تطابق الإيجاب والقبول في الهبة
14 – النصوص القانونية : تنص الفقرة الأولى من المادة 487 من التقنين المدني على ما يأتي :
” لا تتم الهبة إلا إذا قبلها الموهوب له أو نائبه ” ( [1] ) .
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .
ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري المادة 455 / 1 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 476 / 1 – ولا مقابل له في التقنين المدني العراقي – ويقابل في تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادتين 507 – 508 ( [2] ) .
15 – تطبيق القواعد العامة : تسري القواعد العامة المقررة في نظرية العقد في تطابق الإيجاب والقبول في عقد الهبة . فيجب أن يصدر إيجاب من أحد المتعاقدين ( [3] ) يقبله المتعاقد الآخر ، وأن يكون القبول مطابقاً للإيجاب ( [4] ) . ويجوز أن تنعقد الهبة بين غائبين ، فتتم في الزمان والمكان اللذين يصل فيهما القبول إلى علم الموجب ، ويعتبر وصول القبول إلى الموجب قرينة على عمله به إلى أن يثبت العكس . ونحيل في كل ذلك إلى ما قدمناه في نظرية العقد . وقد يسبق الهبة مرحلة تمهيدية ، هي الوعد بالهبة .
والذي نقف عنده في كل ذلك مسألتان نطبق فيهما القواعد العامة لنظرية العقد على عقد الهبة بالذات : ( 1 ) قبول الهبة من الموهوب له ، إذ العادة أن الواهب هو الذي يبدأ الإيجاب فيقبل الموهوب له . ( 2 ) الوعد بالهبة .
1 – قبول الموهوب له للهبة
16 – لا بد من القبول إذ الهبة عقد : جاء النص ( م 487 / 1 مدني السالفة الذكر ) صريحاً في أنه لا بد من قبول الموهوب له للهبة حتى تتم . والسبب في ذلك أن هناك شبهة في أن تتم الهبة بإيجاب الواهب وحده أي بإرادته المنفردة فهو المتبرع بماله ، أما قبول الموهوب له فقد لا تكون هناك حاجة إليه ، إذ الهبة نافعة له نفعاً محضاً . وكل ما يحتاج إليه هو أن يقر الهبة ، كما يقر الموصى له الوصية وكما يقر المنتفع الاشتراط لمصلحته ، حتى لا يتملك حقاً دون رضاه . فجاء النص قاطعاً كما قدمنا في أن هذا غير صحيح ، فالهبة عقد لا إرادة منفردة ، ولا تتم إلا بقبول الموهوب له للهبة ومن وقت هذا القبول ( [5] ) .
والسبب في جهل الهبة عقداً ، واستلزام قبول الموهوب له ، أن الهبة وإن كانت تبرعاً إلا إنها تثقل عنق الموهوب له بالجميل ، وتفرض عليه واجبات أدبية نحو الواهب . وقد يؤثر الموهوب له رفض الهبة ، كما إذا استشف من ورائها غايات للواهب لا يحمدها .
وفي الفقه الإسلامي ذهب أبو حنيفة وصاحباه استحساناً إلى أن القبول ليس بركن في الهبة ، وإنما هو لازم لثبوت حكمها لا لوجودها في ذاتها ، وحكمها هو نقل الملك إلى الموهوب له . والقياس أن يكون القبول ركناً في الهبة ، أي في وجودها لا في ثبوت حكمها فحسب ، فلا تتم إلا بالقبول لأنها عقد من عقود التمليكات كالبيع ، وهذا هو قول زفر ( [6] ) .
17 – القبول ركن موضوعي لا ركن شكلي : قبول الهبة في القانون الفرنسي ينطوي على ضرب من الشكلية ، فهو لا بد أن يكون قبولا 30 صريحاً ( م 932 / 1 مدني فرنسي ) ( [7] ) . أما في القانون المصري فلا نص على وجوب أن يكون القبول صريحاً ، فيصح أن يكون ضمنياً . بل إن مجرد سكوت الموهوب له بعد علمه بالإيجاب ، إذا تمحضت الهبة لمنفعته ، يعتبر قبولا ( [8] ) ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 98 مدني على ما يأتي : ” ويعتبر السكوت عن الرد قبولا ، إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه ” ( [9] ) . أما إذا كانت الهبة بعوض ، أو فرض فيها الواهب على الموهوب له التزاماً ، فإن السكوت في هذه الحالات لا يعد قبولا إلا إذا كانت الظروف تدل على أن الواهب لم يكن لينتظر تصريحاً بالقبول ولم يرفض الموهوب له الهبة في وقت مناسب ( م 98 / 1 مدني ) .
ولا بد أن يكون القبول مطابقاً للإيجاب ، وإلا لم تنعقد الهبة . فلو أعطى الواهب على سبيل الهبة ، وقبل الطرف الآخر على سبيل الإعارة ، لم تنعقد الهبة ولا الإعارة . والعكس صحيح ، بان أوجب الطرف الأول على سبيل الإعارة وقبل الطرف الآخر على سبيل الهبة ( [10] ) .
18 – رجوع الواهب في الهبة قبل وصول القبول إلى عمله : والقبول – ككل تعبير عن الإرادة – لا ينتج أثره إلا في الوقت الذي يتصل فيه بعلم الواهب ، ويعتبر وصوله إلى الواهب قرينة على العلم به ، 31 ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ( م 91 مدني ) . فإذا صدر إيجاب من الواهب ، ولم يكن الإيجاب ملزماً ، فإن الواهب له أن يرجع عن إيجابه إلى الوقت الذي يصل فيه قبول الموهوب له إلى علمه ، وبشرط أن يصل الرجوع عن الهبة إلى علم الموهوب له قبل وصول قبول الموهوب له إلى علم الواهب . ففي هذه الحالة لا تتم الهبة ، لأن القبول وقت أن يصل إلى علم الواهب لم يصادف إيجاباً قائماً ، فلم يقترن القبول بالإيجاب ( [11] ) . وإنما يصح أن يكون هذا القبول إيجاباً جديداً من الموهوب له ، فإذا تدبر الواهب الأمر فقبله واعتزم المضى في الهبة ، فإن قبول الواهب هو الذي يقترن بإيجاب الموهوب له فتتم الهبة إذا استوفت شروطها الأخرى .
19 – موت الواهب أو فقده لأهليته قبل وصول الإيجاب إلى الموهوب له : وإذا مات الواهب أو فقد أهليته قبل أن يصل إيجابه إلى عمل الموهوب له ، فإن ذلك لا يمنع من اتصال الإيجاب بعلم الموهوب له وقبول هذا للهبة . ولكن القبول لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى علم الواهب ، وهذا قد مات أو فقد أهليته فيستحيل علمه بالقبول ، ومن ثم لا تتم الهبة ( [12] ) . وليس في هذا إلا تطبيق للقواعد العامة آلت قررها التقنين المدني الجديد في المادة 92 منه ( [13] ) .
32
وهذا الحكم يتفق مع حكم التقنين المدني السابق ، إلا أن التقنين السابق كان يسقط الإيجاب إذا مات صاحبه أو فقد أهليته قبل اقتران القبول به ، فلا يستطيع الموهوب له أن يقبل الهبة بعد موت الواهب أو بعد فقده لأهليته . وقد ورد في التقنين المدني السابق نص صريح في هذا المعنى ، إذ كانت المادة 50 / 72 من هذا التقنين تنص على أن ” تبطل الهبة بموت الواهب أو بفقده أهليته للتصرف قبل قبول الموهوب له ” ( [14] ) .
20 – موت الموهوب له أو فقده لأهليته قبل القبول : أما إذا مات الموهوب له أو فقد أهليته قبل أن يصدر منه القبول ولكن بعد أن صدر إيجاب الواهب ، فإن الهبة لا تتم ، لأن الإيجاب لم يلاق شخصاً يقبله إذ الهبة أمر خاص بشخص الموهوب له فلا تحل ورثته محله في القبول ( [15] ) .
33
ولكن التقنين المدني السابق كان يورد حكماً مخالفاً لما تقدم ، فكانت المادة 51 / 73 من هذا التقنين تنص على أنه ” يسوغ أن يحصل قبول الهبة من ورثة الموهوب له إذا كانت قد توفى قبل القبول ، وفي حالة الهبة لمن ليس أهلاً للقبول يصح قبولها ممن يقوم مقامه ” ( [16] ) . ولما كان حكم التقنين المدني الجديد مستحدثاً ، فإنه لا يسري إلا من وقت نفاذه . فإذا مات الموهوب له أو فقد أهليته قبل أن يصدر منه القبول ، وكان الموت أو فقد الأهلية قبل يوم 15 أكتوبر سنة 1949 ، فإنه يجوز لورثة الموهوب له أو لمن يقوم مقامه أن يقبلوا الهبة تطبيقاً لأحكام التقنين المدني السابق . أما إذا مات الموهوب له أو فقد أهليته في تاريخ غير سابق على يوم 15 34 أكتوبر سنة 1949 ، فإن أحكام التقنين الجديد هي التي تسري ، ولا يجوز لورثة الموهوب له أو لمن يقوم مقامه في هذه الحالة أن يقبلوا الهبة .
أما إذا مات الموهوب له أو فقد أهليته بعد صدور القبول منه ولكن قبل أن يصل هذا القبول إلى علم الواهب ، فإن القبول يبقى قائماً ( م 92 مدني ) وينتج أثره إذا اتصل بعلم الواهب ، فتتم الهبة بالرغم من موت الموهوب له . ولا يمنع من ذلك أن الهبة موجهة إلى شخص بالذات وقد مات أو فقد أهليته ، فإن هذا الشخص قد قبل الهبة فعلا وبقى قبوله قائماً بالرغم من موته أو فقده لأهليته وفقاً للقواعد المقررة في هذا الشأن ، وأنتج القبول القائم أثره بمجرد وصوله على علم الواهب ( [17] ) .
21 – القبول الصادر من غير شخص الموهوب له : وقد يصدر قبول الهبة من غير شخص الموهوب له ، ويتحقق ذلك إذا صدر القبول من نائبه ( م 487 / 1 مدني ) . والنائب إما أن يكون نائباً نيابة قانونية كالولى والوصى والقيم وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في أهلية الموهوب له ، وإما أن يكون نائباً نيابة اتفاقية وهذا هو الوكيل .
والوكالة في الهبة يجب أن يتوافر فيها الشكل الواجب توافره في عقد الهبة نفسه ، فإذا وكل الواهب وكيلا ليهب مالا له نيابة عنه وجب أن تكون 35 الوكالة في ورقة رسمية ، ولكن إذا وكل الموهوب له وكيلا ليقبل عنه الهبة جاز أن يكون التوكيل في ورقة عرفية لأن قبول الهبة المنفصل لا تشترط فيه الرسمية ( [18] ) . وقد ورد نص صريح في هذا المعنى ، إذ تقول المادة 700 مدني إنه ” يجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانونين الذي يكون محل الوكالة ، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك ” . ولا بد من وكالة خاصة في الهبة والاتهاب ، ويجب أن يذكر في هذه الوكالة المال الموهوب فتتخصص الوكالة بهذا المال دون غيره . وقد نصت الفقرتان الأولى والثانية من المادة 702 مدني في هذا المعنى على أنه ” ( 1 ) لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من العمال الإدارة ، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء . ( 2 ) والوكالة الخاصة في نوع معين من أنواع الأعمال القانونية تصح ولو لم يعين محل هذا العمل على وجه التخصيص ، إلا إذا كان العمل من التبرعات ” .
ولا يجوز لأجنبي ، غير نائب من الموهوب له لا نيابة قانونية ولا نيابة اتفاقية ، أن يقبل الهبة عنه ، إلا بطريق الفضالة إذا تحققت شروطها ( [19] ) . ويترتب على ذلك أنه لو كان الموهوب لهم متعددين وحضر بعضهم مجلس العقد وغاب بعض ، لم يستطع الحاضرون أن يقبلوا عن الغائبين ما دام ليسعدهم توكيل بالقبول وما داموا لا ينوبون عن الغائبين نيابة قانونية . وإنما يستطيع أجنبي أن يتعهد عن الموهوب له بأنه يقبل الهبة ، ويكون هذا تهداً عن الغير فتسري قواعده . ومقتضى هذه القواعد أن الأجنبي الذي تعهد بأن يقبل الموهوب له الهبة لم يلزم هذا الأخير بالقبول ، وإنما ألزم نفسه بأن 36 يحصل على قبول الموهوب له بالهبة . فلا يلتزم الموهوب له إذن بالقبول ، وله إما أن يقبل الهبة فتتم وإما أن يرفضها فتسقط ( [20] ) .
ولما كان قبول الهبة أمراً شخصياً خاصاً بالموهوب له ، فقد تقوم عنده اعتبارات أدبية تدفعه إلى عدم قبول الهبة ، وهو وحده الذي يستطيع تقدير هذه الاعتبارات ، فإنه إذا لم يقبل الهبة لم يجز لدائنيه أن يستعملوا حقه في القبول وأن يقبلوا نيابة عنها ( [21] ) . وإذا رفض الموهوب له الهبة ، لم يجز لدائنيه أن يطعنوا في هذا الرفض بالدعوى البولصية ، لأن الرفض لا يتضمن معنى الافتقار بل هو امتناع عن الإثراء .
2 – الوعد بالهبة
22 – النصوص القانونية : تنص المادة 490 من التقنين المدني على ما يأتي :
” الوعد بالهبة لا ينعقد إلا إذا كان بورقة رسمية ” ( [22] ) .
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص ( [23] ) .
37
ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري المادة 458 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 479 – ولا مقابل له في التقنين المدني العراقي – ويقابل في تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 511 ( [24] ) .
وليس هذا النص إلا تطبيقاً تشريعياً لنص اعم منه ، هو نص الفقرة الثانية من المادة 101 مدني ، ويجري على الوجه الآتي : ” وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين ، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضاً في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد ” .
ويمكن قياس الوعد بالهبة على الوعد بالبيع والوعد بالشراء ، فيوجد وعد بالايهاب ووعد بالاتهاب . ونبحث ذلك في المسائل الآتية : ( 1 ) صور للوعد بالايهاب ( 2 ) صور للوعد بالاتهاب . ( 3 ) كيف ينعقد الوعد بالهبة إيهاباً واتهاباً . ( 4 ) الأثر الذي يترتب على الوعد بالهبة إيهابا واتهابا .
23 – صور الموعد بالايهاب : يتحقق ذلك عملا في هبة المال المستقبل وفي هبة المال غير المملوك للواهب . فإذا فرض أن شخصاً يريد أن يهب آخر دارا مثلا ولكنه لم يشرع في بنائها ، فإنه لا يستطيع أن يهب 38 الدار فوراً لأن المادة 492 مدني تنص على أن ” نقع هبة الأموال المستقبلة باطلة ” . وهو لا يريد أن ينتظر حتى يفرغ من بناء الدار ثم يهبها ، حتى لا يواجه المستقبل بما يتضمنه من احتمالات . فليس أمامه في هذه الحالة إلا أن يعد بهبة الدار على أن تتم الهبة عند الفراغ من بنائها ، ويقبل الآخر هذا الوعد ، فيتقيد به الواعد منذ صدور الوعد . ويكون قد تم في هذه الحالة وعد بايهاب قبله الموعد له ، فلو مات الواعد قبل الفراغ من بناء الدار ، ثم تم بناؤها ، استطاع الموعود له أن يبدي رغبته في استنجاز الوعد ، فتتم الهبة بإرادته وحده ، وتنفذ في حق ورثة الواعد . وكذلك الأمر لو أن الدار الموعود بإيهابها موجودة حالا وقت الوعد ولكنها غير مملوكة للواعد ، فإن هذا لا يستطيع أن يهبها في الحال لأن هبة مال الغير لا تنفذ في حق المالك الحقيقي ( م 491 مدني ) ، فيتريث الواعد حتى يملك الدار ثم يهبها . ولكنه يستطيع أن يعد فوراً الطرف الآخر بهبة الدار عند تملكه لها ، فيقبل الموعود له الوعد بالايهاب ، على أن يصبح هذا الوعد هبة كاملة إذا ملك الواهب الدار وأبدى الموعود له رغبته في استنجاز الهبة .
ويتسع ميدان الوعد بالإيهاب إذا كانت الهبة بعوض أو مقترنة بتكاليف والتزامات . مثل ذلك أن يعد شخص آخر بايهاب دار إذا هو دفع له إيراداً مرتباً طول الحياة ، فيقتصر الموعود له على أن يقبل هذا الوعد بالايهاب ، حتى يتدبر الأمر قبل أن يلتزم بالعوض ، فإذا استقر رأيه على القبول أبدى رغبته في ذلك . ومثل ذلك أيضاً أن يعد شخص جمعية خيرية بان يهب لها مبلغاً من المال على أن تقوم بإنشاء مستشفى أو ملجأ أو نحو ذلك ، فتقتصر الجمعية على قبول هذا الوعد حتى تتدبر أمرها ، فتقبل أو ترفض .
24 – صور للوعد بالانهاب : ويمكن أن نورد صوراً للوعد بالاتهاب مماثلة لبعض صور الوعد بالايهاب . فيجوز أن يعد شخص آخر 39 بقبول هبة داره على أن يرتب للواهب ايراداً طول حياته ، فيقتصر صاحب الدار على قبول هذا الوعد بالاتهاب حتى يتدبر الأمر . فهنا انعقد وعد بالاتهاب على قبول هذا الوعد بالاتهاب حتى يتدبر الأمر . فهنا انعقد وعد بالاتهاب ملزم لجانب الواعد وحده ، دون أن يلزم الموعود له صاحب الدار . وكذلك الحال لو أن الجمعية الخيرية هي التي تقدمت ووعدت بأن تقبل هبة من شخص على أن تنشيء مستشفى ، فيقتصر الموعود له على هذا الوعد بالاتهاب ، ثم ينظر هل يقبل أن يهب أو لا يقبل ( [25] ) .
25 – كيف ينعقد الوعد بالهبة : والوعد بالهبة – سواء كان وعداً بالايهاب أو وعداً بالاتهاب – ينعقد إذا عينت المسائل الجوهرية لعقد الهبة المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها . وليس هذا إلا تطبيقاً للفقرة الأولى من المادة 101 مدني إذ تقول : ” الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا 40 المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها ” ( [26] ) . فالوعد بالهبة عقد كامل لا مجرد إيجاب ، ولكنه عقد تمهيدي لا عقد نهائي .
ولما كان الوعد بالهبة هو تمهيد لعقد الهبة النهائي ، وجب أن يكون السبيل مهيأ لإبرام عقد الهبة النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له ، بان يشتمل الوعد على جميع المسائل الجوهرية في الهبة المراد ابرامها . وهذه المسائل الجوهرية هي بيان المال الموعود بهبته بياناً كافياً ، ولا يشترط أن يكون هذا المال موجوداً وقت الوعد ، وإنما يشترط وجوده وقت ظهور رغبة الموعود له في إبرام الهبة وإلا كانت الهبة باطلة . كما لا يشترط أن يكون المال مملوكاً وقت الوعد للواعد في حالة الوعد بالايهاب ، أو للموعود له في حالة الوعد بالاتهاب ، وإنما يشترط أن يكون مملوكاً لكل منهما وقت ظهور الرغبة ، وإلا لم تنفذ الهبة في حق المالك الحقيقي وكانت قابلة للإبطال لمصلحة الموهوب له . كذلك يجب أن يبين في الوعد إن كانت الهبة المراد إبرامها مقترنة بعوض أو تكاليف والتزامات ، وما هو هذا العوض أو هذه التكاليف والالتزامات . ويجب أخيراً تعيين المدة التي يجب في خلالها إبرام عقد الهبة ، ويقع هذا التعيين صراحة أو دلالة . وإذا اتفق الطرفان على أن تكون المدة هي المدة المعقولة ، وكانت هناك عناصر تنهض لتحديد هذه المدة ، جاز الوعد بالهبة لأن المدة هنا تكون قابلة للتحديد ، وإذا اختلفت الطرفان على تحديدها تكفل القاضي بذلك .
ويجب أن يكون الوعد بالهبة – إيهاباً أو اتهابا – في ورقة رسمية ، كما يقضى بذلك صريح نص المادة 490 مدني سالفة الذكر ، وإلا لم ينعقد الوعد . ومن ثم يقع الوعبد بالهبة غير المكتوب أصلاً أو الثابت في ورقة 41 عرفية باطلا ، ولا يجوز إجبار الواعد على تنفيذ وعده تنفيذاً عينياً ، لأن هذا يقتضي تدخلا شخصياً من الواعد لاتمام رسمية الهبة ، وإجباره على هذا التدخل الشخصي ممتنع . ولا يجوز كذلك أن يقوم الحكم على الواعد بالتنفيذ مقام الهبة ، لأن الوعد بالهبة باطل كما قدمنا ، ولانه لو جاز ذلك لامكن بطريق ملتو أن يصل الشخص إلى إبرام هبة دون ورقة رسمية إذ يقتصر على وعد بالهبة غير رسمي يصل به إلى حكم يقوم مقام الهبة ( [27] ) .
والأهلية المطلوبة للهبة يجب أن تتوافر في الواعد وقت الوعد ، فيجب أن يكون في هذا الوقت أهلاً للإيهاب أو للاتهاب ، ولو فقد الأهلية وقت التعاقد النهائي . وعيوب الإرادة بالنسبة إلى الواعد تقدر وقت الوعد أيضاً لأنه لا يصدر منه رضاء بعد ذلك ، إذ أن الهبة النهائية تتم بمجرد ظهور رغبة الموعود له . أما أهلية الموعود له فتقدر وقت التعاقد النهائي لا وقت الوعد ، فيصح أن يكون غير أهل وقت الوعد بشرط أن تتوافر فيه الأهلية وقت ظهور رغبته ، ذلك أنه لا يلتزم بشيء وقت الوعد وإنما يلتزم عند التعاقد النهائي . أما عيوب الإرادة فتقدر بالنسبة إليه وقت الوعد ووقت التعاقد النهائي معاً ، إذ أنه يصدر منه رضاء في كل من هذين الوقتين فيجب أن يكون رضاؤه في كل منهما صحيحا ( [28] ) .
26 – الأثر الذي يترتب على الوعد بالهبة : إذا انعقد الوعد بالهبة صحيحاً على النحو الذي قدمناه ، فإن الأثر الذي ترتب عليه يجب أن 42 نميز فيه بين مرحلتين ، يفصل بينهما ظهور رغبة الموعود له في إبرام الهبة نهائياً .
