن يلحق بالمدين خسارة جسيمة فادحة ، ويترك التقدير فى ذلك للقاضى ( [11] ) . وشرط الإرهاق هذا تطبيق من تطبيقات نظرية الضرورة ، وقد رأينا تطبيقات مماثلة فى عقود الإذعان وفى الظروف الطارئة وفى مواطن أخرى كثيرة ( [12] ) .
( ثانيا ) ألا يلحق الدائن من جراء العدول عن التنفيذ العينى إلى التعويض ضرر جسيم . فلا يكفى إذن أن يكون فى التنفيذ العينى إرهاب للمدين ، بل يجب أيضاً ألا يصاب الدائن بضرر جسيم من جراء عدم التنفيذ العينى والاقتصار على التعويض . والتوازن هنا مطلوب بين المصالح المتعارضة ، مصالح المدين ومصالح الدائن . فإذا أمكن تفادى إرهاق المدين ، ولو بضرر يسير يصيب الدائن ، 765 وأن يحل التعويض النقدى محل التنفيذ العينى . أما إذا كان التنفيذ العينى لا يترتب عليه إرهاق شديد للمدين ، أو ترتب عليه هذا الإرهاق ولكن العدول عنه إلى تعويض يلحق بالدائن ضرراً جسيما ، وجب الرجوع إلى الأصل ، وهو وجوب تنفيذ العينى دون التعويض ، وذلك حتى ينال الدائن حقه كاملا ، ما دام المدين لا يرهق من جراء ذلك ، أو حتى يندفع عن الدائن الضرر الجسيم الذى يصيبه من جراء عدم التنفيذ العينى . وإذا كان لابد من إرهاق المدين أو تحميل الدائن ضرراً حسبما ، فالأولى بالرعاية هو الدائن ، لأنه إنما يطالب بحقه فى غير تعسف .
ومن التطبيقات الظاهرة التى نحن بصددها ما ورد فى المادة 1018 من التقنين المدنى ، وتنص على ما يأتى : ” 1 – إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار فى البناء عليه كيف شاء ، كأن يمنع من تجاوز حد معين فى الارتفاع بالبناء أو فى مساحة رقعته ، فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التى فرضت لمصلحتها هذه القيود ، هذا ما لم يكن هناك اتفاق يقضى بغيره . 2 – وكل مخالفة لهذه القيود تجوز المطالبة بإصلاحها عيناً ، ومع ذلك يجوز الاقتصار على الحكم بالتعويض إذا رأت المحكمة ما يبرر ذلك ” . فهنا يقضى النص بالاقتصار على التعويض دون التنفيذ العينى –والتنفيذ العينى هو هدم البناء( [13] ) – إذا رأى القاضى ما يبرر ذلك . والقاضى يرى مبرراً لذلك إذا كان الهدم يرهق المدين فى الوقت الذى لا يلحق فيه إبقاء البناء ضرراً جسيما بالدائن ( [14] ) . وقد كان القضاء المصرى ، فى عهد التقنين السابق ، يسير 766 على هذه القاعدة دون نص لاتفاقها مع قواعد العدالة( [15] ) .
ويستخلص مما تقدم أن التعويض يحل محل التنفيذ العينى إذا كان هذا مستحيلا ، أو كان ممكناً واتفق الطرفان على التعويض ، أو لم يتفقا وكان التنفيذ العينى مرهقاً للمدين ولا يلحق العدول عنه ضرراً جسيما بالدائن .
411 – الشرط الرابع – إعذار المدين : وإعذار المدين واجب فى التنفيذ العينى إذا كان المقصود أن يكون هذا التنفيذ قهرياً بطريق الإجبار ( م 203 فقرة أولى مدنى ) . أما إذا كان التنفيذ العينى يتحقق بكم القانون ، أو قام به المدين مختاراً غير مجبر ، فظاهر أنه لا حاجة إلى الإعذار فى هاتين الحالتين .
