متي يجوز تخفيض الشرط الجزائي
493 – حالتان : يتبين من نص الفقرة الثانية للمادة 224 أنه يجوز للقاضي أن يخفض الشرط الجزائي في حالتين : ( أولاهما ) إذا نفذ المدين الالتزام الأصلي في جزء منه . ( والثانية ) إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض في الشرط الجزائي كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة .
494 – تنفيذ الالتزام الأصلي في جزء منه : يوضع الشرط الجزائي عادة لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أصلا ، فإذا كان المدين قد قام بتنفيذ جزء من التزامه ، فإن القاضي يكون قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه ( [1] ) . ويعتبر الأساس هو المبلغ 871 المقدر في الشرط الجزائي ، فيخفض هذا المبلغ إلي النسبة التي تتفق مع الجزء الباقي دون تنفيذ من الالتزام الأصلي ( [2] ) . ويقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي علي المدين .
وقد يتفق الطرفان علي استحقاق الشرط الجزائي إذا لم ينفذ المدين الالتزام الأصلي تنفيذا سليما ، سواء كان ذلك بأن لم ينفذه أصلا أو نفذه تنفيذا معيباً . وفي هذه الحالة يستحق الشرط الجزائي كله إذا كان هناك عيب في التنفيذ ، نزولا علي اتفاق الطرفين ( [3] ) . ولكن إذا كان هذا العيب غير جسيم يكون الشرط الجزائي ، كتعويض عنه ، مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، جاز للقاضي تخفيض الشرط الجزائي إلي الحد المناسب كما سنري ( [4] ) .
495 – تقدير التعويض في الشرط الجزائي مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ” وهنا نفرض أن المدين لم يقم بتنفيذ التزامه أصلا ، أو تأخر في التنفيذ مدة استحق من أجلها التعويض المقدر في الشرط الجزائي ، فلا يوجد إذن سبب خارجى لتخفيض الشرط الجزائي كما كان الأمر في حالة التنفيذ التي سبق ذكرها . فهل يجوز مع ذلك الخروج علي الاتفاق وتخفيض الشرط الجزائي؟ .
رأينا أن التقنين المدني الفرنسي ( م 1152 ) يقضي بأنه ” إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغا معينا من النقود علي سبيل التعويض ، 872 فلا يجوز أن يعطي لتعويض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل ” . وقد طبق القضاء الفرنسي هذا النص تطبيقا دقيقا ، فهو لا يجيز تخفيض الشرط الجزائي أيا كان تقدير التعويض ولو ثبت أنه مبالغ فيه إلي درجة كبيرة . ويبر القضاء الفرنسي هذا الموقف بأن الفائدة المتوخاة من الشرط الجزائي إنما هي قطع السبيل علي المدين في المحاجة والجدل في مقدار التعويض المستحق ، فقد اتفق مقدما مع الدائن علي تقديره ، فلا محل لإعادة النظر فيما تم الاتفاق عليه . وقد قدمنا أن القضاء الفرنسي يذهب إلي أبعد من ذلك ، فلا يشترط في استحقاق الشرط الجزائي إثبات ضرر يلحق الدائن ، فوجود الشرط الجزائي يفترض أن هذا الضرر قد وقع فعلا ، ولا يجوز إثبات عكس ذلك ( [5] ) . وغني عن البيان أن الالتزام الأصلي إذا كان مبلغا من النقود ، وكان الشرط الجزائي خاصا بالتعويض عن تأخر المدين في الوفاء بهذا الالتزام ، واتفق المتعاقدان علي فوائد أكثر من الحد الأقصي يسمح به القانون ، فأنه يجب في هذه الحالة تخفيض الشرط الجزائي وإنزال الفوائد إلي الحد المسموح به ( [6] ) .
