حجية الأمر المقضى
( L’autorite de la chose jugee )
تمهيد
341 – مكان هذا الموضوع هو قانون المرافعات : سنرى أن حجية الأمر المقضى تكون غالباً فى صورة دفع بعدم جواز سماع الدعوى ، أو بعدم قبولها ، لسبق الفضل فيها . وكان هذا التكييف يقتضى أن يدرس الموضوع فى مباحث قانون المرافعات مع سائر أوجه الدفع بعدم قبول الدعوى ( [1] ) . والدفع بعدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها أساسه على كل حال قاعدة موضوعية ، لا قرينة قانونية .
631
ولكن التقنين المدنى الجديد –وهو فى ذلك يساير التقنين المدنى السابق والتقنين المدنى الفرنسى والتقنينات المدنية الحديثة – خرج بحجية الأمر المقضى من أن تكون قاعدة موضوعية ( [2] ) ( Regle de Fond ) إلى جعلها قرينة قانونية ( [3] ) ( Presomption legale ) . وهى قرينة قانونية قاطعة ، فقد نص صراحة على عدم جواز قبول دليل ينقض هذه القرينة .
ولما كان المشرع ، كما قدمنا ، هو الذى يمسك فى يده زمام القواعد الموضوعية والقرائن القانونية ، إلى منزلة القاعدة الموضوعية ، ويهبط إن شاء بالقاعدة الموضوعية إلى مرتبة القرينة القانونية ، فلا بد إذن من بحث حجية الأمر المقضى متصلة بالقرائن القانونية ، نزولا على حكم القانون( [4] ) .
342 – حجية الأمر المقضى وقوة الأمر المقضى : ولما كانت 632 التعبيرات الفنية فى هذا الموضوع مضطربة ، وقد أدى اضطرابها إلى وقوع كثير من اللبس ، وجب البدء فى تحرير هذه التعبيرات ، وتنقية الموضوع مما يحوطه من إبهام واضطراب .
فيجب التمييز بين حجية الأمر المقضى ( Autorite de la chose jugee ) وقوة الأمر المقضى ( Force de la chose jugee ) .
فحجية الأمر المقضى معناه أن للحكم حجية فيما بين الخصوم وبالنسبة إلى ذات الحق محلا وسبباً . فيكون الحكم حجة فى هذه الحدود ، حجة لا تقبل الدحض ولا تتزحزح إلا بطريق من طرق الطعن فى الحكم ، وتثبت هذه الحجية لكل حكم قطعى ، أى لكل حكم موضوعى يفصل فى خصومة ،وساء كان هذا الحكم نهائياً أو ابتدائياً ، حضورياً أو غيابياً . وتبقى للحكم حجيته إلى أن يزول ، فإن كان غيابياً حتى يزول بإلغائه فى المعارضة ، وإن كان ابتدائياً حتى يزول بإلغائه فى الاستئناف ، وإن كان نهائيا حتى يزول بنقضه أو بقبول التمسا إعادة النظر فيه( [5] ) .
وقوة الأمر المقضى مرتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح نهائياً غير قابل لا للمعارضة ولا للاستئناف ، أى غير قابل للطعن فين بطريق من طرق الطعن الاعتيادية ، وإن ظل قابلا للطعن فيه بطريق غير اعتيادى .
ويجب التمييز فى كثير من العناية بين حجية الأمر المقضى وقوة الأمر المقضى ، فكثيراً ما يقع الخلط بينهما فى الفقه والقضاء والتشريع ( [6] ) ، وكثيراً ما تستعمل 633 إحدى العبارتين ويكون المقصود بها العبارة الأخرى . والتقنين المدنى الجديد نفسه قد وقع فى هذا الخلط حين قال فى الفقرة الأولى من المادة 405 : ” الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى ” وهو يقصد ” حجية الأمر المقضى( [7] ) ” . فالحكم القطعى ، نهائياً كان أو ابتدائياً ، حضورياً أو غيابياً ، تثبت له حجية الأمر المقضى كما قدمنا ، لأنه حكم قضائى فصل فى خصومة . ولكن هذا الحكم لا يجوز قوة الأمر المقضى إلا إذا أصبح نهائياً غير قابل لا للمعارضة ولا للاستئناف ، بأن كان فى ذاته غير قابل للطعن ، أو كان يقبل الطعن وانقضت مواعيده ، أو طعن فيه ورفض الطعن . ففى جميع هذه الأحوال يكون الحكم نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضى ، ولو كان قابلا للطعن بطريق غير اعتيادى كما أسلفنا . أما إذا كان الحكم قابلا للمعارضة أو للاستئناف فإنه لا يجوز قوة الأمر المقضى ، ولكن تكون له حجية الأمر المقضى ، وتبقى هذه الحجية قائمة ما دام الحكم قائماً ، حتى لو طعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف ( [8] ) . فإذا ألغى نتيجة للطعن ، زال وزالت معه حجيته . أما إذا تأيد ، ولم يعد قابلا لا للمعارضة ولا للاستئناف ، بقيت له حجية الأمر المقضى يكون حتما حائزاً لحجية الأمر المقضى ، والعكس غير صحيح . ويتبين كذلك أن الحكم القطعى فى أدنى مراتبه –وهى مرتبة الحكم الابتدائى الغيابى – يكون : ( أولا ) له حجية الأمر المقضى ، ولا تزول هذه الحجية إلا بإلغاء الحكم عن طريق الطعن فيه . ( ثانيا ) ليست له قوة الأمر المقضى ، إلى أن يصبح نهائياً ( Passe en Force de Chose Jugee ) ، 634 فيجوز هذه القوة بالإضافة إلى الحجية . ( ثالثاً ) على أن الحكم ، حتى إذا وصل إلى هذه المرتبة من القوة ، يبقى ، بالرغم من حيازته لحجية الأمر المقضى ولقوة الأمر المقضى ،معرضاً للإلغاء عن طريق طعن غير اعتيادى . فإذا لم يلغ ، أو فات الميعاد دون أن يطعن فيه ، أو كان منذ البداية غير قابل للطعن فيه بطريق غير اعتيادى ، استقر له الحجية والقوة على وجه غير قابل للزوال( [9] ) و( [10] ) .
635
343 – الدفع بحجية الأمر المقضى والتمسك بحجية الأمر المقضى : والذى نقف عنده هو حجية الأمر المقضى ، فهو وحده الذى يعنينا هنا ( [11] ) .
