نشوء الحق فى الحبس
640 – النصوص القانونية : تنص المادة 246 من التقنين المدنى على ما يأتى :
1136
” 1 – لكل من التزم بأداء شئ أن يمتنع عن الوفاء به ، ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به ، أو ما دام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزامه هذا ” .
” 2 – ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشئ أو محرزه إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فإن له يمتنع عن رد هذا الشئ حتى يستوفى ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاَ عن عمل غير مشروع ” ( [1] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 605 / 731 . وقد سبق ذكرها ، وكذلك سبقت مقارنة التقنين المدنى السابق بالتقنين المدنى الجديد فى هذا الموضوع .
ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 247 ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد 280 – 282 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 249 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادتين 271 – 272 ( [2] ) .
1137
ويتبين من هذا النص أن للحق فى الحبس شروطاً إذا توافرت نشأ هذا الدفع ، وأن له تطبيقات متنوعة لا يمكن ذكرها على سبيل الحصر . فنبسط هذه الشروط ، ثم نستعرض بعض التطبيقات سواء ما ورد فيه نص صريح أو ما لم يرد فيه نص .
المبحث الأول
الشروط الواجب توافرها لنشوء الحق فى الحبس
641 – شرطان لنشوء الحق فى الحبس : وضعت الفقرة الأولى من المادة 246 قاعدة عامة يرد إليها جميع تطبيقات الحق فى الحبس . وهذا هو الجديد الذى أتى به التقنين المدنى الحالى ، فقد كان حق الحبس فى التقنين المدنى السابق ، كما رأينا ، يقتصر على حالات خاصة مذكورة على سبيل الحصر ، إذ كان يعتبر فى هذا التقنين حقاً عينياً .
1138
أما في التقنين الجديد لا تحصر حالات الحق في الحبس ، ولكن تحصر الشروط التي إذا هي توافرت تنشيء الحق في الحبس . ويمكن من الرجوع إلى النص المشار إليه حصر هذه الشروط في شرطين اثنين :
( أولاً ) أن يكون هناك شخصان كل منهما دائن للأخر ومدين له ، ومن ثم يكون هناك دينان متقابلان : دين في ذمة الأول للثاني ، ودين مقابل له في ذمة الثاني للأول .
( ثانياً ) أن يكون هناك ارتباط ( lien de connexite ) ما بين الدينين .
ونستعرض كلا من هذين الشرطين :
642 – الشرط الأول – دينان متقابلان : يجب أولاً أن يكون هناك شخص مدين لآخر ، وثانياً أن يكون هذا الآخر مدينا هو أيضاً للأول . فيقف الأول الوفاء بالدين الذي عليه حتى يستوفى الدين الذي له .
أما الدين الذي في ذمة الشخص الأول – وهو المحل الذي يقع عليه الحبس – فيصح أن يكون متعلقاً بعين معينة بالذات ، كدار باعها صاحبها فأصبح مديناً 1139 بتسليمها إلى المشترى ، فيقف تنفيذ التزامه بالتسليم حتى يستوفى الثمن ( [3] ) . ويصح أيضاً أن يكون الدين محله شئ غير معين بالذات ، نقود أو أشياء مثلية ، كما لو اشترى شخص شيئاً فيقف دفع الثمن للبائع حتى يقوم البائع بتسليمه الشئ المبيع . بل يصح أن يكون محل الدين عملاً أن امتناعاً عن عمل . فالمقاول يستطيع ألا يبدأ العمل حتى يستوفى ما اتفق مع رب العمل على أن يجعله له من الأجر . وصاحب الأرض الذى تعهد ألا يمنع جاره من المرور فى أرضه ، مقابل جعل معين ، يستطيع أن يقف تنفيذ التزامه فيمنع الجار من المرور حتى يستوفى جعله ( [4] ) .
1140
على أنه لا يصح أن يكون محل الدين ملكاً عاماً ، استأجره شخص مثلاً وأنفق عليه ويريد حبسه حتى يستوفى ما أنفق ، وذلك أن حبس الملك العام يفوت المصلحة العامة التى أعد لها هذا الملك ( [5] ) . كما لا يصح أن يكون محل الدين شيئاً غير قابل للحجز عليه فى الدين المقابل . فلا يحبس هذا الشئ عن صاحبه إلا بقدر ما يكون قابلاً للحجز عليه فى هذا الدين . مثل ذلك ما نصت عليه المادة 488 من تقنين المرافعات من أنه لا يجوز الحجز على أجور الخدم والصناع والعمال أو مرتبات المستخدمين إلا بقدر الربع ، فلا يجوز لرب العمل ، بعد أن استحق العامل أجره ، أن يحبس أكثر من ربع هذا الأجر عنه حتى يستوفى منه التزاماً ترتب فى ذمته له . ومثل ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 485 من تقنين المرافعات من عدم جواز الحجز على أشياء معينة إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة ، فلا يجوز حبسها عن صاحبها إلا فى دين من هذه الديون ( [6] ) .
ولا يشترط فى الدين – محل الحبس – أن يكون مصدراً عقداً ، فقد يكون مصدره عملاً غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو نصاً فى القانون . فإذا تصادمت سيارتان ، وأصبح صاحب كل سيارة مديناً بالتعويض لصاحب السيارة الأخرى ، ولم تتوافر شروط المقاصة القانونية فى الدينين بأن كان أحدهما غير مقدر مثلاً ، جاز لمن كان الدين الذى عليه مقدراً أن يحبس هذا الدين حتى يستوفى حقه بعد أن يتم تقديره . فالدين المحبوس هنا مصدره العمل غير المشروع . وقد نصت الفقرة 1141 الأولى من المادة 914 مدنى على أنه ” إذا أقام شخص بمواد من عنده منشآت على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون رضاء صاحب الأرض ، كان لهذا أن يطلب إزالة المنشآت على نفقة من أقامها مع التعويض إن كان له وجه ، وذلك فى ميعاد سنة من اليوم الذى يعلم فيه بإقامة المنشآت . . . ” . ففى هذه الصورة يلتزم صاحب الأرض بتسليم المنشآت بعد إزالتها إلى صاحبها ، ومصدر التزامه الإثراء بلا سبب ، ويلتزم صاحب المنشآت أن يزيلها على نفقته وأن يدفع تعويضاً عن الضرر الذى أحدثه لصاحب الأرض ، ومصدر التزامه العمل غير المشروع . فيستطيع صاحب الأرض أن يحبس المنشآت بعد إزالتها ، حتى يستوفى من صاحبها نفقة الإزالة والتعويض المستحق . ونصت المادة 928 مدنى على أنه ” إذا كان مالك الأرض وهو يقيم عليها بناء قد جار بحسن نية على جزء من الأرض الملاصقة ، جاز للمحكمة إذا رأت محلاً لذلك أن تجبر صاحب هذه الأرض على أن ينزل لجارة عن ملكية الجزء المشغول بالبناء ، وذلك فى نظير تعويض عادل ” . ففى هذه الصورة يلتزم صاحب الأرض بأن ينزل لجاره عن ملكية الجزء المشغول بالبناء ، وهذا التزام مصدره نص فى القانون ، وذلك فى نظير تعويض عادل يلتزم صاحب البناء لصاحب الأرض . ولصاحب الأرض أن يقف تنفيذ التزامه القانونى من اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل ملكية الجزء من الأرض المشغول بالبناء إلى صاحب البناء ، حتى يستوفى منه التعويض العادل .
على أن هناك استثناء واحداً من الأحكام التى قررناها ، وهو استثناء ورد فى آخر الفقرة الثانية من المادة 246 . فإن هذا النص يجعل لحائز الشئ حق حبسه حتى يسترد المصروفات الضرورية أو النافعة التى أنفقها على هذا الشئ ” إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع ” . فالتزم الحائز برد الشئ الذى حازه أو أحرزه قد يكون مصدره العقد ، فيجوز حبسه ، وذلك كالتزام المستأجر برد العين المؤجرة إلى صاحبها عند نهاية الإيجار فيحبس العين حتى يسترد ما أنفق عليها . وقد يكون مصدره رد غير المستحق ، فيجوز أيضاً حبسه ، وذلك كالتزام من تسلم بحسن نية عيناً من غير حق فيلتزم بردها إلى صاحبها وله أن يحبسها حتى يسترد ما أنفق عليها . وقد يكون مصدره العمل غير المشروع ، وهنا لا يجوز حبسه ، وذلك ما إذا اغتصب الحائز العين من صاحبها أو سرقها 1142 منه أو وجدها ضائعة فاستولى عليها ، فإنه لا يجوز له أن يحبسها حتى يستوفى ما أنفق عليها ما دام قد حازها بعمل غير مشروع . بل يجب عليه تسليمها فوراً إلى صاحبها ، ثم يرجع عليه بعد ذلك بما أنفق ( [7] ) . ولكن إذا جاز الشخص عيناً مسروقة أو ضائعة دون أن يكون هو الذى سرقها أو عثر عليها ، لم يكن التزامه برد العين إلى صاحبها مصدره عمل غير مشروع ، ومن ثم جاز له أن يقف تنفيذ الالتزام بالرد حتى يستوفى ما أنفق من المصروفات ( [8] ) .
1143
أما الدين الآخر المقابل للدين الأول ، والذى يحبس من أجله الدين الأول حتى يستوفى هو ، فيجب أن يكون ديناً مدنياً حالاً لم يتم تنفيذه . فإذا كان ديناً طبيعياً لم يجز الحبس من أجله ، وإلا كان فى هذا جبر على تنفيذ الالتزام الطبيعى ، ولا جبر فى تنفيذه كما قدمنا ( [9] ) . وإن كان غير حال ، فلا معنى لحبس الدين الأول إلى حين استيفاء هذا الدين الثانى ما دام استيفاؤه وقت الحبس ليس بواجب ( [10] ) . 1144 ولكن الحق فى الحبس يبقى قائماً حتى لو نفذ الدين الثانى تنفيذا جزئياً ( [11] ) أو تنفيذاً معيباً ، فما لم يكن التنفيذ تنفيذاً كاملاً سليماً جاز حبس الدين الأول . ولكن يجب أن يكون العيب فى التنفيذ عيباً جدياً ، وأن يكون الجزء الباقى بغير تنفيذ جزءاً غير تافه ، وإلا لم يجز الحبس . والقضاء رقيب على كل ذلك ، فإذا ادعى الدائن الحابس أن تنفيذ الدين الذى له هو تنفيذ معيب أو تنفيذ جزئى ، ومن ثم فقد استبقى حقه فى الحبس ، كان للقضاء تقدير العيب فى التنفيذ أو تقدير ما بقى من الالتزام دون تنفيذ للبت فيما إذا كان هذا يبرر استبقاء الدائن لحقه فى الحبس .
وإذا كان الاتفاق أو العرف يقضى بأن يكون تنفيذ الالتزام الثانى تالياً لتنفيذ الالتزام الأول ، لم يجز حبس الالتزام الأول إلى حين تنفيذ الالتزام الثانى . فإذا كان المستأجر ملتزماً بدفع الأجرة مقدماً قبل أن يتسلم العين المؤجرة ، لم 1145 يجز له أن يحبس الأجرة حتى يتسلم العين . وقد جرى العرف أن صاحب الفندق يقدم خدماته للنزيل قبل أن يستوفى الأجر ، فلا يجوز له حبس هذه الخدمات حتى يستوفى أجره . ولكن لا يمنع الدائن من استعمال حق فى الحبس أن يكون المدين قد أجلا قضائياً ( delai de grace ) لتنفيذ دينه ، فإن مثل هذا الأجل – وقد أعطى معونة للمدين – لا يصح أن يكون سبباً فى إسقاط حق دائنه فى الحبس ( [12] ) .
والدين المقابل ، كالدين الأول ، يصبح أن يكون محله عيناً أو ديناً أو عملاً أو امتناعاً عن عمل ، ويصح أن يكون مصدره عقداً أو عملاً غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو نصاً فى القانون . وقد مرت بنا أمثلة على بعض ذلك .
643 – الشرط الثانى – قيام الارتباط ما بين الدينين : ولا يكفى أن يكون هناك دينان متقابلان على النحو الذى بسطناه ، بل يجب أيضاً أن يقوم ارتباط ما بين هذين الدينين ( [13] ) .
والارتباط نوعان : ارتباط قانونى ( connexite juridique ) وارتباط مادى 1146 أو موضوعى ( connexite materielle, objective ) ( [14] ) .
