اتحاد الذمة


اتحاد الذمة

 ( Confusion )

651 – مقارنة بين اتحاد الذمة والمقاصة : يتحقق اتحاد الذمة إذا اجتمع في شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة إلي دين واحد ( [1] ) . فالمفروض إذن أن هناك دينا واحداً ، فورث الدائن المدين أو ورق المدين الدائن ، أو تحقق أي سبب قانوني آخر غير الميراث نقل إلي الدائن صفة المدين أو نقل إلي المدين صفة الدائن ، فاجتمع بذلك في شخص أحد طرفي الدين صفتا الدائن والمدين . وتعذر إذن علي هذا الشخص أن يمارس حقه ، إذ هو دائن ومدين ، ولا يستطيع أن يطالب نفسه بالدين . ومن ثم ينقضي الدين ، أو في الصحيح يقف نفاذه ، لهذا الضرب من الشلل الذي اعتراه ( [2] ) ، كما سنري .

  945  ويتبين مما تقدم أن هناك فرقا جوهريا بين اتحاد الذمة والمقاصة . فقي اتحاد الذمة لا يوجد إلا دين واحد ( [3] ) اجتمع في أحد طرفيه صفتا الدائن والدين ، فوقف نفاذه . أما في المقاصة فقد رأينا أنه يوجد دينان متقابلان لا دين واحد ، ولكن الدائن في الدين الأول هو المدين في الدين الآخر والدائن في الدين الآخر هو المدين في الدين الأول . فيوجد إذن في المقاصة شخصان : دائن هو مدين ، ومدين هو دائن أما في اتحاد الذمة بعد تحققها فلا يوجد إلا شخص واحد ، هو دائن ومدين في وقت واحد . والمقاصة تقضي الدينين المتقابلين ، كما في الوفاء . أما اتحاد الذمة فلا يقضي الدين الواحد الذي اتحدت الذمة فيه ، بل يقف نفاذه ( [4] ) .

562 – الأهمية المحدودة لاتحاد الذمة : وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” ليس لاتحاد الذمة حظ موفور من الأهمية من الناحية العملية . وقد أغفله التقنين الألماني ، ولو أنه أقره بطريق ضمني . ذلك أن واضعي هذا التقنين اعتبروه سببا طبيعيا لانقضاء الالتزام من حيث هو حتم تقتضيه طبيعة اجتماع صفتي الدائن والمدين في الشخص الواحد ، وانتهوا إلي أن أثره يتفرع لزاماً علي جوهر الالتزام ذاته : تعليقات علي التقنين الألماني 1 ص 551 ( [5] ) .

 وهناك سبب آخر – في مصر – يجعل اتحاد الذمة محدود الأهمية من الناحية  946  العملية . ذلك أن اتحاد الذمة يتحقق ، أكثر ما يتحقق ، عن طريق الميراث . وله صورتان : ( الصورة الأولي ) حيث يرث المدين الدائن ، فتكون التركة هي الدائنة للمدين ، ويرث المدين هذا الحق الذي للتركة ، فتتحد الذمة في الدين . وهذا صحيح في مصر ، لأن قواعد الفقه الإسلامي – وهي التي تطبق في الميراث – تقره ، فتنقل إلي الورقة الحقوق التي للتركة . ( والصورة الثانية ) حيث يرث الدائن المدين ، فتكون التركة هي المدينة للدائن ، والدائن هو الوارث . وهنا تأبي قواعد الفقه الإسلامي أن تتحد الذمة في الدين ، إذ أن الدائن لا يرث الدين الذي علي التركة ، فالديون لا تورق ، ولا تركة إلا بعد سداد الدين . فتبقي التركة منفصلة عن مال الدائن حتي تسدد دينها لهذا الدائن ، ثم يرث الدائن بعد ذلك من التركة ما يبقي بعد سداد الديون ، فلا يكون هناك مجال لاتحاد الذمة في هذه لصورة . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا المعني : ” ورغم أن نصيب هذا النظام من الأهمية في مصر جد ضئيل ، إذ أن الشريعة الإسلامية لا تقر أحد تطبيقية الرئيسين ، فيد أفرد له المشروع مادتين ( أدمجتا بعد ذلك في مادة واحدة ) ، تناول في أولاهما تحديد نطاقه ، واستظهر في الثانية معني الأثر المترتب عليه ” ( [6] ) .

فنبحث إذن في اتحاد الذمة موضوعين :

 ( أولا ) كيف يتحقق اتحاد الذمة ، فنحدد بذلك نطاقه .

 ( ثانيا ) الآثار التي تترتب علي اتحاد الذمة .

الفرع الأول

كيف يتحقق اتحاد الذمة

563 – عن طريق الميراث : أكثر ما يتحقق اتحاد الذمة عن طريق الميراث كما قدمنا . فيكون هناك شخص مدين لآخر ، وهو في الوقت ذاته وارثه . فإذا مات الدائن ، أصبحت تركته دائنة للمدين بمبلغ الدين . فإذا  947  فرضنا أن المدين هو الوارث الوحيد للدائن ، فإنه يرث كل الدين الذي للتركة في ذمته ، فيصبح دائنا في هذا الدين نفسه ، وتجتمع فيه صفتا المدين والدائن ، فينقضي الدين أو يقف نفاذه عن طريق اتحاد الذمة . وإذا كان المدين هو أحد وارثين يرث كل منهما النصف ، فقد ورث من الدين نصفه ، فاتحدت الذمة في هذا النصف ، فانقضي أو وقف نفاذه .أما النصف الآخر من الدين ، فيبقي المدين ملتزماً به نحو الوارث الآخر .