فللحكم حجية على الخصوم تمنع من طرق النزاع بينهم من جديد . ومتى صدر حكم ، ولو كان حكماً ابتدائياً غيابياً ، وجب على الخصوم احترامه ، فلا يجوز لأحد منهم أن يجدد النزاع بدعوى مبتدأة . ولو رفعت هذه الدعوى لم يجز قبولها ، بل تدفع بحجية الأمر المقضى ، ويطلب الحكم بعدم جواز سماعها لسبق الفصل فيها . ولكن حجية المر المقضى لا تمنع من الطعن فى الحكم بالطرق المقررة ، سواء كانت طرقاً عادية أو طرقاً غير عادية . وعند ذلك يطرح النزاع 636 من جديد أمام القضاء ، المحكمة ذاتها التى أصدرت الحكم أو محكمة أعلى فتؤيد الحكم أو تلغيه . ولكنها فى الحالتين لا تكون قد أصدرت حكماً قائماً إلى جانب الحكم الأول ، فهى إذا أيدته بقى الحكم واحداً ، وإذا ألغته زال الحكم الأول وبقى الحكم الثانى وحده ، فالذى لا يجوز ، بمقتضى حجية الأمر المقضى ، هو رفع دعوى مبتدأة بالخصومة ذاتها ، أو رفع دعوى ببطلان الحكم الذى ثبتت له الحجية ( [12] ) . بل إنه لا يجوز ، بعد أن تدفع الدعوى الجديدة بحجية الأمر المقضى ، أن يطلب المدعى استجواب خصمه للحصول منه على إقرار بأن الحكم الذى صدر فى الدعوى الأولى غير صحيح ، أو أن يوجه إليه اليمين الحاسمة ليحلف على أن هذا الحكم صحيح فيما يعلمن فالحكم عنوان الحقيقة ، ولا تدحض حجيته حتى بالإقرار أو اليمين ( [13] ) .
وقد أخذ الفقه أخيراً يميز ، فى حجية الأمر المقضى ، بين الدفع بهذه الحجية وبين التمسك بها . فهذان شيئان منفصلان . الأول هو ، كما رأينا ، دفع موضوعى يهدف إلى عدم قبول الدعوى الجديدة ، والمدعى عليه هو الذى يدفع به هذه الدعوى . أما الثانى فليس بدفع ، بل هى حجية الأمر المقضى ذاتها يتمسك بها المدعى فى دعوى يقيمها هو . فقد يكون مجنياً عليه فى جريمة وصدر حكم جنائى بإدانة المتهم ، فيتمسك فى دعوى التعويض المدنية التى يرفعها ضد المحكوم عليه بحجية الحكم الجنائى فيما يتعلق بالوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً ( م 406 مدنى ) . وقد يستصدر حكماً من المحكمة الشرعية بثبوت نسبة من المورث فى مواجهة الورثة ، ثم يرفع على هؤلاء الورثة دعوى استحقاق لنصيبه فى الإرث ، يتمسك فيها بحجية الحكم الصادر من المحكمة الشرعية ففى الحالتين يتمسك بحجية الأمر المقضى كمدع –ولا يدفع بها كمدعى عليه – أمام المحكمة المدنية . غير أنه فى الحالة الأولى يتمسك بحجية الأمر المقضى فى حكم 637 صدر من محكمة جنائية ، وفى الحالة الثانية يتمسك بهذه الحجية فى حكم صدر من محكمة شرعية . ويجوز أن يتمسك بهذه الحجية أمام المحكمة المدنية فى حكم صدر من محكمة مدنية أخرى . ويتحقق ذلك فى الفرض الآتى : يحصل المستأجر على حكم بصحة عقد الإيجار فى مواجهة المؤجر ، وقبل أن يتسلم العين المؤجرة يبيعها المؤجر من آخر ، فيرفع المستأجر دعوى على المشترى يطالبه فيها بتسليمه العين ، ويتمسك فى هذه الدعوى بحجية الحكم الصادر بصحة عقد الإيجار فى الدعوى السابقة( [14] ) .
وقد قيل ، إمعاناً فى التمييز بين التمسك بحجية الأمر المقضى والدفع بهذه الحجية ، إن لكل منهما شروطاً تتميز عن شروط الآخر . فالشروط الواجب توافرها فى الحكم لتثبت له الحجية ، وسنذكرها فيما يلى ، هى شروط التمسك بحجية الأمر المقضى . أما شروط الدفع فهى الشروط الواجب توافرها فى الخصوم والمحل والسبب ، التى سيرد ذكرها تفصيلا . وقيل أيضاً إن هناك أحكاما يمكن فيها التمسك بالحجية دون الدفع ، وهى الأحكام التى يقتصر فيها القاضى على أن يقرر ثبوت بعض الوقائع أو نفيها دون إصدار أمر إلى الخصوم ، كالحكم بصحة التوقيع والحكم بصحة التعاقد . وعلى العكس من ذلك هناك أحكام يمكن فيها استعمال الدفع دون التمسك بالحجية ، وهى الأحكام التى يقتصر فيها القاضى على إصدار أمر للخصوم دون أن يقرر شيئاً من حيث ثبوت الوقائع المتنازع عليها أو نفيها ، كالحكم بتعيين خبير أو بالإحالة على التحقيق أو بفرض نفقة مؤقتة( [15] ) .
على أننا لا نرى الإغراق فى التمييز ما بين الدفع بحجية الأمر المقضى والتمسك بهذه الحجية . فهما وجهان متقابلان لشيء واحد . وحجية الأمر المقضى قد يتمسك بها المدعى كما رأينا فى الأمثلة المتقدمة ، وقد يتمسك بها المدعى عليه كدفع يطلب فيه دعم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها وهذا ما يقع فى 638 الغالب . وفى الحالتين تبقى حجية الأمر المقضى شيئاً واحداً ، له شروط واحدة ، دفعاً كان أو غير دفع( [16] ) .
344 – الأساس الذى تقوم عليه حجية الأمر المقضى : تقوم حجية الأمر المقضى ، دفعاً كانت أو غير دفع ، كما صورها المشرع فى التقنين المدنى المصرى ، على أساس قرينة قانونية قاطعة ، ما فى ذلك من شك . فقد جاء نص المشرع صريحاً فى هذا المعنى ، إذ يقرر أن ” الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة ” . فالمشرع يفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن الحكم هو عنوان الحقيقة ، وأن الحقيقة القضائية قرينة قاطعة على الحقيقة الواقعة ( Res Judicata Pro Veritate Habetur ) . قد تنحرف الحقيقة القضائية ، فى القلة النادرة من الأحوال ، عن الحقيقة الواقعة ، ولكنها فى الكثرة الغالبة من الأحوال تطابقها . فتقول القرينة إذن –ككحل قرينة قانونية أخرى – على الراجح الغالب الوقوع . ووجب أن تكون هذه القرينة قاطعة لا يجوز دحضها ، بصريح النص ، لاعتبارين أساسين :
( الاعتبار الأول ) أن الحكم متى فصل فى خصومة كان لابد من الوقوف عنده ، لوضع حد لتجدد الخصومات والمنازعات . فلا يجوز للخصم المحكوم عليه أن يعيد طرح النزاع على القضاء بدعوى مبتدأه . ولو سمح القانون بذلك لما أمكن أن يقف عند حد . إذ يصبح لكل من الخصمين أن يجدد النزاع مرة بعد أخرى : هذا يحصل على حكم لمصلحته ، ثم يعيد خصمه طرح النزاع بدعوى جديدة وقد حصل هو الآخر على حكم لمصلحته ، ثم يعود الخصم الأول إلى تجديد النزاع فيحصل على حكم ثالث ، وهكذا . فتتأبد الخصومات والمنازعات ، وليس هذا من مصلحة الناس فى شيء .