فالارتباط القانونى هو الذى ينشأ عن علاقة قانونية تبادلية ما بين الدينين ، سواء كانت هذه العلاقة تعاقدية أو غير تعاقدية ( [15] ) . ذلك أن الارتباط يوجد ، أول ما يوجد ، ما بين التزامين متبادلين فى عقد ملزم للجانبين . فكل التزام من هذين سبب لالتزام الآخر ، كما تقول النظرية التقليدية فى السبب . وعدم تنفيذ أى التزام منهما قد يؤدى إلى فسخ العقد ، وهو على كل حال يبيح التعاقد الآخر أن يمتنع عن تنفيذ التزامه ، وهذا هو الحق فى الحبس فى صورة الدفع بعدم تنفيذ العقد ( [16] ) . ويبقى الارتباط قائماً على أساس علاقة تبادلية ، حتى لو فسخ العقد أو أبطل ، وأصبح واجباً على كل من المتعاقدين أن يرد للآخر ما أخذه منه ، فكل من هذين الالتزامين مرتبط بالالتزام الآخر ارتباطاً تبادلياً وإن لم تكن العلاقة بعد انحلال العقد علاقة تعاقدية . وينبنى على ذلك أن كلا من الطرفين له أن يمتنع عن رد ما أخذه من الآخر ، حتى يسترد منه ما أعطاه ( [17] ) . 1147 وقد تقوم العلاقة التبادلية على غير عقد أصلاً ، فيقوم الارتباط على أساس هذا التبادل غير التعاقدى . ففى الفضالة – وهى ليست بعقد – التزامات الفضولى والتزامات رب العلم هى التزامات متبادلة ، ومن ثم قام الارتباط فيما بينها ، ويجوز لكل من الطرفين أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى التزامات الطرف الآخر ( [18] ) . وقد تنشأ العلاقة التبادلية من عقد ملزم لجانب واحد ، فتكون علاقة تبادلية تعاقدية . ففى عقد الوديعة يلتزم حافظ الوديعة بردها إلى المودع ، وقد يترتب فى ذمة المودع التزام برد ما أنفق حافظ الوديعة عليها من المصروفات أو بتعويض ما أصاب حافظ الوديعة من الضرر بسبب الوديعة . ففى هذه الحالة تكون هناك علاقة تبادلية تعاقدية نشأ عنها التزامان متقابلان : التزام برد الوديعة فى ذمة حافظ الوديعة ، والتزام برد المصروفات أو بالتعويض عن الضرر فى ذمة المودع . ومن ثم يستطيع حافظ الوديعة أن يحبس التزامه برد الوديعة ، حتى يسترد المصروفات أو يتقاضى التعويض من المودع . ويلاحظ هنا أمران : ( أولهما ) أن عقد الوديعة ليس مصدراً إلا لأحد الالتزامين المتقابلين وهو الالتزام بالرد فى ذمة حافظ الوديعة ، أما الالتزام الآخر – وهو الالتزام برد المصروفات أو الالتزام بالتعويض – فمصدره الإثراء بلا سبب فى حالة المصروفات والعمل غير المشروع فى حالة التعويض . وهذا بخلاف العقد الملزم بالجانبين ، فإنه مصدر كل من الالتزامين المتقابلين اللذين ينشآن عن هذا العقد . ومع ذلك فهناك تقابل واضح ، فى حالة الوديعة ، ما بين الالتزامين المشار إليهما ، مما حمل الفقهاء على القول بأن هناك علاقة تبادلية نشأن عنها الالتزامين المشار إليهما ، مما حمل الفقهاء على القول بأن هناك علاقة تبادلية نشأ عنها الالتزامان المتقابلان ، فالارتباط فيما بينهما ارتباط قانون ( [19] ) . ( والأمر الثانى ) أنه إذا 1148 كان الارتباط هنا ارتباطاً قانونياً ، فهو أيضاً ارتباط موضوعى إذ نشأ التزام المودع برد المصروفات أو بالتعويض بمناسبة الشئ المحبوس وهو الوديعة ، كما سنرى فى الارتباط الموضوعى ، وننتقل الآن إليه ( [20] ) .
فالارتباط الموضوعى أو المادى ينشأ لا عن علاقة تبادلية من بين الدينين ، بل عن وقاعة مادية هى أن الشئ المحبوس – والالتزام برده هو أحد الدينين – قد نشأ بمناسبته ومرتبطاً به ( a l’occation et en connexite ) ( [21] ) الدين الآخر . فالحائز ، إذا لم تكن بينه وبين المالك أية علاقة غير الحيازة ، ملزم برد الشئ الذى فى حيازته إلى المالك . وقد يصبح دائناً للمالك – بمناسبة هذا الشئ وهذه واقعة مادية – بالمصروفات التى أنفقها على الشئ أو التعويض عن الضرر الذى أصابه من الشئ . ومن هنا وجد الارتباط المادى أو الموضوعى ما بين الدينين ، فحق الحائز قد نجم عن الشئ ذاته الذى يجب عليه رده ( debitum cum re junctum ) ، 1149 ومن ثم جاز له أن يحبس هذا الشئ حتى يسترد المصروفات أو يتقاضى التعويض ( [22] ) .
أما إذا لم يقم ما بين الدينين ارتباط قانونى أو ارتباط مادى ، فقد اختل الشرط الثانى للحق فى الحبس ، ولم يجز للدائن استعمال هذا الحق . وبمجرد وجود التزامين متقابلين بين شخصين ، كل منهما دائن للآخر ومدين له ، لا يكفى لوجود ارتباط ما بين هذين الالتزامين كما قدمنا ، وإن كان هنا ميل عند بعض الفقهاء للقول بأن هذا كاف ( [23] ) ، وأن التقابل ما بين الدينين لا الرابطة بينهما هو الذى نقف عنده لإعطاء الدائن الحق فى الحبس ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
1150
على أنه إذا لم يقم بين الدينين ارتباط قانونى أو ارتباط مادى على النحو الذى بسطناه ، فقد يخلق الاتفاق بين الطرفين هذا الارتباط ، فيتفقان على أن الالتزامات المتقابلة فيما بينهما يجمعها كلها حساب جار غير قابل للتجزئة ، فترتبط التزامات كل منهما بالتزامات الآخر ، ويجوز عندئذ لأى منهما أن يحبس ما فى ذمته من التزامات للآخر حتى يستوفى ما له من حقوق عنده . ولكن لما كان مثل هذا الاتفاق أثره مقصور على الطرفين ، فإنه لا يسرى فى حق الغير . وكما يخلق الاتفاق الارتباط ما بين الدينين ، فقد يخلق هذا الارتباط أيضاً نص فى القانون . وقد قضت المادة 369 من التقنين التجارى الألمانى والمادة 895 فقرة ثانية من التقنين المدنى السويسرى بقيام ارتباط ما بين الالتزامات التجارية المتقابلة فيما بين التاجرين .
644 – كيف يستعمل الدائن الحق فى الحبس عند توافر شرطية : واستعمال الدائن الحق فى الحبس ، عند توافر الشرطين اللذين تقدم ذكرهما ، لا يقتضى إعذاراً ولا الحصول على ترخيص من القضاء . بل أن الدائن يقف تنفيذ التزامه نحو مدينه فعلاً ، وليس من الضرورى أن يعرض على المدين تنفيذ هذا الالتزام عرضاً حقيقياً ، وإنما يقتصر على وقف التنفيذ . فإذا قاضاه مدينه ، وضع الأمر كله تحت نظر القضاء ، ويغلب أن يحكم على الدائن بتنفيذ التزامه نحو المدين بشرط أن ينفذ المدين التزامه نحوه . وإذا تعذرت معرفة من هو البادئ فى عدم التنفيذ جاز للقاضى أن يحكم على كل منهما بإيداع ما التزم به خزانة المحكمة أن عند أمين ( [24] ) .
على أنه لا يجوز للدائن أن يتعسف فى استعمال حقه فى الحبس . فلا يصح أن يستعمله بدعوى أن حقه فى ذمة مدينه لم ينفذ تنفيذاً كاملاً أو نفذ تنفيذاً معيباً ، 1151 ثم يتبين أن الجزء الذى لم ينفذ تافه إلى حد لا يعتد به أو أن العيب فى التنفيذ أمر غير ذى خطر ( [25] ) . ولا يصح كذلك للدائن أن يستعمل الحق فى الحبس ، إذا كان هو المتسبب بعشه أو بإهماله فى عدم تنفيذ المدين لالتزامه نحوه . كما لا يصح للدائن أن يستعمل الحق فى الحبس إذا كان هو البادئ فى عدم تنفيذ التزامه ، فحبس المدين من أجل ذلك ما فى ذمته من التزام . كذلك لا يصح للدائن أن يحبس لمدينه ديناً خالياً من النزاع مستحق الأداء حتى يستوفى منه ديناً لا يزال محل نزاع بينهما ، فلا يجوز للمستأجر أن يحبس الأجرة حتى يقوم المؤجر بترميمات ينازع فى أنها واجبة عليه ، ولا يجوز لشركة النور أن تقطع التيار عن المشترك حتى يقوم بدفع زيادة فى الاشتراك هى محل تقاض بينهما ولم ينته القضاء من الفصل فيها ( [26] ) .
المبحث الثانى
تطبيقات على الحق فى الحبس
645 – تطبيقات منصوص عليها فى القانون وتطبيقات غير منصوص عليها – ندرة التطبيقات الأولى : بعد أن وضع التقنين المدنى الجديد قاعدة عمة للحق فى الحبس على النحو الذى بسطناه ، اجتزأ بهذه القاعدة عن التبسيط فى إيراد التطبيقات لهذا الدفع ، خلافاً للتقنين المدنى السابق الذى اعتبر كما رأينا الحبس حقاً عينياً فأورد جميع حالاته على سيبل الحصر .
ومع ذلك فقد أورد التقنين المدنى الجديد بعض تطبيقات فى نصوص متفرقة ، نستعرضها هنا ، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تطبيقات غير منصوص عليها بعد أن أصبح الحق فى الحبس قاعدة عامة لا تحتاج تطبيقاته إلى نصوص خاصة .
1152
وفى كل طائفة من هذه التطبيقات – المنصوص عليها وغير المنصوص – نميز بين تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى ، وأخرى تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى ( [27] ) .
المطلب الأول
تطبيقات منصوص عليها فى القانون
1 – تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى
646 – مبدأ الدفع بعدم تنفيذ العقد : أهم النصوص التى تورد تطبيقاً للحق فى الحبس هو النص الذى يقرر مبدأ الدفع بعد تنفيذ العقد ( exception non adimpleti contractus ) ، فليس هذا المبدأ إلا تطبيقاً من تطبيقات الحق فى الحبس كما سبق القول . وقد نصت المادة 161 من التقنين المدنى على أنه ” فى العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء ، جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به ” .
وقد سبق أن تبسطنا فى شرح هذا المبدأ فى الجزء الأول من هذا الوسيط ، فنكتفى بالإحالة إلى ذلك ( [28] ) ، وننتقل الآن إلى النصوص التى وردت فى التقنين المدنى كتطبيقات خاصة لهذا المبدأ .
647 – حق البائع فى حبس المبيع : نصت المادة 459 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – إذا كان الثمن كله أو بعضه يستحق الدفع فى الحال ، للبائع 1153 أن يحبس المبيع حتى يستوفى ما هو مستحق له ولو قدم المشترى رهناً أو كفالة ، هذا ما لم يمنح البائع المشترى أجلاً بعد البيع . 2 – وكذلك يجوز للبائع أن يحبس المبيع ولو لم يحصل الأجل المشترط لدفع الثمن إذا سقط حق المشترى فى الأجل طبقاً لأحكام المادة 273 ” . ونصت المادة 460 على أنه ” إذا هلك المبيع فى يد البائع وهو حابس له ، كان الهلاك على المشترى ، ما لم يكن المبيع قد هلك بفعل البائع ” . وفى هذه النصوص تطبيق هام للحق فى الحبس متمثلاً فى الدفع بعدم تنفيذ العقد . فهناك دينان متقابلان تقابلا تبادليا ، دين البائع فى تسليم المبيع للمشترى ودين المشترى فى دفع الثمن للبائع . ودين للبائع حبس المبيع حتى يستوفى الثمن . وهذا بخلاف ما إذا كان الثمن حالاً ثم منح البائع المشترى أجلاً بعد البيع ، فيفرض القانون أن البائع بمنحه المشترى هذا الأجل قد نزل عن حقه فى الحبس ، فيسقط حقه فى حبس المبيع ، إلا إذا اشترط غير ذلك ، وعليه هو يقع عبء إثبات ما اشترط ( [29] ) .
وفى هذا التطبيق الخاص خرج المشرع على الأصل الذى سنراه يقرره فى الحق فى الحبس بوجه عام ، فلم يجز للمشترى أن يسقط حق البائع فى حبس المبيع إذا هو قدم رهناً أو كفالة ، وذلك لاعتبارات خاصة بالبيع ، فإن المبيع نفسه مثقل بامتياز للبائع ، فليس البائع فى حاجة إلى مزيد من الضمان ، وإنما هو فى حاجة إلى استيفاء حقه .
ونرى أيضاً فى هذا التطبيق الخاص أن المشرع قد أورد حكماً من أحكام الحق فى الحبس هو الحكم المتعلق بهلاك الشئ المحبوس فى يد الحابس ، فإن كان الهلاك بفعله كان مسئولاً عن التعويض ، وإن كان بسبب أجنبى فهو على المالك ، والمالك هو المشترى ( [30] ) .
648 – حق المشترى فى حبس الثمن : نصت المادة 457 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – يكون الثمن مستحق الوفاء فى الوقت الذى يسلم فيه المبيع ، 1154 ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضى بغير ذلك . 2 – فإذا تعرض أحد للمشترى مستنداً إلى حق سابق على البيع أو آيل من البائع ، أو إذا خيف على المبيع أن ينزع من يد المشترى ، جاز له ، ما لم يمنعه شرط فى العقد ، أن يحبس الثمن حتى ينقطع التعرض أو يزول الخطر . ومع ذلك يجوز للبائع فى هذه الحالة أن يطالب باستيفاء الثمن على أن يقدم كفيلاً . 3 – ويسرى حكم الفقرة السابقة فى حالة ما إذا كشف المشترى عيباً فى البيع ” . وهذا تطبيق آخر للحق فى الحبس متمثلاً فى الدفع بعدم تنفيذ العقد . ونرى فيه المشترى ، وهو مدين بالثمن والدين حال ، يتعرض له أجنبى مستنداً إلى حق سابق على البيع أو آيل من البائع ، أو يخشى هو على المبيع أن ينزع من يده لأسباب جدية ، أو يكشف عن عيب فى المبيع . فى كل هذه الأحوال يكون البائع ملزماً بالضمان ، فيجب عليه أن يمنع التعرض أو يزيل الخطر أو يعوض عن العيب . فهذا دين فى ذمة البائع قد أصبح مستحق الأداء ، يقابله ويرتبط به ارتباطاً تبادلياً الدين الذى فى ذمة المشترى بدفع الثمن . فيجوز إذن للمشترى أن يحبس الثمن حتى يستوفى حقه من البائع ، أى حتى ينقطع التعرض أو يزول الخطر أو يتقاضى المشترى تعويضاً عن العيب .
ويلاحظ هنا أن الشئ المحبوس ليس عيناً معينة بالذات مملوكة للطرف الآخر ، بل هو دين فى ذمة الحابس نفسه يمتنع عن أدائه ( [31] ) .
