الالتزام التخييري
( Obligation alternative )
81 – قيام وصف التخيير وأحكامه : التخيير بين محلين أو أكثر للالتزام الواحد وصف يقوم بالالتزام كما قدمنا . فيجب أن نعرف ما هو ، ومن أي مصدر ينشأ ، ومن طرفي الالتزام يثبت له الخيار . ثم نعرف بعد ذلك ما هي أحكام الالتزام التخييري .
فنبحث إذن مسألتين : ( 1 ) قيام وصف التخيير ( 2 ) أحكام الالتزام التخييري ( [2] ) .
الفرع الأول
قيام وصف التخيير
82 – النصوص القانونية : تنص المادة 275 من التقنين المدني على ما يأتي :
” يكون الالتزام تخييريا إذا شمل محله أشياء متعددة تبرأ ذمة المدين براءة 139 تامة إذا أدي واحد منها ، ويكون الخيار للمدين ما لم ينص القانون أو يتفق المتعاقدان على غير ذلك ” ( [3] ) .
ويقابل هذا النص المادة 96 / 150 من التقنين المدني السابق ( [4] ) .
ويقابل في التنقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري المادة 275 ، وفي التقنين المدني الليبي المادة 262 ، وفي التقنين المدني العراقي المادة 298 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 56 ( [5] ) .
140
ويستخلص من النص المتقدم أن وصف التخيير يقوم متى شمل محل الالتزام أشياء متعددة تبرأ ذمة المدين براءة تامة إذا أدى واحداً منها ، وأن خيار التعيين يكون في الأصل للمدين إلا إذا قضى المصدر الذي ينشأ منه – الاتفاق أو القانون – بأن الخيار يكون للدائن أو للغير .
فنبحث إذن : ( 1 ) متى يقوم وصف التخيير ( 2 ) من له خيار التعيين ومصدر هذا الخيار .
1 – متى يقوم وصف التخيير
83 – ( ا ) تحديد منطقة الالتزام التخييري : ليكون الالتزام تخييريا فيقوم به وصف التخيير ، يجب توافر شروط ثلاثة : ( 1 ) يتعدد محل الالتزام فيكون للالتزام محلان أو أكثر . ( 2 ) ويتوافر في كل محل منها الشروط الواجب توافرها في المحل . ( 3 ) ويكون الواجب الأداء ، حتى تبرأ ذمة المدين براءة تامة من التزامه ، محلا واحداً من هذه المحال المتعددة .
84 – ( 1 ) تعدد محل الالتزام : يجب أن يكون محل الالتزام متعدداً كما قدمنا . فيصح أن يلتزم البائع للمشتري أن يبيع منه الدار أو الأرض . ويصح 141 أن يلتزم الشريك بتقديم حصته في الشركة مبلغاً من النقود أو أرضا أو سيارة أو أسهماً أو سندات أو غير ذلك . ونرى من ذلك أن محل الالتزام قد يكون شيئين ، وقد يكون أكثر من شيئين ( [6] ) . كذلك يصح أن يكون شيئاً غير معين بالذات 142 كالنقود ، أو عيناً معينة عقاراً أو منقولا . ويصح أن يجمع التعدد هذه كلها ، فيكون محل الالتزام نقوداً وعقاراً ومنقولا . بل يصح إني كون محل الالتزام 143 عملا أو امتناعاً عن عمل . ويصح أن يجتمع كل هؤلاء في الالتزام الواحد ، فيلتزم الشريك مثلا بتقديم حصته للشركة مبلغاً من النقود أو أرضا أو عملا يقوم به لمصلحة الشركة أو امتناعاً عن الاتجار فيما تقوم به الشركة من عمل ( [7] ) .
فأي أداء يصلح أن يكون محلا للالتزام يمكن – إذا اقترنت به اداءات أخرى من نوعه أو من غير نوعه – أن يكون محلا للالتزام التخييري – والمهم هو أن يتعدد هذا المحل ، فلا يقتصر على أداء واحد .
85 – ( 2 ) توافر الشروط في كل من الاداءات المتعددة : ويجب أن يتوافر في كل أداء من الاداءات المتعددة للالتزام التخييري جميع الشروط الواجب توافرها في محل الالتزام ، لاحتمال أن يقع الاختيار على أي أداء منها فيصبح هو المحل الوحيد ، ويكون متوافراً فيه الشروط اللازمة . فيجب أن يكون كل أداء موجوداً إذا كان شيئاً ، أو ممكناً إذا كان عملا أو امتناعاً عن عمل . ويجب أيضاً أن يكون الأداء معيناً أو قابلا للتعيين ، وأن يكون صالحاً للتعامل فيه ، وأن يكون مالا متقوماً ، وأن يكون التعامل فيه مشروعاً .
فإذا كان الالتزام التخييري محله شيئان فقط ، وكان أحدهما لم تتوافر فيه الشروط المتقدمة الذكر ، وتوافرت في الشيء الآخر هذه الشروط ، فإن الالتزام لا يكون له إلا محل واحد هو هذا المحل الذي توافرت فيه الشروط ، ويكون الالتزام بسيطاً غير تخييري ( [8] ) .
وقد نصت المادة 1192 من التقنين المدني الفرنسي صراحة على هذا 144 الحكم إذا تقول : ” يكون الالتزام بسيطاً ، ولو عقد فى صورة التزام تخييرى ، إذا كان أحد الشيئين محل الالتزام لا يمكن أن يكون محلاً له ( [9] ) ” . وتنص المادة 61 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى على الحكم فيما إذا كان شئ واحد من الأشياء المتعددة هو الذى يمكن تنفيذه دون الأشياء الأخرى ، فتقول : ” إذا كان أحد المواضيع وحده قابلاً للتنفيذ ، فالموجب يكون أو يصبح من الموجبات البسيطة ” . والحكم كما نرى ظاهر البداهة ، فلا حاجة للنص عليه ، إذ يمكن استخلاصه فى يسر من تطبيق القواعد العامة .
والعبرة ، فى معرفة ما إذا كانت الشروط الواجبة متوافرة فى الأداءات المتعددة للالتزام التخييرى ، تكون بوقت نشوء هذا الالتزام . فإن توافرت الشروط فى هذا الوقت ، كان الالتزام تخييرياً ، حتى لو أصبحت الأداءات بعد ذلك لا تصلح كلها أو بعضها محلاً للالتزام . وعلى النقيض من ذلك ، إذا لم تتوافر الشروط إلا فى أداء منها ، كان الالتزام بسيطاً منذ البداية ومحله هذا الأداء الذى توافرت فيه الشروط ، ولا ينقلب تخييرياً حتى لو أصبحت الأداءات الأخرى بعد ذلك متوافراً فيها الشروط الواجبة ( [10] ) .
86 – ( 3 ) محل واحد من المحال المتعددة هو الواجب الأداء : وإذا كان للالتزام التخييرى محال متعددة ( in obligatione ) ، فإن محلاً واحداً منها فقط هو الواجب الأداء ( in debitione ) ، أو كما تقول المادة 275 مدنى فى صدرها : ” تبرأ ذمة المدين براءة تامة إذا أدى واحداً منها ” .
وينبنى على ذلك أمران : ( أولهما ) أنه قبل اختيار المحل الواجب الأداء ، يكون كل من المحال المتعددة ممكناً طلبه ، فيقوم التضامن بين هذه المحال على غرار التضامن الذى يقوم بين المدنيين المتضامنين . فكما إن كل مدين متضامن 145 تمكن مطالبته بكل الدين فإذا وفاه انقضى ، كذلك أى محل من المحال المتعددة للالتزام التخييرى تمكن المطالبة به فإذا وفى انقضى الالتزام . فالتخيير إذن هو ضرب من التضامن ما بين الأشياء شبيه بالتضامن ما بين الأشخاص ، هو تضامن عينى موضوعى ( solidarite reelee et objective ) إلى جانب تضامن المدينين الشخصى الذاتى ( solidarite personnelle et subjective ) . والتضامن العينى من شأنه ، كالتضامن الشخصى ، أن يقوى ضمان الدائن ، فإذا أصبح تنفيذ محل من المحال المتعددة للالتزام التخييرى مستحيلاً جاز أن ينفذ محل آخر ، فيتسع بذلك مجال التنفيذ ويقوى ضمان الدائن ( [11] ) . والأمر الثانى ) أنه بعد اختيار المحل الواجب الأداء يصبح هذا وحده هو محل الالتزام ، وينقلب الالتزام التخييرى عند ذلك التزاماً بسيطاً ليس له إلا محل واحد .
ويستتبع ذلك أن المحال المتعددة للالتزام التخييرى تكون فى الكثرة الغالبة من الأحوالى متعادلة فى قيمتها ، ما دام أن تنفيذ أى محل منها يغنى عن تنفيذ المحال الأخر . غير أن هذا ليس بضرورى ، فقد تتفاوت قيم المحال إذا تفاوتت شروط أدائها . مثل ذلك أن يلتزم شخص نحو آخر بأن يبيع له الدار بألفين أو الأرض بألف ، فتكون قيمة الأرض نصف قيمة الدار . وقد يعد شخص آخر بإقراضه ألفاً بفوائد سعرها 5% أو خمسمائة بفوائد سعرها 6% . بل قد لا تتفاوت شروط الأداء ومع ذلك تكون القيم متفاوتة ، فقد يكون المبلغ الموعود بإقراضه هو ألف أو ألفان على حسب اختيار المدين ويكون سعر الفائدة فى الحالتين 5% ( [12] ) .
87 – ( ب ) تمييز الالتزام التخييرى عن حالات أخرى تشتبه به : وحتى يتم تحديد منطقة الالتزام التخييرى فى وضوح توجد بعض الحالات التى تشتبه بالالتزام التخييرى وليست إياه . فنستعرض الشرط الجزائى والالتزام 146 المعلق على شرط واقف والالتزام بشئ غير معين . أما الالتزام متعدد المحل ( obligation conjointe ) فقد سبق التمييز بينه وبين الالتزام التخييرى . وسنبحث عند الكلام فى الالتزام البدلى ما يوجد بينه وبين الالتزام التخييرى من فروق .
88 – ( أ ) التمييز بين الالتزام والشرط الجزائى : الشرط الجزائى هو تقدير اتفاقى للتعويض المستحق ، غذ أخل المدين بالتزامه ولم يقم بتنفيذه تنفيذاً عينياً . فالشرط الجزائى إذن ليس إلا تعويضاً مستحقاً عن عدم التنفيذ العينى . وهو – ككل تعويض – لا يمكن أن يكون إلى جانب التنفيذ العينى أحد محلى التزام تخييرى . ذلك أنه لى الالتزام التخييرى يمكن للمدين أو للدائن ، بحسب الأحوال ، أن يختار أحمد المحلين فيوفيه للطرف الآخر ، ولا يستطيع هذا الطرف الآخر أن يرفض الوفاء . أما فى التعويض فالأمر مختلف ، غ أن المدين لا يستطيع أن يختار التعويض دون التنفيذ العينى ، إذا كان هذا التنفيذ ممكناً طالب به الدائن . كذلك لا يجوز للدائن أن يختار التعويض دون التنفيذ العينى ، إذا كان التنفيذ العينى ممكناً وعرضه المدين . فالتعويض ليس محلاً لالتزام تخييرى ، بل إن له مقوماته الذاتية ، وقد سبق بيان ذلك فى الجزء الثانى من الوسيط .
ومما يبزر الفرق بين الالتزام التخييرى والالتزام المصحوب بشرط جزائى أنه إذا كان الالتزام المصحوب بشرط جزائى قد أصبح تنفيذه العينى مستحيلاً بسبب أجنبى لا يد للمدين فيه ، فإن الالتزام ينقضى ولا يكون الشرط الجزائى مستحقاً . أما فى الالتزام التخييرى ، إذا أصبح تنفيذ أحد محلى هذا الالتزام مستحيلاً بسبب أجنبى ، فسنرى أن المحل الثانى يصبح مستحقاً ، على خلاف الشرط الجزائى . كذلك إذا كان المحل الأصلى للالتزام المصحوب بشرط جزائى لا يصلح أن يكون محلاً لعدم توافر الشوط الواجبة فيه ، فإن الالتزام يسقط ويسقط معه الشرط الجزائى . وهذا بخلاف الالتزام التخييرى ، فإنه إذا كان أحد محليه لا يصلح أن يكون محلاً للالتزام أصبح المحل الآخر هو المتسحق ( [13] ) .
147
89 – ( 2 ) التمييز بين الالتزام التخييرى والالتزام المعلق على شرط واقف : ولا يجوز أن يكيف الالتزام التخييرى بأن كلا من محالة المتعددة واجب الأداء معلقاً على شرط اختياره ، وقد كان بعض الفرنسيين يذهبون إلى ذلك ( [14] ) . ذلك أن الالتزام المعلق على شرط واقف قد علق على أمر غير محقق الحصول ، أما الاختيار فى الالتزام التخييرى – اختيار محل ما – فهو أمر محقق لابد من حصوله ، وإذا هو لم يحصل ممن له حق الاختيار بالذات ، فإنه لابد حاصل ممن أقامه القانون مقامه : القاضى فى حالة ما إذا كان الخيار للمدين ، والمدين فى حالة ما إذا كان الخيار للدائن ( [15] ) .
وينبنى على ما تقدم أن الالتزام التخييرى هو التزام محقق الوجود منذ البداية ، أما الالتزام المعلق على شرط واقف غير محقق الوجود وهو لن يوجد فعلاً إذا ما تحقق الشرط . وهناك فرق آخر ما بين الالتزامين ، فإنه إذا هلك محل الالتزام الشرطى بسبب أجنبى قبل تحقق الشرط كانت تبعة الهلاك على المدين كما سبق القول ، أما التبعة فى هلاك أحد محال الالتزام التخييرى فهى على الدائن ( [16] ) .
90 – ( 3 ) التمييز بين الالتزام التخييرى والالتزام بشئ غير معين بالذات : والالتزام التخييرى ليس التزاماً بشئ غير معين بالذات . فقد يلتزم شخص أن يبيع لآخر مائة أردب من القمح ، ومحل الالتزام هنا هو شئ غير معين بالذات حتى لو عين البائع المخزن الذى أودع فيه قمحه وذكر أن مائة الأردب ستؤخذ من هذا القمح . كذلك يعتبر التزاماً بشئ غير معين بالذات 148 التزام من يبيع فرساً غير معين من خيوله الموجودة بالاصطبل ، أو يبيع بقرة غير معينة من قطيع البقر الذى يملكه . فالمبيع فى جميع هذه الأحوال شئ غير معروف يؤخذ من بين أشياء معروفة .
