متى يجوز الرجوع في الهبة
127 – الرجوع بالتراضي أو بالتقاضي :يجوز للواهب كما قدمنا أن يرجع في الهبة إما بالتراضي مع الموهوب به ، وإما بالتقاضي دون رضاء الموهوب له .
المطلب الأول
الرجوع في الهبة بالتراضي
128 – النصوص القانونية : تنص الفقرة الأولي من المادة 500 من التقنين المدني على ما يأتي :
” يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له ذلك ( [1] ) .
181
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكنه يتفق مع الأحكام الموضوعية للهبة في الفقه الإسلامي وهي التي كانت تسري في عهد التقنين السابق .
ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى :في التقنين المدني السوري م 468 / 1 – وفي التقنين المدني الليبي 489 / 1 – وفي التقنين العراقي م 620 ( العبارة الأولي ) – ولا مقابل له في تقنين الموجبات والعقود اللبناني ( [2] ) .
182
129 – التراضي على الرجوع في الهبة هو إقالة من الهبة :
إذا أراد الواهب الرجوع في الهبة وتراضي معه الموهوب له على هذا الرجوع ، فإن هذا يكون إقالة من الهبة نمت بإيجاب وقبول جديدين شأن الإقالة من أي عقد آخر ، ولا تتميز الهبة في ذلك عن سائر العقود .
غير أن الإقالة هنا ، بنص القانون ( م 503 مدني ) ، لها أثر رجعي ، فتعتبر الهبة كأن لم تكن كما سيأتي . ومن ثم تجب حماية الغير حسن النية ، وهو من كسب حقاً عينياً من الموهوب له على الموهوب قبل الإقالة ، وسيأتي بيان ذلك عند الكلام في الآثار التي تترتب على الرجوع في الهبة .
ويلاحظ أن التراضي يتم به الرجوع في الهبة في جميع الأحوال ، سواء كان هناك مانع من الرجوع في الهبة أو لم يكن ، وسواء وجد عند الواهب عذلا مقبول للرجوع أو لم يوجد . وسنرى أن التقاضي ، بخلاف التراضي ، لا يتم به الرجوع في الهبة إلا إذا لم يكن هناك مانع من الرجوع وكان عند الواهب عذلا مقبول ( [3] ) .
183
المطلب الثاني
الرجوع في الهبة بالتقاضي
130 – النصوص القانونية : تنص الفقرة الثانية من المادة 500 من التقنين المدني على ما يأتي :
” فإذا لم يقبل الموهوب له ، جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع ، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول ، ولم يوجد مانع من الرجوع ” ( [4] )
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكنه يتفق مع الأحكام الموضوعية للهبة في الفقه الإسلامي ، وهي التي كانت تسري في عهد التقنين السابق ( [5] ) .
ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري م 468 / 2 – وفي التقنين المدني الليبي م 489 / 2 – وفي التقنين المدني 184 العراقي م 620 ( العبارة الأخيرة ) – وفي التقنين الموجبات والعقود اللبناني م 527 / 1 ( [6] ) .
131 – قيود الرجوع في الهبة بغير التراضي : ويخلص من النص المتقدم الذكر أن رجوع الواهب في الهبة ليس أمراً تحكمياً يجري على حسب إرادته المطلقة . فهو إذا لم يتراض مع الموهوب له على الرجوع ، وأراد أن يرجع بإرادته وحده ، يتقيد بقيود ثلاثة :
أولاً – هناك هبات لازمة لا يجوز فيها الرجوع إلا بالتراضي ، وهذه هي الهبات التي يقوم فيها مانع من موانع الرجوع ، وسيأتي ذكرها .
ثانياً – وفي الهبات غير اللازمة التي لا يقوم فيها مانع من موانع الرجوع ، لا يجوز للواهب بغير التراضي أن يرجع في الهبة بإرادته المنفردة إلا إذا كان عنده عذر مقبول للرجوع . وقد أورد المشرع أمثلة من الأعذار المقبولة سيأتي بيانها .
ثالثاً – وهذا العذر المقبول لا يترك إلى تقدير الواهب وحده ، بل يراقبه فيه القضاء . فإذا رأى القاضي أن العذر الذي يقدمه الواهب للرجوع 185 في هبته عذر ، أقره عليه وقضى بفسخ الهبة ، وإلا امتنع من إجابة طلبه وأبقى الهبة قائمة . ومن هنا نرى أن الرجوع بالتقاضي في الهبة هو فسخ قضائي لها بناء على طلب الواهب ، يسوغه عذر مقبول متروك إلى تقدير القاضي كما هو الأمر في فسخ العقد بوجه عام .
وقد أراد التقنين المدني الجديد أن يحدد من إطلاق المذهب الحنفي في الرجوع في الهبة . فالظاهر في هذا المذهب أن الواهب هو الذي يستقل بتقدير العذر في الرجوع دون رقابة عليه . ويكفي في ذلك أن يرفع الأمر إلى القضاء ، إذا لم يتراض مع الموهوب له على الرجوع ، حتى يجيبه القضاء إلى طلبه ( [7] ) . فقيد التقنين المدني من هذا الإطلاق بأن أوجب للرجوع في الهبة عذرا مقبولا عدد أمثلة منه ، ولم يجعل الواهب يستقل بتقدير هذا العذر ، بل جعل القضاء رقيباً عليه في ذلك ، فقد يجيبه إلى طلبه وقد يرفض هذا الطلب ( [8] ) . وبذلك أكسب التقنين المدني عقد الهبة قوة في الإلزام لم تكن له على الظاهر من المذهب الحنفي ( [9] ) .
186
وقد فرغنا من الكلام في القيد الثالث من قيود الرجوع في الهبة بغير التراضي ، وهو الفسخ القضائي بعد رفع الأمر إلى القاضي ليقضي بالفسخ إذا رأي أن هناك عذراً مقبولاً . ويبقى أن نبحث القيدين الأولين ، فقد قدمنا أن الواهب لا يجوز له الرجوع في الهبة بغير التراضي إلا إذا كانت الهبة غير لازمة بعدم قيام مانع من الرجوع ، وكان لديه عذر مقبول للرجوع في الهبة .
187
فنبحث إذن مسألتين : ( 1 ) الهبات اللازمة أو قيام مانع من موانع الرجوع ( 2 ) العذر المقبول للرجوع في الهبة .
1 – الهبات اللازمة
( موانع الرجوع في الهبة )
132 – النصوص القانونية : تنص المادة 502 من التقنين المدني على ما يأتي :
” يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية :
( 1 ) ” إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته ، فإذا زال المانع عاد حق الرجوع ” .
( ب ) ” إذا مات أحد طرفي عقد الهبة ” .
( ج ) ” إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً ، فإذا اقتصر التصرف على بعض الموهوب ، جاز للواهب أن يرجع في الباقي ” .
( د ) ” إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر ، ولو أراد الواهب الرجوع بعد انقضاء الزوجية ” .
( هـ ) ” إذا كانت الهبة لذوي رحم محرم ” .
( و ) ” إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له ، سواء كان الهلاك بفعله أو بحادث أجنبي لا يد له فيه أو بسبب الاستعمال ، فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي ” .
( . ) ” إذا قدم الموهوب له عوضا عن الهبة ” .