ويلاحظ أيضاً أن المشرع هنا رجع إلى تطبيق القواعد العامة فى الحبس ، عند ما أجاز للبائع أن يسقط حق المشترى فى حبس الثمن إذا هو قدم كفيلاً .
649 – حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة فى مواجهة كل من المؤجر والمشترى للعين : نصت المادة 605 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – لا يجوز لمن انتقلت إليه ملكية العين المؤجرة ولم يكن الإيجار نافذاً فى حقه أن يجبر المستأجر على الإخلاء إلا بعد التنبيه عليه بذلك فى المواعيد المبينة فى المادة 563 . 2 – فإذا نبه على المستأجر بالإخلاء قبل انقضاء الإيجار ، فإن المؤجر يلتزم بأن يدفع للمستأجر تعويضاً ما لم يتفق على غير ذلك ، ولا يجبر المستأجر 1155 على الإخلاء إلا بعد أن يتقاضى التعويض من المؤجر أو ممن انتقلت إليه الملكية نيابة عن المؤجر أو بعد أن يحصل على تأمين كاف للوفاء بهذا التعويض ” . وهذا تطبيق ثالث للحق فى الحبس متمثلاً أيضاً فى الدفع بعد تنفيذ العقد . ذلك أن المؤجر قد التزم بعقد الإيجار أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة طول مدة الإيجار ، وقد أخل بالتزامه بأن باع العين إلى مشتر لا ينفذ الإيجار فى حقه ، فوجب عليه التعويض للمستأجر بموجب عقد الإيجار نفسه . فهنا إذن دينان متقابلان مرتبطان فيما بينهما لأنها نشآ معاص من عقد الإيجار على وجه التبادل : دين المؤجر أن يدفع تعويضاً للمستأجر لإخلاله بالتزامه ، ودين المستأجر أن يرد العين المؤجرة إلى المؤجر أو خلفه المشترى . فيجوز إذن للمستأجر أن يحبس العين حتى يستوفى التعويض . وهذا الحق فى الحبس ليس نافذاً فحسب فى حق المؤجر ، بل هو نافذ أيضاً فى حق الخلف الخاص للمؤجر وهو المشترى للعين المؤجرة ( [32] ) . فيجوز إذن للمستأجر أن يبقى حابساً للعين المؤجرة حتى فى مواجهة المشترى ، إلى أن يستوفى التعويض إما من المؤجر ، وإما من المشترى نفسه نيابة عن المؤجر إذا أراد المشترى أن يتعجل تسلم العين التى اشتراها ( [33] ) .
وهنا أيضاً يطبق المشرع القواعد العامة فى الحبس ، عندما يسقط حق المستأجر فى حبس العين إذا هو حصل ، من المؤجر أو من المشترى ، على تأمين كاف للوفاء بالتعويض المستحق له .
1156
650 – حق المستأجر فى حبس العين لاستيفاء ما يستحق من التعويض بسبب إنهاء الإيجار قبل انقضاء مدته : نصت المادة 608 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – إذا كان الإيجار معين المدة ، جاز لكل من المتعاقدين أن يطلب إنهاء العقد قبل انقضاء مدته إذا جدت ظروف خطيرة غير متوقعة من شأنها أن تجعل تنفيذ الإيجار من مبدأ الأمر أو فى أثناء سريانه مرهقاً ، على أن يراعى من يطلب إنهاء العقد مواعيد التنبيه بالإخلاء المبنية بالمادة 563 ، وعلى أن يعوض الطرف الآخر تعويضاً عادلاً . 2 – فإذا كان المؤجر هو الذى يطلب إنهاء العقد ، فلا يجبر المستأجر على رد العين المؤجرة حتى يستوفى التعويض أو يحصل على تأمين كاف ” . وهذا هو أيضاً تطبيق تشريعى للحق فى الحبس . والدينان المتقابلان القائمان على علاقة تبادلية هما : دين المؤجر فى إعطاء تعويض للمستأجر لإنهاء عقد الإيجار قبل انقضاء مدته ، ودين المستأجر فى رد العين إلى المؤجر . فللمستأجر إذن أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفى حقه فى التعويض ، أو حتى يحصل على تأمين كاف للوفاء بهذا الحق . وليس هذا إلا مجرد تطبيق لأحكام الحبس .
2 – تطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى
651 – حق الحائز فى حبس العين لاسترداد ما أنفقه عليها من المصروفات : نصت الفقرة الثانية من المادة 246 من التقنين المدنى ، كما رأينا ، على ما يأتى : ” ويكون ذلك ( أى الامتناع عن الوفاء ) بوجه خاص لحائز الشئ أو محرزه ، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشئ حتى يستوفى ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع ” . وهذا هو التطبيق الرئيسى للحق فى الحبس القائم على الارتباط المادة أو الموضوعى .
ويجب الرجوع ، فى تحديد الدينين المتقابلين فى هذا التطبيق ، إلى الفقرتين الأولى والثانية من المادة 980 ، فقد نصتا على ما يأتى : ” 1 – على المالك الذى يرد إليه ملكه أن يؤدى إلى الحائز جميع ما أنفقه من المصروفات الضرورية . 2 – أما المصروفات النافعة فيسرى فى شأنها أحكام المادتين 924 و 925 ” . 1157 وهاتان المادتان المشار إليها فى آخر الفقرة الثانية تميزان بين ما إذا كان الحائز الذى أنفق مصروفات نافعة على العين التى حازها كان حسن النية ، أى كان يعتقد عندما أنفق هذه المصروفات أن العين مملوكة له ، أو سيئ النية . فإذا كان حسن النية ، كان له أن ينزع ما أحدثه فى العين أو يبقيه ، ويخير المالك فى حالة الإبقاء بين أن يرد للحائز المصروفات التى أنفقها أو أن يدفع مبلغاً يساوى ما زاد فى ثمن العين بسبب هذه المصروفات ( م 925 فقرة أولا مدنى ) . أما إذا كان سئ النية ، فللمالك أن يطلب إزالة ما أحدثه الحائز فى العين على نفقة الحائز مع التعويض إن كان له وجه ، أو أن يستبقيه ويخير فى هذه الحالة بين دفع قيمته مستحق الإزالة أو دفع مبلغ يساوى ما زاد فى ثمن العين بسبب هذه المصروفات ( م 924 فقرة أولى مدنى ) . ونرى من ذلك أن الحائز ( [34] ) ، إذا أنفق مصروفات ضرورية على العين ، كان له أن يستردها جميعاً من المالك ، سواء كان هو حسن النية أو سيئها . وإذا أنفق مصروفات نافعة ، فإن كان حسن النية ، كان على المالك أن يرد له أقل القيمتين : مقدار هذه المصروفات أو الزيادة فى ثمن العين بسببها . وإن كان سيئ النية ، كان على المالك أن يرد له أقل القيمتين ، الزيادة فى ثمن العين بسبب المصروفات أو قيمة ما استحدث فى العين مستحق الإزالة . ففى جميع الأحوال يكون هناك دينان متقابلان : ( 1 ) دين على المالك للحائز هو رد قيمة من القيم سالفة الذكر فى نظير ما أنفق الحائز من مصروفات على العين ( [35] ) . ومصدر هذا الدين هو الإثراء بلا سبب . ( 2 ) دين على الحائز للمالك هو رد العين إليه ، ومصدر هذا الدين قد يكون الإثراء بلا سبب لأن الحائز يثرى على حساب المالك لو استبقى العين ، وقد يكون العقد كما فى حيازة الدائن المرتهن للعين التى ارتهنها رهن حيازة فإنه يجب عليه ردها للمالك بموجب عقد الرهن ، 1158 وقد يكون العمل غير المشروع كما لو اغتصب الحائز العين من مالكها أو سرقها أو استولى عليها وهى ضائعة ، وقد يكون القانون كما فى حيازة الوصى لأعيان القاصر فإنه يجب عليه ردها عند انتهاء الوصاية بحكم القانون . ففى هذه الأحوال – عدا حالة ما إذا كان التزام الحائز بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع كما سبق القول – تتوافر شروط نشوء الحق فى الحبس ، إذ يوجد دينان متقابلان ، وهما مرتبطان أحدهما بالآخر ، فالدين برد المصروفات قد نشأ بمناسبة العين الواجبة الرد . فيجوز إذن للحائز أن يحبس العين حتى يسترد المصروفات على النحو الذى تقدم ذكره ( [36] ) .
وقد قام خلاف ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، فيما إذا كان الحائز سيئ النية له الحق فى حبس العين ( [37] ) . فحسم التقنين المدنى الجديد هذا الخلاف ، 1159 إذا أعطى الحق الحبس للحائز مطلقاً ، حسن النية كان أو سيئ النية ، وإن يكن التعويض المستحق للحائز سيئ النية أقل من التعويض المستحق للحائز حسن النية على الوجه الذى تقدم بيانه .
هذا وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 980 من التقنين المدنى على ما يأتى : ” فإذا كانت المصروفات كمالية ، فليس للحائز أن يطالب بشئ منها ، ومع ذلك يجوز له أن ينزع ما استحدثه من منشآت على أن يعيد الشئ إلى حالته الأولى ، إلا إذا اختار المالك أن يستبقيها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة ” . ونرى من ذلك النص أن الحائز ، سواء كان حسن النية أو سيئها ، إذا أنفق مصروفات كمالية ، فليس له أن يتقاضى عنها تعويضاً . وليس له إلا أن ينزع ما استحدثه من منشآت على نفقته ، على أن يعيد الشئ إلى حالته الأولى ، وإن تعذر ذلك فعليه أن يدفع تعويضاً عما أحدثه من الضرر . وللمالك أن يلزمه بنزع ما استحدثه على نفقته ، مع إعادة الشئ إلى حالته الأولى والتعويض إن كان له مقتضى . وللمالك أيضاً أن يستبقى ما استحدثه الحائز ، وعند ذلك يلتزم بدفع قيمته مستحق الإزالة . ونرى – وإن كانت الفقرة الثانية من المادة 246 لم يتناول نصها هذه الحالة – أن المالك إذا استبقى ما استحدثه الحائز فى مقابل دفع قيمته مستحق الإزالة ، كان الارتباط المادة قائماً ما بين الدينين المتقابلين ، وجاز للحائز أن يحبس العين حتى يستوفى من المالك حقه . وليس هذا إلا تطبيقاً للقاعدة العامة الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 246 ، وإذا كانت الفقرة الثانية من هذه المادة لم تتناول هذه الحالة ، فذلك لأنه يغلب فى المصروفات الكمالية أن تنزع أو أن تترك دون تعويض ، فلم يعرض لها النص كما عرض للمصروفات الضرورية والمصروفات النافعة ( [38] ) .
1160
ونصت المادة 982 من التقنين المدنى على أنه ” يجوز للقاضى بناء على طلب المالك أن يقرر ما يراه مناسباً للوفاء بالمصروفات المنصوص عليها فى المادتين السابقتين ، وله أن يقضى بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة . . ” . فإذا قضت المحكمة بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة . . . ” . فإذا قضت المحكمة بأن يكون الوفاء على أقساط دورية ، فقد أصبح الدين غير حال ، ويترتب على عدم حلول الدين أن يفقد الدائن حقه فى حبس العين ، لأنه لا يجوز له الحبس إلا فى دين حال كما قدمنا . ويفارق التقسيط الممنوح من القاضى الأجل الذى يمنحه القاضى فى الحالات العادية ( delai de grace ) – وهذا الأجل الأخير لا يمنع من الحبس كما رأينا – فى أن الغرض المقصود بالتقسيط هو ألا يرهق المالك بدفع مبلغ جسيم من المال دفعة واحدة ، فقسط عليه التعويض تيسيراً له ، وليس من التيسير أن يحرم من ملكه ويبقى الحائز حابساً له حتى يستوفى القسط الأخير . على أن النص يقضى بأن هذا التقسيط الذى يمنحه القاضى مشروط بتقديم الضمانات اللازمة ، وقد رأينا أن القواعد العامة للحبس تسقط الحق فيه إذا قدمت هذه الضمانات . فللمالك إذن أن يسترد ملكه من الحائز ، أما لأن الدين الذى فى ذمته غير حال ، وإما لأنه يكون قد قدم ضمانات كافية للوفاء بهذا الدين .
652 – حق صاحب العلو فى حبس السفل بعد أن يعيد بناءه : وهذه حالة تقوم على فكرة أن المصروفات التى أنفقت كانت ضرورية ، لا فى حفظ الشئ ، بل فيما هو أبعد مدى من ذلك : فى إنشاء الشئ ، مرة أخرى . فإذا كان هناك بناء ، له صاحب للعلو وصاحب للسفل ، وانهدم ، وجب أن يبدأ صاحب السفل فى إعادة بناء سلفه ، حتى يتمكن صاحب العلو من إعادة بناء علوه . فإذا امتنع صاحب السفل من إعادة بناء سفله ، وطلب صاحب العلو أن يعيد هو بناء السفل ، جاز له أن يفعل ذلك على نفقة صاحب السفل ، وله أن يحبس السفل حتى يستوفى حقه من صاحبه . وقد نصت المادة 860 من التقنين المدنى على هذا الحكم فى العبارات الآتية : ” 1 – إذا انهدم البناء وجب على صاحب السفل أن يعيد بناء سفله . فإذا امتنع ، جاز للقاضى أن يأمر ببيع السفل ، إلا إذا طلب صاحب العلو أن يعيد هو بناء السفل على نفقة صاحبه . 2 – وفى الحالة الأخيرة يجوز لصاحب العلو أن يمنع صاحب السفل من السكنى 1161 والانتفاع حتى يؤدى ما فى ذمته ، ويجوز له أيضاً أن يحصل على إذن فى إيجار السفل أو سكناه استيفاء لحقه ” .
ويلاحظ أن الحق فى الحبس هنا قد يقترن ، بإذن من القاضى ، بأن ينتفع الحابس بالعين المحبوسة أو بأن يستغلها حتى يستوفى حقه من ثمرتها ، وهذا استثناء من القواعد العامة للحق فى الحبس ، كما سنرى ، تبرره ظروف الحالة التى نحن بصددها .