ففي المرحلة التي تسبق ظهور الرغبة لا يكسب الوعد الموعود له إلا حقاً شخصياً ، ولا يرتب في ذمة الواعد إلا التزاما . فالواعد وحده ، سواء كان واعداً بالايهاب أو واعدا بالاتهاب ، يترتب في ذمته التزام شخصي هوان يقوم بوعده عند ظهور رغبة الموعود له ، فيهب المال الموعود بايهاب أو يقبل أن يوهب إليه ، وهذا التزام بعمل ، أما الموعود له فلا يلتزم بشيء . ويترتب على ذلك أن الواعد بالايهاب يبقى مالكا للشيء الذي وعد بإيهابه طوال هذه المرحلة الأولى ، وله أن يتصرف فيه إلى وقت التعاقد النهائي ، ويسرى تصرفه في حق الموعود له متى توافرت الشروط المتعلقة بالشهر بالنسبة إلى العقار . فإذا باع الواعد بالايهاب العقار الموعود بإيهابه إلى آخر أو وهبه إياه وسجل المشتري أو الموهوب له الثاني التصرف الصادر إليه ، فليس للموعود له إلا الرجوع بتعويض على الواعد . بل إن الموعود له لا يرجع بتعويض إذا كان الواعد بالايهاب في حالة من الحالات التي يجوز فيها الرجوع في الهبة وسنبسطها فيما بعد ، ذلك أنه يجوز الرجوع في الوعد بالإيهاب حيث يجوز الرجوع في الهبة نفسها ( [29] ) .
أما المرحلة الثانية فتحل بظهور رغبة الموعود له في إبرام الهبة في خلال المدة المتفق عليها . فإذا لم تظهر هذه الرغبة قبل انقضاء المدة ، سقط الوعد بالهبة . أما إذا ظهرت ، فإن الهبة النهائية تتم بمجرد ظهور هذه الرغبة ولا حاجة لرضاء جديد من الواعد ، وتعتبر الهبة النهائية قد تمت من وقت ظهور الرغبة لا من وقت الوعد . غير أن ظهور رغبة الموعود 43 له ، في حالة الوعد بالاتهاب ، يجب أن يكون في ورقة رسمية . وإذا امتنع الواعد من تنفيذ التزامه بعد ظهور رغبة الموعود له في إبرام الهبة النهائية ، جاز استصدار حكم ضده ما دام الوعد مكتوباً في ورقة رسمية ، وقام الحكم مقام عقد الهبة النهائي . وإذا كان المال الموهوب عقارا سجل الحكم ، فتنتقل الملكية إلى الموهوب له . وهذا هو ما تنص عليه المادة 102 مدني إذ تقول : ” إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل ، وقاضاه المتعاقد الآخر طالباً تنفيذ الوعد ، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة ، قام الحكم متى حاز قوة الشيء المقضى مقام العقد ” ( [30] ) .
المطلب الثاني
شكل الهبة
27 – النصوص القانونية : تنص المادة 488 من التقنين المدني على ما يأتي :
1 – تكون الهبة بورقة رسمية ، وإلا وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر .
2 – ومع ذلك يجوز في المنقول أن تتم الهبة بالقبض ، دون حاجة إلى ورقة رسمية ( [31] ) .
44
ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق المادتين 48 / 70 – 7149 ( [32] ) .
ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري المادة 456 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 477 – وفي التقنين المدني العراقي المادتين 602 – 603 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادتين 509 – 510 ( [33] ) .
45
1 – القاعدة العامة
الرسمية أو العينية
28 – مبررات الشكلية في عقد الهبة : الهبة في الأصل عقد شكلي ، وهي من العقود الشكلية النادرة التي بقيت حتى اليوم ، بعد أن أصبحت الكثرة الغالبة من العقود رضائية تتم بمجرد تلاقى الإيجاب والقبول .
وقد اعترض بعض الفقهاء على هذه الشكلية في عقد الهبة . ولكن يبرر الشكلية في الهبة إنها عقد خطير ، لا يقع إلا نادراً ولدوافع قوية . وإذا كان البيع يكثر وقوعه في التعامل وهو عقد معاوضة يأخذ البائع فيه مقابلا لما أعطى ، فإن الهبة كما قدمنا عقد نادر الوقوع وبه يتجرد الواهب عن ماله دون مقابل . فالواهب في اشد الحاجة إلى التأمل والتدبر ، وتعينه الشكلية على ذلك ( [34] ) .
46
والورقة الرسمية ، بما تتضمنه من إجراءات معقدة ، وما تستتبعه من جهر وعلانية ، وما تستلزمه من وقت وجهد ، نافعة كل النفع لحماية الواهب ، ولحماية أسرته ، بل ولحماية الموهوب له نفسه . فهي نافعة للواهب ، إذ هو في الوقت الذي يتجرد فيه عن ماله دون مقابل في حاجة كما قدمنا إلى التدبر ، ليأمن من شر الاندفاع وراء انفعالات عارضة ( [35] ) . وهي نافعة لأسرة الواهب ، إذ الواهب وهو يتجرد عن ماله دون مقابل بسلب ورثته بعض حقهم في تركته ، وقد يكون في إجراءات الورقة الرسمية وعلانيتها سبيل للورثة إلى الاحاطة بما يقدم عليه مورثهم ، فيبصرونه بمغبة عمله . والورقة الرسمية نافعة للموهوب له نفسه ، فإن الهبة عقد يسهل الطعن فيه ، فخير للموهوب له أن يتسلح بهذه الرسمية للدفاع عن حقه .
وإذا أن القانون استغنى في المنقول عن الورقة الرسمية بالقبض ، فذلك أثر من الآثار الباقية في إيثار العقار على المنقول في وجوه الحماية . على أن القبض أكثر ملاءمة لطبيعة المنقول ، وهو عمل مادي كفيل أن ينبه الواهب إلى خطر أقدم عليه ، إذ يتجرد به عن حيازة الشيء الموهوب .
على أن القانون قد تخفف من كل من الرسمية والعينية في كثير من الاستثناءات سنبسطها فيما يلي ، وقد قصد من ذلك إلى تيسير التعامل ما وجد إليه سبيلا .
47
وننتقل الآن إلى بيان شكل الهبة ، وإلى ما فرضه القانون من جزاء على هذا الشكل .
أولاً – شكل الهبة
29 – التمييز بين العقار والمنقولك يجب في بيان شكل الهبة أن نميز بين العقار والمنقول . فهبة العقار لا تتم إلا بورقة رسمية ، أما هبة المنقول فتتم إما بورقة رسمية وإما بالقبض . وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 488 مدني التي أسلفنا ذكرها ( [36] ) .
1 – شكل الهبة في العقار
30 – أنواع الشكلية في التشريعات المختلفة : تتفق أكثر التشريعات الأجنبية على اشتراط الشكلية في عقد الهبة ، ولكنها تختلف في نوع الشكلية الواجبة . ويمكن القول إن الشكلية في هذه التشريعات على ضربين . أحدهما لا ينصب على إرادة المتعاقدين ، بل يترك التراضي في الهبة حراً طليقاً من الشكل ، فإذا انعقدت الهبة بالتراضي كان لا بد في تمامها على وجه بات من تصديق السلطة القضائية أو إقرار من هذه السلطة . والضرب الثاني من الشكلية ينصب على التراضي ذاته ، فلا بد من أن يصدر في شكل خاص أمام موظف مختص ، قد يكون موثقاً للعقود ، وقد يكون أمينا للسجل العقاري ، وقد يكون أحد القضاة .
وفي الضرب الأول من الشكلية – تصديق السلطة القضائية – تختلف سلطة القاضي في التصديق من تشريع إلى تشريع . فمن التشريعات ما يقتصر 48 مهمة القاضي على تسجيل الهبة في سجلات المحكمة ، فليس له أن يتعرض عليها إلا إذا كانت لسبب غير مشروع ، وذلك مثل تشريعات سابقة لبعض الولايات الألمانية والولايات السويسرية . ومن التشريعات ما يجعل للقاضي سلطة واسعة في إقرار الهبة أو عدم إقرارها وقد تذهب هذه السلطة بعيدا إلى حد أن يرفض القاضي تسجيل الهبة لأنها تجرد الواهب من أسباب معيشته ، وقد كان ذلك شأن التشريعات الأسبانية والبرتغالية السابقة على التشريعات الحالية .
وقد أخذ هذا الضرب من الشكلية يختفي من التشريعات ، ويسود الضرب الثاني وهو الشكلية التي تنصب على التراضي نفسه . وأكثر ما تكون هذه الشكلية ورقة رسمية يحررها موثق للعقود مختص ، كما هو الأمر في مصر وسورية وليبيا وفرنسا ( [37] ) وايطاليا وأسبانيا والبرتغال وهولندا . وقد تكون الجهة المختصة بتوثيق الهبة هي المحكمة ، كما هو الأمر في بعض الولايات الألمانية ، ولكن المحكمة في هذه الحالة تقتصر على مجرد التوثيق ، فلا تنتقل منه إلى التصديق . وقد تكون الرسمية هي تسجيل الهبة في الدائرة المختصة كدائرة الطابو أو السجل العقاري ، كما هو الأمر في العراق وفي لبنان ( [38] ) .
31 – شكلية الهبة في مصر هي الورقة الرسمية : وهبة العقار في مصر لا تتم إلا بورقة رسمية ( [39] ) ، فالشكلية في مصر هي الورقة الرسمية 49 كما قدمنا . وعلى المتعاقدين أن يتقدما لا مكتب من مكاتب التوثيق ، وليس ضرورياً أن يكون هذا هو مكتب التوثيق الذي يوجد في دائرته العقار الموهوب ، فقد يكون هذا العقار في إحدى مديريات الصعيد وتوثق الهبة في مكتب للتوثيق بالقاهرة . ويقوم الموثق بتوثيق عقد الهبة ، بعد دفع الرسم المستحق . ويجب عليه قبل إجراء التوثيق أن يتثبت من أهلية المتعاقدين ورضائهما ؛ وله أن يطلب إثباتاً لأهلية المتعاقدين تقديم ما يؤيد تلك الأهلية من مستندات كشهادة ميلاد أو شهادة طبية أو مستند آخر . وإذا تمت الهبة بوكيل ، فعلى الموثق أن يتأكد من أن مضمون الهبة لا يجاوز حدود الوكالة . ولا يجوز التوثيق إلا بحضور شاهدين كاملي الأهلية مقيمين بالأقليم المصري ولهما إلمام بالقراءة والكتابة ولا صالح لهما في الهبة ور تربطهما بالمتعاقدين أو بالموثق صلة قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة الرابعة ، وعلى الشاهدين أن يوقعا عقد الهبة مع المتعاقدين والموثق . ويجب على الموثق قبل توقيع المتعاقدين على الهبة أن يتلو عليهما الصيغة الكاملة للعقد ، وأن يبين لهما الأثر القانونين المترتب عليه . وإذا أتضح للموثق عدم توافر الأهلية أو عدم توافر الرضا لدى المتعاقدين ، أو إذا كانت الهبة المطلوب توثيقها ظاهرة البطلان كأن كان المال الموهوب مالا مستقبلا ، كان للموثق أن يرفض التوثيق وأن يعيد المحرر إلى ذوى الشأن بكتاب موصى عليه مع إبداء الأسباب . وللمتعاقدين أن يتظلما إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي يقع مكتب التوثيق في دائرتها ، وذلك في خلال عشرة أيام من إبلاغ الرفض إليهما . ولهما أن يطعنا في القرار الذي يصدره القاضي أمام غرفة المشورة بالمحكمة الابتدائية ، وقرار القاضي أو غرفة المشورة لا يحوز قوة الأمر المقضى في موضوع الهبة ، فإذا قضى القرار بأهلية المتعاقدين أو بعدم أهليتهما أو بصحة الهبة أو ببطلانها لم يكن ذلك بحجة أمام القضاء العادي إذا رفعت إليه فيما بعد قضية في هذا الشأن .
50
ويحتفظ مكتب التوثيق بأصل العقد ، ويسلم صورة تنفيذية منه لكل من المتعاقدين ، ثم يرسل صورة إلى المكتب الرئيسي القاهرة لحفظها فيه ( [40] ) .
32 – قبول الهبة إذا كان منفصلا عن الإيجاب : ويغلب أن يكون قبول الموهوب له للهبة متصلا بإيجاب الواهب ، فتحرر الورقة الرسمية متضمنة كلا من الإيجاب والقبول في وقت واحد . ولكن قد ينفصل القبول عن الإيجاب ، فيوجب الواهب الهبة في وقت ويرسل إيجابه إلى الموهوب له ، فيقبل الموهوب له الهبة في وقت آخر . وفي هذه الحالة يجب أن يكون الإيجاب ، حتى ينعقد ، مكتوبا في ورقة رسمية الحالة يجب أن يكون الإيجاب ، حتى ينعقد ، مكتوبا في ورقة رسمية على الوجه الذي أسلفناه . أما القبول ، فيشترط في القانون الفرنسي أن يكون أيضاً في ورقة رسمية ( [41] ) . وكذلك فعل التقنين المدني السابق ، إذ نص في المادة 48 / 70 على ما يأتي : ” إنما إذا كان العقد المشتمل على الهبة ليس موصوفا بصفة عقد آخر ، فلا تصح الهبة ولا القبول إلا إذا كانا حاصلين بعقد رسمي ، وإلا كانت الهبة لاغية ” .
ولكن التقنين المدني المصري الجديد لم يشترط صراحة أن يكون القبول إذا انفصل عن الإيجاب مكتوباً في ورقة رسمية ، بل اقتصر على القول بأن ” تكون الهبة بورقة رسمية وإلا وقعت باطلة ” . وقد يقال إن الهبة إيجاب وقبول ، وما دامت الهبة يجب أن تكون بورقة رسمية ، فلا بد أن يكون كل من الإيجاب والقبول – متصلين أو منفصلين – في ورقة رسمية . 51 ولكن لما كانت التقنين الجديد قد اغفل النص صراحة على أن يكون القبول بورقة رسمية ، فإنه لم يرد – كما أراد التقنين الفرنسي – أن يجعل لقبول الموهوب له شكلا خاصاً . وتقضي القواعد العامة بأن الشكلية إذا كانت قد تقررت لحماية أحد المتعاقدين دون الآخر ، كما في الرهن ، فإنه يكفي توافرها في رضاء من تقررت لحمايته ، فتجب في رضاء المدين الراهن دون رضاء الدائن المرتهن . وينبني على ذلك أن قبول الهبة في التقنين المدني الجديد ، إذا كان منفصلا من الإيجاب ، يمكن أن يكون في ورقة عرفية ، بل يمكن أن يتم باللفظ ، أو حتى بمجرد السكوت كما أسلفنا القول ( [42] ) ، على أن تسرى القواعد العامة في الإثبات . ذلك أن الشكلية قد تقررت أصلاً لحماية الواهب ، فجاز تيسيراً على الموهوب له أن يقبل الهبة بأي طريق من طرق التعبير عن الإرادة ( [43] ) ، وفي هذا تخفف من الشكلية في عقد الهبة ( [44] ) .
33 – وجوب أن تتضمن الورقة الرسمية جميع شروط الهبة : وإذا جاز أن يكون القبول المنفصل للهبة في غير ورقة رسمية ، فإن الإيجاب المكتوب في ورقة رسمية يجب أن يشتمل على جميع عناصر الهبة من مال موهوب وواهب وموهوب له وجميع الشروط التي قد يحتويها هذا العقد من عوض والتزامات مفروضة على الموهوب له . ولا يجوز أن تستكمل هذه الورقة الرسمية ، في عنصر من عناصر الهبة أو فى التزام فيها ، بورقة 52 عرفية ، وإلا كانت الشكلية ناقصة وكانت الهبة باطلة . وإنما يجوز تفسير عقد الهبة ، فيما أشتمل عليه من عناصر والتزامات وشروط ، بأوراق عرفية أو بمراسلات أو بدلائل مادية أو بينية أو بقرائن أو بغير ذلك مما يستعان به عادة في تفسير العقود ، فإن عقد الهبة يفسر بالطرق ذاتها التي تفسر بها سائر العقود ( [45] ) .
34 – شكل الهبة يخضع لقانون البلد الذي تمت فيه : وكل ما أوردناه في شكل الهبة إنما يكون إذا أبرمت الهبة في مصر . أما إذا أبرمت خارج مصر ، فإن المادة 30 مدني تنص على أن ” العقود ما بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه ، ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسرى على أحكامها الموضوعية ، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك ” . فإذا وهب فرنسي من فرنسى آخر مالا في مصر حيث يقيمان ، وصدرت الهبة في ايطاليا ، فإن شكل هذه الهبة يجوز أن يخضع للقانون الإيطالي ، وهو قانون البلد الذي تمت فيه الهبة ( Locus regit actum ) . كما يجوز أن يخضع للقانون الفرنسي ، إما باعتباره القانون الذي يسري على الأحكام الموضوعية للهبة إذ الهبة تعد من الأحوال الشخصية بالنسبة إلى الفرنسيين ، وإنما باعتباره القانون الوطني المشترك للمتعاقدين . ويجوز أخيراً أن يخضع للقانون المصري ، باعتباره قانون موطن المتعاقدين . وتفصيل ذلك مكانه القانون الدولي الخاص .
53
( ب ) شكل الهبة في المنقول
35 – هبة المنقول تتم بورقة رسمية : وهبة المنقول يصح أن تتم بورقة رسمية ، كهبة العقار . ونص الفقرة الأولى من المادة 488 مدنى عام شامل للعقار وللمنقول ، فهو يقل : ” تكون الهبة بورقة رسمية ” . فيجوز إذن أن تنعقد الهبة في المنقول بورقة رسمية ( [46] ) ، وكل ما قررناه عن الورقة الرسمية في انعقاد هبة العقار يسري على هبة المنقول . فيجب أن توثق هبة المنقول في مكتب للتوثيق ، وفقاً للأوضاع والرسوم التي بيناها في هبة العقار ، ويجب أن تتضمن الورقة الرسمية جميع عناصر الهبة وشروطها وجميع ما عسى أن يفرض من التزامات على الموهوب له . وإذا كان القبول في هبة المنقول منفصلا عن الإيجاب ، جاز أن يكون القبول في ورقة عرفية ، بل جاز أن يكون شفوياً أو بالسكوت على الوجه الذي ذكرناه في هبة العقار .
وإذا وثقت هبة المنقول في ورقة رسمية ، انعقدت الهبة دون حاجة إلى أي إجراء آخر ، شأنها في ذلك شان هبة العقار . فلا ضرورة لانعقاد هبة المنقول الموثقة بورقة رسمية إلى القبض ، فالقبض في هبة المنقول ليس إجراء واجباً إلى جانب الورقة الرسمية ، بل هو إجراء يغني عن الرسمية . فلا محل إذن للجمع بين الإجرائين ، الرسمية والقبض ( [47] ) .
فالورقة الرسمية تكفي إذن في هبة المنقول . أما في فرنسا ، فلا بد إلى جانب الورقة الرسمية من كشف يبين المنقولات الموهوبة مع تقدير 54 قيمتها ( etat estimatif ) ، ويوقع على هذا الكشف كل من الواهب والموهوب له ، ويرفق بأصل الورقة الرسمية للهبة ، وتقضى بكل ذلك المادة 948 من التقنين المدني الفرنسي . والمقصود من هذا الإجراء هو حصر المنقولات الموهوبة ، فلا يتمكن الواهب بعد الهبة من استرجاع بعض هذه المنقولات أو إتلافها أو إبدال غيرها بها من منقولات أقل قيمة ( [48] ) . وفي مصر لا ضرورة لهذا الكشف في هبة المنقول كما قدمنا ، ويكفى أن تعين المنقولات الموهوبة في الورقة الرسمية للهبة تعييناً كافياً بحيث لا يقع لبس فيها ، تطبيقاً للقواعد العامة في تعيين المحل .
36 – ويجوز أن تتم هبة المنقول أيضاً بالقبض – الهبات اليدوية : والورقة الرسمية ليست الطريقة الوحيدة لانعقاد هبة المنقول كما قدمنا ، فكما تنعقد هبة المنقول بالورقة الرسمية يجوز أيضاً أن تنعقد بالقبض ، ويغنى القبض في هذه الحالة عن الورقة الرسمية كما سبق القول . فهبة المنقول إما أن تكون عقداً شكلياً إذا انعقدت بورقة رسمية ، وإما أن تكون عقداً عينياً إذا انعقدت بالقبض ( [49] ) . وإذا لجأ المتعاقدان إلى القبض في إبرام هبة المنقول ، سميت الهبة عندئذ بالهبة اليدوية ( don manuel ) .
وفي فرنسا لا يوجد نص صريح يجعل القبض كافياً في انعقاد هبة المنقول ، ولكن الفقه والقضاء مجمعان على صحة الهبات اليدوية ، وتتم بمجرد القبض دون حاجة إلى ورقة رسمية ، بل ولا إلى كشف ببيان المنقولات الموهوبة وتقدير قيمتها . ويستندون ف فرنسا ، في صحة الهبات 55 اليدوية ، إلى التقاليد القديمة ، وإلى أن نص المادة 931 مدني فرنسي لا يحرم الهبات اليدوية ، إذ أن هذا النص إنما يشترط الرسمية في السند ( acte ) الذي تكتب فيه الهبة ، فإذا كانت هبة المنقول بغير سند مكتوب فإنها تخرج عن نطاق هذا النص ، كما يستندون إلى بعض نصوص تشريعية أخرى لا محل هنا لذكرها . والذي يعنينا فيما نستند إليه الهبة اليدوية في فرنسا إنها تؤسس هناك على حيازة الموهوب له للمنقولات الموهوبة حيازة كاملة ، وهي الحيازة التي يحميها القانون بدعاوى الحيازة وتفضى في بعض الأحيان إلى التملك ، ولا يكفي مجرد القبض بطريقة من الطرق التي نص عليها القانون في البيع تنفيذا لالتزام البائع بتسليم الشيء المبيع ( [50] ) .