وفي عهد التقنين المدني المصري السابق كان القضاء المختلط يذهب هو أيضا ، كالقضاء الفرنسي ، إلي عدم جواز تخفيض الشرط الجزائي ولو بدا أن التقدير المتفق عليه في هذا الشرط مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ( [7] ) ، وقد كان نص التقنين السابق صريحا في هذا المعني كنص التقنين الفرنسي ، فقد رأينا أن المادة 123 / 181 873 كانت تقضي بأنه ” إذا كان مقدار التضمين فى حالة عدم الوفاء مصرحا به فى العقد أو فى القانون ، فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر ” . وقد استقر القضاء المختلط على هذا الرأى منذ قضت به محكمة الاستئناف المختلطة فى دوائرها المجتمعة ( [8] ) . أما القضاء الوطني فإنه ، بعد تردد وتضارب في الأحكام ، استقر علي جواز تخفيض الشرط الجزائي إذا اتضح أن تقدير التعويض في هذا الشرط كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، وذلك بالرغم من صراحة نص المادة 123 من التقنين المدني الوطني ( [9] ) .
874 وقد جاء التقنين المدني الجديد مقننا للقضاء الوطني في هذه المسألة ، فعدل من نص المادة 123 / 181 من التقنين المدني السابق بأن نص في الفقرة الثانية من المادة 224 ، كما رأينا ، علي أنه ” يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ” ( [10] ) . والتقنين المدني الجديد ، في هذا الحكم الذي أورده من جواز تخفيض الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، لا يقنن القضاء الوطني فحسب ، بل هو أيضا يجاري نزعات التقنينات الحديثة ، فإن التقنين المدني الألماني ( م 340 و 343 ) وتقنين الالتزامات السويسري ( م 161 و 163 ) والتقنين المدني الإيطالي الحديث ( م 1384 ) تجيز كلها تعديل الشرط الجزائي نقصاً أو زيادة ، وقد بررت محكمة الاستئناف الوطنية في دوائرها المجتمعة هذا الحكم بأن الشرط الجزائي ، إذا كان مبالغا فيه ، يكون الطرفان علي علم بهذه المبالغة ، بل يكونان قد قصداً إليها وجعلا الشرط الجزائي شرطا تهديدياً لحمل المدين علي عدم الإخلال بالتزامه . ومؤدي ذلك أن الشرط الجزائي المبالغ فيه ينطوي في الواقع من الأمر علي عقوبة فرضها الدائن 875 من المدين ، فيكون باطلا ، ويعمد القاضي عند ذلك إلي تقدير التعويض وفقا للقواعد العامة في تقدير التعويض بواسطة القاضي ( [11] ) . ويمكن أن يضاف إلي هذا التبرير أن الشرط الجزائي لا يعرض إلا لتقدير التعويض المستحق ، فهو ليس سببا في استحقاق التعويض ، بل يقتصر علي مجرد تقديره مقدما وفقا لما قام أمام الطرفين وقت الاتفاق من اعتبارات وظروف . فإذا اتضح بعد ذلك أن المتضرر الذي وقع لم يكن بالمقدار الذي ظنه الطرفان قبل وقوعه ، وأن تقديرهما للتعويض عن هذا الضرر كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، فإن الأمر لا يخلو عندئذ من غلط في التقدير وقع فيه المتعاقدان أو ضغط وقع علي المدين فقبل شرطا يعلم مقدما أنه مجحف به ( [12] ) ، وفي الحالتين يكون الواجب تخفيض الشرط الجزائي إلي الحد الذي يتناسب مع الضرر .
علي أنه يلاحظ أن الشرط الجزائي ، بالرغم من عدم الحكم به عند انعدام وقوع الضرر أو تخفيضه إذا كان غير متناسب مع الضرر الذي وقع ، لا تزال فائدته محققة للدائن من وجوه ثلاثة .
( أولا ) إن وجود الشرط الجزائي يجعل ، كما قدمنا ، وقوع الضرر مفروضا لا يكلف الدائن بإثباته . فإذا ادعي المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر ، فعليه هو لا علي الدائن عبء الإثبات .
( ثانياً ) إن وجود الشرط الجزائي يجعل من المفروض أن تقدير التعويض الوارد في هذا الشرط هو تقدير صحيح للضرر الذي وقع . فإذا ادعي المدين أنه تقدير مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ، فعليه هو لا علي الدائن عبء الإثبات ( [13] ) .