المطلب الثانى
تطبيقات غير منصوص عليها فى القانون
653 – تطبيقات تذكر لا على سبيل الحصر : ولما كانت القاعدة العامة فى الحبس الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 246 قد أغنيت المشرع فى التقنين المدنى الجديد عن الإكثار من إيراد التطبيقات ، فقد اقتصر هذا التقنين على التطبيقات التشريعية التى أسلفنا ذكرها ، وترك الباقى للقاعدة العامة . فنستعرض بعض تطبيقات لم يرد فيها نصر فيكتفى فيها بأعمال القاعدة العامة ، وغنى عن البيان أن هذه التطبيقات لا نذكرها هنا على سبيل الحصر ، إذ توجد تطبيقات أخرى كثيرة غيرها لا يمكن حصرها ، ويكفى فيها تطبيق القاعدة العامة فى الحبس .
ونترك جانباً حق الحبس فى رهن الحيازة ، فهذا قد نظمه القانون ( [39] ) وهو يختلف عن الحبس الذى نحن بصدده فى أنه يقترن بحق عينى هو حق الرهن ، ومكان دراسته فى الرهن الحيازى . كذلك نترك جانباً حقوق الامتياز التى تقوم على فكرة الرهن ، فترتب حقاً فى الحبس مصحوباً بحق امتياز ، وذلك كحق امتياز المؤجر ( [40] ) وحق امتياز صاحب الفندق ( [41] ) ، فهذه مكان دراستها فى حقوق الامتياز .
1162
ونميز هنا أيضاً ، كما فعلنا فيما تقدم ، بين تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى وتطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى .
1 – تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى
654 – حق المؤجر فى حبس العين المؤجرة وحق المستأجر فى حبس الأجرة : فى عقد الإيجار ، وهو عقد ملزم للجانبين ، إذا لم يستوف المؤجر الأجرة الحالة كان له أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفيها ( [42] ) . وهذا تطبيق لمبدأ الدفع بعد تنفيذ العقد ، أى للحق فى الحبس ، لم يرد فيه نص ليس فى حاجة إليه .
والذى يقف النظر عنده فى هذا التطبيق أن العين المحبوسة هى ملك للدائن الحابس ، فالمؤجر يحبس العين التى آجرها وهى فى الكثرة الغالبة من الأحوال ملكه . وقد كان هذا التطبيق ، باعتباره تطبيقاً للحق فى الحبس ، يبدو غير مستقيم فى عهد التقنين المدنى السابق الذى كان يعد حق الحبس حقاً عينياً ، إذ المالك لا يكون له حق عينى على ملك نفسه غير حق الملكية ( [43] ) . أما فى التقنين المدنى الجديد ، حيث الحق فى الحبس لا يعتبر حقاً عينياً بل هو مجرد دفع بعدم التنفيذ ، فالتطبيق مستساغ معقول .
كذلك للمستأجر ، لنفس الأسباب المتقدمة ، أن يحبس الأجرة حتى يتسلم العين المؤجرة ، إذا لم يكن مشترطاً تعجيل الأجرة قبل تسليم العين .
655 – حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة للتحسينات التى استحدثها : نصت المادة 592 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – إذا أوجد المستأجر فى العين المؤجرة بناء أو غراساً أو غير ذلك من التحسينات مما يزيد فى قيمة العقار ، التزم المؤجر أن يرد للمستأجر عند انقضاء الإيجار ما أنفقه فى هذه التحسينات 1163 أو ما زاد فى قيمة العقار ، ما لم يكن هناك اتفاق يقضى بغير ذلك . 2 – فإذا كانت تلك التحسينات قد استحدثت دون علم المؤجر أو رغم معارضته ، كان له أيضاً أن يطلب من المستأجر إزالتها ، وله أن يطلب فوق ذلك تعويضاً عن الضرر الذى يصيب العقار من هذه الإزالة إن كان للتعويض مقتض . 3 – فإذا اختار المؤجر أن يحتفظ بهذه التحسينات فى مقابل رد إحدى القيمتين المتقدم ذكرهما ، جاز للمحكمة أن تنظره إلى أجل للوفاء بها ” . فهذا النص يميز بين ما إذا كان المستأجر قد استحدث التحسينات بعلم من المؤجر ومن غير معارضة منه ، دون أن يكون بينهما اتفاق ، أو استحدثها دون علم المؤجر أو رغم معارضته . ففى الحالة الأولى يخير المؤجر فى أن يدفع للمستأجر إما ما أنفقه هذا فى التحسينات وإما ما زاد فى قيمة العقار بسببها ، وللمستأجر ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ومن غير حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفى من المؤجر إحدى القيمتين المشار إليهما . وفى الحالة الثانية يكون المؤجر بالخيار بين طلب إزالة التحسينات مع التعويض إن كان له مقتض ، وبين استبقاء هذه التحسينات فى مقابل رد إحدى القيمتين المتقدم ذكرهما . فإذا استبقى التحسينات ووجب عليه رد إحدى القيمتين إلى المستأجر ، كان لهذا ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ومن غير حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفى ما له فى ذمة المؤجر . فإذا نظر المؤجر إلى أجل ، تطبيقاً للفقرة الثالثة من المادة 592 ، لم يعد للمستأجر الحق فى حبس العين لأن الدين المقابل أصبح غير حال ، قياساً على ما قدمناه فى حالة ما إذا قضت المحكمة بأن يكون الوفاء بالمصروفات للحائز على أقساط دورية وفقاً للمادة 982 ( [44] ) .
656 – حق المتقايض فى حبس ما قايض به : فى عقد المقايضة يلتزم كل من المتقايضين أن يسلم للآخر الشئ الذى قايض به ، وتسرى على المقايضة أحكام البيع ( م 485 مدنى ) . فيجوز إذن لكل من المتقايضين ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ، أن يحبس الشئ الذى قايض به حتى يقبض الشئ الذى قايض عليه . ولما كانت أحكام البيع تسرى على المقايضة ، فإن الأحكام المتعلقة 1164 بحبس البائع للمبيع ، وقد تقدم ذكرها ، تنطبق هنا ( [45] ) .
657 – حق الواهب فى حبس الهبة وحق الموهوب له فى حبس العوض : نصت المادة 497 من التقنين المدنى على أن ” يلتزم الموهوب له بأداء ما اشترط عليه من عوض ، سواء اشترط هذا العوض لمصلحة الواهب أم لمصلحة أجنبى أم للمصلحة العامة ” . فهنا التزامان متقابلان مرتبطان أحدهما بالآخر ارتباطاً تبادلياً : التزام الواهب بتسليم العين الموهوبة ، والتزام الموهوب له بتسليم العوض . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس الالتزام الذى فى ذمته حتى يقوم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما فى ذمته من التزام .
675 – حق المقاول فى حبس العمل وحق رب العمل فى حبس الأجرة : نصت المادة 656 من التقنين المدنى على أنه ” يستحق دفع الأجرة عند تسلم العمل ، إلا إذا قضى العرف أو الاتفاق بغير ذلك ” . فهنا التزامان متقابلان يرتبط أحدهما بالآخر ارتباطاً تبادلياً : التزام المقاول بتسليم العمل ، والتزام رب العمل بدفع الأجرة . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [46] ) ، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يستوفى حقه من المتعاقد الآخر ( [47] ) .
1165
659 – حق الموكل فى حبس الأجرة والتعويض وحق الوكيل فى حبس ما للموكل فى ذمته : نصت المادة 710 من التقنين المدنى على ما يأتى : ” على الموكل أن يرد للوكيل ما أنفقه فى تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد مع الفوائد من وقت الإنفاق ، وذلك مهما كان حظ الوكيل من النجاح فى تنفيذ الوكالة ” . ونصت المادة 711 على أن ” يكون الموكل مسئولاً عما أصاب الوكيل من ضرر دون خطأ منه سبب تنفيذ الوكالة تنفيذاً معتاداً ” . ونصت المادة 706 على أنه ” 1 – ليس للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه . 2 – وعليه فوائد المبالغ التى استخدمها لصالحه من وقت استخدامها ، وعليه أيضاً فوائد ما تبقى فى ذمته من حساب الوكالة من وقت أن يعذر ” . فهذه التزامات متقابلة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً تبادلياً ومصدرها جميعاً عقد واحد ملزم للجانبين هو عقد الوكالة ( [48] ) . فيجوز إذن ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [49] ) ، لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه من المتعاقد الآخر ( [50] ) .
660 – حق المستعير فى حبس العارية وحق المعير فى حبس ما فى ذمته للمستعير : نصت المادة 637 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – إذا اضطر المستعير إلى الإنفاق للمحافظة على شئ أثناء العارية ، التزم المعير أن يرد إليه ما أنفقه من المصروفات . 2 – أما المصروفات النافعة فتتبع فى شأنها الأحكام الخاصة بالمصروفات التى ينفقها من يحوز الشئ وهو سيئ النية ” . ونصت الفقرة الثانية من المادة 638 على ما يأتى : ” ولا ضمان عليه ( على المعير ) كذلك فى العيوب الخفية ، غير أنه إذا تعمد إخفاء العيب أو ضمن سلامة الشئ منه ، لزمه تعويض المستعير 1166 عن كل ضرر يسببه ذلك ” . ونصت الفقرة الأولى من المادة 642 على أنه ” متى انتهت العارية وجب على المستعير أن يرد الشئ الذى تسلمه بالحالة التى يكون عليها ، وذلك دون إخلال بمسئوليته عن الهلاك أو التلف ” . فهذه أيضاً التزامات متقابلة يرتبط بعضها ببعض ، فعلى المستعير أن يرد العارية عند انتهاء العقد ، وعلى المعير أن يعوض المستعير عن المصروفات وعن العيوب الخفية على النحو المبين فى النص . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [51] ) ، أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه ، وبوجه خاص يجوز للمستعير أن يحبس العارية حتى يستوفى ما فى ذمة المعير بسب المصروفات أو بسبب العيوب الخفية .
661 – حق حافظ الوديعة فى حبسها وحق المودع فى حبس ما فى ذمة لحافظ الوديعة : نصت المادة 725 من التقنين المدنى على ما يأتى : ” على المودع أن يرد إلى المودع عنده ما أنفقه فى حفظ الشئ ، وعليه أن يعوضه كل ما لحقه من خسارة بسبب الوديعة ” . ونصت المادة 722 على أنه ” يجب على المودع عنده أن يسلم الشئ إلى المودع بمجرد طلبه ، إلا إذا ظهر من العقد أن الجل عين لمصلحة المودع عنده . وللمودع عنده أن يلزم المودع بتسلم الشئ فى أى وقت ، إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع ” . فهنا أيضاً التزامات متقابلة يرتبط بعضها ببعض ، فعلى حافظ الوديعة أن يرد الوديعة ، وعلى المودع أن يعوض حافظ الوديعة عن المصروفات وعما لحق هذا من خسارة بسبب الوديعة . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه ، ومن ثم يجوز لحافظ الوديعة أن يحبس العين المودعة حتى يسترد المصورفات أو يقاضى التعويض بحسب الأحوال .
1167
662 – الحبس فى حالة إبطال العقد أو فسخه : نصت المادة 142 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – فى حالتى إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، فإذا كان هذا مستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل . 2 – ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته ، أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد ” . ونصت المادة 160 على أنه ” إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بتعويض ” . ففى جميع هذه الأحوال تكون هناك التزامات متقابلة ارتبط بعضها ببعض ، وقد نشأت عن انحلال الرابطة التعاقدية إما بالإبطال أو بالفسخ ، فوجب على كل من الطرفين أن يرد للطرف الآخر ما أخذه منه بسبب تنفيذ العقد . ومن ثم يجوز لكل من الطرفين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [52] ) ، أن يحبس ما فى يده للطرف الآخر حى يسترد ما له فى يد هذا الطرف ( [53] ) .
وتطبيقاً لما تقدم نصت المادة 468 من التقنين المدنى ، فى بيع ملك الغير ، على أنه ” إذا حكم للمشترى بإبطال البيع وكان يجعل أن المبيع غير مملوك للبائع ، فله أن يطالب بتعويض ولو كان البائع حسن النية ” . فيجوز إذن للمشترى أن يحبس المبيع عن البائع حتى يستوفى هذا التعويض ( [54] ) . ونصت المادة 503 ، فى الهبة ، على أنه ” 1 – يترتب على الرجوع فى الهبة بالتراضى أو بالتقاضى أن تعتبر الهبة 1168 كأن لم تكن . 2 – ولا يرد الموهوب له الثمرات إلا من وقت الاتفاق على الرجوع أو من وقت رفع الدعوى ، وله أن يرجع بجميع ما أنفقه من مصروفات ضرورية ، أما المصروفات النافعة فلا يجاوز فى الرجوع بها القدر الذى زاد فى قيمة الشئ الموهوب ” . ويتبين من ذلك أن الموهوب له ، بعد الرجوع فى الهبة ، يلتزم برد الشئ الموهوب مع ثمراته ، ويلتزم الواهب برد المصروفات التى أنفقها الموهوب له ، وكل لذلك على الوجه المبين فى النص . فيجوز لكل من الطرفين أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يتقاضى ما له من حقوق ، ويجوز بوجه خاص أن يحبس الموهوب له العين الموهوبة حتى يسترد ما أنفقه من المصروفات .