( ح ) ” إذا كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر ( [10] ) ” .
188
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكنه يتفق مع الأحكام الموضوعية للهبة في الفقه الحنفي وهي التي كانت تسري في عهد التقنين المدني السابق ( [11] ) .
ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري م 470 – وفي التقنين المدني الليبي م 491 – وفي التقنين المدني العراقي م 623 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 530 / 2 و 3 ( [12] ) .
189
133 – تقسيم مواقع الرجوع إلى موانع قائمة وقت الهبة وموانع تطرأ بعدها : ويمكن تقسيم موانع الرجوع الثمانية التي عددتها المادة 502 مدني إلى قسمين رئيسيين .
( 1 ) موانع قائمة منذ صدور الهبة ، وترجع إلى أن الغرض من الهبة قد تحقق نظراً إلى طبيعة الهبة ذاتها . وهذا الغرض إما أن يكون عوضاً دنيوياً ، أو ثواباً أخروياً ، أو براً بين الزوجين ، أو صلة الأرحام . فإذا قدم الموهوب له عوضاً عن الهبة ، أو كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر ، أو كانت من أحد الزوجين للآخر ، أو كانت لذوى رحم محرم ، فقد تحقق غرض الواهب ، ويتكشف ذلك في وضوح من طبيعة الهبة ذاتها . ويترتب على ذلك أن الهبة في هذه الأحوال الأربعة تكون هبة لازمة منذ صدورها ، ولا يجوز للواهب الرجوع فيها ولو لعذر ، ما لم يكن الرجوع بالتراضي بينه وبين الموهوب له .
( ب ) موانع تطرأ بعد صدور الهبة ، فتحول دون الرجوع لقيام حق أقوى . وهذه الموانع إما أن ترجع إلى أحد المتعاقدين ، وإما أن ترجع إلى الشيء الموهوب . فالذي يرجع إلى أحد المتعاقدين هو أن يموت الواهب فلا ينتقل حق الرجوع إلى ورثته ، أو يموت الموهوب له فيكون حق ورثته أقوى من حق الواهب في الرجوع . والموانع التي ترجع إلى الشيء الموهوب هو أن يزيد زيادة متصلة أو يهلك أو يتصرف الموهوب له فيه ، فيقوى حق الموهوب له ويرجح على حق الواهب في الرجوع .
190
ونبحث هذه الموانع مرتبة على هذا النحو .
1 – موانع قائمة منذ صدور الهبة
134 – الهبة بعوض : إذا قدم الموهوب له عوضاً عن الهبة أو التزم بشروط أو تكاليف لمصلحة الواهب أو لمصلحة أجنبي أو للمصلحة العامة ، فإن الهبة تكون لازمة منذ صدورها ، ولا يجوز للواهب الرجوع فيها إلا بالتراضي مع الموهوب له . وقد يقدم الموهوب له العوض أو يلتزم بالشروط والتكاليف بعد صدور الهبة ، فتلزم الهبة من وقت تقديمه العوض أو التزامه بالشروط والتكاليف بعد أن كانت غير لازمة وقت صدروها ( [13] ) .
فإذا قدم الموهوب له للواهب عوضاً عن هبته وقبلها هذا ، سواء كان العوض مقدماً في عقد الهبة ذاته أو بعد صدور هذا العقد ، امتنع على الواهب الرجوع في الهبة لتحقق غرضه منها بأخذ البدل الذي ارتضاه عنها ( [14] ) . ويستند الفقه الحنفي في ذلك إلى حديث النبي عليه السلام : ” الواهب أحق بهبته ما لم يثب عنها ” . ولكن هذا الفقه يشترط في 191 العوض شرائط الهبة من القبض والإفراز ، ولم يرد هذا الشرط في التقنين المدني . بل أطلق العوض فشمل العوض الذي يلتزم به الموهوب له ولو لم يقبضه الواهب ، وشمل أيضاً جميع الشروط والتكاليف التي يلتزم بها الموهوب له كما سبق القول . ويصح أن يكون العوض مقدماً من أجنبي ، ما دام الأجنبي قد قدمه عوضاً من هبة الواهب .
ولو وهب الموهوب له شيئاً للواهب ولم يذكر أن ما وهب له عوض عن هبته ، كان هبة مبتدأة ، ولكن منهما أن يرجع في هبته ( [15] ) .
135 – الصدقة وأعمال البر : وقد تكون الهبة على سبيل الصدقة ابتغاء الثواب في الآخرة . فهذه هبة لازمة لا يجوز للواهب الرجوع فيها إلا بالتراضي ، لأن غرضه من الهبة وهو نيل الثواب قد تحقق بمجرد صدور الهبة ، فنال مقابلاً أدبياً يعدل المقابل المادي الذي رأيناه في العوض ، فلا محل بعد ذلك للرجوع بعد أن تحقق الغرض ، وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : ” وقد يسقط الواهب حقه في الرجوع لا لفائدة مادية يتلقاها من الموهوب له ، بل لفائدة أدبية ،وذلك بأن تكون الهبة صدقة ، فلا يجوز الرجوع في الصدقة لأنها قربة لوجه الله تعالي ولو كانت لغني :م 529 / 2 من قانون الأحوال الشخصية ( [16] ) ” .
ويلحق بالصدقة أعمال البر فلا يجوز للواهب الرجوع في هذه الأعمال ، إذ قد تحقق غرضه من الهبة بنيل الجزاء المعنوي الذي يبغيه .مثل ذلك أن يهب الواهب جمعية خيرية مالا لتأسيس مستشفي أو مدرسة أو ملجأ أو نحو ذلك من أعمال البر ، ففي الحالة لا يجوز للواهب الرجوع 192 في هبته .وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد لم يذكر أعمال البر إلى جانب الصدقة ليمنع فيها الرجوع ، فأضيف أعمال البر في لجنة مجلس الشيوخ ” حتى ترتفع شبهة أن الصدقة لا تشمل أعمال البر ، لأنها في الواقع تشملها ” ( [17] ) .
136 – الهبة بين الزوجين : والهبة بين الزوجين هبة لازمة منذ صدورها ، فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بغير رضاء الموهوب له . ذلك أن الزوج إذا وهب زوجته ، أو وهبت الزوجة زوجها ، فإن الهبة في هذه الحالة مقصود بها توثيق عرى الزوجية ما بين الزوجين ، وقد توثقت فعلاً بالهبة ، فتحقق غرض الواهب ، ولم يعد يستطيع الرجوع وحده في هبته بعد أن تحقق غرضه ( [18] ) .
وحتى تكون الهبة بين الزوجين لازمة لا يجوز الرجوع فيها ، يجب أن تصدر حال قيام الزوجية قبل الدخول أو بعده .فهبة الخطيب لخطيبته أو الخطيبة لخطيبها قبل قيام الزوجية يجوز الرجوع فيها وفقاً للقواعد المقررة في الرجوع ، وبخاصة إذا لم يتم الزواج كما سبق القول ( [19] ) . وهبة الرجل لمطلقته أو المطلقة لمطلقها بعد انتهاء الزوجية يجوز أيضاً الرجوع فيها طبقاً للقواعد المقررة . أما إذا وقعت الهبة وقت قيام الزوجية ، فإن الهبة لا يجوز الرجوع فيها كما قدمنا ، حتى لو كانت الرجوع بعد انتهاء الزوجية بالطلاق أو بالموت ( [20] ) .