وإذا كان الدائن هو الوارث للمدين ، ومات المدين ، فقد أصبحت تركته مدينة للدائن . وسواء كان الدائن هو الوارث الوحيد للمدين أو هو أحد الورثة ، فانه طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية وهي التي تسري في الميراث وإن كان يرث الدين الذي للتركة ، لا يرث الدين الذي علي التركة . ومن ثم لابد من سداد الدين أولا ، فيستوفي الدائن هذا الدين من التركة . وعند ذلك تصبح التركة خالية من الديون ، فيرثها الدائن وحده أو مع غيره . ومن أجل ذلك لا يتهيأ في هذه الصورة ، كما قدمنا ، أن تتحد الذمة في الدين الذي علي التركة . بل يتقاضي الدائن حقه أولا من التركة ، فينقضي بطريق الوفاء لا بطريق اتحاد الذمة ، ثم يرث الدائن التركة بعد ذلك خالية من الديون ( [7] ) . وهذا بخلاف القانون الفرنسي ، إّا يرق الدائن في هذه الصورة الدين الذي علي التركة إذا كان قد قبل الميراث دون قيد ، فتتحد الذمة في الدين كما في الصورة الأولي ( [8] ) . أما إذا  948  قبل الميراث مع اشتراط الجرد ( sous benefice dinventaire ) ، فإنه يصبح في وضع مماثل لوضع الوارث في الشريعة الإسلامية ، فلا تتحد الذمة ، بل يتقاضي الدائن أولا الدين من التركة ثم يرث التركة بعد تصفيتها من الديون ( [9] ) .

564 – عن طريق الوصية : وقد يتحقق اتحاد الذمة عن طريق الوصية ، ويكون الموصي له إما خلفا عاما وإما خلفا خاصا .

فيكون الموصي له خلفا عاما إذا أوص الدائن لمدينة بثلث تركته مثلا ، فيصبح المدين الموصي له بعد موت الموصي مدينا للتركة بالدين وموصي له بثلث التركة . فينتقل إليه من الدين ثلثه ، ويكون مدينا له بحكم المديونية السابق ودائنا له بحكم الوصية .فتتحد الذمة فى ثلث الدين ، ويبقى ثلثاه فى ذمته دينا للتركة . أما إذا كان المدين هو الذي أوصى للدائن بثلث تركته ، فإن الدائن الموصى له يكون بعد موت الموصى دائنا للتركة بمبلغ الدين وموصى له بثلث التركة . ويجب ، طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية ، سداد دين التركة أولا ، فيستوفى الدائن منها مبلغ الدين . وينقضي الدين بالوفاء لا باتحاد الذمة ، ثم يستولى الدائن بعد ذلك عن طريق الوصية علي ثلث التركة خالية الديون .

ويكون الموصي له خلفا خاصا إذا أوصي الدائن لمدينة بالدين الذي له في  949  ذمته . فيكون المدين ، بعد موت الدائن ، مدينا للتركة بحكم مديونيته السابقة ، ودائنا فى نفس الدين بحكم الوصية . فتجتمع فيه صفتا المدين والدائن ، وتتحد الذمة فى الدين . ولا يتصور هنا أن يوصي المدين للدائن بالدين الذي فى ذمته له ، إذ هو دين عليه ، لا حق له ، حتي يوصي به .

565 – عن طريق التصرف القانوني ما بين الأحياء : وقل أن تجتمع صفتا الدائن والمدين في الشخص الواحد عن طريق التصرف القانوني ما بين الأحياء . ومع ذلك فهناك مثل أورده المشرع ، إذ نص في الفقرة الأولي من المادة 469 مدني علي ما يأتي : ” إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل إلي شخص آخر ، فللمتنازل ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلي المتنازل له الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع ” فهذا دين متنازع فيه في ذمة المدين للدائن ، وقد حوله الدائن بمقابل إلي شخص آخر ، فيستطيع المدين أن يحول الصفقة إليه عن طريق رد الثمن والفوائد إلي المحال له . فيصبح المدين بفضل هذا الاسترداد ، دائنا لنفسه ، وتتحد الذمة في الدين . والواقعة التي أدت إلي اتحاد الذمة هنا هي تصرف قانوني ما بين الأحياء . فإن استرداد ( retrait ) المدين للدين ينطوي كالشفعة علي تصرف قانوني .

والمثل الآخر الذي يورده الفقه عادة لتصرف قانوني ما بين الأحياء يكون سببا لاتحاد الذمة هو مثل الكمبيالة التي قبلها المسحوب عليه ، فأصبح مدينا بقيمتها . وقبل حلول ميعاد استحقاقها يشتريها المسحوب عليه ، فتصبح ملكه ، ومن ثم يصير دائنا لنفسه . فتجتمع صفتا المدين والدائن ، وتتحد الذمة في الدين . وسبب اتحاد الذمة هنا هو شراء المسحوب له للكمبيالة ، وهذا تصرف قانوني ما بين الأحياء ( [10] ) .

  950  566 – كل الديون قابلة للانقضاء باتحاد الذمة : وكل دين قابل لاتحاد الذمة فيه علي الوجه الذي بيناه . تستو في ذلك كل الديون ، أيا كان مصدرها . فسواء كان الدين مصدره عقد أو علم غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو نص في القانون ، فهو قابل لاتحاد الذمة فيه ، متي اجتمعت صفتا الدائن والمدين في شخص واحد . وتستوي أيضا في ذلك كل الديون ، أيا كان الوصف الذي يحلق بها . فيصح اتحاد الذمة في الدين البسيط ، وفي الدين المضاف إلي أجل ، وفي الدين المعلق علي شرط واقف ، وفي الدين المعلق علي شرط فاسخ . إلا أنه إذا لم يتحقق الشرط الواقف ، أو تحقق الشرط الفاسخ ، فقد زال الدين ، وزال معه اتحاد الذمة ( [11] ) .

  ويصح أن تتحد الذمة في الدين المدني وفي الدين الطبيعي . ففي الدين الطبيعي ، إذا ورث المدين الدائن ، فقد اجتمعت صفتا المدين والدائن فيه ، فاتحدت الذمة ، شأنه في ذلك شأن الدين المدني ( [12] ) . ولا يقال إن في هذا أثراً جديداً يترتب علي الالتزام الطبيعي ، فإن اتحاد الذمة ليس إلا استجابة لطبائع الأشياء ، فيخضع له كل التزام ( [13] ) .