663 – الحبس فى حالة الفضالة : نصت المادة 193 من التقنين المدنى على أن ” يلتزم الفضولى بما يلتزم به الوكيل من رد ما استولى عليه بسب بالفضالة ، وتقديم حساب عما قام به ” . ونصت المادة 195 على أن ” يعتبر الفضولى نائباً عن رب العمل ، متى كان قد بذل فى إدارته عناية الشخص العادى ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة . وفى هذه الحالة يكون رب العمل ملزماً أن ينفذ التعهدات التى عقدها الفضولى لحسابه ، وأن يعوضه عن التعهدات التى التزم بها ، وأن يرد له النفقات الضرورية والنافعة التى سوغتها الظروف مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها ، وأن يعوضه عن الضرر الذى لحقه بسبب قيامه بالعمل ، ولا يستحق الفضولى أجراً على عمله إلا أن يكون من أعمال مهنته ” . ويتبين من ذلك أن هناك التزامات متقابلة ما بين الفضولى ورب العمل قد ارتبط بعضها ببعض ، ونشأت كلها من علاقة تبادلية غير تعاقدية . فالفضولى يلتزم برد 1169 ما استولى عليه بسبب الفضالة وبتقديم حساب عما قام به ، ورب العمل يلتزم بتعويض الفضولى عن التعهدات التى التزم بها وعن النفقات التى سوغها الظروف وعن الضرر الذى لحقه بسبب قيامه بأعمال الفضالة . ومن ثم يجوز لكل من الطرفين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه من الطرف الآخر ( [55] ) .
2 – تطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى
664 – الحبس فى حالات الالتصاق : سبق الكلام فى حق الحائز فى حبس العين لاسترداد ما أنفقه عليها من المصروفات ( [56] ) . فإذا كان هذا الحائز أقام على أرض الغير منشآت ، فقد تكفلت المواد 924 إلى 926 من التقنين المدنى ببيان الحكم فى ذلك ، مميزة بين ما إذا كان الحائز حسن النية أو سيئ النية . فإذا كان حسن النية ، خبر صاحب الأرض بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل أو أن يدفع مبلغاً يساوى ما زاد فى ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت . وإذا كان الحائز سيئ النية ، كان لصاحب الأرض أن يطلب إزالة المنشآت ، أو أن يستبقها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة أو دفع مبلغ يساوى ما زاد فى ثمن الأرض . ففى الحالات التى يستبقى فيها صاحب الأرض المنشآت مقابل دفع قيمة من القيم السالفة الذكر ، يكون هناك دينان متقابلان يرتبط كل منهما بالآخر ارتباطاً مادياً ، فعلى الحائز أن يرد الأرض لصاحبها ، وعلى صاحب الأرض أن يدفع للحائز القيمة التى اختار دفعها له . فيجوز إذن لكل 1170 من الطرفين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يتقاضى حقه ، وبخاصة يجوز للحائز أن يحبس الأرض عن صاحبها حتى يتقاضى منه التعويض المستحق .
665 – حبس المشترى للعين المؤجرة : نصت المادة 946 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – إذا بنى المشترى فى العقار المشفوع أو غرس فيه أشجاراً قبل إعلان الرغبة فى الشفعة ، كان الشفيع ملزماً تبعاً لما يختاره المشترى أن يدفع له إما المبلغ الذى أنفقه أو مقدار ما زاد فى قيمة العقار بسب البناء أو الغراس . 2 – وأما إذا حصل البناء أو الغراس بعد إعلان الرغبة فى الشفعة ، كان للشفيع أن يطلب الإزالة . فإذا اختار أن يستبقى البناء أو الغراس ، فلا يلزم إلا بدفع قيمة أدوات البناء وأجرة العمل أو نفقات الغراس ” . ويتبين من النص أنه يجب التمييز بين ما إذا كان المشترى بنى أو غرس قبل إعلان الرغبة فى الشفعة ، أو بعد إعلان هذه الرغبة . ففى الحالة الأولى يكون المشترى حسن النية ، أو بعد إعلان هذه الرغبة . ففى الحالة الأولى يكون المشترى حسن النية ، فله الخيار فى أن يسترد من الشفيع إما المبلغ الذى أنفقه فعلاً أو ما زاد فى قيمة العقار . وفى الحالة الثانية يكون المشترى سيئ النية ، ومن ثم يكون للشفيع طلب الإزالة ، وله استبقاء البناء أو الغراس مقابل دفع قيمة أدوات البناء وأجرة العمل أو نفقات الغراس . فهناك إذن التزامات متقابلة مترابطة ترابطاً مادية ، فعلى المشترى أن يرد العين المشفوع فيها إلى الشفيع ، وعلى الشفيع أن يرد إلى المشترى فى مقابل البناء أو الغراس إحدى القيم السالفة الذكر . فيجوز إذن للمشترى ، طبقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المشفوع فيها حتى يستوفى القيمة المستحقة .
666 – حق المشترى فى حبس المنقول المسروق أو الضائع : نصت المادة 977 من التقنين المدنى على أنه ” 1 – يجوز لمالك المنقول أو السند لحامه ، إذا فقده أو سرق منه ، أن يسترده ممن يكون حائزاً له بحسن نية ، وذلك خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة . 2 – فإذا كان من يوجد الشئ المسروق أو الضائع فى حيازته قد اشتراه بحسن نية فى سوق أو مزاد علنى أو اشتراه ممن يتجر فى مثله ، فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشئ أن يعجل له 1171 الثمن الذى دفعه ” . ويتبين من هذا النص أن من يشترى بحسن نية شيئاً مسروقاً أو ضائعاً فى سوق أو مزاد علنى أو ممن يتجر فى مثله لا يلزم برد الشئ إلى مالكه إلا إذا طلبه المالك خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع و السرقة ورد للمشترى الثمن الذى دفعه . وليس بين المشترى والمالك أية علاقة غير حيازة المشترى للشئ المسروق أو الضائع ، وقد أصبح المشترى دائناً باسترداد الثمن بمناسبة هذا الشئ الذى يجب عليه أن يرده للمالك . ومن ثم وجد ارتباط مادى أو موضوعى ما بين التزام المشترى برد الشئ إلى المالك والتزام المالك برد الثمن إلى المشترى ، فيجوز إذن للمشترى ، طبقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [57] ) ، أن يحبس الشئ عن المالك حتى يسترد منه الثمن ( [58] ) .
667 – حق المنتفع فى حبس العين : نصت المادة 989 من التقنين المدنى على أن ” 1 – المنتفع ملزم أثناء انتفاعه بكل ما يفرض على العين المنتفع بها من التكاليف المعتادة وبكل النفقات التى تقتضيها أعمال الصيانة . 2 – أما التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة التى لم تنشأ عن خطأ المنتفع فإنها تكون على المالك ، ويلتزم المنتفع بأن يؤدى للمالك فوائد ما أنفقه فى ذلك . فإن كان المنتفع هو الذى قام بالإنفاق ، كان له استرداد رأس المال عند انتهاء حق الانتفاع ” . ويتبين من هذا النص أن التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة فى العين المنتفع بها تكون على المالك لا على المنتفع ، فإذا قام المنتفع بها كان له استرداد رأس المال عند انتهاء حق الانتفاع . ومن ثم يوجد التزامان متقابلان مترابطان ترابطاً مادياً : التزام المنتفع برد العين المنتفع بها إلى المالك عند انتهاء حق الانتفاع ، والتزام المالك برد أصل ما أنفقه المنتفع فى التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة . فيجوز إذن للمنتفع ، طبقاً لقاعدة الحبس 1172 ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المنتفع بها حتى يستوفى حقه من المالك ( [59] ) .
الفرع الثانى
الآثار التى تترتب على الحق فى الحبس
668 – النصوص القانونية : تنص المادة 247 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” 1 – مجرد الحق فى حبس الشئ لا يثبت حق امتياز عليه ” .
1173
” 2 – وعلى الحابس أن يحافظ على الشئ وفقاً لأحكام رهن الحيازة ، وعليه أن يقدم حساباً عن غلته ” .
” 3 – وإذا كان الشئ المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف ، فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء فى بيعه وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى المادة 1119 ، وينتقل الحق فى الحبس من الشئ إلى ثمنه ” ( [60] ) .
ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن هذه الأحكام كان معمولاً بها فى جملتها دون نص ، إلا ما يتعلق بالفقرة الثالثة التى تنص على حالة من أجوال الحلول العينى ، كان من غير المتيسر الأخذ بها دون نص فى عهد التقنين المدنى السابق .
ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 248 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 283 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 250 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى 274 ( [61] ) .
1174
والنص الذى نحن بصدده ، وكذلك النص التالى الذى يبين أسباب انقضاء الحق فى الحبس ، إنما يعرضنا للحالة التى تحبس فيها عين معينة بالذات فى دين مرتبط بها ارتباطاً قانونياً أو ارتباطاً ماديا . أما إذا كان الشئ المحبوس ليس عيناً معينة بالذات ، فقواعد الدفع بعدم تنفيذ العقد هى التى تنطبق ، وقد سبق لنا شرحها فى الجزء الأول من هذا الوسيط ( [62] ) . ونقتصر هنا على الحالة التى يكون فيها الشئ المحبوس عيناً معينة بالذات . فالحابس للعين ، بمقتضى حبسه لها ، تقرر له حقوق وتترتب عليه واجبات ، نتولى الآن بسطها .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 331 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد فيما عدا بعض اختلاف لفظى . وفى لجنة المراجعة أدخل بعض تعديلات لفظية فأصبح النص مطابقاً ، وصار رقمه 258 فى المشروع النهائى . ووافق عليه مجلس النواب . وفى لجنة مجلس الشيوخ اعترض بأن النص يقرر مبدأ جديداً ، لأنه يصور حق الحبس فى أوسع نظرياته . ورد على هذا الاعتراض بأن النظرية التى أخذ بها النص ليست نظرية جديدة بل هى نظرية الدفع بعدم التنفيذ ، على أن حق الحبس لا يتوافر بمجرد أن يقع شئ للمدين صدفة فى يد الدائن ، بل يجب أن تتوافر شروط معينة . وحكم النص ليس جديداً ، بل يوجد ما يماثله . ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاعتراض ، وأقرت النص كما هو تحت رقم 246 . ثم أقره مجلس الشيوخ دون تعديل ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 650 وص 651 – ص 653 ) .
( [2] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 247 : مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى .
التقنين المدنى العراقى : م 280 – 1 – للبائع أن يحبس المبيع إلى أن يؤدى المشترى جميع الثمن الحالى . وللعامل أن يحبس الشئ الذى يعمل فيه إلى أن يستولى الأجر المستحق ، سواء كان لعمله أثر فى هذا الشئ أو لم يكن . وذلك كله وفقاً للأحكام التى قررها القانون . 2 – وفى كل معاوضة مالية بوجه عام ، لكل واحد من المتعاقدين أن يحبس المعقود عليه وهو فى يده ، حتى يقبض البدل المستحق .
م 281 : يجوز لمن أنفق على ملك غيره ، وهو فى يده ، مصروفات ضرورية أو نافعة ، أو أنشأ فيه بناء أو غرس أشجاراً ، أن يمتنع عن رده حتى يستوفى ما هو مستحق له قانوناً ، لا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع .
م 282 : 1 – لكل من التزم بأداء شئ أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يوف بالتزام فى ذمته نشأ بسبب التزام المدين وكان مرتبطاً به . 2 – فإذا قدم الدائن تأميناً كافياً للوفاء بالتزامه ، سقط حق المدين فى الامتناع عن أداء ما التزم به .
( وهذه النصوص فى جملتها تتفق فى أحكامها مع أحكام التقنين المدنى المصرى ، وإن كان التقنين المدنى العراقى توخى أن يساير الفقه الإسلامى فى تطبيقاته المختلفة للحق فى الحبس ، ثم انتهى إلى وع قاعدة عامة هى القاعدة التى أتى بها التقنين المدنى المصرى – انظر فى شرح هذه النصوص فى القتنين المدنى العراقى الدكتور حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القتنين المدنى العراقى ص 110 – ص 113 ) .
التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 249 : مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 271 : أما وسائل التنفيذ فهى بالعكس لا يجوز للدائن استعمالها إلا إذا كان حقه مستحق الأداء . وأخص تلك الوسائل الحجز التنفيذى ، ومنها أيضاً طريقة التغريم ( المادة 251 ) وحق الحبس ، أى حق كل شخص دائن ومديون معاً فى معاملة أو حالة واحدة بأن يمتنع عن التنفيذ ما دام الفريق الآخر لم يعرض القيام بما يجب عليه .
م 272 : إن حق الحبس لا ينحصر في كل من كان دائنا ومديونا بموجب عقد متبادل ، بل يوجد ايضا في كل حالة يكون فيها الدين متصلا بموضوعه ، أي حيث يكون التلازم موجودا بين الموجب المطلوب والدين المختص بمن يستعمل حق الحبس من اجل ذاك الموجب ، فهو أي حق الحبس يعود مثلا الى واضع اليد او المستثمر او الى محرز الشيء المرهون بدون ان يكون ثمة تمييز بين الأموال المنقولة وغير المنقولة ولا بين الحابس الحسن النية وسيئها . وانما يحرم حق الحبس محرز الاشياء المفقودة او المسروقة ومحرز الاشياء التي انتزعت بالعنف من صاحبها الحقيقي .
( وأحكام هذه النصوص تتفق في جملتها مع أحكام نصوص التقنين المصري ، فقد جعل التقنين اللبنانين من الحق في الحبس نظرية عامة ولم يورد تطبيقاته على سبيل الحصر ، ولم يجعله حقا عينيا ، وتناول به حالتي الدفع بعدم تنفيذ العقد والارتباط ما بين الشيء المحبوس والدين المحبوس من أجله ، واوجب ألا يكون الالتزام سببه إحراز الاشياء المفقودة أو المسروقة وإحراز الأشياء التي انتزعت بالعنف من صاحبها الحقيقي . وأورد تطبيقات مختلفة للحق في الحبس نثرها في نواح متفرقة : م 483 و 571 و 582 و 677 و 686 و 718 و 751 و 793 و 798 الخ الخ . انظر في كل ذلك الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 46 – ص 49 .
