حجية القرينة القانونية فى الإثبات
327 – القرينة القانونية القاطعة والقرينة القانونية غير القاطعة : قدمنا أن القرينة القانونية هى إعفاء من الإثبات . فالخصم الذى تقوم القرينة القانونية لصالحه معفى من إثبات الواقعة التى يستخلصها القانون من هذه القرينة .
606
ولكن لما كان الأصل هو أن كل دليل يقبل إثبات العكس ، فالدليل الكتابى يقبل إثبات العكس بدليل كتابى مثله ، والبينة تقبل إثبات العكس بينة مثلها أو بدليل كتابى ، والقرائن القضائية تقبل إثبات العكس بقرائن مثلها أو بينة أو بدليل كتابى ، وذلك كله وفقاً لمبدأ أساسى فى الإثبات هو حرية الدفاع ، ( Liberte de defense ) ، فإن هذا يؤدى بنا إلى النتيجة الآتية : كل قرينة قانونية –وقد أثبتت واقعة معينة – تقبل فى الأصل إثبات عكس هذه الواقعة( [1] ) وإذا كان الدليل الكتابى والبينة –وهما يثبتان الواقعة بطريق مباشر – يقبلان إثبات العكس ، فأولى بالقرينة القانونية –وهى تقتصر على الإعفاء من الإثبات – أن تقبل هى الأخرى إثبات العكس( [2] ) .
ويتبين من ذلك أن الأصل فى القرينة القانونية أن تكون غير قاطعة ، 607 أى أنها تقبل إثبات العكس . فإذا هى لم تقبل إثبات العكس ، فذلك هو الاستثناء ( [3] ) .
فمتى إذن نعتبر استثناء أن القرينة قاطعة؟ يقودنا هذا إلى الكلام فى القرينة القاطعة ثم فى القرينة غير القاطعة .
المطلب الأول
القرينة القانونية القاطعة أو المطلقة
( Presomption irrefragable, absolue, Juris et de Jure )
328 – التقنين المدنى الفرنسى : حاول التقنين المدنى الفرنسى أن يضع معياراً للقرينة القانونية القاطعة ، فنص فى الفقرة الثانية من المادة 1352 على أنه ” لا يجوز إثبات ما ينقض القرينة القانونية إذا كان القانون يبطل على أساسها بعض التصرفات أو يجعل الدعوى غير مقبولة ، هذا ما لم يحفظ القانون الحق فى إقامة الدليل العكسى ، وذلك مع عدم الإخلال بما سيتقرر فى خصوص اليمين والإقرار القضائيين ” .
ويمثل الفقهاء الفرنسيون للقرينة القانونية التى يبطل القانون على أساسها تصرفاً قانونياً بالمادة 911 من التقنين المدنى الفرنسى ، وتنص على أن ” كل تبرع صادر لعديم الأهلية يكون باطلا ، سواء ستر فى صورة عقد معارضة أو صدر لشخص مسخر ( Personne interpose ) . ويعتبر شخصاً مسخراً لعديم الأهلية أبوه وأمه وأولاده وفروعه وزوجه ” . فهنا يبطل القانون تصرفاً قانونياً على أساس قرينة قانونية . إذ الهبة تكون باطلة إذا صدرت لعديم الأهلية . ويقيم القانون قرينة قانونية ، إذا صدرت الهبة لأحد من أقارب عديم الأهلية المذكورين فى النص ، على أن الصادر له الهبة هو شخص مسخر لعديم الأهلية ، وتكون الهبة قد صدرت فى الواقع من الأمر لعديم الأهلية نفسه ، ومن ثم تكون باطلة . 608 فالقرينة القانونية التى نص عليها القانون قد أبطل على أساسها تصرفاً قانونياً هو عقد الهبة . ولذلك تكون هذه القرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، فلا يجوز للشخص المسخر ( الاسم المستعار ) الذى تلقى الهبة أن يثبت أنه ليس شخصاً مسخراً لعديم الأهلية وأنه هو المقصود حقيقة بالهبة( [4] ) . ويمثلون أيضاً بالمادة 472 من التقنين المدنى الفرنسى ، وتنص على أن ” كل تعامل بين الوصى والقاصر بعد بلوغه سن الرشد يكون باطلا إذا لم يسبقه تقديم حساب مفصل مصحوب بالسندات المؤيدة له ، ويكون كل هذا ثابتاً بإيصال من ذى الشأن قبل التعامل بعشرة أيام على الأقل ” . فالقانون هنا أبطل تصرفا قانونياً ، هو التعامل ما بين الوصى والقاصر بعد بلوغه سن الرشد ، على أساس قرينة قانونية ، هى العلاقة القائمة ما بين الوصى ومحجوره السابق دون أن يقدم لمحجوره السابق فى التعامل الذى جرى بينهما قبل تقديم الحساب . فتكون القرينة القانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، ولا يجوز للوصى أن يثبت أن التعامل الذى تم كان تعاملا جدياً لا استغلال فيه .
ويمثل الفقهاء الفرنسيون للقرينة القانونية التى يجعل القانون على أساسها الدعوى غير مقبولة بحجية الأمر المقضى وبالتقادم وبتسليم سند الدين للمدين . فحجية الأمر المقضى تقوم على قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس ، لأن الدعوى التى تدفع بهذه الحجية لا يجوز سماعها . والتقادم يقوم على قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس ، لأن الدعوى تكون غير مقبولة إذا دفعت بالتقادم . وتسليم الدائن باختياره سند الدين للمدين قرينة على براءة ذمة المدين ، والقرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، لأن الدائن إذا رفع دعوى على مدينه بعد أن سلمه سند الدين ، ودفع المدين بهذه القرينة ، تكون الدعوى غير مقبولة . ومن ثم لا يجوز للمحكوم عليه ، فى حجية الأمر المقضى ، أن يثبت أن الحكم الذى يحتج عليه به غير صحيح . ولا يجوز للدائن ، فى التقادم ، أن يثبت أن الدين 609 موجود بالرغم من تقادمه . ولا يجوز للدائن ، فى تسليم سند الدين ، أن يثبت عدم براءة ذمة المدين بالرغم من تسلمه للسند .
ويخلص مما تقدم أن القانون إذا أبطل تصرفاً قانونياً أو جعل الدعوى غير مقبولة على أساس قرينة قانونية ، كانت هذه القرينة غير قابلة لإثبات العكس ( [5] ) .
329 – انتقاد التقنين الفرنسى : وهذا المعيار الذى اختاره التقنين المدنى الفرنسى للقرينة القانونية القاطعة كان محل انتقاد شديد من الفقهاء الفرنسيين ، وبخاصة من جنى ( Geny ) فى كتابه المعروف : العلم والصياغة فى القانون الخاص ( [6] ) .
فيقول عن الشق الأول من المعيار –إبطال التصرف القانونى على أساس القرينة القانونية – إنه لا يعبر بأمانة عن الغرض الحقيقى للمشرع . فقد أراد هذا أن يجعل القرينة قاطعة ليسد بها السبيل على ضروب التحايل للخروج على نواهى القانونية المبينة على النظام العام ( [7] ) . وهناك صلة وثيقة بين ما ورد عن إبطال التصرف فى المادة 1350 وما ورد عن ذلك فى المادة 1352 . فقد ذكرت المادة 1350 صراحة فى هذا الصدد التصرفات التى يقرر القانون أنها باطلة مفترضاً أنها أبرمت للاحتيال على أحكامه ، وهذا هو عين ما قصد إليه بذكره إبطال التصرف فى المادة 1352 .
وأما عن الشق الثانى من المعيار –جعل الدعوى غير مقبولة على أساس القرينة القانونية – فيقول جنى إن المقصود بهذا المعيار أن يكون هناك دفع يمنع 610 من الدخول فى موضوع الدعوى فترفض على هذا الأساس ، لا ألا ترفع الدعوى أصلا فإن أية دعوى ترفع يجب نظرها وإلا كان هذا إنكاراً لداء العدالة . ولما كان الدفع بأية قرينة قانونية –قاطعة كانت أو غير قاطعة – يؤدى إلى عدم الدخول فى الموضوع والوقوف عند هذه القرينة ، كان هذا المعيار إن فهم على المعنى الأول يتناول كل القرائن القانونية القاطعة وغير القاطعة دون تمييز فيما بينها ، وإن فهم على المعنى الثانى فإنه لا يتناول شيئاً منها على الإطلاق( [8] ) .