والفرق بين أن يلتزم الشخص بإعطاء شئ معين من بين أشياء معينة – وهذا هو الالتزام التخييرى – وبين أن يلتزم بإعطاء شئ غير معروف من بين أشياء معروفة ، أن الأشياء محل الالتزام التخييرى هى أشياء معينة بذاتها ، كل شئ منها قد عين تعييناً كافياً حتى لا يختلط بغيره ، واحد هذه الأشياء المعينة بالذات سيكون محل الالتزام إذا تم اختياره . أما فى الالتزام بإعطاء شئ غير معروف من بين أشياء معروفة ، فإن هذه الأشياء المعروفة ليست معينة بذواتها كما هى معينة فى الالتزام التخييرى ، بل هى قد عينت بأنها الخيول التى فى الاصطبل دون أن تعين هذه الخيول فرساً فرساً ، أو هى قطيع البقر الذى يملكه البائع دون أن تعين رؤوس هذا القطيع رأساً راساً ( [17] ) .
وينبنى على هذا الفرق أمور ثلاثة : ( 1 ) فى الالتزام بشئ غير معين بالذات ، إذا فرز فرس من الاصطبل أو بقرة من القطيع بعد إعذار المشترى ، ثم هلك الشئ المفرز ، فإن هلاكه لا يكون على المشترى ، بل يجب فرز فرس آخر أو بقرة أخرى لتسليمها إليه أما إذا اختير أحد محال الالتزام التخييرى ، ولم يتسلمه المشترى بعد إعذاره ، فإن الهلاك يكون عليه لا على البائع ( [18] ) . ( 2 ) فى الالتزام بشئ غير معين بالذات ، إذا فرز المبيع ، انتقلت ملكيته إلى المشترى من وقت الفرز لا من وقت البيع . أما فى الالتزام التخييرى ، فإنه إذا اختير محل الالتزام ، انتقلت ملكيته من وقت البيع لا من وقت الاختيار ، وسنرى أن الاختيار يستند إلى الماضى ( [19] ) . ( 3 ) فى الالتزام بشئ غير معين بالذات ، إذا كان أحد الخيول مثلاُ هو ملك المشترى ، ولكنه عندما فرز 149 ليكون هو الفرس المبيع لم يعد ملكاً له ، فإن البيع يصح . أما فى الالتزام التخييرى ، إذا باع شخص فرساً من بين عدة خيول معينة بذواتها ، وكان أحدها ملكاً للمشترى ثم لم يعد ملكاً له ، واختير ليكون محلاً للالتزام ، فإن الالتزام لا يصح لأن هذا المحل لم يكن قد توافرت فيه الشروط الواجبة وقت نشوء الالتزام إذ كان ملكاً للمشترى ( [20] ) .
2 – من له خيار التعين ومصدر هذا الخيار
91 – من له خيار التعيين : رأينا أن العبارة الأخيرة من المادة 275 مدنى تقول : ” ويكون الخيار للمدين ما لم ينص القانون أو يتفق المتعاقدان على غير ذلك ” .
فإذا كان هناك التزام تخييرى ، ولم يبين الطرفان من له الخيار ولم ينص القانون على ذلك ، فإن الخيار يكون للمدين لا للدائن . وهذا هو الأصل العام ، فإن الاتفاق عند الشك يفسر لمصلحة المدين ( [21] ) .
150
ولكن يجوز أن يتفق الطرفان على أن يكون الخيار للدائن لا للمدين ، وهذا يقتضى اتفاقاً خاصاً فلا يصح افتراضه . على أن هذا الاتفاق قد يكون صريحاً أو ضمنياً ، فلا يشترط التقنين المدنى المصرى الاتفاق الصريح ( [22] ) .
كذلك يجوز ، إذا كان مصدر الخيار هو نص فى القانون ، أن يجعل النص الخيار للدائن لا للمدين . وقد فعل القانون ذلك عندما نصت الفقرة الثانية من المادة 273 مدنى على أنه إذا أضعف المدين بفعله تأميناً خاصاً ، فللدائن الخيار بين أن يطالب باستيفاء حقه قبل حلول أجله أو أن يطالب بتكملة التأمين ( [23] ) . ففى هذا الالتزام التخييرى ينص القانون على أن الخيار للدائن .
ومتى كان الخيار للمدين فإنه يستطيع أن يعرض الوفاء بالمحل الذى يختاره من محال الالتزام المتعددة ، ويكون عرضه صحيحاً . أما إذا كان الخيار للدائن فلا يستطيع المدين أن يعرض ما يختاره هو ، بل يجب عليه أن يعرض الوفاء بأى محل يختاره الدائن ( [24] ) .
ولا نرى ما يمنع من أن يتفق الطرفان على أين يكون الخيار لأجنبى ، ويكون الأجنبى فى هذه الحالة إما خبيراً فنياً يستشيره أحد الطرفين فيكون الخيار فى الحقيقة لهذا الطرف يستعمله بعد استشارة الخبير ، أو يكون الأجنبى غير منتم لأحد الطرفين فيقرب من أن يكون حكماً بينهما يتفقان عليه عندما لا يستطيعان الاتفاق على أن يكون الخيار لأحد منهما . ويساعد على تقرير هذا الحكم أن نص التقنين المدنى المصرى لا يقول – كما تقول المادة 1190 من التقنين المدنى الفرنسى – إن الخيار للمدين ما لم يتفق المتعاقدان على أن يكون الخيار للدائن ، بل تقول إن الخيار للمدين ما لم يتفق المتعاقدان على غير ذلك ( [25] ) .
151
92 – مصدر الخيار : ويمكن أن نستخلص مما تقدم أن مصدر خيار التعيين إما أن يكون الاتفاق كما هو الغاب ، وإما أن يكون نصاً فى القانون .
ففى الكثرة الغالبة من الأحوال يكون مصدر الالتزام التخييرى العقد أو التصرف القانونى بوجه عام ، فيلتزم المدين بإرادته أن يؤدى للدائن شيئاً من أشياء متعددة . وعند ذلك يتكفل الاتفاق أو التصرف القانونى بتعيين من له الخيار ، المدين أو الدائن ، فإذا سكت عن هذا التعيين كان الخيار للمدين كما قدمنا .
وقد يكون مصدر الالتزام التخييرى نصاً فى القانون . وقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 273 مدنى تنص على سقوط الأجل إذا كان المدين قد أضعف بفعله إلى حد كبير ما أعطى الدائن من تأمين خاص ، ولو كان هذا التأمين قد أعطى بعقد لاحق أو بموجب القانون ، هذا ما لم يؤثر الدائن أن يطالب بتكملة التأمين . أما إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة المدين فيه ، فإن الأجل يسقط ما لم يقدم المدين للدائن ضماناً كافياً ( [26] ) . ورأينا أن الفقرتين الأولى والثانية من المادة 1048 مدنى تطبيقان هذه الأحكام على الرهن الرسمى فتنصان على أنه ” 1 – إذا تسبب الراهن بخطأه فى هلاك العقار المرهون أو تلفه ، كان الدائن المرتهن مخيراً بين أن يقتضى تأميناً كافياً أو أن يستوفى حقه فوراً . 2 – فإذا كان الهلاك أو التلف قد نشأ عن سبب أجنبى ولم يقبل الدائن بقاء الدين بلا تأمين ، كان المدين مخيراً بين أن يقدم تأميناً كاياً أو أن يوفى الدين فوراً قبل حلول الأجل ” ( [27] ) . ونرى من ذلك أن هذه النصوص تنشئ التزامين تخييريين : ( 1 ) الالتزام الأول هو التزام المدين الذى أضعف بفعله ما أعطى الدائن من تأمين خاص ، فيلتزم إما بدفع الدين فوراً أو بتكملة التأمين ، والخيار هنا للدائن بنص 152 القانون . ( 2 ) والالتزام الثانى هو التزام المدين ، إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب أجنبى ، بدفع الدين فوراً أو بتقديم تأمين كاف ، والخيار هنا للمدين بنص القانون كذلك ( [28] ) . وقد تقدم بيان هذا عند الكلام فى الأجل ( [29] ) .
153
الفرع الثانى
أحكام الالتزام التخييرى
93 – تعيين المحل الواجب الأداء وتحمل التبعة : يثير الالتزام التخييرى من ناحية ما يجب أن يسرى عليه من أحكام ، مسألتين : ( 1 ) كيف يتم تعيين المحل الواجب الأداء من بين المحال المتعددة للالتزام . ( 2 ) ماذا يكون الحكم لو أن بعض هذه المحال أو كلها هلك قبل أن يتم اختيار 3 المحل الواجب الأداء .
فنتكلم إذن فى تعيين المحل الواجب الأداء وفى أحكام الهلاك .
1 – تعيين المحل الواجب الأداء
94 – النصوص القانونية : تنص المادة 276 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” 1 – إذا كان الخيار للمدين وامتنع عن الاختيار ، أو تعدد المدينون ولم يتفقوا فيما بينهم ، جاز للدائن أن يطلب من القاضى تعيين أجل يختار فيه المدين أو يتفق فيه المدينون ، فإذا لم يتم ذلك تولى القاضى بنفسه تعيين محل الالتزام ” .
” 2 – أما إذا كان الخيار للدائن وامتنع عن الاختيار ، أو تعدد الدائنون ولم يتفقوا فيما بينهم ، عين القاضى أجلاً إن طلب المدين ذلك ، فإذا انقضى الأجل انتقل الخيار إلى المدين ( [30] ) ” .
154
ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ( [31] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى المدنى التقنين السورى المادة 276 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 263 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 299 – 300 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المواد 57 – 60 و 64 – 65 ( [32] ) .
155 156
فأمامنا إذن حالتان : حالة ما إذا كان الخيار للمدين وحالة ما إذا كان الخيار للدائن . وسواء كان الخيار للمدين أو للدائن ، فإن التعيين متى تم يستند إلى الماضى ، فيعتبر الالتزام التخييرى منذ البداية التزاماً بسيطاً ذا محل واحد هو المحل الذى تم اختياره . فنتكلم فى كل من هذه المسائل الثلاث .
95 – التعيين إذا كان الخيار للمدين : إذا كان الخيار للمدين ، فإنه يستعمل خياره ، وفقاً لقواعد العامة ، بإعلان إرادته فى أنه اختار محلاً معيناً من المحال المتعددة لالتزامه التخييرى . وهذه الإرادة تعتبر تصرفاً قانونياً من جانب واحد ، وهى ككل إرادة لا تحدث أثرها إلا إذا وصلت إلى علم الدائن ( م 91 مدنى ) .وقبل وصولها إلى علم الدائن يستطيع المدين أن يعدل عنها إلى إرادة أخرى يختار بها محلاً آخر ، بشرط أن تصل هذه الإرادة الأخرى إلى علم الدائن قبل وصول الإرادة الأولى . وكل هذا إنما هو تطبيق للقواعد العامة ( [33] ) .
كذلك يستطيع المدين أن يكشف عن إرادته فى تعيين المحل الواجب الأداء فى عن طريق التنفيذ . فهو متى عمد إلى تنفيذ محل من المحال المتعددة لالتزامه التخييرى ، اعتبر هذا التنفيذ – ولو كان تنفيذاً جزئياً – بمثابة إعلان عن إرادته الاختيار . ويتعين على هذا النحو المحل الواجب الأداء ، ولا يجوز عندئذ للمدين إلا أن يمضى فى التنفيذ ما دام قد بدأه ، ولا يستطيع العدول عن تنفيذ محل إلى تنفيذ محل آخر . وكالتنفيذ الفعلى العرض الحقيقى ، فإذا عرض المدين على الدائن عرضاً حقيقياً ، وفقاً للإجراءات المقررة ، أحد محال الالتزام التخييرى ، اعتبر هذا إعمالاً لحق الخيار . وحتى لو رجع المدين فى العرض ، بقى التعيين قائماً ، باعتبار أن العرض قد تضمن التعيين النهائى لمحل الالتزام ( [34] ) .
157 158
ويغلب أن يحدد الطرفان ميعاداً يستعمل فى خلاله الخيار . بل إن التقنين المدنى العراقى يوجب تحديد ميعاد ، فإن الفقرة الأولى من المادة 299 من هذا التقنين تنص على أنه ” يلزم فى خيار التعيين تحدي المدة التى يكون فيها الخيار ” . فإذا حدد ميعاد ، وجب أن يعلن المدين اختياره فيه ، فإذا انقضى الميعاد دون أن يعلن المدين اختياره ، تولى القاضى الاختيار على النحو الذى سنبينه . أما إذا لم يحدد ميعاد للاختيار ، فيكون للدائن ، إذا لم يعمل المدين حق خياره فى وقت معقول ( [35] ) ، أن يلجأ إلى القاضى ليحدد أجلاً للمدين يختار فيه ، بحيث إذا انقضى هذا الأجل ولم يختر المدين ، تولى القاضى الاختيار بنفسه كما سيأتى .
وعلى أية صورة أعمل المدين حق الخيار ، فإن خياره يجب أن يقع على واحد من المحال المتعددة لالتزامه التخييرى ، ولا يجوز أن يعدوها جميعاً إلى شئ آخر . ويجب ، إلى ذلك ، أن يختار واحداً بأكمله من هذه المحال ، فلا يجوز أن يختار جزءاً من أجدها جزءاً من محل آخر ، فإن هذا التلفيق تأباه طبيعة الالتزام التخييرى . وقد نص التقنين المدنى الفرنسى على هذا الحكم ، غذ تقول المادة 1199 من هذا التقنين : ” يستطيع المدين الوفاء بالتزامه بتسليمه أحد الشيئين المتهعد بهما ، ولكنه لا يستطيع إجبار الدائن أن يتسلم جزءاً من أحد هذين الشيئين وجزءاً من الشئ الآخر ” ( [36] ) . وهذا الحكم بديهى ، وليمكن استخلاصه من تطبيق القواعد العامة دون الحاجة إلى نص ( [37] ) .
وإذا كان الالتزام التخييرى التزاماً زمنياً ينفذ فى آجال دورية ، 159 كما إذا تعهد مورد الأغذية أن يورد أغذية لإحدى المدارس أو لأحد المستشفيات فى مواعيد دورية ، على أن يترك له الخيار فى توريد صنف أو أكثر من أصناف متعددة من الأغذية ، فإنه يجوز للمورد أن يختار أصنافاً معينة فى أجل من هذه الآجال الدورية ، ثم يختار أصنافاً أخرى غير الأصناف التى اختارها أولاً فى أجل آخر ، وهذا ما لم يتبين من إرادة الطرفين أو من ظروف التعاقد أنه متى اختار صنفاً معيناً فى أجل تقيد به فى الآجال التالية . وهذا الحكم أيضاً بديهى يمكن استخلاصه دون نص من تطبيق القواعد العامة ، وقد نص عليه صراحة تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( [38] ) .