وأكثر ما يكون الإعذار فى المطالبة بالتعويض النقدى . ولكنه يكون أيضاً واجباً حتى لو كان المطلوب هو التنفيذ العينى ( [16] ) . فإذا لم يقم الدائن بإعذار 767 المدين قبل مطالبته قضائياً بالتنفيذ العينى ، جاز لمدين ، حتى بعد المطالبة القضائية ، أن يتقدم للدائن بالتنفيذ العينى ، فيخسر الدائن فى هذه الحالة مصروفات التقاضى ، ولا يصح كذلك أن يطالب الدائن المدين بتعويض عن تأخره فى تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً ، لأنه لم يعذره قبل المطالبة القضائية . على أن المطالبة القضائية ذاتها تعتبر إعذاراً ، فيجب على المدين أن يبادر إلى تنفيذ التزامه بمجرد أن توجه له المطالبة القضائية ، وإلا كان مسئولا عن تأخره .
ولما كان الإعذار إنما يكثر وقوعه عند المطالبة بالتعويض النقدى ، فنرجئ الكلام فى كيفيته وفى الآثار التى تترتب عليه إلى المكان الذى نتكلم فيه عن التنفيذ بطريق التعويض .
768
الفصل الثانى
كيف يكون التنفيذ العينى
412 – مسألتان : نتكلم هنا فى مسألتين :
( أولا ) موضوع التنفيذ العينى ( المديونية ) .
( ثانيا ) وسائل التنفيذ العينى ( المسئولية ) .
الفرع الأول
موضوع التنفيذ العينى
413 – تقسيم الالتزام بالنسبة إلى محله : موضوع التنفيذ العينى هو عين محل الالتزام . وقد رأينا أن الالتزام ينقسم ، بالنسبة إلى محله ، إلى أنواع ثلاثة :
( 1 ) الالتزام بنقل ملكية أو حق عينى آخر .
( 2 ) الالتزام بعمل .
( 3 ) الالتزام بالامتناع عن عمل .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 379 من المشروع التمهيدى على الوجه الذى استقر عليه فى التقنين الجديد ، فيما عدا بعض تحويرات لفظية طفيفة أزالتها لجنة المراجعة ، وأصبح رقم النص المادة 209 من المشروع النهائى . ووافق عليه مجلس النواب . وفى لجنة مجلس الشيوخ ذكر أن الفقرة الثانية تتضمن فكرة جديدة هى استثناء من القاعدة العامة فى وجوب الوفاء من طريق التنفيذ العينى . وهذا الاستثناء يعرض عند إقامة المالك بناء خلافاً لما يفرضه عليه التزام سابق أو ارتفاق بعدم البناء ، وهذا أمر كثير الوقوع فى مصر . فمن واجب القاضى فى هذا المقام عند المطالبة بالتنفيذ العينى أن يوازن بين مصالح ذوى الشأن ، وأن يتفادى تحميل المدين تضحيات جساماً درءاً لضرر طفيف . وذكر أيضاً أن إدارة القضايا فى كثير من مخالفات التنظيم كانت تطبق هذا الحكم ، وتقضى بعدم تنفيذ حكم المخالفة للمصلحة العامة ، ولا يفهم من هذا أن النص يجيز للقاضى الجنائى الحكم بالغرامة دون الإزالة لأن الإزالة عقوبة ، فنطاق تطبيق النص هو المعاملات المدنية . وقد أزال هذا القول الشبهة التى قامت من أن القاضى الجنائى قد يحكم بالغرامة دون الإزالة بسبب المصلحة العامة . واقترح أن يوصف الإرهاق المذكور فى الفقرة الثانية ، فأجيب بأن المراد بالإرهاق العنت الشديد ولا لزوم للوصف لأن الأمر متروك لتقدير القاضى . ثم أعيد الاعتراض على الفقرة الثانية ، فأجيب بأن حكمها مأخوذ مما استقر عليه القضاء فإنه بالرغم من عدم وجود هذا النص قد أخذ به وسار عليه وفى سبيل ذلك خرج على نصوص التشريع ، فالمشروع لم يأت بجديد بل قنن ما سار عليه القضاء . وانتهت اللجنة بالموافقة على المادة وأصبح رقمها 203 . ووافق مجلس الشيوخ عليها كما أقرتها لجنته مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 509 – ص 513 ) .