أما في مصر ، فتقاليد الفقه الإسلامي تقضي بأن الهبة لا تتم إلا مقبوضة ( [51] ) . وقد وجد نص صريح في التقنين المدني يقضي بأن الهبة في 56 المنقول تتم بالقبض دون حاجة إلى ورقة رسمية . وجد هذا النص في التقنين المدني السابق ، إذ كانت المادة 49 / 71 من هذا التقنين تقضي بأن ” تعتبر الهبة في الأموال المنقولة صحيحة بدون احتياج إلى تحرير عقد رسمي بها إذا حصل تسليمها بالفعل من الواهب واستلامها من الموهوب له ( [52] ) ” . ووجد هذا النص أيضاً في التقنين المدني الحديث ، إذ تقضي الفقرة الثانية من المادة 488 مدني بما يأتي : ” ومع ذلك يجوز في المنقول أن تتم الهبة بالقبض ، دون حاجة إلى ورقة رسمية ( [53] ) ” . 57 ونلاحظ منذ الآن الفرق في التعبير بين نص التقنين السابق ونص التقنين الجديد . التفقنين السابق يتمشى مع تقاليد القانون الفرنسي ، إذ يشترط في هبة المنقول التسليم الفعلي من الواهب والتسليم الفعلي من الموهوب له . وهذا وذاك يؤديان معا إلى نقل الحيازة إلى الموهوب له على النحو الذي ذكرناه في القانون الفرنسي . أما التقنين الجديد فلا يذكر التسليم والتسلم الفعليين ، ويكتفى بمجرد القبض ( [54] ) ، حتى أنه لما اقترح في لجنة مجلس الشيوخ أن يضاف نص يقضي بوجوب التسليم والتسليم الفعليين ، لم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح ” فليس ثمة ما يدعو إلى تعريف القبض على هذه الصورة بالنسبة إلى الهبة بخصوصها ” ( [55] ) . وهذا المعنى العام الذي أعطى للقبض في هبة المنقول هام في المسالتين اللتين نتكفل الآن ببحثهما في هذا الصدد : ( أولاً ) كيف يتم القبض في الهبة اليدوية . ( ثانياً ) ما هي المنقولات التي يصح أن تكون محلا للهبة اليدوية .
37 – كيف يتم القبض في الهبة اليدوية : قدمنا أن القبض في القانون الفرنسي وفي التقنين المدني السابق يجب أن يكون قبضا فعليا من الجانبين ، أي تسليما فعليا من الواهب وتسلما فعليا من الموهوب له ، بحيث تنتقل حيازة الموهوب إلى الموهوب له حيازة كاملة تحميها دعاوى الحيازة وتفضى إلى التملك .
58
أما في التقنين المدني الجديد فيبدو أن المشرع لم يرد أن يتقيد بهذا التحديد في القبض ، فأطلق اللفظ ، وأصبح قبض الهبة معادلا لتسليم المبيع ( [56] ) . وقد رأينا في البيع أن المادة 435 مدني تنص على ما يأتي : ” 1 – يكون التسليم بوضع المبيع تحت تصرف لمشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق ولو لم يستول عليه استيلاء ماديا مادام البائع قد اعمله بذلك . ويحصل هذا التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء المبيع . 2 – ويجوز أن يتم التسليم بمجرد تراضي المتعاقدين إذا كان المبيع في حيازة المشتري قبل البيع أو كان البائع قد استبقي المبيع في حيازته بعد البيع لسبب أخر غير الملكية ” . ويخلص من ذلك أن القبض في الهبة اليدوية قد يكون تسليما فعليا من الواهب وتسليما فعليا من الموهوب له ، وقد يكون تسليما فعليا من الواهب غير مقترن بتسليم فعلى من الموهوب له ( [57] ) ، وقد يكون تسليما حكميا . ونستعرض هذه الصور المختلفة .
يكون التسليم والتسلم الفعلي للمنقول عادة بالمناولة ، فيناول الواهب الموهوب له المنقول الموهوب يداً بيد ، وتنتقل بذلك حيازة الموهوب من الواهب إلى الموهوب له ، فتتم الهبة بالقبض . وهذا إذا كانت طبيعية المنقول تسمح بمناولته مناولة مادية ، كما إذا كان المنقول نقوداً ( [58] ) 59 أو ساعة أو خاتما أو مجوهرات أو أثاثا أو كتبا أو نحو ذلك من المنقولات المادية . وإذا كان الموهوب حقا شخصياً حوله الواهب للموهوب له على سبيل التبرع ، فالقبض يكون بتسليم سند الحق للموهوب له ليتمكن من استعماله في مواجهة المحال عليه . ويخلص من ذلك أن القبض في هبة المنقول يتكيف بحسب طبيعة المبيع ( [59] ) . وقد يسلم الواهب المنقول لوسيط بقصد تسليمه الموهوب له ، فيتم القبض عادة بتسليم الوسيط المنقول للموهوب له وفقاً لتعليمات الواهب ، ويكون الوسيط في هذه الحالة نائباً عن الواهب ( [60] ) . وقد يكون الوسيط نائبا عن الموهوب له ( [61] ) ، فيتم القبض بتسليم الواهب المنقول للوسيط ، ولا حاجة في تمام القبض لأن يسلم الوسيط المنقول للموهوب له فقد تسلمه نيابة عنه ويده هي يد الموهوب له ( [62] ) .
وقد يتم القبض بالتسليم الفعلي من الواهب ، بأن يضع المنقول تحت تصرف الموهوب له بحيث يتمكن هذا من حيازته والانتفاع به دون عائق ، ولكن الموهوب له لا يستولى على المنقول بالفعل استيلاء مادياً . فما دام 59 الموهوب له عالماً بوضع المنقول تحت تصرفه متمكناً من الاستيلاء عليه ، فإن هذا يكفي لتمام القبض في الهبة كفايته لتمام التسلم في المبيع ( [63] ) . وهذه 61 الصورة لا تعتبر قبضاً في القانون الفرنسي ولا في التقنين المدني المصري السابق ، لأنه يشترط في هذين القانونين أن يتم تسلم الموهوب له فعلا للمنقول كما سبق القول .
يبقى أن نبين أن القبض الحكمى في هبة المنقول يكفي لتمام الهبة كما يكفي لتسليم المبيع . وقد رأينا في الفقرة الثانية من المادة 435 مدني في خصوص البيع تنص على ما يأتي : ” ويجوز أن يتم التسليم بمجرد تراضي المتعاقدين إذا كان المبيع في حيازة المشتري قبل البيع أو كان البائع قد استبقي المبيع في حيازته بعد البيع لسبب أخر غير الملكية ” ( [64] ) . وهذا النص إنما هو تطبيق تشريعي لمبدأ عام في انتقال الحيازة ، إذ تنص المادة 953 مدني على أنه ” يجوز أن يتم نقل الحيازة دون تسليم مادي إذا استمر الحائز واضعا يده لحساب من يخلفه فى الحيازة ، أو استمر الخلف واضعا يده ولكن لحساب نفسه ” . فللقبض الحكمى صورتان : ( الصورة الأولى ) أن يكون المنقول في حيازة الموهوب له قبل الهبة ، باجارة أو إعارة أو وديعة أو رهن حيازى أو نحو ذلك ، ثم تقع الهبة . فيتفق الواهب مع الموهوب له على أن يبقى المنقول في حيازة هذا الأخير ، ولكن لا كمستأجر أو مستعير أو مودع عنده أو مرتهن ، بل كمالك عن طريق الهبة . ولا نرى مانعاً من أن تنطبق هذه الصورة من القبض الحكمى على هبة المنقول ، فإن الواهب فيها يكون قد تجرد عن حيازة المنقول بعد الهبة باتفاق جديد غير الاتفاق على الهبة ، وهذا يكفي في تنبيه الواهب إلى خطر 62 ما أقدم عليه ، ويكفي في الوقت ذاته في التدليل على أن الواهب قد صمم على المضى في هبته ، فهو لم يتفق مع الموهوب له على الهبة فحسب بل اتفق معا أيضاً على نقل الحيازة إليه ( [65] ) . ( والصورة الثانية ) أن يبقى المنقول في حيازة الواهب بعد الهبة ، ولكن لا كمالك بل كمستأجر أو مستعير أو مودع عنده أو غير ذلك مما يترتب على عقد يستلزم نقل حيازة الشيء .
ولا نرى أن هذه الصورة من القبض الحكمي تكفي لتمام الهبة اليدوية ، لأن الواهب لم يتجرد عن الحيازة على وجه ينبهه إلى خطر ما أقدم عليه ويدل على تصميمه على المضى في الهبة ( [66] ) . فلا بد إذن من أن يسلم الواهب المنقول للموهوب له ، ثم يرده الموهوب له للواهب على سبيل الإيداع أو الإيجار أو العارية أو أي سبيل آخر .
63
38 – المنقولات التي يصح أن تكون محلا للهبة اليدوية : تقول الفقرة الثانية من المادة 488 مدني : ” ومع ذلك يجوز في المنقول أن تتم الهبة بالقبض دون حاجة إلى ورقة رسمية ” . ونرى من ذلك أن النص أطلق ، فلم يميز بين منقول ومنقول ، فكل منقول يصح أن يكون محلا للهبة اليدوية . أما في القانون الفرنسي وفي التقنين المدني المصري السابق ، فالقبض الفعلي ضروري لتمام هبة المنقول كما قدمنا ، فلا يصح في هذين القانونين أن يكون محلا للهبة اليدوية إلا منقول قابل أن يرد عليه القبض الفعلى ، أي المنقولات المادية وحدها .
ففي التقنين المدني المصري الجديد إذن يصح أن يكون محلا للهبة اليدوية المنقولات المادية والمنقولات المعنوية .
فإذا وهب شخص لآخر نقوداً أو مجوهرات أو كتباً ، وقبضها الموهوب له ، تمت الهبة ( [67] ) . ويجوز أن تقع الهبة على حق الانتفاع 64 ( usufruit ) في الكتب أو المجوهرات دون الرقبة ، أو على الرقبة دون حق المنفعة . وتتم الهبة اليدوية في هذه الأحوال جميعاً بقبض الموهوب له الكتب أو المجوهرات ، على اعتبار أن المقبوض هو الملكية الكاملة أو حق الانتفاع وحده أو حق الرقبة وحده ( [68] ) .
ويصح أن ترد الهبة اليدوية في التقنين المصري الجديد على السندات ، سواء كانت لحاملها ( au porteur ) ، أو كانت تحت الإذن ( a ordre ) ، أو كانت سندات اسمية ( titres nominatifs ) ، فهذه كلها منقولات ، وإن كانت منقولات معنوية . ويقبضها الموهوب له بالتسلم الفعلي في السندات لحاملها ، وبالتظهير مع تسلم السند في السندات تحت الإذن ، وينقل السند إلى اسمه طبقا للإجراءات المقررة لذلك مع تسلم السند في السندات الاسمية 65 أما في فرنسا فترد الهبة اليدوية على السندات لحاملها دون غيرها ، لأنها في حكم المنقولات المادية ، ولا ترد الهبة اليدوية على السندات تحت الإذن ولا على السندات الإسمية ( [69] ) .
ويصح أن ترد الهبة اليدوية في التقنين المدني المصري الجديد على الديون ( creances ) ، وإن كانت منقولات معنوية . فيجوز إذن أن يحول الدائن لأجنبي الدين الذي له في ذمة المدين وفقاً للإجراءات المقررة في حوالة الحق ، وتكون الحوالة على سبيل التبرع ، ثم يتسلم الموهوب له سند الدين وهذا هو القبض ( [70] ) .
أما الملكية الأدبية والفنية والصناعية ، كحقوق المؤلف وبراءة الاختراع والعلامات التجارية وغير ذلك ، فهذه تنظمها قوانين خاصة . وقد نصت المادة 86 مدني صراحة على ذلك إذ تقول : ” القوانين التي ترد على لشيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة ” . فلا ترد على هذه الحقوق الهبة اليدوية ، لا في فرنسا ولا في مصر ( [71] ) . ولكن ذلك لا يمنع من أن ترد الهبة اليدوية على نتاج هذه الملكية إذا كانت منقولا ، فترد على كتاب بالذات هو نتاج حق المؤلف ، أو على تمثال أو على صورة زيتية أو نحو ذلك وهذا هو نتاج حق الفنان . كذلك المتجر ( [72] ) ( fonds de commerce ) ، 66 وإن كان منقولا ، يخضع لقانون خاص ينظمه . وكذلك السفن ( [73] ) والطائرات ، فهي تخضع لنظم خاصة ( [74] ) .
39 – الإثبات في الهبة اليدوية : وتخضع الهبة اليدوية للقواعد العامة المقررة في الإثبات . وتعرض الحاجة عملا لإثبات الهبة اليدوية في فرضين مختلفين : ( 1 ) أن يدعى الحائز لمنقول أن هذا المنقول قد وهبه له صاحبه وقبضه منه ، فتمت الهبة بالقبض . ( 2 ) أن يدعى شخص أنه قد وهب آخر منقولا وسلمه إياه ، ويريد الآن الرجوع في الهبة وفقا للقواعد المقررة في هذا الشأن ، فينكر حائز المنقول أنه تلقى المنقول هبة من المدعى .
والفرض الأول ، حيث يدعى حاز المنقول أن المنقول قد وهبه له صاحبه ، يعرض غالبا عند موت الواهب . فتجد الورثة أن بعض منقولات المورث في أيدي من كانوا يحيطون به عند موته من عشراء وممرضين وخدم ومن إليهم ، فيقع النزاع بني الوارث والحائز للمنقول ، الأول يدعى أن المنقول ملك للمورث فيدخل في التركة ، والآخر يقول إن المورث وهبه له قبل موته وسلمه إياه فأصبح ملكه ( [75] ) . ففي هذا الفرض لو أن من يدعى الهبة لم يكن حائزاً للمنقول ، لوجب عليه وفقا للقواعد العامة أن يثبت عقد الهبة ( [76] ) ، وأن يثبت فوق ذلك أنه قبض المنقول 67 ثم فقد حيازته ، والقبض واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق . ولكن من يدعى الهبة حائز للمنقول كما قدمنا ، فالحيازة قرينة على الملكية ، وتقول المادة 694 مدني في هذا الصدد : ” من كان حائزاً للحق اعتبر صاحبه ، حتى يقوم الدليل على العكس ” . فيفرض إذن أن الحائز مالك للمنقول ، حتى يقيم الوارث الدليل على أنه غير مالك . ويستطيع الوارث أن يثبت عدم ملكية الحائز ، للمنقول من وجوه شتى . فقد تكون الحيازة التي يعتمد عليها الحائز معيبة بعيب من عيوب الحيازة ، ومن أهم هذه العيوب الغموض والخفاء . وهذه العيوب وقائع مادية يستطيع الوارث أن يثبتها بجميع الطرق ، ويدخل في ذلك البينة والقرائن . ومن القرائن على غموض الحيازة أن يكون الحائز خليطا للمورث مساكنا إياه عند موته ، فإذا وجد المنقول في حيازته شاب الحيازة غموض ( equivoque ) إذ المنقول لم يخرج من منزل المورث وقد يكون الحائز استولى عليه خلسة أو بغير إرادة صاحبه ( [77] ) . ومن القرائن على خفاء الحيازة أن يخفى الحائز السندات التي يدعى إنها وهبت له ، فلا يقبض ” كوبوناتها ” إلا بعد مدة طويلة من موت صاحبها ، فيؤخذ ذلك منه قرينة على أن يتستر في حيازته للسندات حتى لا يفتضح أمره عقب موت المورث ، ويتربص بها فرصة سائحة . وقد لا يطعن الوارث في الحيازة ذاتها ، ولكن يطعن في عقد الهبة ، فيدعى أنه صدر في مرض الموت ، أو أنه صدر نتيجة لاستغلال الموهوب له للواهب أو أنه تسلط على إرادته واستهواه ونحو ذلك من وجوه الطعن . وكل هذه وقائع مادية ، على الوارث إثباتها ، وله أن يثبتها بجميع الطرق . وقد يعمد الوارث إلى الطعن في الحيازة بطريق مباشر ، فيدعى أن الحائز 68 قد اختلس المنقول ، وهذه أيضاً واقعة مادية يثبتها بجميع الطرق ( [78] ) .
وفي الفرض الثاني ، حيث يدعى شخص أنه وهب آخر منقولا وسلمه إياه ويريد الرجوع في الهبة نفينظر الحائز أنه تلقى المنقول هبة ، يكون على الشخص الذي يدعى أنه وهب المنقول أن يثبت هذه الهبة في مواجهة الحائز ، أما الحائز فلا يكلف إثباتاً لأن الحيازة قرينة على الملكية . ويثبت من يدعى الهبة العقد وفقا للقواعد المقررة في الإثبات ، فإذا زادت قيمة المنقول على عشرة جنيهات وجب الإثبات بالكتابة أو بما يقوم مقامها .
ثانياً – جزاء الإخلال بشكل الهبة
40 – مسألتان : إذا اختل شكل الهبة ، ولم يستوف الشروط التي بسطناها فيما تقدم ، كانت الهبة باطلة لا أثر لها ( م 488 / 1 مدني ) . ولكن قد ينفذ الواهب أو ورثته مختارين هذه الهبة الباطلة ويسلمون الموهوب للموهوب له ، فعند ذلك لا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه ( م 489 مدني ) . فهناك إذن مسألتان : ( 1 ) بطلان الهبة لاختلال الشكل ( 2 ) التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة بسبب عيب في الشكل .
69
( ا ) بطلان الهبة لاختلال الشكل
41 – اختلال شكل الهبة : يختل شكل الهبة في العقار إذا لم توثق الهبة في ورقة رسمية على النحو الذي بسطناه فيما تقدم ، أو إذا وثقت ولكن الورقة الرسمية كانت باطلة لسبب من أسباب بطلان الأوراق الرسمية . ويختل شكل الهبة في المنقول إذا لم توثق الهبة في ورقة رسمية صحيحة ، ولم يقم الموهوب له في الوقت ذاته بقبض المنقول حتى تصبح الهبة هبة يدوية ( [79] ) .
42 – جزاء اختلال الشكل هو البطلان المطلق : فإذا اختلف شكل الهبة في العقار أو في المنقول على النحو الذي أسلفناه ، فإن الهبة تكون باطلة بطلاناً مطلقاً ، ولا تنتج أثراً . فيبقى المال الموهوب لملكاً للواهب يستطيع أن يتصرف فيه كما يريد ، ولا ينتقل الملك إلى الموهوب له فلا يستطيع هذا أن يطالب بتسليمه المال ولا يستطيع أن يتصرف فيه ( [80] ) .
ويجوز للواهب أن يرفع دعوى البطلان ( [81] ) ، وأن يتمسك بالبطلان دفعاً في دعوى يرفعها عليه الواهب . كما يجوز لأي ذى مصلحة أن يتمسك بالبطلان ، فيتمسك به ورثة الواهب ، والخلف الخاص كمشتر من الواهب . وإذا كان الواهب قد سلم الشيء الموهوب للموهوب له ، وانقضت دعوى البطلان بالتقادم ( [82] ) ، جاز للواهب أن يرفع دعوى استحقاق يسترد بها 70 العقار ( [83] ) . ولا يستطيع الموهوب له أن يدفع هذه الدعوى بالتقادم ، فإن الدفوع لا تتقادم كما قدمنا عند الكلام في البطلان في نظرية العقد .
43 – البطلان في الأصل لا تلحقه الإجازة : ولما كان بطلان الهبة لعيب في الشكل هو بطلان مطلق كما قدمنا ، فإن الهبة الباطلة على النحو لا تصححها الإجازة ( [84] ) . وكل ما يستطيع المتعاقدان عمله هو أن يعيدا إبرام العقد من جديد ( [85] ) ، فيستوفيا الشكل المطلوب ، وعند ذلك تتم الهبة . ولكنها هبة جديدة غير الهبة الأولى الباطلة ، تاريخها من وقت استيفاء الشكل لا من وقت الهبة القديمة ، ويشترط توافر الأهلية في المتعاقدين عند عمل الهبة الجديدة ولا يكفي توافرها وقت إبرام الهبة القديمة .
فإذا كان الموهوب منقولا ولم توثق الهبة في ورقة رسمية أو وثقت في 71 ورقة رسمية باطلة ، ولكن الواهب اعتقد أن الهبة صحيحة وإنها تلزمه بتسليم المنقول إلى الموهوب له ، فقبضه هذا منهن لم يكن في تنفيذ الهبة على هذا النحو إجازة للهبة الباطلة ، فإن هذه الهبة لا تحلقها الإجازة كما قدمنا . ويستطيع الواهب في هذه الحالة أن يسترد المنقول الذي وهبه ، ولا يجوز للموهوب له أن يدفع بعدم جواز الاسترداد بدعوى أن الواهب قد نفذ الهبة استناداً إلى المادة 489 مدني التي سيأتي بيانها فيما يل ، فإن الواهب هنا لم ينفذ الهبة مختاراً وهو عالم ببطلانها ، وشرط عدم الاستراد تطبيقاً للمادة 489 مدني أن يكون الواهب يعلم ببطلان الهبة وينفذها باختياره كما سيأتي . ولا يكن القول من جهة أخرى إن الهبة – وهي هنا هبة في المنقول – بعد أن نفذت تصبح بالقبض على اعتبار إنها هبة يدوية ، فإن الواهب لم يسلم المنقول للموهوب له كإجراء متمم للهبة مكمل لركن التراضي كما هو الأمر في الهبة البدوية ، بل سلمه بعد أن اعتقد أن الهبة قد تمت وانه ملزم بالتسليم . ويجب التمييز بين تسليم وقع تنفيذاً لهبة قد تمت وتسليم وقع إتماماً لهبة لم تتم ، فالتسليم الثاني لا الأول هو التسليم المعتبر في الهبة اليدوية . ولكن هذا لا يمنع الواهب في الحالة التي نحن في صددها من أن يعيد إبرام الباطلة ، ويعيدها لا فحسب عن طريق توثيقها في ورقة رسمية صحيحة ، بل أيضاً عن طريق جعلها هبة يدوية ، فيسلم المنقول إلى الموهوب له لا تنفيذاً لالتزام عليه لأن الهبة لم تتم قبل التسليم كما قدمنا ، بل إتماماً للهبة فيعقب التراضي بالقبض شأن سائر الهبات اليدوية .
وسنرى الآن أن الهبة الباطلة لعيب في الشكل قد تلحقها الإجازة على سبيل الاستثناء ، وذلك من طريق واحد هو أن ينفذها باختياره الواهب أو ورثته .
72
( ب ) التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة لعيب في الشكل
44 – النصوص القانونية : تنص المادة 489 من التقنين المدني على ما يأتي :
” إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل ، فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه ” ( [86] ) .
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن حكمه كان مطبقاً دون نص لاتفاقه مع القواعد العامة .
ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري المادة 457 – وفي التقنين المدني الليبي المادة 478 – ولا مقابل لها في التقنين المدني العراقي ولا في تقنين الموجبات والعقود اللبناني ( [87] ) .