( الاعتبار الثانى ) أنه إذا سمع القانون بتجديد النزاع بدعاوى مبتدأه ، لجاز 639 لكل من الخصمين أن يحصل على حكم يتعارض مع الحكم الذى حصل عليه الخصم الآخر . فتقوم أحكام متعارضة فى ذات النزاع وبين نفس الخصوم . ولاشك فى أن هذا التعارض يجعل من المتعذر تنفيذ الأحكام القضائية ، إذ لا يعرف على وجه اليقين من مِن الخصمين صاحب الحق ، فكل منهما قد قضى لصالحه . هذا إلى أن التعارض ما بين الأحكام من شأنه أن يغض من كرامة القضاء ، وأن يفقده احترامه فى النفوس( [17] ) .
والصحيح أن حجية الأمر المقضى ، كما قدمنا ، قاعدة موضوعية 640 ( Regle de Fond ) العلة فيها قد اختفت ، ولم تعد بارزة كما تبرز العلة إلى جانب القرينة القانونية . و هى ، ككل قاعدة موضوعية أخرى ، قد استغرقت عليها ، ولم يعد للعلة محل للعمل معها . فالمشرع ، عندما يقرر حجية الأمر المقضى يقرر –كما يقرر فى أية قاعدة موضوعية – أن الحقيقة التى قررها الحكم هى الحقيقة الواقعة ، ما فى ذلك من معدى ولا من مناص ، كما يقرر أن حائز المنقول مالك له ، وأن من حائز عقاراً مدة معينة يكون هو المالك ، وما إلى ذلك من القواعد الموضوعية التى سبقت الإشارة إليها . والذى يقطع فى أن حجية الأمر المقضى ينبغى أن تكون قاعدة موضوعية لا قرينة قانونية ، أن هذه الحجية لا تدحض ، كما رأينا ، لا بالإقرار ولا باليمين ( [18] ) . وهذه علامة حاسمة على أنها قاعدة موضوعية ، فالقرائن القانونية ولو كانت قاطعة تدحض دائماً ، كما قدمنا ، بالإقرار واليمين ( [19] ) .
ومهما يكن من أمر ، فالمشرع هو الذى يمسك بزمام القواعد الموضوعية والقرائن القانونية ، كما سبق القول ، وقد رأى أن يجعل من حجية الأمر المقضى قرينة قانونية ، فلابد من التسليم بهذا التكييف ، وقد مضت الإشارة إلى ذلك( [20] ) .
641
345 – حجية الأمر المقضى ليست من النظام العام فى المسائل المدنية : قد يبدو لأول وهلة ، بعد أن استعرضنا الاعتبارين الأساسيين اللذين تقوم عليهما حجية الأمر المقضى ، أن هذه الحجية هى من النظام العام ، فوضع حد لتجدد الخصومات ، وعدم جواز قيام أحكام متعارضة مما يغض من كرامة القضاء ، كل هذه اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة .
ولو قلنا إن حجية الأمر المقضى هى من النظام العام لترتب على ذلك أن الخصوم لا يملكون النزول عن التمسك بها الخصوم ، بل ويجوز للخصوم أن يتمسكوا بها لأول مرة أمام محكمة النقض . أما إذا لم تتعلق حجية الأمر المقضى بالنظام العام ، فإن عكس هذه النتائج هو الذى يترتب : فيجوز للخصوم النزول عنها ، ولا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه إذا لم تتمسك بها الخصوم ، ولا يجوز للخصوم أن يتمسكوا بها لأول مرة أمام محكمة النقض .
هناك مسألة انعقد عليها الإجماع ، هى أن حجية الأمر المقضى تعتبر من 642 النظام العام فى المسائل الجنائية ( [21] ) ، أى فى حكم يصدر من محكمة جنائية ويحتج به أمام محكمة جنائية . والعلة فى ذلك ظاهرة . فإن الحكم الذى يصدر فى جريمة بالإدانة أو بالبراءة يعنى النظام العام فى المقام الأول ، ولا يجوز أن يترك أمر هذا الحكم للخصوم يتصرفون فيه كما يشاءون . بل متى صدر الحكم الجنائى وجب أن تكون له حجية مطلقة ، لا بالنسبة إلى الخصوم فحسب ، بل أيضاً فى حق الكافة ( erga omnes ) . ذلك أن المتهم إنما يدان أو يبرأ باسم المجتمع ولمصلحة المجتمع العليا ، فالمجتمع ممثل دائماً فى المحاكم الجنائية . ولهذه المحاكم سلطة واسعة فى تحرى الحقائق ، فما تكشفه منها يكون أقرب غلى الصدق ، وهو حجة على المحاكم المدنية والجنائية ، بل هو حجة على الناس جميعا ( [22] ) . ومن ثم كان للقاضى فى الدعوى الجنائية أن يثير من تلقاء نفسه حجية الأمر المقضى ولو لم تتمسك بها الخصوم ، ويجوز للخصوم التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ( [23] ) ، ولا يجوز لهم النزول عنها .
أما فى الدعوى المدنية ، ولو كانت تنظر أمام المحاكم الجنائية ، فيكاد الإجماع ينعقد على أن حجية الأمر المقضى ليست من النظام العام ( [24] ) . بل هى لا تعدو أن 643 تكون دليلاً على الحق ، والخصم يملك الحق نفسه ، ويملك النزول عنه ، ويستطيع أن يتفق مع خصمه على الطرق التى تتبع لإثباته كما قدمنا . فيجوز إذن للخصم أن ينزل عن حجية الأمر المقضى ( [25] ) ، ولا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه 644 إذا لم يتمسك بها الخصم ( [26] ) ، ولا يجوز للخصم التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ( [27] ) ، وإن كان يجوز له التمسك بها فى أية حالة كانت عليها الدعوى أمام 645 محكمة الموضوع فى الدرجة الابتدائية وفى الدرجة الاستئنافية ( [28] ) . وقد قضت الفقرة الثانية من المادة 405 من التقنين المدنى ، تأييداً لهذا الحكم ، بأنه لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بحجية الأمر المقضى من تلقاء نفسها ( [29] ) .
346 – حجية الأمر المقضى لا تمنع من تفسير الحكم ولا من تصحيحه : ولا تمنع حجية الأمر المقضى من تفسير الحكم الذى ثبتت له هذه الحجية ، وفقاً للأوضاع المقررة فى تقنين المرافعات ( م 366 – 367 ) ، ولا من الفصل فيما عسى أن تكون المحكمة قد أغفلت الفصل فيه من بعض الطلبات الموضوعية ( م 368 مرافعات ) ، ولا من تصحيح ما عسى أن يكون قد وقع فى الحكم من أخطاء مادية بحته ، كتابية كانت أو حسابية ، بشرط ألا يتخذ التصحيح ذريعة لإعادة النظر فى موضوع الحكم ( [30] ) .
646
347 – الصور المختلفة لحجية الأمر المقضى : ولحجية الأمر المقضى صور مختلفة . فقد يحتج بحكم جنائى أمام محكمة جنائية ، وهذا لا شأن لنا به وهو من مباحث القانون الجنائى . والذى يعنينا هو أن يحتج بالحكم أمام محكمة مدنية ، سواء صدر هذا الحكم من محكمة مدنية ( [31] ) أو من محكمة جنائية .