( [2] ) وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ الالتزام عيناً وللمدين عرض القيام بذلك ما بقى هذا التنفيذ ممكناً . ولم يستثن المشروع من هذه القاعدة إلا حالة واحدة ، استمد حكمها من التقنين الألمانى ، فإذا لم يكن التنفيذ العينى ميسوراً إلا ببذل نفقات لا تتناسب مع ما ينجم من ضرر من جراء التخلف عن الوفاء عيناً ، اقتصر حق الدائن استثناء على اقتضاء التعويض ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 506 ) .
على أن هذا النص المستحدث ليس فى الواقع إلا تقنيناً لما جرى عليه القضاء المصرى ، كما سبق القول . ولذلك يكون له ، باعتباره نصاً مفسراً ، أثر رجعى ، فيسرى على الحوادث التى تمت قبل نفاذ التقنين المدنى الجديد .
( [3] ) التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 204 ( مطابقة لنص المادة 203 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى م 246 ( مطابقة لنص المادة 203 من التقنين المدنى المصرى ، فيما عدا أنها لا تنص على الإعذار ) .
التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 206 ( مطابقة لنص المادة 203 من التقنين المدنى المصرى ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 249 : يجب على قدر المستطاع أن توفى الموجبات عيناً ، إذ أن للدائن حقاً مكتسباً فى استيفاء موضوع الموجب بالذات . ( والحكم يتفق مع حكم التقنين المصرى ، حتى فيم يتعلق بجواز التعويض إذا كان فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين ما دام نص التقنين اللبنانى يتضمن عبارة ” على قدر المستطاع ” ، ويمكن تفسيرها فى شيء من التوسع ، ومع ذلك قارن الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 3 – ص 4 ) .
( [4] ) بيدان ولاجارد 8 فقرة 441 .
( [5] ) وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” بقى بعد ذلك تحديد فكرة إمكان التنفيذ ، فمتى يسوغ القول بأن تنفيذ الالتزام عيناً يدخل فى حدود الإمكان ، ولاسيما فيما يتعلق بميعاد التنفيذ؟ إذا لم يحدد ميعاد للتنفيذ جاز الوفاء عينا مادامت الظروف تسمح به ، دون أن يخل ذلك بداهة بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عن التأخير . ويهيئ التقنين الألمانى للدائن وسيلة لقطع الشك باليقين فى مثل هذه الحالة . فيبيح له أن يحدد للمدين ميعاداً مناسباً للوفاء عيناً ، وأن يشفع هذا التحديد بإبلاغه أنه لن يقبل منه وفاءه بعد انقضاء هذا الميعاد ( أنظر المادة 250 من التقنين الألمانى ) . وليس ثمة ما يمنع القضاء من العمل بهذا الحكم دون حاجة إلى الاستناد إلى نص تشريعى خاص . أما إذا حدد ميعاد للتنفيذ فالمفروض أن الوفاء العينى يمتنع بعد انقضاء هذا الميعاد ، إلا أن يقيم ذو الشأن الدليل على عكس ذلك ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 510 ) .
المصدر- توكيل محامي
( [6] ) استئناف مختلط 15 نوفمبر سنة 1899 م 12 ص 10 – 26 أبريل سنة 1900 م 12 ص 229 – 17 فبراير سنة 1916 م 28 ص 163 – 5 يونيه سنة 1935 م 47 ص 358 .
