نفاذ عقد الإيجار في حق الغير


نفاذ عقد الإيجار في حق الغير

151- ثبوت التاريخ والتسجيل : حتى يكون عقد الإيجار نافذاً في حق الغير ، يجب أن يكون ثابت التاريخ ، وهذه هي القاعدة العامة في جميع العقود .

وإذا وقع الإيجار على عقار وكانت مدته تزيد على تسع سنوات ، فإنه لا ينفذ في حق الغير إلا إذا سجل .

189 هاتان هما القاعدتان الرئيسيتان في نفاذ الإيجار في حق الغير( [1] ) ، نتولى بحثهما في مطلبين متعاقبين( [2] ) .

المطلب الأول

ثبوت تاريخ عقد الإيجار ليكون نافذاً في حق الغير

152- من لا يعتبر من الغير فيكون التاريخ العرفي لعقد الإيجار حجة عليه : القاعدة العامة أن الإيجار لو لم يكن ثابت التاريخ يكون حجة بتاريخه العرفي على من كان ممثلا في العقد .

فيحتج بالتاريخ العرفي للإيجار على طرفي التعاقد ، المؤجر والمستأجر . فإذا كان أحدهما قاصراً أو محجوراً عليه ، وأخر الطرفان التاريخ حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر ، أو قدماه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر ، أو قدماه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت الحجر ، كان التاريخ المؤخر أو المقدم حجة عليهما ، إلا أن يثبت صاحب المصلحة منهما أن التاريخ غير صحيح .

ويحتج بالتاريخ العرفي للإيجار على الوارث وكل خلف عام كالموصي له بحصة في التركة . فإذا أجر شخص داراً بورقة عرفية غير ثابتة التاريخ ، وكان محجوراً عليه للسفه ولكن تاريخ الورقة سابق على تسجيل قرار الحجر ، فإن هذا التاريخ يكون حجة على السفيه وعلى ورثه جميعاً ، ولا يستطيع أحد منهم أن ينقض هذه الحجية إلا إذا أثبت أن التاريخ قد قدم عمداً حتى يصور الإيجار واقعاً 190 في وقت لم يكن فيه المؤجر محجوراً عليه ، وأن التاريخ الحقيقي كان بعد تسجيل قرار الحجر .

ويحتج بالتاريخ العرفي للإيجار على الدائن العادي قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، فإذا أجر شخص داراً بأجرة بخسة متواطئناً في ذلك مع المستأجر وكان معسراً ، جاز لدائنه أن يطعن في الإيجار بالدعوى البولصية كما سبق القول( [3] ) . ولكن التاريخ العرفي للإيجار يكون حجة عليه ، فإذا كان هذا التاريخ سابقاً على حقه لم يستطع أن يطعن بالدعوى البولصية ، إلا أن يثبت أن التاريخ قد قدم ليكون سابقاً على حقه وأن التاريخ الحقيقي للإيجار كان بعد ثبوت حقه( [4] ) .

ويحتج بالتاريخ العرفي للإيجار على الدائن المرتهن رهناً رسمياً ا من له حق اختصاص أو حق امتياز ، فيكون التاريخ العرفي للإيجار حجة عليه ، إلا إذا قام بإجراءات نزع الملكية وسجل التنبيه ، فمن وقت تسجيل التنبيه تلحق الثمار بالعقار ، فيتعلق حق الدائن بمنفعة العين ويصبح من الغير ،ولا يكون الإيجار نافذاً في حقه إلا إذا كان ثابت التاريخ( [5] ) كما سيجيء .

153- من يعتبر من الغير فلا يكون الإيجار نافذاً في حقه إلا إذا كان ثابت التاريخ : ويعتبر من الغير ، فلا يكون الإيجار نافذاً في يحقه إلا إذا كان ثابت التاريخ ، كل من تعلق له حق خاص بمنفعة العين محل الإيجار . فهو يتمسك بحقه في منفعة العين ، والمستأجر يتمسك كذلك بحقه في هذه المنفعة ، فيتعارض الحقان ، ولا يفضل المستأجر إلا إذا كان الإيجار سابقاً على ثبوت حق الغير في منفعة العين . ولا يعتد بالتاريخ العرفي للإيجار في هذه الحالة ، بل يجب أن يكون الإيجار ثابت التاريخ وسابقاً على ثبوت حق الغير حتى يكون نافذاً في حق هذا الغير .

