الوفاء
( LE PAIEMENT )
ــ
مقدمة
التكييف القانوني للوفاء
وما يترتب على هذا التكييف
357 – التكييف القانونى للوفاء : الوفاء واقعة مختلطة ( fait mixte ) كما قدمنا ، فهو يجمع بين التنفيذ المادى للالتزام ، كتسليم مبلغ من النقود 636 أو إقامة بناء أو الامتناع عن المنافسة ، وبين الاتفاق على قضاء الدين والاتفاق تصرف قانونى ( [1] ) .
ولكن الوفاء إذا كان واقعة مختلطة ، فإنه يغلب فيه عنصر التصرف القانوني ، ولذلك يلحق عادة بالتصرفات القانونية . وقد يكون من الممكن أن نكيفه بأنه تصرف قانوني عينى ( acte juridique reel ) ، إذ هو تصرف لا يتم إلا بعمل مادي هو التنفيذ ( [2] ) .
358 – ما يترتب على هذا التكييف : ويخلص مما تقدم أن الوفاء هو اتفاق على قضاء الدين . ومن ثم يكون هناك أمران : ( أولا ) أن الوفاء اتفاق . و ( ثانياً ) أنه اتفاق على قضاء الدين .
637 ونتناول بالبحث كلا من هذين الأمرين .
- الوفاء اتفاق
359 – ما يترتب على أن الوفاء اتفاق : ما دام الوفاء اتفاقا ( convention ) بين الموفي والموفي له ، فهو إذن تصرف قانوني ( acte juridique ) يجرى عليه ، من الأحكام ما يجري علي سائر التصرفات القانونية ( [3] ) .
فلا بد فيه من التراضي ، أي تراضي الموفي والموفي له على وفاء الالتزام . والتراضي يكون بالتعبير عن الإرادة على النحو المقرر قانوناً . ويغلب أن يكون التنفيذ المادي للالتزام هو نفسه تعبير عن هذه الإرادة ، فتسليم الموفي الشىء الذي التزم به هو إيجاب ، وتسلم الموفي له هذا الشىء على أنه وفاء للدين هو القبول .
ويشترط فى هذا التراضي أن يكون صادراً من ذي أهلية ، وسنتكلم في أهلية الموفي وأهلية الموفي له فيما يلى . ويشترط أيضاً أن يكون خالياً من عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه ( [4] ) واستغلال ، فإذا داخل الوفاء شىء من ذلك كان قابلا للإبطال . ومن ثم فإن الموفي إذا وقع فى غلط واعتقد بحسن نية أنه يوفي دينا عليه ولا دين ، فإنه يستطيع استرداد ما وفى به عن طريق إبطال هذا التصرف القانوني المشوب بالغلط وهو الوفاء . وهذا هو المبدأ المعروف باسترداد غير المستحق ، يقوم على هذا الأساس القانوني . وكذلك الأمر لو أكره الموفي على وفاء دين انقضي ، ثم وجد في أوراقه المخالصة التى تثبت أنه هو أو مورثه كان قد وفى بالدين ، فإنه يستطيع هنا أيضاً استرداد غير المستحق عن طريق إبطال الوفاء المشوب بالإكراه ( [5] ) .
638 كذلك يجب أن يكون للوفاء – شأنه في ذلك شأن كل تصرف قانوني – محل وسبب .
فمحل الوفاء هو نفس محل الدين الذي يوفي به ، وسيأتي الكلام فيه تفصيلا . وسبب الوفاء هو قضاء الدين ، وهذا هو الباعث الرئيسي لهذا التصرف القانوني ( [6] ) . فإذا كان الدين غير مشروع ووفاه المدين بالرغم من عدم مشروعيته ، فإن سبب الوفاء يكون هنا غير مشروع ، ومن ثم يقع باطلا ، ويجوز للموفي أن يسترد ما دفعه ، ولا يعترض ذلك القاعدة القديمة التي كانت تقضي بأن المحل غير المشروع إذا وفي به لا يسترد ( [7] ) .
ثم إن الوفاء ، باعتباره تصرفا قانونيا ، يخضع للقواعد العامة فى إثبات التصرفات القانونية . ولما كان هذا الحكم فى حاجة إلى شىء من التفصيل ، فنتناوله الآن بالبحث .
360 – إثبات الوفاء – النصوص القانونية : قدمنا عند الكلام فى الإثبات ( [8] ) أن إثبات الوفاء بالالتزام يقع عبؤه علي المدين ( [9] ) ، ويثبت بالطرق التي يثبت بها قيام الالتزام ، فلا بد من الكتابة أو ما يقوم مقامها فيما زادت قيمته على عشرة جنيهات ، وإلا جازت البنية والقرائن .
غير أن التقنين الجديد أورد نصاً خاصاً في إثبات الوفاء ، هو المادة 349 ، وتجري على الوجه الآتى :
” 1 – لمن قام بوفاء جزء من الدين أن يطلب مخالصة بما وفاه مع التأشير على سند الدين بحصول هذا الوفاء . فإذا وفى الدين كله ، كان له أن يطلب 639 رد سند الدين أو إلغاءه ، فإن كان السند قد ضاع كان له أن يطلب الدائن أن يقر كتابة بضياع السند ” .
” 2 – فإذا رفض الدائن القيام بما فرضته عليه الفقرة السابقة ، جاز للمدين أن يودع الشىء المستحق إبداعاً قضائياً ( [10] ) ” .
640 ولا نعيد هنا ما قدمناه فى إثبات الوفاء بالالتزام ( [11] ) من جواز إثبات الوفاء بمخالصة مكتوبة ، ومن أن المخالصة يجوز أن تسرى في حق الغير ولو لم تكن ثابتة التاريخ ( م395 / 2 مدني ) . كذلك نشير هنا إلى ماقدمناه فى قسم الإثبات من أن الدفاتر والأوراق المنزلية تكون حجة على من صدرت منه إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى ديناً ( م398 بند أ مدني ) ، وإلى أن التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس ولو لم يكن التأشير موقعاً منه ما دام السند لم يخرج قط من حيازته ، وكذلك يكون الحكم إذا أثبت الدائن بخطه دون توقيع ما يستفاد منه براءة المدين فى نسخة أصلية أخرى للسند أو فى مخالصة وكانت النسخة أو المخالصة فى يد المدين ( م399 مدنى ) .
على أن نص المادة 349 المتقدم الذكر يضيف شيئاً جديداً إلى ما سبق أن ذكرناه . فالأصل أن المدين إذا وفى بالدين أو بجزء منه ، فمن حقه أن يحصل من دائنه على دليل لإثبات هذا الوفاء . فإن كان القانون يتطلب سندا مكتوباً ، فمن حقه أن يحصل من دائنه على مخالصة مكتوبة ، وهذا هو الدليل المألوف لإثبات الوفاء الكلى أو الجزئى . إلا أن المادة 349 مدني أضافت إلى ذلك أن من حق المدين أيضاً ، بالإضافة إلى هذه المخالصة ، أن يطلب من الدائن رد السند الأصلى للدين أو إعدام هذا السند أو إلغاءه إذا كان الوفاء كلياً ، فإن كان الوفاء جزئياً كان للمدين أن يطلب التأشير على السند بما وفاه . والغرض من ذلك إمعان فى الاحتياط للتزود بمختلف الأدلة على الوفاء ، فإن المخالصة قد تضيع فلا يبقى عند المدين دليل لإثبات الوفاء . أما إذا رد السند الأصلى للمدين أو ألغى فى حالة الوفاء الكلى ، أو أشر عليه بالوفاء الجزئى ، فقد امتنع على الدائن أن يطالب بالدين أو بما وفى منه مرة أخرى ، حتى لو ضاعت المخالصة من المدين . ونفقة كل ذلك على المدين ، فإن نفقات الوفاء عليه ( م348 مدني ) ، وقد كان المشروع التمهيدى يشتمل على نص فى هذا المعنى فحذفته لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه ( [12] ) .
641 وإذا كان السند الأصلي الدين قد ضاع من الدائن ، أو أدعى الدائن ضياعه ، فعلى الدائن فى هذه الحالة أن يقر كتابة بضياع السند . وليس من الضروري أن يكون هذا الإقرار مصدقاً على الإمضاء فيه ، ولكن التصديق يجعل المدين فى مأمن من إنكار الدائن لتوقيعه إلا عن طريق الطعن بالتزوير ( [13] ) .
وقد أوجب القانون على الدائن أن يعطى لمدينة المخالصة ، وإن يرد له في الوقت ذاته السند أو يعدمه أو يلغيه أو يؤشر عليه بالوفاء الجزئى أو يكتب له إقرار بضياعه ، إلى حد أنه لو امتنع من ذلك ، جاز للمدين أن يلجأ فى وفاء دينه إلي طريق العرض الحقيقي بما يتضمنه هذا العرض من مصروفات تكون على حساب الدائن لامتناعه بغير حق من تمكين المدين من طرق إثبات الوفاء التي قررها القانون .
ويلاحظ أن الجميع بين المخالصة وتسليم السند أو إعدامه أو إلغائه أو التأشير عليه بالوفاء الجزئي أو الإقرار المكتوب بضياعه ليس ضرورياً ، وإنما هو كما قلنا إمعان فى الاحتياط . فيجوز للمدين أن يكتفى بالمخالصة ، وتكون دليلا كاملا على الوفاء الكلي أو الجزئي . كما يجوز له أن يكتفى باسترداد السند أو إعدامه أو إلغائه ، ولكن هذا كما يكون قرينة على الوفاء قد يكون أيضا قرينة على الإبراء ( [14] ) . أما التأشير بالوفاء الجزائى فهو دليل كامل على هذا الوفاء ، ولا يخشى عليه من الضياع ، فإنه لا يضيع إلا إذا ضاع سند الدين نفسه ( [15] ) .
642
الوفاء اتفاق على قضاء الدين
361 – الوفاء اتفاق له مقومات خاصة : على أن الوفاء ، إذا كان اتفاقاً ، فهو اتفاق له مقوماته الخاصة . فهو اتفاق على قضاء دين قائم ، له أطراف معينة ومحل معلوم . فهو ليس كالاتفاق الذي ينشئ الالتزام ، وإن كان يقابله . ذلك أن الاتفاق الذي ينشئ الالتزام ابتداء أساسه الحرية الكاملة للمتعاقدين . لهما أن يتفقا وألا يتفقا ، فإبرام العقد الذي ينشئ الالتزام ليس مفروضاً عليهما . وإذا اختارا الاتفاق ، فلهما الحرية الكاملة فى أن يعينا محل الالتزام الذي يكون موضوع اتفاقهما ، يستطيعان أن يعينا هذا المحل أو ذاك ، ويستطيعان بعد ذلك أن يعدلا فيه فيزيداه أو ينقصاه أو يستبدلا به محلا آخر .
أما الوفاء فهو اتفاق على قضاء دين قائم كما قدمنا . فهو حتم مفروض على كل من المدين والدائن ، ومحله هو نفس محل الدين الذي يوفي به لا يزيد ولا ينقص ولا يتحور ( [16] ) .
فهناك إذن مسألتان : ( 1 ) الوفاء اتفاق مفروض على كل من المدين والدائن .
( 2 ) وهو اتفاق محله مفروض أيضاً على الطرفين ، إذ هو نفس محل الدين القائم .
643
362 – الوفاء اتفاق مفروض على كل من المدين والدائن : لما كان الوفاء هو اتفاق على قضاء دين واجب ، فليس ثمة محيص لكل من المدين والدائن من إبرام هذا الاتفاق ، والوجوب هنا مستمد من وجوب قضاء الدين .
فالوفاء اتفاق مفروض أولا على المدين . ذلك أنه يجب عليه وفاء الدين ، فالاتفاق مع الدائن على هذا الوفاء يكون واجباً عليه . وإذا لم يقم بهذا الواجب ، كان الجزاء هو إجباره على وفاء التزامه عن طريق التنفيذ القهرى ، وإجراءات التنفيذ إجراءات مادية فى مجموعها .
ثم إن الوفاء اتفاق مفروض بعد ذلك على الدائن نفسه ، فلا يملك الدائن أن يمتنع عن قبول الوفاء . ولو عرض المدين الدين على الوجه الواجب قانوناً ، وامتنع الدائن عن قبوله ، فإنه يجبر على القبول من طريق إجراءات العرض الحقيقي التى سيأتي تفصيلها . وحينئذ يصبح الوفاء الذي يشتمل عليه العرض الحقيقي تصرفاً قانونياً بإرادة منفردة ( acte juridique unilaterial ) هى إرادة المدين ، وليس اتفاقاً ( convention ) بين المدين والدائن . ومن ذلك نرى أن الوفاء يكون فى الأصل اتفاقاً ما بين المدين والدائن ، إلا إذا رفض الدائن دون حق قبول الوفاء وعرض المدين الدين عرضاً حقيقياً ، فعندئذ يصبح الوفاء تصرفاً قانونيا بإرادة منفردة هى إرادة المدين وحده ( [17] ) .
363 – الوفاء اتفاق محله هو نفس محل الدين الواجب الوفاء : ولا يملك الطرفان ، كما قدمنا ، أن يغيرا من محل الوفاء ، فهذا المحل يجب أن يكون هو نفسه محل الدين الواجب الوفاء . فإن كان المحل نقداً ، وجب أن يكون الوفاء بهذا النقد . وإن كان عيناً أو عملا أو امتناعاً عن عمل ، وجب أن يكون الوفاء بهذا نفسه دون أى تحوير . ولا يستطيع المدين أن يجبر الدائن على أن يقبل الوفاء بغير محل الدين ولو كان ما يفي به أكثر مما التزم ، وكذلك لا يستطيع الدائن أن يجبر المدين على أن يفي له بغير محل الدين ولو كان هذا أقل من قيمة 644 الدين . فلا خيار إذن لا للمدين ولا للدائن في تعيين محل الوفاء ، بل يجب أن يكون هو عين محل الدين الواجب الأداء . أما إذا وفى المدين بغير محل الدين ، فليس هذا وفاء بل هو وفاء بمقابل ، وهو يقتضي اتفاق المدين والدائن ، ولا يتم بإرادة أحدهما دون الآخر كما سنرى .
ويتبين من ذلك أن المقومات الخاصة للوفاء هي أنه مفروض على طرفيه ومفروض في محله . فنتكلم في الوفاء : ( 1 ) على طرفيه ( 2 ) ثم علي محل الوفاء ، متابعين في ذلك الترتيب الذي سار عليه التقنين المدني الجديد ( [18] ) .
645
الفصل الأول
طرفا الوفاء
364 – الموفي والموفى له : طرفا الوفاء هم الموفى ويغلب أن يكون هو المدين نفسه وقد يكون غير المدين ، والموفى له ويغلب أن يكون الدائن وقد يكون غير الدائن .
الفرع الأول
الموفى ( solvens )
365 – يشترط لصحة الوفاء من الموفى الملكية وأهلية التصرف – النصوص القانونية : تنص المادة 325 من التقنين المدني على ما يأتى :
1 – يشترط لصحة الوفاء أن يكون الموفى مالكاً للشىء الذي وفى به ، وأن يكون ذا أهلية للتصرف فيه ” .
” 2 – ومع ذلك فالوفاء بالشىء المستحق ممن ليس أهلا للتصرف فيه ينقضى به الالتزام إذا لم يلحق الوفاء ضرراً بالموفى ” ( [19] ) .
646
ويقابل هذا النص فى التقنين المدني السابق المادتين 165 / 228 و166 / 229 ( [20] ) .
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدني السوري المادة 324 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 312 – وفي التقنين المدني العراقي المواد من 376 إلى 378 – ولا مقابل لها فى تقنين الموجبات والعقود اللبناني ( [21] ) .
647 ويستخلص من هذا النص أنه يشترط لصحة الوفاء ، سواء كان الموفى هو المدين نفسه أو كان غير المدين ، أمران : ( 1 ) ملكية الموفى للشىء الذي وفى به ( 2 ) وأهليته للتصرف في هذا الشىء .
وغنى عن البيان أن هذين الشرطين يفترضان أن محل الالتزام شىء لم تنتقل ملكيته إلى الدائن بمجرد نشوء الالتزام أو عين معينة تراخى نقل الملكية فيها . أما إذا كان محل الالتزام نقوداً أو عملاً أو امتناعاً عن عمل ، فإن النص لا ينطبق ( [22] ) .
366 – ملكية الموفى للشىء الذي وفى به : لا بد أن يكون الموفى مالكا للشىء الذي يوفى به الدين ، لأن المقصود بالوفاء هو نقل ملكية هذا الشىء للدائن ، ولا يستطيع الموفى أن ينقل للدائن ملكية شىء لا يملكه ، فتتخلف الغاية من الوفاء ، ويكون الوفاء قابلا للإبطال على غرار بيع ملك الغير ( [23] ) .
ويبقى الوفاء قابلا للإبطال حتى لو انتقلت ملكية الشىء إلى الدائن بسبب عارض غير الوفاء ، كما لو كان الشىء منقولا وكان الدائن حين تسلمه من المدين حسن النية فملكه بسبب الحيازة ، أو كان عقاراً وملكه بالتقادم القصير مع حسن النية ( [24] ) ، ففى مثل هذه الأحوال لا يكون الدائن مجبرا على التمسك بالحيازة أوب التقادم إذا كان ضميره يأبى عليه أن يتمسك بذلك ، وله أن يرد الشىء على صاحبه ، وأن يطالب المدين بالوفاء مرة ثانية إذ وقع الوفاء الأول باطلا كما قدمنا ( [25] ) .
والذى يتمسك ببطلان الوفاء فى الأصل هو الدائن الذي تقرر البطلان 648 لمصلحته . ولما كان هذا الوفاء لا يسرى فى حق المالك الحقيقى للشىء الموفى به ، فإن لهذا أن يسترده من الدائن بدعوى استحقاق لأن الوفاء لم ينقل ملكية الشىء إلى الدائن كما قدمنا ، فبقى الشىء على ملك صاحبه فله إذن أن يسترده ، وذلك ما لم يكن الدائن قد ملك الشىء بالحيازة أو بالتقادم كما سبق القول . وكما يستطيع المالك أن يسترد الشىء يستطيع على العكس من ذلك أن يجيز الوفاء فيزول بطلانه ، قياساً على صحة بيع ملك الغير باجازة المالك الحقيقي ، فتنتقل ملكية الشىء إلى الدائن بهذه الأجازة ، وينقلب الوفاء صحيحاً وينقضي به الدين ( [26] ) .
وإذا أجاز الدائن الوفاء زال بطلانه أيا ، ولكن ما دام المالك لم يجزه يبقى الوفاء غير سار فى حقه ولا تنتقل ملكية الشىء إليه ، فيبقى الدين دون وفاء . بل إن للمدين ، سواء أجاز الدائن الوفاء أو لم يجزه ، أن يطلب استرداد الشىء ليرده على صاحبه ، ولكن بشرط أن يوفى الدائن شيئاً معادلا له تماما قبل أن يسترده ( [27] ) .
649 ونفرض فى هذا كله أن الشىء الموفى به لا يزال باقياً يد الدائن . أما إذا كان الدائن قد استهلكه ، هو وقت تسلمه له ووقت استهلاكه إياه كان حسن النية ، أو اختلط بملكه اختلاطاً لا يمكن معه تمييزه وكان حسن النية على الوجه المتقدم ( [28] ) ، فإنه يصبح بحكم الواقع مستوفيا لدينه ، وليس له أن يطالب بالوفاء به مرة أخرى . أما المالك الحقيقى فلا يستطيع الرجوع عليه بدعوى الاستحقاق لأن الشىء لم يعد موجوداً ، ولا بدعوى تعويض لأنه حسن النية ولم يصدر منه أى خطأ . وإنما يرجع المالك على المدين ، إما بدعوى تعويض إذا كان المدين سيئ النية ، أو بدعوى الإثراء بلا سبب إذا كان حسن النية .
لكن إذا هلك الشىء فى يد الدائن بسبب أجنبى ، فإن هلاكه فى هذه الحالة لا يمنع الدائن من طلب إبطال الوفاء . فيطالب المدين بالوفاء مرة أخرى ، ولا يكون مسئولا عن رد الشىء الذي تسلمه لأنه هلك بسبب أجنبى ( [29] ) .
ولا يرجع المالك على المدين فى هذه الحالة إلا إذا كان المدين سيئ النية .
وغنى عن البيان أن الدائن لو علم منذ البداية ، وقبل أن يتسلم الشىء الموفى به ، أن هذا الشىء ليس بملك الموفى ، فإن له أن يمتنع عن أخذه ، ولا يستطيع الموفى أن يجبره على تسلمه ( [30] ) .
650
367 – أهلية الموفى للتصرف فى الشىء الموفى به : ويجب لصحة الوفاء كذلك أن يكون الموفى أهلا للتصرف فى الشىء الموفى به . فلا يكفى إذن أن يكون مالكاً للشىء ، بل يجب أن يكون مالكا وأهلا للتصرف . وأهلية التصرف تقتضى بلوغ سن الرشد وألا يكون الموفى محجوراً عليه .
فإذا كان الموفى مالكا للشىء الموفى به ولكنه غير أهل للتصرف فيه ، بأن كان مثلا قاصراً أو محجوراً عليه ، فإن الوفاء يكون هنا أيضاً قابلا للإبطال ، ولكن لسبب نقص الأهلية لا لسبب أنعدم الملكية . وتختلف القابلية للإبطال هنا عن القابلية للإبطال هناك فيما يأتى :
( 1 ) القابلية للإبطال هنا مقررة لمصلحة ناقص الأهلية ، فلا يتمسك به إلا الموفى ، ولا يجوز أن يتمسك بها الدائن ما دام كامل الأهلية وقد استوفى حقه استيفاء صحيحاً . وقد رأينا فى حالة انعدام الملكية أن الدائن هو الذي يتمسك فى الأصل بإبطال الوفاء إذ هو مقرر لمصلحته ، أما الموفى فيسترد الشىء بدعوى خاصة لا بدعوى الإبطال لاعتبارات تتعلق بالعدالة .
( 2 ) وإذا هلك الشىء بسبب أجنبى فى يد الدائن ، كان الهلاك عليه ، إذ ليس له حق التمسك بإبطال الوفاء كما قدمنا ، وليس من المعقول فى هذه الحالة أن المدين يتمسك بإبطال الوفاء وإلا لما استرد لاشىء بعد أن هلك بسبب أجنبى ولو جب عليه الوفاء بالدين مرة أخرى . وقد رأينا فى حالة إنعدام الملكية أن الشىء إذا هلك بسبب أجنبى لم يهلك على الدائن ، بل له أن يتمسك بإبطال الوفاء وأن يطالب المدين بالوفاء مرة أخرى .
( 3 ) ويمكن القول بوجه عام إن المدين إذا لم تتحقق له مصلحة فى إبطال الوفاء ، بأن كان الوفاء لم يلحق به أى ضرر ، فإن له أن يبقى الوفاء قائماً فينقضى به الدين : لا يطلب إبطاله إذ لا مصلحة له فى ذلك ، ولا يستطيع الدائن إبطاله إذ لاحق له فى التمسك بالإبطال . وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 325 مدنى إذ تقول : ” ومع ذلك فالوفاء بالشىء المستحق ممن ليس أهلا للتصرف فيه ينقضى به الالتزام إذا لم يلحق الوفاء ضرراً بالموفى ” .
651 على أنه قد يحدث أن تكون للمدين مصلحة فى التمسك بإبطال الوفاء ، فعند ذلك يكون من حقه أن يبطله ، وأن يسترد الشىء الموفى به على أن يفي الدين بعد ذلك وفاء صحيحاً . ويتحقق ذلك بنوع خاص إذا كان المدين قد أدى للدائن صنفاً أعلى من الصنف الواجب أداؤه ، فيسترده ثم يفي بالصنف الأقل ، أو كان فى التزام تخييرى اختار أعلى الشيئين قيمة فوفى به فيسترده ثم يفى بالشىء الأقل قيمة ( [31] ) .
يبقى فرض ما إذا كان الدائن الذي تسلم الشىء من الموفى ناقص الأهلية قد استهلكه أو تصرف فيه ولو بحسن نية ، أيجوز فى هذا الفرض أن يتمسك الموفى ناقص الأهلية بإبطال الوفاء لتحقق مصلحة له فى هذا الأبطال على النحو الذي قدمناه ، أم أن حقه فى الإبطال يكون قد زال باستهلاك الدائن للشىء أو بالتصرف فيه بحسن نية ، كما هو الحكم فى حال انعدام الملكية؟ إن الفقرة الثانية من المادة 1238 من التقنين المدنى الفرنسى صرحية فى زوال حق الموفى ناقص الأهلية فى التمسك بإبطال الوفاء فى هذه الحالة ( [32] ) . أما فى التقنين المدنى المصرى ، فإن الفقرة الثانية من المادة 325 تقتصر ، كما رأينا ، على القول بأن الوفاء الشىء المستحق ممن ليس أهلا للتصرف فيه ينقضى به الالتزام إذا لم يلحق الوفاء ضرراً بالموفى ، فاشترط النص لمنع الموفى ناقص الأهلية من التمسك 652 بالإبطال ألا يلحقه من الوفاء ضرر . وفى الفرض الذي نحن بصدده لا يتحقق هذا الشرط إذا كان الشىء الموفى به أعلى قيمة من الدين على الوجه الذي أشرنا إليه ، إذ يصيب الموفى ضرر من الوفاء . فله إذن أن يتمسك بالإبطال ، خلافا للحكم الوارد فى التقنين المدني الفرنسي ، وهو حكم منتقد من الفقه الفرنسى ( [33] ) . ومن ثم ففى التقنين المدني المصري يجوز للموفى ناقص الأهلية أن يتمسك بإبطال الوفاء ، حتى لو كان الدائن قد استهلك الشىء الموفى به أو تصرف فيه بحسن نية ، وله أن يطالبه بالتعويض ، ثم يفى له بعد ذلك بالدين ، فيفيد من الفرق ما بين القيمتين .