193
137 – الهبة لذي رحم محرم : والهبة للمحارم هبة لازمة ،لأن غرض الواهب منها ، وهي صلة الرحم ، قد تحققت بصدور الهبة ذاتها . فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بغير التراضي مع الموهوب له .ويستند هذا الحكم إلى حديث عن النبي عليه السلام : ” إذا كانت الهبة لذي رحم محرم ، لم يرجع فيها ” . ولا بد من اجتماع الوصفين للمنع من الرجوع : الرحم والمحرمة . فإذا وجد أحدهما دون الآخر ، لم يمتنع الرجوع . فإذا وهب لذي رحم غير محرم ، كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات ، جاز الرجوع . كذلك يجوز الرجوع إذا وهب لمحرم غير ذي رحم ، كأم الزوجية والأخت في الرضاع ( [21] ) .
194
( ب ) موانع تطرأ بعد صدور الهبة
138 – موت أحد المتعاقدين : وقد تتم الهبة غير لازمة ويجوز الرجوع فيها لعذر مقبول ، ثم يطرأ على أحد المتعاقدين ما يمنع من الرجوع ، فتلزم الهبة بعد أن كانت غير لازمة . ويتحقق ذلك بموت الواهب أو بموت الموهوب له .
فإذا مات الواهب ، امتنع على ورثته الرجوع في الهبة ، وذلك لأن حق الرجوع حق متصل بشخص الواهب ، وهو وحده يقدر الاعتبارات التي يراها مبرراً لطلب الرجوع في الهبة . فلا ينتقل هذا الحق إلى ورثته ويرجع حق الموهوب له في هذه الحالة .
وإذا مات الموهوب له وانتقل الشيء الموهوب إلى ورثته ، لم يجز للواهب عند ذلك الرجوع في الهبة وانتزاع الشيء الموهوب من ورثه الموهوب له . ذلك أن حق الورثة على الموهوب قد ثبت بالميراث واطمأنت الورثة إلى ذلك ، فإذا تعارض حقهم مع حق الواهب في الرجوع كان حقهم أقوى وحال دون الرجوع . وتقول الحنفية في تبرير هذا الحكم إنه يموت الموهوب له ينتقل الملك إلى ورثته ، وهم لم يستفيدوه من جهة الواهب فلا يرجع عليهم ، :كما إذا انتقل إليهم في حال حياته بسبب آخر ، ولأن تبدل الملك كتبدل العين فصار الموهوب كأنه عين أخرى فلا يكون للواهب عيها من سبيل ( [22] ) .
139 – زيادة الموهوب زيادة متصلة : وتلزم الهبة ، بعد أن كانت غير لازمة يجوز الرجوع فيها ، إذا زاد الشيء الموهوب زيادة متصلة 195 موجبة لزيادة قيمته . وقد تكون الزيادة المتصلة متولدة من الموهوب كالزرع والنبات والكبر والسمن ، وقد تكون غير متولدة منه كالطمي والبناء والغراس . والزيادة في الحالتين تمنع الرجوع وتجعل الهبة لازمة ، ما دامت تزيد في قيمة الموهوب .وتقول الحنفية في السبب في منع الرجوع للزيادة المتصلة المتولدة أن من ملك نماءه تبعاً له لأن النماء ناشئ من ملكه ، فتكون الزيادة المتصلة المتولدة ملكاً خالصاً للموهوب له ليس للواهب فيها شيء . فيتعارض حقان : حق الموهوب له في الزيادة وحق الواهب في الرجوع . وحقيقة الملك أقوى من حق الرجوع ، فترجع عليه ، فيمتنع . وتقول في الزيادة المتصلة غير المتولدة إن أخذا الواهب الأصل يضر بالموهوب له فيما بناه أو غرسه ، فيقوى حق الموهوب على حق الواهب ( [23] ) . وإذا زالت الزيادة المانعة من الرجوع ، كأن حصد الزرع أو أزيل البناء أو قلع الغرس ، عاد الواهب في الرجوع ، لأنه إذا زال المانع الممنوع .
أما إذا كانت الزيادة منفصلة ، سواء كانت متولدة كنتاج المواشي أو غير متولدة كريع الدار أو كآلة وضعت في الأرض الموهوبة ، فإنها لا تمنع الواهب من حق الرجوع . ذلك أنه يستطيع الرجوع في أصل الشيء الموهوب دون ضرر يلحق الموهوب له ، إذ الزيادة منفصلة يستطيع هذا أن يستبقيها ويرد الموهوب ( [24] ) . كذلك لا يمنع من الرجوع ارتفاع ثمن الموهوب ( م 516 / 2 من قانون الأحوال الشخصية لقدري باشا ) ، وذلك لأن عين الموهوب لم تزد في ذاتها ، وإنما الزيادة في قيمتها لأمر خارج عنها وهو كثرة الرغبات ( [25] ) .
196
140 – هلاك الشيء الموهوب : وإذا هلك الشيء الموهوب في الموهوب له ، سواء كان الهلاك بسبب أجنبي أو بفعل الموهوب له أو باستعماله إياه ،امتنع على الواهب الرجوع في هبته . ذلك أن الموهوب له لا يضمن الهلاك أو الاستهلاك ، لأن الهالك أو المستهلك ملكه . فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء الموهوب ، جاز للواهب الرجوع في الباقي ، لانتفاء المانع من الرجوع في هذا الباقي ( [26] ) .
ويلتحق بهلاك الشيء الموهوب تغيره من حالة إلى حالة حتى تزول صورته الأولي ، بأن كان حنطة فطحنت دقيقاً ، أو دقيقاً فعجن خبزاً ، أو قطعة من ذهب فصيغت حلية ، أو لبنا فصنعه جبناً أو سمناً ، ذلك أن الشيء الموهوب قد زال بتغير صورته ، فأصبح الرجوع في الأصل متعذراً والموجود شيء آخر غير الموهوب ( [27] ) .
141 – تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب : وإذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً ، فزال عنه ملكه بأي سبب كان من الأسباب الناقلة للملك كالبيع والهبة ، أو الأسباب المسقطة للملك كالوقف ، أصبحت الهبة لازمة وامتنع على الواهب حق الرجوع . ذلك 197 أن إخراج الموهوب له الشيء الموهوب من ملكه وتمليكه لغيره أو إسقاطه إنما حصل بتسليط الواهب ، فلا يجوز لهذا أن ينقض ما تم من جهته ، ولأن تبدل الملك كتبدل العين فصار كعين أخرى فلا يرجع فيها ( [28] ) . وفي هذا الحكم أيضاً حماية للغير الذي انتقل الملك إليه من الموهوب له ، فيأمن أن يرجع الواهب عليه ويسترد العين منه إذا جاز له الرجوع في هبته .
أما إذا كان التصرف غير نهائي ، بأن باع الموهوب له الشيء الموهوب مثلا ثم فسخ البيع أو أبطله فرجع الموهوب إلى ملك الموهوب له ، عاد للواهب حق الرجوع ( م 518 / 2 من قانون الأحوال الشخصية لقدري باشا ) .