191 ومن ثم يعتبر من الغير في هذا المعنى : ( 1 ) الخلف الخاص الذي انتقل إليه حق عيني أصلي في العين المؤجرة . ( 2 ) الدائن المرتهن رهن حيازة وهو خلف خاص انتقل إليه حق عيني تبعي . ( 3 ) الدائن العادي أو الدائن المرتهن هنا رسمياً أو من له حق اختصاص أو حق امتياز ، إذا كان أي منهم قد سجل تنبيه نزع الملكية .

1– فالخلف الخاص الذي انتقل إليه حق عيني أصلي في العين المؤجرة يعتبر من الغير ، فلا ينفذ الإيجار في حق إلا إذا كان ثابت التاريخ . ويعد خلفاً خاصاً من تعامل في العين المؤجرة مع المؤجر وخلفه عليها أو على حق فيها . فالمشتري للعين المؤجرة ، والمقايض عليها ، والموهوب له إياها ، والموصي له بها ، ومن انتقل إليه حق الانتفاع فها ، كل هؤلاء خلف خاص ، وقد تعلق لهم حق بمنفعة العين المؤجرة ، فلا ينفذ في حقهم الإيجار الصادر من المالك إلا إذا كان ثابت التاريخ وسابقاً على تاريخ تلقيهم لحقوقهم ، أي سابقاً على تاريخ البيع في حالة المشتري ، أو على تاريخ الهبة في حالة الموهوب له ، أو على تاريخ موت المورث في حالة الوصية ، أو على تاريخ السند الناقل لحق الانتفاع في حالة من انتقل له هذا الحق : بيعاً كان هذا السند أو هبة أو وصية أو غير ذلك . وقد أورد التقنين المدني نصاً صريحاً في هذا المعنى ، إذ تقول المادة 604 مدني :  “1- إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة اختياراً أو جبراً إلى شخص آخر ، فلا يكون الإيجار نافذاً في حق هذا الشخص إذا لم يكن له تاريخ ثابت اسبق على التصرف الذي نقل الملكية . 2- ومع ذلك يجوز لمن انتقلت الهي الملكية أن يتمسك بعقد الإيجار ولو كان هذا العقد غير نافذ في حقه ” . ويؤخذ من هذا النص أن المشتري مثلا للعين المؤجرة لا ينفذ في حقه إيجار صادر من المالك إذا لم يكن هذا الإيجار ثابت التاريخ وكان تاريخه الثابت سابقاً على تاريخ عقد البيع الصادر للمشتري . فإذا توافر في الإيجار ثبوت التاريخ على النحو المتقدم ، نفذ في حق المشتري ، ووجب عله احترام الإيجار إلى نهاية مدته ، مع ملاحظة وجوب تسجيل عقد الإيجار أيضاً في العقار إذا زادت مدة الإيجار على تسع سنوات كما سيجيء . أما إذا لم يكن الإيجار ثابت التاريخ ، أو كان ثابت التاريخ ولكنه متأخر أو معاصر للتاريخ الثابت للبيع ، فإنه لا ينفذ في يحق المشتري ، ولكن يجوز مع ذلك للمشتري أن 192 يتمسك بعقد الإيجار ويلزم به المستأجر إلى نهاية المدة . وسيأتي تفصيل هذه المسألة عند الكلام في انتهاء الإيجار بانتقال ملكية العين المؤجرة( [6] ) .

2- والدائن المرتهن رهن حيازة يعتبر من الغير ، فلا ينفذ في حقه الإيجار الصادر من الراهن إلا إذا كان ثابت التاريخ وسابقاً على تاريخ رهن الحيازة . فإذا توافر للإيجار ثبوت التاريخ على هذا الوجه ، نفذذ في حق الدائن المرتهن رهن حيازة ، ووجب على هذا احترام الإيجار إلى نهاية مدته ، وتكون الأجرة مستحقة له يخصمها من الدين . أما إذا كان الإيجار غير ثابت التاريخ ، أو كان ثابت التاريخ ولكنه متأخر أو معاصر للتاريخ الثابت للرهن الحيازي ، فإنه لا ينفذ في حق الدائن المرتهن ، ولن يجوز لهذا أن يتمسك بعقد الإيجار ويلزم به المستأجر إلى نهاية المدة .