876 ( ثالثاً ) ولا يكفي أن يثبت المدين أن التقدير الوارد في الشرط الجزائي يزيد علي مقدار الضرر الذي وقع فعلا . فما لم يثبت أن التقدير مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ، فإن القاضي لا يخفض الشرط الجزائي حتي لو زاد التقدير الوارد فيه علي الضرر زيادة غير كبيرة . وحتى إذا أثبت المدين أن التقدير مبالغ فيه إلي درجة كبيرة وخفض القاضي الشرط الجزائي ، فإن التخفيض يكون إلي حد يتناسب مع الضرر ولا يتحتم أن يكون مساويا للضرر ( [14] ) ، ومن ثم إذا وجد القاضي أمامه شرطا جزائيا سخيا في التقدير ، كان هذا من شأنه أن يجعل سلطة القاضي التقديرية في حساب التعويض تسخو لمصلحة الدائن ، فيبقي غاليا في التعويض بعد تخفيضه سعة ينتفع هذا بها .
496 – هذه الأحكام تعتبر من النظام العام : والأحكام التي قدمناها – وقوع ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي وجواز تخفيض هذا الشرط للتنفيذ الجزئي أو للمبالغة في التقدير – تعتبر من النظام العام ، فلا يجوز الاتفاق علي ما يخالفها . وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 224 من التقنين المدني صراحة علي ذلك غذ تقول : ” ويقع بالا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين ” .
ومن ثم لا يجوز للطرفين أن يضيفا إلي الشرط الجزائي أنه واجب الدفع علي كل حال ، حتي لو لم يقع ضرر أو قام المدين بتنفيذ الالتزام تنفيذا جزئيا أو تبين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة . ولو تم الاتفاق علي ذلك ، كان هذا الاتفاق باطلا لمخالفته للنظام العام ، وجاز للقاضي بالرغم من وجوده ألا يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ، وأن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أنه قام بتنفيذ الالتزام تنفيذا جزئيا أو أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة . فالقانون هنا يحمي المدين ، ويعتبر أن رضاءه بمثل هذا الاتفاق أقرب إلي الإذعان منه إلي القبول .
877 المبحث الثاني
متي تجوز زيادة الشرط الجزائي
497 – حالتان : رأينا أن المادة 225 تقضي بجواز زيادة الشرط الجزائي إذا جاوز الضرر قيمة التعويض المقدر وأثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشا وخطأ جسيما . كذلك لا يجوز – تطبيقا للقواعد العامة – أن يجعل المدين من الشرط الجزائي تكئة للتحايل علي قواعد التعديل الإتفاقي للمسئولية ، فبعض هذه القواعد يعتبر من النظام العام ولا تجوز مخالفته حتي تحت ستار الشرط الجزائي ( [15] ) .
ونستعرض كلا من هاتين الحالتين .
498 – زيادة الضرر علي التعويض المقدر وقد ارتكب المدين غشا أو خطأ جسيما : إذا تبين ، علي العكس مما تقدم ، أن التعويض المقدر ليس مبالغا فيه بل هو أقل من الضرر الواقع ، فإن القاضي مع ذلك لا يزيده ليكون مساويا للضرر ، بل يحكم به كما هو . ويكون الشرط الجزائي في هذه الحالة بمثابة تخفيف لمسئولية المدين ، والاتفاق علي التخفيف من المسئولية أو الإعفاء منها جائز ، فقد قضت الفقرة الثانية من المادة 217 بجواز الاتفاق علي إعفاء المدين 878 من أية مسئولية تترتب علي عدم تنفيذه التزامه التعاقدي إلا من ينشأ عن هذه أو خطئه الجسيم ( [16] ) .
ومعني ذلك أنه زاد الضرر علي التعويض المقدر ، ولكن الدائن أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما ، فإن الشرط الجزائي الذي جاز أن يخفف من مسئولية المدين في حالة الخطأ العادي لا يستطيع أن يخفف من مسئوليته في حالتي الغش والخطأ الجسيم . وينبني علي ذلك أن القاضي يزيد في مقدار التعويض حتي يصبح معادلا للضرر الذي وقع ، ولا يمنعه من ذلك أن التعويض مقدر في الشرط الجزائي ، فإن الدائن في اتفاقه مع المدين علي تقدر التعويض لم يدخل في حسابه غش المدين أو خطأه الجسيم ، ولا ينبغي أن يحسب هذا الحساب( [17] ) .