كذلك إذا كان التصرف في بعض الشيء الموهوب ، فإن حق الرجوع يبقى قائماً في الباقي ، لانتفاء المانع من الرجوع بالنسبة إلى هذا الباقي .
2 – العذر المقبول للرجوع في الهبة
142 – النصوص القانونية :تنص المادة 501 من التقنين المدني على ما يأتي :
” يعتبر بنوع خاص عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة ” .
( ا ) ” أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب أو نحو أحد أقاربه ، بحيث يكون هذا الإخلال جحوداً كبيراً من جانبه ” .
( ب ) ” أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية أو أن يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة على الغير ” .
198
( ج ) ” أن يرزق الواهب بعد الهبة ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع ، أو أن يكون للواهب ولد يظنه ميتاً وقت الهبة فإذا به حي ” ( [29] ) .
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، وكان الفقه الحنفي يسري على الأحكام الموضوعية للهبة ، وليس في هذا الفقه ما يتعارض مع الأحكام المقررة في النص .
ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري 469 – وفي التقنين العراقي م 621 – 622 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 524 و 527 / 1 و 528 ( [30] ) .
199
143 – أعذار الرجوع في الهبة غير مذكورة على سبيل الحصر : ويتبين من النص المتقدم الذكر أن الاعذار التي ذكرها المشروع للرجوع في الهبة ليست مذكورة على سبيل الحصر ، وإنما خصت بالذكر لأنها هي الأعذار الغالبة التي تبرر الرجوع في الهبة ، وذلك لا يمنع من أن تقوم أعذار أخرى غير الأعذار المذكورة ، فإذا تقدم الواهب بأي عذر يرى أنه يبرر الرجوع في الهبة ، وأقره القاضي على أن هذا العذر مقبول يبرر الرجوع فسخ القاضي الهبة لهذا العذر . والرجوع في الهبة لعذر مقبول ليس في الواقع من الأمر إلا فسخاً قضائياً للهبة يترك لتقدير القاضي ، شأن :كل فسخ 200 قضائي ، ويخلص من ذلك أن من بين الأعذار المقبولة للرجوع في الهبة ، غير الأعذار التي ذكرها المشروع ، إلا يقوم الموهوب له بالالتزامات أو التكاليف التي فرضها عليه الهبة ، أو ألا يقدم العوض الذي التزم بتقديمه مقابلاً للهبة ( [31] ) . ففي هذه الحالة وقد أًصبحت الهبة عقداً ملزماً للجانبين ،وأخل الموهوب له بالتزامه ، يجوز للواهب أن يطلب فسخ الهبة من القضاء ، أي أن يطلب الرجوع فيها . ويكون للقاضي حق التقدير ، طبقاً للقواعد المقررة في الفسخ القضائي .
وننتقل الآن إلى الأعذار المذكورة بالنص في المادة 501 مدني .
144 – جحود الموهوب له : لما كانت الهبة تبرعاً من الواهب للموهوب له ، فإن الجزاء الذي ينتظره الأول من الثاني هو الاعتراف بالجميل . فإذا جحد الموهوب له جميل الواهب ، لم يكن مستحقاً للهبة ، وكان الواهب معذوراَ إذا هو أراد الرجوع فيها .
ومن الأعمال التي تكون جحوداً من الموهوب له أن يعتدي هذا على حياة الواهب ( [32] ) أو على حياة أحد من أقاربه ( [33] ) ، أو يسيء إلى الواهب أو 201 إلى أحد من أقاربه إساءة بالغة بسبب أو قذف أو اعتداء على المال أو العرض أو غير ذلك من ضروب الإساءة .ولا يشترط أن تكون الإساءة جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي ، فأية إساءة بالغة تكفي لتكون جحوداً من الموهوب له يبرر الرجوع في الهبة . وعلى العكس من ذلك قد يرتكب الموهوب له جريمة لا تعتبر إساءة بالغة ولا تبرر الرجوع في الهبة . منل ذلك أن يتسبب الموهوب له في جرح أو قتل الواهب أو أحد أقاربه خطأ لا عمداً ، فالموهوب له في هذه الحالة لم يقصد الإساءة إلى الواهب ، ومن ثم لا يكون عمله جحوداً . ويمكن القول أيضاً أن الموهوب له إذا جرح أو قتل الواهب أو أحد أقاربه استعمالاً لحقه في الدفاع المشروع عن نفسه ، لم يعتبر هذا العمل جحوداً منه ، إذ هو قد قصد الدفاع عن نفسه ولم يقصد الإساءة إلى الواهب ( [34] ) . وقاضي الموضوع هو الذي يبت فيما إذا كان العمل الذي صدر من الموهوب له بعد إساءة بالغة للواهب أو لأحد أقاربه ، ويقرر من هم الأقارب الذين إذا أساء إليهم الموهوب له ارتدت الإساءة إلى الواهب . فإذا استند في ذلك إلى أسباب مسوغة ، واعتبر العمل الصادر من الموهوب له جحوداً كبيراً ، جاز له الحكم بفسخ الهبة ، دون تعقيب على قضائه من محكمة النقض ( [35] ) .
202
145 – عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه أو عجزه عن النفقة على من تجب عليه نفقتهم : ومن الأعذار المقبولة للرجوع في الهبة أن يصبح الواهب بعد الهبة لأي سبب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية . فقد تسوء حالة الواهب المالية بعد الهبة ، إما لسبب لا يتصل بالهبة وإما لأن الهبة ذاتها قد كانت على غير ما توقع الواهب سبباً في هذا الارتباك المالي . وليس من الضروري أن يصبح الواهب فقيراً ، بل يكفي كما يقول النص أنه أصبح عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية . ويكفي أيضاً ، دون أن يصبح الواهب عاجزاً عن توفير أسباب المعيشة لنفسه خاصة ، أن يصبح عاجزاً عن الوفاء بنفقة من تجب عليه نفقتهم من زوجة وأولاد وأقارب . فإذا وقع الواهب في ضيق مالي على النحو الذي بيناه ، كان هذا عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة . ولا يمنع الرجوع في هذه الحالة أن يظهر الموهوب له استعداده أن ينفق على الواهب ( [36] ) . أو أن يقدم له مساعدة مالية ، 203 فإن للواهب حق الرجوع في هبته لهذا العذر ، إلا إذا قبل من الموهوب له مساعدته المالية ونزل بذلك عن حقه في الرجوع بعد أن قام العذر . وقاضي الموضوع هنا أيضاً هو الذي يقدر ما إذا كان الضيق المالي الذي وقع فيه الواهب يكفي عذراً للرجوع في الهبة ( [37] ) . ٍ
146 – أن يرزق الواهب ولداً : والمفروض في هذا العذر أن يكون الواهب وقت أن صدرت منه الهبة ليس له ولداً ، ذكر أو أنثى . فهو قد وهب ماله في ذلك إلى أنه ليس له ولد يترك له هذا المال ( [38] ) وآثر الموهوب له على ورثته الآخرين .ويعدل هذا الوضع أن يظن الواهب وقت الهبة أن ليس له ولد . كأن يكون له ولد ويظنه قد مات . ففي هاتين الحالتين ، إذا رزق الواهب ولداً بعد الهبة أو تبين أن الولد الذي ظنه قد مات لا يزال حياً ، يكون هذا عذراَ مقبولاً للرجوع في الهبة . ذلك أن الدافع على الهبة قد انعدم ، والولد الذي رزقه الواهب أو ظهر حياً أولي بالمال الموهوب من الموهوب له متى تقدم الواهب إلى القاضي بهذا العذر يطلب فسخ الهبة .
