الوفاء بمقابل
( Dation en paiement )
472 – أركانه وتكييفه القانوني والآثار التي تترتب عليه : قدمنا أن الدائن يستوفي محل الدين عينه ، فلا يجبر علي استيفاء شيء آخر في مقابل دينه ، ولو كان هذا الشيء أكبر قيمة من الدين . ومع ذلك إذا اتفق الدائن مع المدين علي أن يستوفي شيئا آخر في مقابل دينه ، واستوفي فعلا هذا الشيء الآخر ، فإن الدين ينقضي وتبرأ ذمة المدين ، ولكن لا عن طريق الوفاء ( paiement ) ، بل عن طريق الوفاء بمقابل ( dation en paiement ) .
ومن ثم وجب أن نبحث : ( أولا ) ما هي الأركان التي يقوم عليها الوفاء بمقابل وما هو تكييفه للقانوني . ( ثانياً ) وما هي الآثار التي تترتب عليه .
الفرع الأول
أركان الوفاء بمقابل وتكييفه القانوني
المبحث الأول
الأركان التي يقوم عليها الوفاء بمقابل
473 – النصوص القانونية : تنص المادة 350 من التقنين المدني علي ما يأتي :
797 ” إذا قبل الدائن في استيفاء حقه مقابلا استعاض به عن الشيء المستحق ، قام هذا مقام الوفاء ( [1] ) ” .
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص ( [2] ) .
ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادة 348 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 337 – وفي التقنين المدني العراقي المادة 399 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 318 ( [3] ) .
474 – ركنان : ويمكن أن يستخلص من النص المتقدم الذكر أن هناك ركنين للوفاء بمقابل :
798 ( الركن الأول ) اتفاق بين الدائن والمدين ( [4] ) علي الاستعاضة عن محل الوفاء الأصلي بنقل ملكية شيء آخر من المدين إلي الدائن .
( الركن الثاني ) تنفيذ هذا الاتفاق بنقل الملكية فعلا ، فتبرأ ذمة المدين .
475 – اتفاق علي الاستعاضة عن محل الوفاء الأصلي بنقل ملكية شيء آخر : يتفق الدائن مع المدين علي أن يستعاض عن الوفاء بمحل الالتزام الأصلي الوفاء بنقل ملكية شيء آخر من المدين إلي الدائن . فإذا كان محل المدين الأصلي ألفا من الجنيهات مثلا ، فإن الطرفين يتفقان علي أن يفي المدين للدائن بدلا من الألف من الجنيهات مائة قنطار من القطن الأشموني أو مائتي أردب من القمح الهندي أو أن ينقل إليه ملكية سيارة من طراز معين أو قطعة أرض معينة أو دار بالذات أو نحو ذلك . وقد يقع العكس ، فيكون في ذمة المدين أن ينقل للدائن مائة قنطار من القطن أو مائتي أردب من القمح أو ملكية سيارة أو أرض أو دار ، فيتفقان علي أن يعطي المدين للدائن بدلا من ذلك ألفا من الجنيهات ( [5] ) . ولما كان الدائن في هذه الأحوال ، يستوفي في دينه محلا ليس هو عين محل الدين ، فلا بد إذن لهذا الوفاء بمقابل من اتفاق بين الدائن والمدين يكون لاحقا لنشوء الدين ، وفي الغالب يكون لاحقا أيضا لميعاد استحقاقه . والاتفاق يستدعي حتما رضاء الدائن أن يستوفي الدين بمقابل ، فلا يجوز حمل الدائن علي أخذ غير محل 799 الدين إجباراً ، ولا يتم ذلك إلا برضائه ( [6] ) .
ولما كان الوفاء بمقابل اتفاقا ( convention ) ، فهو ككل اتفاق يقتضي توافق إرادتين ، إرادة الدائن وإرادة المدين . ولبس الوفاء بمقابل عقداً ( contrat ) ، بل هو اتفاق كما قدمنا ، كالوفاء ، لأنه لا ينشيء التزاما ، بل يقضي هذا الالتزام . ويجب أن تتوافر الأهلية الواجبة في كل من الطرفين . فتتوافر في الدائن أهلية استيفاء الدين علي النحو الذي قدمناه في الوفاء ، لأن الوفاء بمقابل ينطوي علي معني استيفاء الدين . وتتوافر في المدين ، لا أهلية الوفاء بالدين فحسب ، بل أيضا أهلية التصرف ، فإنه يوفي دينه عن طريق نقل ملكية شيء الي الدائن ، فالوفاء بمقابل بالنسبة إليه ينطوي علي معني الوفاء وعلي معني نقل الملكية في وقت واحد .
ويجب أن تكون إرادة كل من الطرفين خالية من العيوب ، فلا يشوبها غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال ( [7] ) .
ويجب أن يكون للاتفاق محل وسبب .أما السبب فهو الوفاء بالدين الأصلي . وأما المحل فهو الاستعاضة عن المحل الأصلي بنقل ملكية شيء آخر من المدين إلي الدائن . فلابد إذن في المحل من توافر شرطين : 1 – ألا يكون داخلا في نطاق الالتزام الأصلي ، بل هو شيء جديد يستعاض به عن المحل الأصلي 800 للالتزام . ومن ثم لا ينطوي الالتزام التخييري ولا الالتزام البدلي علي وفاء بمقابل ، لأن المدين إذا اختار أحد محال الالتزام في الالتزام التخييري ، أو اختار البدل في الالتزام البدلي ، فأداه ، فإنما يؤدي محل داخل في نطاق الالتزام الأصلي متفقا عليه منذ نشوء هذا الالتزام ، فليس هو شيئا جديداً خارجا عن نطاق الالتزام الأصلي يستعاض به عن محل هذا الالتزام ( [8] ) . 2 – أن يكون نقل ملكية ( dartio ) ، فلا يجوز أن يكون التزاما بعمل أو التزاما بامتناع عن عمل ( [9] ) . وإذا اتفق المقرض والمقترض علي أن يستعاض عن رد القرض بأن يقوم المقترض بنسخ كتاب معين يطلبه منه الدائن ، فإن هذا لا يكون وفاء بمقابل ، بل يكون في الغالب تجديداً ( novation ) بتغيير محل الدين ( [10] ) .