368 – الموفى قد يكون المدين وقد يكون غير المدين : وقد قدمنا أن الأصل فى الموفى أن يكون هو المدين نفسه ، ولكن يصح أن يكون غير المدين . فإذا كان الموفى غير المدين ، كان له الرجوع على المدين بما وفاه .
فنتكلم إذن فى المسألتين : ( أولا ) من يقوم بالوفاء ( ثانياً ) رجوع الموفى الذي ليس بمدين على المدين .
المبحث الأول
من يقوم بالوفاء
369 – النصوص القانوني : تنص المادة 323 من التقنين المدني على ما يأتى :
” 1 – يصح الوفاء من المدين أو من نائبه أو من أى شخص آخر له مصلحة 653 فى هذا الوفاء ، وذلك مع مراعاة ما جاء بالمادة 208 ” .
” 2 – ويصح الوفاء أيضا مع التحفظ السابق ممن ليست له مصلحة فى هذا الوفاء ، ولو كان ذلك دون علم المدين أو رغم إرادته ، على أنه يجوز للدائن أن يرفض الوفاء من الغير إذا اعترض المدين على ذلك وأبلغ الدائن هذا الاعتراض ” ( [34] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدني السابق المادتين 159 / 222 و160 / 223 ( [35] ) .
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدني السورى المادة 322 – وفى التقنين المدني الليبى المادة 301 – وفى التقنين المدني العراقي المادة 375 – وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 293 ( [36] ) .
654
ويتضح من النص المتقدم أن الذي يقوم بالوفاء إما أن يكون : ( 1 ) المدين أو نائبه . ( 2 ) أو شخصاً له مصلحة فى وفاء الدين . ( 3 ) أو أجنبيا لا مصلحة له فى الوفاء .
370 – الموفى هو المدين أو نائبه : الأصل فى الموفى هو أن يكون المدين ذاته كما تقدم القول ، لأنه هو الذي يجبر على الوفاء ، وله المصلحة الأولى فيه . وما لم يوجد شخص آخر يفي بالدين ، فعبء الوفاء يقع على المدين . فالمدين إذن له حق الوفاء بالدين ، وعليه فى الوقت ذاته واجب هذا الوفاء . بل إنه فى بعض الحالات يتعين على المدين بالذات أن يقوم هو نفسه بالوفاء ، ولا يجوز لأحد غيره ذلك ، فقد صصت المادة 208 مدني على أنه : ” فى الالتزام بعمل ، إذا نص الافتقا أو استوجبت طبيعة الدين أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه ، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين ” ( [37] ) .
وفي غير هذه الحالات يجوز أن يقوم بالوفاء نائب المدين ، والوفاء كما رأينا تصرف قانوني يجوز أن يتم بطريق النيابة ككل تصرف قانوني آخر . ونائب المدين هو وكيله فى وفاء الدين ، وكالة عامة إذا كان الوفاء من أعمال الإدارة ( [38] ) ، ووكالة خاصة إذا كان من أعمال التصرف . وإذا كان المدين ناقص الأهلية أو محجوراً ، فإنه لا يحق له كقاعدة عامة أن يقوم هو نفسه بالوفاء إذ تنقصه أهلية الأداء ، والذي يقوم بالوفاء فى هذه الحالة هو ولى المدين أو وصيه أو القيم عليه . وإذا كان المدين مفقوداً ، كان لوكيله المعين قانوناً أن يقوم عنه بالوفاء . كذلك يجوز للحارس على أموال المدين ، أو للسنديك فى حالة 655 إفلاس المدين ، أن يقوم بالوفاء ، فكلاهما فى ذلك يعتبر نائبا عن المدين .
وقد يوكل المدين مصلحة البريد فى وفاء الدين ، فيتم الوفاء عن طريق حوالة البريد . ويكون المدين مسئولا عن كل خطأ يقع من مصلحة البريد ، مسئولية الموكل عن وكيلة ( [39] ) . كذلك قد يوكل المدين مصرفاً فى وفاء الدين ، عن طريق الدفع للحساب الجارى للدائن فى هذا المصرف . فإذا أخطأ المصرف وأضاف ما دفعه المدين إلى حساب شخص آخر ، كان المدين مسئولا عن خطأ المصرف ( [40] ) .
371 – الموفى هو شخص له مصلحة فى الوفاء : وإذا لم يكن الوفاء متعيناً على المدين بالذات ، جاز أن يقوم بالوفاء لا المدين ولا نائبه ، بل شخص آخر له مصلحة فى هذا الوفاء ، ويقوم حقه فى الوفاء على هذه المصلحة .
وممن له مصلحة فى وفاء الدين المدين المتضامن ، والمدين من غيره فى دين غير قابل للانقسام ، والكفيل الشخصى سواء كان متضامناً مع المدين أو مع الكفلاء الآخرين أو غير متضامن مع أحد ، والكفيل العينى ، والحائز للعقار المرهون . كل هؤلاء لهم مصلحة فى وفاء الدين ، لأنهم إما ملزمون بالدين مع المدين أو ملزمون بوفائه عنه . ومن ثم يكون لهم حق الوفاء ، ويقع عليهم فى الوقت ذاته واجب الوفاء ، مثلهم فى ذلك مثل المدين نفسه . وسنرى أنهم ، عندما يقومون بوفاء الدين ، يحلون حلولا قانونياً محل الدائن فى الرجوع على المدين ( [41] ) .
ولما كان هؤلاء الذين لهم مصلحة فى الوفاء يقع عليهم واجب الوفاء كما قدمنا ، فإنه لا يجوز للدائن أن يمتنع عن قبول الوفاء بناء على اعتراض من المدين 656 يبلغه إياه ، بل وحتى بناء على اتفاق بينه وبين المدين . ذلك أن اتفاق المدين والدائن على قبول الوفاء إنما يصح وينتج أثره ، كما سنرى ، إذا كان الموفى شخصاً أجنبياً ليست له مصلحة فى الوفاء ، فإن الاجنبى لا يقع عليه واجب الوفاء كالشخص ذى المصلحة فيه ، ومن ثم جاز منعه من الوفاء باتفاق بين الدائن والمدين .
372 – الموفى هو أجنبى لا مصلحة له فى الوفاء : وقد يكون الموفى أجنبياً أصلا عن المدين ، ليس هو المدين ولا نائبه ، وليست له مصلحة قانونية فى وفاء الدين ، ومع ذلك يتقدم لوفائه . فقد يكون من أقرباء المدين ، أو صديقاً له ، تقدم عنه لوفاء الدين خوفاً عليه من إجراءات التنفيذ وما تهدده به من خسائر . وقد يكون شريكاً للمدين فى التجارة ، ويخشى ما يحدث التنفيذ الجبرى على المدين من أثر فى تجارتهما المشتركة . وهو على كل حال يغلب أن يكون ، من الناحية القانونية ، فضوليا يقوم بمصلحة عاجلة للمدين دون أمر منه ، إذ لو وفى الدين بأمر المدين كان وكيلاً عنه فى الوفاء . ويبقى فضوليا حتى لو تقدم لوفاء الدين بغير علم المدين ، بل إن هذا هو الأصل فى الفضولى ( [42] ) .
ويصح للأجنبى أن يقوم بالوفاء حتى لو كان ذلك رغم إرادة المدين ، بأن نهاه المدين عن الوفاء فلم ينته ، وقبل الدائن منه الوفاء . فإن الوفاء فى هذه الحالة يكون مبرئاً لذمة المدين ، ولكن الموفى لا يرجع عليه بدعوى الفضولى بل بدعوى الإثراء بلا سبب .
ذلك أن الأصل أن يكون لكل شخص حق الوفاء بدين غيره ، ولو كان أجنبياً عن المدين . وليس للدائن أن يمتنع عن قبول الوفاء ، إذ ليست له مصلحة . فى ذلك ما دام يستوفى حقه استيفاء صحيحاً . وسيان أن يستوفيه من مدينه نفسه أو من غير مدينه ، ما لم تكن طبيعة الدين أو اتفاق الطرفين يقضى بأن المدين 657 نفسه هو الذي يقوم بالوفاء ، كما قضت بذلك المادة 208 فيما مر . وفى غير هذا الاستثناء الوارد فى المادة 208 يتعين على الدائن أن يقبل الوفاء ، ولا يجوز له أن يمتنع عن قبوله إلا بشروط ثلاثة : ( 1 ) أن يكون الموفى أجنبياً عن الدين ليست له مصلحة قانونية فى وفائه . ( 2 ) وأن يكون المدين معترضاً على وفاء الأجنبى بالدين وقد أبلغ الدائن هذا الاعتراض . ( 3 ) وأن يكون الدائن نفسه لا يريد أن يستوفى الدين من الاجنبى . فلو كان للموفى مصلحة قانونية فى الوفاء ، وجاء الاعتراض من جانب المدين وحده ، ولكن الدائن قبل الوفاء من الأجنبي ، فإن هذا الوفاء يبرئ ذمة المدين كما سبق القول . وكذلك لو كان الموفى ليست له مصلحة فى الوفاء ، وجاء الاعتراض من جانب الدائن وحده ، دون أن يعترض المدين ، فإن الدائن يجبر على قبول الوفاء ويكون هذا الوفاء مبرئا لذمة المدين ( [43] ) .
المبحث الثانى
رجوع الموفى على المدين
373 – دعويان – الدعوى الشخصية ودعوى الحلول : إذا كان الموفى هو المدين أو نائبه ، فقد برئت ذمة المدين من الدين ، ولا رجوع له على أحد لأنه إنما وفى دين نفسه ، ولا رجوع لأحد عليه لأنه قام بوفاء دينه بنفسه .
658 وأما إذا وفى الدين غير المدين ، سواء كان للموفى مصلحة فى الوفاء أو لم تكن له مصلحة ، فإنه ، ما لم يكن متبرعاً بوفاء الدين وهذا لا بد فيه من ظهور نية واضحة لأن التبرع لا يفترض ، يجوز له أن يرجع على المدين بما وفاه عنه عن طريق دعوى شخصية ( action personnelle ) يعطيها القانون إياه ، وتتكيف هذه الدعوى بحسب الظروف . وقد يكون له فوق ذلك ، أى غير الدعوى الشخصية ، دعوى الدائن نفسه الذي وفاه حقه فيحل محله فيه ، ومن ثم سميت هذه الدعوى الأخرى بدعوى الحلول ( action en subrogation ) .
فهناك إذن دعويان للموفى ( [44] ) يرجع بهما على المدين : ( 1 ) الدعوى الشخصية ( 2 ) ودعوى الحلول .
374 – الدعوى الشخصية – النصوص القانونية : تنص المادة 324 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” 1 – إذا قام الغير بوفاء الدين ، كله له حق الرجوع على المدين بقدر ما دفعه ” .
” 2 – ومع ذلك يجوز للمدين الذي حصل الوفاء بغير إرادته أن يمنع رجوع الموفى بما وفاه عنه كلا أو بعضاً ، إذا أثبت أن له أية مصلحة فى الاعتراض على الوفاء ( [45] ) ” .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدني السابق المادتين 161 / 224 و163 / 226 ( [46] ) .
659
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدني السورى المادة 323 – وفى التقنين المدني الليبى المادة 311 – ولا مقابل له فى التقنين المدني العراقي ولا فى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( [47] ) .
ويخلص من هذا النص أن الموفى لدين غيره ، سواء كانت له مصلحة فى الوفاء أو لم تكن له مصلحة ، يستطيع ، ما لم يكن متبرعاً كما قدمنا ، أن يرجع بدعوى شخصية على المدين يسترد بها مقدار ما دفعه وفاء للدين ( [48] ) .
وقد تكون هذه الدعوى الشخصية قائمة على أساس عقد قرض ، بأن يقرض الغير للمدين مبلغاً من المال يكفي لوفاء دينه ، ويقوم المدين نفسه بوفاء الدين من هذا القرض ، فيرجع الغير على المدين بموجب عقد القرض . ولكن الموفى للدين فى هذه الحالة إنما يكون المدين نفسه ، أو المقرض كنائب عن المدين وبوكالة منه ( [49] ) .
على أن الغالب هو أن يوفى الغير الدين بنفسه للدائن ، ففى هذه الحالة يرجع على المدين بدعوى شخصية ، قوامها إما الفضالة وإما الإثراء بلا سبب .
660
ويكون قوامها الفضالة إذا كان الغير قد وفى الدين بعلم المدين لكن دون تفويض أو وكالة ، أو بغير علمه ولكن دون معارضته ، ويرجع الغير بمقدار ما دفعه وفاء للدين مع الفوائد من يوم الدفع وفقا لقواعد الفضالة .
وتكون الدعوى الشخصية قوامها الإثراء بلا سبب إذا كان الغير قد وفى الدين رغم معارضة المدين ، ففي هذه الحالة لا تتوافر شروط الفضالة ولا يبقى أمام الغير إلا الرجوع بدعوى الإثراء بلا سبب . ويرجع بأقل القيمتين مقدار ما دفع ومقدار ما وفى من الدين ، ويغلب أن تكون القيمتان متعادلتين ، إلا أنه قد يوفى الدين بمبلغ أقل من مقداره فلا يرجع على المدين بمقدار الدين بل بمقدار ما وفى .
وسواء رجع الموفى على المدين بدعوى الفضالة أو بدعوى الإثراء بلا سبب ، فإنه لا يستطيع الرجوع بشىء إلا إذا كان الوفاء نافعاً للمدين . فإذا كان قد وفى ديناً انقضى كله أو بعضه ، أو كان للمدين دفوع ضد الدين ، وكان الوفاء بغير أمر المدين ، كان الموفى مسئولا عن ذلك . فلو أن المدين كان قد وفى الدين قبل أن يوفيه الغير ( [50] ) ، أو وفى قسطا منه ثم وفاه الغير كله دون اعتبار للقسط الذي دفع ، فإن الغير فى الحالة الأولى لا يرجع بشىء على المدين لأن هذا كان قد وفى الدين كله فلم يفد شيئاً من الوفاء الذي قام به الغير ، ويرجع فى الحالة الثانية بالباقى من الدين بعد استنزال القسط الذي وفاه المدين لأن هذا هو القدر الذي أفاد منه المدين . ولو أنه كان للمدين دفوع ضد الدين وقت وفاء الغير له ، بأن كان له مثلا فى ذمة الدائن دين مماثل له وكان يستطيع أن يتمسك بالمقاصة فينقضى الدين دون حاجة إلى الوفاء ، أو لو كان الدين قد انقضى بسبب آخر غير المقاصة كالتجديد أو الإبراء أو التقادم ( [51] ) ومع ذلك وفاه الغير ، فإن الغير 661 لا يرجع بشىء على المدين لأن الوفاء الذي قام به لم يفد المدين منه شيئا .
ولو أن المدين كان يستطيع أن يطعن فى الدين بالابطال لنقص الأهلية أو لعيب فى الإرادة من غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال ، أو كان يستطيع أن يطعن فيه بالبطلان لانعدام الإرادة أو لعيب فى المحل أو فى السبب أو فى الشكل ، أو كان يستطيع أن يتمسك بالفسخ لتحقق شرط فاسخ أو أن يتمسك بعدم النفاذ لعدم تحقق شرط واقف أو لعدم حلول الأجل ، أو كان يستطيع أن يتمسك بأى دفع آخر ، فإن هذا كله يكون محل اعتبار عند رجوع الموفى على الدين ، فلا يرجع الأول على الثاني إلا بقدر ما أفاد الثانى من الوفاء ( [52] ) .
375 – دعوى الحلول : وقد يكون للموفى ، إلى جانب الدعوى الشخصية ، كما قدمنا ، دعوى الحلول ، فيحل محل الدائن فى نفس الدين الذي وفاه ، ويرجع على المدين بهذا الدين نفسه ، لا بدين جديد كما يفعل فى الدعوى الشخصية ( [53] ) .
662
وحلول الموفى محل الدائن إما أن يكون بحكم القانون ويقال له الحلول القانونى ، وإما أن يكون بموجب الاتفاق ويقال له الحلول الاتفاقى . ولدعوى الحلول ، قانونياً كان الحلول أو إتفاقيا ، أحكام خاصة تميزها عن الدعوى الشخصية . فعندنا إذن مسألتان : ( 1 ) مصدر الحلول ( 2 ) أحكام الرجوع بدعوى الحلول .
المطلب الأول
مصدر الحلول
- الحلول القانونى
( subrogation legale )
376 – النصوص القانونية : تنص المادة 326 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” إذا قام بالوفاء شخص غير المدين ، حل الموفى محل الدائن الذي استوفى حقه فى الأحوال الآتية ” :
” 1 – إذا كان الموفى ملزماً بالدين مع المدين ، أو ملزماً بوفائه عنه ” .
” ب – إذا كان الموفى دائناً ووفى دائناً آخر مقدماً عليه بما له من تأمين عينى ، ولو لم يكن للموفى أى تأمين ” .
663 ” جـ – إذا كان الموفى قد اشترى عقاراً ودفع ثمنه لدائنين خصص العقار لضمان حقوقهم ” .
” د – إذا كان هناك نص خاص يقرر للموفى حق الحلول ” ( [54] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدني السابق المادة 162 / 225 ( [55] ) .
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى
المادة 325 – وفى التقنين المدني الليبى المادة 313 – وفى التقنين المدني العراقي
المادة 379 – وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المواد 310 إلى 312 ( [56] ) .
664 ويخلص من هذا النص أن هناك حالات معينة للحلول القانوني نص عليها القانون ( [57] ) ، ولا يمكن أن يكون هناك حلول قانونى دون نص . ونستعرض هذه الحالات .
377 – الموفى ملزم بالدين مع المدين أو ملزم عنه .وهذه الحالة هى أعم حالات الحلول القانونى ، إذ الحالات الأخرى ليست إلا ذات نطاق محدود ، بل إن الحالة الثالثة منها – حالة ما إذا كان الموفى حائزاً للعقار المرهون – ليست إلا تطبيقاً خاصاً من تطبيقات الحالة الأولى كما سنرى . ثم إن علة الحلول القانونى هنا واضحة ، فالموفى ملزم بالدين مع المدين أو عنه ، فله مصلحة كبرى فى أدائه ، بل هو يجبر على الأداء ، ومن ثم حق له فى رجوعه على المدين أن يرجع عليه بدعوى الدائن بعد أن يحل محله .
665 ويكون الموفى ملزماً بالدين مع المدين إذا كان مديناً متضامناً ( [58] ) ، أو مدينا مع المدين فى دين غير قابل للانقسام ، أو كفيلا متضامنا مع كفلاء آخرين فى علاقته بهؤلاء الكفلاء .
ويكون الموفى ملزماً بالدين عن المدين إذا كان كفيلا شخصياً ، أو كفيلا عينيا ، أو حائزاً للعقار المرهون ( [59] ) .
فأى من هؤلاء وفى الدين رجع على المدين بدعوى الدائن بعد أن يحل محله بحكم القانون .
فإذا وفى المدين المتضامن كل الدين للدائن ، جاز له أن يرجع بدعوى الحلول على كل مدين متضامن معه بقدر حصته فى الدين ، وقد مر بيان ذلك فى التضامن . وإذا وفى المدين فى دين غير قابل للانقسام الدين للدائن ، جاز له أيضاً أن يرجع بدعوى الحلول على كل مدين معه فى هذا الدين بقدر حصته من الدين ، وقد مر بيان ذلك فى الالتزام غير القابل للانقسام . وإذا وفى حد الكفلاء المتضامنين الدين كله للدائن ، رجع على كل كفيل بدعوى الحلول بمقدار نصيبه فى كفالة الدين ، وهذه غير دعوى الحلول التى يرجع بها على المدين .
وإذا وفى الكفيل الشخصى أو العينى الدين عن المدين ، جاز له الرجوع بدعوى الحلول على المدين بكل ما دفعه ، لأن المدين يجب أن يتحمل الدين كله ( [60] ) . وكذلك إذا انتقلت ملكية عقار مرهون إلى شخص ، بالبيع أو الهبة 666 أو المقايضة أو أى سبب آخر لانتقال الملكية ، فإنه يصبح ملزما بالدين عن المدين . فإذا وفى الدين حل محل الدائن قانوناً ، ورجع بدعوى الحلول على المدين بكل ما دفعه . وقد أفرد القانون هذه الحالة بالذكر كحالة خاصة من حالات الحلول القانونى ، وستكون محلا للبحث فيا يلى .
كذلك يمكن القول إن المتبوع مسئول عن التابع ، فإذا كان التابع مؤمناً على مسئوليته مثلاً ، ورجع المصاب على المتبوع فوفى هذا دين التابع ، فإنه يحل محل الدائن – المصاب – فى التأمين ، ويرجع بدعوى الحلول هذه على شركة التأمين ( [61] ) .
667 الموفى دائن وفى دائنا مقدما عيه : ويحل الموفى محل الدائن ، فيرجع على المدين بدعوى الحلول ، ” إذا كان الموفى دائنا ووفى دائنا آخر مقدماً عليه بما له من تأمين عينى ، ولو لم يكن للموفى أى تأمين ” .
ويفرض القانون أن هناك دائنين لمدين واحد ، أحدهما متقدم على الآخر بموجب تأمين عينى ( [62] ) ، أى أن المدين قد رهن عقاراً مملوكا له لأحد الدائنين ثم رهنه للآخر ، فصار الأول متقدما على الثانى . بل يجوز أن يكون الدائن الثانى لم يرتهن العقار وظل دائناً شخصيا ، فإن الدائن الأول متقدم عليه بما له من حق الرهن . بل يجوز أيضاً أن يكون التأمين الذي يتقدم به الدائن الأول على الدائن الثانى ليس حق رهن رسمى ، بل حق رهن حيازة ، أو حق امتياز ، أو حق اختصاص ، فكل هذه تأمينات عينية تجعله متقدماً على الدائن الثانى .
ففى جميع هذه الأحوال قد يكون للدائن المتأخر مصلحة محققة فى الوفاء بدين الدائن المتقدم والحلو محله فى هذا الدين ، وتتحقق هذه المصلحة فى فرضين :
( أولا ) قد يرى الدائن المتقدم أن ينفذ على العقار المرهون ، ويكون الوقت غير مناسب للتنفيذ ، فيتوقع الدائن المتأخر أن يباع العقار فى المزاد العلنى بأبخس الأثمان . وقد لا يعنى الدائن المتقدم ذلك ، إذ يكون متأكداً من أنه 668 سيستوفى حقه مهما بلغ ثمن العقار المرهون ، وإنما تعود الخسارة على الدائن المتأخر فهو الذي سوف لا يدرك من ثمن العقار ما يكفى للوفاء بحقه ، فيكون من مصلحة الدائن المتأخر أن يوفى الدائن المتقدم حقه ، وفيحل محله فى رهنه ، ويمنع بهذا الحلول التنفيذ فى وقت غير مناسب تحيناً لفرصة يبيع فيها العقار المرهون بثمن يكفى لوفاء الدين المتقدم والدين المتأخر جميعاً .
( ثانياً ) قد يرى الدائن المتأخر أن العقار المرهون لا يكفى لوفاء الدينين المتقدم والمتأخر معاً ، مهما بلغ ثمن هذا العقار وفى أى وقت بيع ، ولكن يكون للدائن المتقدم تأمين على عقار آخر مملوك للمدين أو لكفيل عينى ، فيوفى حق الدائن المتقدم حتى يحل محله فى رهنه المتقدم وفى تأمينه الآخر ، ويستطيع بذلك أن يستوفى الدينين معاً من العقار المرهون ومن هذا التأمين الآخر .
من أجل ذلك أجاز القانون للدائن المتأخر أن يحل محل الدائن المتقدم إذا وفى له دينه ( [63] ) ، فيحقق لنفسه مصلحة مشروعة ، وذلك دون أن يضار 669 الدائن المتقدم إذ هو يستوفى حقه كاملا ، ودون أن يضار المدين فإن الموقف بالنسبة إليه لا يتغير ، ولا يؤوده فى شىء أن يحل دائن محل آخر ما دام يحل فى نفس الدين .
ويشترط فيما قدمنا شرطان : أن يكون الموفى دائناً لنفس المدين ، وأن يكون الموفى له دائناً متقدماً بما له من تأمين عينى .
فيجب أولا أن يكون الموفى دائناً لنفس المدين . فلا يجوز لأجنبى غير دائن للمدين أن يوفى حقاً لدائن له تأمين عينى ليحل محله حلولاً قانونياً فى هذا التأمين ( [64] ) . والذى يجوز هنا هو الحلول الاتفاقى لا الحلول القانونى ، فيتفق الأجنبى مع الدائن أو مع المدين على الحلول بالطرق التى قررها القانون على النحو الذي سنبينه فى الحلول الاتفاقى . فإذا كان الموفى دائناً للمدين ، فقد توافر الشرط المطلوب ، ولا يهم بعد ذلك أن يكون للموفى هو أيضا تأمين عينى متأخر أو أن يكون دائناً شخصياً ليس له أى تأمين ( [65] ) ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .
ويجب ثانياً أن يكون الموفى له دائناً متقدماً على الموفى بما له من تأمين عينى . فلو كان الموفى له دائناً متأخراً عن الموفى فى تأمينه العينى أو ليس له تأمين عينى أصلا ، فلا محل هنا للحلول القانونى ، لأن مصلحة الموفى فى هذا الحلول ، وهو متقدم على الموفى له أو مساو ، ليست واضحة . قد تكون له مصلحة محدودة فى منع هذا الدائن من القيام بإجراءات التنفيذ فى وقت غير مناسب ، ولكن هذا الدائن إذا فعل ذلك أضر بنفسه أيضاً لأنه غير متقدم على الدائن الأول . وقد تكون للدائن المتقدم مصلحة فى منع الدائن المتأخر من المعارضة فى الديون ، حتى لا تقف إجراءات التوزيع أو حتى يتيسر إجراء تسوية ودية ، ولكن هذه المصلحة جد محدودة لم ير القانون أن يرتب عليها حلولا قانونيا .
670 هذا إلى أنه من اليسير على الدائن المتقدم فى مثل هذا الفرض أن يوفى الدائن المتأخر حقه بعد أن يحصل منه على حلول اتفاقى ، بل دون اتفاق على حلول أصلا ، فإن الوفاء بحق الدائن المتأخر يبعده عن التوزيع فيتيسر للدائن المتقدم أن يمضى فيه أو أن يجرى التسوية الودية التى ينشدها كما لو كان هناك حلول ( [66] ) .
ولابد ، كما قدمنا ، أن يكون الموفى له متقدماً على الموفى بما له من تأمين عينى فإذا لم يكن للموفى له تأمين عينى ، ولو كانت له ميزة أخرى تضاهى التأمين العينى كدعوى فسخ أو حق فى الحبس ، فإن نص التشريع أضيق من أن يتسع لهذا الفرض ، فلا يكون هناك حلول قانونى . فلو أن الموفى له بائع لم يقيد حق امتيازه واكتفى بدعوى الفسخ ، فلا يحق لدائن آخر وفاه الثمن أن يحل محله فى دعوى الفسخ . ولو أن الموفى له دائن ليس له تأمين عينى بل له حق فى حبس عين للمدين ، لم يجز لدائن آخر وفاه حقه أن يحل محله فيحبس العين ( [67] ) .
671 379 – الموفى اشترى عقاراً ودفع ثمنه لدائنين خصص العقار لضمان حقوقهم : هذه لحالة سبقت الإشارة إليها كتطبيق من تطبيقات الحالة الأولى . ذلك أن المشترى لعقار مثقل بتأمين عينى – رهن أو امتياز أو اختصاص – يصبح حائزا للعقار ( tiers detenteur ) ، فيكون مسئولا عن الدين بحكم انتقال ملكية العقار له . ومن ثم يكون ملزماً بالدين عن المدين ، فيدخل ضمن الحالة الأولى من حالات الحلول القانونى ، وهى الحالة التى سبق بيانـها ( [68] ) .
وحتى نتبين ، فيما نحن بصدده ، كيف تتحقق للموفى مصلحة فى أن يحل محل الموفى له نفرض أن عقاراً مرهوناً باعه صاحبه . فالمشترى للعقار المرهون يستطيع بطبيعة الحال أن يطهر العقار المرهون فيتخلص من الرهن ، ولا يحتاج إلى الحلول محل الدائن المرتهن . ولكنه مع ذلك قد تكون له مصلحة فى أن يوفى الدائن المرتهن حقه ( [69] ) فيحل محله ويصبح مرتهناً لملك نفسه ، فى الفرضين الآتيين :
672 أولا – قد يتوفى بذلك إجراءات التطهير الطويلة المعقدة ، وذلك بأن يكون ثمن العقار المرهون معادلا لقيمته ، بحيث إذا بيع العقار فى المزاد العلنى لن يبلغ ثمنه فى المزاد أكثر من الثمن الذي التزم به المشترى . فإذا فرض أن العقار مرهون لأكثر من دائن ، وكان الثمن الذي التزم به المشترى لا يكفى إلا لوفاء الدائن المرتهن الأول ، كان للمشترى أن يدفع الثمن لهذا الدائن فيوفيه حقه ، ويحل محله فى رهنه الأول . ولا تصبح هناك مصلحة للدائنين المرتهنين المتأخرين فى بيع العقار ، فلن يصل ثمنه إلى أكثر من الثمن الذي دفعه المشترى وحل به محل الدائن المرتهن الأول ، ولن يصيبهم شىء فى التوزيع بعد أن يستولى المشترى على الثمن الذي دفعه . فيستطيع المشترى ، بفضل هذا الحلول القانونى ، أن يوقف عملياً الدائنين المرتهنين المتأخرين عن مباشرة التنفيذ على العقار الذي اشتراه .
ثانياً – قد يكون للمشترى مصلحة فى أن يحل محل الدائن المرتهن إذا كان البيع الصادر له معرضاً للإبطال أو الفسخ ، فحلوله محل الدائن المرتهن يحقق له تأميناً عينياً عند رجوعه بالثمن فى حالة إبطال البيع أو فسخه ( [70] ) .
وغنى عن البيان أن المشترى ، إذا وفى الدائن المرتهن حقه وحل محله بمقتضى القانون ، فإنه يحل محله فى جميع ماله من التأمينات . فإذا كان لهذا الدائن المرتهن 673 تأمين عينى آخر ، حل المشترى محله فيه ، وقد تتحقق مصلحة له فى ذلك فيما إذا كان العقار الذي اشتراه لم يعد يفى بالثمن الذي دفعه ، فيكمل التأمين الآخر ضمانه ( [71] ) .
ويستوى ، فى وفاء المشترى لحق الدائن المرتهن والحلول محله ، أن يفعل المشترى ذلك اختياراً من تلقاء نفسه أو أن يفعله وهو ملزم به ، بأن يكون للبائع قد الزمه فى شروط البيع أن يدفع الثمن للدائن المرتهن ، أو أن يكون الدائن المرتهن قد بدأ فى اتخاذ إجراءات التنفيذ فاضطر المشترى أن يوفى له حقه ليتوفى هذه الإجراءات ( [72] ) . ويستوى كذلك أن يكون المشترى قد اشترى العقار ممارسة أو اشتراه فى مزاد جبرى ( [73] ) .
380 – وجود نص خاص يقرر للموفى حق الحلول : وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد : ” وثمة أحوال أخرى يخول القانون الموفى فيها حق الحلول بنص خاص ، فمن ذلك مثلا حلول موفى 674 الكمبيالة بطريق التوسط محل الحامل فى حقوقه ” ( [74] ) .
ذلك أن المادة 157 من التقنين التجارى تنص على ما يأتى : ” الكمبيالة المعمول عنها البروتستو يجوز دفع قيمتها من أى شخص متوسط عن ساحبها أو عن أحد محيليها ، ويصير إثبات التوسط والدفع فى ورقة البروتستو أو فى ذيلها ” . ثم تنص المادة 158 من هذا التقنين على أن : ” من دفع قيمة كمبيالة بطريق التوسط يحل محل حاملها ، فيحوز ماله من الحقوق ويلزم بما عليه من الواجبات فيما يتعلق بالإجراءات اللازم استيفاؤها . فإذا حصل هذا الدفع عن الساحب تبرأ ذمة جميع المحيلين ، أما إذا كان عن أحدهم فتبرأ ذمة من بعده منهم ” .
ويتبين من هذه النصوص أن دفع الكمبيالة بطريق التوسط عن الساحب أو عن أحد المحيلين يجعل المتوسط الذي دفع قيمة الكمبيالة يحل حلولا قانونيا محل الدائن – أى حامل الكمبيالة – فى الرجوع على ساحب الكمبيالة ومحيليها . فإذا كان المتوسط قد دفع عن الساحب ، فلا رجوع إلا على الساحب دون المحيلين لأن ذمة هؤلاء تبرأ بهذا الدفع . أما إذا كان قد دفع عن أحد المحيلين ، فإنه يرجع على الساحب وعلى المحيلين الذين يسبقون المحيل الذي دفع عنه ، أما المحيلون الذين يلون هذا المحيل فقد برئت ذمتهم بالدفع فهذه حالة من حالات الحلول القانونى ورد فيها نص خاص فى التقنين التجارى ( [75] ) .
وهناك مثل آخر للحلول القانونى الذي ورد فيه نص خاص ، فقد نصت المادة 771 مدنى على ما يأتى : ” يحل المؤمن قانوناً بما دفعه من تعويض عن الحريق فى الدعاوى التى تكون للمؤمن له قبل من تسبب بفعله فى الضرر 675 الذي نجمت عنه مسئولية المؤمن ، ما لم يكن من أحدث الضرر قريباً أو صهراً للمؤمن له ممن يكونون معه فى معيشة واحدة ، أو شخصاً يكون المؤمن له مسئولا عن أفعاله ” . وهذا النص يقضى بأن شركة التأمين إذا أمنت مكاناً من الحريق ، ثم احترق المكان المؤمن بخطأ شخص معين ، فإن الشركة تدفع مبلغ التأمين للمؤمن له ، وتحل محله قانوناً فى حقه ضد المسئول عن هذا الحريق ( [76] ) ،وذلك ما لم يكن هذا المسئول متصلا اتصالا وثيقا بالمؤمن له ، بأن كان قريبه أو صهره وكان مقيما معه فى معيشة واحدة ، أو كان ولده أو شخصاً تحت رعايته ممن يعتبر هو مسئولا عنهم . ولو جاز لشركة التأمين أن ترجع على هؤلاء ، وهذا هو مبلغ صلتهم بالمؤمن له ، لكان رجوعها هذا بمثابة الرجوع على المؤمن له نفسه ، فتكون الشركة قد سلبته بالشمال ما أعطته باليمين .
676
2 – الحلو الاتفاقى
( Subrogation conventionnelle )
أ – الحلول باتفاق الموفى مع الدائن
381 – النصوص القانونية : تنص المادة 327 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” للدائن الذى استوفى حقه من غير المدين أن يتفق مع هذا الغير على أن يحل محله ، ولو لم يقبل المدين ذلك ، ولا يصح أن يتأخر هذا الاتفاق عن وقت الوفاء ” ( [77] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 162 / 225 ( [78] ) .
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 326 – وفى التقنين المدنى الليبى المادة 314 – وفى التقنين المدنى العراقى 677 المادة 380 / 1 – وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 313 ( [79] ) .
ويخلص من هذا النص أن الحلول هنا يجب أن يكون باتفاق بين الموفى والدائن ، ويجب ألا يتأخر الاتفاق على الحلول عن وقت الوفاء . ولا يشترط فى الاتفاق شكل خاص ، ويخضع فى إثباته للقواعد العامة ( [80] ) .
382 – اتفاق بين الموفى والدائن : إذا لم يكن الموفى فى حالة من حالات الحلول القانونى التى سبق ذكرها ، وأراد الوفاء بدين غيره على أن يحل محل الدائن ، فسبيله إلى ذلك أن يتفق مع الدائن على الحلول . ذلك أنه ما دام باب الحلول القانونى غير مفتوح للموفى ، فليس أمامه إلا الحلول الاتفاقى ، فيتفق إما مع الدائن وإما مع المدين .
وما على الدائن ، حتى يستوفى حقه ، إلا أن يتفق مع الموفى على إحلاله محله . وهو لا يخسر شيئاً من هذا الإحلال ، بل يكسب أن يستوفى حقه فى ميعاد حلوله أو حتى قبل هذا الميعاد إذا اتفق الموفى على ذلك . وليس المدين طرفاً فى هذا الاتفاق ، فرضاؤه غير ضرورى ، والحلو يتم بغير إرادته ، بل بالرغم عن إرادته . على أنه يفيد فائدة محققة من هذا الوفاء ، فدينه يقضى ويتخلص بذلك من مطالبة الدائن . وإذا كان قد استبدل بالدائن القديم دائنا جديداً ، 678 فيغلب أن يكون هذا الدائن الجديد أكثر تساهلا معه وأسرع إلى التيسير عليه فى وفاء دينه ، وإلا لما تطوع مختاراً لوفاء الدين . وهذا هو الدور الذى يقوم به الموفى لديه غيره ، فهو من جهة يسدى خدمة إلى المدين بوفائه للدين وإمهاله حتى يتمكن من الوفاء ، وهى من جهة أخرى يستوثق لضمان حقه قبل المدين بحلوله محل الدائن .
والدائن حر فى قبول إحلال الموفى محله أو عدم إحلاله ( [81] ) . وهو حر أيضاً فى تحديد مدى هذا الإحلال ، فقد يحله محله فى بعض ضمانات الدين دون بعض ، فيحله فى الرهن والامتياز دون أن يحله فى الكفالة ( [82] ) .
ولا يشترط فى الاتفاق شكل خاص ، فأى تعبير عن الإرادة له معنى الحلول يكفى . وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشترط ورقة رسمية نظراً لما للحلول من خطر ، ولكن لجنة المراجعة حذفت هذا الشرط ( [83] ) .
383 – عدم تأخر الاتفاق عن وقت الوفاء : ولا يجوز أن يتأخر هذا الاتفاق عن وقت الوفاء ( [84] ) . والغالب أن يكون الاتفاق والوفاء بالدين حاصلين فى وقت واحد ، فيتقدم الموفى إلى الدائن ويتفق معه على وفاء حقه مع حلوله محله فى هذا الحق ، ويثبتان الاتفاقين معاً – الاتفاق على الوفاء 679 والاتفاق على الحلول – فى مخالصة واحدة ( [85] ) . ولكن لا شىء يمنع من أن يكون الاتفاق على الحلول سابقاً على الوفاء ، فيتفق الموفى والدائن مقدماً على الحلول ، ثم يدفع الموفى الدين بعد ذلك ( [86] ) .
والذى لا يجوز هو أن يكون الوفاء بالدين أولا ، ثم يليه الاتفاق على الحلول ( [87] ) . ذلك أنه إذا تم الوفاء بالدين أولا ، وتراخى الاتفاق على الحلول إلى ما بعد ذلك ، فإن هذا يفتح الباب للتحايل . فقد يكون المدين وفى دينه وفاء بسيطاً ، وانقضى الدين ، فانقضى بانقضائه رهن فى المرتبة الأولى كان يضمنه ، وترتب على ذلك أن الرهن الذى كان فى المرتبة الثانية أصبح فى المرتبة الأولى . ثم يتواطأ المدين بعد ذلك مع الدائن الذى استوفى دينه ، ويجعله يصطنع اتفاقاً مع أجنبى يذكر فيه أن هذا الأجنبى هو الذى وفى الدين وهو الذى حل محله فيه . فيعود الرهن الذى كان فى المرتبة الأولى وكان قد انقضى ، ليحل الأجنبى محل الدائن فيه ، وذلك إضراراً بالرهن الذى يليه والذى أصبح فى المرتبة الأولى بعد انقضاء الرهن الأول ( [88] ) .
680
384 – إثبات الاتفاق على الحلول : ويخضع إثبات الاتفاق على الحلول للقواعد العامة فى الإثبات . فإذا كانت القيمة التى وفى بها الدين تزيد على عشرة جنيهات لم يجز الإثبات إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها ، وإلا جاز الإثبات بالبينة وبالقرائن .
إلا انه يلاحظ أن المخالصة بالدين المتضمنة الاتفاق على الحلول يجب أن تكون ثابتة التاريخ حتى تكون نافذة فى حق موف آخر حل محل الدائن ، أو فى حق محال له بالحق ، أو فى حق دائن للدائن حجز تحت يد المدين . فهؤلاء الأغيار يتنازعون الأسبقية مع الموفى للدين ، فإن كانوا هم السابقين فى الوفاء أو فى الحوالة أو فى الحجز كان الدين لهم ، وإلا فهو للموفى . ومن ثم يجب أن يكون السند الذى يتمسكون به هو أيضاً ثابت التاريخ ، فإذا كان تاريخ الوفاء الواقع من الموفى الثانى أو تاريخ نفاذ الحوالة فى حق المدين تاريخاً ثابتاً –أما تاريخ الحجز فهو ثابت بطبيعة الحال – وجب أن يكون للمخالصة المتضمنة الاتفاق على الحلول تاريخ ثابت أسبق . أما بالنسبة إلى المدين وورثته ، فليس من الضرورى أن تكون المخالصة ثابتة التاريخ ( [89] ) .
681
ب – الحلول باتفاق الموفى مع الدين
385 – النصوص القانونية : تنص المادة 328 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” يجوز أيضاً للمدين ، إذا اقترض مالا وفه به الدين ، أن يحل المقرض محل الدائن الذى استوفى حقه ، ولو بغير رضاء هذا الدائن ، على أن يذكر فى عقد القرض أن المال قد خصص للوفاء وفى المخالصة أن الوفاء كان من هذا المال الذى أقرضه الدائن الجديد ” ( [90] ) .
ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 164 / 227 ( [91] ) .
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 327 – وفى التقنين المدنى الليبى المادة 315 – وفى التقنين المدنى العراقى 682 المادة 380 / 2 – وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 314 ( [92] ) .
386 – الحلول بالاتفاق مع المدين تبررة أغراض عملية : هنا أيضاً ، كما فى الحلول بالاتفاق مع الدائن ، لا يكون الموفى فى حالة من حالات الحلول القانونى ، فلا يستطيع إذن أن يحل محل الدائن بحكم القانون ، ويلزمه فى هذا الحلول أن يتفق عليه مع المدين . ولكن إذا كان الحلول بالاتفاق مع الدائن ، ولو برغم إرادة المدين ، يبدو طبيعياً على أساس أن الدائن هو الذى يتصرف فى حقه ، فإن الحلول بالاتفاق مع المدين ، ولو برغم إرادة الدائن ، لا يبدو طبيعياً أصلا ، فإن الذى يتصرف فى حق الدائن ليس هو الدائن نفسه صاحب الحق ، بل هو المدين وبرغم إرادة الدائن صاحب الحق . ومهما يكن من غراب ذلك من الناحية النظرية ، فإن الناحية العملية تبرره . ذلك أن الحلول بالاتفاق مع المدين فيه كل النفع للمدين ، فإن تمكن المدين من إحلال المقرض محل دائنه ولو بغير رضاء هذا الدائن يتيح أن يجد فى يسر من يقرضه المال اللازم للوفاء بدينه ، مادام سيقدم للمقرض 683 نفس الضمانات التى كانت للدائن . فينتفع كل من المدين والمقرض ، المدين بالتخفف من وطأة الدين وبما يمد له المقرض من أسباب التيسير فى الوفاء به ، والمقرض باستثمار ماله فى قرض مكفول بضمانات قائمة . ولا ضرر فى ذلك على الدائن ، فإنه استوفى حقه ، ومادام قد استوفاه ففيم يضيره أن تنتقل الضمانات إلى الدائن الجديد! ولا ضرر فى ذلك على الدائنين الآخرين ، فإن هؤلاء لم تتغير أوضاعهم من مدينهم ، فهم هم فى ترتيهم القائم ، سواء بقى الدائن السابق أو حل محله دائن جديد .
لكل هذه الاعتبارات العملية أجاز القانون أن يكون الحلول باتفاق بين الموفى والمدين ، ولو بغير رضاء الدائن . على أن الدائن ، وهو يعلم أن رضاءه غير ضرورى ، سيبادر فى الغالب إلى الرضاء ، فيتم الحلول باتفاق بين الموفى والدائن نفسه ، وهذا هو الذى يقع عادة فى العمل ( [93] ) .
387 – شروط الحلول بالاتفاق مع المدين : ويشترط فى هذا الحلول شرطان :
( أولا ) أن يكون القرض بغرض الوفاء بالدين ، فيذكر فى عقد القرض أن المال المقترض قد خصص لهذا الوفاء . ولا يهم ممن يصدر هذا البيان ، من المقترض وهو المدين أم من المقرض نفسه ، والمهم أن يذكر البيان فى نفس عقد القرض ( [94] ) . وتقترض صحة البيان حتى يقام الدليل على عدم صحته ( [95] ) .
684
( ثانيا ) أن يذكر فى المخالصة عند الوفاء أن المال الموفى به هو مال القرض . ولا يهم هنا أيضا ممن يصدر هذا البيان ، فقد يصدر من المدين وهو يفى دينه وهذا هو الغالب ، وقد يصدر من الدائن وهو يستوفى حقه وهذا جائز ، وقد يصدر من الاثنين معاً ويقع هذا كثيرا ( [96] ) . وتفترض صحة البيان حتى يقام الدليل على عدم صحته ( [97] ) .
وليس من الضرورى أن تتعاقب العمليتان ، عملية القرض فعملية الوفاء ، بل يجوز أن تكونا متعاصرتين ، ففى ورقة واحدة يثبت عقد القرض ويذكر فيه أن المال المقترض خصص للوفاء ، ثم يذكر فى الورقة نفسها أن الوفاء قد تم من مال القرض . ولو تم الأمر على هذا النحو لكان هذا أكثر استجابة لأغراض القانون ( [98] ) ، ولما قامت صعوبات عملية من ناحية ثبوت التاريخ كما سنرى .
ولكني صح أن تتعاقب العمليتان ، بشرط أن تسبق عملية القرض عملية الوفاء . إذا لو كانت عملية الوفاء هى السابقة ، لتبين أن الوفاء لم يكن من مال القرض ، فلا يحل المقرض محل الدائن . ومن ثم كان لابد ، عند تعاقب العمليتين ، ومن أن تكون كل عملية منهما ثابتة التاريخ ، حتى يستطاع إثبات أن عملية القرض سابقة على عملية الوفاء ( [99] ) .
والسبب فى ذلك هو توقى خطر التواطؤ ، كما رأينا فى الحلول بالاتفاق مع الدائن . فقد يفى المدين بدينه وفاء بسيطاً ، فينقضى الرهن الذى يضمنه . ثم يخطر له إحياء هذا الرهن إضراراً بمرتهن آخر كان متأخراً فى المرتبة وتقدم بعد زوال هذا الرهن الأول ، فيتواطأ مع أجنبى ومع الدائن ، ويصور الأجنبى 685 مقرضاً أقرضه المبلغ الذى وفى به الدين وأحله بهذا الوفاء محل الدائن ، فيحيا الرهن الأول . فسد القانون طريق هذا التحايل ، بأن اشترط أن تسبق عملية القرض عملية الوفاء ، عن طريق التواريخ الثابتة ، فلا يستطاع التحايل بتقديم تاريخ القرض إذا كان متأخراً فعلا عن تاريخ الوفاء .
على أن القوانين الجرمانية لا تلقى بالا إلى شىء من ذلك ، بل هى تجيز فى صراحة أن يفى المدين دينه ويستبقى عند الوفاء ضمانات هذا الدين قائمة يستطيع أن يفيد منها ، فيعطيها لمقرض يقرضه المال بعد الوفاء لقاء هذه الضمانات ؛ ولا ضرر يصيب الدائنين الآخرين من جراء ذلك ، فأن أوضاعهم لم تتغير ، وإنما تغير عليهم اسم الدائن المتقدم ، وقد كان متقدماً عليهم فى كل حال . وهذا ما يسمى فى القوانين الجرمانية بالشهادات العقارية ( CEDULES HYPOTHECAIRES ) . وكان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يتضمن نصاً على طريق الخيرة فى هذا المعنى ، ولكن لجنة المراجعة حذفته وآثرت البقاء على التقاليد اللاتينية فى الوفاء مع الحلول بالاتفاق مع الدين ، فالشرط إذن أن يسبق القرض الوفاء أو يعاصره على الأكثر ( [100] ) .
686
وإذا سبق القرض الوفاء ، فلا يهم مقدار الوقت الذى يتخلل العمليتين ، فقد يقصر هذا الوقت أو يطول . ولكنه إذا طال إلى أمد أبعد من المألوف ، ألقى هذا البعد ظلا من الشك فى أن مال القرض لم يستعمل لوفاء الدين ، وكان هذا مدعاة للطعن فى الحلول ( [101] ) .
388 – مالا يشترط فى الحلول بالاتفاق مع المدين : ولا يشترط التقنين المدنى الجديد غير الشرطين المتقدمى الذكر فى الحلول بالاتفاق مع المدين فلا يشترط إذن :
( أولا ) – أن يكون القرض أو المخالصة فى ورقة رسمية . ويشترط التقنين المدنى الفرنسى ( م 1250 بند 2 ) أن يكون كل من القرض والمخالصة فى ورقة رسمية . وكان التقنين المدنى المختلط السابق يشترط أيضاً هذا الشرط فى القرض ونقل التأمينات ( [102] ) . والذى يشترط فى التقنين المدنى الجديد هو ثبوت تاريخ كل من القرض والمخالصة عند تعاقبهما ، وإلا لم يسر الحلول فى حق مقرض آخر له حق الحلول ، أو فى حق محال له ، أو فى حق دائن حاجز ، أو فى حق دائن مرتهن متأخر . ولكن يسرى ، بالرغم من عدم ثبوت التاريخ ، فى حق المدين نفسه وخلفه العام ، وفى حق الدائن الذى استوفى حقه ( [103] ) .
( ثانيا ) أن ينص صراحة على حلول المقرض محل الدائن ، وهذا بخلاف الحلول بالاتفاق مع الدائن ، فلابد أن ينص صراحة على حلول الموفى محل الدائن . أما هنا ، فمجرد ذكر أن مال المقرض خصص لوفاء الدين وأن الوفاء حصل بمال القرض كاف لاستخلاص حلول المقرض محل الدائن عن طريق الاقتضاء .