3- والدائن غير المرتهن رهن حيازة ، سواء كان دائناً عادياً أو دائناً مرتهناً رهناً رسمياً أو صاحب حق اختصاص أو حق امتياز ، يصبح من الغير بمجرد تسجيل تنبيه نزع الملكية( [7] ) ، إذ بهذا التسجيل تلحق الثمار بالعقار ويصبح للدائن حق في هذه الثمار . ومن ثم لا ينفذ في حقه الإيجار الصادر من المدين إذا لم يكن ثابت التاريخ وسابقاً على تسجيل التنبيه . فإذا كان الإيجار ثابت التاريخ قبل تسجيل التنبيه ، نفذ في حق الدائن .  وتنص المادة 621 من تقنين المرافعات فهذا الصدد على أن  “عقود الإيجار الثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه تنفذ في حق الحاجزين  والدائنين المشار إليهم في المادة 637 ( وهم جميع الدائنين المقيدة حقوقهم قبل تسجيل التنبيه وجميع الدائنين الذين سجلوا تنبيهاتهم ) والراسي عليه المزاد  . . . أما عقود الإيجار غير الثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه ، فلا تنفذ في 193 حق من ذكروا إلا إذا كانت من أعمال الإدارة الحسنة ” . وتنص المادة 1045 مدني في هذا الصدد بشأن الإيجار الصادر من الراهن رهناً رسمياً على أن  “1- الإيجار الصادر من الراهن لا ينفذ في حق الدائن المرتهن إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، أما إذا لم يكن الإيجار ثابت التاريخ على هذا الوجه ، أو كان قد عقد بعد تسجيل التنبيه ولم تعجل فيه الأجرة ، فلا يكون نافذاً إلا إذا أمكن اعتباره داخلا في الإدارة الحسنة . 2- وإذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبه تزيد مدته على تسع سنوات ، فلا يكون نافذاً في حق الدائن المرتهن إلا لمدة تسع سنوات ، ما لم يكن قد سجل قبل قيد الرهن “( [8] ) . ويؤخذ من هذه النصوص أنه إذا كان الإيجار ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية ، نفذ في حق الدائن إلى نهاية مدته ، مع ملاحظة التسجيل في العقار إذا كانت مدة الإيجار تزيد على تسع سنوات إذ يجبان يكون الإيجار مسجلا قبل القيد ( أو قبل تسجيل التنبيه في حالة الدائن العادي ) . أما إذا كان الإيجار غير ثابت التاريخ ، أو كان ثابت التاريخ ، أو كان ثابت التاريخ بعد تسجيل التنبيه ، فإنه  ينفذ في حق الدائن إلا حيث تنتفي شبهة الغش بأن يعتبر الإيجار من أعمال الإدارة الحسنة ، ويعتبر الإيجار من أعمال الإدارة الحسنة إذا كان معقود للمدة المألوفة وبأجر المثل ولم تعجل فيه الأجرة( [9] ) .

154- يشترط في الغير أن يكون حسن النية : وحتى يستطيع الغير أن يتمسك بوجوب ثبوت التاريخ فيكون الإيجار نافذاً في حقه على الوجه الذي قدمناه ، يجب أن يكون حسن النية . فإذا كان سيء النية ، لم يكن له أن يتمسك بوجوب ثبوت التاريخ ، وكان الإيجار نافذاً في حقه حتى لو لم يكن ثابت 194 التاريخ( [10] ) . ومعنى سوء النية هنا أن يكون الغير عالماً بوجود عقد الإيجار وقت أن تلقى حقه . مثل ذلك أن يكون المشتري للعين المؤجرة يعلم وقت شرائه للعين بوجود عقد إيجار صادر من المالك ، فليس له في هذه الحالة أن يتمسك بوجوب أن يكون لعقد الإيجار تاريخ ثابت قبل شرائه للعين . بل ينفذ الإيجار في حقه حتى لو لم يكن ثابت التاريخ ، ما دام أنه كان يعلم بوجوده قبل الشراء( [11] ) . أما لو علم بوجوده بعد الشراء ، فإن هذا العلم لا ينفي حسن نيته ، ولا ينفذ الإيجار في حقه فهذه الحالة إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل الشراء . ويفرض في الغير أن حسن النية ، أي أنه لا يعلم بوجود الإيجار وقت تلقيه لحقه ، فإذا ادعى المستأجر أن الغير يعلم بوجود الإيجار حتى يتمكن من الاحتجاج به عليه مع أن تاريخه غير ثابت فعلى المستأجر أن يثبت علم الغير( [12] ) .