ويثبت الاتفاق علي الوفاء بمقابل وفقا للقواعد العامة في الإثبات . فلا يجوز ، فيما يزيد علي عشرة جنيهات ، الإثبات إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها علي أنه إذا ثبت أن الدائن قبد قبل تسلم شيء غير المستحق له دون تحفظ ، فإنه يفترض – حي يقوم الدليل علي العكس – أنه قد ارتضي أن يقوم ذلك مقام الوفاء ( [11] ) .
801 476 – تنفيذ الاتفاق بنقل الملكية فعلا إلي الدائن : ولا يكفي الاتفاق علي مقابل الوفاء ، بل يجب أيضا تنفيذ هذا الاتفاق بنقل الملكية فعلا من المدين إلي الدائن ( [12] ) . فإذا كان المقابل مائة قنطار من القطن أو مائة أردب من القمح ، وجب إفراز هذه المقادير حتي تنتقل ملكيتها إلي الدائن . وإذا كان المقابل سيارة وجب تعيينها بالذات ، أو كان دار أو أرضا وجب تسجيل الاتفاق علي الوفاء بمقابل ، حتي تنتقل ملكية السيارة أو الدار أو الأرض من المدين إلي الدائن ( [13] ) .
وهذا ما يميز الوفاء بمقابل عن التجديد ( [14] ) ، ففي التحديد يحل التزام جديد محل التزام قديم ، فينقضي الالتزام القديم بقيام الالتزام الجديد . أما في الوفاء بمقابل فلا يكفي قيام الالتزام الجديد ، أي الالتزام بنقل الملكية ، بل يجب تنفيذه أي نقل الملكية فعلا إلي الدائن . فإذا اقتصر الطرفان علي إنشاء التزام بنقل الملكية يحل محل الالتزام الأصلي ، فإنما يكون ذلك تجديداً بتغيير محل الدين لا وفاء بمقابل ( [15] ) .
المبحث الثاني
التكييف القانوني بالوفاء بمقابل
477 – تضارب الفقه في التكييف القانوني للوفاء بمقابل : بعد أن بسطنا أركان الوفاء بمقابل ، بقي أن نبين ما هو التكييف القانوني لهذا 802 السبب من أسباب انقضاء الالتزام . وقد تضارب الفقة في هذا التكييف ، حتي أصحبت هذه المسألة الغامضة في حاجة إلي شيء من التجلية والوضوح .
وهناك تكييف يتبادر إلي الذهن لأول وهلة ، هو أن يكون الوفاء بمقابل بيعا فيكون المقابل قد بيع بالدين . وكان للقانون الفرنسي القديم تكييف آخر ، هو أن الوفاء بمقابل ضرب من الوفاء ( paiement ) يتميز بأن المحل الأصلي فيه قد تغير وهناك تكييف ثالث ، هو الذي أخذ يتغلب الآن في الفقه ، يجعل الوفاء بمقابل عملا مركبا من تجديد ووفاء عن طريق الملكية .
478 – الوفاء بمقابل بيع تليه مقاصة : يتبادر إلي الذهن لأول وهلة أن الوفاء بمقابل ينتهي إلي التحليل الآتي : اتفق الدائن مع المدين علي أن يشتري الأول من الثاني المقابل الذي يقدمه الثاني – القطن أو القمح أو السيارة أو الأرض أو الدار إلخ – بثمن يعادل قيمة الدين الذي في ذمته . فتتم صفقة البيع أولا ، ويصبح الدائن مدينا بثمن هو معادل في الجنس والمقدار للدين الذي له . فتقع مقاصة قانونية ما بين هذا الدين والثمن ، فينقضي كلاهما بالمقاصة . ويبقي المدين بعد ذلك ملتزما نحو الدائن بنقل ملكية المقابل ( [16] ) .
وعيب هذا التكييف أنه يقف بالوفاء بمقابل عند المرحلة الأولي ، ولا يستلزم أن تنتقل الملكية فعلا الي الدائن . فلو فرضنا أن مقابل الوفاء هو مقادير من القطن أو من القمح ، فكيفي ، طبقا لهذا التكييف ، أن يلتزم المدين للدائن بنقل ملكية هذه المقادير حتي يتم الوفاء بمقابل وتبرأ ذمة المدين من دينه الأصلي إلا عند نقل هذه الملكية . أما إذا وقفنا عند هذه المرحلة الأولي ، فإنما نواجه تجديداً بتغيير محل الدين لا وفاء بمقابل كما سبق القول .
803 479 – الوفاء بمقابل ضرب من الوفاء تغير فيه المحل الأصلي : وهذا هو التكييف الذي كان سائداً في القانون الفرنسي القديم ، وكان يقول به دوما وبوتييه ، ولا يزال يقول به بعض فقهاء القانون الفرنسي الحديث .
