حجية الورقة الرسمية في الإثبات
88 ـ افتراض صحة الرسمية : متى كانت المظاهر الخارجية للورقة تنبئ أنها ورقة رسمية ، اعتبرت كذلك إلى أن يثبت ذو المصلحة أنها ليست لها صفة الرسمية لبطلانها أو لتزويرها ، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الطعن بالتزوير إلا إذا جاز إثبات البطلان عن طريق آخر .
وبذلك يتم للورقة الرسمية السليمة في مظهرها قرينتان : قرينة بسلامتها المادية ، وأخرى بصدورها من الأشخاص الذين وقعوا عليها وهم الموظف العام وأصحاب الشأن([1]) . فهى إذن ، حتى يطعن فيها بالتزوير ، حجة بسلامتها المادية وبصدروها ممن صدرت منه دون حاجة إلى الإقرار بها . وهذا علا خلاف الورقة العرفية ، فسنرى أنها لا تكون حجة بما فيها قبل الإقرار بها([2]) .
لكن إذا كانت المظاهر الخارجية للورقة تدل في ذاتها على أن بها تزويراً واصحاً كوجود كشط فيها أو حبر مختلف في اللون أو نحو ذلك ، أو على أنها 144 ورقة رسمية باطلة كعدم توقيعها من الموثق أو من أصحاب الشأن أو كوضوح أن الموثق غير مختص موضوعاً بتوثيقها ، جاز للقاضى أن يرد الورقة ، بإعتبارها مزورة باطلة([3]) . وقد نصت المادة 260 من تقنين المرافعات على ما يأتي : (( للمحكمة أن تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والتحشير وغير ذلك من العيوب المادية في الورقة من إسقاط قيمتها في الإثبات أو إنقاصها . وإذا كانت صحة الورقة محل شك في نظر المحكمة ، جاز لها من تلقاء نفسها أن تدعو الموظف الذى صدرت عنه أو الشخص الذى حررها ليبدى ما يوضح حقيقة الأمر فيها )) ([4]) .
89 ت مسائل ثلاث في حجية الورقة الرسمية : فإذا خلص للورقة صفتها الرسمية على النحو المتقدم ، كان لها في أصلها وفي صورها ، حجية في الإثبات إلى مدى بعيد ، فيما بين الطرفين ، وبالنسبة إلى الغير .
فنتكلم إذن في مسائل ثلاث : (1) حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين (2) حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير (3) حجية الورقة الرسمية فيما يتعلق بصورها .
المبحث الأول
حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين
90 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 391 من التقنين المدني على ما يأتي :
(( الورقة الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بـها محـررها 145 في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً )) ([5]) .
ويقابل هذا النص في التقنين المدني القديم المادة 226/291([6]) ـ ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في قانون البينات السورى المادة السادسة ، وفي التقنين المدنى العراقي المادة 451 ، وفي تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني المواد من 156 إلى 159 ، وفي التقنين المدني الليبى المادة 378([7]) ـ
146 ويقابل في التقنين المدني الفرنسي المادة 1319([8]) .
ويتبين من هذه النصوص :
( أولا ) أن الورقة الرسمية حجة على الناس كافة . وسنتناول هنا حجيتها فيما بين الطرفين ، على أن تكلم فيما يلى في حجيتها بالنسبة إلى الغير .
( ثانياً ) أن الورقة الرسمية حجة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً . ويتضح من هذا أن هناك نوعين من البيانات في الورقة الرسمية : (1) بيانات تكون للورقة الرسمية فيها حجية إلى أن يطعن في الورقة بالتزوير 147 (2) بيانات دون ذلك فى القوة ، فهى ككل بيان يثبت في ورقة مكتوبة يعتبر صحيحاً حتى يوقم الدليل على ما يخالفه ([9]) . وقد كان المشروع التمهيدى يتضمن فقرة في هذا المعنى حذفت في لجنة الشيوخ اكتفاء بتطبيق القواعد العامة . فعلينا إذن أن نبحث : (1)
91 ـ حجية الورقة الرسمية حتى يطعن فيها بالتزوير : تكون للورقة الرسمية حجية في الإثبات حتى يطعن فيها بالتزوير ، وذلك فيما دون فيها من أمور قام بها الموثق في حدود مهمه أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره . فهناك إذن طائفتان من البيانات لها هذه الحجية : بيانات عن الأمور التى قام بها الموثق في حدود مهمته ، وبيانات عن أمور وقعت من ذوى الشأن في حضوره.
أما الأمور التى قام بها الموثق في حدود مهمته وبينها فى الورقة الرسمية التى وثقها فكثيرة . من ذلك تأكده من شخصية المتعاقدين بشهادة شاهدين أو بستند رسمى ، وتثبته من أهلية المتعاقدين ورضائهما ، وصدور الكتابة منه ، والبيانات العامة التى أثبتها في الورقـة وهـى التاريخ ([10]) واسم الموثق وبيان ما إذا كان التوثيق قد تم في المكتب أو في مكان آخر وحضور شاهدين واسم كل منهما وحضور أصحاب الشأن وأسماؤهم وحضور المترجم والمعين عند الاقتضاء وتلاوته الورقة لذوى الشأن والتوقيعات التى تحملها الورقة([11]) .
148 أما البيانات عن الأمور التى وقعت من وذى الشأن فى حضوره فأكثرها يتعلق بموضوع الورقة الرسمية التى قام بتوثيقها ، أي البيانات الخاصة بهذه الورقة بالذات . فإن كان الموضوع بيعاً ، فإن الموثق يثبت في الورقة أن البائع قرر أنه يبيع والمشترى دفع الثمن إلى البائع أمام الموثق فيذكر الموثق ذلك في الورقة الرسمية . كل هذه البيانات التى وقعت من ذوى الشأن في حضور الموثق وأثبتها في الورقة ، بعد أن أدركها بالسمع أو بالبصر de visu aut de auditi ، تكون لها ححية في الإثبات إلى أن يطعن فيها بالتزوير([12]) .
وسواء كانت البيانات متعلقة بالأمور التى قام بها الموثق أو بالأمور التى وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، فلا بد حتى تثبت لها هذه الحجية أن تكون في حدود مهمة الموثق . فإذا خرجت عن هذه الحدود ، كأن أثبت الموثق أن أصحاب الشأن أقارب أو أن أحدهم يبلغ كذا من العمر أو أنهم قرروا أمامه أنهم أجانب أقاموا مدة معينة في البلاد ، فلا تكون لهذه البيانات حجية لأنها لا تدخل في مهمة الموثق([13]) .
149 وقد حصرت على هذا النحو في دائرة محدودة البيانات التى تكون لها حجية لا تدحض إلا إذا لجأ من ينكرها إلى طريق الطعن بالتزوير . ذلك أن طريق الطعن بالتزوير طريق معقد محفوف بالمصاعب والمخاطر ، وقد رسم له تقنين المرافعات إجراءات ومواعيد دقيقة شدد فيها من التزامات الطاعن بالتزوير، وفرض عليه غرامة إذا حكم بسقوط ادعائه أو برفض هذا الادعاء([14]). وليس أمام من تحتم عليه الطعن بالتزوير إلا سلوك هذا الطريق ، فليس له أن يستجوب خصمته تمهيداً للحصول على إقرار منه ، ولا أن يوجه له اليمين الحاسمة ، ولا أن يطلب إحالة الدعوى على التحقيق بغير الطريق المرسوم للطعن بالتزوير ، 150 ولا أن يطلب إثبات وقائع تتعارض مع البيانات الثابتة بالورقة الرسمية حتى لو كان يتمسك بمدبأ ثبوت بالكتابة ويريد أن يستكمله بالبينة أو بالقرائن([15]) .
151 وله أن يطعن بالتزوير في أية حالة كانت عليها الدعوى ، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف([16]) ، ولكن لا لأول مرة أمام محكمة النقض ، وذلك كله بشرط ألا يكون الطعن بالتزوير كيدياً([17]) .
92 ـ حجة الورقة الرسمية حتى يقوم الدليل على العكس أما ما أثبته الموثق في الورقة الرسمية باعتباره وارداً على لسان ذوى الشأن من بيانات ، فلا تصل الحجية فيه إلى حد الطعن بالتزوير . بل يعتبر ما ورد من ذلك صحيحاً في ذاته إلى أن يثبت صاحب المصلحة عكسه بالطرق المقررة فى قواعد الإثبات([18]) . ومن هذه القواعد أه لا يجوز إثبات عكس ما بالورقة المكتوبة إلا بالكتابة أو بمبدأ ثبوت بالكتابة مستكملا بالبينة أو بالقرائن . فلا يجوز إذن إثبات عكس ما ورد في الورقة الرسمية على لسان ذوى الشأن إلا إذا كانت هناك كتابة تثبت هذا العكس ، أو القليل مبدأ ثبوت بالكتابة تعززه البينة أو القرائن([19]) .
152 والأصل في هذه المسألة أن كل طعن في بيان وارد بورقةرسمية ، يتضمن مساساً بأمانة الموثق وصدقه ، لا يكون إلا عن طريق الطعن بالتزوير كما رأينا . ذلك أن اختيار الموظف العام خاضع لشروط تتوافر بها الثقة فيه ، وهو معرض لعقوبات قاسية فيما إذا أحل بهذه الثقة([20]) . أما الطعن الذى لا يتضمن مساساً بأمانة الموثق أو بصدقه فيكفى فيه إثبات العكس على النحو الذى قررناه .
ومن ثم يكون البيان المتعلق بتأكد الموثق من شخصية المتعاقدين وبتثبته من أهليتهما ورضائهما لا يجوز إنكاره إلا بطريق الطعن بالتزوير كما قدمنا . ولكن إذا اقتصر المدعى على إنكار شخصية المتعاقدين أو إنكار توافر الأهلية فيهما أو إنكار أن رضاءهما صحيح غير مشوب بعيب ، دون أن يتعرض لتثبت الموثق من كل ذلك ، جاز أن يثبت ما يدعيه بالطرق المقررة دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ، لأن المدعى لا تشكك في ذمة الموثق ، إذ هو يسلم أن الموثق قد تأكد من كل ذلك ، ولكن بالرغم من هذا التأكد فإنه قد أخطأ عن حسن نية .
وكذلك البانات العامة التى يثبتها الموثق بعضها لا يجوز إنكاره بتاتاً إلا بطريق الطعن بالتزوير ، كتاريخ الورقة الرسمية الذى يعتبر تاريخاً ثابتاً كما قدمنا ، واسم الموثق ، وبيان ما إذا كان التوثيق قد تم في المكتب أو في مكان آخر ، وحضور الشهود ، وحضور أضحاب الشأن ، والتوقيعات ، وقد تقدم ذكر ذلك . أم حقيقة أسماء أصحاب الشأن وأسماء الشهود وحقيقة ألقابهم وصناعاتهم ومحال إقامتهم ، فما قرروه من ذلك فى الورقة الرسمية له ناحيتان : واقعة التقرير في ذاته أى صحة الأسماء والألقاب والصناعات ومحال الإقامة وهذه يكفى فيها إثبات العكس لأن الإنكار في هذا كله لا يمس أمانة الموثق إذ هو لم يكتب إلا ما قرره هؤلاء على عهدتهم ، صادقين كانوا أو كاذبين .