  951  الفرع الثاني

الآثار التي تترتب علي اتحاد الذمة

  567 – النصوص القانونية : تنص المادة 370 من التقنين المدني علي ما يأتي :

   ” 1 – إذا اجتمع في شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة إلي دين واحد ، انقضي هذا الدين بالقدر الذي اتحدت فيه الذمة ” .

   ” 2 – فإذا زال السبب الذي أدي إلي اتحد الذمة ، وكان لزواله أثر رجعي ، عاد الدين إلي الوجود هو وملحقاته بالنسبة إلي ذوي الشأن جميعا ، ويعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن ( [14] ) ” .

  ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق المادتيتن 202 / 266 و 203 / 267 ( [15] ) .

  952  ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادة 368 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 357 – وفي التقنين المدني العراقي المادتين 418 – 419 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 337 ( [16] ) .

ويخلص من هذا النص أنه يجب التمييز ، في الآثار التي تترتب علي اتحاد الذمة ، بين فرضين :

  • الآثار التي تترتب علي اتحاد الذمة ما دام السبب الذي أدي إليه قائما .
  • ما يترتب من الأثر علي زوال السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة بأثر رجعي .

المبحث الأول

الآثار التي تترتب علي اتحاد الذمة ما بقي السبب الذي أدي إليه قائما

  568 – كيف ينقضي الدين باتحاد الذمة : تنص الفقرة الأولي من المادة 370 مدني ، كما رأينا ، علي أنه إذا تحقق اتحاد الذمة في الدين  953  ” انقضي هذا الدين بالقدر الذي اتحدت فيه الذمة ” . فالدين إذن ينقضي باتحاد الذمة ، وبالقدر الذي اتحدت فيه الذمة . فإن كان المدين الوارث ، في الأمثلة التي قدمناها ، لم يرث إلا نصف الدين ، فأن هذا النصف وحده هو الذي ينقضي باتحاد الذمة كما سبق القول . وانقضاء الدين باتحاد الذمة غير انقضائه بالوفاء أو بالتجديد أو بالمقاصة . ففي هذه الحالات الأخيرة ينقضي الدين حقيقة ، ولا يعود له وجود . أما انقضاء الدين عن طريق اتحاد الذمة فليس بانقضاء حقيقي ، بل إن الدين يقف نفاذه ، كما قدمنا ، لارتطامه بعقبة طبيعية تجعل هذا النفاذ مستحيلا . فقد اتحدت صفتا الدائن والمدين في شخص واحد ، وأصبح من المستحيل أن يطالب الشخص نفسه بالدين ، ومن ثم يقف نفاذ الدين من ناحية المطالبة وحدها ( [17] ) . ولكن الدين ، وهو موقوف علي هذا النحو ، يبقي مع ذلك معتداً به من نواح أخري ( [18] ) .

  954  569 – نواح يبقي فيها الدين المنقضي باتحاد الذمة معتدا به – حساب الدين في نصاب الوصية : فإذا اعتبر الدين باتحاد الذمة منقضيا – أو موقوفا – من ناحية المطالبة به ، فهناك نواح أخري غير المطالبة يعتد فيها بالدين . من ذلك حساب نصاب الوصي . فإذا مات الدائن وورثة المدين ، وكانت قيمة الدين ألفا وخمسمائة مثلا ، فإن الدين يعتبر منقضيا من ناحية المطالبة ، فلا يستطيع المدين ، وقد ورث الدين فأصبح دائنا ، أن يطالب به نفسه . ولكن الدين يعتد به إذا ترك الدائن وصية ، وأريدت معرفة ما إذا كانت هذه الوصية لا تجاوز النصاب حتي تكون صحيحة . فيجب اعتبار الدين الذي انقضي باتحاد الذمة قائما في حساب هذا النصاب . فلو كانت التركة بغير الدين ثلاثة آلاف ، وجب لحساب الثلث الذي تجوز فيه الوصية ، أن تضاف قيمة الدين وهي ألف وخمسمائة إلي ثلاثة الآلاف ، فتكون قيمة التركة كلها أربعة آلاف وخمسمائة ، ويكون ثلثها الجائز الإيصاء به هو ألف وخمسمائة . أما إذا اعتبرنا الدين منقضيا باتحاد الذمة من جميع النواحي ، وجب حساب قيمة التركة ثلاثة آلاف لا أربعة آلاف وخمسمائة ، ولكان ثلثها ألفا ، وليس ألفا وخمسمائة كما هو الحساب الصحيح ( [19] ) .

570 – الاعتداد بالدين عند اتحاد ذمة الكفيل والدائن : وإذا مات الدائن وورثه الكفيل ، فاتحاد الذمة ما بين الدائن والكفيل إذا كان يقضي  955  التزام الكفيل ، فليس ينقضي علي النحو الذي ينقضي به لو أن الكفيل وفي للدائن . فإن الكفيل إذا وفي الدين للدائن ، ينقضي الدين ، وتبرأ ذمة المدين الأصلي ، ويرجع الكفيل علي المدين الأصلي بالدعوي الشخصية أو بدعوي الحلول . أما إذا ورث الكفيل الدائن ، فاتحدت الذمة وانقضت الكفالة ، لم ينقض الدين الأصلي ، ويطالب الكفيل الذي أصبح دائنا المدين بهذا الدين ذاته .

وإذا اتحدت ذمة المدين الأصلي والدائن ، فإن الدين ينقضي باتحاد الذمة ، وتبرأ بذلك ذمة الكفيل . ذلك أن المدين الأصلي – وقد أصبح باتحاد الذمة دائنا – إذا حاول أن يرجع باعتبار أنه دائن علي الكفيل ، فإن الكفيل يرجع عليه باعتباره مدينا ، فيشل هذا الرجوع الأخير الرجوع الأول . وقد كانت المادة 203 / 267 من التقنين المدني السابق تقضي بأن اتحاد ذمة الدائن والمدين الأصلي يبريء ذمة الكفلاء ( [20] ) .