ففي القانون الفرنسي القديم كان الوفاء بمقابل ضربا من الوفاء ، استعيض فيه عن الشيء المستحق أصلا بشيء آخر ، وذلك باتفاق الطرفين . فهو كالوفاء يقضي الدين ذاته بطريق مباشر ، ولكن يقضيه بمقابل الشيء المستحق لا بالشيء المستحق نفسه . أما في التكييف الأول فقد رأينا أن المقابل يقضي الدين ذاته ، ولكن بطريق غير مباشر ، بأن يجعل ثمنه قصاصا فذ هذا الدين . وسنري في التكييف الثالث أن المقابل لا يقضي الدين ذاته ، ولكن دينا آخر نشأ من طريق التجديد .
ويترتب علي هذا التكييف الثاني أن الدائن ، إذا استحق في يده مقابل الوفاء لم يرجع علي المدين بدعوي ضمان الاستحقاق التي يرجع بها المشتري علي البائع . فهو لم يشتر المقابل كما هو التصوير في التكييف الأول ، بل استوفي به الدين الذي له في ذمة المدين . فإذا استحق المقابل في يده بطل الوفاء ، واستتبع ذلك رجوع الدين الأصلي ، فيعود في ذمة المدين بجميع ما كان له من ضمانات ، ويرجع الدائن علي المدين لا بدعوي ضمان الاستحقاق بل بدعوي هذا الدين نفسه ( [17] ) .
وكان هذا التكييف القانوني يستقيم ، ويتفق مع إرادة الطرفين ، لولا أنه 804 من المقرر أن الوفاء بمقابل يقضي التأمينات التي كانت للدين الأصلي ولو استحق المقابل . انقضاء التأمينات هذا مقرر في الفقه الفرنسي ، ويؤيده نص صريح في التقنين المدني الفرنسي خاص بالكفالة ، فقد نصت المادة 2038 من هذا التقنين علي أن قبول الدائن باختياره عقاراً أو أي عرض استيفاء للدين الأصلي يبريء الكفيل ، حتي لو استحق الشيء في يد الدائن ( [18] ) . ويقيس الفقه الفرنسي علي الكفالة سائر التأمينات . أما في مصر فالنص واضح في أن التأمينات التي كانت للدين الأصلي تزول ، وسنري أن المادة 351 مدني تقضي بأن يسري علي الوفاء بمقابل ” من حيث أنه يقضي الدين ، أحكام الوفاء ، وبالأخص ما تعلق منها بتعيين جهة الدفع وانقضاء التأمينات ( [19] ) ” . ثم طبق التقنين المدني المصري هذا الحكم تطبيقا خاصا في الكفالة ، فنص في المادة 783 – وهي المقابلة للمادة 2038 مدني فرنسي – علي أنه ” إذا قبل الدائن أن يستوفي في مقابل الدين شيئا آخر ، برئت ذمة الكفيل ولو استحق هذا الشيء ” .
ولا شك في أن انقضاء التأمينات إلي غير رجعة لا يتفق مع التكييف القانوني 805 الذي نحن بصدده ، فإن من مقتضيات هذا التكييف أن يعود الدين الأصلي إذ أبطل الوفاء بمقابل أو استحق المقابل في يد الدائ ، ومتي عاد الدين الأصلي عادت معه جميع التأمينات التي كانت تكفله .
180 – الوفاء بمقابل عمل مركب من تجديد ووفاء عن طريق نقل الملكية : والتكييف القانوني الذي أخذ يتغلب في الفقه المعاصر ، وهو التكييف الذي يساير النصوص التشريعية في مصر وفي فرنسا ، هو أن الوفاء بمقابل عمل مركب . فهو مزيج من التجديد والوفاء عن طريق نقل الملكية ، وتتلاقي فيه عناصر من كل ذلك ، فيجمع في أحكامه بين كل منها .
فالوفاء بمقابل هو أولا تجديد بتغيير محل الدين . إذا الدائن والمدين يتفقان باديء ذي بدء علي تغيير المحل الأصلي للدين بمحل جديد هو المقابل للوفاء ، ومتي دخل في الدين هذا التعديل الجوهري فقد أصبح دينا جديداً يحل محل الدين القديم ، وهذا هو التجديد . ويترتب علي هذه الخطوة الأولي أن الدين الأصلي ينقضي ، وتنقضي معه تأميناته ، عن طريق التجديد ، لا عن طريق الوفاء كما هو الأمر في التكييف الثاني ، ولا عن طريق التجديد ، لا عن طريق الوفاء كما هو الأمر في التكييف الثاني ، ولا عن طريق المقاصة كما هو الأمر في التكييف الأول .
ثم إن الدين الجديد – وهو دائما التزام بنقل ملكية المقابل الذي استعيض به عن المحل الأصلي للدين – ينفذ عن طريق الوفاء ( paiement ) فتنتقل الملكية فعلا إلي الدائن كما قدمنا ، وبذلك يتم الوفاء بمقابل . وفي هذه الخطوة الثانية ينطوي الوفاء بمقابل عل معنيين : ( أولا ) معني الوفاء ، إذ الدين الجديد يوفي به عينا فينقضي ، وهو هنا ينقضي بالوفاء ( paiement ) ، كما انقضي الدين القديم بالتجديد ( novation ) فيما قدمنا . ( ثانياً ) ومعني نقل الملكية ، إذ الوفاء بالدين الجديد معناه نقل ملكية المقابل إلي الدائن كما تنتقل ملكية المبيع إلي المشترة . ونري من ذلك أن هذه الخطوة الثانية تكسب الوفاء فيأخذ أحكامه ، وتكسبه معني نقل الملكية فيأخذ أيضا بعض أحكامه ، وهذا كله إلي معني التجديد الذي رأيناه في الخطوة الأولي والذي انقضي الدين الأصلي به ( [20] ) .
