صلاحية المبيع للتعامل فيه
142 – متى يكون الشيء صالحاً للتعامل فيه : يكون الشيء صالحاً للتعامل فيه فيصح أن يكون محلاً للبيع ، إذا كانت طبيعته أو الغرض الذي خصص له لا يأبى ذلك ، وكان التعامل فيه مشروعاً أو غير ممنوع لا بنص في القانون ولا لمخالفته للنظام العام أو الآداب . وقد نصت المادة 81 مدني على أن
” 1 – كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية . 2 – والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها ، وأما الخارجة بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلاً للحقوق المالية ” . ونصت المادة 135 مدني على أنه ” إذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب ، كان العقد باطلاً ” .
ويمكن أن نستخلص من هذه النصوص أن الشيء لا يكون صالحاً للتعامل فيه ، فلا يصح أن يكون محلاً للبيع ، إذا أبت طبيعته ذلك أو كان التعامل فيه غير مشروع .
1 – عدم الصلاحية للتعامل راجع إلى طبيعة الشيء
143 – التوسع في فهم معنى طبيعة الشيء : يجب أن نتوسع في فهم معنى ” بيعة الشيء ” . فقد يكون عدم الصلاحية للتعامل راجعاً إلى طبيعة الشيء المادية ، أو لأن الشيء متصل بالشخص بحكم طبيعته القانونية أو الاتفاقية ، أو بالنظر إلى الغرض الذي خصص له الشيء .
144 – عدم الصلاحية للتعامل راجع لطبيعة الشيء المادية : فالشيء لا يصلح للبيع إذا كان بحكم طبيعته المادية يستعصى على التعامل فيه . وقد قدمنا في الجزء الأول من الوسيط ( [1] ) أن الشيء لا يكون قابلاً للتعامل فيه بطبيعته إذا كان لا يصلح أني كون محلاً للتعاقد ، كالشمس والهواء والبحر . فإذا أصبح التعامل ممكناً في بعض النواحي جاز ، فأشعة الشمس يحصرها ” الفوتوغرافي ” ، والأهواء يستعمله الكيميائي ، والبحر يؤخذ من مائه ما يصح أن يكون محلاً للامتلاك . أما إذا كان الشيء يمكن التعامل فيه ولكن لا مالك له ، فهو مال مباح ، كالطير في الهواء والسمك في البحر ، ويملكه من يستولى عليه وعندئذ يستطيع أن يتعامل فيه .
145 – عدم الصلاحية للتعامل راجع لاتصال الشيء بالشخص : وقد لايصلح الشيء للبيع لأنه متصل بشخص صاحبه بحكم طبيعته القانونية اتصالاً لا يمكن معه الفكاك . مثل ذلك حق الاستعمال وحق السكنى ، فقد نصت المادة 997 مدني على أنه ” لا يجوز النزول عن حق الاستعمال أو عن حق السكنى إلا بناء على شرط صريح أو مبرر قوي ” .
وقد يكون اتصال الشيء بالشخص بحكم طبيعته الاتفاقية ، بأن يقع اتفاق يجعل الشيء متصلاً بشخص صاحبه لا يجوز له التصرف فيه . فإذا تلقى شخص هبة أو وصية ، واشترط الواهب أو الموصي ألا يتصرف الموهوب له أو الموصي له في الشيء ، فقد جعل الشرط الشيء متصلاً بالشخص بحيث لا يجوز له النزول عنه إلى شخص آخر . ويكون هذا الشرط صحيحاً إذا كان مبنياً على باعث مشروع ، ومقصوراً على مدة معقولة . فقد نصت المادة 823 مدني على أنه ” 1 – إذا تضمن العقد أو الوصية شرطاً يقضي بمنع التصرف في مال ، فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنياً على باعث مشروع ومقصوراً على مدة معقولة . 2 – ويكون الباعث مشروعاً متى كان المارد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو للمتصرف إليه أو للغير . 3 – والمدة المعقولة يجوز أن تستغرق مدى حياة المتصرف أو المتصرف إليه أو الغير ” . ونصت المادة 824 مدني على أنه ” إذا كان شرط المنع من التصرف الوارد في العقد أو الوصية صحيحاً طبقاً لأحكام المادة السابقة ، فكل تصرف مخالف له يقع باطلاً ” ( [2] ) .