علي أن الفقرة الثانية من المادة 217 تضيف إلي ما تقدم أنه يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه . وينبني علي ذلك أنه يجوز الاتفاق علي شرط جزائي يقدر 879 التعويض الذي يستحق من جراء تحقق مسئولية الأشخاص الذين يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه ، ولا يجوز للقاضي زيادة هذا التعويض حتي لو جاوز الضرر تبلغ المقدر ووقع غش أو خطأ جسيم من الأشخاص الذين استخدمهم المدين في تنفيذ التزامه . ذلك ان الشرط الجزائي في هذه الحالة يعتبر اتفاقاً علي تخفيف لمسئولية عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من تابعي المدين ، ومثل هذا الاتفاق جائز كما قدمنا .
499 – الشرط الجزائي تحايل للإعفاء من المسئولية إعفاء يتعارض مع النظام العام : وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 217 علي أنه ” يقع باطلا كل شرط يقضي بالإعفاء من المسئولية المترتبة علي العمل غير المشروع ” . ويتبين من ذلك أنه لا يجوز أن يتفق الطرفان علي إعفاء المدين من مسئوليته التقصيرية ويكون هذا الاتفاق باطلا لو تم لتعارضه مع النظام العام .
وكما لا يستطيع الطرفان أن يبرما هذا الاتفاق بطريق مباشر ، كذلك لا يستطيعان إبرامه بطريق غير مباشر ، بأن يتفقا علي شرط جزائي يكون من التفاهة بحيث يكون المقصود به أن يصل المدين إلي اشتراط إعفائه من مسئوليته التقصيرية ( [18] ) . ففي هذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطلا ، وللقاضي أن يحكم بتعويض أزيد بكثير من التقدير التافه الذي ورد في الشرط الجزائي ، متوخيا في ذلك تطبيق القواعد العامة في التقدير القضائي للتعويض ( [19] ) .
880 الفصل الثالث
( [1] ) استئناف أهلي 4 ديسمبر سنة 1912 المجموعة الرسمية 14 رقم 18 ص 33 استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 282 – 26 يونية سنة 1928 م 40 ص 464 – 24 يونية سنة 1930 م 42 ص 577 – أول مارس سنة 1938 م 50 ص 150 – والتون 2 ص 406 – ص 408 .
ويتفق في هذا الحكم كل من التقنين المدني الجديد بنص صريح ، والتقنين المدني السابق بالتطبيق للقواعد العامة ، والتقنين المدني الفرنسي إذا نصت المادة 1231 من هذا التقنين علي أن ” الشرط الجزائي يجوز للقاضي تعديله إذا نفذ الالتزام الأصلي في جزء منه ” وانظر أيضا المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574 . ثم أنظر : نقض مدني 17 فبراير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 91 ص 686 .
( [2] ) ويطبق القضاء المصري هذا الحكم علي الشرط الجزائي القاضي ، عند تأخر المدين في دفع الأقساط المستحقة ، بفسخ العقد وباعتبار ما سبق دفعه من الأقساط حقا للدائن ، فيعتبر أن هناك تنفيذا جزئيا للعق يستوجب تخفيض الشرط الجزائي ( استئناف مختلط 26 يونية سنة 1928 م 40 ص 464 – 19 مارس سنة 1929 م 41 ص 307 – أول مارس سنة 1938 م 50 ص 150 ) ويؤخذ علي هذا التطبيق أن الشرط الجزائي إنما اشترط هنا لعدم التنفيذ الجزئي لا لعدم التنفيذ الكلي ، وأن التخفيض إنما يجوز في هذه الحالة إذا كان الشرط الجزائي يصبح مبالغا فيه إلي درجة كبيرة بالنسبة إلي ما لم يتم تنفيذه من الالتزام .
( [3] ) قارب استئناف مختلط 21 مارس سنة 1934 م 46 ص 219 – ولكن إذا وضع الشرط الجزائي لتأخر المدين في التنفيذ ، فإنه يصبح غير ذي موضوع إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه أصلا ( استئناف مختلط 12 مايو سنة 1936 م 48 ص 262 ) .