571 – الاعتداء بالدين عند اتحاد ذمة الكفيل والمدين الأصلي :

وإذا ورث الكفيل المدين الأصلي ، فاتحدت الذمة وانقضت الكفالة ، فإن انقضاء التزام الكفيل علي هذا النحو لا يكون إلا من حيث المطالبة ، بمعني أنه إذا أدي الكفيل باعتباره كفيلا الدين للدائن ، لم يستطع – وقد أصبح مدينا أصليا بالميراث وذلك في القانون الفرنسي دون القانون المصري – الرجوع علي نفسه . ولكن التزامه ككفيل يبقي مع ذلك معتدا به في غير هذه المطالبة . ويترتب علي ذلك أنه إذا كان لهذا الكفيل كفيل فإن التزام كفيل الكفيل يبقي قائما مستندا إلي التزام الكفيل بالرغم من انقضاء هذا الالتزام الأخير باتحاد الذمة . فيجوز للدائن ، في هذه الحالة ، إذا لم يستطع استيفاء حقه من الكفيل الذي أصبح في الوقت ذاته مدينا أصليا ، أن يرجع علي كفيل الكفيل . ولهذا الأخير ، إذا وفي الدين ، أن يرجع علي الكفيل بما وفاه للدائن بالرغم من اتحاد ذمة الكفيل والمدين الأصلي . وقد نصت المادة 2035 من التقنين المدني الفرنسي صراحة علي هذا الحكم ، إذ تقول :  956  ” اتحاد الذمة الذي يتحقق بين شخص المدين الأصلي وكفيله ، عندما يرث أحدهما الآخر ، لا يقضي دعوي الدائن ضد من كفل الكفيل ” ( [21] ) .

وإذا كفل الكفيل مدينين متضامنين متعددين وورث أحدهم ، فصار في القانون الفرنسي كفيلا ومدينا متضامنا في وقت واحد ، فإن وفي الدين باعتباره كفيلا ، رجع علي أي من المدينين المتضامنين الآخرين . بالدين بعد استنزال حصة مورثه . أما إذا وفاه باعتباره مدينا متضامنا ، لم يستطع الرجوع علي باقي المدينين المتضامنين إلا بقدر حصة كل منهم في الدين ( [22] ) .

572 – الاعتداد بالدين عند اتحاد ذمة أحد المدينين المتضامنين

والدائن : رأينا ، عند الكلام في التضامن ، أن المادة 288 مدني تنص علي أنه ” إذا اتحدت الذمة بين الدائن وأحد مدينيه المتضامنين ، فإن الدين لا ينقضي بالنسبة إلي باقي المدينين إلا بقدر حصة المدين الذي اتحدت ذمته مع الدائن ( [23] ) . فإذا ورث أحد المدينين المتضامنين الدائن ، فإن الدين ينقضي باتحاد الذمة ، ولكنه لا ينقضي علي النحو الذ ينقضي به فيما إذا وفي المدين المتضامن الدين للدائن . فإن المدين المتضامن ، إذا وفي الدين الدائن ، رجع علي باقي المدينين المتضامنين كل بقدر حصته في الدين . أما إذا ورث المدين المتضامين الدائن ، فالدين لا ينقضي إلا بقدر ما يقتضيه اتحاد الذمة ، إذ أن حصة المدين المتضامن في الدين هي وحدها التي تنقضي ، لأن المدين المتضامن قد أصبح دائنا بهذه  957  الحصة لنفسه . والباقي من الدين ، بعد استنزال هذه الحصة ، يرجع به الدين المتضامن – الذي أصبح دائنا بالميراث – علي أي من المدينين المتضامنين الباقين ( [24] ) .

وقد رأينا كذلك ، في التضامن الإيجابي ، أنه إذا ورث المدين أحد الدائنين المتضامنين ، فإن اتحاد الذمة لا يقضي من الدين إلا بقدر حصة هذا الدائن المتضامن ( [25] ) . ذلك أن المدين يصبح دائنا متضامنا ، ولو استوفي الدين كله بهذه الصفة لرجع عليه باقي الدائنين بحصصهم ، فلا يبقي في يده إلا حصته . فهذه الحصة وحدها هي التي يصبح فيها دائنا ومدينا في وقت واحد ، فتتحد فيها الذمة . ويستطيع بعد ذلك أي من الدائنين المتضامنين الآخرين أن يرجع علي المدين بالباقي من الدين ( [26] ) .

  958  المبحث الثاني

ما يترتب من أثر

علي زوال السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة بأثر رجعي

  573 – عودة الدين إلي الظهور : وكل ما قدمناه هو أثر اتحاد الذمة إذا بقي سببه قائما . فيبقي الدين معتداً به من بعض النواحي ، ويقف نفاذه من ناحية المطالبة ، إذ تصبح مستحيلة باجتماع صفتي الدائن والمدين في شخص واحد .

  فإذا زال بأثر رجعي السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة ، اعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن ، وعاد الدين إلي الظهور والنفاذ بعد أن كان موقوفاً من ناحية المطالبة . ويعود الدين بمقوماته الأصلية ، فيرجع دينا مدنيا أو تجاريا ، منتجا لفوائد أو غير منتج لها ، مشمولا بسند تنفيذي أو غير مشمول به ، بحسب الأحوال . وتعود أيضا التأمينات التي كانت تكلفه ، وذلك بالنسبة إلي ذوي الشأن جميعا ، من كفيل شخصي وكفيل غيني ورهن وغير ذلك .

  مثل ذلك أن يكون السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة وصية ، فأوصي الدائن بالدين للمدين ، ومات الدائن فاتحدت الذمة في الدين ، ثم تبين بعد ذلك أن الوصية قابلة للإبطال ، فأبطلت ، وزال بأثر رجعي هذا السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة . عند ذلك يعود الدين في ذمة المدين للتركة ، ويعود كما كان بصفاته ودفوعه وتأميناته ، ويرجع الكفيل – شخصيا كان أو عينيا – ملتزما  959  بالكفالة . وتطالب التركة المدين بالدين ، بعد أن كانت قد كفت عن المطالبة بسبب اتحاد الذمة ( [27] ) .