806 ويخلص من هذا التكييف القانوني أمران : ( 1 ) أن الدين الأصلي في الوفاء بمقابل لا ينقضي بالوفاء ولا بالمقاصة ، وإنما ينقضي بالتجديد ، أما الدين الجديد الذي حل محل الدين الأصلي فينقضي بالوفاء عينا ، لا بمقابل الوفاء ( [21] ) . ( 2 ) إن الوفاء بمقابل يجمع في أحكامه بين معني الوفاء ومعني نقل الملكية ( [22] ) ، وهذا ما ننتقل الآن إليه .
الفرع الثاني
الآثار التي تترتب علي الوفاء بمقابل
481 – النصوص القانونية : تنص المادة 351 من التقنين المدني علي ما يأتي : 807 ” يسري علي الوفاء بمقابل ، فيما إذا كان ينقل ملكية شيء أعطي في مقابلة الدين ، أحكام البيع ، وبالأخص ما تعلق منها بأهلية المتعاقدين وضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية . ويسري عليه ، من حيث أنه يقضي الدين ، أحكام الوفاء ، وبالأخص ما تعلق منها بتعيين جهة الدفع وانقضاء التأمينات ” ( [23] ) .
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص ( [24] ) .
ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادة 349 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 338 – وفي التقنين المدني العراقي المادة 400 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 319 ( [25] ) .
808 ويخلص من هذا النص أن الوفاء بمقابل مزدوج الأحكام ، فتسري عليه أحكام البيع باعتباره ناقلا للملكية ، وتسري عليه أحكام الوفاء باعتبار أنه يقضي الدين .
482 – الوفاء بمقابل باعتباره ناقلا للملكية : لما كان الوفاء بمقابل ينقل ملكية المقابل من المدين إلي الدائن ، فانه يسري عليه من هذه الناحية أحكام البيع وأحكام نقل الملكية بوجه عام .
وقد ذكر النص من هذه الأحكام ثلاثة علي وجه التخصيص ( [26] ) :
أهلية المتعاقدين : وقد قدمنا أنه يشترط في المدين أن تتوافر فيه ، لا أهلية الوفاء فحسب ، بل أيضا أهلية التصرف . وكذلك يشترط في الدائن أهلية الالتزام ( [27] ) .
ضمان الاستحقاق : فإذا استحق المقابل في يد الدائن ، رجع علي المدين . ولا يرجع بالدين الأصلي ، فإن هذا الدين قد انقضي بالتجديد كما قدمنا ، وقد انقضت تأميناته معه ، فلا يعود ولا تعود . وإنما يرجع بضمان الاستحقاق كما يرجع المشتري علي البائع ، لأنه إنما يطعن في التصرف الخاص بنقل الملكية لا التصرف الخاص بالتجديد . إذ التجديد قد أصبح باتا لا رجوع فيه ، وهو الذي قضي الدين الأصلي بتأميناته ، وأقام مقامه الدين الجديد الذي يستوجب تنفيذه نقل الملكية ( [28] ) .
809 ولما كان الدائن يرجع علي المدين بضمان الاستحقاق كما قدمنا ، فإنه يرجع ، طبقا لأحكام هذا الضمان ، بما يأتي : ( 1 ) قيمة المقابل وقت الاستحقاق مع الفوائد القانونية من ذلك الوقت . ( 2 ) وقيمة الثمار التي ألزم الدائن بردها لمن استحق المقابل . ( 3 ) والمصروفات النافعة التي لا يستطيع الدائن أن يلزم بها المستحق ، وكذلك المصروفات الكمالية إذا كان المدين سيء النية . ( 4 ) وجميع مصروفات دعوي الضمان ودعوي الاستحقاق عدا ، ما كان الدائن يستطيع أن يتقيه منها لو أخطر المدين بالدعوي . ( 5 ) وبوجه عام التعويض عما لحقه من خسارة أو وفاته من كسب بسبب استحقاق المقابل ( [29] ) .
ولا شلك في أن الرجوع بضمان الاستحقاق أرجح للدائن من الرجوع بالدين الأصلي ، ولكن تأمينات الدين الأصلي تزول كما قدمنا فلا تكفل ضمان الاستحقاق .
3 – ضمان العيوب الخفية : فإذا لم يستحق المقابل ، ولكن الدائن كشف فيه عيبا خفيا ، فإنه يرجع علي المدين بضمان العيوب الخفية ، كما يرجع المشتري علي البائع ، طبقا لأحكام المواد 447 – 454 مدني . ويخلص من هذه النصوص أن العيب لو أثر في المقابل إلي حد لو علمه الدائن لما رضي بهذا المقابل ، كان له أن يرده إلي المدين وأن يطالبه بالتعويض علي النحو الذي بيناه في ضمان الاستحقاق . أما إذا اختار الدائن استبقاء المقابل ، أو كانت الخسارة لم تبلغ 810 الحد المتقدم الذكر ، لم يكن له إلا أن يطالب المدين بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب العيب ( م450 و444 مدني ) ( [30] ) .
ولما كان نص المادة 351 مدني لم تحصر أحكام البيع التي تسري علي الوفاء بمقابل في الأحكام الثلاثة المتقدمة الذكر ، بل ذكرتها علي سبيل التمثيل والتخصيص ، فإنه يبدو أن بعض أحكام البيع الأخري – كحق امتياز البائع إذا كان هناك معدل ( solute ) يدفعه الدائن للمدين ( [31] ) ، وحق الفسخ إذا لم يوف الدائن بهذا المعدل ، وحق تكملة الثمن للغبن فيما إذا كان الدائن قاصراً وكان المقابل عقاراً تقل قيمته عن أربعة أخماس الدين ( [32] ) ، وتسري علي الوفاء بمقابل ( [33] ) .