( [4] ) أما في القانون الفرنسي فلا يجوز التخفيض حتي في هذه الحالة ( قارب بودري وبارد 2 فقرة 1351 – ديموج 6 فقرة 489 ص 523 – بلانيول وريبير وردودان 7 فقرة 870 ) .
( [5] ) وقد كان القانون الفرنسي القديم يجيز تخفيض السرط الجزائي ( بوتييه في الالتزامات فقرة 345 ) ، ولكن التقنين المدني الفرنسي عدل ، بعد تردد أثناء مناقشة مشروع هذا التقنين في مجلس الدولة ، عن تقاليد القانون الفرنسي القديم ، ولم يجز التخفيض حتي يجعل الشرط الجزائي يحقق الغرض المتوخي منه ( بودري وبارد 1 فقرة 490 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 869 ص 202 – ص 203 ) .
( [6] ) وهذا الحكم واجب التطبيق في مصر وفي فرنسا علي حد سواء ( استئناف مختلط 28 يناير سنة 1914 م 26 ص 184 – أوبري ورو 4 فقرة 309 ص 174 – بودري وبارد 2 فقرة 1352 – ديموج 6 فقرة 456 ص 492 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة – 882 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 593 – جوسران 2 فقرة 642 ) .
( [7] ) استئناف مختلط 6 مايو سنة 1908 م 20 ص 208 – 5 مارس سنة 1913 م 25 ص 206 – 19 مارس سنة 1913 جازيت 3 رقم 135 ص 287 – ومع ذلك انظر العكس : استئناف مختلط 6 يونية سنة 1921 م 33 ص 375 .
( [8] ) استئناف مختلط ( الدوائر المجتمعة ) 9 فبراير سنة 1922 م 34 ص 155 – استئناف مختلط 29 مايو سنة 1923 م 35 ص 467 – 11 ديسمبر سنة 1923 م 36 ص 75 – 26 نوفمبر سنة 1926 م 42 ص 53 – 25 مارس سنة 1930 م 42 ص 381 – 15 ديسمبر سنة 1943 م 56 ص 23 – 31 مايو سنة 1944 م 56 ص 179 .
( [9] ) وقد كانت بعض أحكام القضاء الوطني تقضي بأن المادة 123 صريحة في وجوب القضاء بالشرط الجزائي علي وجه الإطلاق ، فليس للمحاكم أن تحكم بأقل منه أو أكثر ( استئناف أهلي 2 ديسمبر سنة 1909 الحقوق 25 ص 61 – 8 ديسمبر سنة 1913 الحقوق 29 ص 238 – 29 مارس سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 95 ص 149 – 7 نوفمبر سنة 1924 المجموعة الرسمية 26 رقم 7 ص 13 ) – وتقضي أحكام أخري بأنه إذا تبين للمحكمة أن الشرط الجزائي المنصوص عنه في العقد مبالغ فيه ، فلها أن تعتبره شرطا تهديدياً لا يلتفت إليه ، وأن ترجع في تقدير الضرر ، إن وجد ، إلي القواعد العامة ( استئناف أهلي 4 ديسمبر سنة 1912 المجموعة الرسمية 14 رقم 18 ص 33 – 18 ديسمبر سنة 1922 المجموعة الرسمية 25 رقم 53 ص 91 ) . ثم حسمت محكمة الاستئناف في دوائرها المجتمعة هذا الخلاف ، فضت بأنه إذا ثبت لدي القاضي ان مقدار الشرط الجزائي جائر وغير مقبول وغير متناسب مع الضرر الذي حصل فعلا للمتعهد إليه ، وبعبارة أخري إذا تبين له أن الشرط الجزائي إنما هو في الواقع ونفس الأمر شرط تهديدي ليس إلا – وهذا أمر واقعي محض وخاص بكل قضية علي حدتها – فإن له في مثل هذه الحالة فقط أن يمتنع عن التصديق علي هذا التعويض الجائر ، وأن يقدره هو حسب ما يظهر له من ظروف وقائع الدعوي ( 2 ديسمبر سنة 1926 المجموعة الرسمية 27 ص 153 – المحاماة 7 ص 331 – انظر أيضا : استئناف مصر 8 يناير سنة 1933 المحاماة 13 ص 1118 ) . وبالرغم من حكم الدوائر المجتمعة صدر حكمان بعد ذلك من محكمة استئناف مصر في يوم واحد عدلت فيهما عن هذا المبدأ ، فقضت بأن القانون أباح الشرط الجزائي لفائدتين : الأولي إقفال باب المنازعة في أهمية الضرر ، والثانية إعفاء الدائن من إثبات تحقق الضرر . فاتفاق الطرفين