( ثالثا ) أن يرضى الدائن بهذا الحلول . فسواء رضى الدائن أو لم يرض ، فإن حلول المقرض محله فى حقه يتم بمجرد الاتفاق على ذلك مع المدين كما سبق 687 القول . ولما كانت عملية الحلول هذه تقتضى تدخل الدائن ، فهو لابد أن يقبل الوفاء وأن يذكر فى المخالصة أن الوفاء تم بمال القرض ، فإنه إذا أبى أن يفعل هذا أو ذاك ، كان لكل من المقرض والمدين الوسيلة القانونية لإجباره على ذلك ، عن طريق العرض الحقيقى والإيداع . فيتم بذلك ما كان الدائن يأباه ، فإن قبل الدائن العرض تم الحلول ، وإن أباه أودع المال على ذمته وحكم بعد ذلك بصحة الإيداع على النحو الذى سنبينه ، فيتم الحلول أيضاً على هذا النحو ( [104] ) .
المطلب الثانى
أحكام الرجوع بدعوى الحلول
389 – حلول الموفى محل الدائن وما يرد على هذا الحلول من القيود : الحلول يجعل الموفى فى مكان الدائن ، فيصبح له حق الدائن يباشره كما لو كان هو الدائن نفسه . وهذا هو الحكم بوجه عام ، غير أنه يرد على هذا الحكم قيود من شأنها أن تجعل الموفى يعامل معاملة أدنى من معاملة الدائن الأصلى من بعض الوجوه .
فنبحث إذن ( أ ) حلول الموفى محل الدائن . ( ب ) ما يرد على حلول الموفى محل الدائن من قيود .
688
أ – حلول الموفى محل الدائن
391 – النصوص القانونية : تنص المادة 329 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” من حل قانوناً أو اتفاقاً محل الدائن كان له حقه ، بما لهذا الحق من خصائص ، وما يلحقه من توابع ، وما يكفله من تأ / ينات ، وما يرد عليه مندفوع . ويكون هذا الحلول بالقدر الذى أداه من ماله من حل محل الدائن ( [105] ) ” .
ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .
ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 328 – وفى التقنين المدنى الليبى المادة 316 – وفى التقنين المدنى العراقى المادة 381 – وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 315 ( [106] ) .
689
ويخلص من هذا النص أن الموفى يحل محل الدائن فى حقه :
( 1 ) بما لهذا الحق من خصائص .
( 2 ) وما يلحقه من توابع .
( 3 ) وما يكفله من تأمينات .
( 4 ) وما يرد عليه من دفوع .
392 – يكون للموفى حق الدائن بما له من خصائص : يحل الموفى محل الدائن فى نفس حقه ، بما لهذا الحق من مقومات وخصائص . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد : ” فالحق ينتقل إلى من تم الحلول له بما له من خصائص ، كما إذا كان تجاريا ، أو كانت له مدد تقادم خاصة ، أو كان السند المثبت له واجب التنفيذ ( [107] ) ” .
فالحق الذى حل فيه الموفى محل الدائن إذا كان إذن حقا تجارياً ، انتقل إلى الموفى على هذه الصفة حقا تجارياً ، وقد يقتضى ذلك أن يكون التقاضى فيه من اختصاص المحاكم التجارية ( [108] ) . وإذا كان حقاً يسقط بالتقادم بانقضاء مدة قصيرة ، خمس سنوات أو أقل ، فإنه ينتقل إلى الموفى قابلا للسقوط بالتقادم بهذه المدة القصيرة . وقد تكون المدة أوشكت على الانقضاء ، فلا تلبث أن تنقضى بعد انتقال الحق إلى الموفى ، وهذا عيب فى دعوى الحلول لا يوجد فى الدعوى الشخصية كما سيأتى . وقد يكون الحق الذى انتقل إلى الموفى ثابتاً فى سند رسمى أو فى حكم ، فيكون سنداً قابلاً للتنفيذ فى يد الموفى كما كان فى يد الدائن الأصلى .
بل إن الحق قد تقترن به خصائص أخرى فتنتقل جميعها مع الحق إلى الموفى . فقد يكون الدائن الأصلى قد قاضى بحقه وسار فى إجراءات التقاضى شوطاً بعيداً ، فلا يحتاج الموفى إلى تجديد هذه الإجراءات ، بل يسير فيها من حيث وجدها ( [109] ) .
690
393 – يكون للموفى حق الدائن بما يلحقه من توابع : فلو كان الحق الذى انتقل إلى الموفى ينتج فوائد بسعر معين ، فأن الحق ينتقل منتجاً لهذه الفوائد بهذا السعر ، ويكون للموفى الحق فى تقاضى هذه الفوائد ما استحق منها وما سيستحق ( [110] ) .
ويعتبر تابعاً للحق ، فينتقل منه إلى الموفى ، دعوى فسخ تقترن بالحق ، كما إذا كان أوفى قد وفى البائع الثمن المستحق له . فإن الموفى يحل محل البائع فى حقه ، بما له من تأمين عينى وهو حق الامتياز ، وما يلحق به من تابع وهو دعوى الفسخ . فيجوز للموفى ، إذا لم يستوف من المشترى الثمن الذى دفعه للبائع ، أن يطلب فسخ البيع ، وأن يتسلم المبيع من المشترى وفاء بحقه ( [111] ) .
ويعتبر أيضاً تابعاً للحق أن يكون للدائن حق الطعن فى تصرف المدين بالدعوى البولصية ، فإذا انتقل الحق إلى الموفى انتقل معه حق الطعن بهذه الدعوى ( [112] ) .
ويعتبر تابعاً كذلك الحق فى الحبس ، فتنتقل العين المحبوسة من الدائن إلى الموفى ، ويكون له الحق فى حبسها حتى يستوفى الدين من المدين .
394 – يكون للموفى حق الدائن بما يكفله من تأمينات : وينتقل إلى الموفى مع حق الدائن ما يكفل هذا الحق من تأمينات عينية وتأمينات شخصية . 691 مثل التأمينات العينية الرهن الرسمى والرهن الحيازى ( [113] ) ، سواء كان الراهن هو المدين نفسه أو كان كفيلا عينياً . ومثل هذه التأمينات أيضاً حقوق الامتياز ، خاصة كانت أو عامة ، على عقار أو على منقول . ومثل التأمينات الشخصية أن يكون للحق كفيل شخصى ، فيبقى هذا الكفيل ضامناً للحق بعد انتقاله إلى الموفى ( [114] ) ، ولا حاجة فى ذلك إلى رضاء الكفيل لأن المدين الذى يكفهل لم يتغير ولا عبرة بتغير الدائن ( [115] ) . ومثل التأمينات الشخصية أيضاً أن يكون للحق مدينون متضامنون متعددون ، أو له مدينون متعددون وهو غير قابل للانقسام ، فينتقل إلى الموفى على هذا الوصف . ومن ثم يجوز للموفى أن يرجع به ، لا على المدين الذى وفى دينه فحسب ، بل أيضاً على سائر المدينين المتضامنين فى حالة التضامن أو سائر المدينين المتعددين فى حالة عدم القابلية للانقسام ( [116] ) .
395 – يكون للموفى حق الدائن بما يرد عليه من دفوع : وكما تنتقل مع الحق مزاياه من خصائص وتوابع وتأمينات ، ينتقل أيضاً معه ما يرد عليه من دفوع ، ” كأسباب البطلان والانقضاء ، ما لم يكن الأمر متعلقاً بواقعة غير منفكة عن شخص الدائن ، كالدفع بقصر الدائن ، فهو لا يظل قائماً بعد الحلول متى كان من تم الحلول له كامل الأهلية ” ( [117] ) .
692
فإذا كان الحق مصدره عقد باطل أو عقد قابل للإبطال ، جاز للمدينة أن يتمسك بهذا الدفع تجاه الموفى كما كان له ذلك تجاه الدائن الأصلى . وإذا كان الحق قد انقضى بالوفاء أو بأى سبب آخر كالتجديد أو المقاصة أو الإبراء أو التقادم ، جاز للمدين أن يدفع بانقضاء الحق تجاه الموفى كما كان يجوز له ذلك تجاه الدائن الأصلى . وإذا كان الحق معلقاً على شرط واقف لم يتحقق ، أو على شرط فاسخ تحقق ، أو كان حقاً مؤجلا ولم يحل الأجل ، جاز للمدين أن يدفع بكل ذلك ، لاتجاه الدائن الأصلى فحسبن بل أيضاً تجاه الموفى الذى حله محله .
أما إذا كان الدائن الأصلى قاصراً ، فجاز للمدين أن يمتنع عن الوفاء له شخصياً لعدم صحة الوفاء فى هذه الحالة ، فإنه لا يستطيع أن يدفع بهذا الدفع الخاص بشخص الدائن تجاه الموفى إذا كان هذا متوافراً فيه الأهلية لاستيفاء الدين .
ب – ما يرد على حلول الموفى محل الدائن من قيود
396 – فى حالات خاصة لا يحل الموفى محل الدائن من جميع الوجوه : على أنه إذا كان الأصل أن يحل الموفى محل الدائن فى حقه من جميع الوجوه ، فإن هناك حالات لا يكسب فيها الموفى جميع المزايا التى كانت للدائن :
( 1 ) وأولى هذه الحالات أن الموفى إذا وفى الدين للدائن بمبلغ أقل من قيمته ، فإنه لا يرجع على المدين إلا بمقدار ما دفع للدائن ، أما الدائن فإنه كان يرجع على مدينه بكل الدين .
( 2 ) وإذا كان الموفى مديناً متضامناً ووفى الدائن فحل محله حلولا قانونياً على النحو الذى قدمناه ، فإنه لا يرجع على كل من المدينين المتضامنين الآخرين إلا بقدر حصته فى الدين ، وكان الدائن يرجع بكل الدين على أى من المدينين المتضامنين .
( 3 ) وإذا كان الموفى هو حائز العقار المرهون ووفى الدائن فحل محله حلولا قانونياً على النحو الذى قدمناه ، لم يكن له بموجب هذا الحلول أن يرجع على 693 حائز لعقار آخر مرهون فى ذات الدين إلا بقدر حصة هذا الحائز بنسبة ما حازه من عقار ، وكان الدائن يرجع على أى حائز لعقار مرهون بكل الدين .
( 4 ) كذلك لا يرجع حائز العقار المرهون ، إذا هو وفى الدين للدائن ، على الكفيل لنفس الدين ، وكان الدائن يرجع على الكفيل .
( 5 ) وإذا وفى الغير الدائن جزءاً من حقه وحل محله فيه ، فإن الدائن الأصلى فى استيفاء ما بقى من حقه يكون مقدماً على الموفى ، فهنا قلت حقوق الموفى عن حقوق الدائن .
ونستعرض هذه المسائل الخمس متعاقبة .
397 – رجوع الموفى على المدين بمقدار ما أداه من ماله لا بمقدار الدين : رأينا أن العبارة الأخيرة من المادة 329 من التقنين المدنى تقضى بأن الموفى إذا وفى الدين للدائن بقيمة أقل من مقدار الدين ، فإن رجوعه على المدين يكون بمقدار ما أداه لا بمقدار الدين . وفى هذا نرى الموفى يعامل معاملة أقل من معاملة الدائن ، فإن الدائن إذا كان الغير لم يوفه حقه كان له أن يرجع بكل حقه على المدين . أما وقد قبل الدائن أن يستوفى من الغير حقه منقوصاً ، ونزل عن جزء منه ، فإن هذا النزول يكون فى مصلحة المدين لا فى مصلحة الموفى ، وكأن الدائن قد نزل عن جزء من الدين للمدين ، ومن ثم لا يرجع الموفى على المدين إلا بمقدر ما دفعه لوفاء الدين ( [118] ) .
والسبب فى ذلك أن الموفى وهو يفى بالدين للدائن إنما يقوم بوفاء الدين ، بعيداً عن فكرة المضاربة التى رأيناها فى حوالة الحق لصيقة بمن يشترى الدين . وقد أحاطت الوفاء هنا ملابسات اقتضت أن ينزل الدائن عن جزء من الدين يستوفى الباقى ، فليس للموفى أن يرجع على المدين بأكثر مما وفى ، إذا هو لا يقصد المضاربة فيما قام به من وفاء ، وهو فى الغالب صديق للمدين أراد ؟؟؟؟؟؟؟ بالدين أراد الوفاء بالتزامه . ولو كان يقصد المضاربة ويريد الرجوع ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ 694 فسبيله إلى ذلك ان يشترى الدين من الدائن بالمقدار الذى دفعه ، وعند ذلك ينتقل إليه الدين كاملا عن طريق حوالة الحق ، ويرجع به كله على المدين .
398 – الموفى مدين متضامن : وإذا كان الموفى مديناً متضامناً ، أو كان مديناً مع آخرين فى دين غير قابل للانقسام ، أو كان أحد الكفلاء المتضامنين ، ثم وفى الدين كله للدائن فحل محله فيه حلولا قانونيا ، فقد كان ينبغى أن يكون مدى رجوعه معادلا لمدة رجوع الدائن . ولما كان الدائن يستطيع أن يرجع بكل الدين على أى مدين متضامن أو على مدين فى دين غير قابل للانقسام أو على أى كفيل متضامن ، فقد كان ينبغى للموفى أن يفعل ذلك هو أيضاً . ولكن الموفى لا يرجع على أى من المدينين المتضامنين الآخرين ، أو على أى من المدينين المتعددين الآخرين فى الدين غير القابل للانقسام ، أو على أى من الكفلاء المتضامنين الآخرين ، إلا بقدر حصة من يرجع عليه ، وذلك تفادياً من تكرار الرجوع . إذا لو رجع بالدين بعد استنزال حصته على أى من هؤلاء ، لكان للدافع أن يرجع هو أيضاً على أى من الباقين بما بقى من الدين مستنزلا منه حصته ، وهكذا ، فيتكرر الرجوع ؛ فقصر حق الموفى فى الرجوع على مقدار حصة من يرجع عليه تبسيطاً لإجراءات الرجوع ، ولأن الدين إذا كان لا ينقسم فى علاقة الدائن بالمدينين فإنه ينقسم فى علاقة المدينين بعضهم ببعض ، وقد تقدم بيان ذلك عند الكلام فى التضامن .
399 – الموفى حائز للعقار المرهون ويرجع على حائز لعقار مرهون آخر – النصوص القانونية : وتنص المادة 331 من التقنين المدنى على ما يأتى : ” إذا وفى حائز العقار المرهون كل الدين ، وحل محل الدائنين ، فلا يكون له بمقتضى هذا الحلول أن يرجع على حائز لعقار آخر مرهون فى ذات الدين إلا بقدر حصة هذا الحائز بحسب قيمة ما حازه من عقار ” ( [119] ) .
695
والمفروض هنا أن الدين مضمون برهون متعددة على عقارات مختلفة ، وقد بيع كل عقار فأصبح فى يد حائز لعقار مرهون . ولما كان كل من هؤلاء الحائزين ملتزماً بالدين عن المدين ، فإنه إذا وفى أحدهم الدين للدائن حل محله قانوناً . وكان ينبغى أن يرجع بالدين ، بعد أن يستنزل منه حصته بحسب قيمة ما حازه من عقار ، على أى من الحائزين الآخرين ، وكان الدائن يرجع بكل الدين على أى منهم لأن الرهن غير قابل للتجزئة . ولكن النص يقضى بأن يرجع الموفى على كل من الحائزين الآخرين بقدر حصته فى الدين بحسب قيمة ما حازه من عقار ، حتى لا يتكرر الرجوع ، وذلك لنفس الاعتبارات التى سبق إيرادها فى خصوص التضامن ( [120] ) .
696
400 – الموفى حائز للعقار المرهون ولا يرجع على الكفيل : إذا كان للدين كفيل شخصى أو عينى ، فأصبح مسئولا عن الدين ، فإنه إذا وفى الدين للدائن حل محله فيه قانوناً . وكان له أن يرجع –كما كان يرجع الدائن – على أى عقار مملوك للمدين ومرهون فى الدين ، ولو انتقل العقار إلى يد حائز . فإذا رجع الكفيل على هذا العقار المرهون واستوفى منه ما دفعه وفاء للدين ، لم يرجع عليه أحد ، لا المدين صاحب العقار المرهون ولا الحائز لهذا لعقار ، لأنه إنما كان مسئولا عن الدين تجاه الدائن ، لاتجاه المدين ولاتجاه خلفه الخاص حائز العقار المرهون .
أما العكس فغير صحيح . فلو كان الموفى هو الحائز للعقار المرهون ، وحل محل الدائن حلولا قانونياً ، فإنه لا يستطيع الرجوع على الكفيل ، إذ لو رجع عليه ، لكان للكفيل أن يرجع هو أيضاً بدوره على هذا الحائز بدعوى الحلول . فلا فائدة إذن من رجوع الحائز للعقار المرهون على الكفيل ، لأن هذا الحائز مسئول عن الدين تجاه الكفيل بمقتضى الرهن . أما الكفيل فقد رأينا أنه يرجع على الحائز للعقار المرهون ، لأنه غير مسئول عن الدين تجاه هذا الحائز كما قدمنا ( [121] ) .
401 – الموفى لم يوف إلا جزءاً من الدين – النصوص القانونية : تنص المادة 330 من التقنين المدنى على ما يأتى :
” 1 – إذا وفى الغير الدائن جزءاً من حقه وحل محله فيه ، فلا يضار الدائن بهذا الوفاء ، ويكون فى استيفاء ما بقى له من حق مقدماً على من وفاه ، ما لم يوجد اتفاق يقضى بغير ذلك ” .
” 2 – فإذا حل شخص آخر محل الدائن فيما بقى له من حق ، رجع من حل 697 أخيراً هو ومن تقدمه فى الحلول كل بقدر ما هو مستحق له ، وتقساما قسمة الغرماء ( [122] ) ” .
والمفروض هنا أن الموفى وفى جزءاً من الدين ، فحل محل الدائن ، فى هذا الجزء . فإذا كان المدين قدر رهن عقاراً فى الدين ، وليس يفى العقار بكل الدين ، وليس للمدين أموال أخرى ، فإن الموفى وقد وفى جزءاً من الدين والدائن الأصلى ولا يزال دائناً بالجزء الباقى لا يجدان أمامهما غير هذا العقار ليستوفى كل حقه منه ، ويتقدمان معاً على سائر الغرماء بما لهما من حق الرهن . ولكن فيما بينهما كان ينبغى أن يتعادلا ، فإن كلا منهما دائن بجزء من دين واحد ، فلا محل لتفضيل أحدهما على الآخر . ولكن النص –وهو فى ذلك يترجم عن الإرادة المحتملة للطرفين – يفترض أن الدائن لم يكن ليرضى باستيفاء جزء من حقه إلا وهو مشترط على الموفى أن يتقدم عليه فى استيفاء الجزء الباقى ، وعلى هذا الأساس قد قبل وفاء جزئياً ما كان الموفى يستطيع أن يجبره عليه . 698 ومن ثم يتقدم الدائن الأصلى على الموفى فى الغرض الذى نحن بصدده ، ويستولى أولا الجزء الباقى له من الدين ، وما بقى بعد ذلك من ثمن العقار يأخذه الموفى فلا يستوفى به كل حقه ( [123] ) .
ونرى من ذلك أن الموفى ، وقد حل محل الدائن فى جزء من حقه ، لم يعامل معاملة الدائن ، بل فضل الدائن عليه . على أن هذه القاعدة يحل منها قيود ثلاثة :
- أنها ليست إلا افتراضاً لما أراده الدائن والموفى Nemo contra se subrogasse censetur ، فهى ليست قاعدة من النظام العام . ومن ثم يجوز للدائن والموفى أن يتفقا على غير ذلك ، فلهما أن يتفقا على أنهما يتعادلان ويتقاسمان مال المدين قسمة الغرماء . بل لهما أن يتفقا على أن الموفى هو الذى يتقدم الدائن فيستوفى أولا الجزء من الدين الذى وفاه ، وما بقى بعد ذلك يأخذه الدائن . وهذا ما يقع غالباً ، فإن الموفى وهو يفى للدائن بحقه يكون عادة هو الجانب الأقوى الذى يملى شروط الوفاء ، فسرعان ما يشترط أن يتقدم الدائن فى استيفاء حقه من المدين ( [124] ) .
- وحتى لو لم يتفق الدائن والموفى على شىء يخالف القاعدة المتقدمة الذكر ، وتقدم الدائن على الموفى فهذه ميزة شخصية للدائن وحده ، لا تنتقل منه إلى شخص آخر يفى له بالجزء الباقى من حقه ويحل محله فيه . وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 330 مدنى صراحة على هذا الحكم كما رأينا ، فقضت بأنه : ” إذا حل شخص آخر محل الدائن فيما بقى له من حق ، رجع من حل أخيراً 699 هو ومن تقدمه فى الحلول كل بقدر ما هو مستحق له ، وتقاسما قسمة الغرماء ” ( [125] ) . ولا يستطيع الدائن ، وهو يستوفى الجزء الباقى من حقه من هذا الشخص الآخر أن يتفق معه على أن يجعله متقدماً على الموفى الأول ، إذ أن الموفى الأول ليس طرفاً فى هذا الاتفاق فلا يسرى فى حقه . وإنما يجوز للدائن ، عند استيفاء جزء من حقه من الموفى الأول ، أن يشترط عليه أنه هو أو من يخلفه فى الجزء الباقى يتقدم على الموفى الأول . وعند ذلك يكون للدائن وهو يستوفى الجزء الباقى ، أن يتفق مع الموفى الثانى على أن يتقدم على الموفى الأول ، وهذا هو ما رضى به الموفى الأول مقدماً عند اتفاقه مع الدائن ( [126] ) .
- وما قدمناه من أن الموفى بجزء من الدين يتأخر عن الدائن عند ما يريد هذا استيفاء الجزء الباقى ، إنما يصح إذا تمسك الموفى بدعوى الحلول . أما إذا تمسك بالدعوى الشخصية ، فلا وجه لتفضيل الدائن عليه . فإذا فرض فى المثل المتقدم أن المدين لم يرهن عقاراً لضمان الدين ، ووفى الغير الدائن جزءاً من حقه ، ولم يكن عند المدين مال يفى بكل الدين ، فإن رجوع الموفى بالدعوى الشخصية على المدين يجعله يزاحم الدائن فى رجوعه على المدين بما بقى من حقه ويتقاسمان مال المدين قسمة غرماء . ذلك أن الموفى إنما يرجع ، لا بدعوى الدائن عن طريق الحلول حتى يتقدم الدائن عليه ، بل بدعوى شخصية خاصة به تعادل دعوى الدائن ، فلا محل لتفضيل أحدهما على الآخر ( [127] ) .
700
2 – التكييف القانونى للحلول
402 – صعوبة هذا التكييف وسبب ذلك : يقوم فى سبيل التكييف القانونى للحلول صعوبة جوهرية : فإن حلول الموفى محل الدائن معناه كما رأينا انتقال حق الدائن نفسه بمقوماته وخصائصه وتوابعه وتأميناته ودفوعه من الدائن إلى الموفى ، ثم إن هذا الحلول لا يكون إلا بوفاء الموفى لهذا الحق ، والوفاء سبب من أسباب انقضاء الحق بل هو أهم أسبابه ، فإذا كان الموفى قد وفى للدائن حقه فقد انقضى هذا الحق ، فكيف ينقضى الحق بالوفاء ومع ذلك ينتقل إلى الموفى فيبقى بانتقاله! كيف ينقضى الحق ويبقى فى وقت واحد! .
أمام ذلك لجأ الفقه الفرنسى التقليدى إلى القول بأن بقاء الحق بعد انقضائه بالوفاء إنما هو افتراض قانونى ( fiction legale ) لا أساس له من الواقع ، فإن الواقع من الأمر أن الحق قد انقضى بالوفاء ، ولكن القانون يفترض مع ذلك بقاءه للأغراض العملية التى توخاها من إحلال الموفى محل الدائن فيه . وقد انقسم الفقه التقليدى فى شأن هذا الافتراض القانونى . فبدأ فريق بالقول إن الذى يبقى ليس هو الحق نفسه فإنه قد انقضى بالوفاء ، وإنما تبقى تأمينات الحق وهى التى تنتقل لتكفل حق الموفى فى الرجوع على المدين . ولكن الفكرة التى تغلبت فى الفقه التقليدى هى أن الحق يبقى افتراضاً وتنتقل مع الحق تأميناته وتوابعه وما إلى ذلك .
ثم بدأ الفقه الحديث ينبذ فكرة الاقتراض ويواجه المسألة مواجه جديدة ، فيجعل الوفاء مع الحلول وفاء للحق بالنسبة إلى الدائن وانتقالا للحق بالنسبة إلى المدين . فيشبه من وجه حوالة الحق ، ولكن يبقى الوفاء مع الحلول مع ذلك متميزاً عن حوالة الحق ، ويظهر ذلك عند بيان الفروق ما بين هذين النظامين .
فنحن نبسط أولا النظريات الثلاث المختلفة فى التكييف القانونى للوفاء مع الحلول ، ثم نبرز الفروق ما بين الوفاء مع الحلول وحوالة الحق .