( [7] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الحكم المطعون فيه قد قرر ” أن من حق المسألة استرداد منقولاتها ، فلها أن تستردها وأن تطالب بقيمتها إذا لم توجد ، ولكنها لم تفعل هذا ، بل طلبت من أول الأمر الحكم لها بقيمتها دون أن تثبت ضياعها أو تعذر الحصول عليها ، مع أنه كان ينبغى أن تطلب الحكم لها بتسليمها إليها عيناً ، فإذا تعذر ذلك حق لها المطالبة بقيمتها . وهذا لا يمنعها من المطالبة من جديد بهذه المنقولات عيناً إذا شاءت ” ، فإن هذا الذى قرره الحكم لا عيب فيه ، ذلك بأن ما جاء بصحيفة دعوى الطاعنة من تكليفها المطعون عليه بتسليمها هذه المنقولات لا يعدو أن يكون إنذاراً منها له بذلك لم يقترن بطلب الحكم بتسليمها عيباً ( نقض مدنى 12 يونيه سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 187 ص 1187 ) .
وكالتنفيذ العينى التعويض العينى ، وقد قضت محكمة النقض فى هذا المعنى بأن التعويض العينى عن الفعل الضار هو الأصل ، ولا يصار إلى عوضه أى التعويض النقدى إلا إذا استحال التعويض عيناً . فإذا رفع المضرور دعواه مطالباً بتعويض نقدى ، وعرض عليه المدعى عليه التعويض عيناً –كرد الشيء المغتصب – وجب قبول ما عرضه ، بل لا تكون المحكمة متجاوزة سلطنها إذا هى أعملت موجب هذا العرض ولو لم يطلب المدعى ذلك أو أصر على ما يطلبه من تعويض نقدى . وعلى ذلك فإذا استولت جهة الإدارة على عقار دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية . فقاضاها المالك مطالباً بقيمة العقار ، وأبدت الإدارة أثناء سير الدعوى استعدادها أن ترد الأرض المغتصبة ، وقضت المحكمة للمدعى بقيمة الأرض دون أن تعتبر باستعداد المدعى عليه للرد ودون أن تنفى استحالة الرد أو جدية الاستعداد له ، فإن حكمها يكون قد خالف القانون ( نقض مدنى 16 ديسمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 352 ص 682 ) .
( [8] ) هذا وإذا طلب الدائن التعويض ، فله قبل الحكم أن يعدل عنه إلى طلب التنفيذ العينى إذا كان هذا التنفيذ ممكناً . وكذلك إذا طلب التنفيذ العينى ، فالمفروض أنه طلب ضمناً التعويض إذا تعذر التنفيذ العينى ، فإذا قضى له فى هذه الحالة بالتعويض فلا يعد هذا قضاء مما لم يطلب الخصم ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 783 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 439 ص 319 ) .
( [9] ) وقد رأينا أن العربون التزام بدلى ، أما الشرط الجزائى –وهو تعويض قدره الطرفان – فليس بالتزام بدلى ولا التزام تخييرى ، شأنه فى ذلك شأن التعويض ( الوسيط جزء أول فقرة 142 ص 264 هامش رقم 1 ) .
( [10] ) ويترتب على ذلك أن الضمانات التى تكفل الالتزام فى تنفيذه العينى تبقى لتكفل التعويض النقدى عندما يحل محل التنفيذ العينى ( بودرى وبارد 1 فقرة 441 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 821 ص 147 وفقرة 873 – دى باج 3 فقرة 98 – الدكتور حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 31 – وقارن مازو فى المسئولية 1 فقرة 100 . وأنظر الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 59 ص 79 هامش رقم 1 ) .
وقد جاء فى الموجز للمؤلف فى هذا المعنى ما يأتى : ” أن محل الالتزام هو التنفيذ العينى لا التعويض . وهو ما يجب أن يطالب به الدائن بصفة أصلية . وهو ما يجب أيضاً أن يعرضه المدين على الدائن إذا أراد براءة ذمته من الدين . فما دام التنفيذ العينى ممكناً فإن التعويض لا يكون التزاماً تخييرياً ولا التزاماً بدلياً – فإذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلا ، وأصبح المدين مسئولا عن التعويض ، فليس معنى ذلك أن الالتزام بالتنفيذ العينى قد انقضى وحل محله التزام جديد بالتعويض . بل إن التزام المدين واحد لم يتغير ، والذى تغير هو محل الالتزام ، فبعد أن كان تنفيذاً عينياً أصبح تعويضاً ، فتبقى الضمانات التى كانت تكفل التنفيذ العينى كافلة للتعويض ( الموجز فقرة 442 ص 439 ) .