أما الاحتجاج بالحكم الصادر من محكمة جنائية أمام محكمة مدنية – وهو ما عرضت له المادة 406 من التقنين المدنى إذ تنص على أنه ” لا يرتبط القاضى المدنى بالحكم الجنائى إلا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيما ضرورياً ” – فقد مضى القول فيه فى الجزء الأول من الوسيط ( [32] ) .
فلا يبقى إلا الاحتجاج بحكم صادر من محكمة مدنية أمام محكمة مدنية . وهذا الذى نقتصر عليه فى بحثنا هنا .
348 – النصوص القانونية : وفى هذا الصدد تنص المادة 405 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” 1 – الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة . ولكن لا تكون لتلك 647 الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم ، دون أن تتغير صفاتهم ، وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً ” .
” 2 – ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها ” ( [33] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 232 / 297 ( [34] ) .
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 90 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 503 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدينة اللبنانى المادة 304 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 393 ( [35] ) .
ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1351 ( [36] ) .
648
349 – شروط قيام حجية الأمر المقضى : ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى المقدم الذكر أن هناك شروطاً يجب أن تتوافر لقيام حجية الأمر المقضى .
وهذه الشروط قسمان : قسم يتعلق بالحكم ، وآخر يتعلق بالحق المدعى به ( [37] ) .
( [1] ) أنظر جارسونيه وسيزاربريه 3 فقرة 703 وما بعدها – جلاسون وتيسييه وموريل 3 فقرة 774 وما بعدها – بلانيول وريبير وجابولد 7 ص 1014 هامش رقم 3 .
( [2] ) ويقول بلانيول وريبير وجابولد أن هذه القرائن القانونية تستر فى الحقيقة قاعد موضوعية ، ولا تقوم الحجية النسبية للحكم على أساس قرينة تفيد أن الحكم هو عنوان الحقيقة ، وإلا لكان عنوان الحقيقة بالنسبة إلى الجميع . ولكن الحجية النسبية تقوم على الاعتبار الآتى : لما كان القاضى محايداً وكان الخصوم هم الذين يقدمون الأدلة ، فالحقيقة القضائية مرهونة بما يقدمون من ذلك ، ومن أجل هذا كان الحكم حجة عليهم هم دون غيرهم ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1556 ص 1023 ) . أنظر أيضاً بيدان وبرو 9 فقرة 1337 – فقرة 1338 .
( [3] ) وتفيد هذه القرينة أن الحكم هو عنوان الحقيقة : Resjudicata pro veritate habetur .
( [4] ) وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى تبريراً لوضع حجية الأمر المقضى فى التقنين المدنى ما يأتى : ” تتصل حجية الشيء المقضى به بآثار الأحكام ، ويدخل تنظيمها من هذا الوجه فى قانون المرافعات . بيد أن تقنين المرافعات المصرى قد أغفل هذا التنظيم ، فى حين عرض له التقنين المدنى المصرى فى المادة 232 / 297 . ولم تقتصر هذه المادة على إقامة قرينة الحجية دون جواز قبول أى دليل لنقضها ، بل تناولت أيضاً موضوع هذه الحجية وشروطها . وهذا هو منحى التقنين الفرنسى ، والتقنين الإيطالى ( م 1351 ) ، والتقنين الهولندى ( م 1954 ) والتقنين الأسبانى ( م 1252 ) والتقنين الكندى ( م 1241 ) والتقنين المراكشى ( م 451 ) والمشروع الفرنسى الإيطالى ( م 302 ) . على أن التقنين البرتغالى لا يدرج حجية الشيء المقضى به فى عداد القرائن ( م 2502 – 2505 ) بل يدخلها فى نطاق الأدلة الكتابية . والواقع أن حجية الشيء المقضى به تنطوى على معنى الدليل ، وإن كانت قاعدة من قواعد نظام القضاء ، ولذلك رؤى إبقاء النص الخاص بها فى مشروع التقنين المدنى بين النصوص الخاصة بالقرائن القانونية على غرار ما هو متبع فى أكثر التقنينات ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 420 – ص 421 ) .
( [5] ) ولحجية الأمر المقضى معنى آخر فى القانون الفرنسى : قابلية الحكم للتنفيذ إلى أن يطعن فيه . ذلك أن الأحكام فى القانون الفرنسى تكون قابلة للتنفيذ إلى أن يطعن فيها ، فالذى يقف تنفيذها ليس هو ميعاد الطعن بل هو الطعن ذاته ( دى باج 3 فقرة 940 ص 937 – ص 938 ) . ويقول دى باج فى موضع آخر ( جزء ثالث فقرة 940 ص 942 ) إن الحكم القابل للطعن فيه تكون له حجية الأمر المقضى بالمعنيين ، فهو حجة على الخصوم وقابل للتنفيذ . فإذا ما طعن فيه فعلا ، زال المعنى الثانى –القابلية للتنفيذ – وبقى المعنى الأول ، إذ يكون حجة على الخصوم إلا أن يؤدى الطعن إلى إلغائه ( أنظر أيضاً فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 451 وهامش رقم 111 مكرر ) .
( [6] ) ومن أسباب هذا الخلط ما يرجع إلى لغة القانون الفرنسى . فالحكم القطعى ( Definitif ) يجوز الحجية ( Autorite ) ، والحكم النهائى ( Definitif ) يجوز القوة ( Force ) ، فوق الخلط من استعمال لفظ ( Definitif ) بمعنى القطعى والنهائى فى وقت واحد . أما فى لغتنا العربية فيسهل التمييز بين الحكم القطعى ويجوز الحجية دون القوة ، والحكم النهائى ويجوز الحجية والقوة معاً .
( [7] ) وكثيراً ما توهم لغة الأحكام القضائية أن الحكم لا يجوز حجية الأمر المقضى إلا إذا أصبح نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضى : أنظر استئناف مختلط 12 يناير سنة 1920 م 32 ص 113 – 26 يناير سنة 1926 م 38 ص 195 – 14 يونيه سنة 1928 م 40 ص 427 – 22 مايو سنة 1930 م 42 ص 514 – 26 فبراير سنة 1931 م 43 ص 257 – 3 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 33 – 31 مارس سنة 1942 م 54 ص 156 .
( [8] ) ومع ذلك أنظر استئناف مختلط 30 أكتوبر سنة 1912 م 25 ص 3 ( وهو يقف حجية الحكم بمجرد الطعن فيه ، فإذا ما قبل الطعن زالت الحجية نهائياً ) .