وإذا مات المدين قبل أن يعمل خياره ، انتقل حق الخيار إلى الورثة ، وليس فى هذا إلا تطبيق للقواعد العامة ( [39] ) . وقد نص على هذا الحكم صراحة ” كل من التقنين المدنى العراقى ( م 300 ) وتقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( م 59 ) . وإذا تعدد المدينون ، سواء عن طريق تعدد الورثة أو بأن كان المدينون فى الأصل متعددين ، وجب أن يتفق الجميع على اختيار أحد محا الالتزام التخييرى . فإذا لم يتفقوا ، اعتبروا فى حكم الممتنعين عن إعمال حق الخيار .
وحكم امتناع المدين عن إعمال حق الخيار هو ما قررته العبارة الأخيرة من الفقرة الأولى من المادة 276 مدنى ( [40] ) : أن يتولى القاضى بنفسه تعيين محل الالتزام فالدائن يطلب غلى القاضى أولاً تعيين أجل يختار فيه المدين أو يتفق فيه المدينون إذا تعددوا أصلاً أو تعددت الورثة . فإذا انقضى هذا الأجل دون أن يختار المحل الواجب الأداء ، مسترشداً فى ذلك بإرادة الطرفين المشتركة ، وبخاصة إرادة المدين إذا 160 كان يستطيع وحده أن ينفرد بالاختيار ولم يفعل ، ومسترشداً أيضاً بظروف التعاقد وبغير ذلك من الملابسات . ولا ينتقل الخيار هنا إلى الدائن ، حتى لا يوضع المدين تحت رحمته ( [41] ) . وهذا بخلاف ما إذا كان الخيار للدائن وابى أن يعمل حقه فيه ، فسنرى أن الخيار فى هذه الحالة ينتقل إلى المدين ، إذ يغتفر من تحكم المدين ما لا يغتفر من تحكم الدائن ( [42] ) .
96 – التعيين إذا كان الخيار للدائن : وما قدمناه من الأحكام فيما إذا كان الخيار للمدين يسرى ، فيما عدا مسائل قليلة ، على الحالة التى يكون فيها الخيار للدائن ، إذا كان مشترياً مثلا ، واحتفظ لنفسه بحق اختيار شئ اشتراه من بين عدة أشياء ، بأن تكون هذه الأشياء من أصناف أو أحجام أو 161 أو ألوان مختلفة ويريد أن ينتفى الصنف أو الحجم أو اللون الذى يلائمه . فيستطيع أن يعمل خياره عن طريق إرادة يعلنها إلى المدين ، وتحدث أثرها عندما تصل إلى علم المدين فيتعين المحل الواجب الأداء . وله أن يرجع فيها ، ويحل محل الاختيار الأول اختياراً آخرا إذا وصل هذا الاختيار الآخر إلى علم المدين قبل وصول الاختيار الأول . وبمجرد أن تصل إرادة الدائن إلى علم المدين ، فإن المدين يصبح فى حل من التصرف فى سائر محال الالتزام التى لم يقع عليها اختيار الدائن ، ولا يحتجز الدائن إلا المحل الذى وقع عليه الاختيار ( [43] ) .
كذلك يستطيع الدائن أن يعمل حقه فى الخيار عن طريق التنفيذ الفعلى ، بأن يقبض من المدين محلاً معيناً من المحال المتعددة أو يطالبه بأداء محل معين . ويعتبر التنفيذ الجزئى – بأن يقبض جزءاً من محل معين مثلاً – بمثابة التنفيذ الكلى من حيث إعمال حق الخيار ، فلا يستطيع الدائن بعد أن قبل التنفيذ الجزئى فى محل معين إلا أن يمضى فى التنفيذ إلى غايته فى نفس هذا المحل .
ولابد أن يختار الدائن فى الميعاد المحدد إذا حدد ميعاد ، وإلا ففى ميعاد معقول . فإن امتنع عن الاختيار ، جاز للدائن أن يلجأ إلى القاضى على الوجه الذى سنبينه .
كذلك يجب أن يختار الدائن محلاً من المحال المتعددة للالتزام التخييرى ، فلا يختار شيئاً آخر خارجاً عن هذا النطاق . وليس له أن يختار جزءاً من محل وجزءاً من محل آخر ، حكمه فى ذلك حكم المدين الذى يكون له الخيار .
وإذا كان الالتزام التخييرى زمنياً أو ينفذ فى آجال دورية ، جاز للدائن – المدرسة أو المستشفى فى مثل مورد الأغذية الذى سبق إيراده – أن يختار صنفاً فى أجل وصنفاً آخر فى أجل بعده ، على النحو الذى بيناه فى حالة ما إذا كان الخيار للمدين .
162
وإذا مات الدائن انتقل الخيار لورثته . وإذا تعدد الدائنون أو تعددت الورثة وجب أن ينفق الجميع على اختيار شئ واحد ، وإلا عدوا ممتنعين عن استعمال حق الخيار .
وحكم امتناع الدائن عن استعمال حق الخيار هو ما قررته العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 276 ( [44] ) : أن ينتقل الخيار إلى المدين . فالمدين يطلب من القاضى أولاً أن يعين أجلاً يختار فيه الدائن ، أو يتفق فيه الدائنون المتعددون أو الورثة ، فإذا انتقضى الأجل دون أن يختار الدائن أو دون أن يتفق الدائنون المتعددون أو الورثة ، فهنا – خلافاً للحالة التى يكون فيها الخيار للمدين على ما قدمنا – ينتقل الخيار من الدائن إلى المدين ، وهذا بموجب نص صريح فى التقنين المدنى المصرى ( [45] ) . ولو لم يوجد هذا النص ، لما أمكن تقرير هذا الحكم ، ولوجب – كما هو الأمر فى القانون الفرنسى ( [46] ) – أن يتولى القاضى هنا أيضاً الاختيار بنفسه ( [47] ) .
ويلاحظ أن الخيار إذا كان لأجنبى ، طبقت فى حقه الأحكام المتقدمة . لكن إذا امتنع الأجنبى عن الخيار ، تولى القاضى الاختيار بنفسه تطبيقاً للقواعد 163 العامة ، ولا ينتقل الخيار إلى المدين لأن انتقال الخيار إلى من ليس له حق الخيار يقتضى نصاً خاصاً ، فإن لم يوجد النص وجب أن يتولى القضاء الاختيار .
97 – استناد تعيين المحل إلى الماضى : وأياً كان الشخص الذى يثبت له حق الخيار ، فإنه متى أعمل حقه واختار المحل الواجب الأداء على النحو الذى قدمناه ، صار هذا المحل وحده هو محل الالتزام ، وانقلب الالتزام التخييرى التزاماً بسيطاً ذا محل واحد هو المحل الذى وقع عليه الاختيار ( [48] ) .
ويستند هذا التعيين بأثر رجعى إلى الماضى ، أى أن المحل الذى وقع عليه الاختيار يعتبر منذ نشوء الالتزام هو المحل الوحيد ، ويعتبر الالتزام بسيطاً لا تخييرياً منذ نشوئه لا منذ إعمال حق الاختيار . وليس هذا الاستناد إلى الماضى 164 يرجع إلى أن المحل المعين كان محلاً للالتزام معلقاً على شرط واقف هو أن يقع عليه الاختيار ، فقد قدمنا أن الالتزام التخييرى ليس بالتزام شرطى ( [49] ) وإنما يرجع الاستناد إلى أن المحل الذى عين كان منذ البداية محلاً للالتزام ، إلا أن هذه المحلية كانت شائعة بينه وبين المحال الأخرى ، فبتعيينه تركزت المحلية فيه ، واعتبر هو المحل الوحيد منذ بدء الالتزام . وهذا ما يسميه الفقه الألمانى بالتركز ( concentration ) ، ويفسرون به الاستناد إلى الماضى ، مفرقين بين الالتزام التخييرى والالتزام الشرطى . فعند الألمان ليس للشرط بوجه عام أثر رجعى . كما قدمنا ، أما التعيين فى الالتزام التخييرى فله أثر رجعى ( [50] ) .
ويترتب على هذا الأثر الرجعى والاستناد إلى الماضى نتائج هامة نذكر منها ما يأتى :
( 1 ) تتحدد طبيعة الالتزام التخييرى منذ البداية بالتعيين الذى سيتم بعد نشوء الالتزام ، والذى يستند إلى وقت نشوئه . فإذا كانت محال الالتزام التخييرى بعضها عقا وبعضها منقول أو بعضها قابل للتجزئة وبعضها غير قابل لها ، ثم تعيين من بينها المحل الواجب الأداء فإذا هو عقار مثلاً أو هو شئ غير قابل للتجزئة ، اعتبر الالتزام التخييرى منذ البداية التزاماً بسيطاً عقارياً أو التزاماً بسيطاً غير قابل للتجزئة ( [51] ) .
( 2 ) إذا كانت محال الالتزام التخييرى نقل ملكية أشياء متعددة ، ووقع الاختيار على شئ واحد من هذه الأشياء ، وكان نقل الملكية يتم بمجرد نشوء 165 الالتزام كما فى المنقول المعين بالذات ، فإن ملكية الشئ الذى وقع عليه الاختيار تعتبر قد انتقلت منذ نشوء الالتزام لا منذ إعمال حق الخيار ، ويعتبر الدائن مالكاً للشئ منذ البداية ( [52] ) .
( 3 ) إذا شهر إفلاس المدين أو إعساره فى الفترة ما بين نشوء الالتزام وإعمال حق الخيار ، فما دام الدائن يعتبر مالكاً للشئ منذ نشوء الالتزام ، فإنه يستطيع أن يسترده من التفليسة أو من مال المعسر دون أن يشاركه فيه سائر دائنى المدين ( [53] ) .
( 4 ) إذا تصرف الدائن فى الشئ فى الفترة ما بين نشوء الالتزام وإعمال حق الخيار ، ثم وقع الاختيار على هذا الشئ ، اعتبر الدائن أنه قد تصرف فى ملكه منذ تاريخ هذا التصرف . وإذا كان الشئ عقاراً وسجل التصرف قبل إعمال حق الخيار ، انتقلت الملكية إلى المتصرف إليه بالتسجيل وفى تاريخ سابق على إعمال حق الخيار ( [54] ) .
166
2 – أحكام الهلاك
98 – النصوص القانونية : تنص المادة 277 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” إذا كان الخيار للمدين ، ثم استحال تنفيذ كل من الأشياء التى اشتمل عليها محل الالتزام ، وكان المدين مسئولاً عن هذه الاستحالة ولو فيما يتعلق بواحد من هذه الأشياء ، كان ملزماً بأن يدفع قيمة آخر شئ استحال تنفيذه ” ( [55] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق فيض من النصوص تبسط فيها هذا التقنين ، مفصلاً أحكام تحمل تبعة الهلاك ، وهى المواد 97 / 151 و 99 / 153 و 100 / 154 ( [56] ) .
167
ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 277 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 264 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 301 ، وفى تقنين الموجبات والقعود اللبنانى المواد 61 – 3 و 66 – 67 ( [57] ) .
ويتبين من النص السالف الذكر أن التقنين المدنى المصرى اقتصر على إيراد الحكم فى صورة واحدة من صور استحالة تنفيذ بعض أو كل الأشياء المتعددة 168 التى اشتمل عليها محل الالتزام التخييرى . وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ، بياناً لذلك ، ما يأتى : ” يواجه هذا النص حكم استحالة تنفيذ أمر أو أكثر من الأمور التى يرد التخيير عليها . ورغم أن هذا الحكم محدود الأهمية من الناحية العملية ، فقد جرت التقنينات اللاتينية على الإسهاب بشأنه ، فأوردت نصوصاً كثيرة ليست فى جملتها إلا تطبيقات بينة للقواعد العامة . على أن المشروع لم ير مجاراة هذه التقنينات ، بل اجتزأ بنص واحد واجه فيه فرضاً ليس لتطبيق القواعد العامة فيه حظ موفور من الوضوح ” ( [58] ) .
ويحسن أن نستعرض الصور المنطقية الحالية ما إذا استحال تنفيذ كل أو بعض الأشياء المتعددة التى اشتم عليها الالتزام التخييرى ، مطبقين فى كل صورة منها القواعد العامة لنصل إلى الحل الواجب الاتباع فى مصر ، وستأتى الصورة التى عرض لها النص ضمن هذه الصور .
وتوخياً للوضوح نفرض أن هذه الأشياء المتعددة هما شيئان معينان بالذات ، وأن عينا منهما أو الاثنين معاً قد هلكا . وما نقوله فيما إذا كان المحل أحد عينين معينين بالذات يصلح لمنا إذا كان المحل يشمل أكثر من عينين أو يشمل عملاً أو امتناعاً عن عمل . ومن ثم نحصر الصور النطقية فيما يأتى : ( 1 ) خلاك الشيئين معاً بسبب أجنبى ، سواء كان الخيار للمدين أو الدائن . ( 2 ) هلاك الشيئين أو أحدهما والخيار للمدين . ( 3 ) هلاك الشيئين أو أحدهما والخيار للدائن . وفى الصورتين الأخيرتين المفروض طبقاً أن نستبعد من كل منهما حالة ما إذا هلك الشيئان معاً بسبب أجنبى ، فهذه حالة قد استغرقتها الصورة الأولى .
99 – هلاك الشيئين معاً بسبب أجنبى : هذه الحالة نتخفف منها منذ البداية ، لأن تطبيق القواعد العامة فيها واضح كل الوضوح .فما دام الشيئان – أو الأشياء جميعاً – قد هلكت بسبب أجنبى ، فقد استحال تنفيذ الالتزام ، وانقضى الالتزام التخييرى بسبب هذه الاستحالة ( م 373 ) مدنى ، سواء فى ذلك كان الخيار للمدين أو كان الخيار للدائن ( [59] ) .