483 – الوفاء بمقابل باعتباره وفاء : ثم إن الوفاء بمقابل ، باعتباره وفاء ، يقضي الدين الجديد الذي حل محل الدين الأصلي كما قدمنا . أما الدين الأصلي فقد انقضي بالتجديد ، كما سبق القول .
ومن ثم تترتب النتائج الآتية ( [34] ) :
- تزول التأمينات التي كانت للدين الأصلي ، ولا تعود حتي لو استحق 811 المقابل قد يد الدائن ، علي النحو الذي قدمناه . وهذه النتيجة مترتبة علي أن الدين الأصلي قد انقضي وانقضت معه تأميناته عن طريق التجديد ( [35] ) .
- تتبع الأحكام المتعلقة بتعيين جهة الدفع ( imputation du paiement ) فيما إذا كان في ذمة المدين للدائن عدة ديون من جنس واحد وقد دفع المدين مقابلا للوفاء ببعضها دون بعض ، فيكون له وقت الدفع أن يبين الدين الذي دفع مقابله . فإن لم يبين ، كان الدين المدفوع له المقابل هو الدين الحال ، ثم الدين الأكثر كلفة علي المدين ، فإن تعادلت الديون في الحلول وفي الكلفة علي المدين ، كان للدائن أن يعين الدين الذي استوفي مقابله .
- إذا تبين أن المدين قد دفع مقابلا لدين لا وجود له ، اتبعت أحكام الوفاء لا أحكام نقل الملكية . ومن ثم لا يرجع المدين علي الدائن بمقدار الدين ، ولكن يسترد منه المقابل الذي دفعه بدعوي استرداد غير المستحق ( [36] ) .
- يجوز لدائني المدين أن يطعنوا بالدعوي البولصية في الوفاء بمقابل باعتبار أنه وفاء . فإذا وفي المدين المعسر ، وفاء بمقابل ، أحد دائنيه قبل 812 انقضاء الأجل الذي عين أصلا للوفاء ، لم يسر هذا الوفاء في حق باقي الدائنين . وكذلك لا يسري في حقهم الوفاء بمقابل ولو حصل بعد انقضاء هذا الأجل ، إذا كان قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفي المقابل ( [37] ) .
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 487 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 362 في المشروع النهائي . ثم وافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 350 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 235 – 236 ) .
( [2] ) وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” أغفل التقنين القائم ( السابق ) الاعتياض – الوفاء بمقابل – في نصوصه فوكل أمره بذلك إلي القواعد العامة . بيد أن المشروع آثر أن يختصه ببعض النصوص إزاء ما هو ملحوظ من ازدواج أثره ، وتراكب طبيعته في فقه القانون ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 234 ) . وانظر أيضا الموجز للمؤلف فقرة 543 .
( [3] ) التقنيات المدنية العربية الأخري :
التقنين المدني السوري م 348 ( مطابقة للمادة 350 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني الليبي م 337 ( مطابقة للمادة 350 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني العراقي م 339 ( مطابقة للمادة 350 من التقنين المدني المصري – وانظر الأستاذ حسن الذنون في أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي فقرة 325 – فقرة 326 ) .
تقنين الموجبات والعقود واللبنانى م 318 : يسقط الدين إذا قبل الدائن ، عوضا عن التنفيذ ، أداء شيء غير الذي كان يجب له – وإذا بدأ شك ولم يعترض الدائن أو لم بيد تحفظا عند الايفا بأداء العوض ، فالدائن يعد ، إلي أن يقوم برهان علي العكس ، قابلا لذلك الايفاء ومبرئا لذمة المدين . ( والحكم متفق مع حكم التقنين المصري ) .
( [4] ) ولا نري ما يمنع من أن يتفق الدائن مع غير المدين علي أن يستوفي الدين منه بمقابل فينقل الغير الي الدائن ملكية شيء مملوك للأول وفاء للدين . ثم يرجع الغير علي المدين ، إذا لم يكن هناك اتفاق بينهما ، بدعوي الفضالة أو بدعوي الإثراء بلا سبب ، بحسب الأحوال . وفي حالة الرجوع بدعوي الإثراء بلا سبب يطالب الغير المدين بأقل القيمتين ، مقدار الدين وقيمة الشيء الذ أعطاه للدائن مقابلا للوفاء .
( [5] ) انظر جوسران 2 فقرة 926 – الموجز المؤلف فقرة 543 – وقد يعطي المدين للدائن ، مقالا للوفاء ، دينا له في ذمة الغير . ولكن هذا يتم عادة لا عن طريق الوفاء بمقابل ، بل عن طريق حوالة هذا الحق ( cession de creanse ) للدائن ، أو إنابة الغير في الوفاء للدائن ( delegation ) : أنظر في هذا المعني بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2018 – وقارن جوسران 2 فقرة 926 ص 492 .