( [9] ) ويذهب رأى إلى أن الحكم ، حتى فى هذه المرتبة القصوى من الحجية والقوة ، يجوز إلغاؤه بدعوى بطلان ( Action en nullite ) إذا ثبت أن الخصم قد حصل عليه بطريق الغش ، وذلك تطبيقاً للقاعدة التى تقضى بأن الغش يفسد العمل ( Fraus omnia Corrumpit ) ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1554 ص 1017 هامش رقم 2 وقد أشير إلى حكمين من محكمة النقض الفرنسية : 6 ديسمبر سنة 1859 داللوز 60 – 1 – 17 – 16 فبراير سنة 1921 سيريه 1921 – 1 – 364 ، وإلى حكم من محكمة الاستئناف المختلطة : 19 يناير سنة 1926 م 38 ص 181 ) . أنظر أيضاً الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 287 هامش رقم 3 – أما القضاء المختلط الذى أشار غليه بلانيول وريبير وجابولد فيما قدمنا ، فبعض أحكامه تجيز إلغاء الحكم المشوب بالغش عن طريق دعوى بطلان أصلية : استئناف مختلط 27 أبريل سنة 1915 م 27 ص 295 – 25 يناير سنة 1917 م 29 ص 175 – 12 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 66 – 22 مايو سنة 1919 م 31 ص 312 – 19 يناير سنة 1926 م 38 ص 181 وهو الحكم الذى أشير إليه – 7 مارس سنة 1933 م 45 ص 194 – 20 أبريل سنة 1937 م 49 ص 199 . وأحكام أخرى لا تجيز الطعن فى الحكم عن طريق دعوى بطلان أصلية حتى لو كان هذا الحكم مشوباً بالغش ، فلا يطعن فى الحكم إلا بطرق الطعن التى قررها القانون لا بدعوى البطلان ، وإذا كانت طرق الطعن هذه قد استنفدت جميعها ، لم يبق للخصم إلا أن يرفع دعوى تعويض مبتدأه عن الضرر الذى لحق به بسبب الغش : استئناف مختلط 13 يناير سنة 1920 م 32 ص 188 – 8 مايو سنة 1923 م 35 ص 427 – 16 مايو سنة 1923 م 35 ص 453 – 27 فبراير سنة 1929 م 41 ص 279 – 9 يناير سنة 1930 م 42 ص 173 – 11 ديسمبر سنة 1930 م 42 ص 77 – 24 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 90 – 6 مارس سنة 1934 م 46 ص 201 – 19 مايو سنة 1937 م 49 ص 228 .
( [10] ) وإلى جانب حجية الأمر المقضى ( Autorite de la Chose Jugee ) وقوة الأمر المقضى ( Force de la Chose Jugee ) يوجد قوة الحكم فى الإثبات ( Force Probante du jugement ) : فالحكم بما يشتمل عليه من وقائع ( Qualites ) وأسباب ( Motifs ) ومنطوق ( Dispositif ) وثيقة رسمية لا تقل فى قوة الإثبات عن الأوراق الرسمية الأخرى . وهو فى هذا المعنى حجة على الكافة ، لا على الخصوم فحسب . فما دونه القاضى من الوقائع على أنه وقع تحت سمعه أو بصره لا يجوز إثبات عكسه إلا عن طريق الطعن بالتزوير . وما دونه رواية عن الغير يعتبر صحيحاً إلى أن يثبت عكسه ، ويجوز الإثبات هنا بجميع الطرق ، لأن صاحب الشأن لم يشترك فى تحرير الحكم فهو من الغير . وأسباب الحكم بعضها يتصل اتصالا وثيقاً بالمنطوق على ما سنرى فيعتبر جزءاً منه ، وبعضها يبقى منفصلا عن المنطوق ويعتبر من بين أدلة الإثبات التى يقدر القاضى دلالتها وقوتها كما يقدر أى دليل آخر . أما منطوق الحكم فهو أيضاً حجة على الكافة ، لا على الخصوم فحسب . ولكن لغير الخصوم ، ممن يسرى فى حقهم الحكم ، دحض هذه الحجية بإثبات عكسها ، إما عن طريق دعوى مبتدأه ، وإما عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة ( Tierce – opposition ) .
ويتبين مما تقدم أنه يجوز لمحكمة الاستئناف ، وهى تؤيد الحكم الابتدائى ، أن تحيل على ما جاء فيه ، وأن تتخذ من أسبابه أسباباً لحكمها باعتبار أن هذه الأسباب أدلة إثبات اقتنعت بها محكمة الاستئناف ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1553 ص 1016 هامش رقم 3 – وقد أشير إلى حكم لمحكمة النقض الفرنسية فى هذا المعنى : 14 يونيه سنة 1950 داللوز 1950 – 330 ) . وقضت محكمة النقض فى مصر بأن لمحكمة الاستئناف ، إذ هى تؤيد الحكم الابتدائى ، أن تحيل على ما جاء فيه ، سواء فى بيان وقائع الدعوى أو فى الأسباب التى أقيم عليها متى كانت تكفى لحمله . وإذن فمتى كان الحكم الاستئنافى ، إذ أيد الحكم الابتدائى فيما قضى به من رفض دعوى الطاعنين وأحال على أسباب هذا الحكم الأخير ، قد استند إلى أن الطاعنين لم يثيروا فى استئنافهم جديداً يسوغ العدول عن الحكم الابتدائى ، وكانت هذه الأسباب قد تضمنت بياناً كافياً لوقائع الدعوى ، وكان من شأن هذه الأسباب أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم ، وكان دفاع الطاعنين أمام المحكمة الاستئنافية لا يخرج فى جوهره عنه أمام المحكمة الابتدائية ، وكانوا لم يقدموا صورة رسمية من صحيفة استئنافهم لتأييد ما يدعوى من أنهم استندوا إلى أسباب جديدة لم يسبق عرضها على محكمة الدرجة الأولى ، مما يعتبر معه حجة غير منقوضة ما قالت محكمة الاستئناف من أنهم لم يثيروا جديداً فى استئنافهم ، فإن الطعن فى الحكم الاستئنافى لقصوره يكون على غير أساس ( نقض مدنى 18 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 51 ص 264 ) .
( [11] ) وبالمعنى الأول ، أى أن يكون الحكم حجة على الخصوم ، لا بالمعنى الثانى وهو قابلية الحكم للتنفيذ .
( [12] ) أما إذا كان الحكم قد شابه الغش فهناك قول بجواز رفع دعوى البطلان ، وقد سبق أن أشرنا إلى اختلاف القضاء المختلط فى هذه المسألة .
( [13] ) ويقول دى باج إنه لا يصح الغلو فى إبراز أهمية عدم جواز دحض الأمر المقضى بالإقرار واليمين ، فالأمر فى ذلك لا يعدو أن يكون مألوفا ، إذ اليمين هنا لا يجوز توجهيها لمن صدر الحكم لمصلحته ، فإنه لا يستطيع أن يحلف على صحة الحكم وهو أمر لا يتعلق بشخصه بل يتعلق بالقاضى ، أما بالنسبة إلى الإقرار فيصعب أن نتصور المحكوم له يقر بعدم صحة الحكم الصادر لمصلحته ( دى باج 3 فقرة 942 ص 946 ) .
( [14] ) أنظر بيدان وبرو 9 فقرة 1336 : ويقولان أن الدفع بحجية الأمر المقضى سبق فى الظهور التمسك بحجية الأمر المقضى .
( [15] ) أنظر فى هذا المعنى الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 166 ص 279 وفقرة 173 ص 295 .