330 – الرأى الصحيح : والرأى الذى يبدو صحيحاً ، ويتجه إليه الفقه الفرنسى المعاصر ، فى معيار القرائن القانونية يمكن بسطه على النحو الآتى :
الأصل أن تكون القرينة القانونية يغر قاطعة ، فتقبل إثبات العكس . وهذا شأن كل دليل ينظمه القانون . ولكن هناك قرائن أقامها المشرع لاعتبارات هامة خطيرة ، يحرص كل الحرص على عدم الإخلال بها ، ومن ثم يجعل هذه القرائن غير قابلة لإثبات العكس حتى يستقيم له غرضه . ولا يرجع ذلك ضرورة إلى أن القرينة القانونية هى أكثر انطباقاً على الواقع من غيرها ، بل يرجع لاعتبارات يستقل بتقديرها المشرع ، فهو وحده الذى وضع القرينة القانونية ، وهو وحده الذى يقدر ما إذا كان يجعلها غير قابلة لإثبات العكس . ومن ثم كان واجباً على المشرع عندما يقيم قرينة قانونية ، ويريد أن يحكم تشريعه ، أن ينظر ما إذا كانت الاعتبارات التى اقتضت النص على هذه القرينة هى من الأهمية والخطورة بحيث تستوجب أن تبقى القرينة قائمة فى جميع الأحوال ، فعند ذلك ينص على عدم جواز إثبات العكس . فإن سكت عن ذلك ، كانت القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس رجوعاً إلى الأصل ( [9] ) .
611
331 – التقنين المدنى المصرى : وهذا هو عين ما فعله المشرع المصرى فى التقنين المدنى الجديد . إذ نص ، كما رأينا ، فى المادة 404 على أنه ” يجوز نقض هذه القرينة ( أى القرينة القانونية ) بالدليل العكسى ، ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك ” .
والسياسة التشريعية التى جرى عليها المشرع المصرى فى التقنين المدنى الجديد هى أنه عندما يقف عند قرينة قانونية يريد جعلها قاطعة لا تقبل إثبات العكس ينص على ذلك ، وإن كان النص يأتى بطريق غير مباشر . فعل ذلك فى القرائن القانونية على الخطأ التى تقوم عليها المسئولية عن الحيوان والمسئولية عن الأشياء والمسئولية العقدية ومسئولية المستأجر عن الحريق .
فقد نصت المادة 176 على أن ” حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان أو تسرب ، ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبى لا يد له فيه ” . فأقام المشرع مسئولية حارس الحيوان على قرينة قانونية تفيد خطأ الحارس ، ولم يسمح للحارس أن يزحزح المسئولية عن عاتقه إلا بإثبات السبب الأجنبى . ومقتضى هذا أن الحارس –وقوام مسئوليته الخطأ والضرر وعلاقة السببية فيما بينهما – يستطيع أن ينفى علاقة السببية بإثبات عكسها وهو السبب الجنبى . ولا يستطيع أن ينفى الخطأ لأن قرينته القانونية غير قابلة لإثبات العكس . وعلى هذا المنول جرى فى المسئولية عن الأشياء ( م 178 ) ، وفى المسئولية العقدية ( م 215 ) ، وفى 612 مسئولية المستأجر عن الحريق ( م 584 )( [10] ) .
بل إن التقنين المصرى كثيراً ما ينص على أن قرينة قانونية معينة قابلة لإثبات العكس ، فى غير ضرورة ، إذ هى قابلة لإثبات العكس ولو لم ينص على ذلك ، رجوعاً إلى الأصل كما قدمنا . ولكنه يفعل ذلك منعاً للبس . نص فى الفقرة الثالثة من المادة 173 على أن ” يستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة ، أو أثبت أن الضرر أن يخلص من المسئولية إذا أثبتت أنه قام بواجب الرقابة ، أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية ” . فأقام مسئولية المكلف بالرقابة على قرينة قانونية تفيد الخطأ ، ولكنه نص على جواز نفى الخطأ بإثبات عكس هذه القرينة ويكفى لذلك أن يثبت المكلف بالرقابة أنه قام بواجبه فى هذا الصدد . ونص فى الفقرة الأولى من المادة 137 على أن ” كل التزام لم يذكر له سبب فى العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ، ما لم يقم الدليل على غير ذلك ” . ونص فى المادة 91 على أن ” ينتج التعبير عن الإرادة أثره فى الوقت الذى يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك . وهو بعد أن نص على أن وصول التعبير قرينة على العلم وأن هذه القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس ، لم ير حاجة فى أن يعود إلى النص على جواز إثبات العكس ، بعد أن زال كل لبس فى ذلك ، عندما عرض للتعاقد ما بين الغائبين فى المادة 97 ، فنص فى الفقرة الثانية من هذه المادة على أن ” يفترض أن 613 الموجب قد علم بالقبول فى المكان وفى الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول ( [11] ) ” .
وإذا وقفنا عند مسئولية المتبوع عن تابعه ، فرأينا الفقرة الأولى من المادة 174 تنص على أن ” يكون المتبول مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع ، متى كان واقعاً منه فى حال تأدية وظيفته أو بسبها ” ، ولم نر المشرع بنص على عدم جواز إثبات العكس ، فلا نتوهم أننا أمام قرينة قانونية لم ينص المشرع على عدم جواز إثبات عكسها ، فتكون قابلة لإثبات العكس . فسنرى أن مسئولية المتبوع عن التابع إنما هى قاعدة موضوعية ، وليست قائمة على قرينة قانونية ، والأصل فى القواعد الموضوعية أنها لا تقبل إثبات العكس . كذلك التقادم ، مكسباً كان أو مسقطاً ، لا حاجة فيه إلى النص على عدم جواز إثبات العكس ، لأن الأمر فيه أمر قاعدة موضوعية لا أمر قرينة قانونية ( [12] ) . وسنعود إلى هذه المسألة ببيان أوفى .
332– القرينة القانونية القاطعة يجوز دحضها بالإقرار واليمين :
وإذا قلنا أن القرينة القانونية القاطعة لا تقبل إثبات العكس ، فليس معنى ذلك أنها لا تدحض أبداً . ذلك أن عدم القابلية للدحض لا يكون إلا للقواعد الموضوعية على ما سنرى . أما القرائن القانونية ، ولو كانت قاطعة ، فهى قواعد 614 إثبات . وأيا كانت المرتبة التى أرادها المشرع لها فى القطع والحسم . فهى لا تستعصى على أن تدحض بالإقرار واليمين ، ما دام المشرع قد شاء أن يبقيها فى حظيرة قواعد الإثبات ، ولم يرق بها إلى منزلة القواعد الموضوعية . وقد نص على ذلك صراحة التقنين المدنى الفرنسى فى المادة 1352 ، إذ قضى بعدم جواز إثبات ما ينقض القرينة القانونية القاطعة ” مع عدم الإخلال بما سيتقرر فى خصوص اليمين والإقرار القضائيين ” . وجمهرة الفقهاء فى فرنسا يفسرون هذا النص بأن إثبات عكس القرينة القانونية القاطعة لا يجوز إلا عن طريق الإقرار أو اليمين ( [13] ) . وهذا الحكم يسرى أيضاً فى القانون المصرى دون نص صريح ، وقد انعقد عليه الاجتماع ( [14] ) . ذلك أن القرينة القانونية القاطعة لا تزال دليلا من أدلة الإثبات ، بل لا تعدو أن تكون دليلا سلبياً إذ تقتصر على الإعفاء من الإثبات كما قدمنا . فإذا نقضها من تقررت لمصلحته بإقراره أو يمينه . فقد دحضها ، ولم يعد هناك محل لإعفائه من إثبات لم يقبل هو أن يعفى نفسه منه .
وينبنى على ذلك أن المسئول مسئولية قائمة على قرينة قانونية قاطعة – كما فى المسئولية عن الحيوان وعن الأشياء والمسئولية العقدية ومسئولية المستأجر عن الحريق – لا يستطيع أن يثبت عكس هذه القرينة كما قدمنا ، ولكنه يستطيع دحضها بإقرار يصدر من خصمه إلى هذا الخصم فينكل ( [15] ) .
وقد نصت المادة 378 فقرة أولى من التقنين المدنى على حقوق تتقادم بسنة 615 واحدة ، ثم أضافت الفقرة الثانية من هذه المادة أنه ” يجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلا . . ” . وهذا يدل على أن المشرع قد جعل هذا التقادم القصيرة قائماً على قرينة قانونية قاطعة تفيد الوفاء بالحق ، ومن ثم أجاز دحض هذه القرينة بالنكول عن اليمين ، فيجوز من باب أولى دحضها بالإقرار ( [16] ) .
333 – ما لا يجوز دحضه بالإقرار أو اليمين ليس من القرائن القانونية بل هو من القواعد الموضوعية : على أن الفقه الفرنسى يذهب إلى القرينة القانونية القاطعة إذا كانت قائمة على اعتبارات روعيت فيها المصلحة العامة : كحجية الأمر المقضى والتقادم ، فإنه لا يجوز دحضها ، حتى بالإقرار أو اليمين ، لأن هذه الطريقين لا يجوز قبولهما فيما هو معتبر من النظام العام كما قدمنا ( [17] ) . فيبقى الحكم قرينة قاطعة على ما قضى به ، حتى لو أقر من صدر الحكم لمصلحته بأنه حكم خاطئ . ويبقى الحق مقضياً أو مكسوباً بالتقادم ، حتى لو أقر من تم التقادم لمصلحته بأن الحق لم يقض أو لم يكسب ، وذلك فيما عدا التقادم المسقط بسنة واحدة الذى تقدم ذكره عند من يراه قائماً على قرينة قانونية ( [18] ) .