45 – هل يتخلف عن الهبة الباطلة لعيب في الشكل التزام طبيعي ؟ :
يتضح من الرجوع إلى الأعمال التحضيرية للتقنين المدني الجديد أن الفكرة السائدة عند وضع مشروع هذا التقنين كانت أن الهبة الباطلة لعيب في الشكل يتخلف عنها التزام طبيعي في ذمة الواهب ، وينتقل هذا الالتزام منه إلى ورثته ، فإذا نفذ الواهب أو ورثته مختارين هذا الالتزام الطبيعي كان التنفيذ وفاء لا يجوز استرداده . ويظهر ذلك في وضوح عندما نرى أن نص المشروع التمهيدي للمادة 489 وكان على الوجه الآتي : ” إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل انقلبت الهبة صحيحة ” . فعدل هذا النص في لجنة المراجعة على الوجه الآتي : ” إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل ، فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه ” . وهذا هو الوجه الذي استقر عليه في التقنين المدني الجديد . وقيل سببا لهذا التعديل إن النص قد عدل ” بما يجعله مستقيما مع القواعد العامة ، إذ أن تنفيذ الهبة الباطلة يعتبر تنفيذا لالتزام طبيعي ” . وفي لجنة الشئون التشريعية لمجلس النواب ” استفسر كيف لا يجوز استرداد الهبة التي سلمت إذا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا لعيب في الشكل ، فاجيب بان الهبة الباطلة بطلانا مطلقا لعيب في الشكل يتخلف عنها التزام طبيعي يعتبر تسليم الموهوب له للهبة تنفيذا له ، وأن لهذا السبب لا يجوز الاسترداد وفقا لقواعد الالتزامات الطبيعية ” ( [88] ) . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” على أنه إذا لم تستوف الهبة الشكل اللازم ، ولكن الواهب أو ورثته قاموا مختارين بتنفيذها ، كان هذا التنفيذ معتبرا ، ولا يجوز استرداد ما دفع وفاء للهبة ، لا لأن الهبة الباطلة انقلبت صحيحة بالتنفيذ كما جاء خطأ في المادة 663 من المشروع ، بل لأن الهبة الباطلة يتخلف عنها التزام طبيعي إذا نفذ لا يجوز استرداده . ويجب إذن حذف المادة 663 من المشروع ، فإن 74 ورودها في الصيغة التي وردت بها خطأ كما تبين ، ولا حاجة لإيرادها في صيغة صحيحة فإن حكمها يمكن استخلاصه من القواعد العامة ، وهو أقرب إلى الفقه منه إلى التشريع ” ( [89] ) .
46 – التنفيذ الاخيتاري للهبة الباطلة العيب في الشكل إجازة للهبة وليس تنفيذا لالتزام طبيعي : وقد كنا ممن يذهب إلى أنا لهبة الباطلة لعيب في الشكل يتخلف عنها التزام طبيعي إذا نفذ لا يسترد ، ورددنا هذا الرأي في الموجز ( [90] ) ، كما رددناه في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي وأمام لجنة المراجعة على الوجه الذي بيناه فيما تقدم منقولا عن مجموعة الأعمال التحضيرية ( [91] ) .
75
ولكننا رجعنا عن هذا الرأي في الجزئين الأول والثاني من الوسيط عند الكلام في البطلان للشكل وفي الالتزام الطبيعي ، وأخذنا بالرأي الذي كان وارداً في نص المشروع التمهيدي قبل تعديله في لجنة المراجعة . فقد كان هذا النص يقضي كما رأينا بأنه ” إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل ، انقلبت الهبة صحيحة ” . فالهبة الباطلة من حيث الشكل ترد عليها الإجازة ، ما دام القانون قد نص على ذلك ، ونص في الوقت ذاته على الطريقة التي بها تجاز وهي التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة ، ومن ثم لا تلحق الإجازة الهبة الباطلة إلا بهذه الطريقة دون غيرها ، فلا تجاز بالقول أو بالتصرف أو بغير ذلك من طرق التعبير عن الإرادة الصريحة أو الضمنية ، وإنما تجاز بالتنفيذ الاختياري . ومعنى التنفيذ الاختياري أن يكون الواهب عالماً بان الهبة باطلة لعيب في الشكل ، ومع ذلك يقدم على تنفيذها راضيا مختارا وهو على بينة من أمره ، فيسلم المال الموهوب للموهوب له قاصداً بذلك إجازة الهبة . فعند ذلك تنقلب الهبة الباطلة إلى هبة صحيحة بهذه الإجازة الخاصة ، ومتى انقلبت صحيحة فقد نقلت ملكية المال الموهوب – عقارا كان أو منقولا – للموهوب له ، فلا يستطيع الواهب أن يسترده .
وهذا هو التكييف الذي تؤثره ، ونستند فيه إلى سببين رئيسيين :
( السبب الأول ) هو ما أوردناه في الجزء الأول من الوسيط في خصوص البطلان الذي يرجع إلى اعتبارات شكلية . فقد ذكرنا أن الشكل هو من صنع القانون ، والقانون هو الذي يعين الجزاء على الإخلال به ، 76 فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا تلحقه الإجازة ، وقد يسمح باجازته كما في الهبة الباطلة شكلا ( [92] ) .
( والسبب الثاني ) هو ما أوردناه في الجزء الثاني من الوسيط من أنه لو صح أن يتخلف عن الهبة الباطلة للشكل التزام طبيعي ، لصلح هذا الالتزام ، ليس فحسب للوفاء به فلا يسترد بعد الوفاء ، بل أيضاً ليكون سبباً لالتزام مدني ( م 202 مدني ) . فيستطيع الواهب أن يتهرب من الشكل على الوجه الآتي : يهب المال في ورقة عرفية ، فيتخلف عن هذه الهبة الباطلة للشكل التزام طبيعي ، يتخذه سببا لالتزام مدني نحو الموهوب له ينشئه أيضاً بورقة عرفية . وبذلك يتمكن الواهب عن طريق ملتو أن يهب ماله هبة مباشرة مكشوفة دون مراعاة الشكل الواجب قانونا ( [93] ) .
77
ويخلص مما قدمناه أنه إذا نفذ الواهب أو ورثته مختارين هبة باطلة في الشكل ، سواء كان المال الموهوب عقاراً أو منقولا ، فإنه لا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه ، لا لأن التنفيذ وفاء لالتزام طبيعي ، بل لأنه إجازة بطريقة خاصة – نص عليها القانون – لهبة باطلة في الشكل . وهذه الإجازة صححت الهبة ، فانتقلت الملكية للموهوب له ، فلم يعد الواهب يستطيع أن يستردها . ويجب أن نغفل في هذا الصدد ما جاء في المذكرة الإيضاحية وما ورد في الأعمال التحضيرية مما سبق أن ذكرناه تفصيلا ( [94] ) .
78
47 – هبة المنقول الباطلة لعيب في الشكل : فتنفيذ الهبة الباطلة لعيب في الشكل هو إذن إجازة خاصة لهذه الهبة وتصحيح لها . فإذا وقعت هذه الهبة الباطلة على منقول ، كان أمام الواهب لتصحيح هذه الهبة طريقان : ( الطريق الأول ) أن يغفل الشكل الباطل ، ويحل محله القبض ، فتصبح هبة المنقول هبة يدوية . ويكون القبض في هذه الحالة ليس تنفيذا لعقد الهبة الباطل ، بل هو إتمام لهبة يدوية في المنقول . ( والطريق الثاني ) أن ينفذ الهبة الباطلة تنفيذا اختيارياً ، وذلك عن طريق القبض أيضاً . ولكن القبض هنا ليس إتماماً لهبة يدوية في المنقول ، بل هو تنفيذ لهبة باطلة .
فالواهب في كل من الطريقين المتقدمي الذكر يسلم المنقول إلى الموهوب له ، فتتم الهبة في الطريق الأول ، وتصح في الطريق الثاني . على أن هناك فرقاً هاماً ما بين الطريقين يظهر فيما يأتي : لو قصد الواهب الطريق الأول ، وأراد أن يتم الهبة بالقبض ، فالهبة لا تتم إلا من وقت القبض . أما لو قصدت الطريق الثاني ، وأراد أن يصحح الهبة بالقبض عن طريق التنفيذ الاختياري ، فالهبة تنقلب صحيحة من وقت صدورها لأن للاجازة أثراً رجعياً ينسحب إلى وقت وجود العقد .
2 – الاستثناءات من وجوب الشكلية أو العينية في الهبة
48 – الهبة غير المباشرة والهبة المستترة : قدمنا أن الواهب يتصرف في ماله دون مقابل ، إما بنقل حق عيني للموهوب له ، أو بإنشاء التزام 79 شخصي في ذمته للموهوب له ، وهذه هي الهبة المباشرة ( [95] ) . وهي وحدها التي يجب إفراغها في الشكل الواجب قانوناً للهبة ، أما الهبة غير المباشرة فلا يلزم أن تستوفى هذا الشكل . بل إن الهبة المباشرة ذاتها لا يلزم أن تستوفى الشكل إذا هي لم تكن مكشوفة ، بل تمت تحت ستار عقد آخر ( م 488 / 1 مدني ) .
ويخلص من ذلك أن الهبة التي يجب أن تستوفى الشكلية ( أو العينية في المنقول ) هي الهبة المباشرة المكشوفة . فتخرج إذن : ( 1 ) الهبة غير المباشرة ( donation indirecte ) ( 2 ) والهبة المستترة ( donation deguisee ) . ونستعرض كلا من هذين الاستثنائين .
أولاً – الهبة غير المباشرة
49 – تحديد معنى الهبة غير المباشرة : حددنا فيما قدمناه الهبة المباشرة بأنها تصرف الواهب في ماله للموهوب له على سبيل التبرع . فالذي يميز الهبة المباشرة إنها تصرف مباشر في المال ، أما بنقل حق عيني أو بإنشاء التزام شخصي كما سبق القول . فإذا أعطى شخص لآخر داراً أو سيارة دون مقابل على سبيل التبرع ، يكون قد نقل له حقاً عينياً هو حق الملكية على الدار أو على السيارة ، فتكون الهبة هبة مباشرة . وإذا التزم شخص لآخر بمبلغ من النقود على سبيل التبرع ، فإنه يكون قد التزم له بحق شخصي هو إعطاء شيء ( obligation de donner ) ، وتكون الهبة هنا أيضاً هبة مباشرة .
ومن تحديد الهبة المباشرة على هذا النحو نستخلص تحديد الهبة غير المباشرة . فحيث يكسب الموهوب له حقا عينيا أو حقا شخصيا دون مقابل 80 على سبيل التبرع عن طريق الواهب ، ولكن دون أن ينتقل إليه هذا الحق مباشرة من الواهب ، فتلك هي الهبة غير المباشرة ( [96] ) .
50 – أمثلة على الهبة غير المباشرة : ويمكن بعد ذلك أن نورد أمثلة على الهبة غير المباشرة : فالنزول عن حق عيني يعتبر هبة غير مباشرة . مثل ذلك أن ينزل صاحب حق الانتفاع أو حق السكنى أو حق الاستعمال عن حقه فيؤول لمالك الرقبة ، أو ينزل صاحب حق الارتفاق أو صاحب حق الحكر عن هذا الحق فؤول للمالك . ففي هذه الأحوال كسب الموهوب له ( وهو المالك ) حقا عينيا عن طريق الواهب ، ولكنه كسب هذا الحق لا عن طريق انتقاله إليه من الواهب ، بل عن طريق نزول الواهب عنه وتركه إياه ( [97] ) .
والنزول عن حق شخصي – أي الإبراء – يعتبر هبة غير مباشرة . فإذا أبرأ الدائن ذمة مدينه من الدين ، كان هذا هبة غير مباشرة ، لأن الموهوب له ( المدين ) كسب الدين ، لا عن طريق انتقاله إليه من الواهب ، بل عن طريق نزول الواهب عنه ، كما هي الحال في النزول عن حق عيني ( [98] ) .
81
والاشتراط لمصلحة الغير على سبيل التبرع يعتبر هبة غير مباشرة . فإذا باع شخص دارا من آخر ، واشترط عليه أن يدفع الثمن إيراداً مرتبا مدى الحياة لوالد البائع دون أن يأخذه البائع مقابلا من والده عن هذا الإيراد ، كان هذا الاشتراط هبة غير مباشرة من البائع لوالده . ذلك أن والد البائع قد كسب عن طريق البائع التزاما بدفع الإيراد ، ولكن البائع لم يلتزم بهذا الإيراد مباشرة لوالده ، بل الذي التزم به شخص آخر هو المشتري ، وذلك كانت الهبة غير مباشرة . وإذا امن شخص على حياته لمصلحة أولاده ، فاستحق أولاده مبلغ التأمين ، كان هذا التأمين أيضاً هبة غير مباشرة من المؤمن لأولاده ، لأن التأمين هنا ليس إلا اشتراطا لمصلحة الغير ( [99] ) .
ويمكن القول أيضاً بان قبول المحال عليه لحوالة الدين دون مقابل يعتبر هبة غير مباشرة من المحال عليه للمحيل ، لأن المحيل كسب براءته من الدين ، مع التزام المحال عليه لشخص آخر هو المحال ، دون أن يلتزم للمحيل وإلا كانت الهبة مباشرة . وكذلك الحال فيما إذا التزم شخص دون مقابل أن يوفى دين غيره ، فهذه هبة غير مباشرة من الملتزم ، لأن هذا قد التزم لا للمدين بل للدائن ، ولو التزم للمدين كانت الهبة مباشرة ( [100] ) .
82
51 – تصرفات لا تعتبر هبات غير مباشرة : وهناك تصرفات اختلف 83 الرأي فيها ، يعدها البعض هبات غير مباشرة ، ويعدها آخرون هبات مستترة . ونذكر من هذه التصرفات الإقرار بالدين وعقود المحاباة .
ففي الإقرار بالدين يقر الواهب بدين عليه للموهوب له ، والحقيقة أنه غير مدين وإنما قصد الالتزام على سبيل التبرع . ولا نرى أن الإقرار بالدين على هذا النحو هبة غير مباشرة ، بل هو هبة مباشرة إذ التزم الواهب مباشرة للموهوب له . ولكن الهبة هنا مستترة تحت اسم تصرف آخر هو الإقرار ، فلا تجب الرسمية لا لأن الهبة غير مباشرة بلا لأنها مستترة .
كذلك عقود المحاباة نرى إنها هبات مستترة ، لا هبات غير مباشرة . فإذا باع شخص عينا لآخر بثمن بخس حاباه فيه بقصد التبرع ، فإنه يكون قد وهب له الفرق بين ثمن المثل والثمن المدفوع . وهذه الهبة هي هبة مباشرة لأن البائع نقلها مباشرة من ذمته إلى ذمة المشترى ، ولكنها هبة يسترها عقد البيع ، فلا تشترط فيها الرسمية لا لأنها هبة غير مباشرة بل لأنها هبة مستترة ( [101] ) .
84
52 – استثناء الهبات غير المباشرة من الشكلية والعينية : والهبة غير المباشرة بالتحديد الذي قدمناه تستثنى من وجوب الشكلية والعينية ، إذ القانون لم يشترط الشكلية أو العينية إلا في الهبات المباشرة المكشوفة . ومن ثم تتم الهبة غير المباشرة دون حاجة إلى ورقة رسمية ، ودون حاجة إلى القبض في المنقول ( [102] ) .
وإذا استعرضنا الأمثلة التي قدمناها للهبة غير المباشرة ، وهي النزول عن الحق العيني والإبراء والاشتراط لمصلحة الغير وحوالة الدين ، وجدنا أن القانون نظم هذه التصرفات تنظيما خاصاً ، وصرح في بعذ الحالات بعدم ضرورة الشكلية فيها . فيجب إخراجها من منطقة الهبة المباشرة ، ولا يسرى عليها إلا التنظيم الخاص بها .
فقد نظم القانون الاشتراط لمصلحة الغير ، فأجاز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير ، ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقا مباشراً قبل المتعهد لا قبل المشترط م ( م 154 مدني ) . وسواء كان الاشتراط لمصلحة الغير بمقابل أو بغير مقابل ، فهذا هو النظام الذي يتبعه ، وليس فيه الشكلية . فإذا كان بغير مقابل ، كان هبة غير مباشرة كما قدمنا ، وقد أعفيت من الشكلية بحكم النظام الخاص الذي يسري على الاشتراط لمصلحة الغير .
ونظم القانون أيضاً حوالة الدين ، فأجاز أن تتم هذه الحوالة باتفاق بين المدين وشخص آخر يتحمل عنه الدين نحو الدائن أو باتفاق بين الدائن 85 والمحال عليه بتقرير فيه أن هذا يحل محل المدين الأصلي في التزامه ( م 315 و م 321 مدني ) . وهذا النظام يسري سواء كان المحال عليه اعتزم الرجوع عند الوفاء بالدين على المحيل أو تبرع له ، وليس فيه الشكلية . فإذا كان المحال عليه قد تبرع للمحيل بوفاء الدين عنه ، كان هذا هبة غير مباشرة كما قدمنا ، وقد أعفيت من الشكلية بحكم النظام الخاص الذي يسرى على حوالة الدين .
ونظم القانون الإبراء من الدين ، فقرر أن ينقضى الالتزام إذا أبرأ الدائن مدينه مختارا ( م 371 مدني ) . وهذه هبة غير مباشرة كما قدمنا ، نص القانون صراحة فيها على أن الشكلية لا تشترط ، إذ تقول المادة 372 مدني : ” 1 – يسري على الإبراء الأحكام الموضوعية التي تسري على كل تبرع . 2 – ولا يشترط فيه شكل خاص ، ولو وقع على التزام يشترط لقيامه توافر شكل فرضه القانون أو اتفق عليه المتعاقدان ” .
وقل مثل ذلك في سائر الهبات غير المباشرة .
53 – سريان الأحكام الموضوعية على الهبات غير المباشرة : وإذا كانت الأحكام المتعلقة بالشكل أو بالعينية لا تسري في الهبات غير المباشرة ، فإن الأحكام الموضوعية تسري ، كجواز الرجوع في الهبة والطعن بالدعوى البولصية وأهلية التبرع والتصرف في مرض الموت وغير ذلك من الأحكام .
وتثبت الهبة غير المباشرة وفقا للقواعد العامة المقررة في الإثبات . فتجب الكتابة أو ما يقوم مقامها فيما بين المتعاقدين فيما يجاوز عشرة جنيهات ، كما إذا أراد الواهب الرجوع في الهبة فطلب منه إثباتها . أما الغير فله أن يثبت الهبة غير المباشرة بجميع طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن ، كما إذا أراد دائن الواهب أن يطعن في الهبة غير المباشرة بالدعوى البولصية ( [103] ) .
86
ثانياً – الهبة المستترة
54 – التمييز بين الهبة المستترة والهبة غير المباشرة : يجب التمييز بين الهبة المستترة والهبة غير المباشرة . فالهبة المستترة هبة مباشرة ، إذ فيها ينقل الواهب للموهوب له حقا عينياً أو يلتزم به بحق شخصي ، وهذا أول فرق بين الهبتين . والفرق الثاني أن الهبة المستترة ظاهرها غير حقيقتها ، فهي في حقيقتها هبة ولكنها تظهر تحت اسم عقد آخر . أما الهبة غير المباشرة فظاهرها كحقيقتها فهي هبة في الحقيقة وفي الظاهر .
والهبة غير المباشرة أعفيت من الشكل بحكم النظام الخاص الذي يسري عليها كما سبق القول . أما الهبة المستترة فهي هبة مباشرة ، وكان الواجب أن تخضع لشكل الهبة ، ولكن القانون اعفاها من هذا الشكل بنص صريح ، إذ تقول الفقرة الأولى من المادة 488 مدني كما رأينا : ” تكون الهبة بورقة رسمية ، وإلا وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر ( [104] ) ” . فالنص يعفي الهبة التي تتم تحت ستار عقد آخر ، أي الهبة المستترة ، من الشكلية ، سواء كانت هبة عقار أو هبة منقول . ومن ثم تتم هبة المنقول 87 دون حاجة إلى ورقة رسمية ودون حاجة إلى القبض ، إذا كانت هبة مستترة .
55 – أمثلة على الهبة المستترة : ومن الأمثلة على الهبات المستترة الهبة المستترة في صورة عقد بيع ، وهذا هو المثل الغالب في التعامل .
ومن ذلك الهبة المستترة في صورة حوالة الحق ، فيحيل صاحب الحق حقه إلى المحال له على سبيل التبرع ، ولكنه يكتب في الحوالة مقابلا يستر به الهبة .
ومن ذلك الهبة المستترة في تظهير الكمبيالة والسند تحت الإذن ، ويقرر المظهر أن القيمة وصلته نقداً أو قدمت أو نحو ذلك ، والحقيقة أن التظهير كان على سبيل التبرع ( [105] ) .
ومن ذلك الهبة المستترة في صورة قرض ، فيكتب الواهب سندا عليه بمبلغ من النقود يقول إنه تسلمها على سبيل القرض ، ويكون في الحقيقة قدج التزم بها على سبيل التبرع ( [106] ) .
ومن ذلك الهبة المستترة في صورة إقرار بالدين ، فيكتب الواهب إقرارا بدين عليه لآخر ، وهو في الحقيقة غير مدين وإنما قصد الالتزام على سبيل التبرع ( [107] ) .
ومن ذلك عقود المحاباة ، فهي هبات مستترة في القدر المحابي به ، وقد سترتها عقود المعاوضة ( [108] ) .
ومن ذلك الهبة المستترة في عقد إيراد مرتب مدى الحياة ، فيلتزم 88 شخص لآخر بترتيب إيراد له مدى الحياة ، ويكتب مقابلا صوريا لهذا الإيراد ، ويكون في الحقيقة متبرعاً بالإيراد .
والأمثلة كثيرة على الهبات المستترة باسم عقود أخرى ( [109] ) .
56 – وجوب ستر الهبة بعقد آخر مستوف لشروط الانعقاد في الظاهر : والمهم إلا تكون الهبة سافرة ينم ظاهرها عن إنها هبة مكشوفة . فيجب إذن أن يكون هناك عقد آخر غير الهبة ساتر لها ، ويجب أن يحكم هذا العقد ستر الهبة ، فهذا العقد الساتر إنما هو في الواقع ضرب من الشكلية حل محل شكلية الهبة أو عينيتها إذا كانت هبة منقول ( [110] ) .
ومن ثم يجب أن يتوافر في العقد الساتر جميع شروط انعقاده في الظاهر ( [111] ) .
89
فإذا ستر الهبة حوالة حق يجب أن تكون الحوالة مستوفية لشروط انعقادها ونفاذها . ولما كانت حوالة الحق ليست عقدا شكلياً ، فلا يشترط إذن شكل خاص . ولكن يجب أن يذكر مقابل صوري للحوالة حتى لا ينم العقد عن الهبة ، وأن يقبلها المدين أو يعلن بها حتى تكون نافذة في حقه ( م 305 مدني ) ( [112] ) .