( [6] ) وقد يعطي المدين الدائن شيئا غير محل الدين ، ولكن لا للوفاء بالدين بل كضمان له ، كما إذا اتفق الطرفان علي مد أجل الدين في مقابل أن يعطي المدين للدائن رهنا . وفي هذه الحالة لا ينقضي الدين بداهة ، بل يبقي قائما ، ويكون الشيء الذي أعطاه المدين للدائن ليس مقابلا للوفاء بل هو رهن في يد الدائن لضمان الدين . ويرجع فيما إذا كان الشيء الذي أعطاه المدين للدائن مقابلا للوفاء أو رهنا لنية الطرفين ( دي باج 3 فقرة 506 ص 484 ) . فلا يكون هناك وفاء بمقابل إلا إذا اتفق الطرفان في وضوح علي نقل ملكية الشيء إلي الدائن . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا سلم المستأجر محصولات الأرض إلي المؤجر وفاء بالأجرة بعد عمل الحساب ، فلا يعني ذلك إنه نقل ملكية المحصولات إلي المؤجر ، وفاء بالأجرة بعد عمل الحساب ، فلا يعني ذلك أنه نقل ملكية المحصولات إلي المؤجر ، بل أودعها عنده ضمانا للأجرة ، ووكله في بيعها ليستوفي الأجرة ، منها فلا يجوز للمؤجر التمسك ببطلان حجز وقعه أحد دائني المستأجر علي هذه المحصولات بدعوي أن ملكيتها انتقلت إليه ( استئناف مختلط 6 يناير سنة 1915 ص 107 ) .
( [7] ) دي باج 3 فقرة 506 ص 486 .
( [8] ) بودري وبارد 2 فقرة 1684 – دي باج 3 فقرة 506 ص 485 .
( [9] ) الأستاذ عبد الحي حجازي 3 ص58 .
( [10] ) وإذا قبل الدائن استيفاء الدين بشيك أو بكمبيالة أو بأية ورقة مماثلة ، لم تبرأ ذمة المدين من الدين إلا إذا قبض الدائن فعلا قيمة الشيك أو الكمبيالة أو الورقة المالية . وعندئذ ينقضي الدين ، لا بالوفاء بمقابل ، بل بالوفاء عينا كما سبق القول ( دي باج 3 فقرة 506 ص 485 – ص486 ) .
( [11] ) وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 318 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني علي هذا الحكم صراحة ، فقضت بأنه ” إذا بد شك ما ، ولم يعترض الدائن أو لم يبد تحفظا عند الايفاء بأداء العوض ، فالدائن يعد ، إلي أن يقوم برهان علي العكس ، قابلا لذلك الايفاء ومعترفا بكونه مبرئا لذمة المديون ” . انظر أيضا المادة 364 / 2 من التقنين المدني الألماني .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” أما فيما يتعلق بالإثبات ، فيفرض في الدائن . إذ قبل الوفاء بغير ما هو مستحق له دون تحفظ ، أنه قد ارتضي أن يقوم ذلك مقام الوفاء من المدين ، إلا أن يقوم دليل يسقط هذه القرينة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 237 ) .
( [12] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص237 .
( [13] ) ويترتب علي ذلك أن الوفاء بمقابل لا يمكن أن يتم عن طريق الوصية ، بأن يوصي المدين لدائنه بمال للوفاء بالدين . وذلك لأن الوصية يجوز الرجوع فيها دائما ، ولا تنتقل ملكية الموصي به في حياة الموصي ( نقض مدني أول أبريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 38 ص 95 ) . كذلك لا يتم الوفاء بمقابل إذا احتفظ المدين لنفسه بحق استرداد العقار الذي سلمه وفاء لدينه ( استئناف مختلط 6 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 79 ) .
( [14] ) الأستاذ عبد الحي حجازي 3 ص 59 .
( [15] ) كولان وكابيتان ودي لامور انديير 2 فقرة 988 ص 649 – جوسران 2 فقرة 926 ص 492 .
( [16] ) انظر في بسط هذا الرأي بودري وبارد 2 فقرة 1686 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1249 ص 659 .
( [17] ) دوما في القوانين المدنية القسم الأول الكتاب الثالث الباب الأول الفرع السابع فقرة 6 بوتييه في الالتزامات فقرة 406 – وانظر في فقهاء القانون الفرنسي الحديث : سيجوني Segogne في الوفاء بمقابل في القانون الرزماني والقانون الفرنسي رسالة من باريس سنة 1880 ص 82 – ص 100 – جمبو Guimbaud في الوفاء بمقابل في القانون الروماني والقانون الفرنسي رسالة من بواتتيه سنة 1889 ص 185 – ص206 – وقارب بلانيول وويبير وبولانجيه 2 فقرة ويقرب من هذا التكييف ما يذهب إليه الأستاذ عبد الحي حجازي ( جزء 3 ص 62 ) أن الوفاء بمقابل عقد عيني تنتقل به ملكية شيء من ذمة المدين إلي ذمة الدائن ويترتب عليه الوفاء بالتزاما سابق .
ويتحمس في الدفاع عن هذا التكييف من الفقهاء المعاصرين دي باج : انظر الجزء الثالث فقرة 511 .
( [18] ) ويذهب سيجوني Segogne ، في الرسالة التي أسلفنا الإشارة إليها ، إلي ان بوتتيه قرر هذا الحكم في خصوص الكفيل وحده ، دون سائر التأمينات ، لاعتبارات خاصة بالكفيل . فإن الدائن ، بعد أن استوفي دينه بمقابل للوفاء ، وبعد أن برئت ذمة الكفيل ، لا يفكر في الرجوع علي الكفيل ، إذا استحق المقابل في يده ، إلا إذا كان المدين معسرا . فيضار الكفيلي بهذا الإعسار ، ويكون من حقه أن يدفع رجوع الدائن عليه ، ما دام الدائن هو الذي قبل أن يستوفي دينه بمقابل وترك المدين حتي أعسر ، ففوت علي الكفيل الفرصة في أن يرجع علي المدين إذا وفي عنه الدين ( بوتتيه في الالتزامات فقرة 407 ) وقد نقل التقنين المدني الفرنسي هذا الحكم عن بوتتيه ، وقصره علي الكفيل ( سيجوني ص 88 – ص 90 ) .