( [3] ) والغالب فيما يرد عليه الحبس أن يكون شيئاً مادياً ، منقولاً أو عقاراً ( استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 ) . ولا يرد الحبس على الأشخاص بأية حال ، فلا يجوز مثلاُ لصاحب المدرسة أن يحبس التلميذ عن ولى أمره لعدم دفعه المصروفات الدراسية ، ولا لمستشفى الولادة أن يحبس المولود عن ذويه حتى يستوفى أجره ، ولا لمتعهد الجنائر أن يمتنع عن تسليم جثة الميت إلى أهله حتى يستوفى منهم مصروفات الجنازة ( بيدان وفوران فقرة 273 – الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 ) .
ويغلب أن يكون الشئ المحبوس مملوكاً للمدين ، ولكن ذلك ليس بشرط ، فقد يكون مملوكاً للدائن الحابس نفسه وعليه التزام بأدائه للمدين . فالمؤجر له أن يحبس العين المؤجرة – وهى ملكه ولكنه التزم بتسليمها للمستأجر – حتى يستوفى الأجرة ( أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 16 ص 705 – الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 ص 596 – الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فقرة 165 ص 261 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 134 – قارن كولان وكابيتان ومروانديير 2 فقرة 1473 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 327 – الدكتور منصور مصطفى منصور فى نظرية الحلو العينى رسالة على الآلة الكاتبة من القاهرة سنة 1953 ص 179 هامش رقم 2 ) .
( [4] ) كاسان ص 485 – هذا والمادة 812 من التقنين المدنى تجعل لمالك الأرض المحبوسة حق المرور فى الأرض المجاورة نظير تعويض عادل ، فإذا امتنع من دفع هذا التعويض ، كان لمالك الأرض المجاورة أن يقف تنفيذ التزامه فيمنع مالك الأرض المحبوسة من المرور .
ونرى مما تقدم أن نطاق الحق فى الحبس قد اتسع من حيث الالتزامات التى يجوز الامتناع عن تنفيذها ، ونص التقنين المدنى الجديد يستجيب لهذا التوسع ، فهو يفترض أن الحابس ملتزم ” بأداء شئ ” ( tenue aune prestation ) . ولفظ ” شئ ” ، الذى أريد به المعنى المقصود من لفظ ( prestation ) ، يتسع لكل التزام أياً كان محله ، ولو كان المحل امتناعاً عن عمل . فليس من الضرورى أن يحبس الدائن عيناً مادية ، بل يصح أن يحبس تنفيذ التزام بنقل حق عينى أو بعمل أو بامتناع عن عمل . وإذا كان التقنين المدنى الألمانى ( م 273 ) قد عرف الحق فى البس تعريفاً واسعاً قصد به أن يتناول الحبس كل التزام أياً كان محله ، فلسنا نرى – خلافً لما ذهب إليه الأستاذ إسماعيل غانم ( أحكام الالتزام فقرة 143 ) – أن التقنين المدنى المصرى الجديد قد تخلف عن التقنين المدنى الألمانى فى ذلك .
( [5] ) أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 17 – الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 246 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 134 ص 184 .
( [6] ) الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 ص 596 – الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 246 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 124 ص 184 .
وقد اختلف فى جواز حبس العين الموقوفة ، ولكن الراجع الجواز ، لأن الحبس حق مؤقت لا يؤدى إلى بيع العين المحبوسة ، فلا يتنافى مع طبيعة الوقف ، ولا يفوت معه الغرض من الوقف لا يؤدى إلى بيع العين المحبوسة ، فلا يتنافى مع طبيعة الوقف ، ولا يفوت معه الغرض من الوقف ( استئناف أسيوط 27 مايو سنة 1930 المحاماة 11 رقم 155 ص 278 – محكمة قنا الكلية 23 أبريل سنة 1937 المحاماة 8 رقم 351 ص 535 ) .
( [7] ) ويحرم الحائز بعمل غير مشروع الحق فى الحبس ، حتى لو مضى على حيازته غير المشروعة سنة أو أكثر . فإن مضى هذا المدة إنما ينقضى بها حق الحائز الأصلى فى استرداد حيازته بدعوى من دعاوى الحيازة ، ولكن لا ينقضى بها حق الحائز الأصلى فى استردادا حيازته بدعوى الملكية إذا كان مالكاً ، وفى هذه الحالة لا يجوز للحائز بعمل غير مشروع حبس العين ، فإن هذا يتعارض مع العدالة وحسن النية وهما الأساس الذى يقوم عليه الحق فى الحبس ( انظر فى هذا المعنى الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 183 هامش رقم 3 – وانظر عكس ذلك الأستاذ عبد الفتح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 247 ) .
( [8] ) قارن تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 272 فقرة ثانية .
هذا ويشترط فى الحائز ، حتى يحبس الشئ ، أن تكون حيازته ليست مجرد حفظ مادى للشئ بمقتضى واجبات وظيفته ، فلا يجوز لل 3 صراف فى محل تجارى أن يحبس الخزانة المعهود بحفظها إليه حتى يستوفى أجره ( انظر فى هذه المسألة بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 451 ) . وليس من اللازم أن يحوز الحابس الشئ بنفسه ، بل يصح أن يحوزه عنه عدل يتفق عليه الحابس والمالك ( الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 247 ) . ويشترط أن يبقى الشئ فى يد الدائن ( استئناف مصر 12 فبراير سنة 1923 المجموعة الرسمية 25 رقم 55 ص 94 ) ، فإذا خرج الشئ من يديه بإرادته لم يستطع أن يسترده ( محكمة المنصورة الكلية الوطنية 15 يناير سنة 1934 المجموعة الرسمية 34 رقم 23 ص 52 ) . وقد يكون الدائن الحابس حائزاً للشئ بمقتضى أنه مالك له أن بمقتضى أنه يحوزه حيازة قانونية ( possession ) ، أو بمقتضى أنه يحرزه مجرد إحراز ( detention ) ، ويجب أن يكون الشئ المحبوس مستحق التسليم لمدين الحابس سواء كان هذا المدين يملكه أو كان هو صاحب الحق فى حيازته القانونية أو فى مجرد إحرازه للانتفاع به . فيجوز للمؤجر أن يحبس ملكه عن المستأجر ، ويجوز لحائز الشئ أن يحبسه عن مالكه ، ويجوز للمستأجر أن يحبس العين المؤجرة – وهى فى حرزه لا فى حيازته – عمن آلت إليه ملكيتها حتى يستوفى حقه فى التعويض عند عدم نفاذ الإجارة فى حق المالك الجديد ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 ص 595 – ص 596 الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 134 ص 182 ) . وقد قضت محكمة استئناف مصر ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، بأنه لا يصح اعتبار المستأجر حائزاً للعقار بسب بصحيح يجعله فى حل من أن يصرف على العين ما يشاء لتحسينها وصيانتها ، إذا ليس للمستأجر غير الانتفاع بالعين المؤجرة بالحالة التى هى عليها وقت التأجير ، ولا يجوز أن يسمح للمستأجر بأن يخلق لنفسه بفعله الشخصى حقاً عينياً على العين المؤجرة بما يقوم بصرفه فى شؤون إصلاحها وصيانتها ، إلا إذا كان المالك المؤجر قد اتفق معه على ذلك ، والقول بغير هذا معناه تمكين المستأجر من الإضرار بالمالك متى شاء ، والقانون لم يوضع للإضرار بالناس ( 8 ديسمبر سنة 1936 المجموعة الرسمية 38 رقم 69 ص 169 ) .
( [9] ) بودرى ودى لوان 1 فقرة 24 ش 4 مكررة 2 – أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 15 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 .
( [10] ) فيشترط إذن أن يكون حق الدائن مستحق الأداء ( انظر فى هذا المعنى وما يقوم عليه من مبررات الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 ) . فإذا كان هذا الحق مؤجلاً أو معلقاً على شرط واقف ، فإنه لا يخول الحق فى الحبس ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 ) . ولكن لا يشترط أن يكون مقدراً ( liquide ) ، فيثبت الحق فى الحبس إلى أن يتم تقديره والوفاء به ، وإذا كان ذلك مشترطاً فى المقاصة القانونية فلأن الدينين ينقضيان بقدر الأقل منهما فكان لا بد من أن يكونا مقدرين ، ولا حاجة إلى ذلك فى الحبس فهو امتناع مؤقت عن التنفيذ لا تظهر فيه وجه الضرورة فى أن يكون الدين مقدراً ( استئناف مصر 26 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 209 ص 415 – 9 فبراير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 558 ص 1174 . استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 – 19 فبراير سنة 1936 م 48 ص 152 – 15 فبراير سنة 1939 المحاماة 20 رقم 443 ص 1038 – الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 ص 594 – ص 595 – الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 248 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 – ص 189 ) . ويجوز للقاضى أن يحدد أجلاً يقوم الدائن فيه بتقدير حقه حتى لا يطول أمد الحبس ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 189 ) ، كما يجوز للقاضى أن يقدر قيمة الحق مؤقتاً فينتهى الحبس إذا أودعت هذه القيمة الموقتة خزانة المحكمة ( استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 – 19 فبراير سنة 1936 م 48 ص 152 ، وهما الحكمان اللذان سبقت الإشارة إليهما ) . ويلاحظ الأستاذ سليمان مرقس أنه ” إذا كانت المادة 589 المتعلقة بحق المؤجر فى حبس المنقولات الموجودة فى العين المؤجرة لا تشترط أن تكون الأجرة حالة ، فما ذلك إلا لأن حق الحبس فى هذه الحالة متفرع عن حق امتياز المؤجر ، ولأن هذا الامتياز يثبت للمؤجر بمجرد العقد ومن قبل حلول الأجرة ، ولأن استعمال المؤجر حقه فى الحبس ضرورى للمحافظة على امتيازه ، فلا بد من ثبوت الحق فى الحبس فى هذه الحالة بمجرد ثبوت الامتياز ، أى من وقت العقد ، ولو كانت الأجرة غير مستحقة الأداء ” ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 ص 594 ) . وغنى عن البيان أنه يجب أيضاً أن يكون حق الدائن الحابس محقق الوجود ، فإذا وقع نزاع جدى فى الحق الذى يدعيه ، لم يكن له الحق فى الحبس . ومن ثم لا يجوز للمستأجر أن يحبس الأجرة حتى يستوفى من المؤجر تعويضاً يدعى أنه يستحقه ، إذا كانت دعوى التعويض لم يبت فيها القضاء ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 – أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 155 ) .
( [11] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الواقع فى الدعوى هو أن المطعون عليه تعاقد مع الطاعنة على استغلال ” فيلم ” فى الخارج لقاء مبلغ معين – 7500 جنيه – يدفعه المطعون عليه ، دفع منه وقت العقد جزءاً – 1000 جنيه – وتعهد بدفع جزء آخر – 3000 جنيه – فى مدى شهر من التوقيع على العقد ، بحيث إذا تأخر عن دفع هذا الجزء فى ميعاده يصبح المبلغ الذى دفع أولاً حقاً للطاعنة بصفة تعويض ويعتبر العقد لاغياً ، وباقى المبلغ يدفع عند تسليم الفيلم فى الخارج ، وتعهدت الطاعنة بأنه يتم إيصال الفيلم إلى الخارج فى خلال أربعة شهور من تاريخ التعاقد – أى بعد وفاء المطعون عليه بالتزامه – وكان الثابت من أوراق الدعوى أن المطعون عليه لم يف بما تعهد به إذ لم يدفع سوى مبلغ 2000 جنيه بعد الميعاد المتفق عليه ، فإنه يكون للطاعنة – رغماً عن قبولها الوفاء الجزئى على غير الوجه المتفق عليه – أن تحبس التزامها بالتسليم حتى يقوم المطعون عليه بالوفاء الكامل ، إذ ليس من شأن قبول الطاعنة للمبلغ الذى دفعه المطعون عليه بعد الميعاد المتفق عليه ما يسقط حقها فى الحبس . بل كل كما عسى أن يكون له من شأن أنه إذا أكمل المطعون عليه المبلغ إلى 3000 جنيه – يصلح دفعاً لدعوى الطاعنة إذا هى رفعتها طالبة الفسخ لعدم وفاء الطاعن بما تعهد به على الوجه المتفقة عليه . أما حقها هى فى حبس التزامها بالتسليم ، فلا يسقطه قبولها وفاء بعض المتعهد به بعد الميعاد المتفق عليه ( نقض مدنى 14 يونيه سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 155 ص 1000 ) .
( [12] ) وكذلك إذا كان الدائن هو الذى تبرع بالأجل ، فالمفروض أنه لم يرد بمنحه المدين أجلاً أن ينزل عن حقه فى الحبس ( قارب المادة 362 مدنى فى شأن المقاصة ) . فإذا ادعى المدين أن الدائن أراد بمنحه الأجل أن ينزل عن حقه فى الحبس ، فعلى المدين يقع عبء إثبات ذلك ، ما لم يفترض المشروع هذه النية عند الدائن ( انظر مثلاُ المادة 459 فقرة أولى مدنى ) ، فينتقل عندئذ عبء الإثبات إلى الدائن وعليه أن يثبت أنه لم يقصد بمنحه المدين أجلا أن ينزل عن حقه فى الحبس ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 وهامش رقم 4 ) .
ويجب أن يكون حق الدائن تالياً أو معاصراً لحيازته للشئ المحبوس ، ولا يصح أن يكون سابقاً على الحيازة ، لأن الحق فى الحبس ضمان لا يتعلق بنية الطرفين ، بل يتوقف على سبق قيام الحيازة كواقعة مادية ( أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 18 ) .
( [13] ) بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 444 – وفقرة 449 بودرى ودى لوان 1 فقرة 234 – ويذهب بودرى ودى لوان مع أوبرى ورو إلى أنه لا يكفى قيام الارتباط ما بين الدينين ، بل يجب أيضاً أن يكون بينهما أصل مشترك ( أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 158 – بودرى ودى لوان 1 فقرة 234 ) . ولن الرأى الراجح هو الاكتفاء بقيام الارتباط ما بين الدينين ( تولييه 3 فقرة 130 – ترولونج 1 فقرة 258 وما بعدها – ديرانتون 4 فقرة 382 – جيللورا فى حق الحبس فقرة 51 وما بعدها – بيدان وفواران 1 فقرة 243 – فقرة 250 ) .