وإذا كانت الهبة في صورة كمبيالة مظهرة ، وجب أن تستوفى الكمبيالة شروطها الشكلية والموضوعية ، وأن يستوفى التظهير شروطه كذلك .
وإذا كانت الهبة في صورة عقد ترتيب إيراد ، وجب أن يستوفى هذا العقد شروطه . وتقول المادة 743 مدني في هذا الصدد : ” العقد الذي يقرر المرتب لا يكون صحيحاً إلا إذا كان مكتوباً ، وهذا دون إخلال بما يتطلبه القانون من شكل خاص لعقود التبرع ” . ويخلص من هذا النص أن ترتيب الإيراد على سبيل الهبة السافرة يجب أن يستوفى شكلية الهبة . أما إذا كتب في العقد مقابل صوري للإيراد ليستر الهبة ، وجب أن يستوفى هذا العقد أيضاً شروطه الشكلية ، فيجب أن يكون في ورقة مكتوبة ، وليس من الضروري أن تكون ورقة رسمية .
90
وإذا كانت الهبة في صورة إقرار بالدين ، وجب إلا يظهر من الإقرار إلا دين هناك وأن الإقرار إلا دين هناك وأن الإقرار مجرد التزام على سبيل التبرع وإلا كان الإقرار غير ساتر للهبة ، وكانت الهبة مكشوفة تستوجب الرسمية . ومن ثم فالإقرار بالدين الصادر من شخص لآخر ، والمذكور فيه أنه كتب اعترافاً بجميل المقر له بالدين ، لا يكون إقرارا ساتراً لظهور فكرة التبع في عبارات الإقرار ذاتها ( [113] ) . وإذا لم يذكر في الإقرار سبب الدين ، واقتصر الواهب على أن يذكر أنه يقر بدين في ذمته لفلان مبلغ كذا ، أو أنه يتعهد لفلان يدفع مبلغ كذا ، كان الإقرار في هذه الحالة ساترا والهبة مستترة ، فتصح دون ورقة رسمية ، لأن الإقرار الحقيقي لا يشترط فيه ذكر سبب الدين ويفترض أن للدين سببا ( [114] ) .
وقل مثل ذلك في العقود الأخرى التي تستر الهبة ، ونقف من هذه العقود بوجه خاص على عقد البيع ، لأن الهبة المستترة أكثر ما تستتر 91 به في العمل هو هذا العقد . فالهبة المستترة في صورة بيع يجب أن تستوفى شروط البيع في الظاهر . ولما كان البيع عقداً رضائياً ، فلا يشترط شكل خاص لانعقاد الهبة المستترة به . ولكن يجب أن يكون هناك مبيع وثمن . أما المبيع فهو الشيء الموهوب ، يسميه المتعاقدان مبيعا . وأما الثمن فصورى لا حقيقة له ، وإنما يذكر لستر الهبة . ولا بد من ذكره ، فإذا لم يذكر أصبحت الهبة سافرة تستوجب الشكلية . كذلك إذا ذكر ثمن تافه ، كانت الهبة سافرة لا بد لانعقادها من ورقة رسمية ( [115] ) . أما إذا ذكر ثمن يخس ، فإما أن يكون هذا الثمن صوريا ، فتصح الهبة لأنها استترت بالبيع بعد أن استوفى شروطه في الظاهر بذكر الثمن . وأما أن يكون الثمن بالبخس جدياً ، فينظر إذا كان البائع قصد البيع وإنما تحمل الغبن مضطراً ، فإن العقد يكون بيعاً صحيحاً لأن الثمن لا بخس لا يبطل البيع . وإذا كان البائع قصد أن يحابي المشتري بالفرق بين ثمن المثل والثمن البخس ، فالعقد في مقدار المحاباة هبة مستترة كما سبق القول . وقد يذكر في البيع الساتر للهبة ثمن يعادل ثمن المثل ، ولكن يقرر البائع في العقد أنه وهبه للمشترى أو أبرأه منه ، فهذه هبة سافرة لا مستترة ، ويجب أن تستوفى شرط الشكلية أو العينية ( [116] ) . فالواجب إذن أن يحكم 92 93 البيع ستر الهبة ، بان يذكر فيه ثمن غير تافه ( [117] ) ، ولكن ليس من الضروري أن يذكر في البيع أن الثمن قد قبض ، بل يصح تصويره على أنه دين قائم في ذمة المشتري . فإذا ستر البيع الهبة على هذا الوجه ، تمت الهبة دون حاجة إلى ورقة رسمية ، ودون حاجة إلى القبض في المنقول ( [118] ) .
94
57 – إعفاء الهبة المستترة من الشكلية ومن العينية : لم يكن المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يعفي هبة العقار المستترة من الشكلية إلا بالنسبة إلى الغير حسن النية . أما فيما بين المتعاقدين ، فكانت هبة العقار في غير ورقة رسمية باطلة حتى لو كانت مستترة . فكانت المادة 660 من هذا المشروع تجري على الوجه الآتي : ” 1 – تكون هبة العقار بورقة رسمية ، وإلا وقعت باطلة . 2 – على أنه إذا تمت الهبة تحت ستار عقد آخر ، جاز للغير حسن النية أن يتمسك بالعقد المستتر أو بالعقد الظاهر وفقاً لما تقضي به مصلحته . فإذا تعارضت مصالح ذوى الشأن ، فتمسك البعض بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين ” . فكان هذا النص يجرى على هبة العقار المستترة أحكام الصورية ، فإذا كانت الهبة في صورة بيع مثلا ، فالعقد الحقيقي هو الذي يسري فيما بين المتعاقدين ، فتكون الهبة باطلة لانعدام الشكلية . ولكن الغير حسن النية له أن يتمسك بالعقد الظاهر إذا كانت مصلحته تقضي بذلك ، كما إذا اشترى شخص العين الموهوبة من الموهوب له ، فالمشتري في هذه الحالة يتمسك بالعقد بالظاهر ويعتبر الهبة المستترة بيعا نقل الملكية إلى الموهوب له حتى يصح عقد شرائه من هذا الأخير .
وفي لجنة المراجعة حذف هذا النص ، واستبقيت الأحكام التي كان معمولا بها في عهد التقنين المدني السابق ( [119] ) ، إذ ألفها المتعاملون 95 منذ وقت طويل ولم يجد ما يدعو إلى تغييرها . فاستقر التقنين المدني الجديد على أن الهبة المستترة ، في العقار وفي المنقول ، تعفى من الشكلية ومن العينية ( [120] ) .
ففي الهبة المستترة للعقار ، يكون العقد صحيحا بالرغم من أنه لم يوثق في ورقة رسمية ، ويكفي أن يكون العقد الساتر قد استوفى ظاهراً شرائط انعقاده . وتكون الهبة صحيحة لا بالنسبة إلى الغير فحسب ، بل أيضاً فيما بين المتعاقدين .
وفي الهبة المستترة للمنقول ، يكون العقد صحيحاً كذلك بالرغم من أنه لم يوثق في ورقة رسمية ، وبالرغم من أن الموهوب لم يقبض ، فيغنى العقد الساتر بذلك عن كل من الشكلية والعينية .
58 – خضوع الهبة المستترة لأحكام الهبة الموضوعية : على أن الهبة المستترة ، إذا كانت لا تخضع لأحكام الهبة الشكلية ، فإنها تخضع لأحكامها الموضوعية . ويترتب على ذلك أن الهبة المستترة تعتبر هبة ، وتستلزم أهلية التبرع في الواهب ، ويجب أن يكون الواهب مالكاً لما تبرع به ، ويتخفف فيها من ضمان الاستحقاق ( [121] ) وضمان العيب ، وتعتبر تبرعاً بالنسبة إلى الدعوى البولصية ، ويجوز فيها الرجوع إلا إذا وجد المانع ، وإذا صدرت في مرض الموت كان لها حكم الوصية ( [122] ) .
96
ومن يدعى أن العقد الظاهر ليس إلا هبة مستترة ليجرى عليه أحكام الهبة الموضوعية هو الذي يحمل عبء الإثبات . فإذا ادعى المتصرف مثلا أن البيع الصادر منه إلى المشتري ليس إلا هبة مستترة ، وانه يريد الرجوع فيها ، فعليه هو أن يثبت ذلك وفقاً للقواعد المقررة في الإثبات . فإذا كانت قيمة المال المتصرف فيه تزيد على عشرة جنيهات أو كان التصرف مكتوبا ( [123] ) ، لم يجز إثبات التستر إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها . ولذلك يكون من الخير للواهب في الهبة المستترة أن يحصل على ” ورقة ضد ” من الموهوب له يقرر فهيا هذا أن العقد الظاهر هو في حقيقته هبة مستترة ، حتى يتيسر للواهب إثبات التستر بالكتابة عند الاقتضاء .
وإذا كان الذي يدعى استتار الهبة هو الغير ، كدائن الواهب إذا طعن في الهبة المستترة بالدعوى البولصية ، فإن هذا الغير هو الذي يحمل عبء الإثبات . ولكن له أن يثبت الاستتار بجميع طرق الإثبات ، ويدخل في ذلك البينة والقرائن ، لأنه غير لا يكلف الإثبات بالكتابة ( [124] ) .
وقاضى الموضوع هو الذي يبت فيما إذا كان التصرف المطعون فيه هو هبة مستترة ، ناظراً في ذلك إلى ظروف التصرف وملابساته ، ولا معقب على تقديره من محكمة النقض ( [125] ) .
97
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 667 / 1 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 514 / 1 في المشروع النهائي . ثم وافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 487 / 1 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 246 – ص 2467 ) .
( [2] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 455 / 1 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 476 / 1 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي لا مقابل ، وقارب المادة 601 وقد سبق ذكرها . أنظر فقرة 1 في الهامش . ( وحكم التقنين العراقي متفق مع حكم التقنين المصري ، فالهبة عقد لا بد فيه من قبول الموهوب له : أنظر الأستاذ حسن الذنون فقرة 6 ) .
تقنيين الموجبات والعقود اللبناني :
م 507 : تتم الهبة وتنتقل الملكية في الأموال الموهوبة ، سواء أكانت منقولة أم ثابتة ، عند ما يقف الواهب على قبول الموهوب له مع الاحتفاظ بتطبيق الأحكام الآتية :
م 508 : يبقى للواهب حق الرجوع عن العوض ما دام القبول لم يتم . ( وهذه الأحكام تتفق مع أحكام التقنين المصري ) .
( [3] ) وإذا صدر الإيجار من الواهب ، وجب أن تكون نية الهبة واضحة إذ هي لا تفترض ( نقض مدني 8 ابريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 298 ص 290 ) .
( [4] ) فإذا قرر المعطي أنه يعطي على سبيل الهبة ، وقرر المعطى له أنه يقبض على سبيل آخر ، فلا هبة ( استئناف وطني 22 نوفمبر سنة 1915 الحقوق 31 ص 284 ) .
( [5] ) وقد يكون القبول ضمنياً ، كما إذا قبض الموهوب له الشيء الموهوب . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن الهبة في الأموال المنقولة تقع صحيحة بدون حاجة إلى تحرير عقد وسمى بها إذا تسلم الموهوب له المال الموهوب من الواهب بالفعل ، لأن القبض هنا يقوم مقام القبول ( 30 نوفمبر سنة 1926 المحاماة 7 رقم 377 ص 568 ) .
( [6] ) ونصت المادة 894 من التقنين المدني الفرنسي على أن ” الهبة ما بين الأحياء تصرف ( acte ) ولم يقل النص إن الهبة عقد ( contrat ) . وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الفرنسي يقول إن الهبة عقد ، ولكن عندما نظر هذا المشروع أمام مجلس الدولة ، لاحظ القنصل الأول – بونابرت – أن الهبة لا تلزم إلا الواهب فالأولى أن تعرف بأنها تصرف لا عقد . وقد أخذ بهذه الملاحظة فعرفت الهبة بأنها تصرف . والملاحظة لا محل لها . فإن الهبة وإن كانت لا تلزم إلا الواهب ، إلا أنا لا تتم إلا بإيجاب وقبول ، فهي إذن عقد وإن كان ملزماً لجانب واحد ( أنظر أوبرى ورو واسمان 10 فقرة 646 هامش رقم 1 – بودرى وكولان 10 فقرة 13 ) .
( [7] ) أنسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ donation فقرة 258 – فقرة 259 .
( [8] ) نقض مدني 13 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 169 ص 379 – استئناف مصر 9 مارس سنة 1920 المحاماة 4 رقم 347 .
( [9] ) وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا المعنى : ” لا بد من قبول الموهوب له للهبة ولو بالسكوت ، ولكن القبول ، على أية صورة كانت ، ضروري ، لأن الهبة عقد لا بد فيه من اقتران إرادتين ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 246 ) .
( [10] ) استئناف أهلي 22 نوفمبر سنة 1915 الحقوق 31 ص 284 – الأستاذ محمد كامل مرسي في العقود المسماة 2 فقرة 16 ) .
( [11] ) وللواهب ، قبل وصول قبول الموهوب له إلى علمه ، بأن يتصرف في المال الموهوب ، وأن ينقله برهن أو بحق إرتفاق أو بغير ذلك من الحقوق العينية ، وتنفذ هذه التصرفات في حق الموهوب له حتى بعد قبول للهبة ( أوبرى ور وإسمان 10 فقرة 653 ص 491 ) .
( [12] ) وهذا ما لم يكن إيجاب الواهب ملزماً ، بان حدد الواهب ميعاداً للقبول أو استخلص هذا الميعاد من ظروف الحال ( م 93 مدني ) ، فعند ذلك ينتقل الالتزام إلى ورثته ، فإذا وصل قبول الموهوب له إلى عملهم أنتج أثره . وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يجعل الإيجاب ملزماً دائماً ، ورتب على ذلك أن يبقى الإيجاب قائماً حتى بعد موت الموجب أو فقد أهليته ، فإذا علم الورثة بالقبول أنتج القبول أثره ( أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 260 ) .
( [13] ) الوسيط جزء أول ص 187 هامش رقم 1 – وإذا لم تتم الهبة لموت الواهب قبل وصول القبول إلى علمه ، ألا يجوز أن تتحول هذه الهبة الباطلة إلى وصية تجوز في ثلث التركة وذلك طبقاً لقواعد تحول التصرفات الباطلة ؟ اختلف الفقه في فرنسا ، فبعض يقول بتحول الهبة إلى وصية ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 653 ص 496 ) ، وبعض يقول بعدم التحول ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ danation فقرة 26 ) . ونميل إلى الرأي الأول ، فتتحول الهبة إلى وصية في القانون المصري ، لأن التقنين ، المصري يعرف نظرية تحول التصرفات الباطلة وقد ورد فيها نص خاص ، بخلاف التقنين المدني الفرنسي .
( [14] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كانت اللائحة التأسيسية للاتحاد الارمني العام قد جعلت قبول الهبات من اختصاص المجلس الرئيسي للاتحاد ، وكان المستفاد من نصوصها إنها فصلت بين قبول الهبات وبين قبضها واعتبرت الأمر الأخير مجرد واقعة مادية لا تغنى عن التصرف القانوني وهو القبول ، فإنه يصبح واجباً بيان ما إذا كان المجلس الرئيسي قد قبل الوصية التي قبضها المجلس المحلى وذلك قبل وفاة الواهب ، حتى بتحقق بذلك ما تقتضيه المادتان 48 و 50 مدني قديم ( نقض مدين 8 مارس سنة 1956 مجموعة أحكام النقض 7 رقم 40 ص 284 – وانظر استئناف وطني ) مارس سنة 1920 المحاماة 1 رقم 347 ص 449 – استئناف مختلط 24 يونيه سنة 1908 م 50 ص 302 ) .
وهذا هو أيضاً الحكم في القانون المدني الفرنسي ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 653 ص 491 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ donation فقرة 265 ) .
( [15] ) أنظر في هذا المعنى الوسيط جزء أول فقرة 82 وبوجه خاص ص 188 ( هامش رقم 1 – وهذا هو أيضاً حكم القانون المدني الفرنسي ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 653 ص 491 – انسيكلوبيدي داللور 2 لفظ donation فقرة 266 ) .
( [16] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وإذا مات الموهوب له أو فقد أهليته قبل القبول ، فالشريعة الإسلامية على أن الايهاب يسقط : م 83 مرشد الحيران . ولكن التقنين الحالي ( السابق ) يبيح القبول للورثة أو لنائب الموهوب له ، خلافاً للأصل الذي جرى عليه من أن الإيجاب يسقط بالموت أو بفقد الأهلية . أما المشروع . فإن هذا الحكم يجري فيه على أصل من أصوله ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 246 ) . وظاهر من العبارة الأخيرة الواردة في المذكرة الإيضاحية أن أصلاً من أصول هذا المشروع التمهيدي كان يقضي بنفس الحكم الذي قرره التقنين المدني السابق ، فيجوز لورثة الموهوب له أو لنائبه قبول الهبة بعد موت الموهوب له . وكان هذا الأصل فعلا مقرراً في المشروع التمهيدي ، إذ كانت المادة 126 من هذا المشروع تنص على ما يأتي : ” لا يؤثر في صحة التعبير عن الإرادة أن يكون من صدر منه أو وجه إليه هذا التعبير قد مات أو فقد أهليته ” . فكان المشروع التمهيدي ، يبيح لورثة من وجه إليه التعبير أو لنائبه – أو لورثة الموهوب له أو لنائبه – أن يصدر منهم القبول بدلا من الموهوب له بعد موت هذا أو فقده لأهليته ، ولكن المشروع التمهيدي عدل في لجنة المراجعة ، وحذفت عبارة ” أو وجه إليه هذا التعبير ” . فأصبح لا يجوز لورثة الموهوب له أو لنائبه أن يقبلوا الهبة بعد موت الموهوب له أو فقده لأهليته ( أنظر الوسيط جزء أول ص 186 هامش رقم 1 . وانظر الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 131 هامش رقم 1 ) .
( [17] ) أنظر في المعنى الذي نقول به أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 653 ص 491 – ديمولومب 20 فقرة 140 – بلانيول وريبير وترانسبو 5 فقرة 370 – كولان وكابيتان 3 فقرة 1610 – وانظر عكس ذلك لوران 12 فقرة 266 – بودري وكولان 10 فقرة 1128 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 131 بالنصف الثاني من هامش رقم 1 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 69 ص 103 – ويلاحظ أن الرأي المعارض في الفقه الفرنسي يستطيع أن يستند إلى نص لا مقابل له في التقنين المدني المصري ، هو نص المادة 932 / 2 من التقنين المدني الفرنسي ، ويقرر أن الهبة لا تنتج أثراً بالنسبة إلى الواهب إلا من وقت إخطاره بقبول الموهوب له .
( [18] ) أنظر ما يلي فقرة 32 .
( [19] ) أنظر عكس ذلك وأن الفضالة لا تجوز أنسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ donation فقرة 274 .
( [20] ) أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 652 ص 493 – بلانيول ريبير وفرانسبو 5 فقرة 364 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ donation فقرة 272 – فقرة 275 .
( [21] ) أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 652 ص 493 – أنسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ donation ص 476 .
( [22] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 664 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” الوعد بالهبة لا ينعقد إلا إذا كان بالكتابة ، وذلك مع عدم الإخلال بنص المادة 150 فقرة ثانية ” . وقد عدل هذا النص في لجنة المراجعة بما يجعل الوعد بالهبة في كل من العقار والمنقول لا ينعقد إلا إذا كان بورقة رسمية ، فأصبح النص مطابقاً لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، وصار رقمه 517 في المشروع النهائي ، ووافق عليه مجلس النواب فمجلس الشيوخ تحت رقم 490 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 253 – ص 255 ) .
( [23] ) استئناف مختلط 29 يناير سنة 1891 م 3 ص 169 – الأستاذ محمد كامل مرسي في الأموال فقرة 639 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 45 ص 93 .
( [24] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 458 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 479 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي لا مقابل . ولكن الحكم متفق بالتطبيق للمادة 91 / 2 مدني عراقي .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 511 : لا يصح الوعد بالهبة إلا إذا كان خطيا ، ولا يصح الوعد بهبة عقار أو حق عقاري إلا بقيده في السجل العقاري . ( ويتفق التقنينين اللبناني مع التقنين المصري في أن الوعد بالهبة عقد شكلى ، ويختلفان في كيفية الشكل . ففي مصر الشكل ورقة رسمية دائماً للعقار وللمنقول ، أما في لبنان فالشكلية ورقة عرفية يضاف إليها القيد في السجل العقاري للعقار ) .
( [25] ) أما التزام شخص بمبلغ معين يدفعه لآخر على سبيل الهبة ، فهذا هو هبة كاملة لا مجرد وعد بهبة . فإذا صرح الملتزم بأن الالتزام على سبيل الهبة ، وجب أن يكتب الالتزام في ورقة رسمية حتى تستكمل الهبة الشكل الواجب ( استئناف مختلط 24 نوفمبر سنة 1943 م 56 ص 10 ) . وإذا ستر الملتزم الهبة تحت اسم عقد آخر ، بأن قرر مثلا أن المبلغ الذي التزم به هو قرض أو وديعة أو نحو ذلك ، أعفيت الهبة من شرط الرسمية ، لأنها تكون هبة مستترة تحت اسم عقد آخر .
وكذلك الحكم إذا اكتتب شخص في مشروع على سبيل التبرع . فإذا كان الاكتتاب مصحوباً بالدفع في الحال هفو هبة يدوية . وإذا كان تعهداً في اشتراط لمصلحة الغير ، فهوهبة غير مباشرة . أما إذا لم يكن هذا ولا ذاك ، بل كان التزاما بدفع مبلغ على سبيل التبرع أو وعداً بهبة هذا المبلغ ، فلا بد من الورقة الرسمية . هذا هو مقتضى تطبيق القوار العامة ( أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 255 ) . ولكن ذهب بعض الفقهاء إلى أن العرف جرى بان الاكتتاب لا يكون عادة في ورقة رسمية ، ومن ثم يكون ملزماً حتى ولو لم يستوف هذا الشكل ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 525 – بلانيول وريبير وترانسبو 5 فقرة 418 – جوسران 3 فقرة 1337 – الأستاذ محمد كامل مرسي في العقود المسماة 2 فقرة 91 – ولكن قارن أنسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ DONATION فقرة 535 ) – وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الاكتتاب يكون ملزماً حتى لو لم يكتب في ورقة رسمية ( نقض فرنسي 5 فبراير سنة 1923 داللوز 1923 – 1 – 20 ) .