وهناك فريق من الفقهاء يذهبون إلى أنه لا يكفي علم الغير بوجود الإيجار وقت تلقيه الحق ، بل يجب أيضاً أن يكون متواطئاً مع المالك للإضرار بحق المستأجر ، فلا يكفي مثلا أن يكون مشتري العين قد علم بوجود الإيجار الصادر من المالك وقت شرائه للعين ، بل يجب أيضاً أن يكون قد عمد إلى شراء العين متواطئاً مع المالك حتى يضيع على المستأجر حقه( [13] ) . ولكن الرأي الراجح في الفقه المصري هو أن مجرد العلم يكفي ، ولا يشترط التواطؤ( [14] ) .

195 المطلب الثاني

تسجيل عقد الإيجار ليكون نافذاً في حق الغير

155- متى يجب تسجيل عقد الإيجار ليكون نافذاً في حق الغير : نصت المادة 11 من قانون تنظيم الشهر العقار على أنه  “يجب تسجيل الإيجارات والسندات التي ترد على منفعة العقار إذا زادت مدتها على تسع سنوات ، والمخالصات والحوالات بأكثر من أجرة ثلاث سنوات مقدماً ، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك . ويترتب على عدم تسجيلها أنها لا تكون نافذة في حق الغير فيما زاد على مدة تسع سنوات بالنسبة إلى الإيجارات والسندات ، وفيما زاد على أجرة ثلاث سنوات بالنسبة إلى المخالصات والحوالة “( [15] ) .

ويتبين من هذا النص أن عقد الإيجار ، إذا كان واقعاً على عقار ، وكانت مدته تزيد على تسع سنوات( [16] ) ، لا يكفي لنفاذه في حق الغير أن يكون ثابت التاريخ قبل تلقي الغير لحقهن بل يجب أيضاً أن يكون مسجلا( [17] ) . أما إذا كانت مدة الإيجار لا تزيد على تسع سنوات ، فيكفي أن يكون ثابت التاريخ كما سبق القول . كذلك المخالصات بأكثر من أجرة ثلاث سنوات مقدماً والحوالة بها ، في إيجار العقار ، لا تكون نافذة في حق الغير إلا إذا كانت مسجلة( [18] ) . فإذا كانت بأجرة لا تزيد 196 على ثلاث سنوات مقدماً ، فإنه يكفي أن تكون ثابتة التاريخ ، فإن لم تكن ثابتة التاريخ فإنها تنفذ في حق الغير لمدة سنة واحدة فقط ( م 624 مرافعات ) .

156- من هو الغير الذي لا ينفذ الإيجار غير المسجل في حقه : المقصود بالغير هنا هو الغير بالمعنى المعروف في قانون تنظيم الشهر العقار . فالغير الذي يجوز له الاحتجاج بعدم تسجيل الإيجار الذي تجاوز مدته تسع سنوات هو الشخص الذي كسب حقاً في العقار المؤجر واجب الشهر ، وقام بشهره وفقاً للقانون قبل تسجيل عقد الإيجار . ويجوز أن يكون الحق الذي كسبه الغير في العقار المؤجر حقاً عينياً أصلياً ،( أيضا انظر في مقال محامي عقاري  )  كالمشتري والموهوب له والموصي له يكسبون حق الملكية ، وكمتلقي حق الانتفاع يكسب هذا الحق ، ويعتبر هؤلاء جميعاً من الغير من وقت تسجيل البيع أو الهبة أو الوصية أو السند الناقل لحق الانتفاع . كما يجوز أن يكون الحق الذي كسبه الغير حقاً عينياً تبعياً ، كالدائن المرتهن رهناً رسمياً أو رهناً حيازياً وكالدائن صاحب حق الاختصاص أو حق الامتياز ، ويعتبر هؤلاء جميعاً م الغير من وقت قيد الرهن أو الاختصاص أو الامتياز . ويجوز أخيراً أن يكون الحق الذي كسبه الغير حقاً شخصياً واجب الشهر ، كالمستأجر الذي تجاوز مدة إجارته تسع سنوات ويعتبر من التغير من وقت تسجي الإيجار ، وكالدائن العادي ويعتبر من الغير من وقت تسجيل تبينه نزع الملكية( [19] ) .