701
1 – النظريات الثلاث المتخلفة فى التكييف القانونى للوفاء مع الحلول
403 – بقاء التأمينات وحدها دون الحق : يذهب فريق من الفقهاء إلى أن الوفاء مع الحلول يقضى الحق الموفى به ، لأن الحق لا يمكن أن يبقى بعد الوفاء . وإنما يستبقى القانون ، افتراضاً بسلطان منه ، التأمينات التى تكفل الحق ، وينقلها إلى حق الموفى فى الرجوع على المدين بما وفاه من دينه . فكأن دعوى الحلول ، فى هذه النظرية ، هى نفسها الدعوى لاشخصية التى يرجع بها الموفى على المدين ، وتقوم على الوكالة أو الفضالة أو الإثراء بلا سبب ، وإنما نقل القانون إليها التأمينات التى تكفل حق الدائن بعد انقضاء هذا الحق بالوفاء . فالوفاء مع الحلول ليس إذن إلا وفاء ، أو هو ضرب من ضروب الوفاء . ويكون الوفاء نوعين : وفاء بسيطاً ( Paiement pur et simple ) ووفاء موصوفاً ( Paiement avee modalite ) هو الوفاء مع الحلول .
ويبدو أن التقنين المدنى السابق كان يشير إلى هذه النظرية فى النصوص التى وضعها للوفاء مع الحلول ، إذ كان يقول فى المادة 162 / 225 : ” التأمينات التى كانت على الدين الأصلى تكون تأميناً لمن دفعه فى الأحوال الآتية . . . ” ، وكان يقول فى المادة 164 / 227 : ” يجوز للمدين أن يقترض بدون واسطة التأمينات التى كانت للدائن الأصلى . . . ” . على أن الفقه والقضاء فى مصر ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، لم يكونا يسايران هذا الاتجاه وكانا يذهبان إلى أن الحق نفسه هو الذى ينتقل إلى الموفى ( [128] ) .
404 – بقاء الحق نفسه وانتقاله إلى الموفى : ذلك أن الفريق الأكبر من الفقه الفرنسى التقليدى لم يسلم بانقضاء الحق الموفى به مع بقاء تأميناته وانتقالها إلى الموفى . وحجتهم فى ذلك أنه إذا كان المنطق المحض يقتضى أن ينقضى الحق بالوفاء ، فكذلك المنطق المحض يقتضى أن تزول تأمينات الحق 702 بزوال هذا الحق . فإذا كنا استبقينا التأمينات بالرغم من زوال الحق ونقلناها إلى الموفى ، فليس ذلك إلا عملا افتراضياً محضاً . وما دمنا قد لجأنا إلى الافتراض فى استبقاء التأمينات ونقلها إلى الموفى ، فلماذا لا نجلأ إلى نفس الافتراض فى استبقاء الحق نفسه بتوابعه وخصائصه لننقله إلى الموفى ( [129] ) ؟
والفرق كبير بين الاقتصار على نقل التأمينات مع القول بزوال الحق ، وبين نقل الحق نفسه إلى الموفى بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع . والثانى لا الأول هو حكم الوفاء مع الحلول ( [130] ) ، كما تقضى بذلك صراحة المادة 329 مدنى على الوجه الذى قدمناه .
ويبدو الفرق واضحاً بين القولين . فالقول ببقاء الحق نفسه وانتقاله إلى الموفى لا يخلط بين حق الموفى الشخصى الذى استمده من واقعة الوفاء ، ومصدره الوكالة أو الفضالة أو الإثراء بلا سبب ، وحق الموفى الذى استمده من حلوله محل الدائن وهو حق الدائن نفسه كما قدمنا . فينتقل إلى الموفى بموجب الحلول حق الدائن بمقوماته وخصائصه ، كما لو كان الحق تجارياً أو كان مقترناً بسند تنفيذى أو كانت له مدد تقادم خاصة . وينتقل بتوابعه ، كالفوائد ودعوى الفسخ والدعوى البولصية . وينتقل بتأميناته ، كالرهن وحق الاختصاص وحق الامتياز والكفالة . وينتقل بدفوعه ، كأسباب البطلان وأسباب الفسخ وأسباب الانقضاء . أما لو قلنا بالاقتصار على نقل التأمينات مع القول بزوال الحق ، فإننا لا نجعل للموفى إلا حقاً واحداً هو حقه الشخصى الذى استمده من الوكالة أو الفضالة أو الإثراء بلا بسبب . فلا ينتقل إلى الموفى حق الدائن ، بل ينقضى هذا الحق بالوفاء بما له من خصائص وما يلحقه من توابع وما يرد عليه من دفوع . ولا يبقى إلا حق الشخصى كما قدمنا ، تضاف إليه التأمينات 703 التى كانت تكفل حق الدائن ( [131] ) . وظاهر أن القول الأول دون الثانى هو القول الصحيح .
405 – الوفاء مع الحلول وفاء للحق بالنسبة إلى الدائن وانتقال للحق بالنسبة إلى المدين : والفقه الحديث لا يميل فى تكييف الوفاء مع الحلول تكييفاً قانونياً إلى فكرة الاقتراض القانونى ( Fiction legale ) ، بل هو يواجه هذه العملية المركبة مواجهة صريحة ويحللها إلى عناصرها الأولية .
فالعملية من شقين :
- هى أولا وفاء للحق ( Paiement ) بالنسبة إلى الدائن ، إذ الدائن يستوفى حقه من الموفى فينقضى هذا الحق بالنسبة إليه .
- ثم هى انتقال للحق ( transfert ) بالنسبة إلى المدين ، إذ المدين لم يوف الحق بنفسه بل وفاه عنه غيره ، فلا ينقضى بالنسبة إلى المدين بل ينتق إلى الموفى لأنه هو الذى وفى الحق فى مقابل أن يحل محل الدائن فيه ( [132] ) .
ووجه الدقة فى هذه العملية أن هناك وفاء للحق ، ولكن لم يقم به المدين . فمن حيث أن هناك وفاء للحق ، ينقضى الحق بالنسبة إلى من استوفاه وهو الدائن . ومن حيث أن المدين ليس هو الذى قام بالوفاء ، يبقى الحق فى ذمته ولكن لدائن آخر حل محل الدائن الأصلى ، هو ذلك الموفى الذى ما وفى الحق إلا ليحل محل الدائن الأصلى فيه ( [133] ) .
704
ومن ثم فإن الوفاء مع الحلول ، من حيث أنه ينقل الحق نفسه من الدائن إلى الموفى ، يقترب كثيراً من حوالة الحق . فلابد من غبراز الفروق ما بين هذين النظامين المتقاربين ، حتى يتبين فى وضوح أنهما نظامان لا يختلطان ، بل يتميز أحدهما عن الآخر . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك فى إيجاز ( [134] ) .
ب – الفروق ما بين الوفاء مع الحلول وحوالة الحق
406 – اختلاف الأغراض العملية : شرع الوفاء مع الحلول لغرض عملى هو التيسير على المدين فى وفاء دنيه ، فالموفى هو عادة صديق يتقدم لوفاء دين صديقه لينقذه من مطالبة الدائن الملحة ، ثم يترفق به فلا يرجع عليه إلا عند الميسرة . ولو أراد الموفى أن يرجع مباشرة على المدين ، لكان 705 سبيله إلى ذلك ، ليس الوفاء مع الحلول ، بل حوالة الحق ، فيشترى الحق من الدائن ويرجع به مباشرة على المدين . ولكن الموفى ، كما قدمنا ، لا يبغى من تدخله كسباً ، بل يقدم يد المعونة يسديها الصديق للصديق ( office d’ami ) . وهو إذا كان لا يبغى كسبا ، فهو لا يريد أن يتجشم خسارة . ومن ثم فهو يحل محل الدائن فى حقه بما لهذا من الحق من تأمينات ، حتى يستوثق من جدوى الرجوع على المدين . على أنه لا يطالب فى الرجوع على المدين إلا بمقدار ما أدى لوفاء الدين ، حتى لو كان هذا المقدار أقل من قيمة الدين . ويبقى هذا هو الغرض العملى من الوفاء مع الحلول حتى لو كان الموفى مجبراً على الوفاء . بأن كان ملزماً بالدين مع المدين أو عنه ، فقد قبل منذ البداية أن يلتزم بالدين ، فهو لا يزال فى موقف الصديق . والوفاء مع الحلول لا يكون إلا لدين قد حل ، فيتقدم الموفى لقضائه .
وهذا بخلاف حوالة الحق . فمن يشترى حقاً يشتريه عادة بأقل من قيمته ، إما لأن الحق لم يحل أجل الوفاء به ، وإما لأن استيفاء الحق تحيط به صعوبات قوبلت المخاطرة فى مواجهتها بخفض فى قيمة الحق . ويرجع المحال له بعد ذلك على المدين بكل قيمة الحق . فالمحال له ، بخلاف الموفى ، مضارب يعقد صفقة يبغى من ورائها كسباً فى مقابل ما يتربص به من وقت أو ما يواجه من مخاطرة لاستيفاء الحق . ولا يقتصر على توقى الخسارة ، كما يقتصر الموفى فى الوفاء مع الحلول ( [135] ) .
706
على أن الموفى ، فى الحلول الاتفاقى ، قد يبغى أيضاً أن يستثمر ماله ، فهو يقوم بالعملين معاً ، يسدى خدمة ويستثمر مالا . فتقارب الأغراض العملية ما بين الوفاء مع الحلول وحوالة الحق ، فى هذه الحالة ، يجعل النظامين يختلطان أحدهما بالآخر . ولعل الذى أبقى الوفاء مع الحلول إلى جانب حوالة الحق أن الوفاء مع الحلول إلى جانب حوالة الحق أن الوفاء مع الحلول قد يتم بغير إرادة الدائن ، أما حوالة الحق فلا تتم إلا إذا كان الدائن راضياً بالحوالة . ومن ثم كان هناك محل للوفاء مع الحلول إلى جانب حوالة الحق فى الحالات التى يتعذر فيها الحصول على رضاء الدائن بالنزول عن حقه ، بما يكفل هذا الحق من تأمينات ( [136] ) .
407 – الفروق من حيث شروط الانعقاد والنفاذ : رأينا أن حوالة الحق تنعقد باتفاق بين الدائن المحيل والمحال له ، فلابد إذن فيها من رضاء الدائن ، أما الوفاء مع الحلول فهو أكثر تنوعاً ومرونة . فقد يتم برضاء الدائن إذا اتفق مع الموفى . ولكنه قد يتم أيضاً بغير رضاء الدائن ، ويكفى أن يتفق المدين والموفى على النحو الذى بسطناه فيما تقدم حتى يتم الحلول . بل هو قد يتم دون رضاء أى من الدائن والمدين ، فيتحقق بإرادة الموفى وحده فى الحالات التى نص فيها على أن يكون الحلول بموجب القانون ( [137] ) . ونرى من ذلك فائدة الوفاء مع الحلول إلى جانب حوالة الحق ، فحوالة الحق لا تصب إلا فى قالب واحد لا تستطيع منه فكاكا ، أما الوفاء مع الحلول فقوالبه كثيرة متعددة ، وهذا التنوع هو الذى يكسبه مرونة تجعل لوجوده معنى إلى جانب حوالة الحق .
ثم إن نفاذ حوالة الحق فى حق المدين وفى حق الغير لا يكون إلا برضاء المدين أو بإعلانه بالحوالة بالطرق المقررة التى سبق بيانها . أما الوفاء مع الحلول فهو نافذ فى حق المدين وفى حق الغير دون أى إجراء ( [138] ) . ويترتب على ذلك أن 707 الدائن إذا كان قد استفوى حقه من الغير عن طريق الوفاء مع الحلول ، ثم حول بعد ذلك الحق لمحال له وأعلن هذا الحوالة للمدين ، فإن الوفاء مع الحلول وقد سبق حوالة الحق يكون نافذاً –دون إعلان ودون أى إجراء آخر – فى حق كل من المدين والمحال له على السواء ، ولا يستطيع المحال له فى هذا الفرض أن يتمسك بالحوالة فى مواجهة الموفى مع الحلول . وهذا بخلاف ما إذا كان الدائن قد حول حقه أولا بدلا من استيفائه ولم يعلن المحال له بالحوالة ، ثم عمد الدائن إلى تحويل حقه مرة ثانية إلى محال له أعلن الحوالة للمدين ، ففى هذا الفرض يستطيع المحال له الثانى أن يتمسك بالحوالة التى أعلنها فى مواجهة المحال له الأول الذى لم يعلن حوالته ( [139] ) .
408 – الفروق من حيث الآثار – الدعوى الشخصية : هناك فرق جوهرى ، يظهر بادئ ذى بدء ، بين الموفى مع الحلول والمحال له . فالمحال له ليس له إلا دعوى واحدة ، هى دعوى الحق الذى انتقل إليه ، ولا يستطيع أن يرجع على المدين بغير هذه الدعوى . أما الموفى مع الحلول فله دعويان : دعوى الحق الذى انتقل إليه يطالب فيها بحق الدائن كما يطالب المحال له ، ثم الدعوى الشخصية الناشئة من واقعة الوفاء ومصدرها الوكالة أو الفضالة أو الإثراء بلا سبب . فللموفى إذن دعويان ، دعوى الحلول والدعوى الشخصية ، ولكن من الدعويين ميزان على الدعوى الأخرى .
فمن ميزات دعوى الحلول على الدعوى الشخصية ، أن الموفى إذا رجع بدعوى الحلول ، كان له جميع تأمينات الحق الذى وفاه عينية كانت أو شخصية ، وكان له أيضاً جميع مقومات هذا الحق وخصائصه فقد يكون حقاً تجارياً أو يكون مقترنا بسند تنفيذى ، وقد تقدم بيان ذلك .
ولكن الدعوى الشخصية قد تكون لها ، من جهة أخرى ، ميزات على دعوى الحلول . ونذكر من هذه الميزات ثلاثا :
708
أولا – لما كان الموفى يرجع فى الدعوى الشخصية على اساس الوكالة أو الفضالة فى أغلب الأحوال ، فإنه يستحق الفوائد القانونية على جميع ما دفعه للدائن وفاء للدين وذلك بحكم القانون . أما فى دعوى الحلول فإنه يرجع بحق الدائن ،فإذا لم يكن هذا الحق ينتج فوائد ، فإن الموفى لا يتقاضى أية فوائد من المدين .
ثانيا – إذا رجع الموفى بالدعوى الشخصية ، فإن مصدرها هو واقعة الوفاء كما قدمنا ، ويكون حقه قد نشأ منذ ذلك الوقت . فلا يتقادم –بخمس عشرة سنة فى الوكالة وبثلاث سنوات فى الفضالة وفى الإثراء بلا سبب – إلا بانقضاء هذه المدة وتسرى من وقت الوفاء . أما إذا رجع الموفى بدعوى الحلول ، فإنه يرجع بنفس الحق الذى انتقل إليه من الدائن ، وقد يكون تقادم هذا الحق ساريا منذ مدة طويلة ويوشك أن يتم ، فلا يكاد الموفى يهم برفع دعوى لحلول حتى يكون الحق قد انقضى بالتقادم .
ثالثا – إذا كان الموفى قد وفى الحق وفاء جزئياً ، وأراد الرجوع بدعوى الحلولن فقد رأينا أنه يتأخر عن الدائن حتى يستوفى الدائن من المدين الباقى من حقه . أما إذا رجع الموفى بالدعوى الشخصية ، فإنه يتعادل مع الدائن ولا يتقدم الدائن عليه ، ويتقاسمان مال المدين قسمة الغرماء . وقد سبق بيان ذلك ( [140] ) .
409 – الفروق من حيث الآثار – دعوى الحلول : فإذا نحن تركنا الدعوى الشخصية واقتصرنا على دعوى الحلول بالنسبة إلى كل من الموفى والمحال له ، فلا تزال هناك فروق هامة بين الاثنين ، ترجع فى اساسها إلى أن الموفى صديق يسدى يداً لا يقصد من ورائها كسباً ، أما المحال له فمضارب يبغى الكسب . ونذكر من هذه الفروق ما يأتى :
أولا – يرجع الموفى على المدين بمقدار ما دفع من ماله وفاء للدين ، فلو أنه 709 دفع مبلغاً أقل من قيمة الدين فإنه لا يرجع على المدين غلا بهذا المبلغ الأقل ، وقد تقدم بيان ذلك . أما المحال له فلو اشترى الحق بأقل من قيمته –ويقع ذلك غالباً – فإنه يرجع على المدين بكل الحق ، إذ هو مضارب يبغى الكسب ( [141] ) .
ثانيا – إذا قام الموفى بوفاء الدين ، ثم أثبت المدين أن الدين غير موجود ، كأن كان باطلا أو كان قد انقضى ، فإن الموفى لا يرجع على الدائن بدعوى الضمان ، إذ أن الدائن لم ينقل حقاً ولكنه استوفاه ، فلا يجب عليه الضمان . وإنما يرجع الموفى فى هذه الحالة على الدائن بدعوى استرداد غير المستحق ، فقد تبين أنه وفى حقاً غير موجود فله أن يسترده . أما إذا رجع المحال له على المدين بالحق المحال به وتبين أن الحق غير موجود ، فإن المحال له يرجع بالضمان على الدائن ليعوضه كل ما فقده بسبب انعدام الحق ( [142] ) .
ثالثا – إذا قام الموفى بوفاء الدين وفاء جزئياً وأراد الرجوع بدعوى الحلول على المدين ، فقد راينا أن الدائن يتقدم عليه فيستوفى الجزء الباقى من حقه أولا ، ثم يأخذ الموفى ما بقى بعد ذلك وقد لا يكون كافياً للوفاء بما دفع . أما المحال له فإذا كان قد اشترى جزءاً من الحق وأراد الرجوع به على المدين ، فإن الدائن لا يتقدم عليه ، بل يتعادل معه ويتقاسمان مال المدين قسمة غرماء .
رابعا – وقد رأينا أن الموفى إذا قام بوفاء جزء من الحق ، وقام شخص آخر بوفاء الباقى ، فإن الموفى الأول والموفى الثانى يتعادلان فى رجوعهما على المدين ، ويتقاسمان ماله قسمة الغرماء ( م 330 / 2 مدنى ) . أما إذا كان 710 الدائن ، بعد أن استوفى من الموفى جزءاً من حقه ، حول الجزء الباقى إلى محال له ، فإن هذا الجزء الباقى فى انتقاله للمحال له يبقى محتفظاً بميزة التقدم ، فيتقدم المحال له على الموفى .
( [1] ) والوفاء والتنفيذ العينى للالتزام هما فى الواقع شىء واحد ، وقد عمدت بعض التقنينات الحديثة ، كتقنين الالتزامات السويسرى وتقنين الالتزامات البولونى ، إلى عدم الفصل بينهما وإدماجهما جميعا فى مكان واحد . ولكن جرت التقاليد على أن يقسم هذا الموضوع قسمين ، فما يتعلق بكيفية التنفيذ العيني يذكر في آثار الالتزام ، وما يتعلق بالتنفيذ باعتباره سبباً لانقضاء الالتزام – ويتناول ذلك تعيين من يقوم بالوفاء ولمن يكون الوفاء وما هو محل الوفاء – يذكر فى أسباب انقضاء الالتزام . وقد نزل التقنين المدني الجديد على هذا التقاليد . وبعض الفقهاء يعالجون الوفاء فى باب تنفيذ الالتزام ( أنظر على سبيل المثال بيدان ولاجارد 8 فقرة 459 ) .
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد : ” جرى المشروع على التقليد اللاتيني ، فعزل الأحكام المتعلقة بالوفاء عن الأحكام المتعلقة بآثار الالتزام ، مع ما بين هذه وتلك من وثيق الصلات فى نواح عدة . وقد بلغ من أمر هذه الصلات أن عمد بعض التقنينات ، كالتقنين السويسرى والتقنين البولونى ، إلى الخروج على ذلك التقليد وجمع هاتين الطائفتين من الأحكام تحت عنوان مشترك هو تنفيذ الالتزمات . على أن اختيار مذهب الفصل قد اقتضى المشروع عناية خاصة لتجنب التكرار ، حيث لا يؤمن توقيه إزاء ما بين هذه الأحكام جميعاً من قوة الارتباط ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 166 – ص 167 )
( [2] ) ويشير بيدان ولاجارد إلى أن فكرة الاتفاق بين الدائن والمدين على الوفاء تختفي عادة تحت ستار عمل مادي هو تسلم الدائن من المدين ما يوفي هذا به الدين . على ان فكرة الاتفاق هذه تبرز إذا وقع نزاع بين الطرفين على صحة الوفاء . وتسلم الدائن ما يعطيه المدين وفاء لدينه هو قبول لهذا الوفاء ، ومن شأنه أن ينقل عبء الإثبات من المدين إلى الدائن . فقبل هذا التسلم كان المدين هو المكلف بإثبات إنه عرض على الدائن وفاء صحيحاً ، ولكن بعد التسلم يكون الدائن هو المكلف بإثبات أن الوفاء الذي قبله من المدين لم يكن وفاء صحيحاً . ذلك أن قبول الدائن الوفاء عن طريق تسلمه ما أعطاه إياه المدين قرينة على أن الوفاء صحيح ، فإذا أدعى الدائن عكس ذلك فعليه هو يقع عبء الإثبات ( بيدان ولاجارد 8 فقرة 461 – 463 ) .
( [3] ) بيدان ولاجارد 8 فقرة 460 .
( [4] ) استئناف مختلفط 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 431 .
( [5] ) استئناف مختلط 26 مارس سنة 1942م 54 ص 151 – 11 مارس سنة 1948م 60ص84 .
( [6] ) والوفاء يفترض وجود دين سابق يوفي به ، فسبب الوفاء إذن مفروض . وإذا ادعى الموفي إنه لم يكن يوجد دين سابق وأن الوفاء كان عن غلط وقع فيه ، فعليه هو إثبات ذلك ( بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1540 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1149 ) .
( [7] ) انظر الوسيط جزء أول فقرة 338 .
( [8] ) أنظر الجزء الثاني من الوسيط .
( [9] ) استئناف مختلط 13 نوفمبر سنة 1889م 1 ص 319 .
( [10] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 486 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : ” 1 – لمن قام بالوفاء أن يطلب مخالصة بما وفاه مع التأشير على سند الدين بحصول هذا الوفاء ، ويكون كل ذلك على نفقته . فإذا انقضي الدين كله ، كان له أن يطلب رد سند الدين أو إلغاءه ، فان كان السند قد ضاع ، كان له أن يطلب من الدائن إقراراً كتابياً بضياع السند . ويجب أن يكون توقيع الدائن على الإقرار مصدقا عليه ، وتكون نفقة التصديق على الدائن . 2 – فإذا رفض القيام بما فرضته عليه الفقرة السابقة ، جاز للمدين أن يودع الشىء المستحق إيداعاً قضائياً ” . وفى لجنة المراجعة حذفت عبارة ” ويكون كل ذلك على نفقته ” الواردة فى الفقرة الأولى اكتفاء بالحكم الوارد فى المادة السابقة الذي يقضي بأن تكون نفقات الوفاء على المدين ، وأصبح رقم المادة 361 فى المشروع النهائى . ووافق عليها مجلس النواب . وفى لجنة مجلس الشيوخ حذف من آخر الفقرة الأولى عبارة ” ويجب أن يكون توقيعه على الإقرار مصدقا عليه ، وتكون نفقة التصديق على الدائن ” لأنها قد تصرف الذهن إلى أن عدم التصديق يسقط حجية الإقرار ، فضلا عما ينشأ عن بقائها من حرج وإشكالات فى المعاملات ، وأصبح رقم المادة 349 . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما عدلته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 231 – ص 233 ) .
ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص لاتفاقه مع القواعد لعامة .
ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 347 ( مطابقة للمادة 349 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى الليبى م 336 ( مطابقة لمادة 349 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدني العراقي : لا مقابل فيه ، ولكن يمكن العمل بهذا الحكم فى العراق لاتفاقه مع القواعد العامة ( انظر الأستاذ حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدني العراقي فقرة 301 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 305 : يثبت الإيفاء عادة بسند الإيصال الذي يعطيه الدائن للمديون ، وهو مثبت لتاريخه بنفسه بالنظر إلى المتعاقدين أنفسهم . وإذا لم يكن هناك سند إيصال فيمكن استخراج البينة إما من قيود سجلات الدائن وأوراقه البيتية ، وإما من القيود التى كتبها الدائن ذيلا أو هامشاً على سند الدين .
م 306 : يحق للمديون الذي قام بالإيفاء التام أن يطلب ، علاوة على سند الإيصال ، تسليم السند نفسه إليه أو إتلافه . أما إذا كان الإيفاء جزئياً فيمكنه أن يطلب ، علاوة على سند الإيصال ، ذكر ما دفعه على سند الدين المحفوظ عند الدائن .
( [11] ) انظر الجزء الثانى من الوسيط .
( [12] ) انظر تاريخ نص المادة 349 فى نفس الفقرة فى الهامش .
( [13] ) وقد كان المشروع التمهيدى يشتمل على نص يقضي بأن يكون الإقرار مصدقاً عليه وبأن تكون نفقة التصديق على الدائن ، ولكن لجنة مجلس الشيوخ حذفت هذا النص ، حتى لا ينصرف الذهن إلى أن عدم التصديق يسقط حجية الإقرار ، ولتجنب تعقيد الإجراءات ( أنظر تاريخ نص المادة 349 في نفس الفقرة في الهامش ) .
( [14] ) بلانيول وريبر وردوان 7 فقرة 1201 .
( [15] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 232 ، والمادة 88 من تقنين الالتزامات السويسرى .
وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا فسرت محكمة الموضوع كلمة ” مناولة ” الواردة فى وصول بأنها لا تقطع بأن الموفي دفع الدين من ماله الخاص ، فإنها لا تكون قد انحرفت عن المعني الذي تؤديه هذه العبارة ولم تخطئ في تطبيق القانون إذا هي أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن المبلغ قد دفع من مال المتمسك بهذا الوصول ( نقص مدي 28 أكتوبر سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 3 ص 45 ) .