( [26] ) أنظر في تاريخ هذا النص وفي شرحه الوسيط الجزء الأول فقرة 134 .
( [27] ) ولكن يجوز أن يعتبر الوعد بالهبة غير المكتوب في ورقة رسمية عقداً غير مسمى ثم بإيجاب وقبول ، ورتب التزاما شخصيا في ذمة الواعد ، ولما كان هذا الالتزام يتعذر تنفيذه عيناً ، فلا يبقى إلا التعويض يحكم به على الواعد ، وبخاصة في حالة الوعد بالايهاب فإن الموعود له إذا لم يحصل على المال الموهوب بسبب عدم تنفيذ الواعد لوعده يصاب عادة بضرر يستحق من أجله التعويض ( الأستاذ محمود جمال المدين زكي فقرة 45 – ولكن قارن أنسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ donation فقرة 245 حيث يذهب إلى أن الأمر بالايهاب في غير ورقة رسمية باطل ولا يوجب تعويضاً ، لأن الوعد تبرع خلا مما يحمى إرادة المتبرع وهي الورقة الرسمية ) .
( [28] ) أنظر في كل ذلك الوسيط الجزء الأول فقرة 123 – فقرة 136 .
( [29] ) وقد قررت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي هذا الحكم صراحة إذ تقول : ” ويجوز الرجوع في الوعد على النحو الذي يجوز فيه الرجوع في الهبة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 255 ) .
( [30] ) أنظر أيضاً المادة 210 مدني – وانظر في كل ذلك الوسيط الجزء الأول فقرة 137 – فقرة 137 .
( [31] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المواد 660 – 662 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : م 660 : ” 1 – تكون هبة العقار بورقة رسمية ، وإلا وقعت باطلة . 2 – على أنه إذا تمت الهبة تحت ستار عقد آخر ، جاز للغير حسن النية أن يتمسك بالعقد المستتر أو بالعقد الظاهر وفقاً لما تقضى به مصلحته . فإذا تعارضت مصالح ذوى الشأن ، فتمسك البعض بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين ” . م 661 : ” لا تتم هبة المنقول إلا بتسليم الموهوب تسليما فعلياً وقبضه ” . م 662 : ” إذا تمت الهبة في صورة اشتراط لمصلحة الغير ، فلا يشترط فيها شكل خاص ، إلا الشكل الذي قد يتطلبه العقد ما بين المشترط والمتعهد ” . وفي لجنة المراجعة عدلت هذه النصوص لاستبقاء الأحكام التي كان معمولا بها في التقنين السابق فيما يتعلق بشكل الهبة في العقار والمنقول والهبة المستترة والهبة اليدوية ، باعتبار أن هذه الأحكام قد ألفها المتعاملون منذ وقت طويل ولم يجد ما يدعو إلى تغييرها ، فأصبحت المادة 660 مطابقة لما استقرت عليه في التقنين المدني الجديد ، وحذفت المادتان 661 و 662 ، الأولى لأن حكمها مستفاد من المادة 660 بعد تعديلها ، والثانية لأن حكمها وارد في الاشتراط لمصلحة الغير . وصار رقم النص المستبقى 515 في المشروع النهائي ، ووافق عليه مجلس النواب ، وفي لجنة مجلس الشيوخ اقترح أن يضاف النص الآتي : ” مع مراعاة ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة السابقة يكون القبض بالتسليم والتسلم الفعلي ” . ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح ، فليس ثمة ما يدعو إلى تعريف القبض على هذه الصورة بالنسبة إلى الهبة بخصوصها ، ووافقت لجنة مجلس الشيوخ على المادة دون إضافة . ووافق مجلس الشيوخ عليها كما أقرتها لجنته ، وأصبح رقمها 488 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 248 – ص 251 ) .
( [32] ) التقنين المدني السابق م 48 / 70 : تنتقل الملكية في الأموال الموهوبة ، منقولة كانت أو ثابتة ، بمجرد الإيجاب من الواهب والقبول من الموهوب له . إنما إذا كان العقد المشتمل على الهبة ليس موصوفاً بصفة عقد آخر ، فلا تصح الهبة ولا القبول إلا إذا كانا حاصلين بعقد رسمي ، وإلا كانت الهبة لاغية .
م 49 / 71 : تعتبر الهبة في الأموال المنقولة صحيحة بدون احتياج إلى تحرير عقد رسمي بها . إذا حصل تسليمها بالفعل من الواهب واستلامها من الموهوب له .
( وهذه الأحكام تتفق مع أحكام التقنين المدني الجديد ) .
( [33] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى .
التقنين المدني السوري م 456 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 477 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي م 602 : إذا كان الموهوب عقارا ، وجب لانعقاد الهبة أن يسجل في الدائرة المختصة .
م 602 : 1 – لا تتم الهبة في المنقول إلا بالقبض ، ويلزم في القبض إذن الواهب صراحة .
م 603 : 1 – لا تتم الهبة في المنقول إلا بالقبض ، ويلزم في القبض إذن الواهب صراحة صح القبض في مجلس الهبة أو بعده ، وأما إذنه بالقبض دلالة فمقيد بمجلس الهبة وعقد الهبة إذن بالقبض دلالة .
( والتقنين العراقي يختلف عن التقنين المصري فيما يأتي : ( 1 ) هبة العقاب فيه لا تتم إلا بشكلية خاصة وهي التسجيل في الدائرة المختصة . ( 2 ) هبة المنقول لا تتم إلا بالقبض ، وفي مصر قد تتم أيضاً بورقة رسمية . ( 3 ) لم تعف الهبة من الشكلية إذا استترت تحت اسم عقد آخر – أنظر في ذلك الأستاذ حسن الذنون فقرة 9 – فقرة 12 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 509 : تتم الهبة اليدوية بان يسلم الواهب الشيء إلى الموهوب له .
م 510 : إن هبة العقار أو الحقوق العينية العقارية لا تتم إلا بقيدها بالسجل . ( والفروق ما بين التقنين اللبناني والتقنين المصري هي ذات الفروق التي تقدم ذكرها ما بين التقنين العراقي والتقنين المصري ) .
( [34] ) وشكلية الهبة مستقرة في تقاليدنا القانونية ، فقد جعل التقنين السابق عقد الهبة عقدا شكلياً ، وقرر الفقه الإسلامي في أكثر مذاهبه أن الهبة خلافا للبيع لا تتم إلا بالقبض .
( [35] ) وفي ذلك تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” فالأصل في هبة العقار أن تكون بورقة رسمية ، حتى تتوافر للواهب أسباب الحرية في عقد ينزل به عن ماله دون مقابل ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 254 ) ، وليس السبب في رسمية الهبة أو عينيتها حماية ورثة الواهب فحسب كما يذهب إلى ذلك بعض الفقهاء ( لوران 12 فقرة 339 – بلانيول وريبير وترانسبو 5 فقرة 342 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 42 ص 87 – ص 88 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 76 وفقرة 106 ) ، بل السبب الرئيسي هو حماية الواهب نفسه ، إذ هو يتجرد عن ماله دون مقابل .
( [36] ) وقد كان المشروع التمهيدي يجعل هبة العقار لا تتم إلا بورقة رسمية ، ويجعل هبة المنقول لا تتم إلا بالقبض . فكانت هبة العقار عقداً شكلياً حتما ، وكانت هبة المنقول عقداً عينياً حتما ( المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 254 – وانظر آنفاً فقرة 28 في الهامش ) .
( [37] ) وفي فرنسا تخضع هبة العقار أيضاً ، حتى تكون نافذة في حق الغير . لإجراءات تسجيل من نوع خاص يختلف عن التسجيل بوجه عام ( أنظر 939 مدني فرنسي – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ donation فقرة 383 – فقرة 463 ) . أما هبة العقار في مصر فتخضع للقواعد العامة للتسجيل .
( [38] ) أنظر فيما تقدم بودري وكولان 10 فقرة 1066 – فقرة 1086 .
( [39] ) والإشهاد الشرعي قديماً كالورقة الرسمية تنعقد به الهبة ( استئناف مصر 8 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 19 رقم 286 ص 691 .
( [40] ) أنظر في كل ما تقدم قانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 والمرسوم الصادر في 3 نوفمبر سنة 1947 بلائحته التنفيذية .
( [41] ) بودرى وكولان 10 فقرة 1099 – بل يشترط أيضاً ، في القانون الفرنسي ، أن يعلن القبول للواهب على يد محضر ( م 932 / 2 فرنسى ) ، حتى لو ثبت أن الواهب قد علم فعلا بالقبول لم يكن ملزماً بالهبة قبل إعلانه بالقبول ، ولا يلتزم إلا عن وقت هذا الإعلان .
( [43] ) ومن ثم لا تشترط الرسمية في توكيل الموهوب له غيره في قبول الهبة ، وتشترط في توكيل الواهب غيره في ايجابها ( أنظر آنفاً فقرة 2 ) .
( [44] ) أنظر في هذا المعنى ديموج 1 فقرة 208 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 119 – الأستاذ محمد كامل مرسى في العقود المسماة 2 فقرة 59 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 43 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 76 .
( [45] ) بودرى وكولان 10 فقرة 1099 – فقرة 1100 – والرجوع في الهبة لا تشترط فيه ورقة رسمية كما تشترط هذه الورقة في إبرام الهبة ، بل يصح أن يكون الرجوع في ورقة عرفية ، أو أن يكون دلالة كما يقع عند تصرف الواهب في المال الموهوب ( بلانيول وريبير وترانسبو فقرة 365 – جوسران 3 فقرة 304 – الأستاذ محمد كامل مرسي في العقود المسماة 2 فقرة 59 ص 78 ) .
( [46] ) ومن ثم فالتعهد بترتيب إبراء لشخص على سبيل التبرع يستلزم الرسمية ، ما لم تكن الهبة مستترة باسم عقد آخر ( استئناف مختلط 29 ابريل سنة 1937 م 49 ص 208 ) .
( [47] ) نقض مدني 5 ابريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 96 ص 573 – استئناف وطني 28 مارس سنة 1914 الشرائع 1 رقم 458 ص 309 .
( [48] ) أنظر في هذه المسألة في القانون الفرنسي أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 660 – بودري وكولان 10 فقرة 1259 – فقرة 1278 .
( [49] ) ويؤدى القبض ما تؤدى الرسمية من أغراض ، إذ أن تجرد الواهب عن حيازة المال الموهوب كفيل كما قدمنا ( أنظر آنفاً فقرة 28 ) بتوجيه نظره إلى ما ينطوي عليه عقد الهبة من خطر ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don mannel فقرة 4 ) .
( [50] ) أنظر في اعتبارات تاريخية في فرنسا أدت إلى صحة الهبات اليدوية أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 هامش 38 .
( [51] ) عند الحنفية ، لا ينتقل ملك الموهوب إلا بالقبض . أما قبل القبض فالملك للواهب ، وله أن يرجع في هبته إذا أراد ، فتصح الهبة إذن قبل القبض ولكنها تكون هبة غير لازمة يرجع فيها الواهب إذا أراد دون اعتداد بموانع الرجوع ، ولا ينتقل الملك فيها إلى الموهوب له . فإذا قبضت الهبة – بإذن الواهب الصريح أو باذنه الضمني في مجلس العقد – انتقل الملك إلى الموهوب له ، وأصبح لا يجوز للواهب الرجوع إلا إذا لم يوجد مانع من موانع الرجوع المعروفة . فللهبة عند الحنفية مراحل ثلاث : المرحلة الأولى مرحلة العقد . ويكون غير نافذ فلا ينقل الملك ، وغير لازم فيجوز الرجوع فيه . والمرحلة الثانية مرحلة القبض ، وبه ينفذ العقد فينقل الملك ، ولكنه لا يلزم . والمرحلة الثالثة قيام مانع من موانع الرجوع . وبه يلزم العقد . أنظر البدائع جزء 6 ص 123 – الهداية على هامش فتح القدير 7 ص 113 – ص 117 .
وعند الشافعية والحنابلة ، لا تلزم الهبة ولا ينتقل الملك إلا بالقبض بإذن الواهب ؛ فقبل القبض يجوز للواهب الرجوع ، ولا ينتقل الملك . وبعد القبض بإذن الواهب ينتقل الملك ، وتلزم الهبة ولا يجوز للواهب الرجوع أصلاً إلا في حالة اعتصار الوالد الهبة لولده . فللهبة عند الشافعية والحنابلة مرحلتان : المرحلة الأولى مرحلة العقد ، ويكون غير نافذ فلا ينقل الملك ، وغير لازم فيجوز الرجوع فيه ، وهذه المرحلة الأولى عند الشافعية والحنابلة هي كالمرحلة الأولى عند الحنفية . والمرحلة الثانية مرحلة القبض ، وبه ينفذ العقد فينقل الملك . ويلزم إلا في اعتصار الهبة ، وهذه المرحلة الثانية عند الشافعية والحنابلة تقوم مقام المرحلتين الثانية والثالثة عند الحنفية . أنظر المهذب 1 ص 447 – المغنى 5 ص 591 – ص 593 .
وعند المالكية يستطيع الموهوب له أن يجبر الواهب على التسليم ، وله أن يقبض الهبة بغير إذن الواهب ، فإذا تم القبض انتقل الملك إلى الموهوب له . فالظاهر أن للهبة عند المالكية مرحلة واحدة هي مرحلة العقد ، فيكون بمجرد انعقاده نافذاً لازماً ( إلا في حالة اعتصار الهبة ) ، ومن ثم يلزم الواهب بالتسليم ومتى تم التسليم انتقل الملك . أنظر الخرشي 7 ص 105 – ص 106 .
( [52] ) استئناف مختلط 29 يناير سنة 1924 م 36 ص 181 – 23 مارس سنة 1926 م 38 ص 302 – 17 ابريل سنة 1928 جازيت 13 – رقم 10 ص 4 – 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 186 .
( [53] ) ومتى تمت الهبة اليدوية بالقبض ، فكل الشروط التي تتضمنها هذه الهبة والاتفاقات الملحقة ( pactes adjoints ) من التزامات وعوض ونحو ذلك تكون صحيحة ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 98 – فقرة 114 ) . فيجوز في الهبة اليدوية أن يحتفظ الواهب بحق الانتفاع أو بملك الرقبة ، وأن يقرن الهبة بشروط أو التزامات أخرى ( بلانيول وريبير وترانسبو 5 فقرة 401 وما بعدها – جوسران 3 فقرة 1336 – الأستاذ محمد كامل مرسي في العقود المسماة 2 فقرة 80 ) .
هذا والوعد بالهبة اليدوية – ككل وعد بهبة – لا يتم إلا بورقة رسمية ، لأن القبض في هذه الحالة لا يقع . فإذا كان الوعد بهبة يدوية مكتوباً في ورقة عرفية كان باطلا ، ويجوز للواعد الرجوع في وعده . ويجوز لورثته أن يمتنعوا عن تسليم المنقول . وإذا سلم الواعد أو ورثته المنقول ، كان هذا هبة يدوية مبتدأة لا تنفيذاً للوعد بالهبة ، فلا بد فيها من إيجاب وقبول جديدين ( بلانيول وريبير وترانسبو 5 فقرة 382 – الأستاذ محمد كامل مرسي ، العقود المسماة 2 فقرة 81 ) .
( [54] ) وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يجعل هبة المنقول لا تتم إلا بالقبض الفعلي ، فكانت المادة 661 من هذا المشروع تنص على أنه ” لا تتم هبة المنقول إلا بتسليم الموهوب تسليماً فعليا وقبضه ” . وفي لجنة المراجعة عدل هذا الحكم من ناحيتين : ( أولاً ) جعلت هبت المنقول تتم بورقة رسمية أو بالقبض . ( ثانياً ) وإذا تمت بالقبض فلا يشترط فيه أن يكون قبضاً فعلياً ( أنظر آنفاً فقرة 27 في الهامش ) .
( [55] ) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 251 – وانظر آنفاً فقرة 460 في الهامش .
( [56] ) ويقرب هذا مما قدمناه في قبول الهبة ، ففي القانون الفرنسي للقبول في الهبة إجراءات خاصة تميزه من القبول في العقد بوجه عام ، أما قبول الهبة في القانون المصري فشأنه شأن القبول في العقد بوجه عام . وكذلك القبض في الهبة اليدوية ، فله في القانون الفرنسي معنى خاص يتضمن تسلم الموهوب له للهبة تسلما فعليا . أما في التقنين المصري فالقبض في الهبة اليدوية شأنه شأن القبض في عقد البيع وفي أي عقد آخر ، ولا يتضمن حتما قسلم الموهوب له للهبة تسلما فعليا . وكما أنه لا يشترط في التقنين المدني الجديد أن يقبل الموهوب له الهبة قبولاً خاصا بإجراءات معينة ، كذلك لا يشترط في هذا التقنين أن يقبض الموهوب له الهبة اليدوية قبضاً خاصاً على وجه معين .
( [57] ) أنظر عكس ذلك الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 106 ، ويسمى هذا التسليم تسليما حمياً .
( [58] ) ويصح أن يتم تسليم النقود بتحويل مبلغ من الحساب الجاري للواهب إلى الحساب الجاري للموهوب له ( vierement de compte ) ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 21 ) .
( [59] ) فإذا كان الموهوب متجرا ، تم القبض باستيلاء الموهوب له على المتجر وباتخاذه صفة المدير له ، حتى لو بقى اسم الواهب اسما للمتجر كما يقع ذلك في بعض الأحيان ( استئناف مختلط 30 ديسمبر سنة 1913 م 25 ص 118 ) . وإذا كان الموهوب بوليصة تأمين لحاملها ، تم القبض بتسليم البوليصة للموهوب له ( محكمة الإسكندرية التجارية المختلفطة 8 يونيه سنة 1916 جازيت 6 رقم 176 ص 536 ) .
( [60] ) فإذا كان الوسيط لم يسلم المنقول بعد للموهوب له ، جاز للواهب أن يسترده منه أو أن يمنعه من تسليمه للموهوب له ، فلا تتم الهبة ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 535 ) .
( [61] ) أنظر في عدم جواز أن يكون الوسيط فضولياً يتسلم نيابة عن الموهوب له دون ترخيص منه بودري وكولان 10 فقرة 1166 – فقرة 1169 – أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 هامش 52 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 41 – فقرة 43 .
( [62] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن إعطاء الواهب مبلغاً من النقود لأمين عن القصر وإيداع الأمين هذا المبلغ خزانة المجلس الحسبي لحساب القصر يعتبر قبضاً كاملا لتحص الهبة ( 29 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 308 ص 475 ) .
وكذلك المزيد في مقال توكيل محامي
( [63] ) أنظر آنفاً فقرة 306 . ويترتب على ذلك أن إيداع أب نقوداً في أحد المصارف باسم ولده قاصداً التبرع له بالمبلغ المودع يمكن أن يكون هبة يدوية تمت بالقبض ، وذلك بالتسليم الفعلى من الواهب من علم الموهوب له بأن المبلغ مودع باسمه وتحت تصرفه . أما إذا كان الابن قاصداً ، فهذه هبة يدوية تمت بالقبض وناب الأب عن ولده القاصر في ذلك ( قارن الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 128 ) .
على أن نية الهبة – كما تقول محكمة النقض – لا تفترض ، ” وفعل الإيداع ليس من شأنه بمجردة أن يفيدها ، إذ هو يحتمل احتمالات مختلفة لا يرجح أحدها إلا بمرجح ” ( نقض مدني 8 ابريل سنة 1948 مجموعة 5 رقم 298 ص 590 ) . وقضت محكمة النقض أيضاً في هذا المعنى بأنه لما كان مجرد إيداع مبلغ من النقود باسم شخص معين لا يقطع في وجود نية الهبة عند المودع ، فإن الإيداع لا يفيد حتما الهبة ، بل يجب الرجوع في تعرف أساس الإيداع إلى نية المودع . ولا يكون الحكم قد خالف القانون إذا قضى باعتبار إيداع مبلغ صندوق التوفي باسم شخص آخر غير المودع إنما كان على سبيل الوصية لا على سبيل الهبة ، متى أقام قضاءه على أسباب سائغة . وإن قرينة حيازة شخص لمال مودع صندوق التوفير المستمدة من تحرير دفتر التوفير باسمه هي قرينة قانونية غير قاطعة يمكن دفعها بكافة أوجه الإثبات بما فيها القرائن ( نقض مدني 26 يناير سنة 1956 مجموعة أحكام النقض 7 رقم 15 ص 125 ) . وفي حكم ثالث أقرت محكمة النقض حكم محكمة الموضوع بأن إيداع الوالد مبلغاً من النقود باسم ولديه في البنك ، وفتح حساب خاص بالوليدن ، من شأنه أن يخرج المال نهائياً من حيازة المودع فيصبح في حيازة صاحب الحساب ، وأن قبضه تم بواسطةشخص ثالث وهو البنك وهذا جائز قانوناً . وما كان الوالد يستيطع سحب المبلغ إلا بصفة أخرى كولى على الولدين بحيث لوزالت هذه الصفة لما استطاع سحب المبلغ . ولما كانت الحيازة قد أصبحت للولدين بإيداع هذا المبلغ باسميهما في البنك ، فإنهما يستفيدان من القرينة القانونية وهي اعتبارهما مالكين طبقاً للمادة 608 مدني التي تفترض السند الصحيح وحسن النيةن وليس الولدان ملزمين بإثبات الهبة إذ أن السند الصحيح مفترض ، فكان الواجب على الخصم أن يقيم هو الدليل الايجابي على أن الهبة لم تتحقق ( نقض مدني 26 نومفبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 26 ص 184 ) .
وقضت محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة بأن إيداع الواهب أوراقاً مالية لحساب الموهوب له في البنك يعتبر قبضاً ( 24 مارس سنة 1925 جازيت 15 رقم 230 ص 360 – وانظر أيضاً استئناف مختلط 8 مارس سنة 1934 م 46 ص 207 ) – وقضت محكمة مصر الكلية الوطنية بان تقييد المورث للدوائع باسم الوارث يعتبر قانوناً هبة غير مباشرة بطريقة الاشتراط لمصلحة الغير ، فلا يشترط فيها الشكل الرسمي ولا قبول الموهوب له وقت الإيداع ( 18 ابريل سنة 1938 المحاماة 18 رقم 465 ص 1066 – ويلاحظ على هذا الحكم أنه لا محل هنا للكلام عن الاشتراط لمصلحة الغير ، وإنما أودع المورث مبلغاًمن النقود باسم وارثه فجعلها تحت تصرفه ، فتمت الهبة اليدوية على هذا النحو كما قدمنا : قارن الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 128 – ص 129 ) .