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” إذا كان تنفيذ الالتزام يدخل فى حدود الإمكان ، فمن حق الدائن أن يستأديه ، ومن حق المدين أن يعرض القيام به . وليس يجوز العدول عن هذا التنفيذ إلى طريق التعويض إلا بتراضى المتعاقدين . ذلك أن التعويض لا ينزل من التنفيذ العينى منزلة التزام تخييرى أو التزام بدلى . فهو ليس موكولا للتخيير ، لأن رخصة العدول عن الوفاء عيناً إلى الوفاء بمقابل غير ثابتة لأى من المتعاقدين ، سواء فى ذلك الدائن أو المدين . فمن واجب الأول أن يعرض الوفاء عيناً ، ومن واجب الثانى قبول هذا الوفاء . وهو ليس بالبديل ، لأن المدين لا يملك عرض العوض النقدى بما بق الوفاء العينى ممكناً ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 510 ) .
( [11] ) وقد رأينا فى تاريخ نص المادة 203 ( أنظر آنفا فقرة 406 فى الهامش ) ، فى المناقشات التى دارت فى لجنة مجلس الشيوخ ، أن ” المراد بالإرهاق العنت الشديد ، ولا لزوم للوصف لأن الأمر متروك للقاضى ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 512 ) .
( [12] ) وفى فرنسا يذهب القضاء إلى جواز الحكم بالتعويض حتى لو كان التنفيذ العينى ممكناً ، إذا تبين من الظروف أن التنفيذ العينى يكون مرهقاً للمدين أو للغير وأن الدائن ينال ترضية كافية بالتعويض ( نقض فرنسى 25 يوليه سنة 1922 سيريه 23 – 1 – 111 – أنظر فى هذا المعنى بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 783 – وقارن بودرى وبارد 1 فقرة 438 ) .
ويمكن إرجاع ذلك إلى نظرية التعسف فى استعمال الحق ، فمن حق الدائن أن يطالب بالتنفيذ العينى ما دام ممكناً ، ولكنه يكون متعسفاً فى هذا الطلب ، فلا يجاب إليه ، إذا تبين من الظروف أن التنفيذ العينى مرهق للمدين أو للغير دون أن تكون هناك فائدة منه تعود على الدائن ( الموجز ص 439 هامش رقم 1 ) .
( [13] ) سنرى عند الكلام فى الالتزام بالامتناع عن عمل أن تنفيذ هذا الالتزام تنفيذيا عينياً بعد وقوع الإخلال به إنما هو فى الحقيقة تعويض عينى لا تنفيذ عينى . ولكن التعويض العينى ، فيما نحن بصدده من قاعدة ، لا يختلف عن التنفيذ العينى .
( [14] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” وقد استثنى المشروع حالة واحدة من حكم قاعدة عدم جواز العدول إلى طريق التعويض ما بقى التنفيذ العينى ممكناً ، مقتدياً فى ذلك بالتقنين الألمانى . فأباح للمدين أن يعمد إلى التعويض النقدى إذا كان يصيبه من وراء التنفيذ العينى ضرر فادح لا يتناسب مع ما يحيق بالدائن من جراء التخلف عن الوفاء عينا . وفى هذه الحالة لا يسوغ للدائن أن يطالب بالتنفيذ العينى ، بل يقتصر حقه على المطالبة بأداء التعويض الواجب له . وقد تقدمت الإشارة إلى تطبيق هام من تطبيقات هذا الاستثناء ، يعرض عند إقامة المالك بناء خلافاً لما يفرضه عليه التزام أو ارتفاق بعدم البناء ، وهو أمر كثير الوقوع فى مصر . فمن واجب القاضى فى هذا المقام أن يوازن بين مصالح ذوى الشأن وأن يتحامى تحميل المدين تضحيات جساماً درءاً لضرر طفيف ” مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 510 – ص 511 ) .