وقضت أيضا بأنه إذا كان المدعى عليه يستند فى إثبات براءة ذمته من الدين لا إلى تصرف قانوني بل إلى واقعة مادية هى استيلاء المؤجر على الزراعة التى كانت قائمة بالعين المؤجرة ، وأن قيمة ما استولى عليه يزيد على قيمة الإيجار المطالب به ، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هى أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذه الواقعة ، حتى لو كان الإيجار الذي يتمسك المستأجر ببراءة ذمته منه يزيد على نصاب البينة ( نقص مدني 28 أكتوبر سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 4 ص 55 ) .
والمخالصة بقسط متأخر قرينة الوفاء بالأقساط المتقدمة على هذا القسط ، إلا إذا أثبت الدائن غير ذلك . وتقول المادة 587 مدني فى هذا المعنى إن ” الوفاء بقسط من الأجرة قرينة الوفاء بالأقساط السابقة على هذا القسط ، حتى يقوم الدليل على العكس ” ( استئناف مختلط 28 مايو سنة 1891 م 3 ص 360 ) . وتسليم سند الدين للمدين قرينة على الوفاء بالدين ، إلا إذا أثبت الدائن غير ذلك ( استئناف مختلط 25 أبريل سنة 1894م 6ص 247 – 13 فبراير سنة 1896م 8 ص 117 ) .
( [16] ) أنظر ما يقارب هذا المعنى فى بيدان ولاجارد 8 فقرة 460 .
( [17] ) قارب دى باج 3 فقرة 396 – وقارن الأستاذ عبد الحي حجازى 3 ص 8 – ص11 .
( [18] ) ولم يستحدث التقنين المدني الجديد شيئا كثيراً فى الوفاء عما كان عليه التقنين المدني السابق ، فيما خلا أن التقنين المدني الجديد قد ضبط حدود بعض الأحكام ، كما فعل في النصوص الخاصة بتعيين من يصح الوفاء منه والنصوص المتعلقة بالوفاء مع الحلول وما يترتب عليه من آثار وما ينشأ فى شأنه من تزاحم . كذلك عرض التقنين الجديد للقواعد الموضوعية المتعلقة بالعرض الحقيقي والإيداع ، وترك الإجراءات الشكلية لتقنين المرافعات ( أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 167 – ص 168 ) .
( [19] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 460 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 337 من المشروع النهائي ، فمجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 325 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 174 – 175 ) .
( [20] ) التقنين المدني السابق م165 / 228 : يشترط لصحة الوفاء أن يكون المدين أهلا للتصرف والدائن أهلا للقبول .
م166 / 229 : ومع ذلك يزول الدين بدفعه ممن ليس أهلا للتصرف إذا كان مستحقاً عليه ولم يعد عليه ضرر من دفعه – ( وتتفق أحكام التقنين المدني السابق مع أحكام التقنين المدني الجديد ) .
( [21] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السورى م324 ( مطابقة للمادة 325 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني الليبى م312 ( مطابقة للمادة 325 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني العراقي م376 : يشترط لنفاذ وفاء الدين والبراءة منه أن يكون الدافع مالكا لما دفعه ، فإن استحق بالبينة وأخذه صاحبه أو هلك وأخذ بدله ، فللدائن الرجوع بدينه على غريمه .
م377 : إذا كان المدين صغيراً مميزاً ، أو كبيراً معتوهاً ، أو محجوراً عليه لسفه أو غفلة ، ودفع الدين الذي عليه ، صح دفعه ما لم يلحق الوفاء ضررا بالموفي .
م378 : لا يصح للمدين أن يوفي دين أحد غرمائه فى مرض موته إذا أدى إلى الإضرار ببقية الدائنين .
( وهذه النصوص تتفق فى أحكامها مع أحكام التقنين المصري . وصياغتها تساير الفقه الإسلامي كما هو ظاهر . وقد جاء فى المادة 376 أن المدفوع إذا استحق بالبينة كان للدائن الرجوع بدينه على المدين ، تحرزاً من أن يكون المدفوع قد استحق بإقرار الدائن فلا رجوع له فى هذه الحالة لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر . وجاء فى المادة 378 أن المدين إذا وفى ديناً وهو فى مرض موته ، وكان ماله لا يسع الوفاء بجميع ديونه ، فأدى الوفاء بالدين إلى الإضرار ببقية الدائنين ، فإن الوفاء لا يصح . وليس ذلك إلا تطبيقا للفقه الإسلامي في تصرفات المريض مرض الموت . وهذا الحكم يصح تطبيقه في مصر على أساس أن الوفاء في هذه الحالة تصرف صدر من مدين معسر ، ما دام الوفاء قد أدى إلى الاضرار ببقية الدائنين ، فلا يسري في حقهم إذا كان قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفى حقه ( م242 / 2 مدني ) . أنظر الأستاذ حسن الذنون في أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي فقرة 283 . وهو يذهب إلى أن هناك تعارضاً بين القول بصحة الوفاء الصادر من ناقص الأهلية إذا لم يلحق به ضرراً والقول بأن تصرفات ناقص الأهلية موقوفة على الإجازة . ونري أن هذا التعارض – إن وجد – لا يجوز أن يمنع المشرع من تصحيح الوفاء الصادر من ناقص الأهلية ما دام هذا التصرف لم يلحق به ضرراً ، فهو فى هذه الحالة تصرف نافع إذ قضى الدين الذى في ذمته ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني : لا مقابل فيه . ولكن نص التقنين المصر ليس إلا تطبيقا للقواعد العامة ، فيصح تطبيق حكمه فى لبنان دون حاجة إلى نص .
( [22] ) أوبرى ورو 4 فقرة 316 ص 223 – ديمولومب 27 فقرة 86 – هيك 8 فقرة 14 – لوران 17 فقرة 493 .
( [23] ) وقد ورد فى بيع ملك الغير نص يقضى بأن يكون قابلا للإبطال ، وكذلك الوفاء بملك الغير فإن نص المادة 32 مدني يقضى بعدم صحته ، وتكييف عدم الصحة هنا هو القابلية للإبطال .
( [24] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 175 .
( [25] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1412 وفقرة 1413 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقـرة 1152 .
( [26] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1411 .
( [27] ) ويضطرب الفقه فى تكييف هذه الدعوى التى يسترد بها المدين الشىء من الدائن . فهى ليست بدعوى استحقاق ، لأن المدين ليس مالكاً للشىء . وهى ليست بدعوى استرداد غير المستحق لأن الدائن عندما تسلم الشىء من المدين كان دائناً له فعلا . وقد ذهب البعض إلى أن المدين يتمسك ببطلان الوفاء كما يتمسك به الدائن نفسه ( بودرى وبارد 2 فقرة 1409 ) ، ولكن الوفاء إنما هو قابل للإبطال لمصلحة الدائن لا لمصلحة المدين ، فالذي يتمسك ببطلانه هو الدائن دون المدين . وذهب بعض آخر إلى أن هذه دعوى من طبيعة خاصة ، تقوم على أساس مصلحة المدين فى وضع حد لوفاء غير صحيح قام به فأصبح مسئولا عن رد الشىء إلى صاحبه ، وهو يتعجل استرداد الشىء حتى يتمكن من رده ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1152 ص 553 – وقارن بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1545 ص 512 ) .
ويبدو أن استرداد المدين الشىء من الدائن إنما هو محض تصحيح للوفاء غير الصحيح الذى قام به من قبل . وقد رأينا أن المدين لا يستطيع أن يسترد الشىء من الدائن قبل أن يسلمه بدلا منه شيئا معادلا له تماماً ، حتى لو أن الشىء الذى كان قد وفى به أولا أعلى من الصنف المتوسط الذي كان يحق له أن يختاره لم يستطع أن يسترد هذا الشىء إلا بعد أن يسلم للدائن شيئاً من نفس الصنف الأعلى لا من الصنف المتوسط ، وحتى لو كان الالتزام تخييريا واختار المدين أحد الشيئين لم يستطع استرداده إلا بعد أن يسلم للدائن شيئا معادلا له تماما دون الشىء الآخر ( انظر في هذا المعني ديمولومب 27 فقرة 102 – بودرى وبارد 2 فقرة 1418 ) . فاذا كان الدائن يتسلم شيئا معادلا تماماً للشىء الذي أخذه ، فليست له أية مصلحة فى منع المدين من تصحيح العمل الخاطئ الذى قام به ، فيجب
( [28] ) بودى وبارد 2 فقرة 1421 .
( [29] ) ماركاديه 4 فقرة 684 – ديمولومب 27 فقرة 96 – لوران 17 فقرة 497 – هيك 8 فقرة 15 – بودرى وبارد 2 فقرة 1416 – عكس ذلك ديرانتون 12 فقرة 32 .
( [30] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1408 .
( [31] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 175 – ويلاحظ انه قد ورد فى المذكرة الإيضاحية فى هذا الصدد مثل ما إذا عجل المدين الوفاء وأراد أن يسترد لينتفع بفسحة الأجل ، وهذا مثل لا يحتاج فيه إلى أن يكون الموفى ناقص الأهلية فحتى لو كان كامل الأهلية ووفى الدين قبل الأجل فإنه يستطيع الاسترداد ( م 183 / 1 مدنى ) .
( [32] ) وهذا ما تنص عليه المادة 1238 من التقنين المدنى الفرنسى : ” 1 – حتى يكون الوفاء صحيحاً ، يجب أن يكون الموفى مالكاً للشىء الموفى به وأهلا للتصرف فيه . 2 – ومع ذلك فالوفاء بمبلغ من النقود أو بشىء يستهلك بالاستعمال لا يسترد من الدائن إذا كان قد استهلكه بحسن نية ولو كان الوفاء بالشىء قد وقع من غير مالكه أو من شخص غير أهل للتصرف فيه ” . وننقل الأصل الفرنسى فيما يأتى :
Art :1238 : pour payer valablement, il faut être propriétaire de la chose donnée en paiement, et capable de l’aliéner . 2 . Neamoins le paiement d’une somme d’argent ou autre chose qui se consomme par l’usage, ne peut être répète contre le créancier qui l’a consommée de bonne foi, quoique le paiement en ait été fait par celui qui n’en était pas propriétaire ou qui n’était pas capable de l’aliéner .
( [33] ) انظر ديمولومب 27 فقرة 131 – لوردان 17 فقرة 509 – بودرى وبارد 2 فقرة 1431 .
( [34] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 458 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدني الجديد . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 335 من المشروع النهائى . وفى لجنة الشؤون التشريعية لمجلس النواب حذفت عبارة ” من الغير ” الواردة فى آخر الفقرة الثانية بسبب ” أن الدائن لا يستطيع أن يرفض الوفاء من الغير إذا كانت له مصلحة فى القيام بهذا الوفاء ” ، ووافق مجلس النواب على النص كما عدلته لجنته . وفى لجنة مجلس الشيوخ أعيدت عبارة ” من الغير ” ، لأن المقصود ” بالغير ” هنا شخص لا مصلحة له فى الوفاء كما هو مفهوم من سياق الفقرة الثانية ، ووافق مجلس الشيوخ على النص كما عدلته لجنته تحت رقم 323 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 169 – ص177 ) .
( [35] ) التقنين المدني السابق م 159 / 222 : لا يجوز الوفاء إلا من المتعهد ما دام يظهر من كيفية التعهد أن مصلحة المتعهد له تستدعى ذلك .
م 160 / 223 : إذا كان المتعهد به عبارة عن مبلغ من النقود ، فيجوز وفاؤه من شخص أجنبى ولو على غير رغبة الدائن ، أو المدين . ( والحكم واحد فى التقنين السابق والجديد ، ولو أن عبارات التقنين السابق والجديد ، ولو أن عبارات التقنين السابق لا تخلو من الاضطراب وليست فى وضوح التقنين الجديد ) .
( [36] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 322 ( مطابقة للمادة 323 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدني الليبى م310 ( مطابقة للمادة 323 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى م 375 : 1 – ينصح وفاء الدين من المدين أو نائبه ، ويصح وفاؤه من أى شخص آخر له مصلحة فى الوفاء كالكفيل والمدين المتضامن ، مع مراعاة ماجاء بالمادة 250 .
2 – ويصح أيضا وفاء الدين من أجنبى لا مصلحة له فى الوفاء بأمر المدين أو بغير أمره ، على إنه يجوز للدائن أن يرفض الوفاء من الغير إذا اعترض المدين على ذلك وأبلغ الدائن هذا الاعتراض . ( ويتفق حكم التقنين العراقي مع حكم التقنين المصرى ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م292 : يجب على المديون أن ينفذ بنفسه الموجب حينما يستفاد من نص العقد أو من ماهية الدين أن من الواجب عليه أن يقوم هو نفسه بالتنفيذ . أما فى غير هذه الأحوال فيصح أن يقوم بالتنفيذ أى شخص كان عن غير علم من المديون وبدون أن يحق للدائن الاعتراض على هذا التدخل .
( ويتفق حكم التقنين اللبنانى مع حكم التقنين المصرى ) .
( [37] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 169 .
( [38] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأنه إذا دفع الخادم دين مخدومه يفترض أنه دفعه من مال المخدوم الذى تحت يده أو فى تصرفه حتى يثبت خلاف ذلك ( 25 مارس سنة 1890 الحقوق 15 ص 106 ) .
( [39] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1150 .
( [40] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1150 ص 552 هامش رقم 1 .
( [41] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 170 – وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأنه إذا دفع الخصم المحكوم لصالحه مصروفات الدعوى حتى يحصل على صورة الحكم الصادر لصالحه ، حل قانوناً محل قلم الكتاب ، وأصبح له القلم الكتاب من الحقوق ضد المدعى عليه بشأن المصروفات ( 6 مايو سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 105 ص202 ) .
( [42] ) ولا يكون للأجنبى الذى وفى الدين ، فى هذه الحالة ، أن يحل محل الدائن حلولا قانونياً فى الرجوع على المدين . وإنما يجوز له الحلول الاتفاق كما سنرى ، إما باتفاق مع الدائن وإما باتفاق مع المدين ( انظر دى باج 3 فقرة 406 ص 381 ) .
( [43] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 170 .
هذا ويجب على الأجنبى أن يعرض وفاء الدين دون أن يقيد عرضه بأى شرط . وقد قضت محكمة مصر الوطنية بأن العرض الحاصل من غير المشترى على البائع بوفاء الثمن غير مقبول قانوناً ، إذا قيد الأجنبى عرضه بشروط تقضى على البائع أن يقبل التعاقد مع آخرين . ولا عبرة يتمسك المشترى ومن معه بأنه يجوز لشخص أجنبى أن يدفع عن المدين ولو على غير رغبة الدائن ، لأن هذا لا يصح إلا إذا كان العرض حاصلا بدون قيد ولا شرط ( 10 مارس سنة 1904 الاستقلال 2 ص 54 ) . كذلك لا يجوز للأجنبى أن يجعل الوفاء عن طريق المقاصة بين الدين وحق له فى ذمة الدائن ، فإن المقاصة لا تكون إلا فى دينين متقابلين ( استئناف مختلط 11 فبراير سنة 1903م 15 ص 136 – وقارن 12 مايو سنة 1914م 26 ص 382 ) .
( [44] ) وغنى عن البيان أنه لا يريد أن يسبق ذلك وفاء الدين وفاء مبرئا للذمة ( استئناف مختلط 14 يونيه سنة 1911م 23 ص 362 ) .
( [45] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 459 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، ما عدا أن المشروع التمهيدى لم يكن يتضمن عبارة ” بقدر ما دفعه ” الواردة فى آخر الفقرة الأولى . وفى لجنة المراجعة أضيفت هذه العبارة ، وأصبحت المادة رقمها 336 فى المشروع النهائى . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 324 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 172 – ص 173 ) .
( [46] ) التقنين المدني السابق : م161 / 224 : من دفع دين شخص فله حق الرجوع عليه بقدر ما دفعه ومطالبته بناء على ما حصل له من منفعة بسداد الدين .
م163 / 226 : إذا دفع إنسان دين آخر بغير إرادته ثم رجع عليه ، فللمدين المذكور الحق فى عدم قبول ما دفع عنه كله أو بعضه إذا أثبت أن مصلحته كانت تقتضى امتناعه عن الدفع للدائن الأصلى .
( والحكم واحد فى التقنين السابق والجديد كما نرى ) .
( [47] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدنى السورى : م 323 ( مطابقة للمادة 324 من التقنين المدني المصري ) .
التقنين المدني الليبى : م311 ( مطابقة للمادة 324 من التقنين المدني المصري ) .
فى التقنين العراقي لا يكون إلا بدعوى الإثراء بلا سبب ، ما لم يكن الموفى مأموراً من المدين بوفاء الدين فيرجع عليه بدعوى الوكالة ويكون نائباً عنه فى الوفاء بالدين . أما الرجوع بدعوى الفضالة فلا يجوز ، لأن التقنين العراقي لم يجعل الفضالة مصدراً للالتزام متأثراً فى ذلك بالفقه الإسلامي .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى : لا مقابل فيه للنص – ولكن نص التقنين المصرى ليس إلا تطبيقا للقواعد العامة ، فيمكن الأخذ به فى لبنان دون نص .
( [48] ) استئناف وطنى 23 فبراير سنة 1925 المحاماة 5 رقم 429 ص 515 .
( [49] ) بلا نيول وريبير وردوان 7 فقرة 1219 .
( [50] ) وكذلك إذا كان الغير قد وفى الدين قبل وفاء المدين له ، ولكن لم يخطر المدين بهذا الوفاء فوفى المدين الدين مرة أخرى ، فلا رجوع للموفى على المدين لأن المدين لم يفد شيئاً من هذا الوفاء ، وإنما يرجع الموفى على الدائن ليسترد منه ما أخذ دون حق ( بوردى وبارد 2 فقرة 1400 ) .
( [51] ) بل إن الدين إذا كان لم يسقط بعد بالتقادم ، ولكن بقيت مدة قليلة لتمام التقادم بحيث لو لم يوف الغير الدين لا نقضت هذه المدة ولسقط الدين بالتقادم ، فان المدين يستطيع أن يتمسك بهذا الدفع إذا رجع الموفى عليه ، لأنه لولا وفاء الغير للدين لسقط بالتقادم ، فكأن المدين لم يفد شيئاً من الوفاء ( أنظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقرة 1399 ص 505 ) .
( [52] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 172 – ولكن يجب أن يكون الاعتراض الذي يقيمه المدين اعتراضاً جدياً . فاذا كان المبلغ المدفوع صادراً به أحكام نهائية ومأخوذاً به اختصاص على عقار المحكوم عليه ، لم يلتفت إلى قول المدين من أنه ينازع المدفوع إليه فى مقدار الدين أمام محكمة أخرى ( استئناف أهلى 22 نوفمبر سنة 1984 الحقوق 9 ص 344 ) . وللمدين أن يدفع مطالبة الغير بما كان يدفع به مطالبة الدائن ( استئناف مختلط 24 ديسمبر سنة 1902م 15 ص75 ) . وإذا دفع الغير دينا على تركة ، رجع على الورثة فى حدود أموال التركة ( استئناف مختلط 13 يناير سنة 1903م 16 ص 89 ) .
( [53] ) وترجع دعوى الحلول فى أصلها إلى القانون الروماني . فقد كان هذا القانون يقضى بأن ينزل الدائن عن دعواه لمن يوفيه حقه فى حالات كثيرة ، فإذا رفض النزول عن دعواه كان لمن وفى له حقه أن يواجهه بدفع فى خصوص ذلك ( cedendarum actionum ) ، بل كان يفترض فى بعض الحالات أن النزول عن الدعوى قد تم فعلا . وكان القانون الرومانى ، من جهة أخرى ، يجعل لمن يوفى ديناً مضموناً برهن الحق فى أن يخلف الدائن فى هذا الرهن ( successio in locum creditioris ) ، أو فى مرتبته ( جيرار طبعة ثالثة ص 754 – ص 757 – ص 776 هوامش 2و 5و 6و 7 ) .
وحلول الموفى محل الدائن نافع من كل الوجوه . فهو نافع للموفى ، إذ ييسر له سبيلا ممهدا للرجوع بحقه ، ويهيئ له أسباباً لاستغلال ماله . وهو نافع للدائن ، إذ يستطيع بفضل الحلول أن يجد من يوفى له حقه فى وقت يكون المدين فيه غير قادر على الوفاء . وهو نافع للمدين ، إذ يتوفى أن يعجل الدائن بالتنفيذ شده ، ويغلب أن يتمكن من استمهال الدائن الجديد الذي وفى الدين . ثم إن الحلول لايضر أحداً ، فإن الدائن الجديد لم يزد على أن حل محل الدائن القديم ، فلا يتأذى من ذلك الدائنون الآخرون ولا الكفلاء ، إذ لم يتغير عليهم من الدائن غير اسمه ( أنظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقرة 1516 ص 616 – ص 617 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1219 ص 626 – ص 627 )
( [54] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 461 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لا استقر عليه فى التقنين المدني الجديد . ووافق عليه لجنة المراجعة تحت رقم 338 فى المشروع النهائي ، ثم وافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 326 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 177 – ص 179 ) .
( [55] ) التقنين المدنى السابق م162 / 225 : التأمينات التى كانت على الدين الأصلى تكون تأميناً لمن دفعه فى الأحوال الآتية فقط : أولا . . . ثانياً – إذا كان الدافع ملزماً بالدين مع المدين أو بوفائه عنه . ثالثاً – إذا كان الدافع دائنا ووفى لدائن آخر مقدم عليه بحق الامتياز أو الرهن العقارى ، أو أدى ثمن عقار اشتراه للدائنين المرتهنين لذلك العقار . رابعاً – إذا كان القانون مصرحاً بحلول من دفع الدين محل الدائن الأصلى .
( ومن هذا يتبين أن أحوال الحلول القانونى فى التقنين المدني السابق هى نفس أحواله فى التقنين المدنى الجديد . ويبدو من عبارات التقنين السابق أن هذا التقنين يعتبر الدين الذى وفى قد انقضى ، فيرجع الموفى بدين جديد تنتقل إليه تأمينات الدين القديم . أما فى التقنين الجديد ، فواضح أن الرجوع يكون بنفس الدين وتأميناته ودفوعه ، كما سنرى ) .
( [56] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السورى : م 325 ( مطابقة للمادة 326 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى الليبى : م 313 ( مطابقة للمادة 326 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى : م 379 ( مطابقة للمادة 326 من التقنين المدنى المصرى ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى : م310 يكون الإيفاء مسقطا للمدين إسقاطاً مطلقا نهائيا بالنظر إلى جميع أصحاب الشأن . ويجود أن يكون الإيفاء مقتصراً على نقل الدين إذا كان مقترناً باستبدال ، فيقدر عندئذ أن الدين موفى كله أو بعضه من قبل شخص لا يجب أن يحمل كل العبء بوجه نهائى ، فيحل محل الدائن الذى استوفى حقه ليتمكن من الرجوع على المديون الأصلى أو على الشركاء فى الموجب .
م311 : إن الاستبدال يكون إما بمقتضى القانون وإما بمشيئة الدائن أو المديون
م 312 : يكون الاستبدال قانونياً فى الأحوال الآتية : أولا – لمصلحة الدائن العادى والمرتهن أو صاحب التأمين الذى يوفى حقوق دائن آخر له حق الأولوية عليه . غير أن الاستبدال فيما يختص بالحقوق الخاضعة للقيد فى السجل العقارى لا يكون له مفعولا إلا بعد إتمام هذا القيد . ثانيا – لمصلحة الملزم بالإيفاء مع الآخرين ( كما فى الموجبات المتضامنة أو غير المتجزئة ) أو الملزم بالإيفاء من أجل آخرين ( كالكفيل أو الشخص الثالث محرز العقار المرهون ) إذا أجبر على الإيفاء أو كان الإيفاء من مصلحته . ثالثاً – لمصلحة الوارث الذى أوفى من ماله ديون التركة .
( وأحوال الحلول القانونى فى التقنين اللبنانى مماثلة لأحواله فى التقنين المصرى ، فيما عدا حالة الوارث ) .
( [57] ) وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى خصوص المادة 326 مدنى ما يأتى : ” استفى المشروع هذا النص من المادة 162 / 225 من التقنين الحالى ( السابق ) مع تعديل صياغتها تعديلا استلهم فيه على وجه الخصوص عبارة المادة 185 من المشروع الفرنسى الايطالى . بيد أنه شذ عن مذهب هذا التقنين فى التفريق بين الحلول القانونى وهو ما يقع بحكم القانون والحلول الاتفاقى وهو ما يقع برضاء الدائن . وقد نقلت أحوال الحلول القانونى جميعا عن التقنين القائم ، وهو يورد منها ما جرت سائر التقنينات على إيراد ( أنظر المدة 1251 من التقني الفرنسى والمادة 183 من المشروع الفرنسى الإيطالى والمادة 312 من التقنين اللبنانى ، ومطابق لمعنى النص المادة 1210 من التقنين الأسبانى والمدة 779 من التقنين البرتغالى والمادة 110 من تقنين الالتزامات السويسرى والمادة 985 من التقنين البرازيلى ، وتتكلم المادة 268 من التقنين الألمانى عن انتقال الحق أو تحويله لا عن الحلول ) . ويراعى أن الموفى ، فى جميع أحوال الحلول القانونى ، يكون غيراً له مصلحة فى الوفاء بالدين . فله ، والحال هذه ، أن يوفى رغم إرادة المدين والدائن على حد سواء ، وبذلك يتم له الحلول بحكم القانون محل الدائن الذى استوفى حقه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3ص 178 ) .