616
والصحيح أن القرينة القانونية القاطعة يجوز دائماً دحضها بالإقرار أو اليمين . أما الذى لا يدحض بالإقرار أو اليمين ، كحجية الأمر المقضى والتقادم ، فليس بقرينة قانونية ، بل هو قاعدة موضوعية ، تقوم ، هى أيضاً كالقرينة القانونية ، على فكرة الراجح الغالب الوقوع ( idée de Probabilite ) .
334 – القاعدة الموضوعية والقرينة القانونية : ذلك أنه يجب التمييز فى كثير من العناية بين القاعدة الموضوعية ( regle de fond ) والقرينة القانونية ( [19] ) . إذ توجد قواعد موضوعية يبنيها المشرع على الكثرة الغالبة من الأحوال فيقلبها إلى حقائق ثابتة ( Probabilites transferees en certitudes ) ، مثلها فى ذلك مثل القرائن القانونية ( [20] ) . فبلوغ الرشد تتفاوت فيه الناس ، ولا تكون سن الرشد واحدة للجميع ، ولكن المشرع لا يسعه أن يكل تحديد هذه السن –وأهميتها فى التعامل معروفة – إلى الظروف الذاتية لكل إنسان . فوجب أن يجعل بلوغ لجميع الناس عند سن معينة –الحادية والعشرين مثلا – مراعياً فى ذلك الكثرة الغالبة من الأحوال ، متجاوزاً عن التفاوت ما بين إنسان وآخر ، حتى ينضبط التعامل ويستقر ( [21] ) . وهذا مثل للقاعدة الموضوعية التى يبنيها المشرع على فكرة الراجح الغالب الوقوع .
أما القرينة القانونية فقد قدمنا أنها قاعدة إثبات لا قاعدة موضوعية . خذ مثلا 617 القرينة القانونية التى تقضى بأنه الوفاء بقسط الأجرة اللاحق دليل على الوفاء بالقسط السابق . هذه قاعدة وضعها المشرع ، لا فى موضوع الحق وهو الوفاء بالأجرة وما يتصل به من أحكام ، بل فى إثباته أى كيف يثبت المستأجر أنه قام بوفاء الأجرة . وقد راعى المشرع فى وضعها –هنا أيضاً – الكثرة الغالبة من الأحوال ، إذ وجد أن المؤجر لا يعطى عادة مخالصة عن قسط لاحق إلا بعد أن يستوفى الأقساط السابقة ، فجعل من الوفاء بقسط لاحق قرينة قانونية على الوفاء بقسط سابق .
335 – كيف يكون التمييز بين القاعدة الموضوعية والقرينة القانونية : والذى يقارب ما بين القاعدة الموضوعية والقرينة القانونية هو –كما قدمنا – أن كلا منهما يقوم على الكثرة الغالبة من الأحوال أو على الراجح الغالب الوقوع . ولذلك يقع اللبس بينهما كثيراً . ولكنهما يختلفان فى أمرين جوهريين :
( الأمر الأول ) أن عامل الراجح الغالب الوقوع يختفى وراء القاعدة القانونية فتستغرقه ، ويكون منها بمثابة العلة ( motif ) من المعلول ، فمتى تقررت القاعدة توارت العلة خلفها ، ولم يعدها بعد ذلك مجال للظهور ( [22] ) . أما هذا العامل فى القرينة القانونية فهو نفسه موضوع ( objet ) القرينة ، وإنما قامت القرينة لتقريرها ، فيبقى دائماً بازراً لا يختفى وراءها ( [23] ) .
فإذا قلنا إن الإنسان يبلغ رشده فى الحادية والعشرين ، فقد دفع المشرع إلى تقرير هذه القاعدة الموضوعية أن هذا هو الذى يقع فى العادة . ولكن هذا الدافع ، أو هذه العلة ، تختفى وراء القاعدة ، وسواء وقع هذا فعلا أو لم يقع ، فالإنسان يبلغ رشده –قانوناً – فى الحادية والعشرين ، ولو بلغ – طبيعة – قبل ذلك أو بعد ذلك .
وإذا قلنا إن الوفاء بقسط لاحق دليل على الوفاء بقسط سابق ، فقد راعى المشرع فى ذلك أيضاً أن هذا هو الذى يقع فى العادة ، ولكن هذه العلة لا تختفى وراء القرينة ، بل تبقى بارزة تعمل عملها كما سيأتى .
618
فالقانون لا يتقدم بالقرينة القانونية إلا مسببة ( Causee ) ، أما القاعدة الموضوعية فيتقدم بها مجردة ( Abstraite ) .
( والأمر الثانى ) يترتب على الأمر الأول . ذلك أن القاعدة الموضوعية لا تجوز معارضتها بالعلة فى تقريرها ، فقد اختفت هذه العلة واستغرقتها القاعدة . فإذا برز إنسان فى التاسعة عشرة من عمره ، ودل بتفوقه فى الذكاء والعلم أنه أرشد ممن بلغ الحادية والعشرين ، فلا يزال هذا الإنسان قاصراً فى نظر القانون ، مهما بلغت منزلته من التفوق . وإذا وجد ، على العكس من ذلك ، إنسان فى الحادية والعشرين ، وقد بدت عليه علامات القصور العقلى ، فإنه يعتبر بالرغم من ذلك بالغاً سن الرشد ، إلا إذا كان القصور العقلى قد وصل به إلى حد الغفلة أو العته ، فعندئذ يحجر عليه . فالقاعدة الموضوعية قد استغرقت علتها ، ولم يعد للعلة مجال للعمل .
أما القرينة القانونية فتجوز معارضتها بعلتها ، فإن العلة لم تستغرقها القرينة ، بل بقيت إلى جانبها بارزة . فإذا تقدم المؤجر بدليل يثبت أنه ، بالرغم من استيفائه للقسط اللاحق ، لم يستوف القسط السابق ، سمع منه ذلك ، وانهارت قرينة الوفاء بالقسط السابق . ذلك أن القرينة يتقدم بها المشرع مسببة بعلتها كما تقدم القول ، وكون الوفاء بالقسط اللاحق يكون ، فى الكثرة الغالبة من الأحوال ، المؤجر القسط اللاحق دون أن يستوفى القسط السابق . وقد أثبت المؤجر أن حالته هذه تندرج فى القلة من الأحوال لا فى الكثرة ، ففى خصوص هذه الحالة تخلفت القرينة لتخلف علتها ، فلا يعمل بها بعد أن دحضها المؤجر ( [24] ) .
على أنه لا يجوز أن يفهم من ذلك أن كل قاعدة موضوعية هى قاعدة إجبارية يتحتم تطبيقها ولا يجوز استبعادها ، وأن كل قرينة قانونية تقبل الاستبعاد بالدليل العكسى . فإن فى القواعد الموضوعية ما لا يفرضه المشرع فرضاً حتمياً فى كل الأحوال ، بل ينزل فيه أولا عند إرادة أصحاب الشأن . فإذا قرر المشرع –فى المادة 462 من التقنين المدنى – أن نفقات عقد البيع تكون على المشترى ، فهو 619 قد قرر بذلك قاعدة موضوعية استغرقت علتها . ولكنه لم يرد إعمال هذه القاعدة إلا عندما لا يكون للمتعاقدين أية إرادة فى هذه المسألة . فإذا لم يكن بينهما اتفاق صريح أو ضمنى أو عرف على أن المصروفات يدفعها غير المشترى ، فالمشترى هو الذى يدفعها ، ما من ذلك بد ، ولا يجوز له أن يرفض دفعها بدعوى أن القاعدة الموضوعية التى تلزمه بها قد تخلفت علتها ، وأن حالته تندرج فى القلة من الأحوال التى لا يدفع فيها المشترى المصروفات ، ما دام لم يتفق مع البائع على ذلك . وهنا نرى أن القاعدة إنما هى قاعدة موضوعية قد استغرقت علتها ( [25] ) . لكن إذا اتفق المشترى مع البائع اتفاقاً صريحاً أو ضمنياً ، أو قام عرف ، على أن البائع هو الذى يدفع المصروفات ، فالمشرع لا يفرض قاعدته على إرادته المتعاقدين ، وتخلى القاعدة مكانها للاتفاق أو العرف . وهنا نرى أن هذه القاعدة الموضوعية ليست قاعدة إجبارية ( regle imperative ) ، بل هى قاعدة تكميلية ( regle suppletive ) ، لا تهدر الإرادة لتحل محلها ، بل تملأ الفراغ الذى تتركه( [26] ) .