169
100 – هلاك الشيئين أو أحدهما والخيار للمدين : نستبعد بداهة حالة ما إذا هلك الشيئان معاً بسبب أجنبى ، فقد مضى القول فيها . وتبقى إذن الصور الآتية :
( 1 ) هلك أحد الشيئين دون الآخر بسبب أجنبى : مقتضى تطبيق القواعد العامة أن الالتزام يتركز محله فى الشئ الباقى ، فليس للمدين إلا أن يختاره إذ ليس أمامه غيره ( [60] ) . وإذا شمل المحل عدة أشياء هلك أحدها ، كان للمدين أن يعين محل الالتزام شيئاً من بين الأشياء الباقية .
170
( 2 ) هلك أحد الشيئين دون الآخر بخطأ المدين : ما دام المدين هو الذى له حق الخيار ، فلا مناص من اعتبار الشئ الذى هلك بخطأه هو الشئ الذى لم يختره ، فلا يبقى أمامه إلى الشئ الباقى – أو أحد الأشياء الباقية يتولى اختياره – فيؤديه للدائن محلاً للالتزام ( [61] ) .
( 3 ) هلك أحد الشيئين دون الآخر بخطأ الدائن : ما دام الخيار بيد المدين فقد كان له أن يختار الشئ الذى هلك بخطأ الدائن أو الشئ الآخر ، فيبقى على خياره ما بين تأدية الشئ الآخر – أو شئ من الأشياء الأخرى فى حالة لتعدد – للدائن مع الرجوع عليه بقيمة الشئ الذى هلك بخطأه ، أو أن يعتبر الشئ الذى هلك بخطأ الدائن هو الشئ الواجب الأداء فتبرأ ذمته من الدين ولا يرجع على الدائن بشئ ( [62] ) .
( 4 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك أحدهما بخطأ المدين : إذا هلك الشئ الأول بخطأ المدين ، وكان الخيار له ، فإن هلاك هذا الشئ بخطأه يجعل محل الالتزام يتركز فى الشئ الآخر . فإن هلك هذا الشئ الآخر بسبب أجنبى ، فلا يزال هناك خطأ منسوب إلى المدين ، إذ هو بخطأه الأول جعل الالتزام 171 متركزاً فى الشئ الآخر ، ولو أنه لم يرتكب هذا الخطأ لما هلك الشئ الأول ولبقى بعد هلاك الشئ الآخر محلاً للالتزام . ومن ثم يعتبر هلاك الشئ الآخر منسوباً إلى المدين حتى لو كان الهلاك بسبب أجنبى ، فعليه أن يدفع قيمته للدائن . ولو تعددت الأشياء وهلكت كلها ، مع هلاك أحدهما بخطأ المدين ، فإن الالتزام يتركز فى آخر شئ منها ، ويعتبر هلاكه – ولو بسبب أجنبى – منسوباً إلى المدين ، فيجب علية دفع قيمته ( [63] ) .
وإذا كان الشئ الذى هلك بخطأ المدين هو الشئ الثانى بعد هلاك الشئ الأول بسبب أجنبى ، فإن الالتزام بعد هلاك الشئ الأول بسبب أجنبى يكون قد تركز فى الشئ الثاننى ، وقد هلك بخطأ المدين فوجب عليه دفع قيمته ( [64] ) .
ومن ثم يجب على المدين فى جميع الأحوال أن يدفع للدائن قيمة آخر شئ هلك . وهذه الصورة هى إحدى الصورتين اللتين عرض لهما نص المادة 277 سالفة الذكر ، وقد كشفنا عن وجه الخلفاء فى الحكم الوارد فى شأنها .
( 5 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك كل منهما بخطأ المدين : وهذه هى الصورة الأخرى التى عالجتها المادة 277 مدنى . وفى هذه الصورة أيضاً ينطبق نفس الحكم الذى قدمناه فى الصورة المتقدمة . فقد هلك الشئ الأول بخطأ المدين ، فتركز الالتزام فى الشئ ، فهلك بخطأ المدين أيضاً ، فوجب عليه دفع قيمته . ولو تعددت الأشياء وهلك الشئ الأخير منها بخطأ المدين ، وجب عليه كذلك دفع قيمته بعد أن تركز الالتزام فيه ( [65] ) .
172
( 6 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك أحدهما بخطأ الدائن : ومن ثم يكون هلاك الشئ الآخر بسبب أجنبى . فإن كان الشئ الذى هلك أولا هو الذى هلك بسبب أجنبى ، فقد تركز محل الالتزام فى الشئ الآخر الذى هلك بخطأ الدائن ، ولما كان الدائن قد أهلكه بخطأه فيكون بمثابة من استوفاه ، وتبرأ ذمة المدين من الالتزام ( [66] ) . أما إذا كان الشئ الذى هلك أولاً هو الذى هلك بخطأ الدائن ( [67] ) ، فللمدين ، وله الخيار ، أن يختار الشئ الآخر ، وإذ هلك هذا الشئ الآخر بسبب أجنبى فقد برئت ذمة المدين بهلاكه ، ثم يرجع المدين على الدائن بقيمة الشئ الأول الذى هلك بخطأه .
( 7 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك كل منهما بخطأ الدائن : للمدين فى هذه الصورة أن يختار الشئ الذى يؤديه فتكون ذمته قد برئت بهلاكه ، ويرجع بقيمة الشئ الآخر على الدائن . ولو تعددت الأشياء اختار المدين الشئ الذى بهلاكه تبرأ ذمته ، ورجع بقيمة بقية الأشياء على الدائن ( [68] ) .
173
101 – هلاك الشيئين أو أحدهما والخيار للدائن : هنا أيضاً نستبعد حالة ما إذا هلك الشيئان معاً بسبب أجنبى ، فقد بينا حكمها فيما تقدم ، وعرفنا أن الالتزام ينقضى بسبب هذا الهلاك . فتبقى الصور المقابلة للصور التى عالجناها فى حالة ما إذا كان الخيار للمدين :
( 1 ) هلك أحد الشيئين دون الآخر بسبب أجنبى : هنا – كما فى الصورة المقابلة – يتركز الالتزام فى الشئ الذى يبقى ، ويتعين على الدائن أن يختاره وإذا تعددت الأشياء وهلك أحدها بسبب أجنبى ، فللدائن أن يختار شيئاً من الأشياء الباقية ( [69] ) .
( 2 ) هلك أحد الشيئين دون الآخر بخطأ المدين : ما دام الدائن هو الذى له حق الخيار ، فله أن يختار الشئ الهالك فيرجع بقيمته ، أو يختار الشئ أو أحد الأشياء الباقية فيستأديها عيناً من المدين ( [70] ) .
( 3 ) هلك أحد الشيئين دون الآخر بخطأ الدائن : للدائن أن يختار ، فإن 174 اختار الشئ الذى هلك بخطأه فقد برئت ذمة المدين بهلاكه . وأن اختار الشئ الآخر ، فعليه أن يدفع قيمة الشئ الهالك للمدين ( [71] ) .
( 4 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك أحدهما بخطأ المدين : إذا اختار الدائن الشئ الذى هلك بخطأ المدين ، رجع عليه بقيمته . أما إذا اختار الشئ الذى هلك بسبب أجنبى ، لم يرجع بشئ على المدين إذ برئت ذمته بهلاك الشئ بالسبب الأجنبى . لذلك لا يتردد الدائن فى اختيار الشئ الذى هلك بخطأ المدين ، حتى يرجع عليه بقيمته ( [72] ) .
( 5 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك كل منهما بخطأ المدين : لما كان الخيار للدائن ، فله أن يختار أحد الشيئين فيرجع بقيمته على المدين إذ هلك بخطأه ( [73] ) .
175
( 6 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك أحدهما بخطأ الدائن : إذا اختار الدائن الشئ الذى هلك بخطأه ، برئت ذمة المدين من الدين ولم يرجع على الدائن بشئ . أما إذا اختار الدائن الشئ الذى هلك بسبب أجنبى ( [74] ) ، فقد برشت ذمة المدين أيضاً بهلاك الشئ بالسبب الأجنبى ثم يرجع المدين على الدائن بقيمة الشئ الذى هلك بخطأه . ومن ثم لا يتردد الدائن فى اختيار الشئ الذى هلك بخطأه حتى لا يرجع عليه المدين بشئ . ( 7 ) هلك الشيئان معاً وكان هلاك كل منهما بخطأ الدائن : لما كان الخيار للدائن ، فله أن يختار أحد الشيئين ، وإذ هلك الشئ الذى اختاره بخطأه فيكون بمثابة من استوفاه وتبرأ ذمة المدين . ثم يرجع المدين بقيمة الشئ الآخر على الدائن إذ هلك هو
( [1] ) مراجع : بنكاز Bonnecase تكملة بودري 2 فقرة 760 وما بعدها – مقال له في مجلة القانون المدني الفصلية سنة 1929 ص 1092 – أوبرى ورو 4 فقرة 300 – بودري وبارد 2 فقرة 1042 – فقرة 1106 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1048 – فقرة 1051 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 800 – فقرة 803 – دي باج 3 فقرة 273 – 282 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1319 – فقرة 1322 – كولان وكابيتان ودي لامور انديير 2 فقرة 678 – جوسران 2 فقرة 745 – فقرة 746 .
( [2] ) ويقول دي باج إنه بالرغم من أن الالتزام التخييري ليس كثير الوقوع في الحياة العملية ، فإنه يثير صعوبات جدبة من ناحية الصناعة القانونية ( دي باج 3 فقرة 273 ص 269 ) .
( [3] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 399 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، غير أن النص في المشروع التمهيدي كان مقسوماً إلى فقرتين ، فاندمجت الفقرة الثانية في الفقرة الأولى في لجنة المراجعة . وعرض على لجنة المراجعة اقتراح محكمة مصر من إضافة نص يجعل أثر التخيير يستند إلى وقت الالتزام ، فلم تر اللجنة ضرورة لهذا النص لامكان استخلاص حكمه من المبادئ العامة ، وأصبحت المادة رقمها 287 في المشروع النهائي . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 275 – مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 37 وص 39 ) .
( [4] ) التقنين المدني السابق 96 / 150 : إذا كان التعهد بعمل أحد شيئين فأكثر ، الخيار للمتعهد ، إلا إذا وجد نص صريح في التعهد أو في القانون يقضي بخلاف ذلك .
ولا فرق في الأحكام ما بين التقنينين الجديد والقديم . وقد كان التقنين القديم يغفل ذكر الالتزام البدلي ، ويكثر من النصوص فيما يتعلق بالالتزام التخييري في غير ضبط ولا تحديد . وقد تكفل التقنين المدني الجديد بهذا الضبط ، فبين من يستعمل الخيار إذا امتنع من له الحق في مباشرته ، ووضع نظاماً أدنى إلى المنطق في آثار استحالة التنفيذ . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : ” عمد المشروع – فيما تعلق بالأوصاف الخاصة بتعدد محل الالتزام – إلى الجمع بين الالتزام التخييري والالتزام البدلي في الفصل المعقود لهما ، مقتدياً ذلك بالتقنين اللبنانين . ولعل في دقة التفريق بين هذين الضربين من الالتزام ما يمتنع معه الأعضاء عن إهمال التقنين المصري والتقنين الفرنسي ، بل والمشروع الفرنسي الإيطالي ، للالتزامات البدلية . ومع أن أحكام الالتزام التخييري ظفرت بخط موفور من التفصيل في نصوص التقنين الحالي ( السابق ) – إذ اختصت بما لا يقل عن مواد أربع – إلا إنها كانت بحاجة إلى شيء من الضبط والتحديد . وقد تكفل المشروع بذلك ، فعين كيفية أعمال حق الخيار بين محلى التخيير إذا امتنع من ثبت له هذا الحق من العاقدين عن مباشرته ، ووضع لإثار استحالة التنفيذ نظاماً أدنى إلى المنطق ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 36 ) .
( [5] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدني السوري م 275 ( مطابقة للمادة 275 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني الليبي م 262 ( مطابقة للمادة 275 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني العراقي م 298 : 1 – يصح أن يكون محل الالتزام أحد أشياء قيمية أو مثلية من اجناس مختلفة ، ويكون الخيار في تعيينه للمدين أو للدائن . 2 – وإذا أطلق خيار التعيين فهو للمدين ، إلا إذا قضى القانون أو اتفق المتعاقدان على أن الخيار يكون للدائن .
( ولا فرق في الأحكام ما بين التقنين المصري والتقنين العراقي رغم اختلاف العبارة . أنظر في التقنين العراقي الأستاذ حسن الذنون في أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي فقرة 136 – فقرة 166 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 56 : الموجب التخييري هو الذي يكون موضوعه مشتملا على جملة أشياء تبرأ ذمة المديون تماماً بأداء واحد منها . وللمديون وحده حق الاختيار ما لم يكن ثمة نص مخالف . ( ولا فرق في الأحكام ما بين التقنين المصري والتقنين اللبنانين رغم اختلاف العبارة . ويقول التقنين اللبناني إن حق الاختيار للمدين ما لم يكن ثمة نص مخالف ، والمقصود بالنص هنا الاتفاق ( stipulation ) كما يفهم من الرجوع إلى الأصل الفرنسي للمادة 56 ، أما نص القانون فمن البديهي أنه إذا وجد وجعل الخيار للدائن فإنه يجب اتباعه ) .