146 – عدم الصلاحية للتعامل راجع للغرض الذي خصص لـ الشيء : وقد قدمنا في الجزء الأول من الوسيط ( [3] ) أن الشيء قد يكون غير قابل للتعامل فيه بالنظر إلى الغرض الذي خصص له . فالأملاك العامة لا يصح بيعها لأنها مخصصة لمنفعة عامة ، فلا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم ( م 87 / 2 مدني ) . والمال الموقوف يقتضي الغرض الذي خصص له عدم جواز التصرف فيه . وعدم الصلاحية للتعامل هنا نسبي ، فالملك العام والمال الموقوف إذا كانا لا يصلحان للتصرف فيهما ، فهما يصلحان للإيجار . والمرجع في هذا إلى الغرض الذي خصص الشيء له ، فكل تعامل يتنافى مع هذا الغرض لا يجوز ، أما التعامل الذي لا يتنافى معه فهو جائز .
2 – عدم الصلاحية للتعامل راجع إلى عدم المشروعية
147 – المبدأ العام : قد يكون الشيء غير صالح للبيع لأن التعامل فيه غير مشروع . وقد قدمنا في الجزء الأول من الوسيط ( [4] ) أن عدم المشروعية يرجع إما إلى نص في القانون أو إلى مخالفة التعامل للنظام العام أو الآداب ، وأن نص القانون الذي يمنع من التعامل يكون مبنياً على اعتبارات ترجع هي أيضاً إلى النظام العام أو الآداب . ويكون الغرض من إيارد النص إما لتوضيح حكم غامض كما في تحريم التعامل في تركة مستقبلة ، وإما لتحديد حكم غير محدد كما في تحديد الربا الفاحش ، وغما لتحريم تقتضيه ظروف البلد الخصاة كما في تحريم بيع الوفاء وكما في الاتجار في الحشيش والمخدرات ، وهو على كل حال دليل على عناية المشرع بالأمر فآثر أن يورد له نصاً . فيمكن القول إذن إن البيع يكون غير مشروع إذا كان مخالفاً للنظام العام أو للآداب ، سواء ورد نص في القانون بتحريمه أو لم يرد ( م 135 مدني ) .
وقد عرفنا ما هو النظام العام وما هي الآداب ( [5] ) ، فلا نعود إلى ذلك .
148 – تطبيقات مختلفة : ونكتفي هنا بأن نشير إلى بعض أمثلة لبيوع تخالف النظام العام أو الآداب ، وقد سبق أن استعرضناها تفصيلاً ( [6] ) . فلا يجوز لأحد النزول عن حريته الشخصية ، ولايجوز لناخب أن يبيع صوته لمرشح ، ولا يجوز لموظف عام أنيبيع وظيفته أو أن ينزل عنها لأحد ، ولا يجوز النزول عن الجنسية أو الاسم أو البنوة أو الأبوة أو الأ÷لية أو الولاية . ولايجوز بيع بيت يدار للعهارة أو القمار ، أو شراء مفروشات له . ولا يجوز بيع الرتب والأوسمة والعملة الزائفة . ولا يجوز بيع الإنسان على أنه رقيق .
وكثيراً ما تنص القوانين واللوائح على عدم جواز بيع أشياء معينة أو على تقييد بيعها لاعتبارات تتصل بالمصلحة العامة ، كالصحة والدفاع الوطني ، كما في بيع الحشيش والمخدرات والجواهر السامة والحيوانات الموبوءة والأسلحة ( [7] ) .
149 – بيع الشركة المستقبلة وبيع الحقوق المتنازع فيها لعمال القضا – إحالة : وقد عرضنا لمسألتين من هذه المسائل بالتفصيل ، إحداهما في الجزء الأول من الوسيط ( [8] ) وهي بيع التركة المستقبلة ، والأخرى في هذا الجزء الرابع ( [9] ) وهي بيع الحقوق المتنازع فيها إلى عمال القضاء . فنقتصر هنا على الإحالة إلى ما قدمناه في هذا الشأن .