( [64] ) أنظر في خصوص البيع آنفاً فقرة 308 .
( [65] ) وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يشتمل على نص هو المادة 673 من هذا المشروع ، تنص الفقرة الثالثة منها على ما يأتي : ” أما إذا كان ( الموهوب ) منقولا فلا تنتقل الملكية إلا بالقبض الحقيقي الكامل ، فإن كان المنقول موجوداً في حيازة الموهوب له وقت الهبة ، فتنتقل الملكية بمجرد الاتفاق على الهبة دون حاجة إلى قبض جديد ” . وقد حذفت المادة 673 من المشروع في لجنة المراجعة ” لأن حكمها مستفاد من القواعد العامة ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 264 – ص 265 في الهامش ) . وانظر أيضاً المادة 502 من قانون الأحوال الشخصية لقدري باشا . وقضت محكمة مصر الكلية الوطنية ، فيعهد التقنين المدني السابق حيث كان القبض يشترط فيه أن يكون فعلياً ، بأنه إذا كان المبلغ الموهوب موجوداً تحت يد الموهوب له وقت حصول الهبة ، يعتبر الموهوب له كأنه قبضه بالفعل بتحويل صفته من مودع لديه لموهوب له ( 24 مايو سنة 1922 المحاماة 4 رقم 635 ص 747 ) .
وتنص المادة 606 من التقنين المدني العراقي على أنه ” إذا وهب أحد ماله لمن كان هذا المال في يده ، اعتبرت الهبة مقبوضة دون حاجة إلى قبض آخر ” ( أنظر الأستاذ حسن الذنون فقرة 30 ) .
وفي القانون الفرنسي نفسه يجوز القبض على هذا النحو ، في الهبة اليدوية ( لوران 12 فقرة 277 – أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 534 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 19 – فقرة 20 ) .
( [66] ) أنظر الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 106 – ص 107 .
( [67] ) ومما ترد عليه الهبة اليدوية الجهاز . فإذا جهز الأب ابنته – ولم نقل إن هناك التزاما طبيعيا على الأب في هذه الحالة – وسلمها الجهاز ، فقد تمت الهبة ، وليس للأب أو لورثته استرداد الجهاز بعد ذلك . أما إذا لم يسلمه لها ، فلا تملكه ، ويجوز للأب أن يرجع في هبته لأن الهبة لم تتم . وإذا سلمه لها في مرض موته ، كان حكمه حكم الوصية ( أنظر المادة 113 من قانون الأحوال الشخصية لقدري باشا ) . وإذا كانت البنت قاصرة ، فشراء أبيها الجهاز يكفي لتمام الهبة ، لأن الأب يقوم مقام ابنته القاصرة ، في القبض ، فكأنها هي التي قبضت الجهاز ( أنظر المادة 114 من قانون الأحوال الشخصية لقدري باشا ) .
وإذا حرر الأب سنداً على نفسه لابنته وظهر من السند أنه هبة بمناسبة الزواج ، فالهبة مكشوفة لا مستترة ، ولا تتم إلا بقبض قيمة السند أو بكتابة السند في ورقة رسمية ( محكمة مصر الكلية الوطنية 12 ابريل سنة 1927 المجموعة الرسمية 28 رقم 107 ص 203 – الأزبكية 28 يناير سنة 1924 المحاماة 5 رقم 379 ص 443 ) . وإذا تبرع أخوة لأختهم بنفقات جهازها واشتروا الجهاز ، ولكنهم لم يسلموه لأختهم فالهبة لم تتم ، ولا تتم إلا بتسليم الأخت الجهاز ( استئناف مصر 20 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 233 / 1 ص 321 ) .
وإذا تعهدت أم لبنتها بدفع مبلغ بصفة ” دوطة ” ( مهر ) ، فالهبة لا تتم إلا إذا كان التعهد في ورة رسمية ، أو إذا سلمت الأم المبلغ لبنتها فتتم الهبة بالقبض ( مصر الكلية الوطنية 20 يناير سنة 1925 المحاماة 5 رقم 378 ص 441 ) .
وقضى بان الاعانة التي تدفعها وزارة المعارف للمدارس الحرة هي هبة يدوية فلا تتم إلا بالقبض ، أما قبل القبض فلا تملكها المدرسة المعانة ولا يجوز لدائنيها الحجز عليها ( الموسى 23 ابرير سنة 1929 المحاماة ) رقم 434 ص 687 ) . ولكن قضى من جهة أخرى أن هذه الاعانة ليست تبرعاً محضاً ، بل الغرض منها ترقية مستوى التعليم ، ويقابلها شروط خاصة يجب أن تتوافر في المدرسة المعانة ، ومن ثم تكون دينا للمدرسةفي ذمة وزارة المعارف ، ويجوز لدائني المدرسة الحجز عليها تحت يد الوزارة ( الإسكندرية الكلية الوطنية 7 أكتوبر سنة 1937 المحاماة 18 رقم 138 ص 273 ) . وانظر في كل ذلك الأستاذ محمد كامل مرسي في العقود المسماة 2 فقرة 82 .
( [68] ) وقد اختلف الفقه في فرنسا في جواز ورود الهبة اليدوية على حق الانتفاع أو على حق الرقبة ، فذهب فريق إلى عدم الجواز إذ يرون أن القبض الفعلي بالنسبة إلى هذه الحقوق المجردة يصعب تصوره . ولكن الرأي الذي ساد في الفقه وفي القضاء في فرنسا هو الجواز . ويقع القبض الفعلي على الشيء محل حق الانتفاع أو حق الرقبة ( أنظر هذه المسألة في القانون الفرنسي بودري وكولان 10 فقرة 1175 – فقرة 1179 ) . فإذا كان هذا الرأي هو الذي ساد في فرنسا ، فأولى أن يسود في مصر حيث لا يشترط القبض الفعلي في الهبة اليدوية كما قدمنا .
( [69] ) بودرى وكولان 10 فقرة 1185 – فقرة 1189 .
( [70] ) أنظر عكس ذلك الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 110 – أما في فرنسا فلا ترد الهبة اليدوية على الديون ، لأنها غير قابلة للقبض الفعلي .
( [71] ) بودرى وكولان 10 فقرة 1180 – فقرة 1184 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 110 .
( [72] ) ولكن تجوز هبة البضائع التي يحتويها المتجر هبة يدوية . أم المنقولات المعنوية كالعلامة التجارية وبراءة الاختراع ، فلا تصلح محلا للهبة اليدوية كما قدمنا ( الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 111 هامش رقم 1 ) .
( [73] ) تقضى المادة 3 من التقنين التجاري البحري بوجوب الرسمية في السن البحرية .
( [74] ) وغنى عن البيان أن الهبة اليدوية لا ترد على منقول غير معين إلا بنوعه لأنه لا يصلح للقبض الفعلي ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 533 ) ، ولا للقبض الحمي . ولكن الهبة اليدوية ترد على جزء شائع في منقول معين ، لأنه يصلح للقبض .
( [75] ) ويلاحظ أن الأمر لا يتغير لو أن النزاع كان بين المورث نفسه والحائز . ولكن إقرار المورث بملكية الحائز للشيء الموهوب يقوم دليلا على الهبة ما دام الغير لم يطعن في الهبة بالصورية ( استئناف مختلط 30 ابريل سنة 1946 م 58 ص 165 ) .
( [76] ) ولا يجوز الإثبات إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها إذا زادت القيمة على عشرة جنيهات .
( [77] ) وقد قضت محكمة المنشية بان الهبة في المنقول وإن كانت تتم بالقبض ، إلا أنه يشترط أن يكون القبض غير مشكوك فيه . وإقامة الزوجة مع زوجها في مسكن واحد تجعل وضع يدها على المنقولات الموجودة بالسكن وضع يد مشكوك فهي ( 31 مارس سنة 1931 المحاماة 12 رقم 180 ص 343 ) .
( [78] ) وقد يستجوب ورثة الواهب مخالط الواهب أمام القضاء ، فيقر هذا بان المنقولي في يده ولكن المورث قد وهبه إياه وسلمه له فملكه بالهبة . فهذا إقرار لا يتجزأ ، ولا يجوز للورثة أن يستبقوا منه أن المنقول في يد الحائز ، ثم يطالبوه بإثبات أن الهبة قد صدرت له من المورث . ولكن يجوز للورثة أن يثبتوا أن حيازة المنقول انتقلت إلى الحائز بسبب آخر غير عقد الهبة . وقد يكون هذا السبب واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ، كأن يدعى الورثة أن الحائز اختلس المنقول من المورث . وقد يكون السبب عقداً يجب إثباته طبقاً لقواعد الإثبات بالكتابة أو بما يقوم مقامها إذا زادت قيمة المنقول على عشرة جنيهات ، كأن يدعى الورثة أن المورث لم يهب المنقول الحائز وإنما أودعه عنده ، فعليهم أن يثبتوا عقد الوديعة بالطريق الذي كان يستطيع مورثهم اثثباتها به ( أنظر في ذلك أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 537 – ص 542 – بودري وكولان 10 فقرة 1207 – فقرة 1219 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 115 – فقرة 149 ) .
( [79] ) استئناف مختلط 3 يناير سنة 1918 م 30 ص 122 – 17 ابريل سنة 1928 م 40 ص 304 .
( [80] ) ولكن يجوز أن تتضمن الهبة الباطلة تصرفات أخرى لا يشترط فيها شكل معين ، كما لو تضمنت إلناء لوصية سابقة ، فيبقى إلغاء الوصية قائماً بالرغم من بطلان الهبة . كذلك قد تتحول الهبة الباطلة إلى وصية صحيحة طبقاً للقواعد المقررة في تحول التصرفات ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 256 ) .
( [81] ) استئناف وطني أول يونيه سنة 1915 الشرائع 2 رقم 294 ص 273 – استئناف مختلط ) مايو سنة 1906 م 18 ص 236 .
( [82] ) إذ هي تتقادم بخمس عشرة سنة من وقت عقد الهبة ( م 141 / 2 مدني ) : أنظر استئناف مختلط 27 يونيه سنة 1940 م 52 ص 33 ( . وقارن نقض مدني 5 ديسمبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 118 ص 271 .
( [83] ) ولا يملك الموهوب له في الهبة الباطلة العقار الموهوب بالتقادم الخمسي ولو كان حسن النية ، لأن الهبة الباطلة لا تصلح سبباً صحيحاً ، وإنما يملكه بالتقادم الطويل .
( [84] ) لا من الواهب ولا من ورثته ، ما لم ينفذ الواهب أو ورثته الهبة اختيارا فتصح الهبة كما سنرى . وفي التقنين المدني الفرنسي تقضي المادة 1340 بأن ورثة الواهب يجوز لهم تصحيح الهبة الباطلة بالاجازة الصريحة أو الضمنية ، ويعد التنفيذ الاختياري للهبة إجازة . وهذا النص يقلب البطلان المطلق للهبة إلى بطلان نسبي بعد موت الواهب ، فتصح إجازة الورثة . وانقلاب البطلان المطلق إلى بطلان نسبي يستوقف النظر ، وقد ذهب بعض الفقهاء في فرنسا إلى أن البطلان يبقى مطلقا بعد موت الواهب ، وإنما يتخلف عنه في ذمة الورثة التزام طبيعي يجوز تنفيذه اختياراً ، ويجوز جعله سبباً لالتزام مدني . ويعارض هذا الرأي أن الالتزام الطبيعي لا يمكن أن ينشأ في ذمة الورثة البتداء ، ما دام لم ينشأ قبل ذلك في ذمة المورث . ولذلك يميل الفقه في فرنسا إلى اعتبار الأوضاع الرسمية للهبة إنما فرضت لمصلحة ورثة الواهب على الأخص ، فإذا نزلت الورثة عن هذه الحماية فهذا حقها ( بلانيول وريبير وترانسبو 5 فقرة 352 – جوسران 3 فقرة 1311 ) .
( [85] ) استئناف وطني أول يونيه سنة 1915 الشرائع 2 رقم 294 / 2 ص 273 .
( [86] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 663 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل ، انقلبت الهبة صحيحة ” . وعدل النص في لجنة المراجعة بما يجعل النص في رأي اللجنة مستقيما مع القواعد العامة على أساس أن تنفيذ الهبة الباطلة يعتبر تنفيذا لالتزام طبيعي ، فأصبح النص مطابقاً لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد . وفي لجنة الشؤون التشريعية لمجلس النواب استفسر كيف لا يجوز استرداد الهبة التي سلمت إذا كان العقد باطلا بطلاناً مطلقاً لعيب في الشكل ، فأجيب بان الهبة الباطلة بطلاناً مطلقاً لعيب في الشكل يتخلف عنها التزام طبيعي يعتبر تسلم الموهوب للهبة تنفيذا له ، وانه لهذا السبيل لا يجوز الاسترداد وفقاً لقواعد الالتزامات الطبيعية . ووافقت اللجنة على المادة كما هي ، ثم وافق عليها مجلس النواب ووافق عليها مجلس الشيوخ تحت رقم 489 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 251 – ص 253 ) .
( [87] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 457 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 478 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي لا مقابل ، فلا يسرى النص .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني لا مقابل ، فلا يسرى النص .
( [88] ) أنظر في ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 251 – ص 252 – وانظر آنفاً فقرة 44 في الهامش .
( [89] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 254 – وانظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 499 – ومحكمة الإسكندرية الوطنية 13 مايو سنة 1930 المحاماة 11 رقم 324 ) .
( [90] ) ص 467 هامش رقم 2 – وانظر أيضاً في هذا المعنى والتون 1 ص 27 .
( [91] ) وقد قضت محكمة مصر الوطنية بان الهبات الباطلة شكلا ينشأ عنها التزام طبيعي إذا أوفاه الملتزم لا يستطيع استرداده ، وينقلب التزاما مدنيا إذا حصل تجديده قانوناً . ومن ثم ترفض دعوى ورثة الواهب ببطلان هبة مورثهم لصدورها منه في محرر عرفي ، بعد أن ثبت للمحكمة إجازة المدعين لهذه الهبة ضمناً بقسمة الأعيان الموروثة فيما بينهم وباستئجار أحدهم نصيب أحد الموهوب لهم وإقرار آخر لبعض الموهوب لهم في خطاب منه بملكيته للمال الموهوب ( 6 مارس سنة 1939 المحاماة 21 رقم 334 ) . وقفت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بان هذا الالتزام الطبيعي يوجد في القانون المصري في ذمة الواهب نفسه فضلا عن انتقاله إلى ذمة ورثته بعد وفاته ، على خلاف التقنين الفرنسي لوجود المادة 1339 منه التي تقضى بان عيب الشكل لا تصححه إجازة الواهب . ومن ثم يصح تعهد الزوج بتنفيذ وعده لزوجته وقت الزواج بأن يعطيها أربعمائة جنيه ، ونفاذه في تركته بعد موته ، على تقدير أن وعد الزوج هذا وإن كان باطلا شكلا لعدم ثبوته في ورقة رسمية إلا أنه تخلف عن التزام طبيعي حصل تجديده بصدور تعهد منه بتنفيذه ( 13 مايو سنة 1930 المحاماة 11 رقم 324 ص 653 ) . وانظر أيضاً في معنى الالتزام الطبيعي ما قضت به محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية من أنه إذا فرض أن الإقرار بالدين هبة وإنها باطلة شكلا لعدم عملها بعقد رسمي ، وبفرض أن التنازل عن للغير باطل أيضاً لهذا السبب ، فإن الهبة الباطلة ليست مجردة من جميع الآثار القانونية ، إذ ينشأ عنها التزام أدبي ينقلب إلى التزام مدني إذا حصل استبداله قانونا ( 19 فبراير سنة 1938 المحاماة 18 رقم 419 ص 919 ) . أنظر عكس ذلك وفي أن الهبة الباطلة للشكل باطلة بطلاناً مطلقاً وتمتنع اجازتها محكمة مصر الكلية 13 ابريل سنة 1926 المجموعة الرسمية 28 رقم 107 .
( [92] ) وننقل هنا ما سبق أن قلناه في هذا الصدد : ” فالبطلان إما أن يرجع إلى اعتبارات شكلية أو إلى اعتبارات موضوعية ، ففي الحالة الأولى يكون العقد الشكلي الذي لا يتوافر ركن الشكل فيه باطلا ولكن بالقدر الذي يتطلبه القانون من الشكل . وقد أسلفنا أن الشكل إنما هو من صنع القانون ، والقانون هو الذي يعين له الجزاء الكافي في حالة الإخلال به . فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا تلحقه الإجازة ، وقد يسمح باجازته كما في الهبة الباطلة شكلا ( م 489 جديد ) وكما في الشركة التي لم تستوف الشكل المطلوب ( م 507 جديد ) ، وقد يجعل الشكل من المرونة بحيث يقبل أن يستكمل وأن يحتج به في فرض دون فرض كما في شركات التضامن والتوصية . فالشكل كما قدمنا من خلق القانون ، صنعه على عينه ، ويقده على القالب الذي يختاره ” ( الوسيط جزء أول فقرة 301 ص 492 . وانظر أيضاً ص 255 في الهوامش ) .
( [93] ) وننقل هنا ما سبق أن قلناه في هذا الصدد : ” ويذكر عادة ، كمثل آخر للنوع الأول ( التزام بدا مدنيا فعاقه منذ البداية مانع قانونين من ترتيب أثره فانقلب طبيعيا ) ، عقد الهبة الباطل لعدم استيفاء الشكل ، فقد نصت المادة 489 من التقنين المدني على أنه إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل ، فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي أن هذا النص إنما هو تطبيق لالتزام طبيعي تخلف عن الهبة الباطلة . ولو صح هذا لصلح هذا الالتزام الطبيعي الذي تخلف عن الهبة الباطلة سبباً لالتزام مدني ، ولأمكن التحايل على الشكل في الهبة عن طريق كتابتها في ورقة عرفية ثم اتخاذها سبباً لالتزام مدني صحيح في ورقة عرفية أخرى ، وهذا ما لا يجوز التسليم به . والصحيح في رأينا أن التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة في الشكل ، سواء من جهة الواهب أو من جهة ورثته ، إنما هو إجازة لعقد الهبة ، إذ البطلان المترتب على عيب في الشكل قد تلحقه الإجازة إذا نص القانون على ذلك ( الوسيط 2 فقرة 395 – وانظر أيضاً من هذا الرأي الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام الجزء الأول في آثار الالتزام فقرة 140 ص 287 هامش رقم 2 – وقارن الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 44 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 79 – الأستاذ محمد كامل مرسي فقرة 63 ) .
وفي التقنين المدني الفرنسي تقصر المادة 1340 إمكان التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة في الشكل – واجازة هذه الهبة بوجه عام – على ورثة الواهب دون الواهب نفسه . ويذهب بعض الفقهاء الفرنسيين إلى القول بتخلف التزام طبيعي من الهبة الباطلة في الشكل في جانب ورثة الواهب ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 990 – بيدان ولاجادر 8 فقرة 683 ص 498 – قارن بودري وبارد 2 فقرة 1671 – فقرة 1672 ، ومن رأيهما أن الهبة تكون باطلة بطلانا مطلقاً لانعدام الشكل ، حتى إذا مات الواهب كانت هذه الهبة ذاتها قابلة للإبطال بالنسبة إلى الورثة ! ويصعب التسليم بأن البطلان المطلق ينقلب إلى بطلان نسبي بموت الراهب : الوسيط جزء 2 ص 737 هامش رقم 2 ) .
( [94] ) أنظر رأياً آخر يهذب إلى أن التقنين الجديد قد خلق إلى جانب الرسمية شكلا جديداً ذا صبغة عامة يمكن أن تتم فيه الهبة هو التنفيذ الاختياري الأستاذ أكثم الخولي فقرة 79 . ويؤخذ على هذا الرأي أنه يخلط بين التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة والقبض في هبة المنقول : أنظر فقرة 82 .
ولا يؤدي هذا الرأي إلى النتائج التي تؤدي إليها فكرة إجازة الهبة عن طريق التنفيذ الاختياري . وصاحب هذا الرأي نفسه يبرز فرقين : أحدهما أن الهبة تعتبر منعقدة من وقت التنفيذ الاختياري ولو أخذنا بفكرة الإجازة لاعتبرت الهبة منعقدة من وقت صدورها ، والفرق الثاني أنه إذا كان الذي قام بالتنفيذ الاختياري هم الورثة فإن الهبة تكون قد انعقدت بينهم وبين الموهوب له فتنتقل الملكية منهم لا من المورث ، ولو أخذنا بفكرة الإجازة لا عتبرت الهبة منعقدة بين المورث والموهوب له فتنتقل الملكية من المورث لا من الورثة . ولعل هذا الفرق الثاني هو الذي يظهر ما في الرأي من غرابة .
( [96] ) قارن أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 هامش رمق 8 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 525 – وانظر في معيار للهبة غير المباشرة وردها إلى فكرة التصرف غير المتصف أو المحايد ( acte neuter ) إلى الأستاذ أكثم الخولي فقرة 96 وما بعدها . وقد أدخل بموجب هذا المعيار في الهبات غير المباشرة التصرفات المجردة والإقرار بالدين والتعهد بالوفاء وحوالة الحق وحوالة الدين ، وفي رأينا أن بعض هذه التصرفات هبات مستترة وبعضها يصح أن يكون هبات مباشرة مكشوفة .
( [97] ) ولكن هبة حق الانتفاع لغير مالك الرقبة تكون هبة مباشرة تستلزم الرسمية ، لأن التصرف هنا ينقل حق الانتفاع من صاحبه إلى الموهوب له ( أنظر الأستاذ أكثم الخولي ص 143 – ص 144 – وانظر عكس ذلك الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 124 ولكن أنظر مع ذلك ص 125 ) .
( [98] ) قارن المادة 607 من التقنين المدني العراقي ، وتنص على ما يأتي : ” 1 – إذا وهب الدائن الدين للمدين أو أبرأ ذمته منه ولم يرده المدين تتم الهبة ويسقط الدين في الحال .
2 – وإذا وهب الدائن الدين لغير المدين ، فلا تتم الهبة إلا إذا قبضه بإذن الواهب ” .
أما الصلح مع المدين المفلس بالنزول عن جزء من الدين فليس بهبة أصلاً – لا مباشرة ولا غير مباشرة – لأن النزول هنا ليس بنية التبرع كما سبق القول ( أنظر آنفاً فقرة 438 في الهامش ) .