153 ثم إن البيانات الخاصة بموضوع الورقة الرسمية لها أيضاً ناحيتان : واقعة التقرير ـ أي أن أصحاب الشأن قرروا أمام الموثق كذا وكذا ـ وهذه لها حجية إلى حد الطعن بالتزوير ، ثم صحة التقرير في ذاته وهذه يجوز إنكارها وإثبات العكس لأن ذلك لا يمس أمانة الموثق . مثل ذلك أن يثبت الموثق أن أحد المتعاقدين قرر أنه باع للمتعاقد الآخر داراً وقرر المتعاقد الآخر أنه اشترى هذه الدار ، فواقعة التقرير من بيع وشراء لها حجية إلى حد الطعن بالتزوير ، ولكن هذا لا يمنع ذا المصلحة ، وهو لا يتعرض لواقعة التقرير في ذاتها ولا يمس بذلك أمانة الموثق ، من أن يتمسك بأن هذا البيع صورى بالرغم من أن المتعاقدين قررا أمام الموثق غير ذلك ، وله أن يثبت هذه الصورية بالطرق المقررة قانوناً دون حاجة إلى الطعن بالتزوير . ولو أثبت الموثق أن المشترى دفع أمامه الثمن وقدره كذا إلى البائع ، فواقعة دفع مبلغ قدره كذا له حجية إلى حد الطعن بالتزوير ، ولكن هذا ذا المصلحة من إثبات أن الدفع بالرغم من صحة واقعته فى ذاتها كان دفعاً صورياً ، بأن كانت النقود هى نقود البائع وأعطاها للمشترى ليسلمها هذا له أمام الموثق([21]) ، أو بأن النقود التى دفعها المشترى أمام الموثق أعادها له البائع بعد خروجهما ، وله أن يثبت ذلك بالطرق المقررة قانوناص دون حاجة إلى الطعن بالتزوير لأنه لا يمس في اعائه هذا أمانة الموثق([22]) .
154 وكذلك قيام التصرف القانونى ذاته وصحته التى تفترض توافر الأهلية والخلو من عيوب الرضاء ووجود محل صالح وسبب مشروع ، ونفاذ التصرف القانوني فيما بين الطرفين وفي حق الغير ، كل ذلك لا شأن له بما قرره الموثق من وقع التصرف ، فلكل ذى مصلحة أن ينازع في أية مسألة من هذه وعليه إثبات ما يدعيه وفقاً للقواعد المقررة قانوناً([23]) .
المبحث الثاني
حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير
93 ـ قاعدة عامة : رأينا أن المادة 391 من التقنين المدني تقضى بأن الورقة الرسمية حجة على الناس كافة. فهى إذن حجة بما جاء فيها ، لا على أصحاب الشأن وحدهم ، بل هى أيضاً على الغير([24]) .
وقد رأينا فيما تقدم كيف تكون حجة على أصحاب الشأن ، فبسطنا متى تقوم هذه الحجية إلى حد الطعن بالتزوير ومتى تقوم حتى يقدم الدليل على العكس .
ونستعرض هنا بالنسبة إلى الغير ما قدمناه بالنسبة إلى أصحاب الشأن ، فنذكر متى تكون الورقة الرسمية حجة على الغير إلى حد الطعن بالتزوير ، ومتى تكون حجة على الغير حتى يقوم الدليل على العكس .
155 94 ـ حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير إلى حد الطعن بالتزوير :
قد تكون هناك محل للاحتجاج على الغير بالورقة الرسمية . مثل ذلك مدين يبيع داراً له بورقةرسمية ، ويدعى الدائن أن هذا البيع الرسمى لم يصدر من مدينه ليتمكن بذلك من التنفيذ بحقه على الدار المبيعة . ومثل ذلك أيضاً مؤجر العقار يبيعه بورقة رسمية ، ويدعى المستأجر أن البيع لم يصدر من المؤجر وذلك حتى يقى في العين المؤجرة فلا يخرجه منها المشترى بالرغم من أن عقد الإيجار غير ثابت التاريخ ([25]) . أو يثبت مؤجر العقار الذى باعه الخالصة بالأجرة عن مدة مستقبلة فى ورقة رسمية ، فينكر المشترى صدور هذه المخالصة من المؤجر ليتمكن بعد أن يستبقى المستأجر فى العين من مطالبته بهذه الأجرة([26]) .
فى هذه الفروض وغيرها تكون للورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير عين الحجية التى لها فيما بين الطرفين على النحو الذى قدمناه . فيستطيع المشترى من المدين ، فى المثل الأول ، أن يحتج بالبيع الرسمى على دائن البائع ، ولا يجوز للدائن ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر ما ورد فى الورقة الرسمية من أمور قام بها الموثق فى حدود مهمته أو بيانات وقعت من ذوى الشأن فى حضوره ، كصدور البيع من المدين وتاريخ الورقة الرسمية وحضور الشهود وصحة التوقيعات وما ذكره الموثق من أن المشترى دع أمامه الثمن إلى المدين وغير ذلك من الأمور التى فصلناها فيما تقدم فى صدد الكلام فى حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين . كذلك فى المثل الثاني لا يجوز للمستأجر ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر ما ورد فى ورقة البيع الرسمية الصادرة من المؤجر على النحو الذى قدمناه . وفى المثل الثالث لا يجوز للمستأجر ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر ما ورد فى ورقة البيع الرسمية الصادرة من المؤجر على النحو الذى قدمناه . وفى المثل الثالث لا يجوز للمشترى ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر المخالصة بالأجرة الصادرة من المؤجر إلى المستأجر .
وظاهر من الأمثلة التى قدمناها أن الغير الذى يحتج عليه بالورقة الرسمية هو نفس الغير الذى يحتج عليه بالتصرف القانوني ، فهو في المثلين الأولين الدائن وفى المثل الأخير الخلف الخاص.
ولما كان التصرف القانونى سارياً في حقه ، فقد 156 وجب إثباته بالنسبة إليه ، فيثبت بالورقة التى أثبت فيها التصرف على النحو الذى قدمناه([27]) .
95 ـ حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير حتى يقوم الدليل على العكس : ولكن حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير ، كحجيتها فيما بين الطرفين ، لا تمنع الغير من إنكار صحة الوقائع التى أثبتها الموثق فى ذاتها ، دون أن يتعرض فى ذلك لأمانة الموثق أو صدقه . ولا يحتاج فى ذلك إلى الطعن بالتزوير ، بل يكفى أن يقيم الدليل على العكس بالطرق المقررة قانوناً . وله أن ينازع فى صحة التصرف أو فى نفاذه فى حقه وفقاً للقواعد التى قررها القانون . فدائن البائع له أن يطعن بالصورية في البيع الرسمى الصادر من مدينه ، وأن يثبت هذه الصورية بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن لأنه من الغير([28]) . كذلك المستأجر له أن يطعن بالصورية فى البيع الرسمى الصادر من المؤجر ، وأن يثبت الصورية بجميع الطرق لأنه من الغير ، وله أيضاً دون أن يطعن فى البيع 157 بالصورية أن يتمسك بأنه لا يسرى فى حقه لأن عقد الإيجار ثابت التاريخ الصادرة من المؤجر إلى المستأجر بالصورية على النحو الذى قدمناه ، كما يستطيع باسم البائع أن يطعن فيها بالغلط أو بالتدليس أو بالإكراه أو بنقص الأهلية أو بغير ذلك من العيوب التى تشوب التصرف القانوني .
ونرى من ذلك أن حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير هى ذات حجيتها فيما بين الطرفين . وكل ما ذكرناه هناك يسرى هنا([29]) .
158 المبحث الثالث
حجية الورقة الرسمية فيما يتعلق بالصور
96 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 392 من التقنين المدني على ما يأتى :
(( 1 ـ إذا كان أصل الورقة الرسمية موجوداً ، فان صورتها الرسمية ، خطية كانت أو فوتوغرافية ، تكون حجة بالقدر الذى تكون فيه مطابقة للأصل )) .
(( 2 ـ وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين . وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل )) .
وتنص المادة 393 على ما يأتى :
(( إذا لم يوجد أصل الورقة الرسمية ، كانت الصورة حجة على الوجه الآتى :
ا ) يكون للصور الرسمية الأصلية ، تنفيذية كانت أو غير تنفيذية ، حجية الأصل متى كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل . ب ) ويكون للصور الرسمية المأخوذة من الصور الأصلية الحجية ذاتها ، ولكن يجوز فى هذه الحالة لكل من الطرفين أن يطلب مراجعتها على الصورة الأصلية التى أخذت منها . جـ ) أما ما يؤخذ من صور رسمية للصور المأخوذة من الصور الأصلية فلا يعتد به إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف )) ([30]) .
159 ويقابل هذان النصان فى التقنين المدنى القديم المادة 231/ 296([31]) ـ ويقابلان فى القنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادتان السابعة والثامنة ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد من 452 إلى 454 ، وفى تقنين 160 أصول المحاكات المدنية اللبناني المواد من 173 إلى 176 ، وفى التقنين المدني الليبى المادتين 379 و 380 ([32]) ـ ويقابلان فى التقنين المدنى الفرنسى المادتين 161 1334 و 1335([33]) .
162 97 ـ الأصل والصورة : وتعرض هذه النصوص لحجية صور الورقة الرسمية . ذلك أن كل ما قدمناه فى حجية الورقة الرسمية إنما يرد فى حجية أصل الورقة لا فى حجية صورها . والرفق بين الأصل والصورة أن الأصل هو الذى يحمل التوقيعات إذ أن جميع من وقعوا الورقة الرسمية إنما وقعوا على الأصل ، هذا إلى أن الأصل هو الورقة بعينها التى صدرت من الموثق . أما صورة الورقة الرسمية فهى لا تحمل التوقيعات وليست هى التى صدرت من الموثق ، بل هى منقولة عن الأصل بواسطة موظف عام مختص ، فهى من هذه الناحية ورقة رسمية ولكن رسميتها فى أنها صورة لا فى أنها أصل ([34]) . والمفروض أنها مطابقة للأصل مطابقة تامة ، بما ورد فى الأصل من بيانات وما يحمله من توقيعات .
ولا فرق بين الصورة الخطية والصورة الفوتوغرافية ما دامـت كلتاهمـا صـورة 163 رسمية ، بل لعل الصورة الفوتوغرافية هى الأدق من الناحية الفعلية([35]) .
أما إذا كانت صورة الورقة الرسمية ليست هى ذاتها صورة رسمية بل صورة عرفية ، فليست لها أية حجية .
وتقل حجية الصورة الرسمية عن حجية الأصل . ولبيان ذلك يجب أن نميز بين فرضين : (أولا) إذا كان الأصل موجوداً (ثانياً) إذا كان الأصل غير موجود([36]) .
98 ـ حجة الصورة إذا كان الأصل موجوداً : بينا فيما تقدم أن أصل الورقة الرسمية يبقى محفوظاً فى مكتب التوثيق الذى وثق الورقة . ومن ثم كانت الحالة الغالبة فى حجية اصورة هى حالة ما إذا كان الأصل موجوداً ، إذ قل أن ينعدم هذا الأصل .
وإذن يشترط لقيام هذا الفرض شرطان : (1) أن يكون أصل الورقة الرسمية موجوداً حتى يمكن الرجوع إليه عند الحاجة . (2) أن تكون الورقة التى يحتج بها ليست هى هذا الأصل ، بل صورة من الأصل . ولكن يشترط فى هذه الصورة أن تكون صورة رسمية ، فلو كانت صورة عرفية فلا يعتد بها كما قدمنا . ويكفى أن تكون صورة رسمية ، دون حاجة إلى أن تكون صورة مأخوذة من الأصل بطريق مباشر . فقد تكون مأخوذة مباشرة من الأصل ، وفى هذه الحالة قد تكون هى الصورة التنفيذية (grosse) أوتكون صورة أولى بسيطة (expedition) . وقد تكون مأخوذة من صورة مأخوذة من الأصل ، أو من صورة مأخوذة عن صورة من الأصل ، أياً كان عدد الصور الرسمية التى توسطت بينها وبين الأصل . فما دام الأصل (minute) موجوداً فإنه يكفى فى الصورة أن 164 تكون صورة رسمية فحسب ، إذ يمكن دائماً مضاهاتها على الأصل .
ومتى توافر هذان الشرطان ، كان للصورة الرسمية ، خطية كانت أو فوتوغرافية، حجية فى الإثبات بفضل قرينة قانونية وردت في الفقرة الثانية من المادة 390، إذ قضى هذا النص بأن (( تعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين ، وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل )) .
ومن ذلك يتبين أن القرينة هنا قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس .
فهى أولا قرينة قانونية على المطابقة . وصاحب المصلحة يقتصر على تقديم الصورة . وهى التى تكون معه غالباً ، دون الأصل المودع فى مكتب التوثيق . وعند ذلك يعتبرها القاضى مطابقة للأصل دون أى تحقيق ، ويجعل لها حجية الإثبات التى للأصل على التفصيل الذى قدمناه . ولكن الحجية هنا إنما تأتى من افتراض مطابقة الصورة للأصل ، فهى إذن حجية مستمدة من الأصل لا من الصورة .
وهى ثانياً قرينة قابلة لإثبات العكس . فللخصم أن ينازع فى مطابقتها للأصل . ومجرد المنازعة يكفى لإسقاط القرينة([37]) .
وعند ذلك يتعين على المحكمة تحقيق 165 مطابقة الصورة المقدمة لأصلها . وتصدر لهذا الغرض قراراً بضم الأصل إلى ملف الدعوى ، وينتقل القاضى المنتدب إلى مكتب التوثيق ، ويحرر بحضوره صور مطابقة للأصل ويحرر بذيلها محضر يوقعه القاضى والموثق وكاتب المحكمة ، ثم يضم الأصل إلى ملف النزاع ، وتقوم الصورة مقام الأصل إلى ملف الدعوى أمكن للمحكمة مضاهاة الصورة عليه ، فان وجدت مطابقة للأصل ثبتت لها حجيته ، وإلا استبعدت وبقى الأصل هو المستند فى الدعوى بحجيته المعروفة .
وهذا الذى قررناه فى شأن حجية الصورة الرسمية إذا كان الأصل موجوداً هو ما كان متبعاً دون نص فى التقنين المدنى السابق([38]) .
166 99 ـ حجية الصورة إذا كان الأصل غير موجود : هذا يميز التقنين المدنى الجديد (م 393) بين حالات ثلاث : (1) حالة الصور الرسمية الأصلية ، أى الصور الرسمية المأخوذة مباشرة من الأصل . (2) حالة الصور الرسمية المأخوذة من الصور الرسمية الأصلية (3) حالة الصور الرسمية المأخوذة من الصور الرسمية للصور الرسمية الأصلية .
وأصل الورقة الرسمية لا يفقد إلا نادراً كما قدمنا ، إذ هو دائماً محفوظ فى مكتب التوثيق أو فى قلم كتاب المحكمة الذى وثقه وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . ولكن يقع أن يفقد الأصل إذا قدم العهد به ، أو قبل ذلك بسبب حريق أو سرقة أو أى عارض آخر . ويقع على الخصم المتمسك بالصورة عبء إثبات فقد الأصل([39]) .
100 ـ حجية الصور الرسمية الأصلية : وهذه كما قدمنا الصور الرسمية التى تنقل مباشرة من الأصل (original, minute) وتشمل : (أولا) الصورة التنفيذية ، وهى الصورة الرسمية التى تنقل مباشرة من الأصل وتوضع عليها الصيغة التنفيذية ، ولا تعطى إلا لأصحاب الشأن ، ومرة واحدة ، فلا يجوز تسليم صورة تنفيذية ثانية إلا بقرار من قاضى الأمور المستعجلة ( م 9 قانون التوثيق ) . ويسميها الفرنسيون (grosse) لأنها تكتب بحروف مكبرة ، بخلاف الأصل والصور الأخرى فهى تكتب بحروف عادية . ( ثانياً ) الصورة الأصلية الأولى (premiere expedition) ، وهى التى تنقل من الأصل عقب التوثيق لإعطائها لذوى الشأن دون أن توضع عليها الصيغة التنفيذية . وهى لا تعطى إلا لذى شأن([40])، ويؤشر الموثق بالتسليم فى أصل المحرر ويوقع هذا التأشير ( م 8 قانون التوثيق و م 19 لائحة قانون التوثيق ) . ( ثالثاً ) الصورة الأصلية البسيطة (simple expedition) ، وتنقل هى أيضاً مباشرة من الأصل ، 167 ولكنها لا تنقل إلا بعد التوثيق بمدة من الزمن . ويجوز دائماً إعطاؤها لذوى الشأن . ولا يجوز إعطاؤها للغير إلا بعد الحصول على إذن من قاضى الأمور الوقتية بالمحكمةالتى يقع مكتب التوثيق فى دائرتها ( م 8 قانون التوثيق ) . ( رابعاً ) الصورة الرسمية التى تحرر بحضور القاضى المنتدب عند صدور قرار من سلطة قضائية بضم الأصل إلى ملف الدعوى . وهو صورة تحرر مطابقة للأصل ، ويحرر بذيلها محضر يوقعه القاضى والموثق وكاتب المحكمة ، وتقوم مقام الأصل إلى حين رده كما سبق القول ( م 10 فقرة 2 قانون التوثيق ) .
هذه كلها صور رسمية أصلية ، ولها جميعاً حجية واحدة هى حجية الأصل المفقود ، وذلك متى كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل([41]) . أما إذا كان المظهر الخارجى للصورة يبعث على الشك فى أن يكون 168 قد عبث بها ، كما إذا وجد كشط أو محو أو تحشير أو نحو ذلك ، فان الصورة تسقط حجيتها فى هذه الحالة([42]) .
ويتبين من ذلك أن الصورة الرسمية الأصلية سليمة المظهر الخارجى تكون لها حجية الأصل على النحو الذى قدمناه . وتستمد هذه الحجية ، لا من الأصل فهو غير موجود فرضاً ، بل منها ذاتها([43]) ، وذلك بالرغم من أنها لا تحمل توقيع الخصم ولا تمكن مضاهاتها على الأصل المفقود . ومن ثم ندرك ما ينطوى عليه هذا الحكم من جرأة . ومن أجل هذا اتجه رأى لجنة مجلس الشيوخ فى البداية إلى استبعاد ، (( لأن فى بقائه خطورة إذ قد تكون الورقة خالية من الشوائب فى مظهرها
الخارجى ولكنها لا تطابق الأصل ، وعدم وجود هذا 169 الأصل سيكون حائلا دون تحقيق صحتها ، وإعطاؤها قوة الأصل فيه خطورة كبيرة )) . ولكن اللجنة عدلت عن هذا الرأة ، واستبقت الحكم بعد استيثاقها م أنه هو الحكم الصحيح ، وإن كان يعتبر استثناء من القواعد العامة([44]) .
101 ـ حجية الصور الرسمية المأخوذ من الصورة الرسمية الأصلية : وهذه ليست الصور الرسمية الأصلية (expeditions) التى نقلت مباشرة من الأصل ، بل هى صور رسمية نقلت من الصور الرسمية الأصلية . فهى لا تعتبر صوراً من الأصل إلا بطريق غير مباشر .
ولذلك لا يجوز أن تكون لها حجية أكبر من حجية الصور الأصلية التى هى ليست إلا صوراً منها ، وبشرط أن تكون الصور الأصلية موجودة حتى إذا طلب أحد الطرفين مضاهاتها على أصلها أمكن ذلك . ومن ثم لا تكون للصورة المأخوذة من الصورة الأصلية حجية مستمدة من ذاتها ، بل هى تقتصر على التمتع بقرينة المطابقة للصورة حجية مستمدة من ذاتها ، بل هى تقتصر على التمتع بقرينة المطابقة للصورة الأصلية ، وتنتفى القرينة بمجرد إنكار أحد الطرفين لهذه المطابقة([45]) ، وعندئذ يتعين إحضار الصورة الأصلية للمضاهاة . فان وجدت الصورة الثانية مطابقة لها ، كانت لها حجيتها على التفصيل الذى قدمناه فى حجية الصور الأصلية ، ذلك أن هذه الحجية مستدمة كما قدمنا من الصورة الأصلية لا من الصورة الثانية . أما إذا وجدت الصورة الثانية غير مطابقة للصورة الأصلية ، استبعدت تلك واستبقيت الصورة الأصلية وهى التى تكون لها الحجية فى كل حال .
بقى فرض ما إذا كانت الصورة الأصلية غير موجودة فلا تمكن مضاهاة الصورة الثانية عليها. ونرى فى هذه الحالة ، أما سكوت النص ، ألا تكون للصورة الثانية حجية محددة ، ولا
يعتد بها إلا لمجرد الاستئناس ، شأنها فى ذلك 170 شأن صور الصور المأخوذة من الصور الأصلية ، وهى التى ننتقل الآن إليها([46]) .
102 ـ حجية صور الصور المأخوذة من الصور الأصلية : وهنا تتعدد الحلقات ، وتنفرج المسافة ما بين الصورة والأصل . فالصورة التى يحتج بها ليست إلا صورة لصورة مأخوذة من الصورة الأصلية ز فهى بالنسبة إلى الأصل صورة الصورة ، أى الصورة الثالثة .
فان كانت الصورة الأصلية موجودة وجب اسحضارها ، وهى التى تثبت لها حجية الأصل على التفصيل الذى قدمناه . بل إن الصورة الثالثة لا تتمتع بقرينة مطابقتها للصورة الأصلية فانها تتمتع بقرينة مطابقتها للأصل ، وقد تقدم ذكر ذلك . وسواء كانت الصورة الثالثة مطابقة للصورة الثانية فى حالة وجود هذه أو غير مطابقة ، فهذا لا أهمية له ، بل لا فائدة من تحقيق هذه المطابقة . والمهم هو مطابقة الصورة الثالثة للصورة الأصلية إن وجدت هذه .
فان كانت الصورة الأصلية هى أيضاً مفقودة كالأصل ، فان الصورة الثالثة ـ طابقت
الصورة الثانية أو لم تطابق ـ لا تكون لها حجية ، ولا يعتد بها 171 إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف ، باعتبارها مجرد قرينة([47]) فهى إذن لا تصلح حتى مبدأ ثبوت بالكتابة .
ومن ثم يتبين أن الصورة الثالثة ـ ومن باب أولى أية صورة دونها([48]) ـ لا حجية لها فى ذاتها . فان وجدت الصورة الأصلية ، كانت الحجية لهذه الصورة . وإن كانت الصورة الأصلية مفقودة ، سواء وجدت الصورة الثانية أو لم توجد ، فلا يعتد بالصورة الثالثة إللا لمجرد الاستئناس كما قدمنا([49]) .
103 ـ أحكام التقنين المدنى السابق : أما التقنين المدنى السابق فقد تضمن نصاً واحداً فى هذه المسألة . فقد كانت المادة 231/296 تنص على أنه : (( إذا قدم الخصم صور سندات غير صروها الواجبة التنفيذ وهى صورها الأولى ، ولم يقدم الأصل ، وكانت الصور المذكورة محررة بمعرفة أحد المأمورين العمومين ، فللقاضى النظر في درجة اعتماد تلك الصور . وعلى كل حال فانها تعتبر فى مقام مبادئ الثبوت بالكتابة )) . والنص الفرنسى لهذه المادة فى القانون الأهلى أدق من هذا النص العربى ، فقد كان يجرى على الوجه الآتى .
”La valeur probante des copies de titres autres que les expeditions ececutoires ou premieres expeditions, quand ces copies auront ete faites par des officieres publics, sera appreciee par le juge si l’original n’est pas represente , ces copies vaudront au moins un commencement de prevue par ecrit”. ويتبين من المقابلة بين النصين العربى والفرنسى أن هناك خلافاً فيما بينهما . فالنص العربى يجعل الصور التنفيذية هى الصور الأولى ، إذ يقول : (( غير 172 صورها الواجبة التنفيذ وهى صورها الأولى )) . أما النص الفرنسى فيجعل الصور الأولى شيئاً غير الصور التنفيذية ، إذ يقول (Ecpeditions executoires ou premieres expeditions) والصحيح هو النص الفرنسى ، فالصور الأولى ، كما تكون صوراً تنفيذية ، قد تكون صوراً غير تنفيذية ، وقد سبق ذكر ذلك ، والتقنين المدنى الفرنسى ، وهو الأصل الذى نقل عنه التقنين المدنى السابق ، صريح فى هذا التمييز([50]) . فيجب إذن الأخذ بالنص الفرنسى للتقنين المدنى السابق . وهو يميز بين حالتين : (1) حالة الاحتجاج بالصورة التنفيذية أو بالصورة الأولى غير التنفيذية ، وسكوت التقنين عن حكم هذه الحالة معناه أن لكل من الصورتين حجية الأصل([51]) (2) حالة الاحتجاج بصورة أصلية بسيطة ، أى بصورة أصلية غير الصورة التنفيذية وغير الصورة الأولى ، وفى هذه الحالة ينظر القاضى فى تقدير قمتها ولا ينزل بها عن مرتبة مبدأ الثبوت بالكتابة ، أى قد يعتبرها دليلا كاملا ، وقد يعتبرها مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة أو بالقرائن([52]) .