علي التعويض ومقداره عند وقوع مخالفة يتضمن إقراراً بالضرر ، ويجب الأخذ بما تدون في الاتفاق لأنه ارتباط قانوني له قوته ، وهو شريعة المتعاقدين يقوم مقام القانون في بيان حقوق كل منهما وواجباته ( 28 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 ص 305 ) ، وبأن الاتفاق علي تحديد مقدار التعويض في العقد في حالة عدم تنفيذ المتعهد معناه التسليم فعلا من المتعاقدين بأنهما يعتقدان أن عدم التنفيذ يترتب عليه ضرر حتما ، وأن هذا الضرر يقدر بالمبلغ المتفق عليه ، لأنه لا يمكن الانتقال للتكلم عن مقدار التعويض إلا بعد الفراغ من مسألة استحقاقه واعتبارها مقطوعا بها ، فلا يقبل بعد ذلك من المدين مطالبة الدائن بإثبات حصول الضرر ولا قيامه هو بإثبات عدم حصوله ، كما لا تقبل منه المناقشة في مقدار التعويض ( 28 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 ص 860 – وانظر أيضا الموجز للمؤلف ص 448 هامش رقم 3 ) . ولكن محكمة النقض أيدت قضاء الدوائر المجتمعة في حكم لها صدر بعد نفاذ التقنين الجديد ، ولكن عن وقائع حدثت قبله ، إذ قضت بأنه متي كان يبين من الحكم أن المحكمة لم تأخذ بشرط التعويض الجزائي المتفق عليه بالعقد ، وقدرت التعويض الذي طلبت المطعون عليها عدم الحكم به علي الطاعنين بمبلغ معين بناء علي الاعتبارات التي استمدتها من واقع الأوراق المقدمة في الدعوي ، ورأت معها أنه تعويض مناسب للضرر الذي لحق المطعون عليها ، فإن هذا الذي أخذت به المحكمة لا عيب فيه لدخوله في سلطتها الموضوعية واستقلالها بتقديره ( نقض مدني 27 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 116 ص 676 . وانظر أيضا : نقض مدني 17 فبراير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 91 ص 686 ) .
ونري مما تقدم أن هناك تدرجا في موقف كل من القضاء الفرنسي والقضاء المختلط والقضاء الوطني : فالقضاء الفرنسي لا يجيز تخفيض الشرط الجزائي بل ولا يشترط وقوع الضرر ، والقضاء المختلط لا يجيز تخفيض الشرط الجزائي ولكن يشترط وقوع الضرر ، والقضاء الوطني يشترط وقوع الضرر ويجيز تخفيض الشرط الجزائي في وقت واحد ( الموجز للمؤلف فقرة 450 ص 449 ) .
( [10] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574 .
( [11] ) نقض مدني 17 فبراير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 91 ص 686 ، وقد سبقت الإشارة إلي هذا الحكم .
( [12] ) ويكون الشرط الجزائي في هذه الحالة شرطا تهديديا قبله المدين ، إما تحت تأثير الضغط وإما لاعتقاده أنه سيقوم حتما بتنفيذ التزامه فلن يتعرض لتوقيع الشرط الجزائي عليه ، فقبوله للشرط الجزائي يكون إذن عن إكراه أو عن اندفاع وتسرع .
( [13] ) ويترك الأمر لتقدير قاضى الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض . وقد قضت محكمة النقض بأن إثبات حصول الضرر أو نفيه من الأمر الواقعية التى تقدرها محكمة الموضوع ، فإذا رأت محكمة الاستئناف أن ما وقع من المتعهد بتوريد الأغذية لأحد الملاجئ ” هو أمر خطير فيه تعريض لصحة الاجئات للخطر ، فضلا عما فيه من إفساد للمستخدمين الموكل إليهم حمايتهن والمحافظة على سلامتهن ” ، ثم رأت أن التعويض المشروط فى عقد التوريد عن هذا الفعل متناسب وغير جائر ، فحكمت بإلزام المتعهد به ، فلا معقب على حكمها لمحكمة النقض( نقض مدني 7 مارس سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 41 ص 123 ) .