( [6] ) وخيار التعيين في الفقه الإسلامي – وهو الذي يقابل التخيير في الالتزام التخييري – لا يجوز أن يقع على أكثر من أشياء ثلاثة ، ويلزم فيه ذكر المدة التي يتم فيها الخيار على خلاف في الرأي ، ويكون الخيار إما للمشتري أو للبائع حسب الشرط . جاء في المبسوط للسرخسي جزء 13 ص 55 ) : ” ولو اشترى ثوبين كل واحد منهما بعشرة دراهم ، على أنه بالخيار ثلاثة أيام يمسك أيهما شاء ويرد الآخر ، جاز العقد عندنا استحسانا . وكذلك هذا في ثلاثة أثواب ، وفيما زاد على الثلاثة العقد فاسد . . . . وجه الاستحسان ان هذا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لانه شرط الخيار لنفسه ، وبحكم خياره يستند بالتعتين ، والجهالة التى لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة العقد . . . . فقد يشترى الانسان لعياله ثوبا ولا يعجبه أن يحمل عياله إلى السوق ولا يرضي البائع بالتسليم إليه ليحمله إلى عياله بغير عقد ، فيحتاج إلى مباشرة العقد بهذه الصفة . وهذه الحاجة مقصورة على الثلاث ، لان كل نوع يشتمل على أوصاف ثلاثة ، جيد ووسط وردئ ، فإذا حمل الثلاثة إلى أهله ثم المقصود . فأخذنا فيما زاد على ذلك بالقياس لعدم الحاجة فيه . . . ثم نص في هذا الموضع على تقدير الخيار بثلاثة أيام ، وهو الصحيح ، لان هذا خيار ثبت بالشرط فلابد فيه من اعلام المدة ، وان أطلق ذلك في غير هذا الموضع ” وجاء في البدائع للكاساني ( جزء 5 ص 157 ) في خصوص المدة ما يأتي : ” وهل يشترط بيان المدة في هذا الخيار ؟ اختلف المشايخ فيه لاختلاف ألفاظ محمد في هذه المسألة في الكتب ، فذكر في الجامع الصغير على أن يأخذ المشترى أيهما شاء وهو فيه بالخيار ثلاثة أيام ، وذكر في الاصل على أن يأخذ أيهما شاء بألف ولم يذكر الخيار . فقال بعضهم لا يجوز هذا البيع الا بذكر مدة خيار الشرط ، وهو ثلاثة أيام فما دونها عند أبى حنيفة رحمه الله ، وعندهما الثلاث وما زاد عليها بعد أن يكون معلوما ، وهو قول الكرخي والطحاوى رحمهما الله . وقال بعضهم يصح من غير ذكر المدة . وجه قول الاولين ان المبيع لو كان ثوبا واحدا معينا وشرط فيه الخيار كان بيان المدة شرط الصحة بالاجماع ، فكذا إذا كان واحدا غير معين ، والجامع بينهما ان ترك التوقيت تجهيل لمدة الخيار وانه مفسد للبيع . . . . . وجه قول الآخرين ان توقيت الخيار في المعين انما كان شرطا لان الخيار فيه يمنع ثبوت الحكم للحاجة إلى دفع الغبن بواسطة التأمل فكان في معنى الاستثناء ، فلا بد من التوقيت ليصح استثناء ذلك في الوقت عن ثبوت حكم البيع فيه ، وخيار التعيين لا يمنع ثبوت الحكم بل يثبت الحكم في أحدهما غير عين وانما يمنع تعين المبيع لا غير ، فلا يشترط له بيان المدة والله سبحانه وتعالى أعلم . والدليل على التفرقة بينهما أن خيار الشرط لا يورث على أصل أصحابنا ، وخيار التعيين يورث بالاجماع ” هذا وكون الخيار يجوز أن يكون للبائع إنما جاء على سبيل الاستحسان ، جاء في فتح القدير للكمال بن الهمام ( جزء 5 ص 131 ) : ” وإذا ظهر أن جواز هذا البيع للحاجة إلى اختيار ما هو الارفق والأوفق لمن يقع الشيء له حاضرا أو غائبا ، ظهر أنه لا يجوز للبائع ، بل يختص خيار التعيين بالمشتري ، لأن البائع لا حاجة له إلى اختيار الأوفق والأرفق لأن المبيع كان معه قبل البيع وهو ادرى بما لاءمه منه ، فيرد جانب البائع إلى القياس ، فلهذا نص في المجرد على أنه لا يجوز في جانب البائع . وذكر الكرخي أنه يجوز استحساناً ، لأنه بيع يجوز مع خيار المشتري فيجوز مع خيار البائع قياسا على الشرط ” .
وحكم البيع مع خيار التعيين أنه غير لازم لمن له الخيار سواء كان المشتري أو البائع . جاء في البدائع ( جزء 5 ص 261 ) في حالة ما إذا كان الخيار للمشتري : ” الملك الثابت بهذا البيع قبل الاختيار ملك غير لازم ، وللمشترى أن يردهما جميعا ، لان خيار التعيين يمنع لزوم العقد كخيار العيب وخيار الرؤية ، فيمنع لزوم الملك ، لكان محتملا للفسخ . وهذا لان جواز هذا النوع من البيع انما يثبت بتعامل الناس لحاجتهم إلى ذلك لما بينا فيما تقدم ، ولا تنعدم حاجتهم الا بعد اللزوم لانه عسى لا يوافقه كلاهما جميعا فيحتاح إلى ردهما ” . وجاء أيضاً ( ص 263 ) في حالة ما إذا كان الخيار للبائع : ” وللبائع أن يفسخ البيع لأنه غير لازم ” .
ويبدو أن خيار التعيين يكون مقترناً بخيار الشرط . وهذا ما يعلل أن البيع المقترن بخيار التعيين يكون يغر لازم على النحو الذي قدمناه ، وعدم لزومه إنما جاء من خيار الشرط المقترن بخيار التعيين لا من خيار التعيين ذاته . وهذا ما يعلل أيضاً أن خيار التعيين ينتقل إلى الورثة ولكن البيع يكون لازماً لهم خلافاً للمورث ، وذلك لأن خيار الشرط المقترن بخيار التعيين لا يورث ، فينقطع هذا الخيار عن الورثة ومن ثم يلزمهم البيع ، ويبقى لهم خيار التعيين وحده دون خيار الشرط . وهذا ما يعلل أخيراً أن الشيئين إذا تعيبا معاً في يد المشتري وكان له خيار التعيين ، فللمشتري أن يأخذ أيهما شاء بثمنه وليس له أن يردهما جميعاً ، لأن خيار الشرط المقترن بخيار التعيين هو الذي بطل بتعيب الشيئين وبقى خيار التعيين على حاله . وفي هذا يقول صاحب البدائع ( جزء 5 ص 262 ) : ” ولو تعيبا جميعا ، فان كان على التعاقب تعين الاول للبيع ولزمه ثمنه ويرد الاخر لما قلنا ، ولا يغرم بحدوث العيب شيأ لما قلنا انه أمانة . وان تعيبا معا لا يتعين أحدهما للبيع لانه ليس أحدهما بالتعيين أولى من الآخر ، وللمشترى أن يأخذ أيهما شاء بثمنه ، لانه إذا لم يتعين أحدهما للبيع بقى المشترى على خياره . الا انه ليس له أن يردهما جميعا ، لان البيع قد لزم في أحدهما بتعيينهما في يد المشترى وبطل خيار الشرط ، وهذا يؤيد قول من يقول من المشايخ ان هذا البيع فيه خياران ، خيار التعيين وخيار الشرط ، ولا بد له من رتبة معلومة ، إذ لو لم يكن لملك ردهما جميعا كما لو لم يتعيب أحدهما أصلا ، لكنه لم يملك لان ردهما جميعا قبل التعييب ثبت حكما لخيار الشرط ، وقد بطل خيار الشرط بعد تعينهما معا فلم يملك ردهما ، وبقى خيار التعيين فيملك رد أحدهما . . . . ولا يبطل هذا الخيار بموت المشترى بل يورث بخلاف خيار الشرط ، لان خيار التعيين انما يثبت للمورث لثبوت الملك له في أحدهما غير عين ، وقد قام الوارث مقامه في ذلك الملك فله أن يختار أيهما شاء دون الآخر ، الا انه ليس له أن يردهما جميعا وقد كان للمورث ذلك . وهذا يؤيد قول أولئك المشايخ انه لابد من خيارين في هذا البيع ، وقد بطل أحدهما وهو خيار الشرط بالموت لانه لا يورث على أصل أصحابنا فبطل الحكم المختص به وهو ولاية ردهما جميعا ” .
( [7] ) ديرانتون 11 فقرة 136 – ماركادية 4 فقرة 579 – ديمولومب 26 فقرة 4 – بودري وبارد 2 فقرة 1042 .
( [8] ) لكن إذا أراد المتعاقدان أن يخفيا التزاماً غير مشروع تحت ستار التزام تخييري ، بأن يتفقا أصلاً على محل غير مشروع ، ثم يضعا إلى جانبه على طريق التخيير محلا آخر مشروعاً يكون المقصود منه أن يصبح جزاء لعدم تنفيذ المحل غير المشروع ، فإن مثل هذا الالتزام لا يكون التزاما صحيحاً حتى في محله المشروع ، بل يكون التزاماً باطلا في المحلين جميعاً ( بودري وبارد 2 فقرة 1046 ص 207 هامش رقم 2 ) .
( [9] ) وهذا هو النص فى أصله الفرنسى :
L’obligation est pure et simple, quoique contractee d’une maniere alternative, si l’une des duex choses ne pouvait etre le sujct l’obligation .
( [10] ) ديمولومب 26 فقرة 12 – بودرى وبارد 2 فقرة 1046 – وانظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 38 .
( [11] ) ديمولب 26 فقرة 8 – بودرى وبارد 2 فقرة 1044 – فقرة 1045 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1048 – دى باج 3 فقرة 274 .
( [12] ) ديرانتون 11 فقرة 139 – لارومبيير 3 م 1189 فقرة 9 – ديمولومب 26 فقرة 5 – بودرى وبارد 2 فقرة 1043 .
( [13] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1075 .
( [14] ) انظر ماركاديه 4 فقرة 1189 – كولميه دى سانتير 4 فقرة 115 مكررة – ديمولومب 26 فقرة 63 .
( [15] ) انظر المادة 276 مدنى ، وسيأتى بيان ذلك . فلا يكون إذن اختيار أحد محال الالتزام التخييرى شرطاً ما دام محقق الوصول ، بل هو أجل معين أو غير معين على حسب الأحوال ( انظر قريباً من هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقرة 1052 ) .
( [16] ) انظر بودرى وبارد 2 فقرة 1053 .
( [17] ) لارومبيير 3 م 1189 فقرة 8 – ديمولومب 26 فقرة 35 – بودرى وبارد 2 فقرة 1054 – فقرة 1055 .
( [18] ) قارب بودرى وبارد 2 فقرة 1065 .
( [19] ) لارومبيير 3 م 1189 فقة 7 – ديمولومب 26 فقرة 7 – فقرة 8 – بودرى وباد 2 فقرة 1054 ص 212 .
( [20] ) لارومبيير 3 م 1192 فقرة 1 – ديمولومب 26 فقرة 12 – بودرى وبارد 2 فقرة 1056 . ويقع كثيراً أن تعقد الشركات الكبيرة قروضاً فى الأسواق العالمية ، فتصدر سندات وتتعهد بدفع رأس المال والأرباح بعملات مختلفة ، حتى يتهيأ للمقرضين حاملى هذه السندات أن يقبضوا حقوقهم كل بعمله بلده ، فهل يعتبر التزام الشركة المقترضة فى هذه الحالة التزاماً تخييرياً محالة المتعددة هى هذه العملات المتخلفة؟ انقسم الفقهاء فى هذه المسألة : ففريق يذهب إلى أن الالتزام بسيط ، ومحله هو مبلغ من النقود يحسب فى كل بلد بعملته ، والدائن هنا هو الذى يختار عملة بلده ( بارتان على أوبرى ورو 4 فقرة 300 ص 69 وهامش رقم 3 مكرر – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1320 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1050 ) . وفريق آخر يذهب إلى أن الالتزام تخييرى إذ هو يقع على عملات مختلفة ، ولكن يستخلص من الظروف أن هناك اتفاقاً ضمنياً على أن يكون الخيار فى هذا الالتزام للدائن لا للمدين ، أى لحاملى السندات لا للشركة ( أنسيكلوبيدى داللوز 3 لفظ Obligation فقرة 49 – دى باج 3 فقرة 276 ) . وسواء أخذ بالرأى الأول أو بالرأى لاثانى ، فالنتيجة العملية واحدة ، إذ ينتهى الأمر إلى تفسير نية المتعاقدين وإعطاء الخيار للدائن ، وإنما يختلف الرأيان فى التصوير الفنى للالتزام .
( [21] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1058 . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كان هناك خيار فى دفع الثمن فوراً مع خصم معين أو دفعه إلى أجل ، فالخيار يكون للمدين لا للدائن ، ولا يجوز للدائن أو الوسيط أن يجبر المدين على الدفع فوراً ( استئناف مختلط 20 مايو سنة 1925 م 27 ص 439 ) .
( [22] ) أما التقنين المدنى الفرنسى فقد نص فى المادة 1190 على أن يكون الاتفاق صريحاً ، وبالرغم من ذلك يذهب بعض الفقهاء إلى جواز أن يكون الاتفاق ضمنياً ( بيدان ولاجارد 8 فقرة 801 – أنسيكلوبيدى داللوز لفظ Obligation فقرة 55 – دى باج 3 فقرة 278 ) .
( [23] ) انظر أيضاً المادة 1048 فقرة أولى مدنى .
( [24] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1060 – فقرة 1061 .
( [25] ) انظر فى إمكان أن يكون الخيار للغير فى القانون المدنى العراقى الأستاذ حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 177 .
( [26] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 37 – ص 38 .
( [27] ) انظر أيضاً المادة 1102 فقرة ثانية مدنى فى رهن الحيازة .
( [28] ) انظر الأستاذ عبد الحى حجازى 1 ص 195 – وقارن ، فيما يتعلق بالتزام المدين بدفع الدين فوراً أو بتقديم تأمين إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب أجنبى ، المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 47 وص 31 ، حيث تفيد أن هذا الالتزام التزام بدلى ، الصحيح أنه التزام تخييرى كنظيره الذى ينشأ إذا كان إضعاف التأمين راجعاً إلى خطأ المدين ، ولكن الخيار فى الالتزام الأول للمدين ، وهو فى الالتزام الثانى للدائن .
ومثل الالتزام التخييرى الذى مصدره القانون أيضاً ما قضت به المادة 274 مدنى من أن المدين ، إذا خشى الدائن إفلاسه أو إعساره واستند فى ذلك إلى سبب معقول ، يخير بين وفاء الدين فوراً أو تقديم تأمين ( انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 37 – ص 38 ) . وانظر أمثلة أخرى للالتزام التخييرى الذى مصدره القانون فى نص المادة 425 مدنى ( الغبن فى البيع ، وتقابلها المادة 1681 من التقنين الفرنسى وهذه تنشئ التزاماً بدلياً لا التزاماً تخييرياً ) ، وفى نص المادة 119 من التقنين التجارى ( عدم قبول الكمبيالة ، وتقابلها المادة 120 من التقنين التجارى الفرنسى وتنشئ التزاماً بدلياً لا التزاماً تخييرياً ) .