انظر طريقة توكيل محامي
كذلك ليس صحيحاً أن كل قرينة قانونية تقبل الاستبعاد بالدليل العكسى . فمن القرائن القانونية ما يجعله المشرع قاطعاً لا يجوز أن يستبعد ، حتى يستقيم له غرضه من استقرار التعامل . مثل ذلك ما فعله عندما اتخذ من التقادم بسنة واحدة قرينة قاطعة على الوفاء بحقوق ذكرها فى المادة 378 من التقنين المدنى . فهنا اتخذ التقادم قرينة على الوفاء بحقوق معينة ، كما اتخذ الوفاء بالقسط اللاحق قرينة على الوفاء بالقسط السابق . إلا أنه جعل القرينة الأولى قاطعة ، ولم يجز إثبات عكسها . وجعل القرينة الثانية ، كما رأينا ، قرينة غير قاطعة ، وأجاز إثبات عكسها . ولكن تبقى القرينة الأولى ، ولو كانت قاطعة ، قاعدة للإثبات ، فتوافق فى ذلك القرائن غير القاطعة ، وتفارق القواعد الموضوعية . فالتقادم بسنة قرينة 620 قاطعة على الوفاء بحق معين ، ولكن هذه القرينة لا تعدو أن تكون طريقاً للإثبات ، أو إعفاء منه على الأصح . ويترتب على ذلك أن الخصم الذى تقررت القرينة القاطعة لمصلحته إذا نزل عنها ، وقال إن الدين باق فى ذمته ، أو نكل عن اليمين التى توجه إليه فى ذلك ، فإن إقراره هذا –الصريح أو الضمنى – يجعل القرينة تنهار ، بالرغم من أنها قاطعة . ومن ثم تكون كل القرائن القاطعة قابلة للدحض بالإقرار أو اليمين كما قدمنا ( [27] ) .
336 – الانتقال من القاعدة الموضوعية إلى القرينة القانونية ومن القرينة القانونية إلى القاعدة الموضوعية رهن بإرادة المشرع : والانتقال من القاعدة الموضوعة إلى القرينة القانونية ، أو من القرينة القانونية إلى القاعدة الموضوعة ، أمر موكول إلى المشرع . فكل من القاعدة الموضوعة والقرينة القانونية من صنعه . فهو إن شاء جعل ما يقرره من ذلك قاعدة موضوعية ، وإن شاء جعله قرينة قانونية ، وفقاً لما يقدر من الاعتبارات التى تتفاوت فى القوة والضعف فتحمله على المسلك الأول أو على المسلك الثانى . وله كذلك ، إن شاء ، أن يهبط بقاعدة موضوعية إلى قرينة قانونية ، وأن يرتفع بقرينة قانونية إلى قاعدة موضوعية .
وقد هبط المشرع المصرى فعلا بالتقادم ، وهو فى الأصل قاعدة موضوعية ، إلى أن جعله قرينة قانونية فى حالة من حالاته . فعل ذلك كما قدمنا فى التقادم المسقط لحقوق معينة بسنة واحدة ، إذ أجاز دحض القرينة بالإقرار أو اليمين . ولو استبقى التقادم هنا قاعدة موضوعية ، كما هو شأن سائر حالات التقادم المسقط 621 كل حالات التقادم المكسب ، لما أجاز ذلك .
وارتفع المشرع المصرى بقرينة قانونية إلى منزلة القاعدة الموضوعة ، عندما قرر ، فى المادة 948 من التقنين المدنى ، أن الحق فى الأخذ بالشفعة بانقضاء أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع . فقد كان فى وسع المشرع أن يقتصر على جعل انقضاء هذه المدة قرينة قانونية على أن الشفيع قد علم بالبيع ولم يأخذ بالشفعة فسقط حقه . ولكنه لو جعل القاعدة قرينة قانونية على هذا النحو ، لاقتضى ذلك أن يجيز للشفيع دحض هذه القرينة بإقرار المشترى أو يمينه . فإذا اقر المشترى أن الشفيع لا يعلم بالبيع بالرغم من انقضاء أربعة أشهر على تسجيله ، أو نكل عن اليمين التى توجه إليه فى ذلك ، فإن القرينة القانونية القاطعة تنهار ، إذ يدحضها الإقرار أو اليمين ، ويستبقى الشفيع حقه فى الأخذ بالشفعة . من أجل ذلك لم ير المشرع أن يختار هذا الطريق . بل ارتفق بهذه القرينة إلى منزلة القاعدة الموضوعية ، فاستعصت بذلك على النقض ، ولم يجز دحضها حتى بالإقرار أو اليمين . وبمجرد أن ينقضى على تسجيل البيع أربعة أشهر دون أن يأخذ الشفيع بالشفعة فقط سقط حقه ، حتى لو اقر المشترى –صراحة ، أو ضمناً بأن نكل عن اليمين – أن الشفيع لم يعلم بالبيع .
والذى يحمل المشرع على الانتقال بالقاعدة من مرتبة إلى مرتبة أخرى اعتبارات يراها هو ، وتترك إلى محض تقديره كما قدمنا . فقد رأى ، فى التقادم بسنة واحدة ، نظراً لاحتمال أن المدين لم يكن قد وفى بالدين فى هذه المدة القصيرة ، أن يحكم فى ذلك ضميره . فنزل بالقاعدة إلى مرتبة القرينة القانونية القاطعة ، ليجيز دحضها بالإقرار واليمين . وكان يستطيع أن ينزل بها إلى مرتبة أدنى ، فيجعلها قرينة قانونية غير قاطعة يجوز دحضها ، لا بالإقرار واليمين فحسب ، بل أيضاً بجميع الطرق التى قررها القانون ( [28] ) ورأى ، فى سقوط الشفعة بأربعة اشهر ، أن الشفعة حق غير مرغوب فيه ، وأراد أن يحسم النزاع فى شأنه ، وأن يجعل سقوطه بهذه المدة أمراً لا يحتمل الجدل . فارتفع بالقاعدة إلى أن تكون قاعدة موضوعية ، وجعلها بذلك لا تقبل الدحض حتى بالإقرار أو اليمين .
622
337 – قواعد موضوعية تكيف خطأ بأنها قرائن قانونية : ويتبين من كل ذلك وجوب التمييز ما بين القواعد الموضوعية والقرائن القانونية . فكثيراً ما يقع الخلط بينها : تخلط القاعدة الموضوعية الإجبارية بالقرينة القانونية القاطعة ، وتخلط القاعدة الموضوعية التكميلية بالقرينة القانونية غير القاطعة ( [29] ) .
وقد أسئ فهم بعض القواعد الموضوعية ، فكيف خطا بأنها قرائن قانونية . وجعلت قرائن قاطعة لا يجوز إثبات عكسها . ولما كانت هذه القواعد قواعد إجبارية لا يجوز دحضها حتى بالإقرار واليمين ، مع أن القرائن القاطعة يجوز دائماً دحضها بهذين الطريقين كما قدمنا ، فقد قيل فى تبرير عدم قابليتها للدحض أنها قرائن قانونية قاطعة تتعلق بالنظام العام ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . والصحيح أنها قواعد موضوعية إجبارية ، لا قرائن قانونية قاطعة ، وهذا وحده هو الذى يبرر أنها لا تدحض حتى بالإقرار واليمين . ومن هذه القواعد –عدا حجية الأمر المقضى والتقادم اللذين تقدم ذكرهما – الحيازة فى المنقول ، والتصرف فى مرض الموت ، ومسئولية المتبوع عن التابع( [30] ) .
فالحيازة فى المنقول قاعدة موضوعية إجبارية ، لا قرينة قانونية . فقد رأى المشرع أن يحمى حائز المنقول حسن النية بسلاح أقوى من سلاح القرينة القانونية ولو كانت قاطعة . ومن ثم أصبح من يحوز المنقول وهو حسن النية ، بفضل هذه القاعدة الموضوعية ، مالكاً له . وأصبحت ملكيته ثابتة مستقرة ، لا يزعزها حتى الإقرار أو اليمين . أراد المشرع أن يستقر التعامل فى المنقول ، وتلك اعتبارات عليا يستقل بتقديرها ، ويملك زمامها ، فيضع من القواعد ما يراه مناسباً لحماية الأوضاع القانونية المختلفة . تارة يكتفى بقرينة قانونية غير قاطعة . وطوراً يجعل القرينة القانونية قاطعة . وأخرى يرتفع عن نطاق القرائن وقواعد الإثبات ، ويرى أن الحماية المناسبة هى قاعدة موضوعية لا تقبل النقض 623 بحال من الأحوال . هذا هو التدرج فى الحماية ، درجة فوق درجة ، يؤتيها المشرع من يشاء كما يشاء ، وهو فى كل ذلك يتوخى أن يكون لكل وضع قانونى الحماية التى تناسبه . وندرك من ذلك الصلة ما بين القرائن القانونية والقواعد الموضوعية ، فليس بينها من حجاب كثيف ، ولكنها مراحل متدرجة فى الحماية : القرينة القانونية غير القاطعة فى المرتبة الدنيا ، ثم القرينة القانونية القاطعة فى مرتبة أعلى ، ثم القاعدة الموضوعية فى القمة من مدارج الحماية .
وكذلك قل عن التصرف الصادر فى مرض الموت إذا قصد به التبرع . وضع له المشرع ، فى الفقرة الأولى من المادة 916 من التقنين المدنى ، قاعدة موضوعية تجعله تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت . وهى قاعدة لا تقبل النقض ، ولو كان عن طريق الإقرار أو اليمين . والمشرع ليس فى حاجة هنا إلى التصريح بعدم جواز إثبات العكس ، لنه فى صدد قاعدة موضوعية إجبارية ، لا فى صدد قرينة قانونية قاطعة . أما مجرد صدور التصرف فى مرض الموت ، فقد جعل منه المشرع ، فى الفقرة الثالثة من المادة 916 ، قرينة قانونية غير قاطعة تفيد أن التصرف قصد به التبرع ، ما لم يثبت من صدر له التبرع أن التصرف معاوضة .