( [99] ) وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصاً ، هو المادة 662 من المشروع ، يجرى على الوجه الآتي : ” إذا تمت الهبة في صورة اشتراط لمصلحة الغير ، فلا يشترط فيها شكل خاص إلا الشكل الذي قد يتطلبه العقد ما بين المشترط والمتعهد ” وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة ، لأن حكمه وارد في الاشتراط لمصلحة الغير ( أنظر آنفاً فقرة 460 في الهامش ) .
( [100] ) وكذلك تعتبر هبة غير مباشرة أن يجعل شخص شخصاً آخر يبيع عيناً لشخص ثالث ويلتزم الأول يدفع الثمن ، إذ الموهوب له هنا قد انتقلت إليه ملكية العين لا من الواهب الذي التزم بدفع الثمن ، بل من صاحب العين الذي باعها . ويعتبر الموهوب هو العين المبيعة لا الثمن ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 526 ) . وتذهب محكمة النقض الفرنسية إلى أن شراء شخص لآخر عيناً والتزامه بدفع الثمن عنه يعتبر هبة مستترة لا هبة غير مباشرة ( نقض فرنسي 8 نوفمبر سنة 1926 سيريه 1927 – 1 42 – 30 ابريل سنة 1941 سيريه 1941 – 1 – 148 – 30 مايو سنة 1951 داللوز 1951 – 617 ) . وينتفق الفقه الفرنسي أن تكون الهبة هنا هبة مستترة ، ويذهب إلى إنها هبة غير مباشرة على النحو الذي قدمناه ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 488 – فقرة 489 وفقرة 550 ) . وقد ذهبت محكمة استئناف مصر إلى أن الهبة تقع على الثمن ) ، وتعتبر مقبوضة بدفع الثمن للبائع ( 14 يناير سنة 1940 المحاماة 20 رقم 392 ص 2943 ) . وانظر أيضاً استئناف مختلط 30 ابريل سنة 1946 م 58 ص 165 . وانظر في هذا المعنى أيضاً بلانيول وريبير وبولانيجه 3 فقرة 3342 ، ويرون أن الهبة وقعت غير مباشرة بالتزام الواهب بدفع الثمن للبائع ، ولكن الاقرب إلى قصد المتعاقدين هو أن يكون المبيع ذاته لا الثمن هو الشيء الموهوب ( أنظر أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 526 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 128 – وانظر أيضاً أحكام محكمة النقض الفرنسية السالف الإشارة إليها ) .
ويترتب على ذلك أنه إذا كان هناك مسوغ لفسخ الهبة وفسخها الواهب ، استرد من الموهوب له المبيع لا الثمن . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت الورقة الصادرة إلى أم من أولادها تتضمن اقرارهم بشراء أمهم من مالها الخاص المنزل محل النزاع الصادر عنه عقد البيع من المالك باسماء الأولاد في تاريخ لاحق لتلك الورقة ، وأن الأم تنازلت عنه بطريق الهبة إلى أولادها هؤلاء الذين تعهدوا بألا يتصرفوا فيه إلا بعد وفاتها كما تعهدوا بان يعطوها نفقة شهرية مقدارها مائتا قرش ، فاعتبرت المحكمة هذا الإقرار ورقة ضد تكشف عما أخفاه عقد البيع الصادر بعدها من أن الأولاد ليسوا هم المشترين في الحقيقة بل المشتري هي الأم ، وإنها قصدت باخفاء اسمها أن تختصر الطريق والإجراءات فلا تشتري بعقد ثم تهب باخر ، بل يتم الأمران بعقد واحد ، فهذا الذي حصلته المحكمة يسوغه ما ورد في الإقرار ، والمحكمة إذ كيفت عقد البيع المذكور بأنه هبة من الأم لأولادها حررت في صورة عقد بيع من البائع إلى الموهوب لهم لم يظهر فيه اسم المشترية الواهبة ، وإذ حكمت ببطلان البيع الذي تصرف به الموهوب لهم في الموهوب وبفسخ الهبة لإخلالهم بالتزامهم بعدم الصرف ، لا تكون قد أخطأت بل هي طبقت أحكام الصورية والهبة غير المباشرة تطبيقاً صحيحاً ( نقض مدني 20 يناير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 373 ص 703 ) .
وليس من الضروري أن يكون الشراء باسم الغير مقترناً بنية الهبة ، وقد قضت محكمة النقض بان دفع الزوج ثمن العقار من ماله كما قد يكون بنية الهبة لزوجته يصح أن يكون مجرداً عن هذه النية ، وكأن يكون الغرض منه استعارة اسم الزوجة في الشراء . فإذا استخلصت المحكمة انعدام نية الهبة مما حواه إقرار موقع عليه من زوجين يفيد دفع الزوج ثمن المبيع الذي اشترته زوجته ، وانه إنما استعار اسمها في العقد بقصد حرمان ورثته إن مات قبلها ، ومن كون ورثة الزوجة لم يحركوا ساكناً إزاء العقد محل الدعوى بعد وفاتها وطوال حياة الزوج زهاء سبع سنوات حتى توفى الزوج ، فهذا استخلاص سائغ ( نقض مدني 20 ابريل سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 113 ص 440 ) . والظاهر أن العقد وصية مستترة ، وهي باطلة لأنها لوارث ، وقد سقطت على كل حال لموت الموصى لها قبل الموصى .
( [101] ) أنظر في هذا المعنى أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 526 – بلانيول وريبير وبولانجيه 3 فقرة 3342 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 482 وفقرة 544 .
ولكن يذهب بعض الفقهاء إلى أن عقود المحاباة هبات غير مباشرة ، ولا تشترط فيها الرسمية لهذا السبب ( بودري وكولان 10 فقرة 1222 وفقرة 1236 – بونسار ص 186 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقةر 62 – الأستاذ أكثم الخولي فقرة 105 ) .
( [102] ) استئناف مختلط 7 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 5 – 29 يناير سنة 1914 جازيت 4 رقم 88 ص 223 – 15 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 44 .
( [103] ) انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 556 – فقرة 565 .
( [104] ) ولا يوجد في التقنين المدني الفرنسي نص مقابل يعفي الهبات المستترة من الشكل ، ولكن لاقضاء الفرنسي قد استقر على افعاء هذه الهبات من الشكل تقريبا لها من الهبات غير المباشرة ولحماية الغير الذي يتعامل مع الموهوب له ، وقد استند القضاء الفرنسي في ذلك إلى بعض نصوص ليست حاسمة ، ولكن الاعتبارات العملية هي التي تغلبت في استقرار القضاء ، ولم يعد الفقه الفرنسي يستطيع المنازعة في ذلك ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 هامش رقم 22 – بودري وحكولان 10 فقرة 1237 – فقرة 1241 – بلانيول وريبير وترانسبو 5 فقرة 424 – بلانيول وربير وبولانجيه 3 فقرة 3350 – كولان وكابيتان 3 فقرة 1621 – بيدان وفواران فقرة 226 – دالليني Dalligny رسالة من باريس سنة 1927 – جوليفيه Jolivet رسالة من بواتييه سنة 1940 – نوفر Nouveauy رسالة من نانسي سنة 1943 – انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 467 – فقرة 471 .
( [105] ) بودري وكولان 10 فقرة 1244 .
( [106] ) استئناف مختلط 6 مايو سنة 1931 م 43 ص 375 .
( [107] ) أنظر آنفاً فقرة 51 .
( [108] ) أنظر آنفاً فقرة 51 .
( [109] ) فالشركة التي يعطي فيها الشريك أسهماً دون أن يدفع حصة في رأس المال تخفى هبة مستترة لهذا الشريك ، والتوكيل بتسلم شيء مودع لحساب الموكل قد يخفى هبة هذا الشيء للوكيل ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 527 ) .
وقد تستتر الهبة في صورة تخارج ( نقض مدني 15 يناير سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 136 ص 408 ) ، أو في صورة إقرار بالملك ( استئناف وطني 24 مارس سنة 1915 الشرائع 2 رقم 250 – 2 ص 240 ) ، أو في صورة سند تحت الإذن ( استئناف مصر 23 يونية سنة 1936 المحاماة 17 رقم 147 ص 304 – استئناف مختلط 4 ديسمبر سنة 1935 المحاماة 17 رقم 186 ص 357 ) .
وليس من الضروري أن يكون العقد الساتر ناقلا للملكية ، فيصح أن يكون من العقود الكاشفة كالصلح ( جوليفيه ص 68 ، الأستاذ أكثم الخولي ص 125 هامش رقم 1 – عكس ذلك بلانيول وريبير وبولانجيه 3 فقرة 3357 ) . ولكن هبة الوالد أمواله لولديه وتسمية الهبة بأنها قسمة ليست إلا هبة مكشوفة ، فتكون باطلة إذا لم تكن في ورقة رسمية ( استئناف مختلط 9 مايو سنة 1906 م 18 ص 236 ) .
( [110] ) فالجهد الذي يبذله الواهب في ستر هبته في صورة عقد آخر كفيل أن ينبهه إلى ما هو مقدم عليه من تصرف ، ويدل في الوقت ذاته على تصميمه على المضى في تصرفه ، وهذا يحل محل الشكلية أو العينية في حماية إرادة الواهب ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 231 وفقرة 471 ) .
( [111] ) وقد قضت محكمة النقض بان كل ما يشترطه القانون لصحة الهبة المستترة ونفاذها أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفياً كل الشروط المقررة له من حيث الشكل ، فإذا كان سند الدين موضوع النزاع مستكملا جميع شرائط سندات الدين الصحيحة ، واستخلصت محكمة الموضوع أن التصرف الوارد فيه كان منجزاً وغير مضاف إلى ما بعد الموت ، ثم كيفيته على فرض كونه تبرعاً بأنه هبة صحيحة نافذة في حق ورثة الواهب ، فذلك هو مقتضى التطبيق الصحيح للقانون ( نقض مدني 28 يناير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 21 ص 47 ) .
( [112] ) فإذا تنازلت سيدة تداين ابنها بسند لابنة ابنها عن هذا الدين نظير جهازها ، فهذه هبة مكشوفة لا مستترة ، ويجب أن تتم بورقة رسمية أو بالقبض ( استئناف مصر 16 ابريل سنة 1933 المحاماة 14 رقم 251 – 2 ص 482 ) . وإذا لم يذكر مقابل للحوالة ، فهي هبة مكشوفة تستوجب الرسمية ( إسكندرية الكلية الوطنية 19 فبراير سنة 1 938 المحاماة 18 رقم 419 ص 919 ) . وإذا خصصت شركة نسبة مئوية من أرباحها لشخص ، ولم تخف ذلك تحت اسم عقد آخر ، بل ذكرت أن هذا التخصيص هو لإعانة الموهوب له ، فالهبة مكشوفة تستوجب الرسمية ( استئناف مختلط 24 نوفمبر سنة 1943 م 56 ص 10 ) .
( [113] ) ولا يجوز أن يكون الإقرار صحيحا في هذه الحالة إلا إذا فسر على أنه وفاء لالتزام طبيعي . فلا يستلزم الوفاء ورقة رسمية ( انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 494 – فقرة 495 ) .
( [114] ) انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 496 – وانظر فقرة 532 حيث يعتبر الإقرار غير المتضمن لسبب هبة غير مباشرة ، وفي رأينا أنها هبة مستترة كما في الإقرار المتضمن لسبب الدين .
ويخلص من ذلك أن الهبة التي يسترها إقرار عرفي بالدين كسند تحت الإذن تكون صحيحة ( نقض مدين 23 ديسمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 355 ص 686 – استئناف مختلط 22 يناير سنة 1930 م 42 ص 221 – 29 يناير سنة 1930 م 42 ص 242 – 25 مارس سنة 1931 م 43 ص 312 – 5 مارس سنة 1935 م 47 ص 183 – 4 ديسمبر سنة 1935 م 48 ص 51 – 3 مايو سنة 1938 م 50 ص 274 ) . وانظر في هبة في صورة إقرار بالدين مستكمل لجميع الشروط : نقض مدني 23 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 62 ص 201 – استئناف مصر 19 مارس سنة 1929 المحاماة 9 رقم 395 ص 274 .
ويتبين مما قدمناه أن جميع التصرفات المجردة إذا انطوت على هبات فهي هبات مستترة ، وإن كان بعض الفقهاء يذهب إلى إنها هبات غير مباشرة .
( [115] ) وإذا أن الثمن المذكور إيراداًً مدى الحياة ، وكان الإيراد أقل من ريع العين ، فقد قدمنا عند الكلام في البيع أنه يعتبر ثمناً تافها ، وتكون الهبة مكشوفة لا مستترة ، فتستوجب الرسمية ( أنظر الوسيط 4 فقرة 216 ) .
( [116] ) وقد كانت أحكام القضاء متضاربة في هذه المسألة . فبعضها كان يذهب إلى أن العقد يكون في هذه الحالة هبة مستترة لا تستوجب الشكلية ، لأن الهبة لم تنصب إلا على الثمن وهو منقول فتجوز هبته بدون ورقة رسمية ، ويبقى البيع بعد أن ذكر فيه الثمن ساترا للهبة . ولا فرق بين أن يذكر البائع أنه قبض الثمن ولم يكن قد قبضه فعلا وبين أن يقول إنه وهب الثمن أو أبرأ المشتري منه ، بل هو في الحالة الأخيرة يقرر الواقع فيكون أولى بالرعاية : استئناف وطني 23 فبراير سنة 1905 الاستقلال 4 ص 448 – 17 فبراير سنة 1907 المجموعة الرسمية ) رقم 87 ص 200 – 4 يونيه سنة 1907 الحقوق 22 ص 185 – 25 نوفمبر سنة 1908 المجموعة الرسمية 10 رقم 52 ص 119 – 22 ديسمبر سنة 1910 المجموعة الرسمية 12 رقم 64 ص 118 – 13 مايو شنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 104 ص 200 – 29 نوفمبر سنة 1914 الشرائع 2 رقم 160 / 1 ص 148 – 8 فبراير سنة 1917 الشرائع 4 رقم 144 ص 490 – 4 يونيه سنة 1917 المجموعة الرسمية 18 رقم 113 ص 195 – 22 مايو سنة 1918 الشرائع 5 رقم 92 ص 438 – استئناف مختلط 12 مايو سنة 1910 م 22 ص 297 – 11 يناير سنة 1912 م 24 ص 86 – 22 فبراير سنة 1912 م 14 ص 155 – 30 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 118 – 28 مارس سنة 1 918 م 30 ص 316 .
وذهبت أحكام أخرى إلى أن العقد يكون في هذه الحالة هبة مكشوفة تستوجب الرسمية ، إذ لا بد في البيع الساتر للهبة أن يكون في ظاهره دالا على بيع حقيقي ولا يوجد بيع حقيقي إذا وهب البائع الثمن للمشتري أو أبرأه منه ، والقول بأنه تجوز هبة الثمن لأنه منقول فيه تجزئة العقد إلى عقدين وهذا ما لم يقصد إليه المتعاقدان . على أن هبة الثمن يجب أن تكون هي أيضاً في ورقة رسمية ما دام الثمن لم يقبض : استئناف وطني 5 ابريل سنة 1900 الحقوق 19 ص 4 – 6 يونيه سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 180 – 4 مايو سنة 1905 المجموعة الرسمية 6 رقم 110 ص 238 – 19 مارس سنة 1907 الحقوق 22 ص 266 – 17 فبراير سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 109 ص 299 – 2 فبراير سنة 1911 المجموعة الرسمية 12 رقم 65 ص 120 – 25 فبراير سنة 1915 الشرائع 2 رقم 219 ص 212 – 29 ديسمبر سنة 1915 الشرائع 3 رقم 77 ص 295 – 22 يناير سنة 1916 المجموعة الرسمية 17 رقم 51 ص 81 – 26 ابريل سنة 1916 الشرائع 3 رقم 189 ص 551 .
وقد طرحت المسألة على دوائر محكمة الاستئناف الوطنية المجتمعة ، فقضت في أول مايو سنة 1922 ( المجموعة الرسمية 23 رقم 42 ص 68 – المحاماة 2 رقم 160 ص 473 ) بالرأي الثاني ، مستندة إلى أنه إذا لم يكن عقد الهبة المستترة في ظاهره عقدا ذا عوض ، بل كان ظاهره كاشفا لنية التبرع أو دالا عليها ، كانت الهبة باطلة لأنها تكون هبة مكشوفة لا مستترة . ولا تكون صحيحة إلا إذا كان العقد جامعاً في الظاهر لاركان البيع اللازمة لانعقاده ، أي مذكرواً فيه الثمن بطريقة غير نافية لوجوده . ثم إن هبة الثمن أو الإبراء منه يدل كل مطلع عليه أنه عقد تبرع ، فلا حاجة هنا لحماية الغير بتصحيح الهبة . والقول بان الهبة تصح في الثمن لأنه منقول غير صحيح ، لأن المنقول الذي لم يقبض لا تجوز هبته إلا بعقد رسمي . والقول بأنه لا يصح نقض تصرف من كان صريحا في عمله في حين إجازته لو كان أخفى غرضه مردود بان المسألة هنا مسألة تطبيق نص قانونين ، على أن الواقع أن الواهب لم يكن صريحا في عمله فقد أراد التحايل ولكنه ضل الطريق فلم يعرف كيف يستوفى شرائط العقد الذي التجأ إليه ليتخذه حيلة ، وكان في الواقع يقوم مقام هبة الثمن اعترافه بقبضه ليصح عقده . أنظر أيضاً استئناف وطني 4 يناير سنة 1923 المجموعة الرسمية 25 رقم 70 ص 120 .
وقد أخذت بهذا الرأي الثاني محكمة النقض ، فقضت بأنه لا عبرة بعدم ذكر قبض الثمن في عقد البيع متى كان الثمن مسى فيه ، فإن البيع يقتضى إطلاقا التزام المشتري بدفع الثمن المسمى ، ولكن إذا كان لم يذكر في العقد أو ذكر مع إبراء المنصرف إليه منه أو وهبه له ، فإن العقد في هذه الحالة لا يصح أن يكون ساتراً لهبة ، لأن القانون وإن أجاز أن يكون العقد المشتمل على الهبة موصوفاً بعقد آخر فإنه يشترط أن يكون هذا العقد مستوفياً الأركان والشرائط اللازمة لصحته ( نقض مدني 9 يونيه سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 130 ص 400 ) . وقضت أيضاً بأنه إذا كان الظاهر من عقد البيع أنه وقع مقابل ثمن معين ، وكان منصوصاً فيه على أن البائع تبرع لولده المشتري بهذا الثمن ، وعلى أن المشتري التزم بتجهيز أختيه وبالاتفاق عليهما وعلى أمه بعد وفاة أبيه ، واعتبرت المحكمة هذا العقد هبة مكشوفة ، فإنها لا تكون قد أخطأت في تكييفه فإن مجرد النص على أن الوالد تبرع بالثمن يكفي لاعتبار العقد هبة مكشوفة . أما ما التزم به الموهوب له في ذيل هذا العقد من تجهزي أختيه ومن الإنفاق عليهما وعلى والدته بعد وفاة أبيه ، فلا يعدو أن يكون مقابلا للهبة ، ولا يخرج عقدها عن طبيعته ( نقض مدين 22 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 4 رقم 83 ص 178 ) .
ومتى ذكر الثمن في العقد اكن البيع ساترا للهبة كما قدمنا ، حتى لو وجدت ورقة ضد تكشف عن حقيقة نية المتصرف ( نقض مدني 5 ابريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 967 ص 573 ) ، وحتى لو اتفق الطرفان على عدم نقل تكليف العين المبيعة وبقائها تحت يد البائع للانتفاع بها طول حياته ( نقض مدني 5 يناير سنة 1956 مجموعة أحكام النقض 7 رقم 2 ص 43 ) .
أنظر في هذا الموضوع الأستاذ محمد كامل مرسي في العقود المسماة 2 فقرة 74 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 48 .
( [117] ) انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 485 وفقرة 487 .
( [118] ) ودون حاجة إلى استيفاء الثمن بداهة ، إذ المفروض أن الثمن صوري ( استئناف مختلط 18 يونيه سنة 1940 م 52 ص 316 ) .
( [119] ) استئناف مصر 13 يناير سنة 1938 المحاماة 19 رقم 42 ص 81 – 30 نوفمبر سنة 1946 المحاماة 30 رقم 373 ص 751 – 18 فبراير سنة 1947 المجموعة الرسمية 48 رقم 246 / 1 – استئناف أسيوط 10 مارس سنة 1935 المحاماة 17 رقم 445 ص 88 4 – سوهاج الكلية 2 ديسمبر سنة 1936 المحاماة 17 رقم 449 ص 893 – 19 يناير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 377 ص 762 – الإسكندرية الكلية الوطنية 19 فبراير سنة 1928 المحاماة 19 رقم 232 ص 560 – استئناف مختلط 19 مارس سنة 1 903 م 15 ص 203 – 17 – يونيه سنة 1915 م 27 ص 412 – 30 نوفمبر سنة 1916 م 29 ص 84 – 15 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 44 – 8 مارس سنة 1941 م 53 ص 167 – 25 مارس سنة 1941 م 53 ص 193 – 13 يناير سنة 1942 م 54 ص 38 – 22 يناير سنة 1942 م 54 ص 51 .
( [120] ) أنظر آنفاً فقرة 460 في الهامش .
( [121] ) إلا في حق الغير ، فإذا كانت الهبة في صورة بيع وباع الموهوب له العين إلى مشتر ، كان لهاذ المشترى الرجوع بضمان استحقاق المبيع على الواهب ( استئناف مختلط 11 ابريل سنة 1935 م 47 ص 246 ) .
( [122] ) استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1905 م 17 ص 125 – 15 مايو سنة 1907 – م 19 ص 261 – 25 فبراير سنة 1930 م 42 ص 314 – 31 مايو سنة 1938 م 50 ص 340 .
وكذلك يجب تسجيلها في العقار لتنقل الملكية ( استئناف مختلط 26 أكتوبر سنة 1939 م 52 ص 7 ) . ولكن لا يشترط تسجيلها لصحة الهبة في ذاتها ( استئناف مختلط 25 مارس سنة 1941 م 53 ص 139 ) .
( [123] ) ولكن إذا كان التصرف المكتوب إقرارا بدين لم يذكر سببه ، جاز للواهب أن يثبت بجميع الطرق أن السبب هو التبرع ، لأنه لا يثبت عكس ما هو مكتوب ولا يجاوزه ، وإنما هو يفسر المكتوب ( أوبرى ورو وإسمان 10 فقرة 659 ص 529 ) .
( [124] ) انسيكلوبيدي داللوز 2 لفظ don manuel فقرة 506 – فقرة 516 .
( [125] ) بودري وكولان 10 فقرة 1256 ص 568 .
وكذلك المزيد في مقال توكيل محامي