173 ولم يعرض التقنين السابق للحالتين الأخريين اللتين عرض لها التقنين الجديد : الصورة الثانية والصورة الثالثة . ويبدو أن الصورة الثانية فى التقنين السابق ـ وهى صورة الصورة الأصلية ـ كانت لها حجية الصورة الأصلية على التفصيل المتقدم فى هذا التقنين بشرط أن تكون الصورة الأصلية موجودة وأن تكون صورتها مطابقة لها ، إذ ليس فى هذا إلا تطبيق للقواعد العام وهى نفس القواعد التى قررها التقنين الجديد . أما الصورة الثالثة ، وهى صورة الصورة الأصلية ، فتقتصر قيمتها على مجرد الاستئناس بها كقرنية بسيطة ، وذلك ما لم توجد الصورة الأصلية فتكون عندئذ الحجية لها لا لصورة صورتها . وهذا هو أيضاً تطبيق للقواعد العامة ، وقد قرر التقنين الجديد هذا الحكم كما رأينا([53]) .
ويتبين من ذلك أنه لا يوجد خلاف بين التقنين الجديد والتقنين إلا فى حالة واحدة ، هى حالة الصورة الأصلية البسيطة (simple expedition) عند فقد الأصل . ففى التقنين الجديد تكون لهذه الصورة حجية الأصل إذا كان 174 مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل ، أما فى التقنين القديم فقد يكون لهذه الصورة حجية الأصل وقد تنزل إلى مرتبة إلى مرتبة مبدأ الثبوت بالكتابة وفقاً لتقدير القاضى . والقانون الذى يسرى هو القانون الذى أخذت الصورة الأصلية البسيطة فى ظله ، فان أخذت قبل 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 سرى التقنين القديم ، وإلا فالتقنين الجديد هو الذى يسرى .
([1]) أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 170 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1451 ص 886 ـ ص 887 .
([2]) وفي هذا تقول المذكرة الإيضاحية للشروع التمهيدى : (( والجوهرى في هذا الصدد أن الورقة الرسمية تكون حجة بكل ما يلحق به وصف الرسمية فيها دون حاجة إلى الإقرار بها ، على نقيض الورقة العرفية فهى لا تكون حجة بما فيها قبل الإقرار بها )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3ص 355) . وقد نصت المادة 157 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى على (( أن السند الرسمى الذى له شكل السند الرسمى ومظهره الخارجى يجب أن يعد رسمياً إلى أن يقوم بإثبات العكس الفريق المدعى عليه بهذا السند )) .
([3]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1451 ص 886 ـ ص 887 .
([4]) وقد كان هذا هو أيضاً حكم تقنين المرافعات القديم . وعندما كانت لجنة المراجعة تنظر في المشروع التمهيدى للتقنين المدني الجديد ، سأل أحد أعضاء اللجنة عما إذا كان يجوز للقاضى أن يحكم بتزوير الورقة من تلقاء نفسه دون أن يطعن فيها بالتزوير ، فأجيب بأن قانون المرافعات الحالي ( القديم ) يجيز للقاضي أن يستبعد الورقة التى يتضح تزويرها من تلقاء نفسه ، وهذا الاستبعاد يفضى بحكم الواقع إل زوال حجية الورقة ، رسمية كانت أو عرفية ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 358 ) .
([5]) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 528 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتي :
(( 1 ـ تكون الورقة الرسمية ، ما لم يطعن فهيا بالتزوير ، حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها الموظف العام في حدود مهمته أو صدرت من ذوى الشأن في حضوره . 2 ـ أما ما ورد على لسان ذوى الشأن من بيانات فيعتبر صحيحاً حتى يقوم الدليل على ما يخالفه )) . وفي لجنة المراجعة حورى الفقرة الأولى من النص تحويراً جعلها تتفق مع النص الذى أقر نهائياً ، وأصبح رقم النص 404 في المشروع النهائى . ووافق مجلس النواب عليها دون تعديل . وفي لجنة مجلس الشيوخ قام نقاش حول الفقرة الثانية من المادة ، وهي التي تعتبر البيانات الواردة على لسان ذوى الشأن صحيحة حتى يقوم الدليل على ما يخالفها . وكانت نتيجة هذه المناقشة أن اتفقت الآراء على حذف هذه الفقرة ، لأن تلك البيانات يرجع في أمر صحتها أو عدم صحتها إلى القواعد العامة في الإثبات ، وإثباتها في ورقة رسمية لا يعطيها قوة خاصة في ذاتها بالنسبة لحقيقة وقوعها . فحذفت اللجنة الفقرة الثانية من المادة إكتفاء بالقواعد العامة ، وأصبح رقم النص 391 . ووافق عليه مجلس الشيوخ كما عدلته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 354 ـ ص 355 وص 357 ـ ص 359 ) .
([6]) ونعيد إيراد هذا النص من التقنين المدني القديم : (( المحررات الرسمية ، أي التي تحررت بمعرفة المأمورين المختصين بذلك ، تكون حجة على أى شخص ، ما لم يحصل الادعاء بتزوير ما هو مدون بها بمعرفة المأمور المحرر لها )) . وقد قدمنا أن النص الجديد يفضل هذا النص القديم من حيث إن يحدد ما يعتبر في الورقة الرسمية حجة إلى حد الطعن بالتزوير ، فهو ما دون الموثق من أمور قام بها في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره .
([7]) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 6 : 1 ـ تكون الأسناد الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها الموظف العام في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً . 2 ـ أما ما ورد على لسان ذوى الشأن من بيانات فيتعتبر صحيحاً حتى يقوم الدليل على ما يخالفه .
التقنين المدني العراقي م 451 : تكون السندات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها الموظف العام في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً.
تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى : م 156 ـ للسند الرسمي القوة التنفيذية ، وهو ـ إلى أن يدعى تزويره ـ مثبت لجميع الأفعال المادية التي تحققها المأمور الرسمى بذاته وكان من وظيفته أن يحققها كمحـل العقـد
( م 10 الوسيط ـ جـ 2 )
وتاريخ وصحة التوقيع وما يعزوه إلى المتعاقدين من التصريحات ـ م 157 ـ إن السند الرسمى الذى له شكل السند الرسمى ومظهره الخارجى يجب أن يعد رسمياً إلى أن يوقم بإثبات العكس الفريق المدعى عليه بهذا السند . والسند الرسمى مثبت أيضاً للأعمال التى صرح بها المتعاقدون ولها علافة مباشرة بالعقد إلى أن يثبت العكس ـ م 158 ـ لا يصلح السند الرسمى إلا كبداية بينة خطية فيما يختص بالتصريحات التى ليس لها علاقة مباشرة بموضوع العقد ـ م 159 ـ إن السند الرسمى لا يسرى مفعوله الثبوتى فيما يختص بتصرحات المتعاقدين إلا عليهم وعلى خلفائهم في الحقوق . وبالعكس فإن هذا السند يتعدى مفعوله الثبوتى إلى الغير ، سواء أكان لهم أم عليهم ، فيما يختص بالأفعال المادية التى يصرح بها المأمور الرسمى والتى تعد ثابتة إلى أن يدعى تزويرها .
التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة ـ م 378 : مطابقة للمادة 391 من التقنين المدني المصرى .
ويتبين من استعراض نصوص التقنينات المدنية العربية أنها تتفق في أحكامها مع أحكام التقنين المصرى في المسائل التى نحن بصددها .
([8]) التقنين المدني الفرنسى ـ م 1319 : (( تكون الورقة الرسمية ، بما تضمنته من اتفاق ، حجة على المتعاقدين والورثة والخلف . ومع ذلك إذا طعن بالتزوير في الورقة الرسمية ، وكان الطعن بالطريق الجنائى ، أوقف تنفيذ الورقة المطعون فيها منذ الإحالة على الاتهام . أما إذا كان الطعن بطريق فرعى ، فإنه يجوز للمحكمة ، تبعاً للظروف ، أن توقف مؤقتاً تنفيذ الورقة )) . وهذا هو النص في أصله الفرنسى :
((L’acte authentiaue fait pleine foi de la convention qu’il renferme entre les parties contractantes et leurs heritiers ou ayants cause. Neanmoins, en cas des plaints en faux principal, l’execution de l’acte argue de faux sera srspendere, par la mise en accusation; et, en cas d’inscription de faux faite incidemment, les tribumaucx pourront, suivant les circonstances, supendere proviosoirement l’execution l’acte.))
([9]) وهذه القواعد لا تعتبر من النظام العام ، فلا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ( أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 171 هامش رقم 51 مكرر رابعا ) .
([10]) ويعتبر تاريخاً ثابتاً لمجرد وروده في ورقة رسمية ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1453 ص 889 ـ ص 890 ) .
([11]) توقيعه هو وتوقيعات أصحاب الشأن والشهود والمترجم والمعين ـ هذا وما قرره المحضر من أنه أعلن الورقة إلى المحافظة لأنه لم يجد أحداً يسلمه الإعلان في محل إقامة ذى الشأن ، أو أنه سلم الإعلان إلى الخادم ، وما إلى ذلك مما فعله بنفسه أو وقع تحت بصره ، تبقى له الحجية إلى حد الطعن بالتزوير ( استئناف مختلط 23 مارس سنة 1910 م 32 ص 206 ـ 23 فبراير سنة 1911 م 23 ص 197 ـ 24 أبريل سنة 1913 م 25 ص 230 ـ 30 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 115 ) . أما ما ينقله عن الغير فيجوز إثبات عكسه دون طعن بالتزوير (استئناف مختلط 24 مارس سنة 1910 م 22 ص 231 ـ 15 مايو سنة 1913 م 25 ص 380 ـ 30 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 110 ـ 18 مارس سنة 1914 م 26 ص 287 ـ 4 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 69 ) . وقد قضت دائرة النقض الجنائية بأنه إذا كان الدين ثباتاً بسند رسمى ذكر فيه أن النقود دفعت أمام كاتب العقود ، فلا يمكن إثبات الصورية بشهادة الشهود ، ومن ثم لا يجوز إثبات أن مبلغ الدين يشتمل على فوائد ربوية ( نقض جنائى 4 يناير سنة 1924 المجموعة الرسمية 27 رقم 76 ) .
وما ورد على لسان أصحاب الشأن من بيانات يملونها على الموظف المختص بتحرير شهادات لميلاد والوفاة يجوز إثبات عكسها دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ( استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 145 .
هذا ويجوز النزول عن حجية الورقة الرسمية فيما يجب فيه الطعن بالتزوير ، فلا تعود هناك حاجة إلى هذا الطعن ( استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1932 م 44 ص 271 ) .
([12]) استئناف مختلط 3 يناير سنة 1917 م 29 ص 133 ـ 6 فبراير سنة 1917 م 29 ص 199 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 171 ـ 172 .
([13]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1452 ص 887 ـ ص 889 ـ هذا وإذا ذكر في ورقة رسمية أو في جواز سفر أن سن العاقد أو صاحب الجواز هى كذا عاماً ، فإن ذلك لا يكون حجة على بلوغه هذه السن ، ولا تثبت السن إلا بشهادة الميلاد أو بتقدير طبيب . وقضت محكمة النقض بأن ذكر تايخ الوفاة في محضـر حصـر التركـة لا يكون حجة بحصول الوفاة فى ذلك التاريخ ، لأن هذا المحضر لم يعد لإثبات تاريخ الوفاة بل لإثبات عناصر التركة فقط ( نقض 8 فبراير سنة 1945المحاماة 27 رقم 430 ص 1074 ) . ومحضر حصر التركة الذى يذكر فيه أن التركة جميعها سلمت إلى بعض الورثة لا يعتبر دليلا على التسلم ( الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 155 ). والمحاضر الرسمية التى تحرر لجمع الاستدلالات ـ محاضر التحقيق والجرد وحصر التركة ـ تكون قابلة لإثبات العكس دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ( الأستاذ أحمد نشأت 1 في الإثبات فقرة 155 ـ الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 48 ص 61 ) . ويجوز إثبات عكس ما ورد في الإشهاد الشرعى الصادر بوفاة شخص بجميع الطرق ، إذ هو ليس بحكم ولا بحجة في إثبات الوقائع المدرجة فيه ( استئناف وطنى 31 مارس سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 81 ـ استئناف مختلط 22 يناير سنة 1902 م 14 ص 86 ) .