  ومثل ذلك أن يقبل الكمبيالة المسحوب عليه ، ويشتريها بعد ذلك بعقد قابل للإبطال ، ثم يبطل العقد . ومثل ذلك أيضا أن يشتري المستأجر العين المؤجرة بعقد قابل للإبطال ، ثم يبطل العقد . ومثل ذلك أخيراً أن يتخلص المدين من دين متنازع فيه بدفعه الثمن والفوائد ، ثم يتبين بعد ذلك أنه كان قاصراً وقت تخلصه ، فيبطل التصرف . في هذه الأحوال جميعا يعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن بعد أن زال سببه بأثر رجعي ، ويعود الدين إلي الزهور والنفاذ بصفاته ودفوعه وتأميناته ( [28] ) .

  وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 370 مدني ، كما رأينا ، علي هذه الأحكام ، إذا تقول : ” وإذا زال السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة ، وكان لزواله أثر رجعي ، عاد الدين إلي الوجود هو وملحقاته بالنسبة إلي ذوي الشأن جميعا ، ويعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن ” .

  574 – زوال السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة بأثر غير رجعي : وقد يزول بأثر غير رجعي السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة . ويمكن تصور ذلك إذا ورث المدين الدائن ، فاتحدت الذمة في الدين ، ثم اتفق الوارث ،  960  باعتباره دائنا ، مع شخص آخر فحول الدين له ( [29] ) . ففي هذه الحالة يعود الدين إلي الظهور في ذمة الوارث باعتباره مدينا ويصبح المحال له دائنا للوارث ( [30] ) .

  ولكن لا يضار الغير بعودة الدين علي هذا الوجه . ففي المثل الذي نحن بصدده ، إذا كان للدين كفيل شخصي أو عيني ، وبرئت ذمة هذا الكفيل باتحاد الذمة ، ثم عاد الدين بعد أن زال بأثر غير رجعي السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة ، فإن الكفالة لا تعود . ولا يستطيع المحال له أن يرجع علي الكفيل ، لأن الكفيل من الغير في الاتفاق الذي تم بين المحال له والوارث ، وقد برئت ذمته من الكفالة كما قدمنا ، فلا يضار بسبب اتفاق لم يكن هو طرفا فيه ( [31] ) .

  961  الباب الثالث

انقضاء الالتزام دون الوفاء به

575 – أسباب انقضاء الالتزام دون الوفاء به : قدمنا أن الالتزام قد ينقضي دون الوفاء به أصلا ، ويتحقق ذلك في أسباب الانقضاء الآتية :

1 – الإبراء من الدين ( Remise de dette )

2 – استحالة التنفيذ ( Impossibilite dexecution )

3 – التقادم المسقط ( Prescription extinctove )

ففي هذه الأسباب جميعا تبرأ ذمة الدين من الدين دون أن يكون قد أدي للدائن شيئا أصلا ، لا الدين ذاته ولا ما يعادله .

  ففي الإبراء قد نزل الدائن عن حقه مختاراً دون مقابل ، وهو الذي ارتضي ذلك .

  وفي استحالة التنفيذ قد اضطر الدائن ألا يستوفي حقه ، لأن الوفاء به قد أصبح مستحيلا .

  وفي التقادم المسقط قد حال القانون دون أن يستوفي الدائن حقه ، وأبرأ ذمة المدين لاعتبارات تمت للمصلحة العامة .


 ( [1] ) وكما يتحقق اتحاد الذمة ( confusion ) في الديون ، يتحقق أيضا في الحقوق العينية ويسمي بالتجمع أو الإدغام ( consolidation ) . فينتهي حق الارتفاق باجتماع العقار المرتفق به والعقار المرتفق في يد مالك واحد ( 1026 مدني ) . وينتهي حق الرهن الحيازي إذا اجتمع مع حق الملكية في يد شخص واحد ( م 1113 مصري ) . وينتهي حق الانتفاع إذا اجتمع مع حق الرقبة في يد شخص واحد ، بأن مات صاحب الرقبة وورثه صاحب حق الانتفاع . أنظر بودري وبارد 3 فقرة 1897 ص 233 . وانظر في القانون المدني العراقي في هذه المسألة مقالا للأستاذ ضياء شيت خطاب في مجلة القضاء ببغداد السنة 15 ص 200 وص 208 – ص 211 .

 ( [2] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” والواقع أن هذا الأثر أقرب في حقيقته إلي شل حكم الاستحقاق ، وهو المطالبة ، منه إلي معني الانقضاء . فالالتزام يعود إلي الوجود ، إذا زال السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة زوالا مستندا ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 291 . انظر أيضا ص 292 – ص 293 ) .  

 ( [3] ) قارن المادة 1300 من التقنين المدني الفرنسي وهي تتحدث في اتحاد الذمة عن دينين خطأ ( بودري وبارد 3 فقرة 1897 ص 234 – بيدان ولاجارد 9 فقرة 1063 ) .       

 ( [4] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 292 – وجاء في الموجز : ” والذي يحدث الشبهة هو أن الشخص الواحد ، في كل من اتحاد الذمة والمقاصة ، يصبح دائنا ومدينا . لكن يلاحظ أن الشخص في اتحاد الذمة يصبح دائنا ومدينا في دين واحد ، أما في المقاصة فإنه يكون دائنا في دين ومدينا في دين آخر ” ( الموجز للمؤلف فقرة 594 ص 616 ) . 

 ( [5] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 292 – وقد أغفل التقنين الألماني ذكر سبين لانقضاء الالتزام كان من المألوف ذكرهما منذ عهد القانون الروماني ، وهما التجديد واتحاد الذمة . وكان اتحاد الذمة مذكوراًُ في المشروع الأول من التقنين الألماني ، ولكنه حذف في المشروع الثاني باعتبار أنه أمر تقتضيه طبائع الأشياء ، فلا حاجة إلي ذكره ( تعليقات علي التقنين المدني الألماني جزء أول ص 511 ) .        