ونرى من ذلك أن الغير في تسجيل الإيجار يختلف قليلا عن الغير في ثبوت تاريخ الإيجار . فالدائن المرتهن والدائن صاحب حق الاختصاص أو حق الامتياز ، كل هؤلاء يعتبرون في التسجيل من الغير من وقت قيد حقوقهم ، وهم في ثبوت التاريخ لا يعتبرون من الغير إلا من وقت تسجي تنبيه نزع الملكية . فإذا فرضنا 197 مثلا دائناً مرتهناً رهناً رسمياً لعقار واجهه مستأجر لهذا العقار لمدة تزيد على تسع سنوات ، فإذا كان الدائن المرتهن قد قيد رهنه قبل تسجيل المستأجر لعقد الإيجار ، فإن الإيجار لا ينفذ في حقه إلا لتسع سنوات فقط ولو كان تاريخ الإيجار غير ثابت . فإذا سجل الدائن المرتهن تنبيه نزع الملكية ، فهنا لا يكون الإيجار نافذاً في حقه إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل تسجيل التنبيه .

يضاف إلى ذلك أن الغير هنا يستطيع أن يحتج بعدم تسجيل الإيجار حتى لو كان سيء النية أي يعلم بوجود الإيجار وقت تسجيله لحقه ، لأن سوء النية وحده لا يكفي لإفساد تسجيل سند الغير( [20] ) . أما الغير في ثبوت التاريخ فقد قدمنا أنه لا يستطيع أن يحتج بعدم ثبوت التاريخ إذا كان سيء النية أي يعلم بوجود الإيجار وقت تلقيه لحقه .

157- جزءا عدم تسجيل الإيجار : فإذا كان الإيجار الذي تزيد مدته على تسع سنوات غير مسجل أصلا ، أو سجل بعد تسجيل سند الغير ، فإنه لا ينفذ في حق الغير كما قررنا إلا لتسع سنوات فقط .

فمن أي وقت تبدأ مدة التسع السنوات؟ هل من وقت إبرام عقد الإيجار ، أو من وقت بدء مدة الإيجار ، أو من وقت كسب الغير لحقه؟ ولتوضيح المسألة نفرض أن المشتري للعقار المؤجر قد سجل البيع الصادر له في أول سنة 1960 ، ثم واجهه مستأجر لهذا العقار بعقد إيجار غير مسجل مدته عشرون سنة وقد أبرم هذا العقد في أول سنة 1955 ، على أن تب>ا مدة الإيجار في أول سنة 1956 . لا شك في أن عقد الإيجار هذا لا ينفذ في حق المشتري إلا لمدة تسع سنوات إذا كانت ثابت التاريخ قبل عقد البيع . فهل تبدأ هذه المدة من أول سنة 1955 تاريخ 198 إبرام الإيجار ، وعند ذلك تنتهي في آخر سنة 1963 ، فلا ينفذ الإيجار في حق المشتري بموجب هذا الحل إلا لمدة أربع سنوات من وقت تسجيل البيع( [21] )؟ أو تبدأ المدة من أول سنة 1956 وقت بدء مدة الإيجار ، وعند ذلك تنتهي في آخر سنة 1964 ، فينفذ الإيجار في حق المشتري بموجب هذا الحل لمدة خمس سنوات من وقت تسجيل البيع( [22] )؟ أو تبدأ المدة من أول سنة 1960 تاريخ تسجيل البيع ، وعند ذلك تنتهي في آخر سنة 1968 ، فينفذ الإيجار في حق المشتري بموجب هذا الحل لمدة تسع سنوات من وقت تسجيل البيع( [23] )؟

توزعت الآراء بين هذه الحلول الثلاثة ، والحل الذي نراه يتفق مع نص القانون هو الذي يخفض مدة الإيجار إلى تسع سنوات من وقت بدء المدة( [24] ) .

199 فيسري الإيجار من أول سنة 1956 ويبقى تسع سنوات أي إلى آخر سنة 1964 ، ومن ثم ينفذ في حق المشتري لمدة خمس سنوات من وقت تسجيل البيع( [25] ) .