والحجية إلى حد الطعن بالتزوير مقصورة على المواد المدنية والتجارية . أما في المواد الجنائية فالأمر متروك لتقدير القاضي . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا عرض عى المحكمة الجنائية محضر كسر ختم المتوفى ، جاز لها ألا تأخذ بما جاء فيه إذا اقتنعت بعدم صحته ، وذلك دون حاجة إلى الحكم بتزويره ( نقض 7 يونية سنة 1943 المحاماة 26 رقم 65 ص 188 ) . وقضى أيضاً بأنه يجوز لكل ذى شأن أن يثبت بكافة الطرق القانونية ما يخالف ما دون في المحاضر التى يحررها رجال البوليس في المواد الجنائية دون أن يكون ملزماً بالطعن فيها بالتزوير ( نقض جنائى 4 يناير سنة 1943 المحاماة 24 رقم 103 ص 333 ـ 11 يناير سنة 1943 المحاماة 24 رقم 140 ص 441 ـ أسيوط الإبتدائية 22 فبراير سنة 1923 المجموعة الرسمية 24 رقم 57 ـ الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 58 هامش رقم 1 ) .
([14]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1452 ص 887 هامش رقم 3 . وعلة ذلك ـ كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ـ (( ما يولى القانون من ثقة لصحة الإقرارات الصادرة في حضور الموظف العام وصحة ما يتولى إثباته من البيانات التى تدخل في حدود مهمته . فإذا اقتضت مصلحة أحد من ذوى الشأن أن يقيل الدليل على عكس بيان من البيانات التى يلحق بها وصف الرسمية ، تعين عليه أن يلجأ إلى طريق الطعن بالتزوير )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 355 ـ ص 356 ) .
هذا وتتلخص إجراءات الطعن بالتزوير في أنه إذا أدعى خصم أن الورقة الشاهدة عليه مزورة ، فله أن يطعن فيها بالتزوير في أية حالة تكون عليها الدعوى بتقرير في قلم الكتاب يعلن للخصم الآخر بمذكرة تبين فيها شواهد التزوير وإجراءات التحقيق التى يطلب إثباته بها . على أنه يجوز للمحكة ـ ولو لم يدع أمامها بالتزوير بالإجراءات المتقدمة ـ أن تحكم برد أية ورقة وبطلانها إذا ظهر لها بجلاء من حالتها أو من ظروف الدعوى أنها مزورة . فإذا طعن الخصم في الورقة بالتزوير ، وكان الإدعاء بالتزوير منتجاص في النزاع ، ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بصحة الورقة أو بتزويرها ، ورأت أن إجراء التحقيق على الوقائع التى قبلت المحكمة تحقيقها والإجراءات التى رأت إثباتها بها ، وندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة التحقيق ، وتعيين خبير أو ثلاثة خبراء ، والأمر بإيداع الورقة المطعون بتزويرها قلم الكتاب مع بيان حالتها . ويجرى التحقيق بالمضاهاة وبشهادة الشهود . وتكون المضاهاة على ماهو ثابت صدوره ممن تشهد عليه الورقة من أوراق رسمية أو أوراق معترف بها منه أو على خطه أو إمضائه الذى يكتبه أمام القاضى المنتدب للتحقيق . أما الشهود فيسمعون فيما يتعلق بصدور الورقة من صاحب التوقيع ، وتراعى في سماعهم القواعد المقررة في سماع شهادة الشهود . والحكم بالتحقيق يوقف صلاحية الورقة للتنفيذ دون إخلال بالإجراءات التحفظية . وإذا حكم بسقوط حق مدعى التزوير في إدعائه أو برفضه حكم عليه بغرمة مقدارها 25 جنيهاً مصرياً . ولا يحكم عليه بشئ إذا ثبت بعض ما ادعاه . ( أنظر المواد من 281 إلى 290 من تقنين المرافعات ) .
وتنظم المادة 291 من تقنين المرافعات دعوى التزوير الأصلية فتنص على أنه (( يجوز لمن يخشى الاحتجاج عليه بورقة مزورة أن يختصم من بيده تلك الورقة ومن يستفيد منها لسماع الحكم بتزويرها ، ويكون ذلك بدعوى أصلية ترفع بالأوضاع المعتادة ، وتراعى الإجراءات المتقدمة )) .
([15]) أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 172 ـ ص 173 ـ وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى في صدد ما قدمناه من البيانات التى تقوم حجيتها إلى حد الطعن بالتزوير ما يأتى : (( وقد تكفل النص بتحديد هذه البيانات ، فقصرها على الأمور التى يثبتها الموظف العام في حدود مهمته أو التى تصدر من ذوى الشأن فى حضوره . وهي بهذا الوصف تتضمن : ( ا ) ما يثبت الموظف العام من وقائع أو أمور باعتبار أنه تولى ضبطها بنفسه . ومن قبيل هذه الوقائع أو الأمور : التاريخ وعتبر ثابتا من يوم تلقى الورقة وقبل قيدها في السجل المعد لذلك ، وبيان مكان تلقى الورقة ، والكتابة ، وتوقيع ذوى الشأن ، وتوقيع الموثق ، والبيانات المتعلقة بإتمام الإجراءات التى يتطلبها القانون . ( ب ) ما يصدر من ذوى الشأن في حضور الموظف ويدرك بالحس من طريق الاتصال بالسمع أو الوقوع تحت البصر ، كالإقرارات أو وقائع التسليم . ويراعى أن الموظف العام يثبت واقعة الإدلاء بهذه الإقرارات دون أن يمس في ذلك صحتها ، فلو قرر أحد المتعاقدين أنه باع وقرر الآخر أنه أدى الثمن ، أثبت الموثق هذيه الإقرارين ، وكان إثباته لهما دليلا على الإدلاء بهما لا على صحة الوقائع التى تنطوى فيهما .
ويشترط أن تكون الوقائع أو الأمور المتقدم ذكرها مما يدخل في حدود مهمة الموثق ، لأن إلحاق الصفة الرسمية بما يثبت الموظف العام فى المحرر مشروط باقتصاره على هذه الحدود ، كما رسمها نص القانون ، فإن جاوزها انقطعت عنه الولاية ، وسقطت تبعاً لذلك قيمة ما يتولى إثباته على هذا الوجه . فلو أثبت الموثق أن المتعاقد متمتع بقواه العقلية مثلا ، فلا يكون لإثبات هذه الواقعة أثر في إمكان الاحتجاج بها ، لأن إثباتها ليس مما يدخل في مهمة من يتولى التوثيق )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 356 ) .
([16]) استئناف مختلط 22 يونية سنة 1939 م 52 ص 56 .
([17]) استئناف مختلط 10 أبريل سنة 1943 م 55 ص 111 .
([18]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1454 .
([19]) وقد تقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن المحررات الرسمية تكون حجة على أى شخص ما لم يحصل الإدعاء بتزوير ما هو مدون بها بمعرفة المأمور المحرر لها ، وعلى ذلك فلا يجوز إثبات خلاف ما ورد فيها بالبينة أو بقرائن الأحوال مهما كانت قوة هذه القرائن للثقة الموجودة فى هذه الأوراق الرسمية ، إلا أنه فيما يختص بما يقرره الخصوم أمام المأمور المحرر لها ويدونه بمحضره عن وقائع حصلت بغير حضوره فيجوز إثبات ما يخالفها بالبينة أو بقرائن الأحوال بشرط أن يكون هناك مبدأ للثبوت بالكتابة ( استئناف مصر 29 يونية سنة 1925 ، المحاماة 6 رقم 100 ص 137 ) . أنظر أيضا في هذا المعنى : استئناف مصر 20 يناير سنة 1931 المجموعة الرسمية 32 رقم 4 ص 57 . استئناف مختلط 27 مارس سنة 1889 م 1 ص 164 ـ 31 نوفمبر سنة 1889 م 2 ص 24 ـ 6 مارس سنة 1890 م 2 ص 108 ـ 4 يونية سنة 1790 م 2 ص 417 ـ 26 ديسمبر سنة 1891 م 7 ص 98 ـ 16 نوفمبر سنة 1892 م 5 ص 9 ـ 18 أبريل سنة 1894 م 6 ص 233 ـ 14 يناير سنة 1897 م 9 ص 119 ـ 17 فبراير سنة 1897 م 9 ص 188 ـ 22 يناير سنة 1902 م 14 ص 86 .
([20]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1452 .
([21]) استئناف مختلط 7 يونية سنة 1917 م 29 ص 489 .
([22]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( وتكون إقرارات ذوى الشأن حجة على الكافة ( ما لم يطعن في صحتها بالتزوير ) . ويراعى أن المشروع قد استعاض بعبارة (( صحة الإقرارات )) عن اصطلاح (( صحة الإتفاق )) وهو الاصطلاح الذى اختاره التقنين الفرنسى والتقنين الإيطالى والمشروع الفرنسي الإيطالى في معرض التعبير . والواقع أنه ينبغى تحامى الخلط بين صحة واقعة انعقاد العقد وبين صحة هذا العقد في ذاته . فإذا قرر ذوو الشأن بمحضر من الموظف أن أحدهما باع وأن الآخر اشترى ، فالورقة الرسمية تعتبر حجة على صدور الإقرارين في ذاتهما ، من حيث مبلغ مطابقتهما للواقع ، فلا حيلة للموثق في العلم بها وإثباتها ، لأنها ليست لا يستتبع إمكان الاحتجاج بصحته الذاتية إلى أن يطعن فى هذه الورقة بالتزوير . على أن مثل هذا الإقرار يعتبر صحيحاً إلى أن يثبت العكس ، تفريعاً على أن الأصل في الإقرارات أن تكون صحيحة ، أما الصورية فهى استنثاء يتعين على من يتمسك به أن يقيم الدليل عليه وفقاً للقواعد العامـة
في الإثبات )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 356 ـ ص 357 ) .
([23]) فلو أن ورثة البائع ادعوا أن مورثهم كان مجنوناً وقت إمضاء البيع ، فعليهم إثبات ما ادعوه ، ولهم أن يثبتوه بجميع الطرق دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ، وذلك بالرغم مما أثبته الموثق فى الورقة الرسمية من أن البائع كان سليم العقل ، لأن الورقة الرسمية ليست معدة لإثبات ذلك ( كولان وكابيتان 2 فقرة 744 ص 500 ) .
([24]) وقد جاء فى المذركة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( وتعتبر الورقة الرسمية حجة ، لا بالنسبة للمتعاقدين وحدهم ، بل وبالنسبة للغير كذلك ، شأنها فى ذلك شأن الورقة العرفية فيما عدا التاريخ. وقد نص التقنين المراكش ( م419 ) والتقنين المصرى ( م 226/291 ) صرحة على هذا الحكم ، وتبعهما المشروع في ذلك )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 355 ) .
([25]) أنظر المادة 604 فقرة أولى مدني .
([26]) أنظر المادة 604 فقرة ثانية مدني .
([27]) ويستوى فى الاحتجاج على الغير بالتصرف القانونى أن يكون ذلك باعتباره تصرفاً قانونياً أو بإعتباره واقعة مادية . فإذا اشترى شخص عقاراً من غير مالكه بعقد بيع أثبت فى ورقة رسمية ، فإن هذا البيع ، وهو تصرف قانونى ، يحتج به على مالك العقار كسبب صحيح للتملك بالتقادم القصير ، ويكون ذلك بإعتبار البيع بالنسبة إلى المالك واقعة مادية لا تصرفاً قانونياً . ومع ذلك تكون رسمية البيع حجة على المالك ، فلا يستطيع أن ينكر من هذه الورقة الرسمية ما يجب لإنكاره الطعن بالتزوير إلا عن هذا الطريق .