( [14] ) انظر فى الارتباط القانونى أو المعنى والارتباط الموضوعى أو المادى : كاسان تعليقه فى سيريه 1921 – 2 – 25 – بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 444 – بيدان وفواران 1 فقرة 273 وما بعدها – أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 38 – فقرة 42 ( دريدا ) – الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 411 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 138 – فقرة 142 .
( [15] ) ولما كان الارتباط القانونى يتميز بهذه العلاقة التبادلية ، فقد كان الأفضل أن يطلق عليه ” الارتباط التبادلى ” .
( [16] ) ومن ثم صار الدفع بعدم تنفيذ العقد صورة من صورة الحبس . وقد حصر التقنين المدنى الجديد ( م 161 ) دائرة الدفع بعدم تنفيذ العقد فى العقود الملزمة للجانبين ، ووسع من نطاق الحق فى الحبس فجعل الدفع بعدم تنفيذ العقد صورة من صوره كما قدمنا . وهناك اتجاه فى الفقه الفرنسى يرمى ، على العكس من ذلك ، إلى التوسع فى الدفع بعدم التنفيذ وجعله شاملاً لجميع صور الارتباط القانونى فلا يقتص على العقود الملزمة للجانبين ، والتضييق من حق الحبس ليكون مقصوراً على صور الارتباط الموضوعى أو المادى ( بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 444 ) . والتصوير الذى اختاره التقنين المدنى المصرى الجديد قريب من تصير التقنين المدنى الألمانى ، فالمادة 320 من التقنين الألمانى تقصر الدفع بعدم التنفيذ على العقود الملزمة للجانبين والمادة 273 لا تقصر حق الحبس على صور الارتباط الموضوعى ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 142 ) .
( [17] ) وقد كانت المادة 244 من المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد تنص صراحة على الحق فى الحبس فى هذه الحالة ، إذا كانت تجيز لكل من الطرفين ” أن يحبس ما أخذه ما دام المتعاقد الآخر لم يرد إليه ما تسلمه منه أو يقدم ضماناً لهذا الرد طبقاً للقواعد العامة المقررة فى حق الحبس ” . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه ، إذ هو مجرد تطبيق للحق فى الحبس ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 331 ) .
( [18] ) ومن العلاقات التبادلية التى لا تقوم على عقد أصلاً علاقة الولى أو الوصى أو القيم بالمحجور بعد انتهاء الحجر ، فيكون على الولى أو الوصى أو القيم أن يرد للمحجور ما تحت يده من ماله على أن يسترد ما أنفق من مصروفات ، ومن ثم يجوز له حبس المال حتى يسترد المصروفات ( بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 449 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 139 ص 193 ) .
( [19] ) ويبدو أن العلاقة التبادلية ما بين الالتزامين فى العقد الملزم لجانب واحد محل النظر ، فلكل التزام مصدر مستقل ، وكان من الممكن أن يوجد أى التزام منهما دون أن يوجد الالتزام الآخر . والظاهر فى الارتباط هنا أن يكون ارتباطاً موضوعياً أو مادياً ، لا ارتباطاً قانونياً أو تبادلياً .
( [20] ) والارتباط الموضوعى هنا أكثر وضوحاً وبروزاً من الارتباط القانونى كما سبق القول . انظر فى الأحوال التى يتحقق فيها الارتباط القانونى والارتباط المادى معاً : الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 140 ص 194 ، وقد أورد ضمن هذه الأحوال حالتى الوكالة والمقاولة . ولكن يلاحظ أن كلا من هذين العقدين ملزم للجانبين ، وأن التزامات كل من الموكل والوكيل مصدرها عقد الوكالة ، كما أن التزامات كل من المقاول ورب العلم مصدرها عقد المقاولة ، فالعلاقة التبادلية بارزة فى هاتين الحاليتين ، ومن ثم يكون الارتباط القانونى أو التبادلى أكثر وضوحاً فيهما من الارتباط المادى أو الموضوعى .
( [21] ) هذه العبارة الفرنسية أدق فى أداء المعنى من العبارة التى وردت فى النص العربى للمادة 246 فقرة أولى من التقنين المدنى الجديد وقد جاءت على الوجه الآتى : ” . . . ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين مرتبط به ” . فالعبارة العربية توهم أن أحد الالتزامين هو سبب التزام الآخر ، والصحيح أن أحد الالتزامين قد نشأ بمناسبة الالتزام الآخر . وقد كانت العبارة الفرنسية المتقدمة الذكر هى المستعملة فى المشروع التمهيدى نصه الفرنسى ، وبقى النص العربى للمشروع التمهيدى بعبارته غير الدقيقة ، التى انتقلت منه إلى النص النهائى للتقنين الجديد . ثم ترجم هذا النص النهائى غير الدقيق إلى اللغة الفرنسية ، فاستبدلت بعبارة ” a l’occation ” عبارة ” ayant un rapport de causalite ” ، وبذلك انتقل التحريف من النص العربى إلى النص الفرنسى ، وبعد أن كان النص العربى وحده هو المعيب ، شمل العيب كا من النص العربى والنص الفرنسى ( انظر فى هذا المعنى الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 138 ص 190 هامش رقم 3 ) .
( [22] ) وللتمييز بين الارتباط القانونى والارتباط المادى أهمية من وجهين : ( 1 ) فى الارتباط المادى – فى صورة استرداد المصروفات – يحتج بالحق فى الحبس حتى على الغير الذى ثبت حقه قبل إنفاق المصروفات ، لأن المصروفات قد أفادت الشئ فى ذاته فأفادت تبعاً لذلك كل من يطالب باسترداده . أما فى الارتباط القانونى وفى الصور الأخرى للارتباط المادى فلا يحتج بالحق فى الحبس على الغير الذى ثبت حقه قبل ثبوت هذا الحق . ( 2 ) فى الارتباط المادى يقتصر الحبس على الشئ ذاته الذى أنفقت عليه المصروفات أو نشأ منه الضرر . أما فى الارتباط القانونى فيشمل الحبس جميع الالتزامات التى على الدائن ما دامت مرتبطة بالتزامات المدين ، وقد أوردت المادة 902 من المشروع التمهيدى – وهذا النص قد حذف فى لجنة المراجعة اكفتاء بالقواعد العامة فى الحبس – تطبيقاً لهذا الحكم فى عقد المقاولة ، غذ نصت على أنه ” إذا كان العمل متعلقاً بمنقول ولم يحدد أجل لدفع الأجر ، جاز للمقاول أن يحبس هذا المنقول وغيره من الأشياء التى يكون رب العمل قد سلمها إليه لإجراء العمل ، وذلك إلى أن يستوفى أجره ” . وإذا اجتمع النوعان من الارتباط كما فى الوديعة ، جاز للدائن أن يستند إلى كل منهما فيما يتفق مع مصلحته ، فيجوز لحافظ الوديعة أن يستند إلى الارتباط المادى ليحتج بحقه على الغير الذى ثبت حقه على الوديعة قبل إنفاق المصروفات ، وأن يستند إلى الارتباط القانونى ليحبس كل ما فى يده للمودع ولو لم يرتبط ارتباطاً مادياً بحقه .
انظر فى ذلك كاسان فى تعليقه فى سيرية 1922 – 2 – 25 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 141 .
( [23] ) ويقول بذلك الأساتذة كولان وكابيتان ودى لامورانديير . ويستندون إلى نص المادة 1293 من التقنين المدنى الفرنسى ، وهى تقضى بأنه يحتج بالمقاصة فى استرداد المالك لملكه إذا كان هذا الملك قد اغتصب منه دون حق ، ولا فى استرداد الوديعة أو العارية . ويقولون أن هذا النص إنما يستقيم إذا فهمت المقاصة على أنها الحق فى الحبس ، فلا يصح الحبس من المغتصب لملك الغير ولا ممن أؤتمن على وديعة أو عارية ، بل يجب على كل من المغتصب وحافظ الوديعة والمستعير أن يرد للمالك ملكه فوراً ثم يطالبه بعد ذلك بما له من الحقوق عنده . ويستخلصون من ذلك أنه فيما عدا هذه الحالات – الغصب والوديعة والعارية – يجوز الحبس دن أن يكون هناك ارتباط فيما بين الدائنين ، ويكفى أن يكون هناك دينان متقابلان ، الطرفان فيهما كل منهما دائن للآخر ومدين له ، حتى يقوم الحق فى الحبس ( كولان وكابيتان ودى لامورانديير 2 فقرة 1482 ص 936 هامش رقم 2 – قارن أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 36 ) .
( [24] ) بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 455 – فقرة 456 .
( [25] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى الخاص بالمادة 161 مدنى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 333 . وانظر آنفاً فقرة 642 .
( [26] ) بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 454 ص 609 وهامش رقم 4 – نقض فرنسى 26 نوفمبر سنة 1924 جازيت دى باليه 1925 – 1 – 158 . وانظر آنفاً فقرة 642 فى الهامش .
( [27] ) انظر الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 241 – فقرة 323 ( فى التطبيقات التى تقوم على الارتباط القانونى أو التبادل ) وفقرة 324 – فقرة 339 ( فى التطبيقات التى تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى ) .
( [28] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 492 – فقرة 503 – وانظر : استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1890 م 2 ص 158 – 16 نوفمبر سنة 1911 م 24 ص 43 – 18 يناير سنة 1917 م 29 ص 170 – 3 فبراير سنة 1925 م 37 ص 204 – 5 يونيه سنة 1935 م 47 ص 358 .
( [29] ) انظر آنفاً فقرة 642 فى الهامش .
( [30] ) ذلك أن الملكية قد انتقلت إلى المشترى بالبيع . فإن كان المبيع عقاراً ولم يسجل عقد البيع ، فالمشترى وإن لم تنتقل إليه الملكية يعتبر فى حكم المالك ، ويكون الهلاك عليه .
( [31] ) استئناف مختلط 22 مارس سنة 1928 م 40 ص 247 – 6 يونيه سنة 1929 م 41 ص 443 – 11 فبراير سنة 1930 م 42 ص 267 .
( [32] ) ولكننا سنرى أن الحق فى الحبس لا يحتج به على الخلف الخاص إذا كان حق هذا الخلف قد ثبت على العين قبل ثبوت الحق فى الحبس . ولما كان المشترى للعين المؤجرة خلفاً خاصاً للمؤجر ثبت حقه على العين قبل ثبوت الحق فى الحبس – لأن حق المستأجر فى التعويض فالحبس لم يثبت إلا بعد فسخ الإيجار بالبيع ، فحق المشترى على العين الثابت بعقد البيع سابق على حق المستأجر فى الحبس – فقد كان الواجب ، طبقاً للقواعد العامة ، ألا يحتج المستأجر بحقه فى الحبس على المشترى ، وإنما يحتج به المؤجر وحده . ولكن نصاً خاصاً فى القانون – المادة 563 سالفة الذكر – هو الذى جعل الحق فى الحبس هنا نافذاً استثناء فى حق المشترى . ويذهب جوسران ( جزء 2 فقرة 1469 ) إلى أن الحق فى الحبس يجوز الاحتجاج به على الخلف الخاص ولو كان حقه متقدماً على الحق فى الحبس ، ومن ثم يجعل نفاذ حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة على المشترى مجرد تطبيق لهذه القاعدة ، لا استثناء منها تقرر بنص خاص .
( [33] ) ويرجع المشترى على المؤجر بما دفعه من تعويض للمستأجر ، إذا كان لهذا الرجوع مقتضى فى العلاقة ما بين المشترى والمؤجر .
( [34] ) والحائز يجب أن يفهم بمعنى واسع : فهو الحائز الذى يضع يده على العين كمالك ( possessur ) ، والمحرز الذى يحوز العين حيازة مادية ( delenteur ) دون أن يضع يده كمالك وذلك كالمستأجر والمستعير وحافظ الوديعة والدائن المرتهن رحن حيازة . وقد صرحت الفقرة الثانية من المادة 246 بذلك حين قالت : ” . . . لحائز الشئ أو محرزة . . . ” .
( [35] ) هذا ما لم يكن الحائز حسن النية قد اختار نزع ما استحدثه ( م 925 فقرة أولى ) ، أو اختار المالك تمليك العين للحائز حسن النية نظير تعويض عادل ( م 925 فقرة 2 ) ، وما لم يكن المالك قد طلب من الحائز سيئ النية إزالة ما استحدثه ( م 924 فقرة أولى ) ، أو طلب الحائز سيئ النية نزع ما استحدثه ولم يختر المالك استبقاءه ( م 924 فقرة 2 ) .
( [36] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 651 .
( [37] ) وكان الرأى الراجح هو أن للحائز سيئ النية الحق فى حبس العين ( استئناف مصر 26 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 209 ص 415 – قنا الكلية 23 أبريل سنة 1927 المحاماة 8 رقم 351 ص 535 – الإسكندرية الكلية الوطنية 29 أبريل سنة 1930 المحاماة 11 رقم 323 ص 649 ) . انظر عكس ذلك وأن الحائز سيئ النية ليس له الحق فى الحبس : استئناف أسيوط 27 ديسمبر سنة 1929 المحاماة 9 رقم 224 ص 399 .