204
ويخلص مما قدمناه أنه إذا كان للواهب ولد وقت الهبة ، ثم رزق ولداً آخر بعد الهبة أو ظهر حياً وكان يظنه ميتاً ، لم يكن هذا عذر مقبولاً للرجوع في الهبة . ذلك أنه وقت الهبة كان له ولداً ومع ذلك وهب المال للموهوب له مؤثراً إياه على ولده ، فلا يحق له بعد ذلك الرجوع في الهبة حتى لو زاد عدد أولاده ( [39] ) .
ولا يكفي أن يرزق الواهب ولداً بعد الهبة أو يظهر ولده بعد الهبة حياً بعد أن ظنه مات ، بل يجب أن الولد الذي رزقه أو ظهر حياً يبقي حياً إلى وقت الرجوع في الهبة . فإذا مات الولد قبل أن يرجع الواهب في الهبة ، فقد زال العذر للرجوع وامتنع هذا الحق .
وهذا العذر كغيره من الأعذار لا يجعل الهبة مفسوخة من تلقاء نفسها ، بل يجب رفع الأمر إلى القاضي ليحكم بفسخها . وليس للقاضي هنا سلطة تقديرية كالسلطة التي له في الأعذار الأخرى ، فمتى ثبت له أن الواهب قد رزق ولداً بعد الهبة أو ظهر له ولد حي كان يظنه ميتاً ، وطلب الواهب الرجوع في الهبة ، وجب على القاضي أن يحكم بالفسخ ( [40] ) .
205
( [1] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 683 من المشروع التمهيدي على وجه مقارب لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد . وأدمج في لجنة المراجعة كفقرة أولى ، في المادة 528 من المشروع النهائي ، وأصبح مطابقاً . ووافق عليه مجلس النواب . واقترح في لجنة مجلس الشيوخ حذف النصوص الخاصة بالرجوع في الهبة ، فرفضت اللجنة هذا الاقتراح ، وجاء في تقريرها في هذا الصدد ما يأتي : ” اقترح حذف المواد من 500 إلى 504 الخاصة بالرجوع في الهبة ، مادامت المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الوطنية لم تعدل ، فضلا عن إنها لا تسري في حق غير المصريين لأنهم خاضعون لقانون جنسيتهم في خصوص الأحكام الموضوعية للهبة . ولم تأخذ اللجنة بهذا الاقتراح ، لأن نص المادة 16 مطلق ومقتضى إطلاقه إخراج الهبة بأسرها من نطاق القانون المدني لا إخراج الرجوع فحسب . والحال في الواقع غير ذلك ، ولاسيما من حيث الاختصاص القضائي ، فالمحاكم الأهلية هي التي تفصل في جميع مسائل الهبة وفي الرجوع فيها ، بل وفي أهلية الواهب . وليس للهبة في تصوير القانون المصري من الاتصال بالميراث والروابط العائلية ما يبرر إدخالها في الأحوال الشخصية على نحو ما تفعل الشرائع الغربية . بل لقد اختلفت المحاكم في جواز الرجوع في الهبة في مصر ، فذهبت بعض المحاكم إلى عدم جواز ذلك استناداً إلى قواعد القانون المدني ، وذهبت أحكام أخرى إلى جواز ذلك وفقاً لقواعد الشريعة ، وأيدت هذا الرأي أخيراً محكمة النقض ، وقد أراد المشروع أن يحسم الخلاف بنصوص واضحة . وترى اللجنة من ذلك وجوب حذف الإشارة إلى الهبات في المادة 16 من لائحة تنظيم المحاكم الأهلية عند تعديلها بمناسبة زوال المحاكم المختلفة . ويلاحظ من ناحية أخرى أن ورود قواعد الهبة في القانون المدني لا يستتبع وجوب تطبيقها على الأجانب . فقد قنن المشروع قواعد الأهلية ولا يعني ذلك تطبيقها على الأجانب ، لأن مرجع سريان الأحكام الموضوعية في حق الأجانب هو قواعد الإسناد ” . ووافقت لجنة مجلس الشيوخ على النص كما هو ، ووافق عليه مجلس الشيوخ تحت رقم 500 / 1 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 282 – ص 285 ) .
( [2] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 468 / 1 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 489 / 1 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي م 620 ( العبارة الأولى ) : للواهب إني رجع في الهبة برضاء الموهوب له . ( وهذا الحكم متفق مع حكم التقنين المصري : أنظر الأستاذ حسن الذنون فقرة 48 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني : لا مقابل . ولكن الحكم متفق على القواعد العامة .
( [3] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : ” إذا طلب الواهب الفسخ وقدم لذلك عذراً مقبولاً ، فإن القاضي بالرغم من ذلك لا يحكم بالفسخ إذا وجد مانع من موانع الرجوع في الهبة ، بخلاف الفسخ بالتراضي فلا يحول بالبداهة دونه مانع ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 291 ) .
( [4] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 683 من المشروع التمهيدي على وجه مقارب لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، وأدمج في لجنة المراجعة كفقرة ثانية في المادة 528 من المشروع النهائي ، وأصبح مطابقاً . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 500 / 2 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 282 – ص 283 ) .
( [5] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان القانون المدني ( السابق ) لم يتعرض بتاتاً إلى أمر الرجوع في الهبة ، وليس فيما وضعه لها ولأسباب انتقال الملكية وزوالها من نصوص ولا فيما أورده للالتزامات من أحكام عامة ، ما ينافي الرجوع في الهبة ، كان لا مندوحة عن الرجوع في هذا الأمر إلى قانون الأحوال الشخصية ، سافرة كانت الهبة أو مستورة ( نقض مدني 3 ابريل سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 181 ص 390 ) . وقضت أيضاً بأن الرجوع في الهبة خاضع في ظل القانون المدني القديم للشريعة الإسلامية ، وحكمها في ذلك أن الرجوع لا يصح إلا برضاء الموهوب له أو بقضاء القاضي ( نقض مدني 11 فبراير سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 80 ص 522 ) . وانظر عكس ذلك وفي أن أحكام القانون الفرنسي هي التي تسري فلا يجوز الرجوع في الهبة : ميت غمر 10 ديسمبر سنة 1931 الجريدة القضائية 108 ص 23 .
( [6] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 468 / 2 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 489 / 2 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي م 620 ( العبارة الأخيرة ) : فإن لم يرض ( الموهوب له ) كان للواهب حق الرجوع عند تحقق سبب مقبول ، ما لم يوجد مانع من الرجوع . ( والحكم متفق مع حكم التقنين المصري – أنظر الأستاذ حسن الذنون فقرة 48 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبنانين م 527 / 1 : تبطل الهبة بناء على طلب الواهب إذا لم يقم الموهوب له أو إذا كف عن القيام بأحد الشروط أو التكاليف المفروضة عليه .
( ويقتصر التقنين اللبناني العذر المقبول في الرجوع في الهبة على عدم قيام الموهوب له أو على كفه عن القيام بالشروط أو التكاليف المفروضة عليه ) .