ويرد بودري وبارد علي هذه الحجة بأن التقنين المدني الفرنسي في المادة2038 جعل براءة الكفيل ، حتي لو استحق المقابل في يد الدائن ، حكما عاما ، ولم يقصره علي حالة ما إذا كان المدين معسراً ، وهذا يدل علي أن الوفاء بمقابل من شأنه تجديد الدين الأصلي ، فينقضي هذا الدين بالتجديد وتنقضي معه تأميناه والكفالة من بينها . ويظهر ذلك في وضوح تام عند الرجوع إلي الأعمال التحضيرية للتقنين المدني الفرنسي ، فقد وردت فيها عبارات صريحة كل الصراحة في هذا المعني ( انظر بودري وبارد 2 فقرة 1685 ص 791 – ص 792 – وانظر في الرد علي بودري وبارد : دي باج 3 فقرة 511 ص 491 ) .
( [19] ) انظر عكس ذلك في عهد التقنين المدني السابق : استئناف مختلط 25 نوفمبر سنة 1919 م 32 ص 27 .
( [20] ) انظر في هذا المعني أوبري ورو 4 فقرة 318 هامش رقم 1 وفقرة 324 هامش رقم 48 لوران 18 فقرة 323 و31 فقرة 363 – ديمولومب 27 فقرة 230 و28 فقرة 288 وما بعدها – بودري وبارد 2 فقرة 1685 ص 788 – ص 789 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1249 ص 659 وفقرة 1250 ص 659 – ص 660 – بيدان لاجارد 8 فقرة 494 – جوسران 2 فقرة 928 ص 493 .
وانظر في هذا المعني أيضا الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 281 .
وانظر انتقاداً لا يخلو من المبالغة لهذا التكييف في دي باج 3 فقرة 510 – فقرة 511 .
( [21] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” ويراعي أن الوفاء بالدين القديم لا يتم بمقتضي الإدلاء بالعوض ، وإنما ينشا التزام جديد يحل محل هذا الدين ، وهذا الالتزام هو الذي ينقضي الإدلاء بالعوض ، وإنما ينشأ التزام جديد يحل محل هذا الدين ، وهذا الالتزام هو الذي ينقضي بالوفاء فور الوقت عن طريق انتقال حق الملك في ذلك العوض . فالاعتياض والحالة هذه ليس إلا تجديداً يتبع بالوفاء بالالتزام الجديد علي الفور ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 237 ) .
( [22] ) فالوفاء بمقابل هو إذن تصرف قانوني مركب ( acte juridique complexe ) من تجديد ونقل ملكية ووفاء . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا المعني : ” بيد أن المشروع آثر أن يختصه ( الوفاء بمقابل ) ببعض النصوص إزاء ما هو ملحوظ من ازدواج أثره وتراكب طبيعته في فقه القانون : فيراعي من ناحية أن الإدلاء بعوض ينقل ملكية ما يؤدي في مقابل الوفاء ، وفي هذه الحدود تطبق أحكام البيع . ويراعي من ناحية أخري أنه يهييء للمدين طريقا لإبراء ذمته من الدين ، وفي هذا النطاق تطبق قواعد الوفاء . وقد يقال أخيراً إن الاعتياض ينتهي أمره إلي تجديد يعقبه الوفاء مباشرة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص234 ) .
( [23] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 488 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، فما عدا العبارة الآتية التي وردت في المشروع التمهيدي : ” يسري علي الوفاء بمقابل ، من حيث انه ينقل ملكية الشيء الذي أعطي في مقابلة الدين . . ” ، وفيما عدا عبارة ” احتساب الخصم ” في المشروع التمهيدي . وفي لجنة المراجعة عدلت عبارة : ” من حيث أنه ينقل ملكية الشيء الخ ” بعبارة ” فيما إذا كان ينقل ملكية شيء ” .وكانت عبارة المشروع التمهيدي أدق في المعني من عبارة لجنة المراجعة ، لأن العبارة الأخيرة توهم أن الوفاء بمقابل قد لا ينقل الملكية في بعض صورة ، وقد رأينا انه ينقل الملكية في جميع الصور ( قارن مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 238 ) وأصبح رقم المادة 363 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب علي النص . وفي لجنة مجلس الشيوخ عدلت عبارة ” احتساب الخصم بعبارة ” تعيين جهة الدفع ” . ووافق مجلس الشيوخ علي المادة كما عدلتها لجنته تحت رقم 351 ( مجموعة الأعمال التضحيرية 3 ص 236 و ص 238 – ص 239 ) .
( [24] ) الموجز للمؤلف فقرة 543 – الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 793 – فقرة 794 .
( [25] ) التقنينات المدنية العربية الأخري :
التقنين المدني السوري م 349 ( مطابقة للمادة 351 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني الليبي م 338 ( مطابقة للمادة 351 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني العراقي م 400 ( مطابقة للمادة 351 من التقنين المدني المصري – وانظر الأستاذ حسن الذنون في أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي فقرة 327– فقرة 328 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 319 : إن قواعد البيع تطبق مبدئيا علي الإيفاء بأداء العوض ، ولاسيما القواعد المختصة بالضمان وبأهلية المتعاقدين – علي أن قواعد الإيفاء تطبق بالقياس وبقدر المستطاع ، ولا سميا فيما يختص بتعيين جهة الإيفاء . ( والحكم متفق مع حكم التقنين المصري ، وإذا كان نص التقنين اللبناني لم يذكر انقضاء التأمينات صراحة ، إلا أن هذا الانقضاء يستخلص بداهة من قواعد الوفاء الواجبة التطبيق ) .