ومسئولية المتبوع عن التابع لا تقوم على قرينة قانونية قاطعة بالخطأ كما يذهب الكثيرون ، بل هى مبنية على قاعدة موضوعية . وهذه القاعدة تقضى بأن المتبوع مسئول عن التابع على أساس الضمان أو النيابة أو الحلول . فهى مسئولية عن الغير . بل لعلها هى الحالة الوحيدة فى المسئولية عن الغير ( [31] ) . ولم يجد المشرع حاجة ، وهو فى صدد قاعدة موضوعية إجبارية لا قرينة قانونية قاطعة ، أن ينص على عدم جواز إثبات العكس كما فعل عند ما واجه القرائن القانونية القاطعة فى مسئولية حارس الحيوان ( م 176 مدنى ) وفى مسئولية حارس الأشياء ( م 178 مدنى ) .
والتقادم ، مكسباً كان أو مسقطاً ، عدا التقادم المسقط بسنة واحدة وقد 624 تقدم ذكره ، قاعدة قانونية إجبارية ، لا قرينة قانونية قاطعة . ومن ثم لا يقبل أن يدحض ، حتى بالإقرار واليمين .
وججية الأمر المقضى لا تستند إلى قرينة قانونية قاطعة . بل هى قاعدة موضوعية ، لا تقبل النقض ، ولو بالإقرار أو اليمين . وقد وضعها التقنين المدنى المصرى –الجديد والقديم – خطأ بين القرائن القانونية ، ونص على عدم جواز نقضها بالدليل العكسى ، فجارى فى ذلك أكثر التقنينات ، ولم يتحرر من هذا الخطأ الشائع ( [32] ) .
المطلب الثانى
القرينة القانونية غير القاطعة أو النسبية أو البسيطة
( Presomption relative simple, Juris vel juris tantum )
338 – القرينة القانونية غير القاطعة تعفى من الإثبات كالقرينة القانونية القاطعة : القرينة القانونية غير القاطعة تعفى من تقررت القرينة لمصلحته من الإثبات : تعفيه إعفاء تاماً ولا تقتصر على نقل عبء الإثبات إلى خصمه ، شأنها فى ذلك شأن القرينة القانونية القاطعة( [33] ) .
625
مثل ذلك : تنص الفقرة الأولى من المادة 137 من التقنين المدنى على أن ” كل التزام لم يذكر له سبب فى العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ، ما لم يقم الدليل على غير ذلك ” . فهنا أعفى القانون الدائن من إثبات أن للالتزام الذى يطالب به المدين سبباً مشروعاً ، مع أن السبب المشروع ركن فى الالتزام ، وكان ينبغى أن يقوم الدائن بإثباته . وليس الأمر هنا هو نقل عبء الإثبات على عاتق المدين ، بل إن الدائن –وقد أعفى من الإثبات – يعتبر أنه قدم إثباتاً كاملا على وجود السبب المشروع . وإذا كان النص يقول : ” ما لم يقم دليل على غير ذلك ” ، فليس ذلك إلا جرياً على الأصل من أن كل دليل تمكن معارضته بدليل ينقضه . فالخصم إذا قدم دليلا كتابياً أو بينة على ما يدعيه فإنه يكون قد قدم دليلا كاملا ، ولكن هذا لا يمنع خصمه من أن يقدم دليلا ينقض دليله . فالدليل العكسى فى القرينة غير القاطعة ليس نتيجة لنقل عبء الإثبات إلى الخصم الآخر ، بل هو تطبيق لأصل من أصول الإثبات يقضى بمقارعة الدليل بالدليل . ومن ثم يكون جواز إثبات العكس فى القرينة غير القاطعة هو استصحاب للأصل ، وعدم جواز ذلك فى القرينة القاطعة هو خروج على الأصل فاقتضى نصاً خاصاً كما قدمنا .
ثم تنص الفقرة الثانية من نفس المادة على أن ” يعتبر السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك ، فإذا قام الدليل على صورية السبب ، فعلى من يدعى أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ما يدعيه ” . فهنا أيضاً يعفى القانون الدائن من إثبات أن السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى ، وتقوم قرينة قانونية على أن السبب الحقيقى هو السبب المذكور فى العقد . ولما كانت القرينة غير قاطعة ، وجب التزام الأصل ، والترخيص للخصم الآخر أن ينقض الدليل المستفاد من هذه القرينة . وقد بين المشرع طريقاً خاصاً لنقض هذا الدليل ، هو أن يثبت المدين أن السبب المذكور فى العقد إنما هو سبب صورى لا حقيقة له . عند ذلك ينهار الدليل المستفاد من القرينة القانونية المتقدمة الذكر ، ولا يصبح السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى غير ثابت ، وعلى الدائن ، وهو الذى يدعى الدين فى ذمة مدينه ، أن يثبت أحد أركان هذا الدين وهو وجود السبب المشروع( [34] ) . 626 وقس على ذلك سائر القرائن القانونية غير القاطعة التى نص عليها المشرع( [35] ) .
339 – كيف يكون إثبات العكس فى القرائن القانونية غير القاطعة : لاشك فى أن القرينة القانونية غير القاطعة يمكن إثبات عكسها بدليل ذى قوة مطلقة . فيمكن إثبات العكس بإقرار من تقررت القرينة لمصلحته أو بنكوله عن اليمين ، وإذا كانت القرينة القانونية يمكن دحضها بهذين الطريقين كما قدمنا ، فأولى بالقرينة القانونية غير القاطعة أن تدحض بهما . كذلك يمكن إثبات عكس القرينة غير القاطعة –وفى هذا تختلف عن القرينة القاطعة – بالكتابة أو بمبدأ ثبوت بالكتابة معزز بالبينة أو القرائن القضائية ، وإذا استحال الحصول على الكتابة أو استحال تقديمها بعد الحصول عليها جاز الإثبات بالبينة أو بالقرائن القضائية .
ولاشك أيضاً فى أن القرينة القانونية غير القاطعة إذا استخدمت فى إثبات واقعة مادية أو تصرف قانونى لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، فإنه يمكن 627 إثبات عكسها بالبينة أو بالقرائن القضائية ، إلى جانب الطرق المتقدمة ، وذلك وفقاً للقواعد العامة فى الإثبات( [36] ) .
ويقتصر الشك على ما إذا كانت القرينة القانونية غير القاطعة قد استخدمت فى إثبات تصرف قانونى تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، فهل يجوز إثبات العكس بالبينة أو بالقرائن القضائية على خلاف ما تقضى به القواعد العامة فى الإثبات ، أو أنه يجب التزام هذه القواعد فلا يجوز إثبات العكس إلا بالكتابة أو الإقرار أو اليمين؟ يرى بعض الفقهاء جواز إثبات العكس فى هذه الحالة بالبينة أو القرائن القضائية ، لأن القرينة القانونية لا تعدو أن تكون قرينة كسائر القرائن ، والقرينة تنقض بقرينة مثلها ولو كانت قرينة قانونية ، ومتى أمكن إثبات العكس بالقرينة القضائية جاز الإثبات أيضاً بالبينة ( [37] ) . وكنا ممن يقول بهذا الرأى ( [38] ) . ولكن 628 متى تقرر أن القرينة القانونية تعفى من الإثبات ، ولو كانت غير قاطعة ، وترتب على ذلك أن من تقررت لمصلحته هذه القرينة يعتبر أنه قدم إثباتا كاملا على ما يدعيه ، كما قدمنا ، كانت النتيجة اللازمة أن الخصم الآخر أصبح هو المكلف بالإثبات ، فعليه أن يعارض الدليل بالدليل ، وعليه أن يفعل ذلك وفقا للقواعد العامة فى الإثبات لأن القانون لم ينص على شيء يخالف هذه القواعد فى هذه المسألة . ومن ثم إذا كانت القرينة القانونية غير القاطعة قد استخدمت فى إثبات تصرف قانونى تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، لم يجز إثبات عكسها إلا بالكتابة أو الإقرار أو اليمين ( [39] ) . فلو أن المستأجر قدم إثباتاً للوفاء بقسط سابق من الأجرة يزيد على عشرة جنيهات القرينة القانونية المستفادة من وفائه بالقسط اللاحق ، فإنه يجوز للمؤجر أن يثبت أن المستأجر ، بالرغم من أنه وفى بالقسم اللاحق ، لم يقم بوفاء القسط السابق . ولكن لما كان هذا القسط السابق يزيد على عشرة جنيهات ، ولم يكن من الممكن إثبات وفائه بالبينة أو بالقرائن ، كذلك لا يجوز إثبات عدم وفائه إلا بالطريق التى يجوز بها إثبات الوفاء ( [40] ) .