( [7] ) أنظر المبسوط للسرخسي 12 ص 53 – ص 54 – البدائع 6 ص 128 – الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 52 – وهي المراجع السابق الإشارة إليها في فقرة 558 في الهامش .
وقارن الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 79 والأستاذ اكثم الخولي فقرة 123 – فقرة 124 .
( [8] ) أنظر ما دار في لجنة مجلس الشيوخ في هذا الصدد في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 287 – ص 288 و أنظر ما يلي فقرة 142 في الهامش – وانظر محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة 30 نوفمبر سنة 1954 المحاماة 36 رقم 110 ص 258 .
( [9] ) وفي هذا تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : ” والرجوع في الهبة نقلت أحكامه عن الشريعة الإسلامية . فالهبة يجوز الرجوع فيها بالتراضي أو بالتقاضي . وقد حدد المشروع هذه القاعدة تحديداً واضحاً ، فليس معناها أن الهبة يجوز الرجوع فيها إطلاقاً ، بل يشترط في الرجوع – إذا لم يرض الموهوب له – أن يكون عند الواهب عذر مقبول فيه . وأورد المشرع أمثلة من العذر المقبول مما يقرب الشريعة الإسلامية من القوانين الأجنبية . وهناك موانع للرجوع في الهبة نقلت عن الشريعة الإسلامية كما نقلها قدري باشا في كتابه عن الأحوال الشخصية . ويمكن القول بوجه عام إن المشرع اكسب عقد الهبة صلابة وقوة في الإلزام على النحو الذي ينبغي أن يكون لعقد هو – وإن كان تبرعاً – ملزم للمتعاقدين كسائر العقود ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 242 ) . وجاء في موضع آخر من المذكرة الإيضاحية : ” ويتبين من ذلك أن الرجوع في الهبة ليس تحكمياً من جهة الواهب ، بل هو لا يستطيع الرجوع إلا إذا تراضى في ذلك مع الموهوب له . . ويعتبر هذا التراضي إقالة من الهبة . فإذا لم يكن هناك تراض ، فلا يجوز للواهب الرجوع إلا لعذر يقبله القاضي ، ويمتنع الرجوع إذا لم يوجد العذر المقبول . فالهبة إذن لا تزال محتفظة بصفتها الملزمة إلى حد كبير ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 290 – ص 291 ) .
على أن حق الرجوع في الهبة – مقيداً بهذه القيود – يعتبر من النظام العام ، فلا يجوز للواهب أن يتفق مع الموهوب له مقدماً على النزول عنه ، وإنما يجوز له ، بعد قيام العذر في الرجوع ، أن ينزل عن هذا الحق بعد وجوده . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : ” ويلاحظ أن الواهب إذا تنازل عن حق الرجوع ، فإن تنازله لا يعتبر ، ويجوز له الرجوع بالرغم من هذا التنازل : م 515 من قانون الأحوال الشخصية ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 292 ) . ونصت المادة 530 / 1 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني على أنه ” لا يجوز العدول مقدماً عن دعوى إبطال الهبة بسبب الجحود . وتسقط هذه الدعوى بحكم مرور الزمن بعد سنة واحدة تبتدئ من يوم علم الواهب بالأمر ” .
وحكم الفقه الإسلامي في هذه المسألة أنه يجوز للواهب الصلح عن حق الرجوع ، ويعتبر البدل في هذه الحالة كعوض عن الهبة . و لايجوز له إسقاط هذا الحق ، لأنه حق الشارع ( الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 53 ) .
أنظر الأستاذ محمد كامل مرسي 4 العقود المسماة 2 فقرة 171 – وقارن الأستاذ محمد جمال الدين زكي فقرة 83 والأستاذ اكثم الخولي فقرة 141 .
( [10] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 686 من المشروع التمهيدي على وجه يتفق مع ما استقر عليه في التقنين المدني الجديد ، فيما عدا الفقرة ( ز ) ، فقد جرت في المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : إذا قدم الموهوب له بعد الهبة عوضاً قبله الواهب ، على إلا يكون هذا العوض هو بعض الموهوب ، وإذا أعطى العوض عن بعض الموهوب جاز الرجوع في الباقي ، وإذا استحق العوض كله أو بعضه عاد للواهب الحق في الرجوع إذا رد للموهوب له ما لم يستحق من العوض ” ، وفيما عدا الفقرة ( ج ) ، فقد جرت في المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا كانت الهبة صدقة ” . وفي لجنة المراجعة عدلت الفقرة ( . ) بجعل تقديم العوض مانعاً للرجوع في الهبة سواء أكان العوض معاصراً للهبة أم لاحقاً لها ، عملا بالرأي الراجح في الشريعة الإسلامية ، وأصبح رقم المادة 530 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وفي لجنة مجلس الشيوخ أضيفت عبارة ” أو عملا من أعمال البر ” إلى الفقرة ( ح ) حتى ترتفع شبهة أن الصفقة لا تشمل أعمال البر لأنها في الواقع تشملها ، فأصبح النص مطابقاً لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد . ووافق عليه مجلس الشيوخ تحت رقم 502 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 289 – ص 290 و 2 92 – ص 294 ) .
( [11] ) أنظر الأستاذ محمد كمال مرسي في العقود المسماة 2 فقرة 140 .
( [12] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 470 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 491 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي م 623 ( موافقة في أحكامها للتقنين المدني المصري ، وتزيد مانعاً هو أن يهب الدائن الدين للمدين فلا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة – أنظر الأستاذ حسن الذنون فقرة 55 – فقرة 65 ) .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 530 / 2 و 3 : ولا ينتقل حق الواهب في إقامة تلك الدعوى ( دعوى إبطاله الهبة للجحود ) إلى ورثته إذا كان مقتدراً على إقامتها ولم يفعل . وكذلك لا تصح إقامتها على وريث الموهوب له إذا لم تكن قد أقيمت على الموهوب له قبل وفاته . ( ولم يذكر التقنين اللبناني إلا هذا المانع – موت أحد طرفي عقد الهبة – من موانع الرجوع في الهبة ) .
( [13] ) وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يجعل المانع من الرجوع أن يقدم ” الموهوب له بعد الهبة عوضاً قبله الواهب ، على إلا يكون هذا العوض هو بعض الموهوب ، وإذا أعطى العوض عن بعض الموهوب ، جاز الرجوع في الباقي . وإذا استحق العوض كله أو بعضه ، عاد للواهب الحق في الرجوع إذا هو رد للموهوب له ما لم يستحق من العوض ” فعدل هذا النص في لجنة المراجعة على نحو يجعل ” تقديم العوض مانعاً للرجوع في الهبة ، سواء أكان العوض معاصراً للهبة أم لاحقا لها ، عملا بالرأي الراجح في الشريعة الإسلامية ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 290 و ص 293 – وانظر آنفاً فقرة 132 في الهامش ) .
وانظر في العوض المتأخر عن العقد في الفقه الحنفي البدائع 6 ص 130 – ص 132 .
( [14] ) وتبقى أحكام النص المحذوف سارية لاتفاقها مع قصد المتعاقدين وأحكام الفقه الإسلامي . فإذا كان العوض بعض الموهوب جاز الرجوع في الباقي ، وإذا استحق العوض كله أو بعضه عاد للواهب الحق في الرجوع إذا هو رد للموهوب له ما لم يستحق من العوض .