( [26] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 237 .
( [28] ) وقد يقال إنه مما يتفق نية الطرفين ، في حالة ما إذا لم تخلص ملكية المقابل للدائن ، أن يفسخ الوفاء بمقابل في مجموعة ، بما ينطوي عليه من تجديد ووفاء ونقل ملكية ، ويعود الدين الأصلي إلي ذمة المدين . وقد جاء في هذا المعني في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” ولا يكون للدائن في هذه الحالة إلا حق الرجوع بدعوي الضمان ، ما لم يطلب الحكم بفسخ الاعتياض ذاته : قارن المادة 998 من التقنين البرازيلي ، وهي تقضي بأن الدين القديم يعود الي الوجود ويزول أثر المخالصة به متي استحق العرض ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 237 – 238 ) انظر أيضا المادة 1197 / 2 من التقنين المدني الإيطالي الجديد – والأستاذ عبد الحي حجازي 3 ص 64 – ص 65 .
ولكن القول برجوع الدين الأصلي ، عن طريق فسخ الوفاء بمقابل في مجموعة ، يقتضي أن يرجع مع الدين الأصلي تأميناته التي كانت تكلفه ، وهذا يتعارض مع نص القانون الصريح من أن التأمينات تنقضي . ومن ثم لا يكون للدائن ، في حالة استحقاق المقابل ، إلا الرجوع بضمان الاستحقاق علي الوجه الذي سنبسطه ، ولا يجوز له فسخ التجديد . فيبقي الدين الجديد قائما ، ولا يعود الدين الأصلي ولا تعود تأميناته ( انظر في هذا المعني أوبري ورو 4 فقرة 324 ص 334 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1254 – كولان وكابيتان ودي لا مورانديير 2 فقرة 988 ) .
( [29] ) انظر المادة 443 من التقنين المدني في ضمان الاستحقاق .
( [30] ) كولان وكابيتان ودي لامورانديير 2 فقرة 988 ص 649 – أنسيلكوبيدي داللوز 2 لفظ dation en paiement فقرة 17 .
( [31] ) كولان وكابيتان ودي لامورانديير 2 فقرة 937 – أنسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ dation en paiement فقرة 16 .
( [32] ) كولان وكابيتان ودي لامورانديير 2 فقرة 937 – أنسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ dation en paiement فقرة 15 – قارن بودري وبارد 2 فقرة 1687 مكررة أولا – فقرة 1688 . وانظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1253 وفقرة 1255 .
( [33] ) وكذلك تدفع رسوم انتقال الملكية في الوفاء بمقابل بنفس المقدار الذي تدفع به في البيع ( استئناف مختلط 30 أبريل سنة 1891 م 3 ص 317 – وانظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1253 ) .
( [34] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 237 – ص 238 .
انظر المزيد حول توكيل محامي
( [35] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1252 – جوسران 2 فقرة 929 .
( [36] ) أنسيكولوبيدي داللوز 2 لفظ dation en paiement فقرة 18 – ويمكن القول أيضا إن الذي أعطي المقابل ، وقد تبين أنه غير مدين ، يكون بمثابة البائع الذي لم يستوف الثمن من المشتري ، فيفسخ البيع ويسترد المبيع . وقد قضت محكمة النقض في هذا المعني بأنه إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن الدائن ومدينه اتفقا علي أن يبيع المدين إلي الدائن قدراً من أطيانه مقابل مبلغ ما كان باقيا عليه من دين سبق أن حوله الدائن إلي أجنبي ، وتعهد الدائن بإحضار مخالصة من ذلك الأجنبي عند التصديق علي عقد البيه ، وحرر بين الطرفين في تاريخ هذا الاتفاق عقد بيع عن الأطيان الواردة به ، ثم تم التوقيع علي عقد البيع النهائي ، ولم يحضر الدائن المخالصة من الأجنبي ، بل إن هذا الأخير استمر في إجراءات التنفيذ بالنسبة إلي باقي الدين فنزع ملكية المدين من أطيان أخري حتي بيعت بالمزاد ، فرأت المحكمة من هذا انه مع قيام الأجنبي بالتنفيذ علي هذه الأطيان الأخري للحصول علي باقي الدين تكون الأطيان المبيعة للدائن تحت يده من غير مقابل ، وعلي هذا قضت بفسخ العقد ، فإنها تكون قد أصابت ، لأنه بالقياس علي البيع يكون للمدين – الذي هو في مركز البائع – الحق في فسخ العقد إذا حال الدائن الذي أخذ الأطيان وفاء لدينه دون حصول المقاصة عن هذا الدين بمتابعة التنفيذ وفاء لدينه ، إذ يكون الدائن والحالة هذه كأنه مشتر لم يدفع الثمن ( نقض مدني 18 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 139 ص 385 ) .
( [37] ) وذلك كله قياسا علي المادة 242 / 2 مدني ، وقد وردت في خصوص الطعن بالدعوي البولصية في الوفاء ، فيمكن قياس الوفاء بمقابل علي الوفاء . انظر : استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1912 م24 ص 287 – 30 مايو سنة 1914 م 26 ص 402 – 15 يونية سنة 1916 م 28 ص 433 – وانظر الأستاذ عبد الحي حجازي 3 ص 66 .
المصدر: محامي في الأردن