( [15] ) استئناف مختلط 3 يونيه سنة 1896 م 8 ص 313 – وقارب : نقض مدنى 22 أبريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 51 ص 137 . وقد جاء فى مناقشات لجنة الشيوخ –أنظر تاريخ نص المادة 203 فى فقرة 406 فى الهامش – أن الحكم ” مأخوذ مما استقر عليه القضاء ، فإنه بالرغم من عدم وجود هذا النص قد أخذ به وسار عليه ، وفى سبيل ذلك خرج على نصوص التشريع ، فالمشروع لم يأتى بجديد ، بل قنن ما سار عليه القضاء ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 512 – ص 513 ) .
وأنظر أيضاً نصين تشريعين قريبين لأن يكونا تطبيقاً لنفس المبدأ ، هما المادتان 925 و 928 . فقد نصت المادة 925 على ما يأتى : ” 1 – إذا كان من أقام المنشآت المشار إليها فى المادة السابقة يعتقد بحسن نية أن له الحق فى إقامتها ، فلا يكون لصاحب الأرض أن يطلب الإزالة ، وإنما يخير بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل أو أن يدفع مبلغا يساوى ما زاد فى ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت ، هذا ما لم يطلب صاحب المنشآت نزعها . 2 – إلا أنه إذا كانت المنشآت قد بلغت حداً من الجسامة يرهق صاحب الأرض أن يؤدى ما هو مستحق عنها ، كان له أن يطلب تمليك الأرض لمن أقام المنشآت نظير تعويض عادل ” . ونصت المادة 928 على ما يأتى : ” إذا كان مالك الأرض وهو يقيم عليها بناء قد جاز بحسن نية على جزء من الأرض الملاصقة ، جاز للمحكمة إذا رأت محلا لذلك أن تجبر صاحب هذه الأرض على أن ينزل لجاره عن ملكية الجزء المشغول بالبناء وذلك نظير تعويض عادل ” .
( [16] ) أنظر فى ضرورة الإعذار فى عهد التقنين المدنى السابق : استئناف مختلط 20 مارس سنة 1935 م 47 ص 211 – 28 مارس سنة 1935 م 47 ص 223 – وأنظر فى عدم ضرورة الإعذار فى ذلك العهد أيضاً : استئناف مختلط 30 يناير سنة 1907 م 19 ص 101 – 19 ديسمبر سنة 1917 م 30 ص 97 – 12 أبريل سنة 1922 م 34 ص 330 – ونرى من ذلك ان القضاء كان منقسما فى هذه المسألة فى عهد التقنين المدنى السابق ، أما التقنين المدنى الجديد فقد حسم الخلاف بنص صريح إذا أوجب الإعذار عند المطالبة بالتنفيذ العينى ( م 203 فقرة أولى ) ، ومن ثم لا يلتفت إلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى مناقضاً لذلك ، فقد جاء فى هذه المذكرة ما يأتى : ” لا ضرورة للإعذار إذا كان الدائن يطالب بالوفاء عيناً لا بالوفاء بمقابل ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ) .
وأنظر فى ضرورة الإعذار فى جميع الأحوال ، سواء كان الدائن يطالب بالتنفيذ العينى أو بالتعويض عن التأخير أو بالتعويض عن عدم التنفيذ : دى باج 3 فقرة 73 – فقرة 74 – على أننا سنعود إلى الإعذار عند ؟؟؟؟ بالتعويض عن عدم التنفيذ ، فإن الرأى منقسم فى ضرورة الإعذار فى هذه الحالة .
المصدر: محامي في الأردن