( [1] )  والدقيق أن يقال عن ثبوت تاريخ الإيجار للاحتجاج به على الغير مسألة تتعلق بالإثبات ، أما تسجيل الإيجار لينفذ في حق الغير لمدة تزيد على تسع سنوات فمسألة تتعلق بالنفاذ في حق الغير ( انظر في هذا المعنى منصور مصطفى منصور فقرة 162 ) . وقد تجوزنا فجمعنا بين المسألتين تحت عنوان نفاذ الإيجار في حق الغير .

( [2] )  أما نفاذ عقد الإيجار في حق مستأجر من نفس المؤجر – وهذا ما يسمى بتزاحم المستأجرين من مؤجر واحد – فإنه لا يدخل في نطاق هذا البحث ، لأن المستأجر الذي يزاحم مستأجراً آخر من نفس المؤجر لا يعتبر بالنسبة إليه من الغير ، لا في معنى ثبوت التاريخ ولا في معنى التسجيل . وإنما هو متعرض للمستأجر يتمسك بحق يتعارض مع حقه ، ولذلك نص المشرع على هذه المسألة عندما عرض لضمان التعرض . فنتابعه في هذا الترتيب ، ونبحث مسأةل تزاحم المستأجرين والمفاضلة فيما بينهم عند الكلام في ضمان المؤجر للتعرض ( انظر في هذا المعنى الوسيط 2 فقرة 121 ص 222 هامش 1 ) .

( [3] )  انظر آنفاً فقرة 128 في الهامش .

( [4] )  ويترتب على أن الدائن العادي يحتج عليه بالإيجار ولو لم يكن ثابت التاريخ أن المستأجر ، وهو دائن عادي ، يحتج عليه بإيجار غير ثابت التاريخ صادر من نفس المؤجر . وقد قدمنا أنه إذا تزاحم لامستأجرون من مؤجر واحد ، فلا يعتبر أي منهم غرا بالنسبة إلى الآخرين ، وتكون المفاضلة فيما بينهم بحسب قواعد سيأتي بيانها ( انظر آنفاً فقرة 151 في الهامش – عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 77 ) .

( [5] )  انظر في كل ما تقدم الوسيط 2 فقرة 119 .

( [6] )  ويعتبر من الغير ، بمثابة خلف خاص ، جهة الوقف ، لأن ملكية العين الموقوفة انتقلت من مالكها إلى جهة الوقف وهي شخص معنوي مستقل عن الواقف . فلو أن عقار أوقف وواجه مستأجراً لهذا العقار ، فإن الإيجار لا يسري في حق الوقف إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل الوقف ( استئناف مختلط 12 يناير سنة 1926 م 28 ص 168 ) . ويستثنى من ذلك أن يكون المؤجر هو ناظر الوقف والمستحق الوحيد فيه ، إذ لا يتأثر بالإيجار غيره وقد صدر الإيجار منه هو ( عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 78 ص 122 هامش 4 ) .

( [7] )  أما إذا كان الإيجار واقعاً على منقول ، فإن الدائن يصبح من الغير من وقت الحجز على المنقول ، فلا ينفذ الإيجار في حقه إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل الحجز .

( [8] )  وتنص المادة 624 مرافعات على أن  “المخالصات عن الأجرة المعجلة والحوالة بها يحتج بها على الدائن الحاجز والدائنين المشار إليهم في المادة 637 والراسي عليه المزاد ، إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه ، وذلك بغير إخلال بأحكام القانون المتعلقة بالمخالصات الواجبة الشهر ، فإذا لم تكن ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه فلا يحتج بها إلا لمدة سنة ” .

( [9] )  أما الدائن إذا أفلس مدينه أو أعسر فلا يعتبر من الغير ، وينفذ في حقه الإيجار الصادر من المدين ولو لم يكن ثابت التاريخ ، على أن يكون له الحق في إثبات عدم صحة هذا التاريخ وإثبات التاريخ الحقيقي للإيجار ( انظر في هذه المسألة الوسيط 2 فقرة 123 ) .

( [10] )  بل يمكن القول إن العلم بالإيجار السابق يكون بمثابة تاريخ ثابت له ، فإن ثبوت علم الغير بالورقة العرفية يجعل لها تاريخاً ثابتاً له حجيته على هذا الغير من وقت علمه بالورقة ( الوسيط 2 فقرة 126 ص 243 هامش 2 عبد المنعم البدراوي 27 ) .