وقضت المادة 924 مدنى بأن من يقيم منشآت على أرض غيره وهو يعلم أن الأرض ليست ملكه ، ويطلب صاحب الأرض استبقاء المنشآت ، فإن له أن يستبقيها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة أو دفع مبلغ يساوى ما زاد فى ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت . فقد يقال أن فى ذمة صاحب الأرض التزاماً تخييرياً ، إما بدفع قيمة المنشآت مستحقة الإزالة ، أو بدفع ما زاد فى ثمن الأرض . ولكن لما كان صاحب الأرض سيختار دون شك اقل هاتين القيمتين ، فالظاهر أن الالتزام هنا يعتبر التزاماً بسيطاً له محل واحد هو أقل القيمتين ( انظر بودرى وبارد 2 فقرة 1043 ) . ومثل هذا يقال فيما تقضى به المادة 925 مدنى ، فى حالة ما إذا كان من أقام المنشآت على أرض غيره حسن النية ، من أن صاحب الأرض له أن يستبقى المنشآت ، ويخير بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل ، أو أن يدفع مبلغاً يساوى ما زاد فى ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت – وفيما تقضى به بوجه عام المادة 179 مدنى ، من أن المثرى على حساب غيره يلتزم بدفع أقل القيمتين ، قيمة ما أثرى به وقيمة ما افتقر به الدائن .
( [30] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 400 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : ” إذا كان الخيار للمدين وامتنع عن الاختيار ، جاز للدائن أن يطلب من القاضى تحديد أجل للمدين يختار فيه ، حتى إذا لم يفعل تولى القاضى بنفسه تعيين محل الالتزام . 2 – أما إذا كان الخيار للدائن وامتنع عن الاختيار ، حدد القاضى له أجلاً إن طلب المدين ذلك ، فإذا انقضى الأجل انتقل الخيار إلى المدين ” . وفى لجنة المراجعة عدلت المادة ، بناء على طلب محكمة مصر ، للنص على حالة تعدد المدينين أو تعدد الدائنين ولم يتفقوا على الاختيار ، وأصبح النص بعد التعديل مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، وأصبحت المادة رقمها 288 فى المشروع النهائى . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل ، وكذلك مجلس الشيوخ تحت رقم 276 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 240 وص 42 ) .
( [31] ) لم يكن التقنين المدنى السابق يشتمل على نص يبين الحكم فيما إذا رفض من له الخيار ، مديناً كان أو دائناً ، إعمال حق خياره ، أو كان من لهم الخيار متعددين ولم يتفقوا على أمر واحد . لذلك كان الحكم موكولا إلى تطبيق القواعد العامة ، وتقضى هذه بأن يوكل أمر التعيين إلى القضاء . وقد ورد فى الموجز للمؤلف ( ص 502 ) فى هذا الصدد ما يأتى : ” فإذا انقضت مدة الخيار دون أن يستعمله صاحبه ، جاز للطرف الآخر أن يرفع الأمر إلى القضاء ، فيجبر من له حق الخيار على استعماله أو يقوم القضاء مكانه فى ذلك ” . انظر أيضاً : والتون 2 ص 376 – الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 693 – بودرى وبارد 2 فقرة 1071 – فقرة 1703 – استئناف مختلط 27 مارس سنة 1907 م 19 ص 183 .
أما التقنين المدنى الجديد فيقضى بهذا الحل ، كما رأينا ، فى حالة ما إذا كان الخيار للمدين ولم يختر أو تعدد المدينون ولم يتفقوا فيما بينهم . أما إذا كان الخيار للدائن ولم يختر أو تعدد الدائنون ولم يتفقوا فيما بينهم ، فإن التقنين المدنى الجديد يقضى بأن ينتقل الخيار فى هذه الحالة إلى المدين . وانتقال الخيار إلى المدين يقتضى نصاً خاصاً ، ومن ثم يكون هذا الحكم مستحدثاً فلا يسرى إلا على الالتزامات التخييرية التى شأت منذ 15 أكتوبر سنة 1949 .
ويقضى التقنين المدنى الألمانى ( م 264 ) بأنه إذا لم يستعمل صاحب الخيار – دائناً كان أو مديناً – حقه فى الخيار ، انتقل الخيار إلى الطرف الآخر .
( [32] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 276 ( مطابقة للمادة 276 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى الليبى م 263 ( مطابقة للمادة 267 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى م 299 : 1 – يلزم فى خيار التعيين تحديد المدة التى يكون فيها الخيار . 2 – فإذا كان الخيار للمدين وامتنع عن الاختيار فى المدة المحددة ، جاز للدائن أن يطلب من المحكمة أن تتولى بنفسها تعيين محل الالتزام ، أما إذا كان الخيار للدائن وامتنع عن الاختيار انتقل الخيار إلى المدين .
300 : خيار التعيين ينتقل إلى الوارث .
والتقنين المدنى العراقى يتفق فى أحكامه مع أحكام التقنين المدنى المصرى ، غير أن التقنين العراقى لم يورد الحكم فيما إذا كان من لهم حق الخيار متعددين ولم يتفقوا فيما بينهم ، والظاهر أن الحكم الذى أورده التقنين المصرى هو الذى يسرى فى هذه الحالة . كذلك نص التقنين العراقى صراحة على أن خيار التقنين ينتقل إلى الوارث ، وهذا هو حكم الفقه الإسلامى ، وهو حكم يتفق مع تطبيق القواعد العامة فيسرى فى مصر – انظر فى القانون المدنى العراقى الأستاذ حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 167 – فقرة 171 ) .
تقنين المواجبات والعقود اللبنانى : م 57 – يتم الاختيار بمجرد إخبار الفريق الآخر ، وعندما يتم يعد الشئ المختار كأنه موضوع الموجب فى الأصل .
م 58 – أما إذا كان للموجب مواضيع تخييرية تستحق الأداء فى أجال موقوتة ( prestations periodiques portant sur des objets alternatifs ) ، فإن اختيار أحدهما فى أجل لا يمنع صاحب الحق من اختيار غيره فى أجل آخر ، إذا كان لا يتحصل العكس من الصك الأساسى أو العادة المألوفة أو ما يرجح أنه مشيئة الطرفين .
م 59 – إذا توفى الفريق الذى له حق الاختيار قبل أن يختار فإن حقه ينتقل إلى ورثته ، وإذا أعلن عجزه ( si elle tombe en etat d’insolvabilite declaree ) يصبح حق الاختيار لجماعة الدائنين ( masse des creanciers ) . وإذا لم يتفق الوارثون أو الدائنون ، كان الفريق الآخر أن يطلب تحديد مهلة لهم حتى إذا انتقضت أصبح حق الاختيار لهذا الفريق .
م 60 – تبرأ ذمة المديون بأداء أحد الأشياء الموعود بها ، لكنه لا يستطيع إجبار الدائن على قبول جزء من هذا الشئ وجزء من ذالك . ولا يحق للدائن أن يطلب إلا أداء أحمد الأشياء برمته ، ولا يستطيع إجبار المدين على التنفيذ بأداء جزء من هذا وجزء من ذاك .
م 64 – إذا امتنع المديون عن الاختيار ، أو كان ثمة مديونون لم يتفقوا على الاختيار ، حق للدائن ؟؟؟؟؟الكلام غيرواضح؟؟؟؟؟؟ تعيين مهلة كافية للدائن ليتمكن من الجزم فى الأمر ، فإذا انقضت المهلة قبل وقوع اختياره أصبح هذا الحق للمديون .
( وهذه النصوص وما تشتمل عليه من تفصيلات تتفق فى مجموعها مع أحكام التقنين المصرى ، بعضها نص عليه هذا التقنين ، وبعضها لا حاجة فيه إلى النص إذا يمكن استخلاصه من تطبيق القواعد العامة . لكن يلاحظ على نصوص التقنين اللبنانى أمران : ( 1 ) قيام تعارض بين المادة 59 وتقضى بأنه فى حالة عدم اتفاق ورثة المدين أو دائنيه على اختيار محل الالتزام ينتقل حق الخيار للدائن ، وبين المادة 64 وتقضى بأنه فى حالة رفض المدين اختيار محل الالتزام أو على اتفاق المدينين المتعددين على اختياره يتولى القاضى تعيينه . ( 2 ) تقضى المادة 59 بأنه إذا شهر إعسار الطرف الذى له حق الاختيار ، فإن حقه فى الاختيار ينتقل إلى جماعة الدائنين ( masse des creanciers ) . وغنى عن البيان أن هذا إذا أمكن تصوره فى الإفلاس حيث تندمج جماعة الدائنين فى اتحاد ( masse ) يمثله السنديك ، فإنه لا يمكن تصوره فى الإعسار إذ الدائنون لا يندمجون فى إتحاد ولا يمثلهم سنديك . ولكن التقنين اللبنانى صريح فى أن حق الاختيار فى حالة الإعسار يكون لجماعة الدائنين ، فيجب التسليم بأن هذا الحق ينتقل إليهم جميعاً ، فإن لم يتفقوا بعد تحديد مهلة لهم انتقل الحق إلى الطرف الآخر كما تذكر المادة 95 ) .
( [33] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعه الأعمال التحضيرية 3 ص 38 – ص 39 . ولا محل للبحث فيما إذا كان يجوز لدائنى المدين استعمال حقه فى الخيار إذا امتنع هو عن استعماله ، فالقانون يقضى بأن القاضى فى هذه الحالة يتولى الاختيار بنفسه . ولكن يجوز لدائنى المدين أن يطعنوا بالدعوى البولصية فى اختيار المدين – والاختيار تصرف قانونى مفقر – إذا تواطأ مع الدائن إضراراً بحقوقهم وتوافرت شروط الدعوى البولصية الأخرى .
( [34] ) انظر عكس ذلك بودرى وبارد 2 فقرة 1079 . ذلك أن الفقه الفرنسى يذهب إلى أن المدين لا يستطيع استعمال خياره إلا عن طريق تنفيذ أحد محال الالتزام ، ولا يكفى أن يعلن إرادته فى الاختيار دون أن يسلم إلى الدائن ما اختاره ، حتى لا تنتقل تبعة الهلاك إلى الدائن بمجرد إعلان المدين إرادته فى اختيار محل الالتزام ، فإن تبعة الهلاك فيما يجب نقل ملكيته ، فى القانون الفرنسى ، تكون على الدائن حتى قبل التسليم متى انتقلت إليه الملكية . والفقه الفرنسى ، فى مذهبه هذا ، يعتبر أن التخيير فى الالتزام التخييرى ينطوى على ضرب من الضمان للدائن يتوقى به أن يحمل تبعة هلاك الشئ ، فينبغى أن يؤتى هذا الضمان ثمرته ، ولا تنتقل تبعة الهلاك إلى الدائن إلا إذا تسلم فعلاً الشئ الواجب الأداء . ومن ثم لا يستطيع المدين أن يعمل اختياره لهذا الشئ إلا عن طريق التنفيذ الفعلى ، بأن يسلم الدائن الشئ الذى وقع عليه اختياره ( لارومبيير 3 م 1190 فقرة 3 – ديمولومب 26 فقرة 48 – كولميه دى سانتير 5 فقرة 124 – بودرى وبارد 2 فقرة 1062 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1049 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 801 ص 588 – دى باج 3 فقرة 279 – فقرة 280 – عكس ذلك : هيك 7 فقرة 291 – لوران 17 فقرة 232 ) . وغنى عن البيان أن هذه الاعتبارات لا تقوم فى القانون المصرى ، فتبعة الهلاك قبل التسليم لا تنتقل إلى الدائن عندنا حتى لو انتقلت إليه ملكية الشئ . فالقول بأن المدين يستطيع أن يختار بإعلان إرادته وقبل التسليم ليس من شأنه ، فى القانون المصرى ، أن ينقل تبعة الهلاك إلى الدائن ، بل تبقى التبعة على المدين حتى يتم التسليم . ومن ثم لا يوجد محظور فى القانون المصرى ، كما وجد فى القانون الفرنسى ، من القول بأن المدين يستطيع أن يعجل الخيار عن طريق إعلان إرادته ، فلا تزال تبعة الهلاك بعد ذلك عليه ، وبهذا يتوافر للدائن الضمان المنشود من الالتزام التخييرى . هذا إلى أن القول بإمكان استعمال الخيار عن طريق إعلان المدين لإرادته هو الذى يتفق مع القواعد العامة ، وقد أخذ به التقنين المدنى الألمانى ( م 263 ) والتقنين المدنى الأسبانيولى ( م 1133 ) .
ويثير بودرى وبارد فى هذه المناسبة مسألة تعيين المحل فى الالتزام بشئ غير معين بالذات ( obligation’ de genre ) ، فهل يتعين بالفرز وتنتقل الملكية من هذا الوقت ومعها تبعة الهلاك ( فى القانون الفرنسى ) إلى الدائن ، أو لا يتعين المحل إلا بالتسليم فلا تنتقل الملكية وتبعة الهلاك إلا من ذلك الوقت؟ فالقائلون بأن المحل يتعين بالفرز يسلمون بأن الالتزام يتحول قبل تنفيذه إلى التزام بشئ معين بالذات ، والقائلون بأن المحل يتعين بالتسليم يأبون أن يتحول الالتزام ما دام قائماً عن طبيعته فيصبح التزاماً بشئ معين بالذات ( بودرى وبارد 2 فقرة 1066 – ويذهب إهرنج : أعمال مختارة 1 ص 41 – إلى أن المحل لا يتعين إلا بالتسليم . ولكن الفقهاء الألمان بعد إهرنج ذهبوا إلى أن الفرز هو الذى يعين المحل ولو تم قبل التسليم : بودرى وبارد 2 ص 218 هامش رقم 3 ) . ومهما يكن من أمر فإن مسألة تعيين محل الالتزام بشئ غير معين بالذات غير مسألة تعيين محل الالتزام التخييرى ، ولا يتحتم أن تقاس المسألة الثانية على المسألة الأولى . فقد يصح أن يقال إن الالتزام بشئ غير معين بالذات يبقى على طبيعته ما دام التزاما قائماً ، أما الالتزام التخييرى فلا يوجد مانع من وقوعه على محل معين بالذات ، فلو كان هذا المحل المعين بالذات هو الذى وقع عليه الاختيار ، لم يكن من شأن هذا التعيين أن يقلب طبيعة الالتزام ، فالالتزام منذ البداية محله معين بالذات ، يقول فى الوقت نفسه إن إعلان المدين إرادته يكفى لتعيين محل الالتزام التخييرى ( انظر بودرى وبارد 2 فقرة ؟؟؟؟؟الكلام غيرواضح؟؟؟؟؟ ص 220 – ص 221 ) .
( [35] ) الموجز للمؤلف فقرة 3 495 ص 502 الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 693 .
( [36] ) هذا هو النص فى أصله الفرنسى : art . 1199 : Le debiteur peut se liberer en delivrat l’une des deux choses promises, mais il ne peut pas forcer le creancier a recevoir une partie de l’une et une partie de l’autre .
وانظر أيضاً المادة 60 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى .
( [37] ) وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : ” وقد عنى التقنين البولونى بتقرير حكم آخر . . فنص فى الفقرة الثانية من المادة 22 على أنه لا يجوز للدائن أو المدين أن يقتصر على الوفاء بشق من أحد محلى التخيير وشق من المحل الآخر : انظر كذلك المادة 1191 من التقنين الفرنسى والمادة 60 من التقنين اللبنانى والمادة 121 من المشروع الفرنسى الإيطالى والمادة 56 / 46 من التقنينيين التونسى والمراكشى والمادة 1177 من التقنين الإيطالى ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 38 ) .
( [38] ) انظر المادة 68 من هذا التقنين . وانظر : تولييه 6 فقرة 693 – ديمولومب 26 فقرة 52 – لوران 17 فقرة 244 – هيك 7 فقرة 291 – أوبرى ورو 4 فقرة 300 ص 70 – بودرى وبارد 2 فقرة 1080 – وقارن ديرانتون 11 فقرة 141 .
( [39] ) وقد رأينا أن خيار التعيين فى الفقه الإسلامى ينتقل إلى الورثة بعد موت المدين ( انظر آنفاً فقرة 84 فى الهامش ) .
( [40] ) انظر أيضاً المادة 64 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ، وقارن المادة 59 من نفس التقنين .
( [41] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1071 – فقرة 1073 – والتون 2 ص 376 – الموجز للمؤلف فقرة 495 ص 502 – ويرى بيدان ولاجارد ( جزء 8 فقرة 801 ص 588 ) أنه فى حالة تعدد الورثة يؤخذ أولاً بأغلبية الآراء ، فإن لم توجد أغلبية تولى القاضى التعيين . ويقضى التقنين المدنى الألمانى ( م 264 ) كما رأينا بأن الخيار ينتقل إلى الدائن .
( [42] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى خصوص نص المادة 276 مدنى ما يأتى : ” يتناول هذا النص حكم امتناع من يعهد إليه بالاختيار عن استعمال حقه . فإذا كان الخيار للمدين وامتنع عن الإفصاح عن رأيه ، ضرب له القاضى أجلاً يختار فيه . وللقاضى أن يعين فى الحكم نفسه ما يلزم المدين بالوفاء به من بين ما يرد التخيير عليه ، فيما لو امتنع المدين عن الاختيار فى هذا الأجل . وقد يعترض بأن القاضى فى هذا الوضع يخرج عن حدود المألوف فى وظيفته ، ويقيم نفسه مقام المدين فى تنفيذ التزامه . بيد أن مثل هذا الاعتراض غير ظاهر الوجاهة ، فقد تقدم أن القاضى يتدخل فى تنفيذ العقود ، بل وفى تكوين بعضها ، ذا اقتضت ذلك ضرورة قاهرة أو ملحة . والحق أن تدخل القاضى فى هذه الحالة بخصوصها حتم لا محيص عنه ، فليس فى الوسع خلع حق الخيار عن المدين وإسناده إلى الدائن ، لأن ذلك يفضى إلى تحكم الثانى فى الأول خلافاً لما تقضى به قاعدة ترجيح جانب المدين عند الشك . أما إذا كان الخيار ، على نقيض ذلك ، موكولاً إلى الدائن وامتنع عن مباشرة هذا الحق ، حتى فى الأجل الذى حدده القاضى له ، فليس ثمة ما يحول دون إسناد الخيار إلى المدين . هذا وقد يتعدد من يعهد إليهم بالخيار ، كما هو الشأن فى تعدد المدينين أو خلفاء المدين ، أو تعدد الدائنين أو خلفاء الدائن ، وفى هذه الحالة يتعين اتفاق أولئك أو هؤلاء جميعاً على الخيار وإلا تولاه القاضى . وقد استظهرت الفقرة الثالثة من المادة 122 من المشروع الفرنسى الإيطالى هذا الحكم فنصت على أنه ” إذا كان الخيار لأشخاص متعددين ، فللقاضى أن يضرب لهم أجلاً للاتفاق وإعلان اختيارهم ، إن لم يعلنوا ذلك فى خلال الأجل المحدد ، تولى القاضى الاختيار ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 41 ) .
( [43] ) والفقه الفرنسى هنا يسلم بجواز أن يعمل الدائن حق الخيار عن طريق إعلان إرادته ، فإن امتناع هذا الطريق على المدين إذا كان هو الذى له الخيار إنما تقرر رعاية لمصلحة الدائن حتى لا يكون هناك انتقاص للضمان الذى قصد إله من الالتزام التخييرى ، أما إذا كان الدائن هو الذى له الخيار واختار عن طريق إعلان إرادته فلابد أن يكون قد اختار طريقاً لا يتعارض مع مصلحته ( لوران 17 فقرة 237 – بودرى وبار 2 فقرة 1067 – ومع ذلك انظر ديمولومب 62 فقرة 49 – وقارن كذلك أنسيكلوبيدى داللوز 3 لفظ obligation فقرة 55 ) .
( [44] ) انظر أيضاً المادة 65 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى .
( [45] ) وقد نزل التقنين المصرى الجديد فى ذلك عند القاعدة التى تنص بأن يكون التفسير عند الشك فى مصلحة المدين ، كما نزل عند هذه القاعدة ذاتها عندما قضى بأن يكون الخيار للمدين إذا لم ينص العقد أو القانون على من يكون له الخيار ( الأستاذ عبد الحى حجازى 1 ص 196 ) .
( [46] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1072 – قارون لوران 17 فقرة 239 – عكس ذلك ديمولومب 26 فقرة 41 .
( [47] ) وكان القاضى هو الذى يتولى الاختيار بنفسه فى عهد التقنين المدنى السابق وقد خلا هذا التقنين من نص على انتقال الخيار من الدائن إلى المدين ( انظر الموجز للمؤلف فقرة 495 ص 502 – الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 693 ، وانظر آنفاً فقرة 94 فى الهامش ) . وقد سبق أن ذكرنا أن العبرة فى سريان التقنين الجديد بوقت نشوء الالتزام ، فإن نشأت الالتزام التخييرى الذى يكون فيه الخيار للدائن قبل 15 أكتوبر سنة 1949 ، وامتنع الدائن عن إعمال حقه فى الخيار ولو وقع الامتناع بعد هذا التاريخ ، فالتقنين السابق هو الذى يسرى ويتولى القاضى تعيين محل الالتزام بنفسه . أما إذا نشأن الالتزام فى وقت غير سابق على 15 أكتوبر سنة 1949 ، فالتقنين الجديد هو الذى يسرى وينتقل الخيار من الدائن إلى المدين ( انظر آنفاً فقرة 94 فى الهامش ) . وقد قدمنا أن التقنين المدنى الألمانى ( م 264 ) يجعل الخيار ينتقل من الدائن إلى المدين ومن المدين إلى الدائن على حد سواء .
( [48] ) وقد يقع من له حق الاختيار – المدين أو الدائن – فى غلط ، فيؤدى أو يستأدى شيئاً وهو جاهل أن له حق الخيار فى تأدية أو استئداء هذا الشئ أو فى تأدية أو استئداء شئ آخر غيره .
المصدر- توكيل محامي
فيقع الغلط من المدين فيما إذا كان وارثاً مثلاً لمدين بالتزام تخييرى وهو يعتقد أن التزام مورثه التزام بسيط ذو محل واحد ، فيؤديه للدائن ، ثم ينكشف له الغلط . ففى هذه الحالة يجو له – إذا اختار أن يؤدى الشئ الآخر – أن يسترد من الدائن الشئ الذى سبقت له تأديته فى مقابل أن يؤدى له الشئ الذى اختار أداءه ( تولييه 6 فقرة 692 – ديمولومب 26 فقرة 54 بودرى وبادر 2 فقرة 1081 ) . على أن الدائن إذا كان قد قبض الشئ الأول وهو حسن النية ، ثم باعه ، فإن المدين لا يسترد إلا الثمن بشرط أن ييزد هذا الثمن على قيمة الشئ الثانى الذى اختار المدين أداءه ( توليه 6 فقرة 692 – ديمولومب 26 فقرة 55 – بودرى وبارد 2 فقرة 1081 ) . أما إذا كان الوارث الذى وقع فى الغلط اعتقد أن الواجب هو أداء الشيئين معاً ، بأن ظن أن الالتزام متعدد المحل وليس بتخييرى ، كان من حقه بعد أن ينكشف له الغلط أن يسترد أياً من الشيئين يختاره . إذا كان أحد الشيئين قد هلك فى يد الدائن بسبب أجنبى ، لم يعد للمدين أن يسترد الشئ الآخر فقد تركزت محلية الالتزام فيه ( تولييه 6 فقرة 692 – ديموومب 26 فقرة 57 – فقرة 59 – لوران 17 فقرة 234 – بودرى وبارد 2 فقرة 1081 ص 31 ) .
ويقع الغلط من الدائن فيما إذا اعتقد – هو أو وارثه – أن الالتزام بسيط وأن الشئ الذى أداه له المدين هو المحل الوحيد للالتزام ، وكان يجهل أن الالتزام تخييرى وأن له ( أى للدائن ) حق الخيار . فمتى انكشف له الغلط ، جاز _ إذا اختار الشئ الآخر – أن يرد الشئ الذى أداه له المدين ، وأن يطالب بأداء الشئ الذى اختاره هو ( لارومبيير 3 م 1190 فقرة 6 – ديمولومب 26 فقرة 56 – بودرى وبارد 2 فقرة 1081 ص 230 ) .
( [49] ) ويقول بالالتزام الشرطى ماركاديه 4 فقرة 1189 . وانظر أيضاً بيدان ولاجارد 8 فقرة 802 – بلانيول وربير وبولانجيه 2 فقرة 678 ص 462 .
( [50] ) سالى بحث فى النظرية العامة للالتزام فى القانون الألمانى فقرة 10 ص 10 – بودرى وبارد 2 فقرة 1074 – جوسران 2 فقرة 746 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 191 ص 269 – وانظر عكس ذلك فى أن التعيين لا يستند إلى الماضى وليس له أثر رجعى : لوران 17 فقرة 240 – فقرة 241 – هيك 7 فقرة 291 – دى باج 3 فقرة 277 وفقرة 281 – فقرة 282 – كولان وكابيتان 2 فقرة 410 – الأستاذ عبد الحى حجازى 1 ص 198 .
( [51] ) بودرى وبارد فقرة 1075 .
( [52] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1076 – انظر عكس ذلك : لوران 17 فقرة 221 – فقرة 223 – تولييه 6 فقرة 695 – لارومبيير 3 م 1193 – 1194 فقرة 2 .
والظاهر أن نقل الملكية فى خيار التعيين فى الفقه الإسلامى يستند إلى الماضى فى حالة ما إذا كان الخيار للمشترى أى للدائن . جاء فى البدائع ( جزء 5 ص 261 – ص 262 ) فى خصوص ما إذا كان الخيار للمشترى : ” فحكمه ثبوت الملك للمشترى فى أحد المذكورين غير عين . . والآخر يكون ملك البائع أمانة فى يده إذا قبضه لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه التمليك ولا على وجه الثبوت فكان أمانة . . ولو تصرف البائع فى أحدهما فتصرفه موقوت ، إن تعين ما تصرف ليه للبيع لم ينفذ تصرفه لأنه تبين أنه تصرف فى ملك غيره ، وإن تعيين ما تصرف فيه للأمانة نفذ تصرفه لأنه ظهر أنه تصرف فى ملك نفسه فينفذ ” . أما فى خصوص ما إذا كان الخيار للبائع ، فالظاهر أن الخيار يمنع زوال السلعة عن ملكه ، فلا يجوز للمشترى أن يتصرف فى أى من الشيئين . جاء فى البدائع ( جزء 5 ص 263 ) فى هذا الصدد : ” فلا يجوز للمشترى أن يتصرف فيهما ولا فى أحدهما ، لأن أحدهما ليس بمبيع بيقين والآخر مبيع لكن لبائعه فيه خيار وخيار البائع يمنع وزال المبيع عن ملكه . ولو تصرف البائع فى أحدهما جاز تصرفه فيه ، ويتعين الآخر للبيع ، وله خيار الإلزام فيه والفسخ . ولو تصرف فيهما جميعاً ، جاز تصرفه فيهما ، ويكون فسخاً للبيع ، لأن تصرفه فيهما دليل إقرار المالك فيهما فيتضمن فسخ البيع كما فى المبيع المعين ” .
( [53] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1077 .
( [54] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1077 ص 227 .
( [55] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 401 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، فيما عدا خلافاً لفظياً طفيفاً . وفى لجنة المراجعة عدل النص تعديلاً لفظياً فتمت المطابقة ، وأصبحت المادة رقمها 289 لى المشروع النهائى . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 277 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 43 وص 46 ) .
( [56] ) التقنين المدنى السابق م 97 / 151 : إذا صارت إحدى الكيفيات المعينة للتنفيذ غير ممكن الحصول عليها ، فيكون قاصراً على الكيفية الممكن تنفيذ التعهد بها .
م 99 / 153 : إذا كان الخيار للمتعهد له وصار طريق من طرق الوفاء غير ممكن بتقصير المتعهد ، فللمتعهد له الخيار بين طلب الوفاء بالطريق الممكن وبين طلب التعويض المترتب على عدم الوفاء بالطريق الآخر .
م 100 / 154 : وإذا صار الطريقان المعينان للوفاء غير ممكنين بتقصير المتعهد ، فحق الخيار للمتعهد له لم يزل باقياً بين التعويضين المعينين لعدم الوفاء .
( وهذه حالات مختلفة ، أجرى عليها التقنين المدنى السابق القواعد العامة فانتهى إلى حلول يمكن الأخذ بها دون نص . ولا تزال هناك حالات أخرى سكت عنها التقنينان القديم والجديد لوضوحها من حيث تطبيق القواعد العامة . إلا أن الحالتين اللتين أوردهما التقنين الجديد – ولم يعرض لهما التقنين القديم – هما الحالتان الجديرتان بالذكر – لأن الحل الذى ينتهى إليه فيهما تطبيق القواعد العامة فى حاجة إلى التجلية والبيان ) .
( [57] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى الصورى م 277 ( مطابقة للمادة 277 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى الليبى م 264 ( مطابقة للمادة 277 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى م 301 : إذا كان خيار التعيين للمدين ، وهلك أحد الشيئين فى يده ، كان له أن يلزم الدائن بالثانى ، فإن هلكا معاً انفسخ العقد . وإذا كان المدين مسئولاً عن الهلاك ولو فيما يتعلق بواحد من الشيئين ، فيكون ملزماً بدفع قيمة آخر شئ هلك .