( [58] ) حتى لو كان المدين الذى تضامن معه أبرئ من التضامن ومع ذلك رجع الدائن على المدين المتضامن بكل الدين ( استئناف مختلط 30 ديسمبر سنة 1909 م 22 ص 75 ) .0
( [59] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 178 – وإذا دفع وارث ديناً على التركه ، حل محل الدائن فى الرجوع على بقية الورثة ( استئناف مختلط 14 نوفمبر سنة 1946 م 59 ص 27 ) .
( [60] ) وقد جاء فى الموجز للمؤلف : ” والكفيل ، سواء كان كفيلا شخصياً أو عينياً ، وسواء كان الكفيل الشخصى متضامناً مع المدين أو غير متضامن ، يحل محل الدائن إذا وفى له الدين . فإذا كان الكفيل كفيلا شخصياً متضامناً مع المدين ، ودفع الدين عنه ، فإنه يرجع عليه بكل ما دفعه ، ويحل فى هذا الرجوع محل الدائن فى كل ماله من تأمينات . وكذلك الأمر لو كان الكفيل الشخصى غير متضامن مع المدين . غير أنه يلاحظ فى الحالتين أن الكفيل إذا حل محل الدائن فى الرجوع على كفلاء آخرين ، فإنه لا يرجع على كل كفيل إلا بقدر حصته من الدين بمقتضى حق التقسيم . وإذا كان الكفيل كفيلاً عينياً ، ودفع الدين عن المدين ، فإنه يرجع على المدين بكل ما دفعه ، ويحل محل الدائن فيما له من تأمينات . فإذا كانت هذه التأمينات كفيلاً شخصياً ، رجع الكفيل العينى على الكفيل الشخصى بقدر حصة هذا الأخير ، ويقسم الدين بينهما على أساس أن الكفيل الشخصى قد كفل الدين وأن الكفيل العينى قد كفل الدين بقدر قيمة العين التى قدمها رهناً ، فيكون تقسيم الدين بينهما بهذه النسبة . فلو كان الدين ثلثمائة ، وضمن الكفيل الشخصى كل الدين ، وقدم الكفيل عيناً قيمتها مائة ، فإن الدين يقسم بين الكفيلين بنسبة ثلثمائة ( قدر ما ضمنه الكفيل الشخصى ) إلى مائة ( قدر ما ضمنه الكفيل العينى ) ، فتكون حصة الكفيل الشخصى مائتين وخمسة وعشرين وتكون حصة الكفيل العينى خمسة وسبعين . وإذا كانت التأمينات كفيلا عينياً آخر ، قسم الدين بينهما بنسبة قيمة ما قدمه كل منهما ضماناً للدين ” ( الموجز فقرة 556 ) .
( [61] ) وقد كشف العمل عن أمثلة أخرى يكون فيها الموفى ملزماً بالدين فيحل محل الدائن ، ويرجع بدعوى الحلول على المدين . من ذلك شركة التأمين عن الإصابات ، فهى مسئولة عن تعويض المصاب ، فإذا وفته التعويض حلت محله فى الرجوع على المسئول عن الإصابة . ومن ذلك الوكيل بالعمولة ، إذا وفى من ماله ثمن البضاعة التى اشتراها لعميله ، حل محل البائع الذى وفاه حقه فى الرجوع بالثمن على هذا العميل . ومن ذلك من يقوم بتخليص البضائع من ” الجمرك ” إذا دفع الرسوم المستحقة ، حل محل مصلحة الجمارك فى الرجوع بهذه الرسوم على صاحب البضاعة ( انظر فى ذلك بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1228 ص634 ) .
أما إذا كان الموفى غير ملزم بالدين ووفاه ، لم يكن من حقه الرجوع بدعوى الحلول . فالمولى أو الوصى أو القيم ، إذا وفى دين الصغير أو المحجور ، لم يحل محل الدائن فى الرجوع عليه ، ومن تعهد عن الغير وأقر الغير تعهده ، إذا وفى قيمة هذا التعهد للدائن ، لم يحل محله فى الرجوع على الغير ، لأن المتعهد بعد إقرار الغير لم يعد ملزماً بالتعهد ( انظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقرة 1560 إلى فقرة 1560 مكررة ثانيا ) .
هذا وإذا دفع أحد المدينين المتضامنين الدين كله ، كان له أن يوجه دعوى الحلول إلى المدينين المتضامنين الآخرين وإلى الدائنين المرتهنين المتأخرين فى المرتبة عن الدائن الذى وفى حقه ( استئناف مختلط 30 مايو سنة 1929م 41 ص 419 ) .
( [62] ) وليس من الضرورى أن يكون للدائنين مدين واحد ، بل يكفى أن يكون كل من الدائنين له تأمين عينى على نفس العقار وأحدهما متقدم على الآخر ، فيصح أن يكون صاحب العقار مديناً لاحدهما وقد رهن له عقاره وكفيلا عينياً للدائن الآخر ، كما يكفى أن يكون صاحب العقار كفيلا عينياً لكل من الدائنين ( بودرى وبارد 2 فقرة 1543 مكررة ) .
هذا وإذا كانت العين قد بيعت لشخصين ، ودفع أحدهما حصته من الثمن ، وبقى امتياز البائع ضامناً للباقى من الثمن وهو حصة المشترى الآخر ، ثم بيعت العين فى المزاد للوفاء بهذه الحصة ، واستوفاه البائع من ثمن العين مما يقع فى نصيب المشترى الأول يحل فيه هذا المشترى محل البائع فى حق امتيازه ، لأنه يكون فى حكم الدائن الذى وفى دائناً مقدماً عليه ( استئناف مختلط 24 ديسمبر سنة 1913م 26 ص104 ) .
أما إذا كان العقار مرهوناً لدائنين أحدهما مقدم على الآخر ، ثم رسا مزاده عند التنفيذ على المرتهن الثانى ، فما استوفاه المرتهن الأول من ثم العقار المترتب فى ذمة المرتهن الثانى لا يعتبر مدفوعاً من المرتهن الثانى حتى يحل محل المرتهن الأول فيه ، لأن المرتهن الثانى إنما وفى المرتهن الأول ديناً ترتب فى ذمته وهو الثمن الذى رسا به المزاد عليه ( استئناف مختلط 24 أبريل سنة 1923 م 35ص 398 ) . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة فى دوائرها المجتمعة فى هذا المعنى أيضا بأنه إذا كان لدائن رهنان على عقارين ، فنفذ على أحد هذين العقارين واستوفى حقه من ثمنه ، فأضر ذلك بدائن مرتهن متأخر لنفس العقار ، فإن الدائن المتأخر لا يحل محل الدائن المتقدم فى الرهن الذى لهذا الدائن على العقار الآخر لأنه لم يوفه حقه من ماله ( 28 فبراير سنة 1920م 32 ص 381 ) .
ولكن إذا كان هناك دائنان مرتهنان أحدهما مقدم على الآخر ، وكان الدائن المتقدم له رهن على عقار آخر ، ووفى الدائن المتأخر الدائن المتقدم حقه ، فإنه يحل محل فى الرهنين معاً ، لأنه يكون قد وفى الدائن المتقدم حقه من ماله لا من ثمن العقار ( استئناف مختلط 21 فبراير سنة 1924م 36 ص 242 ) .
( [63] ) ويصح أن يوفيه جزءاً من دينه إذا قبل الموفى له هذا الوفاء الجزئى ، فيحل محله فى هذا الجزء ( أنظر فى مناقشة هذه المسألة بودرى وبارد 2 فقرة 1543 مكررة ثانية ) .
ولكن لا يجوز أن يتربص الدائن المتأخر حتى ينزع الدائن المتقدم ملكية العين المرهونة ، ويتقدم فى التوزيع فى مرتبة أعلى ، وعند ذلك يأتى الدائن المتأخر يريد أن يوفى الدائن المتقدم ليحل محله ( استئناف مختلط 18 مارس سنة 1914م 26 ص 286 – 25 مارس سنة 1914م 26 ص 294 30 ديسمبر سنة 1914م 27 ص 94 – 8 مارس سنة 1917 م 29ص 282 ) .
( [64] ) بوردى وبارد 2 فقرة 1542 مكررة ثالثا – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1230 ص 637 – ص 638 .
( [65] ) ديرانتون 12 فقرة 149 وفقرة 153 – لارومبير 4 م 1251 فقرة 5 – ديمولوب 27 فقرة 458 – فقرة 459 – لوران 18 فقرة 69 – بودرى وبارد 2 فقرة 1542 مكررة أولا – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1230 .
( [66] ) قارن بودرى وبارد 2 فقرة 1544 – وإذا كان للدائن المتأخر رهن على عين أخرى بالإضافة إلى رهنه المتأخر على العين الأولى ، فإن الدائن المتقدم – باعتباره دائناً عادياً بالنسبة إلى العين الأخرى – يعتبر دائناً متأخراً ، فله أن يوفى حق الدائن على هذه العين الأخرى ويحل محله فى الرهن إذا كانت له مصلحة فى ذلك ( انظر فى هذا المعنى الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 48 – وقارب : استئناف مختلط 25 يونيه سنة 1918م 30 ص 488 ) .
وهذا وقد يكون للدائن الموفى له حقان ، أحدهما متقدم على حق الدائن الموفى والآخر متأخر . ويذهب القضاء الفرنسى فى هذه الحالة إلى أن الدائن الموفى يجب عليه أن يوفى الدائن الموفى له بالحقين معاً ، المتقدم والمتأخر ، لأنه لو اقتصر على الوفاء بالحق المتقدم فإن الموفى له يكون بدوره ، وبمقتضى حقه المتأخر ، جائزاً له أن يوفى الموفى حقه ليحل محله هو الآخر ، وفى هذا دور يريد القضاء تجنبه ( محكمة النقض الفرنسية 2 أغسطس سنة 1870 سيريه 71 – 1 – 25 وأنظر أيضاً : ديمولومب 27 فقرة 478 – بودرى وبارد 2 فقرة 1543 مكررة خامساً وما بعدها – يلانيول وريبير ورودوان 7 فقرة 1230 ص 637 هامش رقــم 5 ) . وتطبيقاً لهذا المبدأ ، إذا كان لدائن رهنان فى المرتبة الأولى على عقارين ، وكان له إلى جانب ذلك دين آخر مضمون برهن متأخر على العقار الثانى ، لم يجز لدائن متأخر مرتهن للعقار الأول أن يوفيه الدين المضمون بالرهنين ليحل محله فيهما ، وذلك لأن الدائن المتقدم هو فى الوقت ذاته دائن متأخر بالنسبة إلى العقار الثانى ، فيحق له أن يوفى بدوره الدائن الآخر حقه ليحل محله ، ومن هنا يأتى الدور ( انظر بودرى وبارد 2 فقرة 1543 مكررة ثامناً ) .
( [67] ) ولو أراد الموفى أن يحل محل الموفى له ، وجب عليه أن يحصل على حلول اتفاق بالتراضى ، لأن الحلول القانونى ممتنع كما قدمنا ( أنظر فى تأييد هذا الحكم بودرى وبارد 2 فقرة 1545 – فقرة 1546 ، وفى انتقاده بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1230 ص 639 – ص640 ) .
هذا وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى صدد هذه الحالة الثانية من حالات الحلول القانونى ما يأتى : ” أما الحالة الثانية فهى حالة الوفاء من أحد الدائنين لدائن آخر مقدم عليه بماله من تأمين عينى . فلو فرض أن عقاراً رهن لدائنين على التوالى ، فللدائن المتأخر مصلحة فى الوفاء بحق الدائن المتقدم والحلول محله فيه . فقد يوفق بذلك إلى وقف إجراءات التنفيذ إذا كانت قد بوشرت فى وقت غير ملائم ، على أن يعود إليها متى استقامت الأحوال . وقد يتيسر له أحياناً أن ينتفع من تأمينات أخرى خصصت لضمان الدين الذى قام بأدائه . وقد يكون من مصلحة أحد الدائنين العاديين أن يقوم بالوفاء بدين الدائنين المرتهنين حتى يفيد من مزايا الحلول . ويراعى أن الدائن المتقدم فى الرتبة لا يحل حلولا قانونياً إذا وفى دائناً متأخراً عنه حتى يتيسر له وقف إجراءات التنفيذ لعدم ملاءمة الظروف ، فالحلول لا يتم فى هذه الحالة إلا بالتراضى ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 178 – ص 179 ) .
( [68] ) استئناف مختلط 20 فبراير سنة 1917 م 29 ص 235 – 8 مايو سنة 1917 م 29 ص 405 .
( [69] ) ويجب أن يوفى المشترى الدائن المرتهن مباشرة ، أما إذا دفع الثمن للبائع ثم استعمل البائع الثمن فى الوفاء للدائن المرتهن ، فإن المشترى لا يحل حلولا قانونياً محل الدائن المرتهن .
ولكن يجوز أن يقبض البائع الثمن من المشترى على ذمة دفعة الدائن المرتهن بتفويض من المشترى ، فيحل المشترى فى هذه الحالة محل الدائن المرتهن ، لأنه يكون هو – عن طريق وكيله البائع – الذى وفى الدائن المرتهن حقه ( انظر فى هذه المسألة بودرى وبارد 2 فقرة 1552 ) .
وإذا وفى المشترى للدائن المرتهن حقه ، حل محله دون حاجة إرى رضائه أو إلى رضاء المدين ( استئناف مختلط 13 يونيه سنة 1900م 12 ص 331 ) .
( [70] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1550 مكررة أولا – ويورد بودرى وبارد فرضاً ثالثاً يتحقق فيه للمشترى مصلحة فى أن يحل محل الدائن المرتهن ، وذلك إذا اشترى العقار من غير مالك ، وأراد المالك الحقيقى ان يسترد منه العقار ، فعندئذ يكون المشترى آمنا على الثمن الذى دفعه للدائن المرتهن وحل به محله ، إذ أن المالك الحقيقى عندما يسترد العقار يسترده مرهوناً للمشترى بمقدار هذا الثمن ( بودرى وبارد 2 فقرة 1550 ) . وقد يعترض على ذلك بأن المشترى من غير مالك لا يصبح مالكا للعقار المرهون ، فلا يكون مسئولا عن الدين ، وإذا دفعه للدائن المرتهن لم يحل محله حلولا قانونياً ، ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن المشترى من غير مالك ، إذا دفع الدين للدائن المرتهن ، حل محله فى الرهن ( استئناف مختلط 9 مايو سنة 1895م 7 ص 265 ) .
( [71] ) استئناف مختلط 11 يونية سنة 1913م 25 ص 440 – 14 إبريل سنة 1938 م 50ص 237 – بودرى وبارد 2 فقرة 1553 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1229 ص 636 – ص 637 .
وإذا كان المشترى قد اشترى حصة شائعة ، دفع الدين لفك الرهن الموقع على العين جميعها ، حل محل الدائن فى مواجهة البائع وجميع الشركاء فى الشيوع بمقدار ما وفى عنهم من الدين ( استئناف مختلط 27 ديسمبر سنة 1906م 19 ص 63 – أنظر أيضا : استئناف مختلط 26 فبراير سنة 1929م 41 ص 265 ) .
( [72] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1552 مكررة أولا – فقرة 1552 مكررة ثانيا .
( [73] ) استئناف مختلط 30 مايو سنة 1944م 56 ص 156 – بودرى وبارد 2 فقرة 1549 مكررة أولا .
هذا وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى صدد هذه الحالة الثالثة من حالات الحلول القانونى ما يأتى : ” أما الحالة الثالثة فتتحقق حيث يكون الموفى قد اشترى عقاراً وأدى ثمنه وفاء لدائنين خصص العقار لضمان حقوقهم ، كما هو الشأن فى الحائز . فقد يتاح للموفى فى هذه الحالة أن ينتفع من تأمينات أخرى خصصت لضمان الدين الذى أداه . وقد تكون له مصلحة فى أداء ثمن العقار للدائنين المرتهنين المتقدمين فى المرتبة دون أن يقوم بتطهيره ، متى وثق من أن الثمن الذى يرسو به مزاده لا يكفى للوفاء بديون من وفاهم وحل محلهم فيما لو باشر إجراءات التنفيذ غيرهم من الدائنين المتأخرين فى المرتبة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 179 ) .
( [74] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 179 .
( [75] ) ويلاحظ أن المتوسط ، فى الحالة التى نحن بصددها ، عندما دفع قيمة الكمبيالة لم يكن مسئولا عن هذا الدين ، وإنما جعل له القانون الحلول محل الدائن توثيقا للائتمان ، وتوسيعاً لسبل الوفاء بسندات الائتمان التجارية ، فييسر الوفاء بهذه السندات من طرق مختلفة . هذا إلى أن المتوسط الذى دفع الكمبيالة عن الساحب أو عن المحيل يغلب أن يكون صديقاً ينتظر منه إمهال من دفع عنه ، ومما يغريه بهذا الإمهال أن يحل قانوناً محل الدائن ( أنظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقر 1566 ) .
( [76] ) ويلاحظ هنا أيضاً أن شركة التأمين ، عندما دفعت مبلغ التأمين للمؤمن له وحلت محله فى الرجوع بالتعويض على المسئول ، لم تكن مسئولة عن هذا التعويض مع المسئول . ومن ثم وجب أن يقوم الحلول القانونى هنا على نص خاص ، إذ أن شركة التأمين عندما دفعت مبلغ التأمين للمؤمن له أتما دفعت دينا شخصياً فى ذمتها له بموجب عقد التأمين . فليس من حقها أن ترجع على المسئول عن الحريق بمقتضى القواعد العامة إلا إذا نزل لها المؤمن له عن دعواه قبل هذا المسئول ، فالحلول هنا أقرب إلى أن يكون نزولا عن هذه الدعوى إلى شركة التأمين بموجب نص خاص فى القانون ( أنظر فى المعنى الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 51 ) . ويخلص من ذلك أن حلول شركة التأمين محل المؤمن له مقصور على الحالة التى نحن بصددها ، لورد النص فى شأنها . وقد ورد نص آخر فى القانون رقم 64 لسنة 1936 بشأن إصابات العمل ، فقد قضت المادتان 7 و 9 من هذا القانون بأنه إذا كانت إصابة العامل ترتب مسئولية شخص آخر غير صاحب العمل ، وكان صاحب العمل مؤمناً على حوادث العمل ( وقد أصبح هذا التأمين إجباريا بموجب القانون رقم 86 لسنة 1942 ) ، فإن شركة التأمين التى دفعت قيمة التعويض تحل محل صاحب العمل فى حقوقه قبل الشخص المسئول . وفيما عدا هذه الحالات التى وردت فيها نصوص خاصة ، لا يوجد نص عام يقضى ، فى التأمين على الحوادث ، بحلول شركة التأمين محل المصاب فى الرجوع على المسئول . وكثيراً ما تعمد شركات التأمين إلى الاحتفاظ بحقها فى الرجوع على المسئول بموجب شرط صريح فى وثيقة التأمين ، ويكون هذا الشرط بمثابة اتفاق على حوالة حق محتمل ، فينفذ فى حق المسئول بإعلانه بالحوالة وفقا للقواعد المقررة فى حوالة الحق ( انظر فى هذا المعنى الأستاذ محمد على عرفة فى التأمين طبعة ثانية ص 184 – ص 192 – وقارن بلانيول وريبير وردوان فقرة 1233 ص 642 – ص 643 ) .
( [77] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 462 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : ” الدائن الذى استوفى حقه من غير المدين أن يتفق مع هذا الغير على أن يحل محله حتى لو لم يقبل المدين ذلك . ويكون الاتفاق بورقة رسمية ، ولا يصح أن يتأخر عن وقت الوفاء ” . وفى لجنة المراجعة حذف الحكم الخاص بجعل الاتفاق فى ورقة رسمية لعدم ضرورة ذلك ، وأصبحت المادة رقمها 339 فى المشروع النهائى . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 327 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 180 – ص 181 ) .
( [78] ) التقنين المدنى السابق م 162 / 225 : التأمينات التى كانت على المدين الأصلى تكون تأمينا لمن دفعه فى الأحوال الآتية فقط : أولا– إذا قبل الدائن عند الأداء له انتقال التأمينات لمن دفع الدين إليه . . .
( والحكم واحد فى التقنينيين السابق والجديد ، إلا فيما يتعلق بالتصوير الفنى للحلول فقد قدمنا أنه يبدو من عبارات التقنين السابق أن هذا التقنين يعتبر الدين الذى وفى قد انقضى فيرجع الموفى بدين جديد تنتقل إليه تأمينات الدين القديم ، أما فى التقنين الجديد فالرجوع يكون بنفس الدين وتأميناته ودفوعه : أنظر آنفاً فقرة 376 فى الهامش ) .
( [79] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدنى السورى م 326 ( مطابقة للمادة 327 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى الليبى م 314 ( مطابقة للمادة 327 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى م 380 / 1 ( مطابقة للمادة 327 من التقنين المدنى المصرى ، فيما عدا أنها تشترط أن يكون الاتفاق بورقة رسمية ، كما كان الأمر فى المشروع التمهيدى للتقنين المدنى المصرى الجديد ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 313 : إن الدائن الذى قبل الإيفاء من شخص ثالث يمكنه أن يحل محله فى حقوقه ، ويجب حينئذ أن يحصل الاستبدال صراحة عند الإيفاء على الأكثر أما تاريخ سند الإيصال المشتمل على الاستبدال فلا يعد ثابتاً بالنسبة إلى الأشخاص الآخرين إلا من يوم صيرورة هذا التاريخ صحيحاً . ( والحكم واحد فى التقنينيين اللبنانى والمصرى ) .
( [80] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 180 – ص 181 .
( [81] ) ويجوز لوكيل الدائن أن يحل الموفى محل الدائن ، ولو كانت الوكالة عامة ( بودرى وبارد 2 فقرة 1527 ) – وإذا أرسل الدائن محضراً لقبض الدين ، فوكالة المحضر مقصورة على القبض . فإذا اتفاق مع الموفى على أن يحل محل الدائن ، لم يسر هذا الاتفاق فى حق الدائن إلا إذا أقره ( بودرى وبارد 2 فقرة 1527 – فقرة 1527 مكررة ) .
( [82] ) لوران 18 فقرة 32 – بودرى وبارد 2 فقرة 1529 .
( [83] ) أنظر آنفاً فقرة 381 فى الهامش فيما يتعلق بتاريخ نص المادة 327 مدنى – والتقنين المدنى الفرنسى وتقنين الموجبات والعقود اللبنانى يشترط كل منهما أن يكون الاتفاق صريحاً ( Expres ) ، ولكن ذلك لا يعنى اشتراط لفظ خاص . قارن فى عهد التقنين المدنى السابق : استئناف مختلط 12 يناير سنة 1911 م 23 ص 106 .
( [84] ) استئناف مختلط 20 مايو سنة 1930 م 42 ص 507 – 21 يناير سنة 1932 م 44 ص 134 .
( [85] ) ولكن يجب أن يدفع الموفى الدين للدائن حتى يحل محله فيه . وليس من الضرورى أن يدفعه من ماله ، والمهم ألا يكون الوفاء من مال المدين . فلو أن أجنبياً أقرض المدين مالا ليوفى به دينه ، فوفى المدين الدين من هذا القرض ، لم يحل الأجنبى محل الدائن ، حتى لو ذكر الدائن فى مخالصة الدين أنه قبل إحلال المقرض محله ، ما دام الدين قد وفى من مال المدين بعد أن اقترضه . والذى يمكن فى هذه الحالة هو الحلول باتفاق مع المدين لا مع الدائن ، إذا استوفيت الشروط الواجبة ، وسيأتى بيانها ( أنظر فى هذا المعنى لارومبيير 4 م 1250 فقرة 7 – هيك 8 فقرة 57 – ديمولومب 27 فقرة 358 – بودرى وبارد 2 فقرة 1526 – أنظر عكس ذلك : بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1222 ص 628 – ص 629 ) .
( [86] ) قارن الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 38 .
( [87] ) ولكن إذا اتفق على الحلول قبل الوفاء بالدين أو معه ، كان الحلول صحيحاً حتى لو أعيطت المخالصة المثبتة للحلول بعد الوفاء بالدين ، فالعبرة بتاريخ الاتفاق على الحلول لا بتاريخ إعطاء المخالصة ( ديمولومب 27 فقرة 372 – هيك 8 فقرة 58 – بودرى وبارد 2 فقرة 1525 مكررة أولا ) .
( [88] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” والثانى إتمام الاتفاق على الحلول وقت الوفاء على الأكثر ، وقد قصد من هذا الشرط إلى درء التحايل ، فقد يتواطأ الدائن مع المدين بعد أن يكون هذا قد استوفى حقه ، فيتفقان غشاً على حلول أحد الأغيار لتفويت حق دائن مرتهن ثانى متأخر فى الرتبة ، فيما لو أقر النص صحة الاتفاق على الحلول بعد الوفاء ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 181 ) .
( [89] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1528 مكررة –بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1223 – الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 41 .