340 – بعض القرائن القانونية غير القاطعة لا يجوز إثبات عكسها إلا على نحو خاص : ويوجد فى التقنين المدنى الفرنسى قرائن قانونية غير قاطعة يجوز إثبات عكسها ، ولكن المشرع نص على أن يكون هذا الإثبات على نحو خاص . ويذكر الفقهاء الفرنسيون عادة مثلا لذلك القرينة التى تقضى بان الولد للفراش ، وهى القرينة المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 312 من التقنين المدنى الفرنسى . فهذه القرينة لا يجوز إثبات عكسها إلا على النحو 629 الذى قررته المادتان 312 و 313 من التقنين المدنى الفرنسى( [41] ) . ويذكرون أيضاً القرينة التى تقضى بأن الحائط الذى يفصل ما بين بنائين يعد مشتركاً ، وهى القرية المنصوص عليها فى المادة 653 من التقنين المدنى الفرنسى . وهى أيضاً لا يجوز إثبات عكسها إلا بطرق معينة ذكرتها المواد 653 و 666 و 670 من هذا التقنين( [42] ) .
ويمكن أن نجد التقنين المدنى المصرى نظائر لهذه القرائن . نذكر من ذلك :
( 1 ) ما نصت عليه المادة 239 من أنه ” إذا ادعى الدائن إعسار المدين فليس عليه إلا أن ثبت مقدار ما فى ذمته من ديون ، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن إذا أثبت أى مقدار من الديون فى ذمة مدينه ، قامت قرينة قانونية على أن هذا المدين معسر ، ولكنها قرينة غير قاطعة أجاز النص إثبات عكسها على نحو خاص ، بأن يثبت المدين أن عنده مالا يساوى قيمة هذه الديون أو يزيد عليها .
( 2 ) ما نصت عليه المادة 963 من أنه ” إذا تنازع أشخاص متعددون على حيازة حق واحد اعتبر بصفة مؤقتة أن حائزه هو من له الحيازة المادية ، إلا إذا ظهر أنه قد حصل على هذه الحيازة بطريقة معيبة ” . وهذا نص يجعل الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية ، وهى قرينة غير قاطعة .
( 3 ) ما نص عليه التقنين المدنى فى مواطن كثيرة ( مثلا المادة 176 والمادة 178 والمادة 215 ) من أن علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر –وتقوم على قرينة غير قاطعة – تنقض بإثبات السبب الأجنبى .
( 4 ) ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 584 من أنه ” إذا تعدد المستأجرون لعقار واحد ، كان كل منهم مسئولا عن الحريق بنسبة الجزء الذى يشغله ، ويتناول ذلك المؤجر 630 إن كان مقيما فى العقار ، هذا ما لم يثبت أن النار ابتدأ شبوبها فى الجزء الذى يشغله أحد المستأجرين فيكون وحده مسئولا عن الحريق ” . فالمستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة مسئولية قائمة على خطأ عقدى مفروض ، يجوز نفيه بإثبات أنا النار ابتدأ شبوبها فى جزء يشغله أحد المستأجرين الآخرين ( [43] ) .
( [1] ) وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” والأصل أن كل قرينة قانونية يجوز نقض دلالتها بإثبات العكس . وقد حرص المشروع على إبرار هذا الأصل ، ولو أن نصوص التقنينات الأجنبية لا تجزم به فى عبارة صريحة . بل إن التزام ظاهر هذه النصوص يوحى على نقيض ذلك أن الأصل ، فى منطقتها ، أن تكون القرائن قاطعة ، وأن البساطة فيها ليست سوى مجرد استثناء . بيد أن أمثال تلك النصوص ونظيرها فى المشروع الفرنسى الإيطالى ( المادة 304 ) لا تواجه إلا طائفة خاصة من القرائن القانونية ، وهى التى يرتب القانون على قيامها بطلان بعض التصرفات أو نفى حق التقاضى . وقد يكون فى حظر نقض دلالة هذه الطائفة الخاصة مع القرائن القانونية من طريق إقامة الدليل العكس ما يفيد أن الأصل ، فيما عدا هذا الحظر الذى خص بالنص ، أن تكون القرائن بسيطة ، وأن يباح إقامة الدليل على خلاف دلالتها . ثم إن المشاهد إن القرائن البسيطة بوجه عام أكثر عدداً من القرائن القاطعة ، وإزاء ذلك تكون بساطة القرينة هى القاعدة . على أن القواعد العامة فى الإثبات تنهض لتوجيه هذا الأصل . ذلك أن الدليل الكتابى يجوز نقضه إما بطريق الطعن بالتزوير وإما بإقامة الدليل العكسى ، والقرينة القانونية ليست إلا حجة بقيمها الشارع ، فإذا لم يقم الدليل بوجه عام على صحة هذه الحجة ، فهى لا تعدو أن تكون احتمالا يصح فيه الخطأ فى بعض الأحوال . ولذلك يكون الأصل هو جواز إقامة الدليل العكسى لنفى القرينة ، فيما عدا الأحوال التى ينص فيها القانون صراحة على عدم جواز ذلك والأحوال التى تؤسس فيها القرينة على النظام العام ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 417 – ص 418 ) .
( [2] ) ومعنى إثبات العكس هنا هو إثباته فى الحالة الخاصة التى يكون الخصم بصددها . وإلا فإنه لا يجوز إثبات عكس القرينة فى عمومها ، وبوصفها قاعدة تشريعية ، فإن هذا الإثبات معناه إلغاء التشريع ذاته الذى أقام القرينة القانونية ، ولا يلغى التشريع إلا بتشريع مثله ( أوبرى ورو 12 فقرة 750 هامش رقم 7 ) .
( [3] ) فى هذا المعنى حتى فى عهد التقنين المدنى السابق لم يشتمل على نص صريح فى المسألة : الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 272 – ص 274 – قارن الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 618 .
( [4] ) أنظر أيضاً المادة 1100 من التقنين المدنى الفرنسى فى تسخير أشخاص معينين فى الهبة ما بين الزوجين . وأنظر فى هذه المسألة ديكوتينيس ( Decottignies ) فى القرائن فى القانون الخاص باريس سنة 1950 ص 101 – ص 103 .
( [5] ) وقد استدركت المادة 1352 من التقنين الفرنسى بأن استثنت حالة ما إذا كان القانون قد حفظ الحق فى إقامة الدليل العكسى . ويمثل الفقيهان أوبرى ورو على هذه الحالة المستثناة بالمادة 1283 من التقنين الفرنسى ، وتنص على أن ” تسليم الصورة التنفيذية للسند تسليماً اختيارياً يفيد الإبراء أو الوفاء ، ما لم يقم الدليل على العكس ” . فهنا يجعل القانون الدعوى غير مقبولة على أساس قرينة قانونية ، فكان ينبغى أن تكون هذه القرينة غير قابلة لإثبات العكس ، ولكن القانون نص صراحة على جواز ذلك . ولا يوجد ، فى التقنين الفرنسى ، مثل لقرينة قانونية يبطل القانون على أساسها تصرفاً قانونياً وينص القانون مع ذلك على أنها قابلة لإثبات العكس ( أوبرى ورو 12 فقرة 750 هامش رقم 10 ) .
( [6] ) أنظر بنوع خاص فى هذا الموضوع : جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص الجزء الثالث فى القرائن . ديكورتينيس فى القرائن فى القانون الخاص .
( [7] ) جنى فى العلم والصياغة 3 ص 306 .
( [8] ) جنى فى العلم والصياغة 3 ص 307 – ص 399 – بيدان وبرو 9 فقرة 1294 ص 382 – ص 383 .
( [9] ) ويقول جنى فى هذا المعنى أن المشرع الحكيم عندما يقيم قرينة قانونية ينبغى فى الأصل أن يجعلها قابلة لإثبات العكس . فالقرينة القانونية دليل يقوم على الراجح الغالب الوقوع لا على التأكيد المطلق ، فيجب إفساح المجال لمن قامت ضده القرينة أن يثبت أن حالته لا تدرج تحت هذا الراجح الغالب الوقوع ، فإذا ما أراد المشرع أن يجعل القرينة غير قابلة لإثبات العكس ، فلابد أن يكون عنده من الأسباب الجوهرية ما يدعوه إلى إقفال الباب دون نقص القرينة ، وقلب الراجح الغالب الوقوع إلى التأكيد المطلق ، حتى يجعل القرينة تسيطر فى كل حالة دون أن يمكن دحضها . ثم ينبغى إلى جانب ذلك أن ينص المشرع على أن القرينة لا تقبل إثبات العكس ، كما فعل المشرع الألمانى فى المادة 292 من تقنين المرافعات . وينبغى جنى على المشرع الفرنسى إنه لم يختط هذه الخطة ، بل لجأ إلى معيارين ينطويان على درجة كبيرة من الإبهام والغموض . ثم يقول إن هذا الغموض قد أفسخ المجال للقضاء والفقه فى تفسير النصوص بما يتفق مع القواعد الصحيحة ، فتكون القرينة قاطعة أو غير قاطعة تبعاً للاعتبارات التى حملت المشرع على إقامتها ( جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص جزء 3 ص 298 – ص 301 و ص 390 – ص 312 – وأنظر أيضاً فى هذا المعنى بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1549 ص 1012 ) .