أما فى فرنسا فالفقه منقسم : فمن الفقهاء من لا يجعل الحق فى الحبس إلا للحائز حسن النية ، فينكر هذا الحق على الحائز سيئ النية ، مترسماً فى ذلك أثر القانون الرومانى وتقاليد القانون الفرنسى القديم ( تولييه 3 فقرة 130 – ديرانتون 4 فقرة 382 – ترولونج 1 فقرة 260 – جيللوار فى حق الحبس فقرة 71 ) . ومن الفقهاء من يجعل الحق فى الحبس للحائز حسن النية وللحائز سيئ النية على السواء ( ديمولومب 1 فقرة 682 – بيدان 1 فقرة 250 – بلانيول 2 فقرة 2524 ) . وعند الفقهاء الذين لا يكتفون بقيام الارتباط ما بين الداينين لإثبات الحق فى الحبس ، بل يشترطون فوق ذلك أصلاً مشتركاً للدينين ، لا يجوز استعمال الحق فى الحبس لا للحائز سيئ النية ولا للحائز حسن النية ( أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة – لوران 6 فقرة 181 وما بعدها و 29 فقرة 298 – بودرى وشوفو فقرة 367 ) . أما القضاء الفرنسى فينكر الحق فى الحبس على الحائز سيئ النية ، ولا يجعل هذا الحق إلا للحائز حسن النية ( نقض فرنسى 25 مايو سنة 1852 داللوز 52 – 1 – 279 – 22 ديسمبر سنة 1873 داللوز 74 – 1 – 241 – 13 يوليه سنة 1903 سبريه 1904 – 1 – 22 ) . وينتقد جوسران هذا القضاء ، فيقول إما ألا يعطى الحائز سيئ النية تعويضاً أصلا ، وإما أن يعطى تعويضاً فيكون له الحق فى الحبس لضمان هذا التعويض ، وليس حتماً أن يكون الحائز سيئ النية شخصاً فاسد الذمة ، فالمستأجر للعين والشريك فى الشيوع كلاهما حائز سيء النية ، وسواء كان الحائز حسن النية أو سيئها فالارتباط هو قائم ما بين الدينين ( جوسران 2 فقرة 1475 ) .
( [38] ) وقد نصت المادة 981 من التقنين المدنى على أنه ” إذا تلقى شخص الحيازة من مالك أو حائز سابق ، وأثبت أنه أدى إلى سلفه ما أنفق من مصروفات ، فإن له أن يطالب بها المسترد ” . ويفترض من هذا النصف أن الحائز الحالى ليس هو نفسه الذى أنفق المصروفات ، بل الذى أنفقها هو المالك الظاهر أو الحائز للسابق الذى انتقلت منه إليه الحيازة ، فله أن يستردها – على النحو المبين فيما سلف – من المالك الحقيقى عندما يسترد هذا ملكه . وعندئذ يجوز للحائز الحالى أن يحبس العين حتى يستوفى حقه من المالك ، تطبيقاً للقاعدة العامة الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 246 .
المصدر- توكيل محامي
( [39] ) انظر بنوع خاص المادة 1110 من التقنين المدنى .
( [40] ) انظر المادتين 589 و 1143 من التقنين المدنى .
( [41] ) انظر المادة 1144 من التقنين المدنى .
( [42] ) استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1924 م 27 ص 66 ( فى عهد التقنين المدنى السابق كتطبيق لمبدأ الدفع بعد تنفيذ العقد )
( [43] ) إلا فى حالات خاصة ، كالحائز للعين المرهونة ( tiers detenteur ) عندما يحل محل للدائن المرتهن فى العين المرهونة ، فيون له حق رهن على ملك نفسه .
( [44] ) انظر آنفاً فقرة 651 .
( [45] ) ويمكن القول بأن حق المتقايض فى حبس ما قايض به ورد فيه النص الخاص بحبس البائع للمبيع ( م 459 مدنى ) ، إذ أن المادة 485 مدنى تنص على أنه ” تسرى على المقايضة أحكام البيع بالقدر الذى تسمح به طبيعة المقايضة ، ويعتبر كل من المتقايضين بائعاً للشئ الذى قايض به ومشترياً للشئ الذى قايض عليه ” .
( [46] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص سبقت الإشارة إليه ، وهو المادة 902 من هذا المشروع ، وكانت تجرى ، كما رأينا ، على الوجه الآتى : ” إذا كان العمل متعلقاً بمنقول ولم يحد أجل لدفع الأجر ، جاز للمقاول أن يحسب هذا المنقول وغيره من الأشياء التى يكون رب العمل قد سلمها إليه لإجراء العمل ، وذلك إلى أن يستوفى أجره ” . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة ” اكتفاء بالقواعد العامة فى حق الحبس ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 47 هامش رقم 1 ) ، كما سبق القول ( انظر آنفاً فقرة 643 فى الهامش ) .
( [47] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق ، وكتطبيق للدفع بعد تنفيذ العقد : مصر الكلية الوطنية 21 نوفمبر سنة 1939 المحاماة 20 رقم 180 ص 470 .
( [48] ) قارن الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 129 ص 192 .
( [49] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص هو المادة 987 من هذا المشروع ، وكانت تجرى على الوجه الآتى : ” للوكيل الحق فى حبس الأشياء التى يملكها الموكل وتكون فى يد الوكيل بحكم الوكالة ، وذلك ضماناً لتنفيذ الموكل لالتزاماته ” . وقد حذفت هذه المادة فى لجنة المراجعة ” لأن حكمها مستفاد من قواعد الحبس ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 219 هامش رقم 1 ) .
( [50] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق وكتطبيق للدفع بعدم تنفيذ العقد : استئناف مختلط 8 نوفقبر سنة 1933 م 46 ص 21 .
( [51] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص هو المادة 855 من هذا المشروع ، وكانت تجرى على الوجه الآتى : ” للمستعير أن يحبس الشئ تحت يده ، حتى يستوفى ما يستحقه بمقتضى المادتين السابقتين من مصروفات وتعويضات ” . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة ” اكتفاء بالقواعد العامة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 4 ص 673 هامش رقم 1 ) .
( [52] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص هو المادة 224 من هذا المشروع ، وكانت تجرى على الوجه الآتى : ” إذا انحل العقد بسبب البطلان أو الفسخ أو بأى سبب آخر ، وتعين على كل من المتعاقدين أن يرد ما استولى عليه ، جاز لكل منهما أن يحبس ما أخذه ما دام المتعاقد الآخر لم يرد إليه ما تسلمه منه أو يقدم ضماناً لهذا الرد ، ذلك طبقاً للقواعد المقررة فى حق الحبس ” . وقد حذت هذه المادة فى لجنة المراجعة ” لأنها تطبيق القاعدة العامة فى حق الحبس ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 331 هامش رقم 1 ) . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( انظر آنفاً فقرة 643 فى الهامش ) .
( [53] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق كتوسع فى حق البائع فى حبس المبيع : مصر الكلية الوطنية 4 مايو سنة 1936 المحاماة 17 رقم 322 ص 675 .
( [54] ) على أن الحبس فى هذه الحالة يكون فى مواجهة البائع لملك الغير ، لا فى مواجهة المالك الحقيقى . وكذلك إذا فسخ البيع فلا يكون الحبس لاسترداد الثمن إلا فى مواجهة البائع ، وهذا يقتضى أن يكون الفسخ قد أعاد الملكية إلى البائع . وقد قضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن التسليم تجوزا للمشترى بحق حبس العقار المبيع إذا فسخ عقده حتى يستوفى ما قدمه من ثمن ، قياساً على حق البائع فى الحبس ، يجب ألا يخرج عن الحالة التى يكون فسخ العقد فيها قد أعاد الملكية إلى البائع ، فبذلك لا يكون ثمة شذوذ فى الأوضاع القانونية أو تناقض مع المنطق السليم ، بعكس ما إذا كان فسخ العقد بسبب وجود بيع سابق فلا يعيد الملكية إلى البائع ، وإلا أدى القول بذلك إلى أن يبيع الشخص ملك غيره ، فينزعه المشترى من المالك الحقيقى ويحبسه حتى يستوفى ثمنه ( 4 مايو سنة 1936 المحاماة 17 رقم 322 ص 675 وهو الحكم الذى تقدمت الإشارة إليه فى الهامش السابق ) .
وسنرى فيما يلى ( انظر فقرة 674 فى الهامش ) أن المالك للعين المحبوسة لا يحتج عليه بالحبس إذا لم يكن هو المدين للحابس .
( [55] ) انظر آنفاً فقرة 643 – هذا يجوز للوكيل بالعمولة أن يحبس البضائع والأوراق التى اشتراها لحساب موكله ودفع ثمنها ، حتى يستوفى منه الثمن والعمولة ( بودرى ودى لوان 1 فقرة 236 ) . كما يجوز للمحامى أن يحبس عن موكله أوراق القضية حتى يستوفى أتعابه ، بل ويجوز له ، وفقاً للقضاء الفرنسى ، أن يحبس أيضاً عن الموكل المستندات والأوراق الأصلية ( نقض فرنسى 10 أغسطس سنة 1870 داللوز 71 – 1 – 40 ) . ولكن المادة 29 من قانون المحاماة ( رقم 98 لسنة 1944 ) فى مصر لا تبيح للمحامى أن يحبس عن موكله ما عهد به إليه من مستندات وأوراق أصلية إلى أن يستوفى ماله من أتعاب . وهناك تطبيقات أخرى كثيرة غير التى ذكرناها يرجع فيها إلى القاعدة العامة فى الحبس ، فنكتفى بما قدمناه .
( [56] ) انظر آنفاً فقرة 651 .
( [57] ) بل أن نص المادة 977 يتضمن معنى الحبس ، فقد ورد فيه أن للمشترى أن يطلب من المالك ” أن يعجل له الثمن الذى دفعه ” . فتعجيل الثمن يفيد أن المشترى يؤخر تسليم الشئ حتى يستوفى الثمن ( انظر الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 140 ص 194 هامش رقم 1 ) .
( [58] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق : بنى مزار 22 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 17 ص 121 .
( [59] ) انظر خلافاً فى الرأى فى فرنسا فى بودرى ودى لوان 1 فقرة 241 . والقضاء فى فرنسا لا يسير فى حق الحبس إلى مداه المنطقى . فقد رأيناه ينكر هذا الحق على الحائز سيئ النية ( انظر آنفاً فقرة 651 فى الهامش ) . وهو ينكر أيضاً هذا الحق على الحائز للعقار المرهون ، إذا نزعت ملكيته ، ضماناً للمصروفات التى أنفقها ، وذلك لكيلا تتعطل دعوى الرهن ( نقض فرنسى 14 نوفمبر سنة 1881 داللوز 82 – 1 – 168 – محكمة بوردو الاستئنافية 12 أغسطس سنة 1902 داللوز 1906 – 2 – 409 – ترولون 3 فقرة 836 – ديرانتون 20 فقرة 272 – أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة – بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 458 ص 613 هامش رقم 1 – كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 1482 – وانظر عكس ذلك فى أن لحائز العقار المرهون الحق فى الحبس : ديمولومب 1 فقرة 682 – بيدان 1 فقرة 250 ) . أما فى مصر فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 1069 من التقنين المدنى على ما يأتى : ” ويلتزم الراسى عليه المزاد أن يرد إلى الحائز الذى نزعت ملكيته المصروفات التى أنفقها فى سند ملكيته وفى تسجيل هذا السن وفيما قام به من الإعلانات ، وذلك إلى جانب التزاماته بالثمن الذى رسا به المزاد وبالمصروفات التى اقتضتها إجراءات التطهير ” . ويبدو أن للحائز حبس العين حتى يتوفى هذه الحقوق ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( استئناف مصر 26 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 209 ص 415 – ومع ذلك انظر : استئناف مختلط 18 أبريل سنة 1934 م 46 ص 262 ) . كذلك يوجد خلاف فى فرنسا فى حق الوارث الظاهر فى أن يحبس ما فى يده من أعيان التركة إذا كان قد دفع بعض ديون المورث ثم انتزع الوارث الحقيقى منه هذه الأعيان ، فللوارث الظاهر أن يرجع على الوارث الحقيقى بما دفعه من ديون التركة ، وله حق الحبس عند الفقهاء الذين يكتفون بقيام الارتباط ما بين الدينين ، وليس له هذا الحق عند الذين يشترطون فوق الارتباط الأصل المشترك ( انظر فى هذه المسألة بودرى ودى لوان 1 فقرة 243 ) . أما فى مصر فيبدو أن للوارث الظاهر الحق فى الحبس ، دون حاجة إلى نص خاص ، لقيام الارتباط المادى ما بين الدينين .
( [60] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 332 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : ” 1 – ليس لمن حبس شيئاً وفقاً للمادة السابقة حق امتياز عليه . وعلى الحابس أن يحافظ على الشئ وأن يقدم حساباً عن غلته وفقاً للأحكام التى تسرى فى حق الدائن المرتهن رهن حيازة . 2 – إذا كان الشئ المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف ، فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء فى بيعه وفقاً للإجراءات المرسومة لبيع الشئ المرهون حيازة ، وينتقل الحق فى الحبس من الشئ إلى ثمنه ” . وفى لجنة المراجعة لوحظ أن النص كما ورد فى المشروع التمهيدى يلم الحابس بواجب استغلال العين المحبوسة على النحو المقرر فى حق الدائن المرتهن حيازة ، وقد رؤى أنه يحسن عدم تقرير هذا الواجب ، ثم عدل النص إلى جانب ذلك تعديلاً لفظياً جعله أدق فى أداء المعنى ، فأصبح مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، وصار رقم المادة 259 فى المشروع النهائى . ووافق مجلس النواب على النص ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم المادة 247 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 653 – ص 655 ) .
( [61] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 248 ( مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى م 283 ( متفقة فى الحكم مع نص التقنين المدنى المصرى ، ولا يوجد إلا بعض خلاف لفظى – وانظر فى شرح المادة الدكتور حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 114 ) .
التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 250 ( مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى
م 274 : ” أن حق الحبس ، مع مراعاة الحالة الخاصة المتقدم ذكرها ( استرداد حيازة العين إذا نزعت خفية أو بالعنف ) ، لا يمنح صاحب حق التتبع ولا حق الأفضلية ، وإنما يمكن الاحتجاج به على الجميع ، بمعنى أن الحابس يحق له أن يرفض التخلى علن الشئ أية كانت شخصية المعارض ” . ( ويتفق التقنين اللبنانى مع التقنين المصرى فى الحم ، وإن أختلف فى اللفظ – انظر فى هذا المعنى الدكتور صبحى المحصمانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 51 – ص 52 ) .
( [62] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 492 – فقرة 503
المصدر: محامي في الأردن