( [15] ) الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 59 .
( [16] ) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 292 .
( [17] ) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 294 . وانظر آنفاً فقرة 132 في الهامش .
( [18] ) ويلاحظ أن القانون الفرنسي على عكس ذلك ، فالهبة فيه لازمة في الأصل ، فإذا وقعت بين الزوجين كانت غير لازمة .
( [20] ) استئناف مختلط 15 يونيه سنة 1926 م 38 ص 477 – 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 186 – 25 مارس سنة 1941 م 53 ص 139 – محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة 24 مارس سنة 1925 جازيت 15 رقم 239 ص 360 – محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة 6 يونيه سنة 1925 جازيت 16 رقم 147 ص 174 .
وهناك قول في المذهب الحنفي يفرق بين هبة الروج لزوجته وهبة الزوجة لزوجها . فالأولى لا يجوز للزوج الرجوع فيها أصلاً . أما هبة الزوجة لزوجها ، فيجوز للزوجة الرجوع فيها إذا هي ادعت أن الزوج استكرهها على الهبة ، فدعوى الإكراه مسموعة من الزوجة لا من الزوج لاعتبار الظاهر ، إذ الظاهر أن الزوج يتمكن من إكراه زوجته والزوجة لا تتمكن من إكراه زوجها ( الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 60 ) . ويبدو أن حكم هذه المسألة في القانون المدني يجب استخلاصه من القواعد العامة ، فلا يجوز في الأصل للزوجة أن ترجع في هبتها لزوجها ، ولكن لها أن تطعن في الهبة بالإكراه الأدبي أو الشوكة والنفوذ من جانب زوجها . فإن أثبتت ما تدعيه ، ولها أن تثبت ذلك بجميع طرق الإثبات وتدخل البيئة والقرائن ، كان لها أن تطلب إبطال الهبة للإكراه . ومن القرائن على الإكراه مركز الزوجة من زوجها ، وقيمة الشيء الموهوب ، والظروف التي صدرت فيها الهبة .
( [21] ) وقد قدمنا ما قررته المذاهب الثلاثة غير المذهب الحنفي في جواز اعتصار الوالد ( أنظر آنفاً فقرة 125 ) . وفي الفقه الحنفي يرجع الوالد في هبته لولده بغير قضاء ولا رضاء عن طريق الإنفاق على نفسه من مآل ولده عند الحاجة إلى ذلك ، لا عن طريق الرجوع في الهبة ( المبسوط للسرخسي 12 ص 54 – البدائع 6 ص 128 – فتح القدير 7 ص 132 ) . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بجواز رجوع الوالد فيما وهبه لابنه حتى بعد القبض ودون حاجة إلى تراض أو تقاض ، ولو كان الوالد قد نزل عن حقه في الرجوع ( 8 يناير سنة 1924 م 36 ص 117 ) ، ويغلب أن يكون ذلك أخذا بالمذهب الحنفي من أن الوالد يتفق على نفسه من ماله ولده عند الحاجة .
( [22] ) الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 61 .
( [23] ) الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 62 .
( [24] ) غير أنه إذا كان ولد الدابة الموهوبة لا يستغنى عنها ، وجب ترك الدابة عند الموهوب له حتى يستغنى عنها ولدها .
( [25] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 292 – الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 63 ) . أما إذا نقل الموهوب له الشيء الموهوب من مكان إلى مكان فازدادت قيمته في المكان الثاني ، فإن حق الرجوع في الهبة يمتنع على القول الصحيح ، وذلك لما فيه من تفويت ما انفق في نقل الشيء الموهوب ( الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 63 – وقارن الأستاذ اكثم الخولي فقرة 139 ) .
( [26] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 292 .
( [27] ) الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 61 – ص 62 .
( [28] ) الأستاذ أحمد إبراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 62 .
( [29] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 685 من المشروع التمهيدي على وجه يتفق مع ما استقر عليه في التقنين المدني الجديد . وأقرته لجنة المراجعة ، والظاهر إنها حذفت عبارة ” إخلالاً خطيراً ” التي كانت موجودة في بند ( 6 ) من المشروع التمهيدي ، اكتفاء بعبارة ” جحودا كبيرا ” الموجودة في نفس البند ، وأصبح رقم المادة 529 من المشروع النهائي ، ووافق عليها مجلس النواب . وفي لجنة مجلس الشيوخ ذكر أن أحكام هذا النص مأخوذة من القانون الفرنسي ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي تقضي بالرجوع في الهبة بالتراضي أو بقضاء القاضي . ولما قيل في اللجنة إن الرجوع في الهبة مطلق إلا في الأحوال الممنوع فيها الرجوع ، رد على هذا الاعتراض بان الرجوع في الشريعة غير مطلق ، لأن من ضمن بواعث الرجوع في الهبة في مذهب المالكية إخلال الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب أو نحو أحد من اقاربه بحيث يكون هذا الإخلال جحوداً كبيراً من جانبه وهو حكم الفقرة ( 6 ) من النص . وانتهت لجنة مجلس الشيوخ إلى الموافقة على النص ، أخذا ببعض أقوال فقهاء الشريعة الإسلامية التي تحرم الرجوع في الهبة إلا لعذر مقبول . ووافق عليه مجلس الشيوخ تحت رقم 501 ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 286 – ص 288 ) .
( [30] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى :
التقنين المدني السوري م 469 ( مطابق ) .
التقنين المدني الليبي م 490 ( مطابق ) .
التقنين المدني العراقي م 621 ( تتفق أحكامها مع أحكام المادة 501 من التقنين المدني المصري ، وتزيد العذر الآتي : ” أن يقصر الوهوب له في القيام بما اشترط عليه في العقد من التزامات بدون عذر مقبول ” . وهذا الحكم يتفق مع القواعد العامة . ويقتصر التقنين العراقي في عذر الإخلال بالواجب ، على أن يكون الإخلال بالواجب نحو الواهب ، دون أن يذكر اقاربه ، ولكن الأستاذ حسن الذنون – فقرة 50 – يرى أن الإخلال بالواجب نحو أقارب الموهوب له يصح أن يكون عذراً للرجوع في الهبة ، لأن الإعذار ليست مذكورة في النص على سبيل الحصر ) .
م 622 : إذا قتل الموهوب له الواهب عمداً بلا وجه حق ، كان لورثه حق إبطال الهبة . ( وهذا استثناء من أن الهبة لا يجوز الرجوع فيها بعد موت الواهب ، ويبرر الرجوع هنا جحود الموهوب له ، وكذلك القياس على الميراث فالقاتل لا يرث المقتول ) . أنظر الأستاذ حسن الذنون فقرة 49 – فقرة 50 .
تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 524 : كل هبة بين الأحياء يمنحها شخص ليس له ولد ولا عقب شرعي يصح الرجوع عنها : أولاً – إذا رزق الواهب بعد الهبة أولاداً ولو بعد وفاته . ثانياً – إذا كان للواهب ولد ظنه ميتا وقت الهبة ثم ظهر أنه لا يزال حياً .