( [10] ) وسنرى فيما يلى أن كثيراً مما يوصف بأنه قرينة قانونية قاطعة كحجية الأمر المقضى والتقادم ، ليس فى الواقع إلا قواعد موضوعية . ويبقى معدوداً فى القرائن القانونية القاطعة هذه القرائن الأربع . وهى كلها مسئوليات يقيمها القانون على قرينة الخطأ . ويمكن التساؤل عما إذا كان من الجائز ، عندما يفرض المشرع الخطأ فى جانب المسئول ، أن يقفل فى وجهه الباب فلا يستطيع أن يثبت أنه لم يخطئ . وهذا ما دعا طائفة من الفقهاء أن يعدلوا عن فكرة الخطأ المفروض إلى فكرة الخطأ الثابت . فالمسئولية عن الحيوان وعن الأشياء وعن حريق العين المؤجرة إنما تقوم على خطأ ثابت فى الحراسة ( Faute dans la garde ) . والمسئولية العقدية إنما تقوم ، فى حالة الالتزام العقدى بتحقيق غاية وهى الحالة التى تعنينا ، على خطأ ثابت ، إذا أن عدم تحقيق الغاية المتعاقد عليها هى هذا الخطأ نفسه ، أياً كانت الأسباب التى أدت إلى عدم تحقيق هذه الغاية ( أنظر الوسيط الجزء الأول فقرة 428 وفقرة 708 وفقرة 735 – وقارن ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 59 وفقرة 61 ) .
( [11] ) ومن النصوص التى تقيم قرائن قانونية غير قاطعة وتذكر مع ذلك جواز إثبات العكس : المادة 177 التى تنص على مسئولية حارس البناء ، والمادة 238 التى تقيم قرائن قانونية غير قاطعة فى الدعوى البولصية ، والمادة 239 التى تقيم قرينة قانونية غير قاطعة على إعسار المدين ، والمادة 817 التى تجعل من كون الحائط فاصلا ما بين بنائين قرينة قانونية غير قاطعة على أن الحائط مشترك ، والفقرة الثالثة من المادة 916 التى تجعل من صدور التصرف فى مرض الموت قرينة قانونية غير قاطعة على أن المقصود به التبرع ، والمادة 917 التى تجعل الاحتفاظ فى التصرف لأحد الورثة بحيازة العين وبالحق فى الانتفاع قرينة غير قاطعة على أن التصرف مضاف إلى ما بعد الموت ، والمادة 963 التى تجعل الحيازة المادية قرينة غير قاطعة على الحيازة القانونية ، والمادة 964 التى تجعل الحيازة القانونية قرينة غير قاطعة على الملكية ، والمادة 965 التى تقيم قرينة غير قاطعة على حسن النية فى الحيازة ، والمادة 967 التى تقيم قرينة غير قاطعة على احتفاظ على الحيازة بالصفة التى بدأت بها .
( [12] ) وسنرى ، على العكس من ذلك ، أن التقادم المسقط بسنة واحدة فى حقوق عينتها المادة 378 إنما يقوم على قرينة قانونية قاطعة ، لا على قاعدة موضوعية .
( [13] ) أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 104 وهامش رقم 11 – لوران 19 فقرة 621 – بونييه فقرة 744 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2183 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة فقرة 1551 ص 1013 – بيدان وبرو 9 فقرة 1295 – جنى فى العلم والصياغة 3 ص 212 – ص 213 – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 53 – فقرة 55 .
( [14] ) الموجز للمؤلف فقرة 701 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 623 – الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 163 – الأستاذ عبد الباسط جميعى فى الإثبات فقرة 102 ص 106 – ص 107 .
( [15] ) وهذا أمر لا يقع فى العمل . ومن ثم يرجح ما قدمناه من أن المسئولية عن الحيوان وعن الأشياء وعن الحريق لا تقوم على خطأ مفروض فرضاً لا يقبل إثبات العكس ، بل على خطأ ثابت هو الخطأ فى الحراسة . كذلك المسئولية العقدية تقوم على خطأ ثابت هو عدم تحقيق الغاية التى التزم المتعاقد بتحقيقها .
( [16] ) وذلك سواء اعتبرنا اليمين حاسمة أو متممة ، فالنكول عنها فى كلا الاعتبارين يكون دحضاً للقرينة . قارن ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 55 ص 131 – ص 134 . أما غير ذلك من ضروب التقادم المسقط ، وكذلك التقادم المكسب ، فيقوم على قواعد موضوعية لا على قرائن كما سنرى .
( [17] ) أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 104 – ديمولومب 30 فقرة 277 – لوران 19 فقرة 621 – بودرى وبارد 4 فقرة 2664 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1551 ص 1013 – بيدان وبرو 9 فقرة 1295 ص 384 – ص 385 .
وأنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 418 .
( [18] ) وإذا سلمنا جدلا بأن هناك قرائن قانونية قاطعة لا تقبل الدحض حتى بالإقرار أو اليمين ، وهو القرائن المتعلقة بالنظام العام ، فإنه يبقى مع ذلك ممكناً نفى هذه القرائن . ولا يكون ذلك بطبيعة الحال عن طريق إثبات العكس ، فإنه يبقى مع ذلك ممكناً نفى هذه القرائن . ولا يكون ذلك عن طريق إثبات أن الواقعة التى تقوم عليها القرينة لم توجد أو لم تتوافر شروطها . فينفى من يحتج عليه بالأمر المقضى أن هناك حكماً حاز هذه الحجية ، أو يثبت أن هذا الحكم لم تتوافر فيه الشروط اللازمة . وينفى من يحتج عليه بالتقادم أن التقادم قد اكتمل ، أو يثبت أن شروطه لم تتوافر . فإذا نجح من يدعى ذلك فى إثبات ما يدعيه –وله الإثبات بجميع الطرق لأنه يثبت واقعة مادية – لم يكن بذلك قد أثبت عكس القرينة ، بل يكون قد اثبت أن القرينة ذاتها غير موجودة ، والفرق واضح بين الأمرين .
( [19] ) ويرجع الفضل فى جلاء هذا التمييز إلى جنى فى كتابه العلم والصياغة فى القانون الخاص الجزء الثالث فى القرائن ، ثم إلى ديكوتينيس فى رسالته المعروفة فى القرائن فى القانون الخاص وهى الرسالة التى تكررت الإشارة إليها . وتبعهما بيدان وبرو 9 فقرة 1290 .
أنظر أيضاً فى هذا التمييز الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 159 مكرر – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات ففقرة 227 – الأستاذ عبد الباسط جميعى فى الإثبات فقرة 101 .
( [20] ) قارن بودرى وبارد 4 فقرة 2657 مكررة .
( [21] ) جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص جزء 3 ص 236 – ص 239 .
( [22] ) جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص المرجح السابق – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 44 .
( [23] ) ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 45 و ص 52 .
( [24] ) ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 44 .
( [25] ) ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 51 .
( [26] ) ومن القواعد الموضوعية التكميلية ( Suppletives ) أيضاً ما نصت عليه المواد 103 ( دفع العربون يفيد جواز العدول عن العقد ) و 309 ( ضمان المحيل ليسار المدين ) و 319 ( ضمان المدين الأصلى ليسار المحال عليه ) و 322 ( عدم انتقال الدين المضمون بالرهن مع العقار المرهون إلى ذمة المشترى ) و 345 ( كيفية احتساب خصم الديون عند تعددها ( imputation des paiements ) و 346 – 348 ( زمان ومكان ونفقات الوفاء بالدين ) .
( [27] ) وقد سبق أن أشرنا إلى المقارنة التى عقدها جنى ما بين القرينة القانونية والحيلة ( Fiction ) . ويمكن الآن تعميم المقارنة وجعلها تنتظم القرينة القانونية والقاعدة الموضوعة والحيلة . فكل من القرينة القانونية والقاعدة الموضوعة تقوم على الراجح الغالب الوقوع ، ولكن هذا العامل يبقى بارزاً إلى جانب القرينة القانونية ، بينما هو يختفى وراء القرينة القانونية . أما الحيلة فلا شأن لها بالراجح الغالب الوقوع ، بل هى لا أساس لها من الواقع ، إذ تقوم على فرض خلقه المشرع دون أن يلقى بالا هل هذا الفرض يتفق مع الواقع أن ينحرف عنه . فافتراض العلم بالقانون لا أساس له من الواقع ، وكذلك افترا 1 ض العلم بالأوراق التى أعلنت لجهة الإدارة أو لجهة النيابة العامة فيما يجيزه القانون من ذلك . وأشد هذه الثلاثة خطراً هى الحيلة لأنها لا تقوم على الواقع ، ثم القاعدة الموضوعة لأنها وهى تقوم على الواقع يختفى الواقع وراءها ، وأقلها خطراً القرينة القانونية فهى تقوم على الواقع ويبقى الواقع بارزاً إلى جانبها .
( [28] ) قارن ديكوتينيس ص 121 – 122 .
( [29] ) ديكوتينيس ص 45 – ص 46 .