([28]) فيجب إذن التمييز ـ فى حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير كما في حجيتها فيما بين المتعاقدين ـ بين صحة صدور ما ذكر الموثق أنه رآه بعينه أو سمعه بأذنه (de visu aut de auditi) والتشكك فى صحة صدوره يمس بأمانة الموثق وصدقه ومن ثم فلا يجوز الإنكار إلا عن طريق الطعن بالتزوير ، وبينصحة هذه الوقائع ذاتهاوهل هى جدية أو صوريةوهذا ليس فيه مساس بأمانة الموثق أو بصدقه ومن ثم جاز إنكاره دون طعن بالتزوير ويكفى تقديم الدليل على العكس بالطرق المقررة قانوناً ، وبين حكم القانون فى التصرف الثابت فى الورقة الرسمية وهل هو يسرى فى حق الغير وهل هو مشوب بعيب من عيوب الإدارة وهل له محل مشروع وسبب مشروعغ وكيف يفسر وما إلى ذلك وهنا لا نعرض للورقة الرسمية التى هى طريق للإثبات (instrumentum) بل نعرض للتصرف القانونى ذاته (negotium) وننزل عليه حكم القانون فلا محل الكلام فى الطعن بالتزوير أو الاكتفاء بتقديم الدليل على العكس فى هذا الصدد ( تولييه 8 فقرة 122 ـ ديرانتون 13 فقرة 84 ـ فقرة 85 ـ ديمولومب 29 فقرة 279 ـ أوبرى ورود 12 فقرة 755 ص 174 ـ ص 176 ) .
([29]) ومن ذلك أيضاً أن البيانات الواردة على سبيل الإخبار (enunciation) فى الورقة الرسمية في غير موضوعها ، ولكنها متصلة بالموضوع اتصالا مباشراً ، تكون لها حجية البيانات الواردة على سبيل التقرير (disposition) فى الموضوع ، بالنسبة إلى الغير ، كما أن لها هذه الحجية فيما بين الطرفين . وقد ضرب أوبرى ورو لذلك مثلا سبق ذكره : إقراراً بإيراد مؤبد فى ورقة رسمية ، وورد فى الورقة أن الإيراد قد نقص بسبب دفع جزء من رأس المال أو أن جميع أقساط الإيراد السابقة قد دفعت ، فهذه البيانات المتصلة بالموضوع اتصالا مباشراً لها حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين ، وكذلك تكون لها هذه الحجية بالنسبة إلى الغير ، ويتحقق ذلك إذا كان للدائن بالإيراد دائن حاجز أو كان الدائن بالإيراد قد نزل عنه لشخص آخر ، لما ورد فى الورقة الرسمية من أن جزءاً من رأس المال قد دفع أو أن الأقساط السابقة قد وفيت جميعها تكون له حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الدائن الحاجز أو المتنازل له عن الإيراد . وهذا كله فيما إذا كان الطرفان فى الورقة الرسمية يملكان قانوناً التأثير فى حقوق الغير ، بأن كان التصرف القانونى (negotium) الذى عقداه فيما بينهما من شأنه أن يسرى فى حقه . فإن لم يكن الأمر كذلك ، لم يكن لبياناتهما حجية بالنسبة إلى الغير . فلو ورد في البيع الرسمى أن للدار حق مطل على العقار المجاور ، لم يكن لهاذ البيان حجية بالنسبة إلى صاحب هذا العقار . ولو ورد فى هذا البيع الرسمى أن البائع يملك الدار بسند ذكر تاريخه ، لم يكن لهذا البيان أيضاً حجية بالنسبة إلى المالك الحقيقي للدار إذا أراد المشترى أن يحتج عليه بالتقادم القصير ويتمسك بحيازة البائع من التاريخ المذكور فى الورقة الرسمية ليضمها إلى مدة حيازته ( أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 177 ـ ص 179) .
وقد ذكر أوبرى ورو ( فى هامش ص 177 ) أن بعض الفقهاء ( تولييه 8 فقرة 157 وفقرة 161 ـ ديرانتون 13 فقرة 98 ـ زاخارييه فقرة 751 مع هامش رقم 15 ) يذهبون إلى أنه لا حجية بالنسبة إلى الغير للبيانات المستقلة عن موضوع الورقة والورادة على سبيل الإخبار ولو كانت متصلة اتصالا مباشرا بهذا الموضوع ، ولو كان الطرفان يملكان التأثير فى حق الغير . ويقول أوبرى ورو يحق أن هؤلاء الفقهاء يخلطون بين صحة صدور هذه البيانات من الطرفين ، وهذا له حجية بالنسبة إلى الغير إلى حد الطعن بالتزوير ، وبين صحة الوقائع التى تتضمنها هذه البيانات فى ذاتها ، وهذه الوقائع يجوز للغير أن يقيم الدليل على عكسها بالطرق المقررة قانوناً دون حاجة إلى الطعن بالتزوير .
([30]) تاريخ النصوص ـ المادة 392 : ورد هذا النص فى المادة 535 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتـى : (( 1 ـ إذا كان أصل الورقة الرسمية موجوداً ، فان الصور الخطية أو الفوتوغرافية الصادرة من موظف عام كتب الأصل أو حفظه بين أوراقه ، تكون حجة بالقدر الذى يعترف فيه بمطابقة الصورة للأصل . 2 ـ ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة الصورة على الأصل ، على أ يتم ذلك فى مواجهتهما . وفى هذه الحالة يجوز للقاضى أن يأمر ياستحضار الأصل )) . وفى لجنة المراجعة اقترح حذف عبارة (( الصادرة من موظف عام كتب الأصل أو حفظه بين أوراقه )) من الفقرة الأولى لعدم ضرورتها ، مع تعديل الفقرة تعديلا لفظياً . وكذلك اقترح تعديل الفقرة الثانية لاستظهار قرينة مطابقة الصورة للأصل ما لم ينازع أحد الطرفين في ذلك ، ولتحتيم مضاهاة الصورة على الأصل عند المنازعة وكان هذا الأمر جوازياً للقاضي فى المشروع التمهديى كما رأينا . فقبلت اللجنة الاقتراحين ، وأصبح النص النهائى للمادة مطابقاً لما جاء فى التقنين الجديد ، وصارت المادة رقمها 405 فى المشروع النهائى . ووافق مجلس النواب على النص دون تعديل . وكذلك فعلت لجنة الشيوخ ، وأصبح رقم المادة 392 ، ووافق عليها مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 359 ـ ص 362 ) .
المادة 393 : ورد هذا النص فى المادة 536 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : (( أما إذا فقد الأصل ، فتكون الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوجه الآتى : ا ـ يكون للصورة التنفيذية أو للصورة الأولى حجية الأصل إذا صدرت من موظف عام مختص وكان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل . ب ـ ويكون للصور الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة التنفيذية أو الصورة الأولى ذات الحجية إذا صدرت هذه الصورة من موظف عام مختص . ويجوز فى هذه الحالة أن يطلب الطرفان إحضار الصورة التنفيذية أو الصورة الأولى ، كما يجوز للقاضى أن يأمر بإحضارها . جـ ـ أما ما يؤخذ بعد ذلك من صور خطية أو فوتوغرافية ، فلا يكون إلا لمجرد الاستثناستبعا للظروف )) . وفى لجنة المراجعة عدل النص تعديلا يجعله أدق فى تأدية المعنى المقصود ، فأصبح يكاد يكون مطابقاً لما انتهى إليه . ووافق مجلس النواب على النصدون تعديل ، وجعل رقمه 406 . وفى لجنة مجلس الشيوخ اتجه الرأى أولا إلى استبعاد حكم السند (( ا )) من النص ، وقيل إن في بقائه خطورة إذ قد تكون الصورة خالية من الشوائب فى مظهرها الخارجى ولكنها لا تطابق الأصل ، وعدم وجود هذا الأصل سيكون حائلا دون تحقيق صحتها ، فإعطاؤها قوة الأصل ينطوى على مجازفة . ورأى أحد الأعضاء ، مع ذلك ، أنتكون للصورة الرسمية الأصلية قوة مبدأ الثبوت بالكتابة . ولكن اللجنة عادت فأبقت النص بعد أن تبينت صحة حكمه من واقع المراجع القانونية . ثم استبدلت فى البند (( ب )) عبارة (( الصورة الأصلية التى أخذت منها )) بعبارة (( الأصل الذى أخذت منه )) زيادة فى الإيضاح ، وحذفت عبارة (( كما يجوز للقاضى أن يأمر باحضارها )) كما أضاقت كلمة (( رسمية )) بعد كلمة (( صور )) في البنـد (( جـ )) . وأصبحت المادة رقمها 393 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 363 ـ ص 367 ) . هذا والمادة 393 من التقنين الجديد منقولة عن المادة 291 من المشروع الفرنس الإيطالى .
([31]) وكانت المادة 231/296 من التقنين المدنى القديم تنص على ما يأتى : (( إذا قدم الخصم صور سندات غير صورها الواجبة التنفيذ وهى صورها الأولى ، ولم يقدم الأصل ، وكانت الصور المذكور محررة بمعرفة أحد المأمورين العموميين ، فللقاضى النظر في درجة اعتماد تلك الصور ، وعلى كل حال فانها تعتبر فى مقام مبادئ الثبوت بالكتابة )) . وسنبسط حكم هذا النص ونقارن ما بين التقنين القديم والحديث فيما يلي .
([32]) التقنينات العربية الأخرى ـ قانون البينات السورى م 7 : 1 ـ إذا كان أصل السند الرسمى موجوداً ، فإن الصور الخطية والفوتوغرافية التى نقلت منه وصدرت على موظف عام في حدود اختصاصه تكو لها قوة السند الرسمى الأصلى بالقدر الذى يعترف فيه بمطابقة الصورة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين ، وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل ـ م 8 : إذا لم يوجد أصل السند الرسمى ، كانت الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوحه الآتى : ا ـ يكون للصورة الأولى قوة الأصل إذا صدرت من موظزف عام مختص وكان مظهرها الخارجى لا يتطرق معه الشك فى مطابقتها للأصل . ب ـ ويكون للصورة الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة الأولى نفس القوة إذا صدرت من موظف عام مختص يصادق على مطابقتها للأصل الذى أخذت منه . ويكون لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة هذه الصورة على الصورة الأولى على أن تتم المراجعة فى مواجهة الخصوم . جـ ـ أما الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية فيمكن الاستئناس بها تبعاً للظروف .
تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ـ م 173 : إن إبراز نسخة من السند مع وجود السند الأصلى لا يغنى عن إبراز هذا السند ، إذ أنه يجوز التشبث بإبراز السند الأصلى فى كل حين ـ م 174 : إذ فقد السند الأصلى يستعاض عنه بالنسخة الرسمية ـ م 175 : إن إدراج السند الرسمى فى السجلات الرسمية لا يصلح إلا كبداية بينة خجطية ، ويجب مع ذلك أن يثبت فقدان جميع الأصول المحفوظة عند الكاتب العدل والمختصة بالسنة التى يظهر أن السند أنشئ فى خلالها أو أن تقام البينة على أن فقدان أصل هذا السند نتج عن حادث خاص ـ 176 : إذا ظهر من نسهة السند فى الحالة المبينة فى المادة السابقة ـ أن السند أنشئ بحضور شهود ، وجب دعوة هؤلاء الشهود أمام القاضى .