( والتقنين العراقى عرض للصورة التى عرض لها التقنين المصرى ، وجعل لها نفس الحل . وأضاف صورتين أخريين طبق فيهما القواعد العامة ، فانتهى إلى حلول يمكن الأخذ بها فى مصر دون نص . انظر الأستاذ حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 172 – فقرة 174 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 61 : إذا كان أحد المواضيع وحده قابلاً للتنفيذ ، فالموجب يكون أو يصبح من الموجبات البسيطة ( هذا الحكم يتفق مع المبادئ العامة ويمكن تطبيقه فى مصر ) .
م 62 : يسقط الموجب التخييرى إذا أصبحت مواضيع مواضيع الموجب كلها مستحيلة فى وقت واحد بدون خطأ من المديون وقبل تأخره ( هذا الحكم يتفق أيضاً مع المبادئ العامة ويمكن تطبيقه فى مصر ) .
م 63 : إذا أحصبت مواضيع الموجب كلها مستحيلة فى وقت واحد بخطأ من المديون أو بعد تأخره ، أنكم الدائن أن يطالب بثمن ما يختاره من تلك المواضيع ( هذا الحكم يتفق أيضاً مع المبادئ العامة يمكن تطبيقه فى مصر ) .
م 66 : إذا حدث فى الحالة المشار إليها فى المادة السابقة ( الخيار للدائن ) أن تنفيذ أحد مواضيع الموجب أصبح مستحيلاً بخطأ من المديون أو بعد تأخره ، حق للدائن أن يطالب بالموضوع الذى بقى ممكناً أو بأداء عوض يناسب الضرر الناجم عن استحالة تنفيذ ذلك الموضوع ( يتفق هذا النص فى الحكم مع المادة 99 / 153 من التقنين المدنى المصرى السابق ، ويتفق أيضاً مع المبادئ العامة فيمكن تطبيقه فى مصر ) .
م 67 : إذا أصبح تنفيذ أحد مواضيع الموجب مستحيلاً بخطأ الدائن ، كأنه اختار هذا الموضوع ، فلا يمكنه أن يطالب بما بقى ممكناً من المواضيع ( كان تطبيق القواعد العامة يقضى بأن الدائن فى هذه الحالة يختار بين أن يعتبر نفسه قد اختار المحل الهالك وبين أن يطالب بالشئ الباقى مع دفع تعويض عما تسبب فى هلاكه بخطأه . وهذا هو الحل الواجب الاتباع فى مصر ، مادام التقنين المصرى لا يتضمن نصاً كنص التقنين اللبنانى ) .
( [58] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 43 – ص 44 .
( [59] ) انظر فى هذا المعنى المادة 1195 من التقنين المدنى الفرنسى والمادة 62 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” إذا كانت استحالة التنفيذ راجعة إلى سبب أجنبى ، انقضى الالتزام ، وفقاً للقواعد العامة ، متى شملت هذه الاستحالة جميع الأمور التى يرد التخيير عليها ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 41 ) . وفى مكان آخر : ” وإن كان التخيير للدائن ، واستحال تنفيذ جميع ما يرد التخيير عليه من جراء سبب أجنبى ، انقضى الالتزام طبقاً للقواعد العامة ، كما هو الشأن عند تخويل المدين خيار التعيين ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 45 ) .
وينقضى الالتزام لاستحالة التنفيذ فى الصورة التى نحن بصددها سواء هلك الشيئان معاً فى وقت واحد ، أو هلك أحدهما بعد هلاك الآخر . والفرق بين هاتين الحالتين لا أهمية له من الناحية العملية ، فقد قدمنا أن الالتزام ينقضى فيهما معاً . غير أنه من الناحية النظرية يصبح الالتزام بسيطاً ، فى الحالة الثانية ، بهلاك أحد الشيئين ، ثم ينقضى بهلاك الشئ الآخر . أما فى الحالة الأولى فينقضى الالتزام وهو تخييرى دون أن يصبح بسيطاً قبل انقضائه ( بودرى وبارد 2 فقرة 1082 ص 232 هامش رقم 2 ) .
( [60] ) انظر فى هذا المعنى المادة 97 / 151 من التقنين المدنى السابق والمادة 1193 فقرة أولى من التقنين المدنى الفرنسى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” أما إذا اقتصرت الاستحالة على أحد محلى التخيير ، فيسقط خيار المدين ، ولا يكون له إلا الوفاء بالآخر ، وليس ثمة معدى عن إمضاء هذا الحكم ، فهو حتم تقتضيه طبيعة الأشياء ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 44 ) .
على أنه يمكن التساؤل عما إذا كان يحق للمدين فى هذه الصورة أن يختار بين الوفاء بالشئ الباقى وبين دفع قيمة الشئ الهالك ، ولكن يعترض على هذا الحل بأنه لو سلم به لوجب ، فيما إذا هلك الشئ الباقى هو أيضاً بسبب أجنبى ولو هلكا على التوالى كما تقدم القول . بقى أن يقال أن المدين يرى نفسه مضطراً أن يفى بالشئ الباقى مع احتمال اختياره للشئ الهالك لو لم يهلك بسبب أجنبى ، فله إذن بعد أن يفى بالشئ الباقى أن يسترد من الدائن الفرق فى القيمة ما بين الشيئين فيما إذا كان الشئ الباقى أعلى قيمة من الشئ الهالك ( انظر بودرى وبارد 3 فقرة 1087 ويشير إلى لابيه فى بحث له فى بعض الصعوبات المتعلقة بهلاك الشئ الواجب الأداء وباتحاد الذمة ص 53 وما بعدها ) . ولكن إذا جاز للمدين إجبار الدائن على تقاضى الشئ الهالك لو أنه بقى قائماً ، فإنه لا يجوز له أن يجبره على تقاضى الشئ الباقى مع استرداد الفرق ما بين القيمتين ، ففى هذا تجوز لا تبيحه علاقة المديونية فيما بينهما .
( [61] ) انظر فى هذا المعنى 97 / 151 من التقنين المدنى السابق والمادة 1193 فقرة أولى من التقنين المدنى الفرنسى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” أما إذا اقتصرت الاستحالة على أحد محلى التخيير دون الآخر ، وكانت راجعة إلى خطأ المدين ، فيتعين عليه الوفاء بما يقوم به وصف الإمكان حتى لا يفيد من خطأه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 45 ) .
( [62] ) لارومبيير 3 م 1193 – 1194 فقرة 11 – ديمولومب 26 فقرة 97 – بودرى وبارد 2 فقرة 1100 – وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” وإن اقتصرت الاستحالة على أحد محلى التأخير ، فللمدين وقد ثبت له خيار التعيين ، أن يختار الوفاء بالآخر ، وفى هذه الحالة يكون له أن يطالب الدائن بقيمة ما استحال الوفاء به من جراء خطأه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 44 ) .
( [63] ) انظر بودرى وبارد 2 فقرة 1090 – فقرة 1091 – الأستاذ عبد الحى حجازى ص 197 . أما لو هلك الشئ الآخر – فى الحالة التى نحن بصددها – بخطأ الدائن ، فيكون الدائن بمثابة من استوفاه ، ولا يرجع على المدين بشئ .
( [64] ) انظر بودرى وبارد 2 فقرة 1089 – أما إذا كان هلاك الشئ الأول – فى الحالة التى نحن بصددها بخطأ الدائن ، وهلك الشئ الثانى بخطأ المدين ، فالمدين إما أن يختار الشئ الأول وقد هلك بخطأ الدائن فتبرأ ذمة المدين ، وإما أن يختار الشئ الثانى فيدفع قيمته للدائن ويرجع عليه بقيمة الشئ الأول .
( [65] ) انظر المادة 1193 فقرة ثانية من التقنين المدنى الفرنسى ، وانظر بودرى وبارد 2 فقرة 1092 – فقرة 1093 . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : ” أما إذا كانت الاستحالة قد حدثت من جراء خطأ المدين ؟؟؟؟؟غيرواضح؟؟؟؟؟؟ كانت شاملة لجميع الأمور التى يرد التخيير عليها – وهذا هو الفرض الذى عنى المشروع بالنص على حكمه – فقد يتبادر إلى الذهن أن المدين ، بوصفه المتصرف فى الخيار ، يستطيع أن يبرئ ذمته بأداء قيمة ما يختاره ، لا سيما أن ذا هو حكم تحقق استحالة جميع الأمور التى يرد عليها التخيير فى آن واحد . وكن ينبغى التفريق فى هذا الصدد بين فروض عدة : فإذا استحال الوفاء بأحد محلى التخيير قبل تحقيق الاستحالة فى الآخر ، وجب أن يستبعد الأول من نطاق التخيير ، ويستوى فى هذا المقام أن تكون الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين أم إلى حادث فجائى ، ذلك بأن المدين لا يسوغ له أن يفيد من خطأه فى الحالة الأولى ، وهو ملزم يتحمل التبعة فى الحالة الثانية ، ولهذه العلة يتعين عليه أداء ما طرأت عليه استحالة التنفيذ أخيراً ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 44 – 45 ) .
( [66] ) وهذا هو أيضاً الحكم فيما ولو كان الشئ الذى هلك أولا هلك بخطأ المدين ، فإن محل الالتزام فى هذه الحالة أيضاً يتركز فى الشئ الآخر الذى هلك بخطأ الدائن ، ولما كان الدائن قد أهلكه بخطأه فيكون بمثابة من استوفاه وتبرأ ذمة المدين من الالتزام .
( [67] ) ونفرض ، فى الحالة التى نحن بصددها ، أن الشئ الذى هلك أولاً هلك بخطأ الدائن ، وهلك الشئ الآخر بخطأ المدين لا بسبب أجنبى . فللمدين ، وله الخيار ، أن يختار أى الشيئين . فإن اختار الشئ الأول الذى هلك بخطأ الدائن ، يكون الدائن بمثابة من استوفاه ولا يرجع بشئ على المدين ، يتحمل المدين هلاك الشئ الآخر إذ هلك بخطأه . وإن اختار المدين الشئ الآخر الذى هلك بخطأه ، فعليه أن يؤدى قيمته للدائن ، ثم يرجع عليه بقيمة الشئ الأولى .
( [68] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1101 – الموجز للمؤلف فقرة 495 ص 502 – وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” وإذا كانت استحالة التنفيذ ترجع إلى خطأ الدائن ، وكانت تتناول جميع الأمور التى يرد التخيير عليها ، فللمدين وهو صاحب الخيار أن يعين الأمر أو التكليف الذى يعتبر أن ذمته قد برئت بسبب الهلاك الحادث من جراء هذا الخطأ ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 44 ) .
( [69] ) انظر فى هذا المعنى المادة 97 / 151 من التقنين المدنى السابق والمادة 1194 الفقرة الثانية من التقنين المدنى الفرنسى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” أما إذا اقتصرت الاستحالة على أحد محلى التخيير ، فليس للدائن ألا أن يختار الوفاء بالآخر مادام هذا الوفاء ممكناً . وليس شك فى أن إمضاء هذا الحكم حتم تقتضيه طبيعة الأشياء ، كما هى الحال عندما يعهد للمدين بالخيار ” ( مجموعة العمال التحضيرية 3 ص 45 ) .
( [70] ) انظر فى هذا المعنى المادة 99 / 153 من التقنين المدنى السابق والمادة 1194 الفقرة الثانية من التقنين المدنى الفرنسى والمادة 66 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” فإن اقتصرت الاستحالة على أحد محلى التخيير ، فللدائن إن يطالب بالوفاء بالآخر ما دام هذا الوفاء ممكناً ، أو أن يطالب بقيمة الأول وهو الذى أصبح تنفيذه مستحيلاً من جراء خطأ المدين ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 45 ) .
( [71] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” أما إذا اقتصرت الاستحالة على أحد محلى التخيير ، فللدائن – وهو صاحب الخيار – أن يختاره ، ويكون بذلك قد استوفى حقه . وله كذلك أن يختار استيفاء ما بقى الوفاء به ممكناً ، على أن يؤدى فى هذه الحالة قيمة ما استحال الوفاء به من جراء خطأه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 45 ) .
هذا وتقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( م 67 ) يفرض على الدائن أن يختار الشئ الذى هلك بخطأه ، فتبرأ ذمة المدين بهذا الهلاك .
( [72] ) أما المادة 1194 فقرة ثالثة من التقنين المدنى الفرنسى فتقضى بأن للدائن الرجوع على المدين بالقيمة التى يختارها من إحدى قيمتين : قيمة الشئ الذى هلك بخطأ المدين وقيمة الشئ الذى هلك بسبب أجنبى . وينتقد الفقه الفرنسى هذا الحكم ، ويرى فى الخيار الذى أعطى للدائن ضرباً من العقوبة فرضها القانون على المدين ( لارومبيير 3 م 1193 فقرة 9 – ديرانتون 11 فقرة 148 – ماركاديه 4 فقرة 586 – ديمولومب 26 فقرة 88 – لوران 17 فقرة 250 – بودرى وبارد 2 فقرة 1095 ) أما إذا كان هلاك أحد الشيئين – فى الحالة التى نحن بصددها – بخطأ الدائن وهلاك الشئ الآخر بخطأ المدين لا بسبب أجنبى ، فللدائن – وله الخيار – أن يختار أحد الشيئين . فإن اختار الشئ الذى هلك بخطأه يكون بمثابة من استوفاه ، وإن اختار الشئ الذى هلك بخطأ المدين رجع عليه بقيمته وأدى له قيمة الشئ الذى هلك بخطأه .
( [73] ) انظر فى هذا المعنى المادة 100 / 154 من التقنين المدنى السابق والمادة 1194 فقرة ثالثة من التقنين المدنى الفرنسى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” فإذا كانت استحالة التنفيذ ناشئة عن خطأ المدين ، وكانت شاملة لجميع الأمور التى يرد التخيير عليها ، فللدائن – وهو المتصرف فى الخيار – أن يطالب المدين بقيمة ما يقع عليه اختياره ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 45 ) .
( [74] ) أما إذا هلك الشئ بخطأ المدين لا بسبب أجنبى ، رجعنا إلى حالة سبق بيان حكمها . وللدائن أن يختار الشئ الذى هلك بخطأه فيكون بمثابة من استوفاه ، أو الشئ الذى هلك بخطأ المدين فيستأدى قيمته ويؤدى قيمة الشئ الذى هلك بخطاه .
المصدر: محامي في الأردن