م 527 / 1 : تبطل الهبة بناء على طلب الواهب إذا لم يقم الموهوب له أو إذا كف عن القيام بأحد الشروط أو التكاليف المفروضة عليه .
م 528 : وتبطل الهبة أيضاً بناء على طلب الواهب : أولاً – إذا ارتكب الموهوب له جنحة أو جناية على شخص الواهب أو على شرفه أو ماله . ثانياً – إذا ارتكب إخلالاً هاماً بالواجبات التي يفرضها عليه القانون للواهب أو لعيلته .
( وأحكام التقنين اللبناني تتفق في مجموعها مع أحكام التقنين المصري ، غير أن التقنين اللبناني لم يذكر من بين الإعذار أن يصبح الواهب عاجزاً عن توفير أسباب المعيشة لنفسه أو لن يجب عليه نفقته ) .
( [31] ) أنظر م 527 / 1 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني ( آنفاً فقرة 142 في الهامش ) ، ونتكلم عن إبطال الهبة لا عن فسخها .
( [32] ) فإذا قتل الموهوب له الواهب بغير حق ، قام عذر للرجوع في الهبة هو الجحود ، وقام في الوقت ذاته مانع من الرجوع في الهبة هو موت الواه بز وقد أورد التقنين العراقي في هذه الحالة نصاً خاصاً ، فقال في المادة 622 منه : ” إذا قتل الموهوب له الواهب عمداً بلا وجه حق ، كان لورثته حق إبطال الهبة ” ( أنظر آنفاً فقرة 143 من الهامش – وقارن الأستاذ حسن الذنون فقرة 54 وهو لا يرى حاجة لإيراد هذا النص ) . ويبدو أن هذا الحل المعقول هو الذي يتفق مع القواعد العامة ، فإنه إذا جاز الرجوع في الهبة لمجرد شروع الموهوب له في قتل الواهب ، فأولى أن يجوز الرجوع إذا تمت الجريمة .
( [33] ) ويجب التوسع في تفسير لفظ ( الأقارب ) ، فيشمل الزوج والزوجة .
( [34] ) بودري وكولان 10 فقرة 1600 .
( [35] ) ولم يكن هناك محل لحصر الأعمال التي تنطوي على الجحود الكبير من جانب الموهوب له في تقنين يجعل الأصل جواز الرجوع في الهبة ، وهذا بخلاف التقنين الفرنسي الذي حصر هذه الأعمال لأن الأصل فيه هو عدم جواز الرجوع في الهبة : قارن مع ذلك الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 167 حيث ينتقد النص انتقاداً شديداً لا مبرر له ، فالنص يضع معياراً مرناً بدلا من أن يضع قاعدة جامدة حتى يواجه بمرونته الحالات المتنوعة والظروف المختلفة . وهو بعد مأخوذ من المادة 530 من التقنين المدني الألماني وتنص على ما يأتي : ” يجوز نقض الهبة إذا أخل الموهوب له إخلالاً خطيراً بما يجب عليه نحو الواهب أو نحو أحد من ذويه ، بحيث يكون قد ارتكب جحوداً كبيراً ” . أنظر أيضاً في انتقاد النص الأستاذ اكثم الخولي فقرة 131 – 132 .
أما التقنين المدني الفرنسي ( م 955 ) فيقيد ، كما قدمنا ، معنى الجحود تقييداً ضيقاً ويحصره في أعمال معينة . ثم هو أيضاً يذكر الإعذار التي تسوغ الرجوع في الهبة على سبيل الحصر ، لا على سبيل التمثيل كما فعل التقنين المدني المصري .
ويجعل التقنين المدني الفرنسي ( م 957 ) دعوى الرجوع في الهبة للجحود تتقادم بسنة واحدة من وقت وقوع العمل الصادر من الواهب . ولم ينقل التقنين المدني المصري هذا الحكم ، ومن ثم تخضع دعوى الرجوع في الهبة في مصر ، أياً كان العذر في الرجوع ، للقواعد العامة ، فلا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة من وقت قيام العذر . على أن إذا مضى وقت طويل على قيام العذر للرجوع ولم يستعمل الواهب حقه ، فقد يستخلص من ذلك أن الواهب نزل ضمناً عن حقه في الرجوع بعد قيام العذر ، والنزول عن حق الرجوع بعد قيام العذر جائز .
( [36] ) أما في التقنين الفرنسي ( م 955 ) فقبول الموهوب له النفقة على الواهب يمنع من الرجوع في الهبة ، ولا يجوز للواهب الرجوع إلا إذا طلب من الموهوب له النفقة عليه فامتنع الموهوب له .
( [37] ) قارن الأستاذ اكثم الخولي فقرة 133 – ولا مبرر هنا أيضاً للانتقاد الشديد الذي يوجهه الىالنص ، إذ النص قد وضع معايير مرنة يسترشد بها القاضي ، فيجعل لكل حالة بخصوصها ما يلائمها من الحكم . ونظير ذلك ما نص عليه التقنين البولوني في المادة 364 منه .
( [38] ) وتنص المادة 961 من التقنين المدني الفرنسي على أنه ” يقع فسخ الهبة حتى لو كان للواهب أو للواهبة وقت الهبة جنين لم يولد ” . ويمكن سريان هذا الحكم في مصر ما دام الواهب لا يعرف وقت الهبة بأمر الجنين ، فهو في حالة الواهب الذي يعتقد أن ولده قد مات . فليست العبرة إذن بألا يكون للواهب ولد وقت الهبة ، بل العبرة بأن يعتقد أن ليس له ولد . أما في القانون الفرنسي ، فالهبة تنفسخ حتى لو كان الواهب وقت الهبة يعلم بأمر الجنين ( بودري وكولان 10 فقرة 1680 – فقرة 1681 ) .
( [39] ) وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : ” والمفروض في ذلك أن الواهب لم يكن لديه ولد وقت الهبة ثم رزق الولد بعدها ، أو كان له ولد ظنه ميتاً فوهب ثم ظهر الولد ، فرجع في الهبة . أما إذا كان له ولد وقت الهبة ، ثم رزق ولداً بعدذ لك ، فليس له الرجوع ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 ص 291 ) .
( [40] ) وفي التقنين المدني الفرنسي ( م 960 ) لا حاجة إلى حكم بالفسخ ، بل تعتبر الهبة مفسوخة من تلقاء نفسها بحكم القانون . ويترتب على ذلك فرقان بين التقنين الفرنسي والتقنين المصري : ( أولاً ) أن الواهب إذا رزق الولد بعد موته ( EMFANT POSTHUME ) ، أي أن الولد كان جنيناً ولم يولد إلا بعد موت الواه بن كان هذا كافياً في التقنين الفرنسي لأن الهبة فيه تنفسخ من تلقاء نفسها . ولا يبدو أن هذا يكفي في التقنين الصمري ، لأن فسخ الهبة لا يكون إلا بحكم القاضي ، ولا يجوز لورثة الواهب أن يتقدموا بطلب الفسخ لأن حق الرجوع لا ينتقل إلى الورثة كما قدمنا . ( ثانياً ) أن موت الولد قبل الرجوع في الهبة لا يمنع انفساخ الهبة في التقنين الفرنسي ، ويمنع الرجوع في الهبة في التقنين المصري كما سبق القول .
وكذلك المزيد في مقال توكيل محامي