 ( [6] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 291 .     

 ( [7] ) استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1924 م 37 ص 66 .

 ( [8] ) وقد جاء في الموجز : ” وإذا كان الفرق بين القانون الفرنسي والشريعة الإسلامية واضحا في هذه المسألة ، فيتحقق اتحاد الذمة في القانون الفرنسي ولا يتحقق في الشريعة الإسلامية ، فإن النتيجة واحدة في الشريعتين . ونوضح ذلك بمثل : تركة المورث قدرها ألفان ، وله وارثان لكل منهما النصف ، وعليه دين لأحد الوارثين قدره ألف . ففي القانون الفرنسي يرث الوارث الدائن ألفا ، ويرث إلي جانب ذلك نصف الدين ( أي خمسمائة ) ، فتتحد ذمته في هذا النصف ، ويرجع بالنصف الباقي من الدين علي الوارث الثاني . فيكون مجموع ما ناله هو الألف التي ورثها والخمسمائة التي رجع بها علي الوارث الثاني . وهذا ما يناله أيضا في الشريعة الإسلامية ، دون أن يكون هناك اتحاد ذمة في نصف الدين . فإن الوارث في هذه الشريعة يبدأ باستيفاء حقه من التركة ، فينال ألفا باعتباره دائنا ، والألف الباقية ينال منها خمسمائة باعتباره وارثا . ولكن يلاحظ أن الوارث في القانون الفرنسي قد نال ألفا باعتباره وارثا وخمسمائة باعتباره دائنا ، أما في الشريعة الإسلامية قد نال ألفا باعتباره دائنا وخمسمائة باعتباره وارثا . وقد يترتب علي ذلك بعض النتائج العملية . من ذلك ن الوارث في الشريعة الإسلامية قد يحرم من الميراث ، لقتله المورق مثلا فيحرم من الخمسمائة التي نالها باعتباره وارثا ،        لا من الألف التي نالها باعتباره دائنا . ومن ذلك أيضا أن الوارث إذا دفع ضريبة علي الميراث ، بدفع الضريبة باعتبار أن ما وره خمسمائة لا ألف ” ( الموجز للمؤلف فقرة 594 ص 616 وهامش رقم 1 ) . وانظر في هذا المعني في القانون المدني العراقي مقالا للأستاذ ضياء شيت خطاب في مجلة القضاء ببغداد السنة 15 ص 204 – ص 206

 ( [9] ) وإذا كانت الدولة هي الوارثة لانعدام الوارث ، وجب اعتبارها في وضع الوارث الذي قبل الميراث مع اشتراط الجرد . فتسدد أولا الديون التي علي التركة من أموال التركة ، وما بقي من هذه الأموال بعد سداد الديون تتملكه الدولة . فإذا كانت الدولة دائنة للتركة ، تقاضت أولا الدين الذي لها . فإذا كانت التركة لا تفي بالدين ، رجعت بالباقي علي الكفلاء ( تولييه 7 فقرة 434 – ديرانتون 12 فقرة 479 – لوران 18 فقرة 493 – بودي وبارد 3 فقرة 1902 ) .    

 ( [10] ) لارومبيير 5 م 1300 فقرة 5 – بودري وبارد 3 فقرة 1898 ص 235 .

ويتحقق اتحاد الذمة أيضا بتصرف قانوني ما بين الأحياء إذا اشتري المستأجر العين المؤجة ، فيصبح دائنا ومدينا بالأجرة ( بيدان ولاجارد 9 فقرة 1064 ) . لكن إذا كان المستأجر قد رهن حقه الشخصي الثابت بموجب عقد الإيجار قبل أن يشتري العين المؤجرة ، فإن سراءه للعين وما استتبعه من اتحاد الذمة – لا يضر بحق الدائن المرتهن ( أوبري ورو 4 فقرة 330 ص 362 – بيدان ولاجارد 9 فقرة 1070 ) .

        ومن الأمثلة علي تحقق اتحاد الذمة بتصرف قانوني ما بين الأحياء ، ما قضت به محكمة استئناف مصر من أنه إذا حصل البيع للمسئول عن الضمان ، اتحدت ذمته بهذا البيع باجتماع صفتي دائن بحق الضمان ومدين به في شخصه ( 8 يناير سنة 1933 المحاماة 13 رقم 555 ص 1115 ) .

ويمكن اعتبار بيع الدين ممن عليه الدين ، في الفقه الإسلامي ، إذا لم يكن وفاء بمقابل ، مثلا لتحقق اتحاد الذمة بتصرف قانوني ما بين الأحياء ، هو عقد البيع . فالمدين قد اشتري الدين الذي في ذمته من دائنه ، فأصبح دائنا ومدينا في وقت واحد ، وتتحد الذمة في الدين .    

 ( [11] ) أوبري ورو 4 فقرة 330 ص 360 . 

 ( [12] ) أما إذا ورث الدائن المدين ، فقد رأينا أن قواعد الشريعة الإسلامية تمنع من اتحاد الذمة .        

 ( [13] ) انظر في ذلك بودري وبارد 3 فقرة 1899 .    

 ( [14] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادتين 508 و 509 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : م 508 – إذا اجتمعت في شخص واحد صفة الدائن والمدين ، انقضي الالتزام لاتحاد الذمة ، وبالقدر الذي اتحدت فيه – م 509 – إذا زال السبب الذي أدي لاتحاد الذمة وكان لزواله أثر رجعي ، عاد الالتزام إلي الوجود هو ملحقاته ، بالنسبة لذوي الشأن جميعا ، ويعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن . وفي لجنة المراجعة أدمجت المادتان في مادة واحدة ، وأجريت تعديلات في الفقرة الأولي تجعل التمييز بين المقاصة واتحاد الذمة واضحا ، وأبدلت كلمة الالتزام في الفقرة الثانية بكلمة الدين لتنسيق الصياغة ، فأصبح النص مطابقا لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، وأصبح رقمه 383 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تخت رقم 370 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 292 – 293 ) .  