( [14] ) وقد رأينا في تاريخ نص المادة 224 أن المشروع التمهيدي لهذه المادة كان يتضمن العبارة الآتية : ” إذا أثبت المدين ان التقدير كان فادحا ” ، فعدلت هذه العبارة في لجنة مجلس الشيوخ إلي العبارة التي استقرت في التقنين الجديد : ” إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ” ( انظر آنفا فقرة 492 في الهامش ) ولا يستفاد من هذا التعديل أنه يكفي أن يكون التقدير أزيد من الضرر الحقيقي ، بل يجب أن يكون أزيد بكثير من هذا الضرر ، وإن لم يكن من الضروري أن يصل إلي درجة الفداحة والإرهاق .
( [15] ) وإذا اشترط الدائن ، إلي جانب الشرط الجزائي ، تعويضا من نوع آخر ، بأن اشترط علي المدين إذا لم يسلم له كذا قنطاراً من القطن مثلا وجب أن يدفع الفرق بين ثمن القطن وقت التنفيذ الذي اشتري به الدائن هذا القطن مع حساب المدين ، وهذا بالإضافة إلي شرط جزائي مقدر ، لم يجز للدائن أن يجمع بين التعويضين ، ولكن له أن يختار أحدهما ( استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1926 م 39 ص 94 – 31 مارس سنة 1927 م 39 ص 364 – 11 يناير سنة 1928 م 40 ص 131 – أول مارس سنة 1928 م 40 ص 214 ) علي أنه يجوز الجمع بين التعويضين إذا كان كل تعويض يؤسس علي ضرر غير الضرر الذي يؤسس عليه التعويض الآخر ( استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1929 جازيت 20 رقم 92 ص 100 – 27 مارس سنة 1930 م 42 ص 392 ) .
( [16] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574 .
( [17] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه متي ثبت أن الإخلال بالتعهد كان عن سوء قصد ، وجب تعويض الضرر دون التقيد بالشرط الجزائي ، لأن الملحوظ بين المتعاقدين عند تقديرهما التعويض بنفسهما تبادل حسن القصد بينهما ، فإذا انتفي ذلك وتبدلت النية ، وجب الرجوع إلي القاعدة العامة ، وهي التعويض عن الضرر مهما بلغت قيمته ( 30 يناير سنة 1929 المحاماة 10 ص 65 ) . انظر ايضا بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 869 ص 202 . وقد نصت المادة 267 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني علي ” أن البند الجزائي صحيح معمول به ، وإن كان موازيا في الواقع لبند ناف للتبعة ، وإنما تستثني حالة الخداع الذي يرتكبه المديون ” .
المصدر- توكيل محامي
هذا ويلاحظ أن الشرط الجزائي يكون تطبيقه علي الحالة التي نظر إليها المتعاقدان ، فالشرط الجزائي المتفق عليه في حالة التأخر لا يسري علي حالة عدم التنفيذ ، فإن لم ينفذ المتعهد النزاهة تقدر التعويضات طبقا لمباديء القانون العام ( استئناف مختلط 10 مايو سنة 1905 م 17 ص 259 – 23 مارس سنة 1916 م 28 ص 215 – المنصورة الجزئية الأهلية 17 نوفمبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 ص 96 ) .
وغني عن البيان أن الطرفين لا يستطيعان أن يضيفا إلي الشرط الجزائي أنه غير قابل للزيادة حتي في حالة غش المدين أو خطئه الجسيم ، فإن هذا الاتفاق يعتبر مخالفا للنظام العام ، ولا حاجة إلي نص خاص بهذه الحالة كالنص الذي سبق ذكره في أحوال تخفيض الشرط الجزائي ( م 224 فقرة 3 ) ، فأن نص المادة 217 فقرة 2 كاف في ذلك .
( [18] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574 .
( [19] ) استئناف مختلط 12 فبراير سنة 1919 م 31 ص 167 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 869 ص 202
المصدر: محامي في الأردن