هذا وقد يتمسك الغير ، ويدخل فيهم دائن مرتهن فى المرتبة الثانية كان يصبح فى المرتبة الأولى لو أن الوفاء كان بسيطاً دون حلول ، بأن الدين كان قد وفى قبل الاتفاق على الحلول ، فيكون الحلول باطلا وفقاً لما قدمناه . فإذا أدعو أن الذى وفى الدين هو نفس المتمسك بالحلول وأنه وفى الدين أولا ثم تواطأ مع الدائن و المدين على الحلول ، جاز لهم إثبات أسبقية الوفاء على الحلول بجميع الطرق ، لأنه ينسبون الغش للمتمسك بالحلول . وإذا ادعوا أن الذى وفى الدين هو المدين أو شخص آخر غير المتمسك بالحلول ، دون أن ينسبوا غشاً إلى هذا الأخير ، لم يجز لهم إثبات أسبقية الوفاء على الحلول إلا بتاريخ ثابت للوفاء يسبق التاريخ الثابت للمخالصة المتضمنة الاتفاق على الحلول ( أوبرى ورو 4 فقرة 321 ص 269 ) .
( [90] ) تاريخ النص : ورد هذا النص المادة 463 من المشروع التمهيدى بطريق الحيرة على أحد الوجهين الآتيين : ( 1 ) ” ويجوز أيضا للمدين ، إذا اقترض مالا سدد به الدين ، أن يحل المقرض محل الدائن الذى استوفى حقه ، ولو بغير رضاء هذا الدائن ، على أن يكون الحلول بورقة رسمية ، وأن يذكر فى عقد القرض أن المال قد خصص للوفاء وفى المخالصة أن الوفاء كان من هذا المال الذى أقرضه الدائن الجديد ” – ( 2 ) ” ويجوز أيضاً لمدين ، ولو بغير رضاء الدائن الذى استوفى حقه ، أن يحل شخصاً آخر محل هذا الدائن ، على ان يكون الحلول بورقة رسمية ، وأن يكون التأشير به على هامش القيد الأصلى قد تم قبل أن يسجل تنبيه عقارى صدر من دائن آخر ” . وقد آثرت لجنة المراجعة النص الأول ، وأقرته بعد حذف الحكم الخاص بجعل الحلول بورقة رسمية لعدم ضرورته ، وأصبح رقم المادة 340 فى المشروع النهائى . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 328 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 182 و ص 184 ) .
( [91] ) التقنين المدنى السابق : م 164 / 227 : يجوز للمدين أن يقترض بدون واسطة مداينه من شخص آخر ما يكون منه وفاء المتعهد به ، وأن ينقل لذلك الشخص التأمينات التى كانت للدائن الأصلى – وأضافت المادة 227 من التقنين المختلط ما يأتى : بشرط أن يكون الاقتراض والنقل ثابتين بسند رسمى .
( والحكم واحد فى التقنينيين السابق والجديد ، فيما عدا وجوب الورقة الرسمية فى التقنين المختلط ، فقد جارى التقنين الجديد التقنين الأهلى السابق فى حذف هذا الشرط ) .
( [92] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدنى السورى : م 327 ( مطابقة للمادة 328 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى الليبى : م 315 ( مطابقة للمادة 328 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى : م 380 / 2 ( مطابقة للمادة 328 من التقنين المدنى المصرى ، فيما عدا أن التقنين العراقى يشترط أن يكون الحلول بورقة رسمية كما كان عليه الأمر فى المشروع التمهيدى للتقنين المصرى الجديد ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانى : م 314 : يكون الاستبدال صحيحاً عندما يقترض المديون مبلغاً من المال لإبقاء ما عليه ، فيمنح مقرضه ، لكى يؤمنه على ماله ، جميع الحقوق التى كانت لدائنه الأول الذى أوفى دينه ، فيمنح مقرضه ، لكى يؤمنه على ماله ، جميع الحقوق التى كانت لدائنه الأول الذى أوفى دينه . وفى مثل هذه الحالة يجب : ( أولا ) أن يكون لسند الاقتراض ولسند الإيصال تاريخ صحيح ( ثانيا ) أن يصرح فى سند الاقتراض بأن المال إنما افترض بقصد الإيفاء ويصرح فى سند الإيصال بأن الإيفاء إنما كان من المال المقرض . ( ثالثا ) أن يصرح بأن المقرض حل محل الدائن الموفى دينه فيما له من الحقوق – ولا يشترط رضاء الدائن لصحة هذا التعامل ) .
( والحكم واحد فى التقنينيين اللبنانى والمصرى ) .
( [93] ) لوران 18 فقرة 38 – ديمولومب 27 فقرة 393 – بودرى وبارد 2 فقرة 1530 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1224 – وأنظر كيف دخل الحلول بالاتفاق مع المدين فى القانون الفرنسى القديم عقب إنزال سعر الفائدة فى الإيرادات المرتبة من 8 .33% إلى 4 / 1 6 .25% ، مما جعل المدينين يقبلون على الاقتراض بالسعر المخفض وإحلال مقرضهم محل دائنيهم الأصليين ، إلى بودرى وبارد 2 فقرة 1531 .
( [94] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1533 .
( [95] ) بلانيول وريبير وردوان وريبير 7 فقرة ص 631 – ولا يشترط أن يكتب عقد القرض وقت القرض نفسه ، بل قد تتأخر كتابة هذا العقد . بل ويجوز الاتفاق على فتح حساب جار للقرض نفسه ، ثم يتسلم المدين القرض بعد ذلك من الحساب الجارى لوفاء الدين . أنظر فى ذلك بودرى وبارد 2 فقرة 1533 .
( [96] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1533 .
( [97] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1225 ص 631 .
( [98] ) بودرى وبار 2 فقرة 1534 .
( [99] ) أما إذا اقترض المدين وسدد الدين من القرض ، دون أن يذكر فى عقد القرض أن القرض خصص لوفاء الدين أو دون أن يذكر فى المخالصة أن المال الموفى به هو مال القرض ، فلا حلول ، إلا إذا دفع المقرض الدين مباشرة للدائن وكان فى حالة من حالات الحلول القانونى ( استئناف مختلط 9 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 70 ) .
( [100] ) أنظر تاريخ المادة 328 آنفا فقرة 385 فى الهامش – وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما ياتى : ” وقد قصد إلى إفساد ضروب التحايل . فأوجب المشروع أن يذكر فى عقد القرض أن المال قد خصص للوفاء بالدين ، وأن يذكر فى المخالصة أن الوفاء كان من هذا المال الذى أقرضه للدائن الجديد . ويراعى أن هذا القيد يحول بين المدين وبين الإفادة من تأمينات من يقوم بإبقاء حقه من الدائنين ، من طريق إحلال أحد الأغيار محله . وقد يصح التساؤل عما إذا كان فى تقييد حق المدين على هذا النحو ما يفوت عليه فرصة الانتفاع من استغلال ما يولى له من الائتمان على أساس الرهن الأولن مع أن احتفاظ الدائن المرتهن المتأخر بمرتبته هذه لا يجعل له فيما لو رفع التقييد وجها للشكوى ( قارن نظام صكوك الرهن العقارى أوتيسير ائتمان فى العقارات الزراعية فى التقنينات الجرمانية ) . وقد رؤى إفساح المجال للاختيار فشفعت المادة 463 بصيغة أخرى تنزل منزلة البديل من صيغتها الأولى . وقد نص فى هذه الصيغة الأخرى على أن للمدين أن يحل من أقرض محله الدائن على أن يكون الحلول بورقة رسمية ، دون اشتراط اتمام عقد القرض فى وقت سابق على الوفاء أو معاصر له . وغاية ما هنالك إنه اشترط أن يكون التأشير بهذا الحلول على هامش القيد الأصلى قد تم قبل أن يسجل تنبيه عقارى صدر من دائن آخر ، لأن من حق هذا الدائن ألا يعتد بأى قيد تال لتسجيل ذلك التنبيه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 183 ) .
( [101] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1534 مكررة – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1225 ص 631 .
( [102] ) أنظر آنفا فقرة 385 فى الهامش .
( [103] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1538 .
( [104] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1540 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1226 .
( [105] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 464 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 341 فى المشروع النهائى . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 329 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 185 – ص 187 ) .
( [106] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدنى السورى : م 328 ( مطابقة للمادة 329 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى الليبى : م 316 ( مطابقة للمادة 329 من التقنين المدنى المصرى ) .
التقنين المدنى العراقى : م 381 ( مطابقة للمادة 329 من التقنين المدنى المصرى ) .
تقتين الموجبات والعقود اللبنانى : م 315 : إن الاستبدال القانونى أو الاتفاق يجعل الدائن البديل يحل فى الحقوق محل الدائن الموفى دينه ، ولكن لا يكسب صفة المتفرغ له ولا مركزه – ولا يحق له إقامة دعوى الضمان على الدائن الموفى دينه – ولا يحل محله إلا بقدر المال الذى دفعه وبنسبته – وإذا كان ملزما مع غيره ، فلا يحق له مقاضاة شركائه فى الموجب إلا على قدر حصة كل منهم ونصيبه – ويحق للدائن البديل ، فضلا عن حق إقامة الدعاوى الناجمة عن الاستبدال ، أن يقيم الدعوى الشخصية الناشئة عن تدخله بصفة كونه وكيل أو فضولياً .
( وهذه الأحكام تتفق مع أحكام التقنين المصرى ، وسنرى ذلك عند الكلام فى القيود التى ترد على الحلول وفى مقارنة الحلول بحوالة الحق ) .
( [107] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 186 .
( [108] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن من كفل سنداً إذنياً ووفاء للدائن ، يجوز له بعد ذلك أن يحوله إلى الغير كما لو كان هو الدائن ( 8 مارس سنة 1916 م 28 ص 187 ) .
( [109] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1235 ص 645 .
( م 44 – الوسيط ) .
( [110] ) محكمة طنطا 20 يناير سنة 1926 المحاماة 6 رقم 257 ص 337 – المذكرة الإيضاحية لمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 186 .
( [111] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1567 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1235 ص 645 – وغذا أجيب الموفى إلى طلبه من فسخ البيع وتسلم المبيع من المشترى ، انتقلت ملكية المبيع إلى الوفى انتقالا مبتدأ تستحق عليه الرسوم الكاملة لانتقال الملكية . بخلاف ما إذا كان البائع هو الذى طلب فسخ البيع واسترد المبيع من المشترى ، فإن ملكية المبيع تعود إلى البائع بأثر رجعى ، وتعتبر كأنها لم تنتقل منه ، لا أنها انتقلت إليه بأثر مبتدأ ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1240 ) .
( [112] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1567 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1235 ص 645 .
( [113] ) استئناف مختلط 8 يناير سنة 1914 م 26 ص 134 .
( [114] ) استئناف مختلط 29 مايو سنة 1913 م 25 ص 415 .
( [115] ) أنظر الأصل التاريخى – فى القانون الفرنسى القديم – فى رجوع الموفى على الكفيل : بودرى وبارد 2 فقرة 1567 مكررة أولا .
( [116] ) والحلول فى التأمينات يقع بحكم القانون ، فلا يحتاج الموفى إلى اتفاق مع الدائن على إحلاله محله فى رهن أو فى أى تأمين آخر أو فى أى طلب للدخول فى التوزيع بدلا منه ( استئناف مختلط 14 فبراير سنة 1912 م 24 ص 138 – 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 257 – 25 يونيه سنة 1913 م 25 ص 468 – 22 أبريل سنة 1919 م 31 ص 257 – 27 أبريل سنة 1920 م 32 ص 292 – 2 يونيه سنة 1921 م 33 ص 265 – 29 يونيه سنة 1923 م 35 ص 530 – 16 أبريل سنة 1925 م 37 ص 337 – 24 ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 136 ) . ولا يجوز للدائن أن ينزل عن الرهن أو عن مرتبة هذا الرهن إضراراً بحق الموفى الذى حل محله فى هذا للرهن ( استئناف مختلط 25 مايو سنة 1904 م 16 ص 264 ) .
( [117] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 186 .
( [118] ) استئناف مختلط 10 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 85 – بلانيول ؟؟؟؟؟؟؟؟ فقرة 1236 ص 646 .
( [119] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 466 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 343 فى المشروع النهائى . ثم وافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 331 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 190 – ص 191 ) .
ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص . ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى الليبى المادة 318 وهى مطابقة للمادة 331 من التقنين المدنى المصرى . ولا مقابل للنص فى التقنين المدنى السورى ، ولا فى التقنين المدنى العراقى ، ولا فى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ، ولكن الحكم يمكن العمل به دون نص .
( [120] ) وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : ” فإذا قام أحد المدينين المتضامنين بالوفاء بالدين بأسره ، كان له أن يرجع على الباقين كل بقدر حصته . . . ولو كان رجوعه هذا مؤسساً على دعوى الحلول . . . . وقد طبقت القاعدة نفسها فيما يتعلق بالحائز عند وفائه بكل الدين الذى رهن العقار لضمان الوفاء به . فلمثل هذا الحائز أن يرجع بدعوى الحلول على الحائزين الآخرين ، سواء فى حالة تعدد العقارات المرهونة فى دين واحد ، أو فى حالة تعدد المشترين للعقار المرهون ، ولكن ليس له أن يرجع على كل منهم إلا بقدر نصيبه فى الدين حسب قيمة ما يكون حائزاً له ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 190 – ص 191 ) .
وتقول محكمة استئناف مصر إن هذا هو الحل الذى تمليه العدالة حفظاً للتوازن فى الحقوق والواجبات بين جميع الحائزين ، لأن القانون يخول كلا منهم حق الحلول محل الدائن الأصلى فى حقوقه متى وفى الدين ، وله بهذه المثابة أن يرجع على سواء من الحائزين ومنهم من دفع أولا . فخير وسيلة لحفظ الموازنة بين الجميع هى أن يجعل رجوع بعضهم على بعض متناسباً مع قيمة ما يحوزون ( استئناف مصر 7 أبريل سنة 1947 المجموعة الرسمية 48 رقم 280 ) . وأنظر : استئناف مختلط 6 مارس سنة 1919 م 31 ص 196 – 20 مارس سنة 1919 م 31 ص 230 – 23 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 95 – 34 أبريل سنة 1928 م 40 ص 313 .
( [121] ) لكن إذا وفى الحائز للعقار المرهون الدين بأكثر من الثمن الذى اشترى به العقار ، اعتبر فيما زاد على الثمن بمثابة كفيل عينى ، وأنقسم الدين عليه وعلى الكفلاء ، فيرجع على كل كفيل بقدر حصته فيما زاد على الثمن ( استئناف مختلط 16 أبريل سنة 1925 م 37 ص 338 ) وأنظر فى أن الحائز للعقار المرهون لا يرجع على الكفيل : بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1241 .
( [122] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 465 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 342 ، فمجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 330 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 188 – ص 189 ) .
ويقابل فى التقنين المدنى السابق المادة 505 / 617 ، وهذا نصها : ” إذا دفع الكفيل الدين عند حلول الأجل ، فله الرجوع على المدين بجميع ما أداه ، ويحل محل الدائن فى حقوقه . لكن لا تجوز له المطالبة إلا بعد استيفاء الدائن دينه بتمامه إذا كان الكفيل لم يدفع إلا جزءاً من الدين ” . ( ويتفق هذا الحكم مع حكم التقنين المدنى الجديد ) .
ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى :
فى التقنين المدنى السورى المادة 329 ( وهى مطابقة للمادة 330 من التقنين المدنى المصرى ) .
فى التقنين المدنى الليبى المادة 317 ( وهى مطابقة للمادة 330 من التقنين المدنى المصرى ) .
فى التقنين المدنى العراقى المادة 382 ( وهى مطابقة للمادة 330 من التقنين المدنى المصرى ) .
فى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 316 : فى حالة الإيفاء الجزئى يشترط البديل مع الدائن فى استعمال الحقوق المختصة بكل منهما على نسبة ما يجب لكل واحد ، ويوفى دينهما من أموال المديون على نسبة حصة كل منهما . ( وهذا النص يخالف نص التقنين المصرى ، فهو يفترض أن إرادة الدائن وإرادة الموفى بجزء من الدين قد انصرفتا إلى أن يكونا على قدم المساواة ، فيتقاسما مال المدين قسمة الغرماء ) .
( [123] ) استئناف مختلط 25 يونيه سنة 1913 م 25 ص 468 – 20 فبراير سنة 1917 م 29 ص 235 – وقد طبقت المادة 799 من التقنين المدنى الجديد هذا الحكم فى الكفالة ، فنصت على إنه ” إذا وفى الكفيل الدين ، كان له أن يحل محل الدائن فى جميع ما له من حقوق قبل المدين . ولكن إذا لم يوف إلا بعض الدين ، فلا يرجع بما وفاه إلا يعد أن يستوفى الدائن كل حقه من المدين ” . أنظر أيضاً فى هذا المعنى المادة 505 / 617 من التقنين المدنى السابق وقد سبق ذكرها .
( [124] ) وبدرى وبارد 2 فقرة 1575 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1237 ص 648 . هذا ويلاحظ أن تقنين الموجبات والعقود اللبنان ( م 316 ) وضع القاعدة على خلاف ذلك كما قدمنا ، فافترض أن الدائن والموفى أرادا أن يتعادلا وأن يتقاسما مال المدين قسمة الغرماء .
( [125] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 189 وهذا الحكم هو المتبع فى القانون المدنى الفرنسى ، مستمداً من التقاليد دون نص على ذلك ( بودرى وبارد 2 فقرة 1573 ) .
( [126] ) أما إذا كان الدائن الذى بقى له جزء من حقه –وهو مقدم فيه على الموفى – قد حول هذا الجزء الباقى إلى آخر حوالة حق ، فإن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مقترناً بحق التقدم الذى كان للدائن المحيل ( أنظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقرة 1574 ) .
( [127] ) بودرى وبارد فقرة 1571 –بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1238 ص 649 – وإذا رجع من وفى جزءاً من الدين على كفيل للدين بالدعوى الشخصية لا بدعوى الحلول ، لم يتقدم عليه الدائن عند رجوع هذا على الكفيل بالجزء الباقى من الدين ، للأسباب ذاتها ( بودرى وبارد 2 فقرة 1572 ) .
وإذا كان للدائن رهنان متتاليان على عقار واحد يضمان دينين مختلفين ، ووفى الغير للدائن جزءاً من الدين المضمون بالرهن الأول ، وتقدم الدائن على الموفى فى استيفائه للجزء الباقى من هذا الدين ، فإن الموفى يتقدم على الدائن عند ما يريد الدائن استيفاء الدين الآخر المضمون برهن متأخر فى المرتبة ( أنظر فى هذا المعنى بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1238 ) .
( [128] ) أنظر الموجز للمؤلف ص 578 .
( [129] ) أنظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقرة 1518 ص 620 .
( [130] ) أوبرى ورو 4 فقرة 321 ص 263 – ص 264 و ص 270 هامش رقم 21 – بودرى وبارد 2 فقرة 1518 ص 618 – ص 619 .
( [131] ) بل إن من هذه التأمينات ما يعتبر صفة فى الدين لا فى الدائن ، كحق الامتياز ، فينبغى ألا تنتقل حقوق الامتياز بعد انقضاء حق الدائن إذا قلنا بالنظرية التى تذهب إلى انقضاء الحق مع بقاء التأمينات ( أنظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 2 فقرة 1519 ) .
( [132] ) استئناف مختلط 12 يناير سنة 1933 م 45 ص 128 .
( [133] ) أنظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1244 – دى باج 3 فقرة 553 – فقرة 554 وفقرة 513 – فقرة 514 وقارن فقرة 337 ص 344 – ص 347 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 550 – فقرة 552 ، ولكنهما يذهبان إلى أن انتقال الحق افتراض قانونى – كولان وكابيتان ودى لامورانديير 2 فقرة 515 ، وهم وإن كانوا ينفون فكرة الافتراض القانونى ، إلا أنهم يذهبون إلى أن الاعتبارات العملية هى وحدها التى اقتضت أن ينقضى الحق بالوفاء وهو مع ذلك يبقى بانتقاله إلى الموفى ، فالاعتبارات العملية هنا قد تغلبت على الصناعة القانونية . وقارن الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 35 – ص 36 ، ويذهب إلى أن هناك شبهاً بين من يوفى بدين على الغير وبين من يقوم بعمله لمصلحة الغير ، فلا يجوز أن ينكر على الموفى حقه فى التمسك بما أداه لصالح المدين ، وبذلك كان الحلول وسيلة يمنح بها الشارع جهد المستطاع أن يكون الموفى ضحية سعيه فى الخير!
هذا ويؤيد تكييف الوفاء مع الحلول على أنه وفاء للحق بالنسبة إلى الدائن وانتقال للحق بالنسبة إلى المدين ، ما ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد : ” الأصل فى الالتزام أن ينقضى بالوفاء ، ومتى انقضى على هذا الوجه انقضى تبعاً لذلك ما يتصل به من الملحقات وأخصها التأمينات الشخصية والعينية والفوائد التى تم استحقاقها من قبل : أنظر المادة 114 من تقنين الالتزامات السويسرى . على ان هذا الحكم لا يجرى على إطلاقه ، بل يجب التحفظ فى شأنه فيما يتعلق بالوفاء مع الحلول حيث تظل التأمينات قائمة ، بل يظل الالتزام قائما لصالح من تم الحلول له . ينحصر أثر الحلول ، قانونياً كان أو اتفاقياً ، فى إحلال الموفى محل الدائن فى الحق الذى استوفاه ، وعلى هذا النحو يظل الحق قائماً بعد الوفاء ، وهو أمر يشق توجيهه من الناحية الفقهية . ومهما يكن من شىء فلفكرة الحلول نصيبها من التراكب : فهى تبدو عند إمعان النظر فيها وفاء تترتب عليه براءة الذمة فى صلة الدائن بالمدين . وهى تتمثل فى صور الاستخلاف على الحق فى صلة الدائن بالموفى ، حتى لتكاد تشتبه بالحوالة . على أن بين الحلول والحوالة من دقيق الفوارق ما يمتنع معه هذا الاشتباه ، كما سيأتى بيان ذلك . والخلاصة أن الدين فى الحلول يظل قائماً بعد الوفاء ، دون أن يستبدل به دين جديد ( قارن م 162 / 225 ) ، ولا يعتبر هذا مجرد افتراض ، بل هو حقيقة واقعة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 185 – ص 186 ) .
( [134] ) أنظر آنفاً فقرة 244 .
( [135] ) والقضاء مضطرد فى أنه لأجل التمييز بين الوفاء مع الحلول وحوالة الحق ، يجب الرجوع إلى غرض من تعامل مع الدائن . فإن كان غرضه أداء خدمة للمدين بوفاء دينه ، فهذا هو الوفاء مع الحلول . وإن ظهر من ظروف الدعوى أنه لم يكن يرمى إلى هذا الغرض ، وجب اعتبار العقد حوالة حق . أنظر : أسيوط 23 ديسمبر سنة 1914 الشرائع 2 رقم 139 ص 125 – 16 مارس سنة 1919 المجموعة الرسمية 20 رقم 105 ص 138 – استئناف أهلى 29 أبريل سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 138 ص 224 – استئناف مصر 20 نوفمبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 145 ص 293 – الإسكندرية 27 أكتوبر سنة 1933 المحاماة 14 رقم 221 ص 424 – أسيوط 7 يوليه سنة 1934 المحاماة 15 رقم 125 ص 252 – استئناف مصر 7 مايو سنة 1941 المجموعة الرسمية 42 رقم 10 ص 267 – استئناف مختلط 6 مايو سنة 1891 م 3 ص 330 – 28 نوفمبر سنة 1901 م 14 ص 28 – 26 مايو سنة 1915 م 27 ص 539 – 26 ديسمبر سنة 1946 م 59 ص 75 .
( [136] ) أنظر بودرى وبارد 2 فقرة 1520 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1245 .
( [137] ) فإذا كان الحق غير قابل للنزول عنه ولا للحجز عليه ، لم يستطع الدائن حوالته . ولكنه يستطيع استيفاءه من الغير ، ويحل الغير محله فيه ( بونسار فى أنسيكلوبيدى داللوز 5 لفظ Subrogation فقرة 207 ) .
( [138] ) على أن الحيطة تقتضى أن يخطر الموفى المدين بأنه وفى الدين ، خشية أن يوفى المدين الدين للدائن قبل علمه بالوفاء السابق ، فلا يستطيع الموفى فى هذه الحالة إلا أن يرجع على الدائن ( أوبرى ورو 4 فقرة 321 ص 270 وهامش رقم 22 ) .
( [139] ) بودرى وبارد 2 فقرة 1520 ص 624 – 625 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 2146 ص 656 .
( [140] ) أنظر آنفاً فقرة 401 – وأنظر فى كل ما تقدم بودرى وبارد 2 فقرة 1521 ص 622 – 623 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1235 وفقرة 1242 .
( [141] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 186 – وهذا إلا إذا كانت الحوالة بحق متنازع فيه ، فيجوز للمدين فى هذه الحالة أن يتخلص من مطالبة المحال له إذا هو رد إليه الثمن الحقيقى الذى دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع ( م 469 / 1 مدنى ) .
( [142] ) ففى دعوى الضمان يرد الدائن للمحال له قيمة الحق كله مع الفوائد والمصروفات والتعويض عن أى ضرر آخر أصاب المحال له ، أما فى دعوى استرداد غير المستحق فلا يرد الدائن للموفى إلا ما قبضه منه وفاء للدين ولا يكون مسئولا عن الفوائد إلا إذا كان سيئ النية وقت القبض . ( أنظر بودرى وبارد 2 فقرة 1520 ص 623 – ص 624 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1243 ) .
المصدر: محامي في الأردن