 ( [15] ) التقنين المدني السابق م 202 / 266 : اتحاد الذمة هو عبارة عن اجتماع صفتي دائن ومدين في شخص واحد بدين واحد ، ويترتب علي ذلك زوال الصفتين المذكورتين بمقابلة أحداهما للأخري .

م 203 / 267 : اتحاد الذمة يبريء الكفلاء في الدين ، ولا يخلي المدينين المتضامنين إلا بقدر ما يخص من اتحدت فيه الذمة من الدين .

وأحكام التقنين السابق متفقة مع أحكام التقنين الجديد . وإذا لم يوجد مقابل في التقنين الجديد للمادة 203 / 267 من التقنين السابق إلا فيما يتعلق بالتضامن ، فإن النص كله ليس إلا تطبيقا للقواعد العامة فالعمل بأحكامه ليس في حاجة إلي نص : انظر الموجز للمؤلف فقرة 594 – فقرة 595 – الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 827 – فقرة 825 ) .

 ( [16] ) التقنينات المدنية العربية الأخري :

التقنين المدني السوري م 368 ( مطابقة للمادة 370 من التقنين المدني المصري ) .

        التقنين المدني الليبي م 357 ( مطابقة للمادة 370 من التقنين المدني المصري ) .

التقنين المدني العراقي م 418 : في الدين الواحد ، إذا اجتمع في شخص واحد صفتا الدائن والمدين ، انقضي الدين لاتحاد الذمة بالقدر الذى اتحدت فيه .

 م 419 : إذا زال السبب الذي أدي إلي اتحاد الذمة ، وكان لزواله أثر رجعي ، عاد الالتزام إلي الوجود هو وملحقاته بالنسبة لذوي الشأن جميعا ، ويعتبر اتحاد الذمة كأن لم يكن . ( وهذه الأحكام متفقة مع أحكام التقنين المصري – وانظر في اتحاد الذمة في القانون المدني العراقي مقالا للأستاذ ضياء شيت خطاب في مجلة القضاء ببغداد السنة 15 ص 200 – ص 213 .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 337 : عندما تجتمع الصفتان المتعارضتان ، صفة الدائن وصفة المديون ، في موجب واحد وفي شخص واحد ، ينشأ عن اجتماعهما اتحاد يسقط الموجب علي نسبة هذا الاتحاد . وإذا زال سبب الاتحاد ، وكان لزواله مفعول رجعي ، عاد الدين مع كل ملحقاته بالنظر إلي الجميع ، وعد اتحاد الذمة كأنه لم يحصل قط .

 ( وهذه الأحكام متفقة مع أحكام التقنين المصري ) .

 ( [17] ) الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 298 ص 273 – وقارن الأستاذ عبد الحي حجازي 3 ص 298 – ص 300 .

ويذهب بيدان ولاجارد إلي أن اتحاد الذمة يقضي الدين قضاء تاما علي النحو الذي يقضي به الوفاء الدين ، ويستعرضان الأحوال المختلفة لاتحاد الذمة ، ويستظهران في كل منها أن الدين قد انقضي ولم يقتصر الأمر فيه علي أنه وقف نفاذه ( بيدان ولاجارد 9 فقرة 1071 – فقرة 1076 – انظر الأستاذ عبد الحي حجازي 2 ص 293 – ص 300 والأستاذ ضياء شيت خطاب مجلة القضاء ببغداد السنة 15 ص 202 – 203 – في مناقشة الرأيين ، مجر وقف النفاذ والانقضاء التام ) .

ويذهب بلانيلو وريبير وبولانجيه إلي أن التمييز في الالتزام بين عنصر المسئولية وعنصر المديونية قد يكون نافعاً هنا ، فاتحاد الذمة يقضي المطالبة أو المسئولية ( Haftung ) ، ويستبقي المديونية ( Schuld ) : بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2009 .         

 ( [18] ) أوبري ورو 4 فقرة 330 ص 360 – بودري وبارد 3 فقرة 1905 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1300 ص 711 – واتحاد الذمة كالمقاصة واقعة مادية ، هي واقعة اجتماع صفتي الدائن والمدين في الدين الواحد في شخص واحد . وقد رأينا أن المقاصة هي أيضا واقعة مادية ، إذ هي واقعة تلاقي دينين متقابلين توافرت فيهما شروط خاصة . أما المقاصة في القوانين الجرمانية فهي تصرف قانوني لا واقعة مادية ، كما سبق القول ، وهي من هذه الناحية كالوفاء والوفاء بمقابل والتجديد ، فهذه كلها تصرفات قانونية . وهي تصرفات قانونية تصدر من الجانبين ، إلا الوفاء عن طريق العرض الحقيقي والمقاصة في القوانين الجرمانية فهما تصرفان قانونيات يصدران من جانب واحد .       

 ( [19] ) ديمولومب 28 فقرة 718 – فقرة 719 – هيك 8 فقرة 177 – لوران 18 فقرة 448 – أوبري ورو 4 فقرة 330 ص 361 – بودري وبارد 3 فقرة 1906 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1300 ص 711 – دي باج 3 فقرة 695 – كولان وكابيتان 2 فقرة 578 ص 402 – الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 298 – الموجز للمؤلف فقرة 595 .

وكذلك يحسب الدين الذي انقضي باتحاد الذمة ضمن التركة ، في تقدير قيمتها لحساب ما يجب عليها من الضرائب ( بيدان ولاجارد 9 فقرة 1066 ص 135 ) .

ويقول بلانيول وريبير وبولانجيه إن اعتبار الدين المنقضي باتحاد الذمة قائما ، لتقدير نصاب الوصية ولتقدير الضريبة ، يمكن تفسيره بأن التركة تقدر قيمتها باعتبار العناصر الموجودة وقت الموت ، واتحاد الذمة لا يتحقق إلا بعد ذلك ( بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2007 ) .  

 ( [20] ) انظر أيضا المادة 1301 / 1 من التقنين المدني الفرنسي . وانظر في القانون المدني العراقي مقال الأستاذ ضياء شيت خطاب في مجلة القضاء ببغداد السنة 15 ص 208 .