التقنين المدنى العراقى ـ م 452 : 1 ـ إذا كان أصل السند موجوداً ، فإن صورته الرسمية ، خطية كانت أو فوتوغرافية ، الصادرة من موظف عام مختص ، تكون حجة بالقدر الذى تكون فيه مطابقة للأصل . 2 ـ وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين ، وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل ـ م 453 ، إذا لم يوجد السند الرسمى ، كانت الصورة حجة على الوجه الآتى : ا ـ يكون للصورة الرسمية الأصلية ، تنفيذية كانت أو غير تنفيذية ، حجية الأصل إذا كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل . ب ـ وتكون للصورة الرسمية المأخوذة من الصورة الأصلية الحجية ذاتها . ولكن يجوز فى هذه الحالة لكل من الطرفين مراجعتها على الأصل الذى أخذت منه . جـ ـ أما ما يؤخذ من صور للصورة المأخوذة من الصور الأصلية فلا يعتد به إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف ـ م 454 : الوثائق الرسمية ، كالبراءات والقوانين والإرادات الملكية وشهادات الاختراع والعلامة الفارقة والجنسية وأحكام المحاكم وسجلات التسوية وسنداتها وسجلات الطابو الدائمية وسنداتها ، تكون حجة على الناس كافة بما دون بها ، ما لم يطعن فيها بالتزوير .
التقنين المدنى للملكة الليبة المتحدة : م 379 و 380 : مطابقتان للمادتين 392 و 393 من التقنين المدنى المصرى .
ويتبين من مطالعة هذه النصوص أن أحكام التقنينات العربية الأخرى فى هذه المسألة تطابق أحكام التقنين المصرى ، وذلك فيما عدا فروقاً بسيطة فى التقنين اللبنانى .
([33]) التقنين المدنى الفرنسى ـ م 134 : إذا كان أصل السند باقياً ، فلا يكون لصوره من الحجية إلا بما ورد فى الأصل ، ويجوز دائماً المطالبة بابراز الأصل : 1335 : إذا فقد أصل السند ، كانت الصور حجة على الوجه الآتى : 1 ـ يكون للصور التنفيذية أو الصور الأولى حجية السند الأصلى . وكذلك الحال بالنسبة إلى الصور التى أمر بأخذها القاضى بحضور أصحاب الشأن أو بعد دعوتهم للحضور ، وبالنسبة إلى الصور التى أخذت بحضور أصحاب الشأن وبتراضى منهم . 2 ـ الصور التى أخذت ، بعد تسليم الصور التنفيذية أو الصور الأولى ، ومن غير أمر القاضى أو تراضى الخصوم ، من أصل السند بواسطة الموثق الذى تلقاها أو أحد من خلفائه أو موظف عام يحفظ بحكم وظيفته أصول السندات ، يجوز أن تكون لها حجية الأصل ، إذا فقد الأصل ، بشرط أن تكون قديمة . وتعتبر قديمة إذا كان قد مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة . فإن كان قد مضى عليها أقل من ثلاثين سنة ، فلا تصلح إلا مبدأ ثبوت بالكتابة . 3 ـ إذا كانت الصور المأخوذة من أصل السند لم يأخذه الموثق الذى تلقاها أو أحد من خلفائه أو موظف عام يحفظ بحكم وظيفته أصول السندات ، فهى لا تصلح ، مهما كانت قدمية ، إلا مبدأ ثبوت بالكتابة . 4 ـ أما صور الصور فيجوز الاستئناس بها تبعاً للظروف . ( انظر أيضاً المادة 1336 من التقنين المدنى الفرنسى . وهى تقابل المادة 176 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ، وقد تقدم ذكرها ) .
وهذا هو الأصل الفرنسى لهذه النصوص :
Art. 1334: Les copies, lorsque le titre original subsiste, ne font foi que de ce qui est contenu au titre, don’t sa representation peut tougours etre exigee.
Art. L335: Lorsque le titre original n’existe plus, les copies font foi d’apres les distinctions suivantes:
Lo. Les grosses ou primieres expeditions font sq meme foi que l’original , ll en est de meme des copies qui ont ete tirees par l’autorite du magistrat, parties presentes ou dument appelees, ou de celles qui ont ete tirees en presence des parties et de leur consentiment reciprogue. 2o. Les copies qui, sans l’autorite du magistrate, ou sans le consentement des parties, et depuis la deliverance des grosses ou primieres expeditions, auront ete tirees sur la minute de l’acte par le notaire aui l’a recu, ou par l’un de ses successeurs, ou par officiers publics publics qui, en cette qualite, sont depositaires des minutes, peuvent, en cas de perte de l’original, faire foi quand dlles sont anciennes Elles sont considerees comme anciennes quand elles ont plus de trente ans. Si elles ont moins de trente ans, elles ne peuvent server aue de commencement de prevue par ecrit.
3o. L orsque les copies tirees sur la minute d’un acte ne l’auront pas ete par le notaire aui l’a recu, ou par l’um de ses successeurs ou par officiers publics qui, en cette qualite, sont depositaires des minutes, elles ne peuvent server, quelle que soit leur anciennete, que de commencement de preuves par ecrit.
4o. Les copies des copies pourront, suivant les circonstances, etre considerees comme simples renseignements.
([34]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( والأصل في حجية الورقة الرسمية أن تكون قاصرة على نسخها الأصلية ، كما تقضى بذلك صراحة المادة 1925 من التقنين الهولندى . ويتفرع على ذلك أن الصور الخطية أو الشمسية والصور التنفيذية والصور الأولى لا تكون بذاتها حجة فى الإثبات ، مع أن موظفاً عاماً يستوثق من مطابقتها للأصل . ولهذه العلة ذكر النص على وجه التحديد أن الصور تكون حجة بالقدر الذى يعترف فيه بمطابقتها للأصل ، مع مراعاة القيد الآتى : فلذى الشأن من الطرفين أن يطلب مراجعة الصورة على الأصل فى مواجهة الطرف الآخر . ومؤدى هذا أن مجرد إنكار مطابقة الصورة للأصل يكفى للإلزام بتقديم الأصل ولو لم يكن هذا الإنكار معززاً بدليل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 361 ) .
والمشروع التمهيدى ـ كما رأينا ـ لم يلزم القاضى باستحضار الأصل ، بل أجاز له ذلك ، فجعل استحضار الأصل محلا لتقديره . ولكن المشروع النهائى جعل استحضار الأصل لزاماً على القاضى .
([35]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( ويراعى أن النص سوى فى الحكم بين الصور الشمسية ( الفوتوغرافية ) والصور الخطية إزاء شيوع الركون إلى طريقة التصوير الشمسى بالنسبة للأوراق الرسمية فى مصر . وقد قضت المادة 440 من التقنين المركشى على انسحاب الحكم نفسه على الصورة الشمسية للأوراق المنقولة عن الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 360 ـ ص 361 ) .
([36]) حتى ولو لم يكن مفقوداً ، ما دام أن تقديمه متعذر . ومن هنا عدلت العبارة التى في صدر المادة 393 فصارت : (( إذا لم يوجد أصل الورقة الرسمية )) ، وكانت فى المشروع التمهيدى : (( أما إذا فقد الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 363 ) .
([37]) وقد كان المشروع التمهيدى فى الفقرة الثانية من المادة 535 ، على ما رأينا ، يجرى على الوجه الآتى : (( ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة الصورة على الأصل ، على أن يتم ذلك فى مواجهتهما . وفى هذه الحالة يجوز للقاضى أن يأمر باستحضار الأصل )) . فمجرد المنازعة فى المطابقة لا يكفى لإسقاط القرينة ، بل يترك ذلك إلى تقدير القاضى ، فأن رأى استبقاء القرينة قائمة دون مضاهاة فعل ، وإلا استحضر الأصل وضاهى عليه الصورة . وفى هذا المعنى تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : (( بيد أن العمل جرى على الاعتداء بحجية الصور الخطية والشمسية واعتبارها مطابقة للأصل متى انتفت كل شبهة فى حقيقة هذه المطابقة . فليست قيمة هذه الصور فى الإثبات بموقوتة أو مغياة بمجرد المنازعة فى مطابقتها لأصولها . على أن المشروع قصد إلى تحامى استغلال مجرد الإنكار فى إطالة أمد الخصومات واللدد فيها ، فنص فى الفقرة الثانية من المادة المتقدم ذكرها على أنه ( يجوز للقاضى أن يأمر باستحضار الأصل ) . فللقاضى والحال هذه سلطة تقدير جدية الإنكار ، دون أن يخل ذلك بواجه فى الاعتداء بما لمن يحتج عليه بالصورة الشمسية أو الخطية من حق غير منازع فى المطالبة بتقديم الأصل . فإذا انتفى كل شك فى أن الإنكار لا يقصد منه إلا إلى إطالة أمد النزاع ، كان للقاضى ألا يأمر باستحضار الأصل . وليس فى أن من الأنسب تخويل القاضى سلطة التقدير فى هذا الشأن ، ولا سيما أن شيوع طريقة التصوير الشمسى يقضى على الكثير من أسباب الخطأ فى الصور التى تنقل بالخط أو بالآلة الكاتبة )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 361 ) .
وقد رأينا أن المشروع النهائى أدخل تعديلا على المشروع التمهيدى فى هذه المسألة ، وجعل لزاماً على القاضى استحضار الأصل للمضاهاة بمجرد منازعة الخصم فى المطابقة . وبهذا المعنى صدر التقنين الجديد . وبوجه هذا الرأى اعتبار منطقى : إن الاحتجاج بورقة ، ولو كانت رسمية ، على خصم إنما يكون بتوقيع هذا الخصم عليها ، والصورة لا تحمل هذا التوقيع ، والذى يحمل التوقيع هو الأصل ، فما دام الأصل موجوداً ، وطلب الخصم استحضاره ، فالأصل وحده هو الذى يحتج به عليه ، ووجب استحضاره لمضاهاة الصورة عليه . حتى إذا تبين من المضاهاة مطابقة الصورة للأصل ، فالأصل لا الصورة هو الذى يحتج به على الخصم فالحجية إذن ، حتى عند مطابقة الصورة للأصل ، إنما تثبت للأصل دون الصورة كما قدمنا .
([38]) وقد ورد فى الموجز للمؤلف شرحاً للتقنين القديم فى هذا الصدد ما يأتى : (( وقد رأينا فيما قدمناه أن ذوى الشأن فى الورقة الرسمية لا يحصلون إلا على صور منها ، أما الأصل فيبقى محفوظاً في قلم كتاب المحكمة . فإذا كان الأصل موجوداً لم تقم الصورة مقامه فى الإثبات إلا إذا سلم الخصم بمطابقة الصورة للأصل . فإذا لم يسلم بذلك ، وطلب الرجوع إلى الأصل وهو وحده الذى يحمل توقيعه ، أجيب إلى طلبه ، وانتدبت المحكمة قاضياً لاستلام الأصل مع كتابة صورة منه توضع مكان الأصل مؤقتاً حتى يرد الأصل )) . ( الموجز فقرة 629 ص 661 ـ ص 662 ) . وواضح ما ورد فى الموجز أن الصورة تنتفع بادئ ذى بدء بقرينة المطابقة ، وتنتفى هذه القرينة بمجرد إنكار الخصم مطابقة الصورة للأصل ، وعندئذ يؤتى بالأصل لمضاهاة الصورة عليه . والحجية ، حتى عند التحقق من المطابقة ، إنما تثبت ، فى التقنين القديم كما فى التقنين الجديد ، للأصل لا للصورة ( قارن استئناف مختلط 21 ديسمبر سنة 1948 م 61 ص 32 ) .
وهذا هو أيضاً حكم القانون المدنى الفرنسى ( أوبرى ورو 12 فقرة 760 ص 279 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1498 ) .
([39]) وفى هذا تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : (( يقع على من يتمسك بالصور الخطية أو الشمسية عبء إقامة الدليل على فقد الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 ) .
([40]) وعقب التوثيق كما قدمنا . ولا توضع عليها الصيغة التنفيذية ، إما لأن ذا الشأن لا حاجة به للتنفيذ ، وإما لأن موضوع الورقة لا يدع محلا للتنفيذ كالتوكيل الرسمى .