( [16] ) أنظر بيدان وبرو 9 فقرة 1336 – وقارن التمييز بين حجية الأحكام أو قوتها فى الإثبات بوجه عام وبين أثر الأحكام الملزم أو الدفع بسبق الفصل عنه الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 166 – فقرة 172 .
( [17] ) وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” وقوام الحجية الشيء المقضى به هو ما يفرضه القانون من صحة مطلقة فى حكومة القاضى . فهذه الحجية تفترض تنازعاً بين المصالح يستتبع الترافع إلى القضاء ، وليس شك فى أن صحة الحكومة لا تعتبر تفترض تنازعاً بين المصالح يستتبع الترافع إلى القضاء ، وليس شك فى أن صحة الحكومة لا تعتبر حتما تقتضيه طبيعة الأشياء . ذلك أن القضاة تعوزهم العصمة ، شأنهم فى هذه الناحية شأن البشر كافة . بيد أن المشرع أطلق قرينة الصحة فى حكومة القاضى رعاية لحسن سيرة العدالة واتقاء لتأييد الخصومات . فأساس هذه القرينة هو النص المقرر لحجية الشيء المقضى به ، وقد نصت المادة 232 / 297 من التقنين المدنى ( السابق ) صراحة على أن ” الأحكام التى صارت انتهائية تكون حجة بالحقوق الثابتة بها ، ولا يجوز قبول إثبات ما يخالفها ” . ويرمى الشارع من وراء تقرير حجية الشيء المقضى به إلى كفالة حسن سير العدالة وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية . فحكومة القضاء يجب أن تضع حداً لكل نزاع مادامت طرق الطعن المقررة قد استنفدت بإزائها ، ويجب كذلك أن تكون بمأمن من المتعارض مع حكومة لاحقة ، وهو أمر يصبح يسير الوقوع لو ابيح عود الخصوم أنفسهم إلى عين الدعوى التى قضى فيها نهائياً . وينحصر أثر القرية القانونية الخاصة بحجية الشيء المقضى به فى تخويل الخصوم حق ” الدفع بسبق الفصل ” وتخويل المحاكم حق إثارته من تلقاء نفسها ( وهذا عكس ما تقرر فى المشروع التمهيدى ) . ويراعى أن هذا الدفع يعتبر دفعاً قطعياً . بعدم القبول ، ويترتب عليه امتناع التقاضى بالنسبة لكل طلب أو ادعاء جديد بين الخصوم أنفسهم متى اتحد مع ما سبق الفصل فيه سبباً وموضوعاً . وعلى هذا النحو يمتنع على الخصوم الترافع إلى القضاء لإعادة طرح نزاع سبق الفصل فيه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 421 – ص 422 ) .
وهذا يلاحظ أن المشروع الأولى للإثبات –الذى تكررت الإشارة إليه – كان يتضمن نصاً ( المادة 29 من هذا المشروع ) يقضى بأن حجية الأمر المقضى من النظام العام . وقد برز أثر هذا النص فى المذكرة الإيضاحية حيث تقول : ” وتخويل المحاكم حق إثارته من تلقاء نفسها ” . ولكن المشروع التمهيدى أخذ بوجهة النظر العكسية ، وقرر أنه ” لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها ” . وبالرغم من ذلك لم تعدل المذكرة الإيضاحية التعديل الذى يساير ما أخذ به المشرع التمهيدى ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 293 هامش رقم 1 و ص 299 هامش رقم 2 ) .
( [18] ) وحتى لو سايرنا الرأى الذى يذهب إلى أن القرينة القانونية القاطعة لا يجوز دحضها بالإقرار واليمين إذا كانت متعلقة بالنظام العام ، فإن حجية الأمر المقضى لا تعتبر من النظام العام ، كما هو مقتضى نص الفقرة الثانية من المادة 405 ، فكان الواجب إذن جواز دحضها بالإقرار واليمين لو أنها كانت قرينة قانونية . وسنرى فيما يلى أن حجية الأمر المقضى ليست من النظام العام فى المسائل المدنية .
( [19] ) بيدان وبرو 9 فقرة 1337 – أنسيكلوبيدى داللوز 1 لفظ Chose Jugee فقرة 2 – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 49 ص 110 – ص 116 ( ويبحث بنوع خاص أهمية القول بأن حجية الأمر المقضى قاعدة موضوعية لا قرينة قانونية من ناحية تنفيذ الأحكام ) .
( [20] ) هذا ولا يجعل الفقه الإسلامى مبدأ حجية الأمر المقضى . جاء فى الأشباه والنظائر ( ص 126 – ص 127 ) : ” لا يصح رجوع القاضى عن قضائه ، فلو قال رجعت عن قضائى ، أو وقعت فى تلبيس الشهود ، أو أبطلت حكمى ، لم يصح ، والقضاء ماض ، كما فى الخانية ، وقيده فى الخلاصة بما إذا كان مع شرائط الصحة ، وفى الكنز بما إذا كان بعد دعوى صحيحة وشهادة مستقيمة ” . وجاء أيضاً فى الأشباه والنظائر فى مكان آخر ( ص 119 ) : ” المقضى عليه فى حادثة لا تسمع دعواه ولا بينته ، إلا إذا ادعى تلقى الملك من المدعى أو النتاج أو برهن على إبطال القضاء ، كما ذكره العمادى ، والدفع بعد القضاء بواحد مما ذكر صحيح وينقض القضاء . فكما يسمع الدفع قبله يسمع بعده ، لكن بهذه الثلاث ” . وأنظر فى أن قضاء القاضى لا ينقض برجوع الشاهد عن شهادته بعد القضاء ، حتى قبل الإمضاء ( أى تنفيذ الحكم ) ، إلا فى القصاص والحدود لأنها تدرأ بالشبهات ، إلى الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية ص 404 – ص 407 .
ولكن يرد على مبدأ حجية الأمر المقضى فى الفقه الإسلامى استثناءات بلغت من الكثرة حداً جعل الفكرة السائدة أن الفقه الإسلامى لا يقر المبدأ ذاته . ويذكر الأستاذ موران ( Morand ) فى كتابه ” دراسات فى الفقه الإسلامى الجزائرى ص 337 – ص 357 ) أن الفقه الإسلامى يقر مبدأ حجية الأمر المقضى ، وأن القول بغير ذلك سببه كثرة الاستثناءات التى ترد على هذا المبدأ ، وأن المبدأ ذاته ليس من النظام العام كما هو الأمر فى الفقه الحديث على ما سنرى . فلو صدر حكم فى قضية ، وعاد المحكوم عليه إلى رفعها من جديد ، ولم يتمسك المحكوم له بحجية الأمر المقضى ، أعاد القاضى النظر فى القضية لأنه لا يستطيع أن يثير هذا الدفع من تلقاء نفسه . أما إذا تمسك المحكوم له بحجية الأمر المقضى ، فإنه يجب على القاضى أن يجيبه إلى طلبه : ويقول الأستاذ موران بحق أن الاستثناءات الكثيرة التى ترد على المبدأ ليست فى الواقع إلا وجوهاً للطعن فى الحكم تقابل وجوه الطعن المعترف بها فى القوانين الحديثة ( أنظر أيضاً فى هذه المسالة رسالة مارنير ( Marneur ) فى نظرية الإثبات فى الفقه الإسلامى ص 311 – ص 342 ) .