150 – بيع العلماء : بقى أن نبحث صورة أخيرة من صور البيع غير المشروع في حاجة إلى شيء من البيان ، وهي صورة بيع العملاء ( Clientele ) . فللشخص في حرفته أو في تجارته أو في مهنته الحرة عملاء ألفوا التعامل معه ، فهل يجوز له أن ينزل عن هؤلاء العملاء لغيره من أصحاب حرفته أو تجارته أو مهنته ، فيكون هذا النزول إذا كان بمقابل بمثابة بيع للعملاء؟ .
لا يوجد نص تشريعي في هذه المسألة ، إلا النص الوارد في القانون رقم 11 لسنة 1940 الخاص ببيع الماحال التجارية ورهنها . فقد نصت المادة الأولى من هذا القانون على أنه ” يجب أن يحدد في عقد البيع ثمن مقومات المحل التجاري غير المادية والمهمات والبضائع كل منها على حدة ” . ومقومات المحل التجاري غير المادية – كما تقول المذكرة الإ]ضاحية لهذا القانون – هي عنوان المحل ( enseigne ) ، واسمه التجاري ( nom commercial ) ، والحق في إجارة المحل ( droite au bail ) ، والاتصال بالعملاء ( clientele ) ، والسمعة التجارية ( achalandage ) ، والرخص وبراءات الاختراع والعلامات التجارية ( propriete industrielle ) . ونرى من ذلك أن الاتصال بالعلماء يدخل في مقومات المحل التجاري ، ويكون أحد عناصره التي تدخل في البيع . ولكن يلاحظ أن صاحب المحل التجاري آل يبيع حق الاتصال بالعملاء على سبيل الاستقلال ، بل تبعاً للمحل التجاري ذاته . أ / ا بيع حق الاتصال بالعلماء على سبيل الاستقلال فلا يجوز ، وإن جاز أن يتعهد بائع المحل التجاري استقلالا ألا ينافس المشتري في هؤلاء العملاء وألا يفتح متجراً في مكان يكون من شأنه جذب هؤلاء العملاء إليه ، وذلك بالقدر الضروري لحماية المتجر المبيع .
وكذلك بيع عملاء الحرفة كعملاء النجار والحداد والخراط والمقاول ، وعملاء المهنة الحرة كعملاء الطبيب والمحامي والمهندس والمحاسب ، على سبيل الاستقلال ، لا يجوز . ولكن قياساً على بيع عملاء المتجر ، يجوز بيع عملاء الحرفة وعملاء المهنة الحرة تبعاً لبيع محل الحرفة ذاته أو المكان التي تباشر فيه المهنة الحرة . فيجوز للطبيب مثلاً أن يبيع عيادته بما فيها من أجهزة ومهمات وأدوات ، وبما تشتمل عليه من حق في إجارة المكان ، وبمن يتصل بها من العملاء . وللمحامي أو المهندس أن يبيع مكتبه على هذا النحو . بل إن مجرد بيع المتجر أو العيادة أو المكتب يفترض فيه أن حق الاتصال بالعملاء يدخل عنصراً في البيع .