( [11] )  والعلم بالإيجار الذي يمنع من التمسك بوجوب ثبوت التاريخ يجب أن يكون علما يقينياً بجميع أركان الإيجار ، وبخاصة الأجرة والمدة ( عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 79 – سليمان مرقس فقرة 121 – عبد المنعم البدراوي 27 – منصور مصطفى منصور فقرة 162 ص 392 – عبد المنعم فرج الصدة فقرة 76 ص 107 ) .

( [12] )  ولما كان علم الغير واقعة مادية ، فإنه يجوز إثباتها بجميع الطرق ويدخل فيها البيئة والقرائن ( انظر عكس ذلك وأن الإثبات لا يكون إلا بالكتابة أو الإقرار أو اليمين عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 79 ص 126 ) .

( [13] )  لارمبيير 6 م 1328 فقرة 39 – لوران 25 فقرة 106 وفقرة 390 – جيوار 1 فقرة 363 – هيك 10 فقرة 344 . بودري وفال 1 فقرة 1282 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1485 – أوبري ورو وإسمان 12 فقرة 756 ص 245 – ص 246 وهامش 137 .

( [14] )  بودري وبارد 4 فقرة 2374 – أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 235 – سليمان مرقس فقرة 121 ، وفي أصول الإثبات فقرة 68 – عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 79 – عبد المنعم فرج الصدة فقرة 76 ص 107 وفي الإثبات فقرة 131 – الوسيط 2  فقرة 124 ص 223 هامش 1 .

( [15] )  انظر أيضاً م 2 من قانون التسجيل – وفي فرنسا يقضي قانون 23 مارس سنة 1855 ( م 2 رابعاً ) بموجب تسجيل الإيجار إذا زادت مدته على ثماني عشرة سنة . ثم صدر دكريتو 4 يناير سنة 1955 ( م 28 أولا ) فانقص المدة إلى اثنتي عشرة سنة . فيجب إذن تسجيل الإيجار إذا زادت مدته على اثنتي عشرة سنة .

( [16] )  وكذلك السندات التي ترد على منفعة العقار كما جاء في صدر المادة 11 من قانون تنظيم الشهر العقاري ، ومثل هذه السندات العارية إذا وردت على عقار لمدة تزيد على تسع سنوات .

( [17] )  وكذلك الإيجار من الباطن ، إذا زادت مدته على تسع سنوات ، لا ينفذ في حق الغير ( كمشتر للعين من المؤجر الأصلي ) إلا إذا كان مسجلا ( محمد كامل مرسي فقرة 78 ص 86 ) .

( [18] )  فإذا لم تكن مسجلة ، فإنها لا تسري إلا لمدة ثلاث سنوات فقطز وليس من الضروري أن تكون المخالصة الواجبة للتسجيل متعلقة بإيجار خاضع للتسجيل أي بإيجار مدته تزيد على تسع سنوات ( محمد كامل مرسي فقرة 79 ) .

( [19] )  وقد قضت محكمة النقض بأن المستأجر لا يجوز له أن يتمسك بأن إجراءات قسمة العقار الذي منه العين المؤجرة له لا تكون حجة عليه إذا هي لم تتم في مواجهته ، لأنه ليس بذي حق عيني على العقار ، وحقه باعتباره مستأجراً هو حق شخصي . وتسجيل عقد الإيجار لا أثر له إلا أن يحتج به قبل من انتقلت إليه ملكية العين المؤجرة من المالك المؤجر له في حدود أحكام القانون ، لا أن يحتج به هو على المالك إذا صدر باطلا ممن لا حق له في التأجير أو تجاوز حدود حقه في الإدارة كما هو الحال في هذه الدعوى ( نقض مدني 10 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 98 ص 257 ) .

( [20] )  بل يجب أن يكون متواطئاً مع المالك ، فإن التواطؤ وحده هو الذي يفسد تسجيل سند الغير . وقد بحثنا هذه المسألة عند الكلام في البيع ( الوسيط 4 فقرة 290 والمراجع المشار إليها )* . وفي خصوص عقد الإيجار يوجد من الفقهاء في مصر من لا يزال يتشرط حسن نية الغير حتى لا يفسد تسجيله ( عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 85 ) . ومنهم ، على العكس من ذلك ، من يرى أن التواطؤ ذاته لا يفسد تسجيل سند الغير ( سليمان مرقس فقرة 122 – منصور مصطفى منصور فقرة 163 ص 393 وفقرة 72 ص 125 – ص 126 – عبد المنعم فرج الصدة فقرة 87 ص 112 – ص 113 ) .