( [21] ) استئناف مختلط 10 مايو سنة 1916 م 28 ص 308 .
( [22] ) دى باج 3 فقرة 942 ص 944 .
( [23] ) استئناف مختلط 6 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 13 .
( [24] ) قلنا يكاد ، لأن هناك رأياً مرجوحاً يعتبر حجية الأمر المقضى من النظام العام فى الدعاوى المدنية ، فيجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه ، ويجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ، ولا يجوز النزول عنها ( استئناف أهلى 28 فبراير سنة 1914 الشرائع 1 ص 294 – 15 فبراير سنة 1915 الشرائع 2 ص 183 – محكمة الزقازيق الجزئية 20 مايو سنة 1944 المحاماة 24 رقم 133 ص 409 – استئناف مختلط 14 نوفمبر سنة 1922 م 35 ص 22 ) .
على أن التسليم بأن حجية الأمر المقضى قرينة لا يجوز نقضها لا بالإقرار ولا باليمين لا يجعل القول بأن هذه القرينة ليست من النظام العام . ومن ثم اضطرب الأمر وتضاربت الآراء فى تعليل هذا التعارض .
فرأى يذهب إلى أن حجية الأمر المقضى ، بالرغم من أنها شرعت لمصلحة عامة من الناحية الاجتماعية ( interet general d’ordre social ) ، إلا أنها لا تتعلق بالنظام العام ( ordre public ) إلا من ناحية عدم جواز دحضها بالإقرار واليمن ( دى باج 3 فقرة 942 ص 944 – ص 49 – أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 457 – ص 58 – لوران 20 فقرة 135 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1552 ص 1015 – ص 1016 – جارسونيه وسيزاربرى 3 فقرة 703 وهامش رقم 5 – الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 174 ) .
ورأى آخر يذهب إلى أن حجية الأمر المقضى من حيث إنها قرينة قانونية تعتبر من النظام العام فلا تدحض حتى بالإقرار أو اليمين ، ومن حيث إنها دفع لا تعتبر من النظام العام فلا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه ولا يجوز المسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ويجوز للخصوم النزول عنها . وكنا من القائلين بهذا الرأى فى الموجز ( ص 731 هامش رقم 2 – ويذهب الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 731 – فقرة 732 إلى أن حق الدفع بقوة الشئ المحموم فيه مبنى على النظام العام ، إلا أن الدفع ذاته ليس من النظام العام ) . ويؤخذ على هذا الرأى أنه ما دام الدفع مترتباً على القرينة ، وما دامت القرينة من النظام العام ، فكان الواجب أن يكون الدفع هو أيضاً من النظام العام .
والذى يزيل التعارض فى نظرنا هو أن حجية الأمر المقضى ، كما مضى القول ، قاعدة موضوعية ( regle de fond ) . لا قرينة قانونية من قواعد الإثبات ( regle de preuve ) . وهى فى الوقت ذاته قاعدة ليست من النظام العام ، لأنها إنما تعنى بمصالح الإفراد الخاصة ولا تتعلق بمصلحة المجتمع العليا . فهى كقاعدة موضوعية لا تدحض بالإقرار أو اليمين ، وهى كقاعدة ليست من النظام العام لا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه ولا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ويجوز للخصوم النزول عنها . ثم هى دفع موضوعى لا دفع شكلى ، ومن ثم جاز إبداء هذا الدفع فى أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ( لا أمام محكمة النقض ) ، ولو كان الدفع شكلياً لسقط حق التمسك به إذا لم يبد قبل الدخول فى الموضوع ( استئناف مختلط 8 فبراير سنة 1911 م 23 ص 157 ) .
( [25] ) صراحة أو ضمناً ، ومتى نزل الخصم عنها فلا يجوز له الرجوع فيما نزل . وقد قضت محكمة النقض بأن التنازل البات عن الدفع بقوة الشئ المحموم فيه لا يجوز الرجوع فيه ، إذ أن هذا الدفع ليس من النظام العام ، ولا هو وسيلة من وسائل الدفاع يتركها صاحبها بمشيئته ، بل هو حق من الحقوق الخاصة إن شاء صاحبه فلا سبيل له للرجوع إليه ، لأن التنازل عن الحق هو عمل فردى ملزم لصاحبه بدون حاجة إلى قبول يصدر من الآخر . وإذا استنبطت محكمة الموضوع تنازل أحد الخصوم عن الدفع بقوة الشئ المحكوم فيه من عبارة صدرت منه صالحة لإفادة هذا التنازل ، فلا رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك ( نقض مدنى 5 يناير سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 90 ص 162 ) . انظر أيضاً محكمة الفشن 24 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 60 ) .
( [26] ) وقد قضت محكمة النقض بأن حجية الأحكام يجب لاعتبارها أن يتمسك بها ذوو الشأن . فإذا كان الثابت بالحكم أن النزاع فى صحة عقد الإيجار قد أثير أمام المحكمة ، فكان ردها فى خصوصه رداً موضوعياً مبيناً على أن العقد صحيح ملزم ، دون أية إشارة إلى حصول تمسك السابق فى طلب إبرام الحكم المطعون فيه لا يكون له محل ( نقض مدنى 20 فبراية سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 158 ص 354 مع تعليق الأستاذ محمد حامد فهمى فى هامش ص 356 ) . انظر أيضاً : استئناف أهلى 28 فبراير سنة 1914 الشرائع 1 ص 294 – 15 فبراير سنة 1915 الشرائع 2 ص 183 – طنطا 27 نوفمبر سنة 1906 المجموعة الرسمية 8 ص 12 – استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1911 م 23 ص 187 – 14 نوفمبر سنة 1922 م 35 ص 22 .
( [27] ) نقض جنائى 16 ديسمبر سنة 1940 المحاماة 21 رقم 302 ص 690 . نقض مدنى 20 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 158 ص 354 ( وهو الحكم الذى سبقت الإشارة إليه ) – انظر أيضاً بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1552 ص 1016 هامش رقم 2 .
هذا ويلاحظ أن المادة 406 من تقنين المرافعات تنص على أن ” للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم انتهائى – أياً كانت المحكمة التى أصدرته – فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الشئ المحكوم به ( passe en force de chose jugee ) ، سواء أدفع بهذا الدفع أم لم يدفع ” – وليس هذا معناه أنه يجوز التمسك بالدفع لأول مرة أمام محكمة النقض فيما يأتى : ( أ ) للتمسك بهذا الوجه يجب صدور حكم سابق حاز لقوة الشئ المحكوم فيه ، أى حكم نهائى . ولو كان هذا دفعاً يبدى لأول مرة أمام محكمة النقض ، لكان يكفى أن يكون هناك حكم قطعى حائز لحجية الأمر المقضى ولو لم يكن حكماً نهائياً . ( ب ) فى الحكم النهائى المطعون فيه أمام محكمة النقض بهذا الوجه الخاص لم يكن يجوز لا لمحكمة أول درجة ولا لمحكمة الاستئناف أن تثير الدفع من تلقاء نفسها ، ولو كان هذا دفعاً يبدى لأول مرة أمام محكمة النقض لكان من النظام العام ، ولجاز لمحكمتى الموضوع أن تثيراه ولو لم يتمسك به الخصوم . انظر فى هذا الوجه الخاص من الطعن : نقض مدنى 2 يونيه سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 56 ص 126 – 26 أكتوبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 138 ص 252 – 2 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 258 ص 749 – 16 يناير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 317 ص 1042 – 21 يناير سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 30 ص 76 – 11 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 71 ص 193 – 25 يناير سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 25 ص 56 – 25 أبريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 53 ص 178 – 17 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 253 ص 675 – 31 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 34 ص 91 – 24 أبريل سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 192 ص 421 – 18 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 51 ص 264 – 19 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 112 ص 674 – 24 يناير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 67 ص 396 .