وقد تردد القضاء الفرنسي في الأخذ بذلك ، وكان قبلاً يميز بين المتاجر والمهن الحرة ، على أساس أن عملاء المهن الحرة – كعملاء الطبيب والمحامي والمهندس – إنما يختارون من يعاملونه على مقتضى اعتبارات تقوم على الثقة الشخصية ، فلا يجوز أن يشملهم بيع العيادة أو المكتب ( [10] ) . ولكن هذا القضاء استقر أخيراً على عدم التمييز بين المتاجر والمهنة الحرة ، فإن الثقة الشخصية تقوم في الحالتين ما بين العملاء وما يعاملونه . على أن الطبيب أو المحامي إذا أدخل العلماء محل اعتبار في بيع عيادته أو مكتبه ، فإنه لا يبيع هؤلاء العملاء ويتصرف فيهم كما يتصرف في السلع والمهمات . ولكنه يدخلهم في حساب قيمة العيادة أو المكتب ، فكثرتهم أو قلتهم والاحتمال في أن كثيراً أو قليلاً منهم يبقون عملاء للعيادة أ والمكتب بعد بيعه ، كل هاذ من شأنه أن يزيد أو ينقص من قيمة المبيع . والطبيب أو المحامي إنما يقدم في الواقع من الأمر خلفه لهؤلاء العملاء ويوصيهم بالتعامل معه ، ويتعهد من جانبه ألا ينافس هاذ الخف منافسة غير مشروعة بأن يمتنع عن فتح عيادة أو مكتب جديد يجذب إليه فيه هؤلاء العملاء . وليس في شيء من هذا – تقديم الخلف للعلماء والتعهد بعدم المنافسة – أمر غير مشروع ( [11] ) . ويخلص مما قدمناه أن بيع العملاء على سبيل الاستقلال لا يجوز ( [12] ) ، والجائز أن يدخل حق الاتصال بالعملاء عنصراً تابعاً من عناصر المتجر أو العيادة أو المكتب عند بيعه
( [1] ) الوسيط جزء أول فقرة 227 .
( [2] ) وتذاكر الأياب ، وتذاكر المجاملة للمسارح والملاهي ونحوها ، وعينات الأدوية التي ترسل للأطباء ، المفروض فيها اتفاق ضمني على أنها شخصية لا يجوز لصاحبها أن يبيعها ( الأستاذ سليمان مرقس فقرة 75 ) .
( [3] ) الوسيط جزء أول فقرة 227 .
( [4] ) الوسيط جزء أول فقرة 227 ص 398 .
( [5] ) الوسيط جزء أول فقرة 228 .
( [6] ) الوسيط جزء أول فقرة 229 – فقرة 241 .
( [7] ) أنظر في هذه المسألة الأستاذين أحمد نجيب الهلالي وحامد زكي ص 134 – ص 136 – الأستاذ أنور سلطان فقرة 149 – فقرة 150 – الأستاذ محمد كامل مرسي ص 124 – ص 125 .
( [8] ) الوسيط جزء أول فقرة 217 .
( [9] ) أنظر آنفاً فقرة 109 – فقرة 113 .
( [10] ) أنظر أحكام القضاء الفرنسي في بلانيول وريبير وهامل 10 فقرة 331 ص 423 هامش رقم 3 .
( [11] ) نقض فرنسي 13 مايو سنة 1861 داللوز 61 – 1 – 326 . وأنظر أحكاماً أخرى في بلانيول وريبير وهامل 10 ص 424 هامش رقم 1 – وأنظر سافاتييه savatier في انتقال عملاء المهن الحرة سنة 1933 – روبييه roubier في الحقوق المعنوية والحقوق المتعلقة بالعلماء في المجلة الفصلية للقانون المدني سنة 1939 ص 251 – وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة با ، البائع يعتبر أنه قد وفى بتعهده إذا هو قام بإعلان التنازل إلى عملائه ، ولا يحكم عليه بتعويض إذا رفض العملاء معاملة المشتري ، هذا ما لم يتعهد البائع بضمان استمرارهم على معاملته . وإذا اتضح أن سبب انقطاع العلماء على الشراء من المحل هو زيادة الأثمان عليهم ، فلا مسئولية على البائع ( 26 يناير سنة 1899 م 11 ص 291 ) . وقضت أيضاً بأنه لا يجوز للبائع انتزاع العملاء من المشتري بمنافسة غير مشروعة ( 7 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 42 ) .
( [12] ) بلانيول وريبير وهالم 10 فقرة 334 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2358 – كولان وكابيتان 2 فقرة 863 – أنسيكلوبيدي داللوز 5 لفظ vente فقرة 312 – فقرة 320 – وقارن بودري وسينيا فقرة 103 .
وكذلك المزيد في مقال توكيل محامي