([41]) وهذا هو الرأى الذى ذهب إليه الأستاذ سليمان مرقس فى كتابه أصول الإثبات ( فقرة 502 مكررة ص 67 ـ ص 69 ) ، ونفى أن يكون المقصود من النص الاقتصار ، فى إعطاء حجية الأصل ، على الصورة التنفيذية (grosse) والصورة الأصلية الأولى (premiere expedition) ، بل جعل النص يعم الصورة الأصلية البسيطة (simple expedition) ، والصورة الرسمية التى تحرر بضور التقاضى المنتدب عند صدور قرار من سلطة قضائية بضم الأصل إلى ملف الدعوى . وهذا الرأى فى نظرنا هو الصحيح ، فإن عبارة (( الصور الرسمية الأصلية ، تنفيذية كانت أو غير تنفيذية )) الواردة فى النص عبارة عامة تشمل هذه الحالات جميعاً . ولا يوجد ما يبرر قصرها على الحالتين الأوليين ـ الصورة التنفيذية والصورة الأصلية الأولى ـ دون غيرهما . (أنظر أيضاً فى هذا المعنى الدكتور عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 95 ) .
وقد قصر الأستاذ أحمد نشأت ( الإثبات ذ فقرة 172 ـ فقرة 172 ) هذه العبارة على الحالتين الأوليين (الصور التنفيذية والصورة الرسمية الأولى ) ، وأخرج من النص حالة الصورة الأصلية البسيطة ـ والظاهر أنه يرى وجوب اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة عن طريق الاجتهاد لا عن طريق النص انظر ص 163 ـ كما أخرج حالة الصورة الرسمية التى تحرر بحضور القاضى المنتدب ورجع فيها إلى المادة العاشرة من قانون التوثيق وتنص صراحة على أن تقوم الصورة مقام الأصل لحين رده .
وقد تأثر الأستاذ أحمد نشأت فى رأيه هذا بما كان عليه التقنين القديم ، فسنرى أن هذا التقنين كان ، على غرار التقنين الفرنسى ، يفرق بين الصورة الأصلية الأولى تنفيذية كانت أو غير تنفيذية فيوليها حجية الأصل ، وبين الصورة الأصلية البسيطة فلا يوليها حتما حجية الأصل ولكن لا ينزل بها عن مرتبة مبدأ الثبوت بالكتابة (وفى التقنين الفرنسى تكون لها حجية الأصل إذا مضى عليها ثلاثون سنة وإلا فهى مبدأ ثبوت بالكتابة ) . وقد كان النص العربى للمشروع التمهيدى ـ كما لاحظ بحق الأستاذ سليمان مرقس فى كتابـه أصـول الإثبـات ص 69 ـ يؤيد هذا الرأى . فقد وردت المادة 536 من هذا المشروع ـ وهى أصل المادة 393 ـ على الوجه الآتى : (( يكون للصورة التنفيذية أو للصورة الأولى حجية الأصل )) ، ( أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 ) ، وكان هذا يغاير الأصل الفرنسى للنص وهو : Les grosses et toutes expeditions font la meme foi que l’original : فلم يفرق هذا النص الفرنسى بين صورة أصلية أولى وصورة أصلية بسيطة ، بل جعل لكل الصور الأصلية حجية الأصل ، وهذا نقلا عن المادة 291 من المشروع الفرنسى الإيطالى كما سبق القول . وقد عدل النص العربى فى لجنة المراجعة ـ كما رأينا ـ فأصبح الأصل )) . ومن ثم لم يعد هناك محل للتمييز بين الصورة الأصلية الأولى والصورة الأصلية البسيطة ، فكلاهما له حجية الأص .
على أن الأستاذ سليمان مرقس ( أصول الإثبات ص 68 هامش رقم 1 ) لا يزال يفضل ـ من الناحية التشريعية لا من الناحية التفسيرية ـ للتشريع القائم ـ التمييز بين الصورة الأصلية الأولى ، ويوليها حجية الأصل ، والصورة الأصلية البسيطة ، ويجعلها خاضعة لتقدير القاضى ، (( إذ يمكن ـ كما يقول ـ أن نتصور أن يتواطأ الموظف المختصى مع أحد ذوى الشأن ويعطيه صورة محورة من عقد رسمى محفوظ لديه ليست هى الصورة المحورة حجية الأصل ويغطى ما وقع فيها من تحوير فلا يجز إثبات عدم صحتها إلا بالطعن بالتزوير )) . ومهما قيل من أن احتمال تواطؤ الموظف المختص يكون أكبر فى الصورة الأصلية البسيطة منه فى الصورة الأصلية الأولى ، فلا شك فى أن إثارة هذا التواطؤ ـ أياً كانت احتمالاته ـ لا يجوز أن تكون إلا عن طريق الطعن بالتزوير .
([42]) وقد تكون ، تبعاً للظروف ، مبدأ ثبوت بالكتابة ، إذا توافرت فيها الشروط الواجبة لذلك .
([43]) وذلك بخلاف ما إذا كان الأصل موجوداً ، فقد قدمنا أن الصورة تستمد حجيتها لا منها ذاتها بل من الأصل الموجود .
([44]) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 266 . وقد سبق ذكر ذلك .
([45]) وقد كان المشروع التمهيدى ( م 536 بندب ) يجيز أيضاً للقاضى ، من غير طلب الخصوم ، أن يأمر بإحضار الصورة الأصلية للمضاهاة . ولكن المشروع النهائى خرج خلواً من هذا الجواز ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( أنظر مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 364 وص 365 ) .
([46]) ويرى الأستاذ سليمان مرقس ( أصول الإثبات ص 70 ) أنه (( إذا كانت الصورة الأصلية فى هذه الحالة قد فقدت كما فقد أصل الورقة الرسمية ، أمكن اعتبار الصورة غير الأصلية بمثابة صورة أصلية من الصورة الأصلية المفقودة وإجراء حكم الفقرة (1) عليها ، فتكون لها حجية هذه الصورة الأخيرة متى كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها لها )) . ولا نميل للأخذ بهذا الرأى دون نص صريح يقضى به ، فقد رأينا أن الأخذ بحكم مماثل فى حال تحديد حجية الصورة الأصلية عند فقد الأصل كان مستنداً إلى نص صريح ، وعد مع ذلك نصاً جرئياً .
ويرى الأستاذ أحمد نشأتت ( الإثبات 1 فقرة 173 ) أن الصورة الثانية فى هذه الحالة يجب أن يعترف لها بقيمة مبدأ الثبوت بالكتابة على الأقل . وهذا هو أيضاً رأى الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ( الإثبات ص 104 ) .
وقد تقضى الظروف باعتبار الصورة الثانية إثباتاً كاملا للحق إذا كان صاحب الحق نفسه متعنتاً لا يريد تقديم المستند الأصلى . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا رفض التاجر المفلس أن يقدم السند الأصلى لعقد البيع الصادر له ، كان للسنديك أن يقدم صورة تسجيل هذا العقد ( والتسجيل ذاته صورة أصلية من السند الأصلى فصورته تكون إذن صورة للصورة الأصلية ) مستنداً لحق التاجر المفلس فى ملكية الشئ المبيع إذا رفع الغير دعوى استحقاق يطالب بهذه الملكية ( استئناف مختلط 2 يناير سنة 1901 م 13 ص 95 ) .
([47]) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 .
([48]) ويدخل فى ذلك أية صورة أخذت ، مباشرة أو بطريق غير مباشر ، من صورة مأخوذة من صورة للصورة الأصلية ، مهما تعددت التى تفصل ما بين الأصل والصورة التى يراد الاحتجاج بها .
([49]) وهذا هو الرأى الذى يقول به الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ( الإثبات ص 104 ) ـ هذا وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى بعد ذلك ما يأتى : (( أما المقتطفات والمستخرجات والصور الجزئية فللقاضى سلطة تقديرها . وغنى عن البيان أن هذه المقتطفات والصور تقتصر قيمتها على الشق الذى ينقل فيها عن الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 ) .
([50]) ويقضى التقنين المدنى الفرنسى ( م 1335 وقد تقدم ذكرها ) بأنه إذا لم يوجد الأصل ، فإن الصور التى تكون لها حجية الأصل هى : (1) الصورة التنفيذية (grosse) . (2) الصورة الأولى (premiere expedition) . (3) الصورة الأصلية المحررة بأمر القاضى فى حضور أصحاب الشأن أو بعد دعوتهم للحضور (4) الصورة الأصلية المحررة فى حضور أصحاب الشأن وبتراضيهم . (5) الصورة الأصلية المحررة بغير أمر القاضى وبغير تراضى الخصوم وفى غير حضورهم إذا أخذت بواسطة الموثق (notaire) ، أو موظف عام مختص ، وكانت قديمة أى مضى على تحريرها أكثر من ثلاثين سنة . وهناك صور أصلية لا تكون قيمتها إلا مبدأ ثبوت بالكتابة ، وهى : (1) الصورة الأصلية المحررة على الوجه المتقدم الذكر فى الطائفة الخامسة من الصور التى تكون لها حجية الأصل إذا لم تكن الصورة قديمة ، أى لم يمض على تحريرها أكثر من ثلاثين سنة (2) الصورة الأصلية التى حررها غير الموثق وغير الموظف العام مهما يكن تاريخ تحريرها .
أما صور الصور فلا يعتد بها إلا للاستئناس . ويستثنى من ذلك : (1) صورة التسجيل فى الورقة المسجلة ، وتعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة وذلك قبل قانون 21 يولية سنة 1921 (2) إذا حررت صورة تنفيذية ثانية أو أصل ثان بأمر رئيس المحكمة المدنية ( م 844 مرافعات فرنسى ) . فهذه صورة من الصورة ولكن لها حجية الأصل (أنظر بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1498 ـ فقرة ب1499 ص 946 ـ ص 947 ) .
([51]) وكذلك تثبت حجية الأصل للصورة التى يوقعها القاضى وكاتب الجلسة مع كاتب التوثيق عندخ تسلمهما الأصل لإجراء المضاهاة ( م 265/ 306 مرافعات قديم ) .
([52]) الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 172 ص 161 ـ ص 162 ـ الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 52 ص 64 ـ ص 66 ـ الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 93 ـ قارن الموجز للمؤلف ، وقد ورد فيه ، تفسيراً للمادة 231/ 296 من التقنين المدنى السابق ، ما يأتى : (( أما إذا فقد الأصل ، فإن الصورة التنفيذية (grosse) ، وهى الصورة الأولى التى يحصل عليها الخصوم وعليها الصيغة التنفيذية ، تقوم مقام الأصل فى الإثبات . وكذلك تقوم مقام الأصل تلك الصورة التى وضعت مكان الأصل مؤقتاً عند أخذ الأصل للرجوع إليه كما رأينا وذلك إذا ضاع الأصل . أما الصور الأخرى غير التنفيذية (ecpeditions) فللقاضى النظر فى درجة اعتمادها كما تقرر ذلك المادتان 231/296 ، فقد يعتبرها على الأقل مبدأ ثبوت بالكتابة )) ( الموجز ص 662 ) . ونستدرك على ما جاء فى الموجز أنه أغفل ذكر الصورة الأولى إذا لم تكن هى الصورة التنفيذية ، فهذه ، فى التقنين السابق ، كانت لها حجية الأصل شأنها فى ذلك شأن الصورة الأولى التنفيذية . والسبب فى أننا لم نر ، فى (( الموجز )) ، التمييز ما بين الصورة التنفيذية والصورة الأولى ، أننا اتبعنا فى عدم التمييز بينهما رأياً قديماً قال به لارومبيير ( جزء رابع م 1335 فقرة 1 ) ولوران ( جزء 19 فقرة 373 ) ـ أنظر أيضاً فى عدم التمييز بين الشيئين : كولان وكابيتان 2 فقرة 456 ص 431 ـ بودرى وبارد 4 فقرة 2491 ) .
([53]) قارن الاستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 173 ص 162 ـ ص 163 ـ وغنى عن البيان أن الأصل إذا كان موجوداً ، فى التقنين المدنى السابق ، فإن الحجية تنحصر فيه ، سواء عن طريق المضاهاة عليه أو عن طريق افتراض مطابقة الصورة له . ولا يختلف حكم التقنين المدنى السابق فى ذلك عن حكم التقنين المدنى الجديد .