ويلاحظ أن هذا الوجه الخاص من وجوه النقض يقابله فى فرنسا وجه مماثل ، ولكنه يفتح باب لتمام إعادة النظر لا باب النقض ، بشرط أن يكون الحكمان المتعارضان قد صدرا من محكمة واحدة ( أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 459 ) .
( [28] ) استئناف أهلى 28 فبراير سنة 1914 الشرائع 1 ص 294 – 15 فبراير سنة 1915 الشرائع 2 ص 183 ( وقد سبقت الإشارة إلى هذين الحكمين ، ويلاحظ أنهما يزيدان أن الدفع يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض كما قدمنا ، وهذا خطأ لأن الدفع ليس من النظام العا ) – جرجا 7 مارس سنة 1903 المجموعة الرسمية 4 رقم 109 – طنطا الجزئية 16 أبريل سنة 1903 المجموعة الرسمية 5 رقم 69 – استئناف مختلط 6 أبريل سنة 1920 م 32 ص 252 – 21 أبريل سنة 1927 م 39 ص 408 – انظر أيضاً : نقض فرنسى 14 يونيه سنة 1950 داللوز 1950 – 534 – وقارن حكم محكمة القضاء الإدارى 22 مارس سنة 1949 المحاماة 32 رقم 42 ص 159 .
( [29] ) وقد قدمنا أن المشروع الأولى للإثبات كان يقضى فى المادة 29 منه بأن حجية الأمر المقضى من النظام العام ، وأن هذا كان له أثره فى المذكرة الإيضاحية ( انظر مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 422 – ص 423 ) حيث تذكر فى أكثر من موضع أن هذه الحجية من النظام العام . ولم تعدل المذكرة لتساير النص بعد تعديله ، وقد سبق التنبيه إلى ذلك .
( [30] ) استئناف مختلط 29 أبريل سنة 1896 م 8 ص 253 – 19 مايو سنة 1897 م 9 ص 347 – أول أبريل سنة 1903 م 15 ص 348 – 11 يونيه سنة 1903 م 15 ص 348 – 18 يونيه سنة 1913 م 25 ص 450 – 26 يناير سنة 1921 م 33 ص 152 – 30 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 120 – 5 مايو سنة 1931 م 43 ص 371 – 27 مايو سنة 1931 م 43 ص 415 – 7 يونيه سنة 1932 م 44 ص 358 – 11 ديسمبر سنة 1934 م 47 ص 67 – 9 أبريل سنة 1935 م 47 ص 229 – 3 يونيه سنة 1937 م 49 ص 248 – 14 أبريل سنة 1938 م 50 ص 236 – 19 أبريل سنة 1938 م 50 ص 245 – 28 أبريل سنة 1938 م 50 ص 263 – 12 أبريل سنة 1945 م 57 ص 124 .
ولما كانت حجية الأمر المقضى تغنى عن الدخول فى موضوع الدعوى ، لذلك يجب البت فى هذا الدفع قبل البت فى الموضوع ذاته ( استئناف مختلط 15 مارس سنة 1906 م 18 ص 150 ) . وإذا كان هناك شك فيما إذا كانت هذه الحجية قائمة ، وجب تفسير الشك لمصلحة من وجه الدفع ضده ( استئناف مختلط 6 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 8 ) .
( [31] ) والمقصود بالمحكمة المدنية هنا هو المعنى الواسع ، أى ألا تكون المحكمة محكمة جنائية فقد تكون محكمة مدنية أو تجارية أو إدارية أو شرعية أو ملية أو غير ذلك .
( [32] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 631 – فقرة 634 ص 942 – 956 .
( [33] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 543 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد إلا فى بعض فروق لفظية طفيفة . وفى لجنة المراجعة زالت هذه الفروق ، وأصبح النص هو المادة 418 من المشروع النهائى . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 405 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 420 وص 423 – 424 ) .
( [34] ) وكانت المادة 232 / 297 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : ” الأحكام التى صارت انتهائية تكون حجة بالحقوق الثابتة بها ، ولا يجوز قبول إثبات على ما يخالفها إذا لم يكن اختلاف فى الحقوق الدعى بها ولا فى الموضوع ولا فى السبب ولا فى الصفة المتصف بها الأخصام ” . وإذا كان نص التقنين المدنى الجديد أكثر دقة وأوسع إحاطة من هذا النص ، فإنه مع ذلك لم يستحدث من الأحكام جديداً . فالتقنينات الجديد والقديم سواء من حيث الأحكام فى هذا الموضوع .
( [35] ) التقنينات المدينة العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 90 : مطابق لنص التقنين المدنى المصرى .
التقنين المدنى العراقى م 503 : مطابق لنص التقيين المدنى المصرى .
تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 304 : ” لا قوة للقضية المحكمة إلا فيما يختص بالشئ الذى كان موضوعاً للحكم ، فيجب أن يكون الشئ المطلوب هو ذاته ، وأن يكون الطلب مبيناً على السبب نفسه ، وأن تكون الدعوى بين المتداعين أنفسهم ، وأن تكون مقامة منهم أو عليهم بالصفة نفسها ” . ولا يختلف هذا النص فى حكمه عن نص التقنين المدنى المصرى .
التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 393 : مطابق لنص التقنين المدنى المصرى .
( [36] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1351 : ” لا تقوم حجية الأمر المقضى إلا بالنسبة إلى موضوع الدعوى . ويجب أن يكون الشئ المطلوب واحداً وأن يكون الطلب مبيناً على السبب نفسه ، وقائماً بين الخصوم أنفسهم ، ومقاماً منهم أو عليهم بالصفة نفسها ” .
Art . 1351 : L’autorite de la chose jugee n’a lieu qu’a l’egard de ce qui a fait l’objet du jugement . Il faut que la chose demandee soit la meme; que la demande soit fondee dut la meme cause; que lademande soit entre les memes parties, et fornee par ells et contre deels en ja meme qualite .
( [37] ) ويجعل الأستاذ سليمان مرقس الشروط المتعلقة بالحكم شروطاً لحجية الأمر المقضى ( أصول الإثبات فقرة 175 ) ، والشروط المتعلقة بالحق المدعى به شروطاً للدفع بحجية الأمر المقضى ( أصول الإثبات فقرة 180 ) .