 ( [21] ) وهذا هو النص في أصله الفرنسي :

        Art . 2035 : Laconfusion qui s’opere dans la personne du debiteur principal et de sa caution, lorsqu’ils deviennent heritiers l’un de l’autre, n’eteint point l’action du creancier contre celui qui s’est rendu caution de la caution .

انظر ديمولومب 28 فقرة 735 – بودري وبارد 3 فقرة 1910 ص 243 – ص 244 – وقارن يلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1301 ص 713 هامش رقم 1 .

وإذا كان الكفيل – الذي أصبح مدينا أصليا علي النحو المتقدم – قد قدم رهناً لتأمين الدين ، فإن اتحاد الذمة لا يكون من شأنه أن يقضي هذا الرهن ( بودري وبارد 3 فقرة 1910 ) .

 ( [22] ) ديرانتون 12 فقرة 477 – لارومبيير 5 م 1301 فقرة 14 – بودري وبارد 3 فقرة 1911 .    

 ( [23] ) انظر أيضا المادة 203 / 267 من التقنين المدني السابق .      

 ( [24] ) وغني عن البيان أن المدين المتضامن ، الذي أصبح دائنا بالميراث ، يستطيع أن يعتبر نفسه مدينا وفي دينه بطريق اتحاد الذمة ، لا دائما أستوفي حقه بهذا الطريق . ولكنه علي الاعتبار الأول ، لا يرجع علي المدينين الآخرين إلا بقدر حصة كل منهم . فهو يؤثر بطبيعة الحال الاعتبار الآخر ، حيث يستطيع أن يطالب أيا من المدينين الآخرين بالدين بعد أن يستنزل حصته هو ( انظر فقرة 192 ) .        

 ( [25] ) انظر آنفا فقرة 140 .      

 ( [26] ) أما إذا ورث أحد المدينين المتضامنين مدينا متضامنا آخر ، فلا محل هنا لاتحاد الذمة ، بل يرجع الدائن علي هذا المدين بصفته الأصلية ، أو بصفته وإرثا للمدين المتضامن الآخر بما قد يكون هناك من تأمينات . وله أن يرجع عليه بالصفتين معا ، ليطالبه بحصتين من الدين بدلا من حصة واحدة ( تولييه 7 فقرة 433 – ديمولومب 28 فقرة 737 – بودري وبارد 3 فقرة 1913 ) .

ومما يدل علي أن اتحاد الذمة يقف نفاذ الحق دون أن يقضيه أن الحائز للعقار المرهون إذا دفع ثمنه للدائن المرتهن المتقدم في المرتبة ، وحل محله في الرهن ، أصبح في دعوي الرهن دائنا ومدينا في وقت واحد ، فتتحد فيها الذمة . علي أن هذا لا يعني أن حق الرهن المتقدم قد انقضي ، وكل ما يعنيه أن الحائز لا يستطيع استعمال هذا الحق ضد نفسه ، ولكن يستطيع أن يستعمله ضد الدائن المتأخر في المرتبة ، إذا أراد هذا الدائن التنفيذ علي العقار ، فيتقدم الحائز علي الدائن المتأخر في المرتبة بفضل حق الرهن المتقدم . وهذا يدل علي أن حق الرهن المتقدم لم ينقض باتحاد الذمة ، بل وقف نفاذه حيث تعذر استعماله ، فلما أمكن استعماله عاد إلي الظهور والنفاذ ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1300 ص 712 ) . كذلك مستأجر العقار – وتعطيه قوانين الإيجار الاستثنائية حق مد الإيجار بعد انقضائه – إذا اشتري العقار ، فوقف باتحاد الذمة حقه كمستأجر ، يعود حقه إلي الظهور رغم اتحاد الذمة ضد شخص حصل علي وعد بإيجار العقار له بعد انتهاء الإيجار الأول ( بيدان ولاجارد 9 فقرة 1070 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1300 ص 712 – كولان وكابيتان 2 فقرة 578 ص 402 – جوسران 2 فقرة 947 ص 503 – أنسيكلوبيدي داللوز 1 لفظ confusion فقرة 32 ) .

 ( [27] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 293 – أوبري ورو 4 فقرة 330 ص 362 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1300 ص 712 علي أنه إذا عاد الدين كما كان ، فإن التقادم الذي كان ساريا ضده يعتبر موقوفا باتحاد الذمة ، ولا يعود إلي السريان إلا بعد زوال اتحاد الذمة ( أنسيكلوبيدي داللوز 1 لفظ confusion فقرة 49 ) .

 ( [28] ) أما إذا كان الالتزام نفسه الذي اتحدت الذمة فيه معلقا علي شرط فاسخ أو واقف ، ثم تحقق الشرط الفاسخ أو لم يتحقق الشرط الواقف ، فإن اتحاد الذمة يعتبر كأن يك ، ، لا لأن سببه قد زال بأثر رجعي ، بل لأنه تبين أن الالتزام الذي اتحدت الذمة فيه فغير موجود أصلا ، وغير الموجود لا تتحد فيه الذمة .

 ( [29] ) أو باع الوارث التركة بمالها من ديون ( vente dheredite ) ، أو باعت التركة أسهمها التي سبق أن اشترتها ( بيدان ولاجارد 9 فقرة 1074 ص 139 ) .

انظر في هذا المعني في القانون المدني العراقي مقال الأستاذ ضياء شيت خطاب في مجلة القضاء ببغداد السنة 15 ص 213 .

 ( [30] ) بلا نيول وريبير وردوان 7 فقرة 1300 ص 712 .      

 ( [31] ) أوبري ورو 4 فقرة 330 ص 362 – ديمولومب 28 فقرة 739 – لوران 18 فقرة 507 – هيك 8 فقرة 179 – بودري وبارد 3 فقرة 1915 – الأستاذ عبد الحي حجازى 3 ص 305 – ص 307 – وقارن جوسران 2 فقرة 948 .

المصدر: محامي في الأردن

انظر المزيد حول توكيل محامي

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s