( [21] )  انظر من هذا الرأي سليمان مرقس فقرة 123 ص 212 – ص 214 .

( [22] )  انظر من هذا الرأي بون ( Pont ) في الرهون الرسمية فقرة 260 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 3301 – الإيجار للمؤلف فقرة 472 ص 581 هامش 2 – محمد علي إمام فقرة 51 ص 124 – ص 125 – عبد المنعم فرج الصدة فقرة 79 ص 116 – ص 117 – نقض فرنسي 20 أغسطس سنة 1940 ( داللوز الانتقادي Dalloz crit . ) 1942 ص 49 – استئناف مختلط 12 يناير سنة 1926 م 38 ص 168 .

( [23] )  انظر من هذا الرأي روديير ( Rodiere ) في تعليقه على حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 20 أغسطس سنة 1940 داللوز الانتقادي 1942 ص 49 وهو الحكم السابق الإشارة إليه ) – محمد علي عرفه في مقال منشور في مجلة القانون والاقتصاد 18 ص 581  – عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 83 ص 132 – ص 133 ، وفي التأمينات الشخصية والعينية فقرة 281 – محمد كامل مرسي فقرة 78 ص 86 – عبد المنعم البدراوي ص 29 – ص 30 – منصور مصطفى منصور فقرة 164 ص 397 – محمد لبيب شنب فقرة 106 ص 141 – علي البارودي ص 62 .

( [24] )  فنص المادة 11 من قانون تنظيم الشهر العقاري يجري على الوجه الآتي :  ”  . . . ويترتب على عدم تسجيلها أنها لا تكون نافذة في حق الغير فيما زاد على مدة تسع سنوات  . . . ” ، أي أن الإيجار الذي تزيد مدته على تسع سنوات لا يسري فيما زاد من هذه المدة على تسع سنوات ، فيجب إذن تخفيض مدة الإيجار إلى تسع . ونص الفقرة الثانية من المادة 1045 مدني يجري على الوجه الآتي :  “وإذا كان الإيجار السابق على تسجيل التنبيه تزيد مدته على تسع سنوات ، فلا يكون نافذاً في حق الدائن المرتهن إلا لمدة تسع سنوات . . ” ، أي أن الإيجار الذي تزيد مدته على تسع سنوات لا يكون نافذاً إلا لمدة تسع ، ويكون ذلك بتخفيض مدة الإيجار الأصلية إلى تسع ، والنص واضح في هذه المعنى ( انظر عكس ذلك وأن هذا النص صريح في أن مدة التسع السنوات تبدأ من تاريخ كسب الغير لحقه عبد المنعم البدراوي ص 29 ) .

( [25] )  وإذا صدرت عقود إيجار مترادفة ثابتة التاريخ من المال لمستأجر واحد ، كل عقد لمدة لا تزيد على تسع سنوات ، فالظاهر أن المالك قد قصد بسلوك هذا الطريق غير المألوف التحايل لجعل هذه العقود جميعاً تنفذ في حق المشتري ولو جاوز مجموع مدتها تسع سنوات . وفي هذه الحالة يمكن اعتبار هذه العقود المترادفة بمثابة عقد واحد ، فلا تسري جميعها إلا لمدة تسع سنوات . وكذلك لو صدرت العقود المترادفة لمستأجرين مختلفين وظهر التحايل ، فتسري باعتبارها عقداً واحداً لمدة تسع سنوات بحسب ترتيبها . ومثل ذلك لو صدر عقد إيجار وجدد ، وكانت المدة الباقية من الإيجار الأصلي مضافة إلى الإيجار الجديد تزيد على تسع سنوات ( محمد علي عرفة في مقالة بمجلة القانون والاقتصاد 18 ص 580 – ص 582 ) .

أما إذا صدر الإيجار لمستأجرين عن نفس المدة وتزاحماً ، فنبدأ ، فنبدأ أولا بالمفاضلة بينهما ، ومن يفضل منهما على الآخر هو الذي يسري عقده لمدة لا تزيد على تسع سنوات ( قارن عبد الفتاح عبد الباقي فقرة 84 ص 134 هامش 1 ) .

\محامي الأردن 

منشور في مقال توكيل محامي

اذا كان لديك ملاحظة اكتبها هنا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s