( [30] ) ونذكر منها أيضاً القواعد التى نصت عليها المواد 44 إلى 46 و 112 إلى 116 ( الصبى المميز والمحجور والبالغ سن الرشد ) و 228 ( وجود ضرر تعوض عنه الفوائد ) و 236 ( نيابة الدائن عن مدينه فى الدعوى غير المباشرة ) و 936 ( الأخذ بالشفعة لدفع أذى الجوار ) .
( [31] ) أنظر الوسيط الجزء الأول فقرة 691 – وأنظر أيضاً جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص جزء 3 ص 310 – ص 311 – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 60 ص 145 – ص 147 .
( [32] ) قارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 159 مكررة ص 266 وفقرة 168 .
( [33] ) ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 93 ص 230 – ص 233 .
وقد قسم ديكوتينيس فى القرائن القانونية غير القاطعة إلى : ( أ ) قرائن تقوم على افتراض أولى ( a priori ) يضعه المشرع ليصل منه إلى تطبيق قاعدة قانونية من إعمال هذه القاعدة ، كافتراض أن الأصل فى الملك ألا يكون مثقلا بحق للغير ، وأن الأصل فى المتهم البراءة ، وأن الولد للفراش ، وأن أعمال التاجر تعد فى الأصل أعمالا تجارية ، وأن حسن النية مفروض فى الحيازة . ( ب ) وقرائن مستقلة عن تطبيق قاعدة قانونية تقوم على فكرة الراجح الغالب الوقوع ، وقد ارتفع بها المشرع من مرتبة القرينة القضائية إلى مرتبة القرينة القانونية حتى يلزم بها القاضى والخصوم ، فيجعلها بمنأى عن النزاع والجدل ، ويقتصد فيما يبذل من جهد الإثبات ( Economie de Preuve ) : وذلك كافتراض العلم بالتعبير عن الإرادة بمجرد وصول التعبير إلى من وجه إليه ، وافتراض الوفاء بقسط الأجر السابق إذا أثبت المستأجر أنه دفع القسط اللاحق ( ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 186 – ص 211 ) .
( [34] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا ذكر فى سند الدين أن القيمة دفعت نقداً ونفى الدين سبب الدين بالطريق القانونى ، كان على الدائن أن يقيم الدليل على ما قد يدعى أنه السبب الحقيقى للتعهد وعلى أنه سبب صحيح جائز قانوناً ( نقض مدنى 3 نوفمبر سنة 1932 المجموعة الرسمية 34 رقم 1 ص 12 ) . وقضت أيضاً بأنه متى كان الطاعنان لم يقدما الدليل على صورية السبب المدون فى السندات موضوع الدعوى ، وكانت المحكمة قد رأت فى حدود سلطتها الموضوعية أن القرائن التى ساقها الطاعنان ليستدلا بها على عدم مشروعية سبب الدين غير جدية وغير كافية لإضعاف الدليل الذى قدمه المطعون ضده وهو إثبات قرضه بسندات إذنية ثابت بها أن قيمتها دفعت للمفلس أو لضامنه ، وأن هذه القرائن لا تبرر إجابة الطاعنين إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق ، فإنها لا تكون قد خالفت مقتضى المادة 137 من القانون المدنى ( نقض مدنى 2 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 120 ص 842 ) .
( [35] ) وقد سبقت الإشارة إلى كثير من القرائن القانونية غير القاطعة فى التقنين المدنى المصرى ( أنظر المواد 91 و 97 فقرة 2 و 173 و 177 فقرة 1 و 238 فقرة 1 و 239 و 817 و 916 فقرة 3 و 917 و 963 و 964 و 965 فقرة 3 و 967 و 968 و 969 و 970 و 971 و 976 و 978 ) .
وقد كان التقنين المدنى السابق ( م 219 / 284 ) يجعل من تسليم سند الدين أو صورته التنفيذية إلى المدين قرينة قانونية على براءة ذمة المدين . وهذه القرينة التى كانت قرينة قانونية غير قاطعة فى التقنين السابق أغفلها التقنين الجديد فنزلت إلى مرتبة القرائن القضائية . أما فى التقنين المدنى الفرنسى فقد ارتفعت إلى قرينة قانونية فى شق منها ( م 1282 مدنى فرنسى فيما يتعلق بتسليم سند الدين ) وإلى قرينة قانونية غير قاطعة فى الشق الآخر ( م 1283 فيما يتعلق بتسليم الصورة التنفيذية ) .
( [36] ) ولما كان حسن النية واقعة مادية ، فإنه يجوز إثبات العكس ، أى سوء النية ، بجميع طرق الإثبات ( استئناف مختلط 12 أبريل سنة 1945 م 57 ص 122 ) . وإذا كانت القرينة القانونية مستفادة من ورقة مكتوبة ، كالمخالصة بقسط الأجرة اللاحق وهى قرينة على الوفاء بالقسط السابق ، واستخدمت فى إثبات تصرف قانونى لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، فإنه يمكن إثبات عكس القرينة بالبينة ، وليس فى هذا إثبات لعكس المكتوب ، بل هو إثبات لعكس القرينة القانونية المستفادة من المكتوب .
وهناك قلة من الفقهاء الفرنسيين يذهبون إلى أنه لا يجوز إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة بقرينة قضائية ( تولييه 10 فقرة 63 – زاخارييه فقرة 766 ) ، ولكن الكثرة الغالية من الفقهاء يجيزون ذلك ، عندما تكون القرينة القانونية قد استخدمت فى إثبات ما يجوز إثباته بالبينة أو بالقرائن القضائية ( أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 102 وهامش رقم 6 – ديرانتون 13 فقرة 412 – بونييه 2 فقرة 841 – لارومبيير 7 م 1352 فقرة 8 – ديمولومب 30 فقرة 268 – لوران 19 فقرة 616 – بودرى وبارد 4 فقرة 2261 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1550 ص 1012 – ص 1013 – بيدان وبرو 9 فقرة 1296 ص 385 ) .
( [37] ) أنظر فى هذا المعنى الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 164 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 745 . الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 229 .
وكانت المادة 219 / 284 من التقنين المدنى السابق قد أقامت كما قدمنا قرينة قانونية غير قاطعة تجعل تسليم سند الدين للمدين دليلا على براءة ذمته ، ثم أجازت المادة 220 / 285 من هذا التقنين إثبات عكس هذه القرينة بالبينة فى جميع الأحوال ( استئناف مختلط 25 أبريل سنة 1894 م 6 ص 247 – 13 فبراير سنة 1896 م 8 ص 117 – 18 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 108 – الموجز للمؤلف فقرة 689 ) .
( [39] ) أنظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 102 وهامش رقم 6 – بودرى وبارد 4 فقرة 2661 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1550 ص 1012 – ص 1013 – وقارب بيدان وبرو 9 فقرة 1296 ص 385 .
( [40] ) أما إذا أريد إثبات عكس قرينة قانونية مستفادة من ورقة مكتوبة ، وكان الذى يراد إثباته سبباً غير مشروع ، فيجوز إثبات ذلك بالبينة ، وفقاً للقواعد العامة ( أنظر نقض مدنى 2 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 120 ص 842 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) .
( [41] ) وفى الفقه الإسلامى توجد أيضاً قاعدة شرعية تقضى بأن الولد للفراش ، واللعان هو الطريق المقرر لنقض هذه القرينة .
( [42] ) أما فى التقنين المدنى المصرى ( م 817 ) فلم يعين المشرع طرقاً معينة لإثبات العكس . أنظر فى هذه القرائن فى التقنين المدنى الفرنسى أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 106 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1550 ص 1013 وهامش رقم 1 – بيدان وبر 9 فقرة 1296 – ويجعل أوبرى ورو هذه القرائن فى مرتبة وسطى ما بين القرائن القانونية القاطعة والقرائن القانونية غير القاطعة ( أنظر المرجع المتقدم ) . ويدعوها ديكوتينيس بالقرائن النسبية ( Relatives ) ( ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 135 – ص 182 ) .
( [43] ) ويمكن فى هذه المناسبة عقد مقارنة بين الورقة كدليل كتابى والقرينة القانونية من حيث جواز إثبات العكس . فالورقة العرفية يمكن إثبات عكسها بالكتابة والإقرار واليمين ، والقرينة القانونية –ما لم تكن قاطعة – يجوز أيضاً إثبات عكسها بالكتابة والإقرار واليمين بل وبالبينة والقرائن القضائية إذا استخدمت فى إثبات غير التصرفات القانونية التى تزيد قيمتها على عشرة جنيهات كما قدمنا . والورقة الرسمية تشتمل على أجزاء لا يجوز إثبات عكسها إلا بطريق معين هو طريق الطعن بالتزوير ، ومن القرائن القانونية ما لا يجوز إثبات عكسه إلا بطريق معين كذلك ( قارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 270 هامش رقم 1 ) .
وغنى عن البيان أن تعيين القرائن القانونية ، وتحديد ما هو قاطع منها وما هو غير قاطع ، وكيف يجوز إثبات العكس ، كل هذه مسائل قانون تخضع لرقابة محكمة النقض .